ت: غادة الحلوانى
دراما الحب هي أكثر الخبرات حدة في الصراع بين الهوية والاختلاف
العدو هو الشخص الذي لن تدعم أي قرار يتخذه بشأن من شؤونك
لابد من فصل الحب فصلاً تاماً عن السياسة، باعتباره مغامرة فردية في السؤال عن الحقيقة حول الاختلاف
حبي للمسرح معقد جداً ويعود إلي زمن طويل. لعله أكثر قوة من حبي للفلسفة
يجب
أن يضع الفيلسوف في اعتباره أنه لا يختلف عن أي شخص آخر في
مواجهة ظروف الحياة العديدة. ومع ذلك، إن حدث ونسي، سوف يذكره
بقسوة التقليد المسرحي، خاصة الكوميدي منه، بهذه الحقيقة. ففي
نهاية المطاف يقدم التقليد المسرحي شخصية قديمة وهي الفيلسوف
مغرما، الذي تتبخر كلية حكمته الرواقية وعدم ثقته الكاملة في الحب
لحظة أن تكتسح امرأة فاتنة مدوخة الغرفة فتعصف به للأبد. لقد أدركت هذا
منذ زمن بعيد. وطرحت أن الفيلسوف ( وتحت هذه الكلمة التي تضمن
الحياد، أعني كذلك بديهيا، الفيلسوفة) يجب أن يكون عالما بارعا
وشاعرا هاو وناشطا سياسيا، بل وعليه أن يقبل حقيقة أن حقل الفكر ليس
ممهورا أبدا أمام انقضاضات الحب. العالم والفنان والناشط والحبيب، هذه
هي الأدوار التي تقتضيها الفلسفة من ممارسها. لقد أسميتهم
الحالات الأربع للفلسفة. ولهذا وافقت فورا حين دعاني نيقولا ترونج
إلي عقد حوار عام معه عن الحب، ضمن سلسلة " مسرح الأفكار"
الذي ينظمها مع مهرجان افينيون. بدا لي هذا المزج بين المسرح
والجمهور والحوار والحب والفلسفة كوكتيل مُسكِر. علاوة علي ذلك، كان من
المقرر أن يعقد في 14 يوليو ( 2008)، وأبهجني أن نحتفل
بالحب- هذه الطاقة الكوزموبوليتانية والملتبسة والجنسية التي تتخطي
الحدود والوضع الاجتماعي معا عوضا عن أن نحتفل بالجيش والأمة والدولة.
تخايلنا قليلا: يلعب نيقولا دور المحاور وأنا ألعب الدور الغامض لفيلسوف
الحب، لقد عملنا جيدا معا ونجحنا. وأقول بدون تردد: حققنا
انتصارا عظيما.
الحب والسياسة
لماذا السياسة هي والدة الحب. هل لأن السياسة تشمل الأحداث والاعلانات والولاءات كذلك؟
من
وجهة نظري تشكل السياسة اجراء حقيقي، لكنه الاجراء الذي يتمركز حول
الجمعي. أعني أن الفعل السياسي يختبر حقيقة ما يقدر علي انجازه
الجمعي. علي سبيل المثال، هل تستطيع السياسة تحقيق المساواة؟ هل
تستطيع أن تدمج ما هو لامتجانس/متغاير؟ هل تعتقد أنه لا يوجد إلا عالم
واحد فقط؟ أشياء من هذا القبيل. يمكن تصنيف السياسة في السؤال التالي:
ماذا يستطيع الأفراد عمله حين يلتقون، وينتظمون، ويفكرون
ويقررون؟ في الحب، يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كانا، كشخصين، قادرين
علي التعامل مع الاختلاف وجعله خلاقا. في السياسة، يتعلق الأمر
بمعرفة إذا كان عدد من الناس، كتلة من الناس في الحقيقة، يمكنها
الابداع علي قدم المساواة. وكما توجد العائلة علي مستوي الحب لكي تمارس
اجتماعيا تأثيره، فعلي مستوي السياسة توجد السلطة- الدولة، لكي
تقمع حماسه. يوجد بين السياسي، باعتباره الجمعي الفكري-العملي
وقضية السلطة أو الدولة باعتبارها تنظيم وادارة، العلاقة ذاتها
الصعبة التي توجد بين قضية الحب باعتباره ابتكار بدائي لاثنين وبين
العائلة باعتبارها النواة الأساسية للملكية والأنوية.
أساسا،
لو انك تلعب بكلمة " الدولة (دال الدهر : انقلب من حال إلي حال)
يمكن أن تعرّف العائلة بدولة/حالة الحب. فعلي سبيل المثال، حين تشارك
في حركة جماهيرية سياسية كبري تختبر التوتر الدال عينه بين السؤال عن "
ما الذي يقدر عليه الجمعي؟" والسؤال عن قوة الدولة وسلطتها. النتيجة
هي أن الدولة علي وشك خيانة الأمل السياسي تقريبا. هل أنا بحاجة
إلي أن أؤكد الأن علي أن العائلة دائما علي وشك خيانة الحب؟ تري أننا
يجب طرح هذا السؤال. في رأيي أن العائلة لا تتعامل إلا نقطة بعد
نقطة وقرارا بعد قرار. يوجد نقطة الاختراع الجنسي، ونقطة الطفل،
ونقطة الرحلات، ونقطة العمل والأصدقاء وليالي السمر والاجازات، وأيا
كان. وقصر كل هذه النقاط علي عنصر إعلان الحب ليست مسألة سهلة.
بالمثل في السياسة، توجد نقاط لسلطة الدولة والجبهات السياسية
والقوانين والبوليس وليس سهلا أبدا قصرها علي وجهة نظر سياسية مفتوحة ثورية
تعتنق المساواة.
في
الحالتين، لدينا إذن اجراءات نقطة بنقطة وتشكل قاعدة طرحي في
مواجهة صديقي المتدين. لا تخلط الاختبار مع النهاية. فمن المحتمل
ألا يتم ادراك السياسة بدون الدولة، لكن هذا لا يعني أن القوة
هدفها. هدفها هو أن تكتشف ما الذي يقدر عليه الجمعي، وليس القوة
ذاتها. بالمثل، الهدف في الحب هو اختبار العالم من وجهة نظر
الاختلاف، نقطة بنقطة، وليس ضمان فقط انتاج النوع. سوف يجد
الأخلاقي المرتاب تبريرا لتشاؤمه في العائلة، بأنها دليل علي أن الحب
في نهاية المطاف خدعة ببساطة لضمان انتاج النوع وخدعة المجتمع لضمان
توارث الميزات. لكني لن أقبل فرضيته. كما لن أقبل وجهة نظر صديقي
بيناروش بأن الخلق الرائع لقوة الاثنين التي يولدها الحب يرتبط
بالانحناء أمام عظمة الواحد في النهاية
لماذا اذن لا تستطيع تصور " سياسة الحب" كما رسم جاك لاكان خطوط " سياسة الصداقة"*؟
لا
أعتقد أنك تستطيع خلط الحب مع السياسة. في رأيي، " سياسة الحب"
تعبير بلا معني. أعتقد أنه حين تبدأ في قول " أحبوا بعض"، قد
يؤدي هذا إلي نوع ما من الأخلاق، لكن لن يؤدي إلي أي نوع من
السياسة. أولا، في السياسة يوجد أفراد لا يستطيع أحد أن
يحبها. هذا لا يمكن انكاره. لا يستطيع أي شخص أن يتوقع منا أن
نحبهم.
إذن علي عكس الحب، تدور السياسة حول المواجهة بين الأعداء؟
حسنا،
تعرف أنه، في الحب، مع الاختلاف المطلق الذي يوجد بين الفردين،
احدي أكبر الاختلافات التي يستطيع المرء تخيلها، مع معطي أنه اختلاف
لانهائي، يمكن للقاء، والإعلان والولاء أن يحولوا هذا الاختلاف إلي
وجود ابداعي. لاشيء من هذا القبيل يمكن أن يحدث في السياسة بالنسبة
للتناقضات الأساسية، وواقع أنه يوجد في الحقيقة أعداء معينين تعيينا
واضحا. إحدي القضايا المركزية في الفكر السياسي هي قضية الأعداء،
ومن الصعب جدا التعامل معها اليوم؛ جزئيا بسبب الاطار الديموقراطي
الذي نشتغل ضمنه. إن القضية هي: هل يوجد أعداء؟ أعني بهذا أعداء
حقيقيون. الشخص الذي تقبله، حزينا وممتعضا، الذي يصل إلي السلطة
دوريا، لأن الكثير من الناس صوتوا له ليس هو العدو الحقيقي. هذا
الشخص يزعجك وجوده علي رأس الدولة لأنك كنت تفضل غريمه. وسوف تنتظر
دورك، خمس سنوات أو عشرة أو أكثر. العدو: هذا شيء آخر! إنه الشخص
الذي لن تدعم أي قرار يتخذه بشأن من شؤونك. إذن، هل يوجد عدو
حقيقي أم لا؟ يجب أن يكون هذا السؤال نقطة انطلاقنا. في
السياسة، هذه قضية هامة للغاية واعتدنا أن ننحيها جانبا سريعا. في
الحب، تصبح قضية العدو غريبة كلية. في الحب، قد تقابل عوائقا،
قد تغمرك الدراما الداخلية، لكن في الحقيقة لا يوجد أعداء في
الحب. قد يعترض شخصا ما قائلا: ماذا عن غريمي؟ الشخص الذي يفضلة
حبيبي عليّ؟ حسنا، هذه مسألة مختلفة اختلافا كليا. في السياسة،
يصبح الصراع مع العدو هو الفعل. يشكل العدو جزء من جوهر السياسة.
تعرّف السياسة الحقيقية عدوها الحقيقي. من ناحية أخري، يظل الغريم
خارجيا تماما، فهو ليس جزء من تعريف الحب. في هذه النقطة اختلف جذريا
مع هؤلاء الذين يعتقدون أن الغيرة عنصر مكون من عناصر الحب. وأكثر من
يجسد هذا تجسيدا عبقريا بروست، الذي يري الغيرة مكونا حقيقيا وحادا
وشيطانيا في الذات المحبة. أعتقد أن هذا الرأي ببساطة هو تنوع
لأطروحة الأخلاقيين أصحاب مذهب الشك. إن الغيرة طفيلي زائف يتغذي
علي الحب ولا يساعد إطلاقا في تعريفه. هل يجب علي كل حب تحديد
غريم خارجي قبل أن يعلن عن نفسه، قبل أن يبدأ. مستحيل! العكس
هو الحال: إن الصعوبات الداخلية للحب، والتناقضات الداخلية لمشهد
الاثنين يمكن أن تتبلور حول طرف ثالث، غريم، متخيلا أو حقيقيا. إن
الصعوبات التي ينطوي عليها الحب لا تنبت من وجود عدو تم تحديده. هذه
الصعوبات داخلية في سيرورته: اللعبة المبدعة للاختلاف. إنها
الأنانية: هي عدو الحب، وليست غريمه. يمكن أن نقول: إن عدو
حبيبي الأساسي، الذي يجب أن أهزمه، ليس الآخر، بل نفسي، إن "
نفسي" التي تفضل الهوية علي الاختلاف، التي تفضل أن تضع عالمها
في مواجهة العالم الذي تمت تنقيته وإعادة بناءه خلال منشور الاختلاف.
الحب يمكن أن يكون حربا أيضا...
لابد
أن نضع في اعتبارنا أن اجراء الحب، مثل العديد من اجراءات الحقيقة،
لايتصف بالسلام دائما. يمكن أن يتشكل من شجارات عنيفة، ومعاناة
أصيلة وانفصالات قد نتجاوزها وقد لانستطيع. يجب أن ندرك أنها خبرة من
أكثر الخبرات ألما في الحياة الشخصية لأي فرد! لهذا يدعم بعض الناس
دعائية " الضمان الشامل". لقد ذكرت فعليا أن الناس تموت بسبب الحب.
يوجد موتي/صرعي الحب ومنتحري الحب. في الحقيقة، إن الحب، طبقا
لمقياسه، ليس بالضرورة سلميا أكثر من السياسة الثورية. إن الحقيقة ليست
شيئا ما مشيد في حديقة ورود. أبدا! فللحب نظامه الخاص به الذي
يحمل داخله التناقضات والعنف. لكن الاختلاف، نصطدم به، في
السياسة، مع قضية العدو، حقا، في حين أنه في الحب يصبح سؤال
الدراما. الدراما الباطنية والداخلية التي لا تحدد حقا أي أعداء،
لكنها تضع في بعض الأحيان دافع الهوية في صراع مع الاختلاف. إن
دراما الحب هي أكثر الخبرات حدة في الصراع بين الهوية والاختلاف.
ومع ذلك، أليس من الممكن أن نجمع الحب والسياسة معا بدون أن نقع في فخ المذهب الأخلاقي لسياسة الحب؟
يوجد
مفهومان سياسيان أو فيلسفيان؛ يمكن أن نقارنهما علي مستوي شكلي محض
بالديالكتيك الموجود في الحب. أولا، تشمل كلمة " شيوعية" فكرة أن
الجمعي قادر علي دمج كل الاختلافات التي توجد خارج مجال السياسة.
لايجب منع الناس عن المشاركة في العملية السياسية من النوع الشيوعي
لأنهم هذا أو ذاك، أو لأنهم ولدوا هنا أو جاءوا من مكان آخر، أو
يتحدثون هذه اللغة أو تلك، أو يحملون تلك الثقافة أو غيرها، علي
النحو عينه الذي لا تمثل الهويات، داخلهم، عائقا أمام الحب. إن
الاختلاف السياسي مع العدو، فقط، " متناقض" كما يقول ماركس.
وهذا ليس له معادل في اجراء الحب. ثم لدينا كلمة "الإخاء". إن
مصطلح" الاخاء" هو أكثر مصطلحات شعار الجمهورية غموضا. يمكن أن
نتناقش حول " الحرية"، لكننا نعرف ما هي. ويمكن أن نقدم تعريفا
دقيقا تماما عن ماذا تعني " المساواة"؟ لكن ماذا يعني " الإخاء"؟
هذا يمس بلاشك قضية الاختلاف، ووجوده المشترك الودود في العملية
السياسية بأن الحدود الأساسية هي مواجهة العدو. وهذا مفهوم يمكن أن
يغطيه مذهب العالمية؛ فلو أن الجمعي قادر حقا علي تحمل مسؤولية
المساواة، هذا يعني أنه يمكن أن يدمج أكثر التباينات حدة،
ويسيطر سيطرة صارمة علي قوة الهوية.
في
بداية حوارنا، تحدثت عن المسيحية علي أنها " ديانة الحب". فلنركز
الآن علي تجسدات الحب في الايديولجيات العظيمة. في رأيك، كيف تتدبر
المسيحية القبض علي القوي غير العادية التي يتمتع بها الحب؟
في
هذا السياق، أعتقد أن البوذية مهدت تماما الطريق للمسيحية. إن وجود
الحب في العهد القديم دال، علي مستوي التشريعات والوصف علي السواء.
فأيا كان فحواها اللاهوتي فأغنية الحب التي هي نشيد الأناشيد واحدة
من أكثر الاحتفاءات القوية بالحب التي كتبت علي مر الزمن. المسيحية في
حد ذاتها أفضل نموذج علي استخدام كثافة الحب نحو مفهوم ترانسندنتالية
الكون. تقول المسيحية: لو احببتوا بعضكم، سيقترب هذا المجتمع المحب
من الينبوع النهائي لكل الحب الذي هو ترانسندتالية إلهية في حد
ذاته. إنها تقدم فكرة أن قبول خبرة الحب، خبرة الآخر، النظرة التي
تنبثق تجاه الآخر، تساهم إلي هذا الحب الأعلي الذي هو الحب الذي
ندين به لله والحب الذي يضعه فينا الله علي السواء. وبالطبع، هذه
ضربة عبقرية! دبرت المسيحية الامساك، باسم كنيستها- تجسيدها
للدولة-، بهذه القوة التي خولت لها، علي سبيل المثال، أن تحقق
قبول الفرد للمعاناة باسم المصالح العليا للمجتمع وليس فقط باسم بقاء
الفرد.
فهمت
المسيحية بامتياز أن الاحتمالية الظاهرية للحب تحمل عنصرا يحميه من
اختصاره إلي هذه الاحتمالية. لكن، وهذه هي المشكلة، يرفعه علي
الفور إلي مستوي الترنسدنتالية. هذا العنصر الكوني الذي أدركه كذلك
في الحب أراه عنصرا باطنيا. غير أن المسيحية تدبرت بطريقة ما كذلك أن
ترفعه وأن تعيد تركيزه في قوة ترنسندنتالية. إنها الحركة التي نجدها
جزئيا عند أفلاطون، خلال فكرة الخير. إنها الاستغلال الأول العبقري
لقوة الحب والذي يجب الآن وضعه علي الأرض. أعني أننا يجب أن نبين
أن الحب يتمتع فعليا بقوة كلية، لكنه ببساطة تامة هو احتمالية أن نجرب
خبرة توكيدية وابداعية وايجابية للاختلاف. إنه الآخر، بلاشك، لكن
بدون " الأخر- القدير"، بدون " الآخر العظيم" في
الترنسندنتالية. في التحليل الأخير، لا تتحدث الأديان عن الحب.
إنها تهتم فقط به باعتباره مصدر للكثافة، للحالة الشخصية التي يستطيع
وحده فقط خلقها، وكل هذا بهدف توجيه هذه الكثافة إلي الإيمان والكنيسة من
أجل وضع هذه الحالة الشخصية في مصلحة هيمنة الله. إن النتيجة هي،
علاوة علي ماسبق، أن المسيحية تقدم عوضا عن الحب النضالي الذي أمدحه
هنا- الابداع الأرضي لميلاد مختلف لعالم جديد، سعادة ننتزعها نقطة
نقطة- تقدم المسيحية حبا سلبيا وورعا وخاضعا. إن الحب علي ركبتين
راكعتين ليس حبا علي الإطلاق بقدر علمي، حتي ولو أنه يبعث عاطفة داخلنا
تجعلنا نذعن لمن نحب.
لقد
عملت مع انطوان فيتز، خاصة حين كان يجهز انتاجه الشهير خف ابليس لبول
كلوديل. هل التأمل الذي قدمه مؤلف استراحة الظهيرة الغارق تماما في
المسيحية، لديه مايقوله اليوم للناس الذين لم يعودوا مسيحيين؟
كلوديل
كاتب دراما عظيم عن الحب. لقد كرس خف ابليس واستراحة الظهيرة كلية
لمعالجة هذه الثيمة. من ناحية أخري، ما الذي لدي كلوديل يثيرنا
الآن لا يثيره مباشرة مجتمع القديسين وثواب العقود الخيرة والخلاص فيما
بعد الحياة. لا أستطيع إلا أن أفكر في نهاية استراحة الظهيرة: "
افترقنا، لكن لم نتوقف عن حمل بعضنا، هل يجب أن نحمل عبء أرواحنا
الشقية؟" لدي كلوديل حساسية، خاصة، تجاه فكرة أن الحب الحقيقي
يتغلب علي المستحيل:" أصبحنا بعيدين عن بعض، لكن لن نتوقف عن حمل
بعضنا البعض"... بوضوح تام، الحب ليس احتمالية، علي الأحري، هو
تجاوز شيء ما يبدو مستحيلا. شيء ما يوجد، لاسبب له، لم يقدم لك
أبدا علي أنه احتمالية. وهذا سبب آخر كذلك يوضح زيف دعاية الموقع
الاكتروني ميتك للمواعيد الغرامية. فهو يعمل بناء علي فرضية أنك تفحص
كل الاحتمالات وتنتقي الأفضل لكي تستمتع بحب آمن. لكن الواقع غير
ذلك! ليست مثل القصص التي يصطف الخاطبون طابورا. إن تجاوز المستحيل
يعني بداية الحب؛ وكلوديل شاعر المستحيل العظيم مع ثيمة المرأة
المحرمة. ومع ذلك، يحمل الزهر لديه حظا سيئا إلي حد ما، بما أن
المستحيل نسبي لأنه أرضي. أعتقد أن لديه مشهدين من" مشهد من اثنين"
بدلا من واحد. الأول هو خبرة استحالة الحب علي الأرض. الثاني حين
يتآلف اثنان في عالم الايمان. من الرائع أن تتابع آلياته الشعرية
الرائعة التي يستخدمها ليغني المشهد الثاني انطلاقا من قوة الأول
بلغة رائعة. هذه هي المسيحية. تقوم دعايتها بالقوة الأرضية للحب
بقولها: " نعم، توجد أشياء معينة مستحيلة بالرغم من هذه القوة، لكن
لا داعي للقلق لأن ما هو مستحيل هنا في الأسفل، ليس كذلك بالضرورة
فيما بعد الحياة." دعائية أولية جدا لكنها مفحمة.
إن
الرغبة في جلب الحب إلي الأرض، إلي الحركة من الترنسندنتالي إلي
الباطني- رغبة مركزية في الشيوعية التاريخية. كيف يمكن أن يصبح
إعادة تنشيط الفرضيات الشيوعية طريقا لإعادة ابتكار الحب؟
أشرت
مبكرا لما أراه في هذه الاستخدامات السياسية لكلمة " حب"، وكيف
يساء استخدامها كاستخدامات دينية. من ناحية أخري، نتعامل هنا أيضا مع
قوة ترانسدنتالية تفهم قوة الحب. لم يعد الله بعد الآن، بل الحزب،
وخلال الحزب، قائده الأعلي. يلخص تعبير " عبادة الشخصية" هذا
النوع من الانتقال الجمعي للحب إلي شخصية سياسية. وانضم الشعراء كذلك:
انظر إلي نشيد الأنشاد الذي نظمه اوراد لستالين؛ وترنيمات اراجون عن
عودة موريس ثوريز إلي فرنسا بعد مرضه.... إن ما يثير اهتمامي أكثر
هوعبادة الحزب علي هذا النحو. كذلك، نري أراجون قد أصابته الأعراض: "
أعاد حزبي ألوان فرنسا إلي"، إلخ. نري الحب علي الفور ملطفا.
فالكلمات متشابهة جدا في مقدر لنا الرحيل و إلي إلزا تريولت. من
اللافت للانتباه أن نري كيف أصبح الحزب الذي أعتقدنا أنه ببساطة أداة
انتقالية لظهور الطبقات العاملة والشعبية فيتشيا هكذا. لا أريد أن أهزأ
من أي من هذا: لقد كان عصر العاطفة السياسية الذي لا يمكننا
الاستمرار فيه، والذي يجب أن نراه الآن بعين نقدية، لكنه كان كثيفا
وحصد الملايين ايمانا به. ما يجب أن نقوله، بما أن الحب ثيمتنا،
لايجب خلط الحب مع العاطفة السياسية. إن المشكلة التي تواجهها السياسة
هي سيطرة الكره وليس الحب. والكره هو عاطفة تمتلك حتميا قضية العدو.
في كلمات أخري، في السياسة، حيث يوجد قضية العدو، يصبح الدور
الوحيد للمنظمة، أيا كانت، هو السيطرة علي الكره وفعليا محو عواقبه.
هذا لا يعني أنها يجب أن "تبشر بالحب" لكن، وهذا هو التحدي
الفكري العظيم، أن تعطي للعدو السياسي تعريفا أدق وأكثر تحديدا.
وليس، كما كان الحال خلال معظم القرن الماضي كله تقريبا التعريف
الأكثر غموضا وهلهلة.
هل من الأفضل فصل الحب عن السياسة؟
جزء
كبير من عمل المعاصر للفكر المعاصر فصل ما جمع معا خطأ. بالطريقة ذاتها
الذي يجب السيطرة علي تعريف العدو وتحديده وتقليصه إلي الحد الأدني،
لابد من فصل الحب فصلا تاما عن السياسة، باعتباره مغامرة فردية في
السؤال عن الحقيقة حول الاختلاف. حين أتحدث عن الفرضية الشيوعية،
فإنني ببساطة أقول مايلي: الأشكال المستقبلية من سياسة التحرير يجب
أن تنقش في احياء الفكرة الشيوعية وتوكيدها؛ فكرة عالم لا يستسلم أمام
شهية الملكية الخاصة، عالم من الارتباط الحر والمساواة. من أجل هذا
الهدف، لدينا أدوات فلسفية جديدة وعدد معقول من الخبرات السياسية
المحلية، التي شهدت تفكيرا متجددا. في هذا الإطار، يصبح الحب
طيعا لاعادة ابتكاره أكثر مما لو أحاطه السُعر الرأسمالي. ذلك أننا يجب
أن نتيقن من أن كل ما هو ايثاري لن يشعر بالراحة في خضم هذا
السعار. والحب، مثل أي اجراء يبحث عن الحقيقة، أساسا ايثاري:
تكمن قيمته في ذاته وحدها وتتجاوز المصالح الآنية للطرفين. إن معني
كلمة "شيوعية" لا تتعلق مباشرة بالحب. ومع ذلك، تجلب الكلمة معها
احتمالات جديدة للحب.
يوجد
بعد محتمل آخر لتجسيدات الحب في السياسة الشيوعية. إنها القصص التي
بنيت علي أساس الاضطرابات أو الحركات الاجتماعية. تشدد غالبا علي هذا
البعد، بما أنه، لوهلة، يسمح بانتهاك الحب ليتحالف مع الانتهاك
السياسي. ما خصوصية هذه القصص في الصراع؟
أحمل
حساسية خاصة لهذا الوجه من الأشياء لأنني كرست جزء كبيرا من كتابتي
كروائي وكاتب مسرحي إلي الموضوع. في مسرحيتي الايشارب الأحمر،
تهتم القصة أساسا بالحب بين أخ وأخت بعيدين عن بعض في كل تجسيدات الحركة
السياسية الضخمة التي شملت حروب التحرير والاضرابات والتظاهرات... في
روايتي مبني هادئ هنا- التي يتطابق إطارها الشكلي مع رواية
البؤساء لهوجو- يغلف التصوير الثوري حب العامل الشيعي أحمد ازماني
لارهابية، اليزابيث كاثلي، ثم لطفلها سيمون الذي تبناه بعد موتها،
من أجل كلود اوجاساوارا الشاعرة وابنة أحد الرجعيين البارزين. في كل
هذه اللحظات، لم تكن نيتي تسليط الضوء علي التماثل بين الحب والالتزام
الثوري، بل علي الأصداء السرية التي تتولد في أكثر الخبرات الفردية
حميمية، بين الكثافة التي تتطلبها الحياة حين نكون ملتزمين مائة
بالمائة بفكرة معينة والكثافة المميزة نوعيا التي يولدها الصراع مع
الاختلاف في الحب. هذا يماثل أداتان موسيقيتان تختلفان كلية في
النبرة وحجم الصوت، لكنهما يتقاربان تقاربا غامضا حين يوحد بينهما
موسيقي عظيم في العمل ذاته. اسمح لي بأن أبوح بسر، لقد نقشت في
هذه الأعمال الأدبية تقييما لحياتي في " السنوات الحمراء" بين
مايو 1968 وثمانينات القرن الماضي. هذه هي الفترة التي طورت
أثناءها اعتقادا سياسيا بقيت مخلصا له ومعه اخلاصا عنيدا؛ احدي أسماءه
المحتملة " الشيوعية". لكنني حينئذ، وعلي قدم المساواة، بنيت
حياتي حول سيرورات الحب التي كانت حاسمة. ما جاء بعد ذل ك في
السياق ذاته أضاءه هذا المصدر واستمراريته. فكما ذكرت سابقا، لا يجب
أن ينبذ المرء، خاصة، اعتناقه الحب والسياسة. لقد كانت تلك اللحظة
التي عثرت فيها حياتي علي الوتر الموسيقي، بين السياسة والحب،
الذي خلق تناغم ايقاعها.
الحب والفن
أجده
غريبا أنك تشير دائما إلي صمويل بيكيت عند الحديث عن الحب. بالكاد
أستطيع أن أقول أن أعمال بيكيت تركز علي السعادة. كيف تعمل أعماله،
الشهيرة بالعدمية والتشاؤم علي " مشهد من اثنين" الذي هو الحب؟
كما
قلت، يحتوي الأدب القليل عن الحب فيما يخص خبرة استمراريته خلال
الزمن. أمر يدعو للذهول. فلنأخذ المسرح علي سبيل المثال. لو شاهدت
النصوص التي تعرض صراعات المحبين الشباب في مواجهة استبداد عالم
العائلة- وهو موضوع كلاسيكي تماما- يمكن أن تعطيها كلها عنوان ماريفو
الفرعي انتصار الحب. تحت هذا النموذج، تحكي العديد من المسرحيات
كيف أن هؤلاء الشباب، بمساعدة الخدم أو أي أشخاص أخري متواطئة معهم،
يخدعون الآباء الطاعنين في السن، ويحققون في النهاية ما يريدون،
وهو في الأساس الزواج. إنه انتصار الحب، لكن ليس استمراريته. هذا
بالضبط ما يمكن أن تسميه حبكة اللقاء. بنيت العديد من الأعمال الهامة
والروايات العظيمة حول استحالة الحب، واختباره، وتراجيديته، وخفوته،
وفراقه، ونهايته، إلخ. لكن القليل منها يدور حول توكيد
استمراريته. يمكن أن نقول حتي أنه لم ينتج عن الحياة الزواجية
أعمالا عظيما. إنها الحقيقة التي لم تلهم كثيرا الفنانين. والآن،
نجد، تحديدا، لدي بيكيت الذي نقول عنه كاتب اليأس والمستحيل شيء ما
شديد الخصوصية بصدد هذا الموضوع: هو أيضا كاتب عناد الحب. فلنأخذ علي
سبيل المثال عمله أيتها الأيام الجميلة؛ قصة عن زوج عجوز. لا نري سوي
المرأة والرجل يزحفان خلف المشهد، وكل شيء بالٍ، وهي تغرق في
التراب/الأرض، لكنها تقول: " كم كانت أيام جميلة". وتقول له هذا
لأن الحب لازال موجودا. الحب هو ذلك العنصر القوي والثابت الذي
بني وجودها في مظهر كارثي. والحب هو القوة الخفية لهذه الكارثة. في
نص قصير رائع بعنوان، كفي، يحكي بيكيت تجول زوج عجوز خلال ديكور
جبلي وصحراوي في الوقت ذاته. والقصة هي قصة حب، استمرارية هذا
الزوج العجوز، ولا يخفي علي الإطلاق الحالة الكارثية لجسدهما،
وأحادية نغمة وجودهما، والصعوبة المتنامية في ممارسة الجنس، إلخ.
يسرد النص كل هذا، لكنه يضع القصة ضمن اطار القوة الرائعة، في
النهاية، للحب وعناد استمراريته الذي يشكله.
بما
أنك تحدثت عن فن الدراما، أود أن أتوقف عند هذا الحب الخاص جدا الذي
لم تتخل عنه منذ طفولتك: حب المسرح. قبل أن تكتب ثلاثية أحمد، التي
تحولت إلي مسرحية معاصرة علي شاكلة سابين لموليير، أنت نفسك لعبت الدور
الرئيس في مسرحية موليير في شبابك. ما طبيعة هذا الحب الراسخ
الذي تحمله للمسرح؟
حبي
للمسرح معقد جدا ويعود إلي زمن طويل. لعله أكثر قوة من حبي للفلسفة.
يأتي حبي للفسلفة لاحقا، ببطء وبصعوبة أعظم. أعتقد أن ما
أبهرني في المسرح، حين كنت شابا ومثلت، الشعور الذي انتابني
فورا بأن جزء ما من اللغة والشعر مرتبطين بالجسد علي نحو لايمكن
التعبير عنه تقريبا. وربما كان المسرح في الأساس بالنسبة لي، استعارة
لما قد يكون الحب فيما بعد، لأنه كان اللحظة التي تلاشت فيها الحدود
بين الفكر والجسد علي نحو ما. فهما مكشوفان لبعضهما بطريقة لا يمكن أن
تقول معها: " هذا جسد" أو " هذه فكرة". الاثنان ممتزجان، تحاصر
اللغة الجسد، بالضبط مثلما تقول لشخص ما: " أحبك"، إنك تقول ذلك
لشخص ما علي قيد الحياة، يقف أمامك، لكنك تخاطب كذلك شيئا ما لايمكن
اختصاره إلي هذا الحضور المادي البسيط، شيئا ما يتجاوزه ويتضمنه
كلية، في الوقت ذاته. هذا هو المسرح، في أصوله؛ إنه الفكرة في
الجسد، إنه الفكرة في الجسد. يمكن أن أكرر كلمة فكرة مرة أخري،
بمعني آخر. لأن المسرح، كما نعرف، يعني التكرار. يقول المخرج:
" فلنكرر المشهد مرة أخري". لا تندمج الفكرة بسهولة في الجسد. إنها
مسألة معقدة: علاقة الفكرة بالمكان مع الايماءات التمثيلية. لابد أن
تكون عفوية ومدروسة في الوقت ذاته. هذا ما يحدث في الحب أيضا.
الرغبة قوة آنية، لكن الحب يتطلب فوق ذلك الاستئناف والرعاية. يعرف
الحب نظام التكرار. " قل مرة ثانية أنك تحبني"، وكثير جدا: " قلها
أفضل من هذا". وتبدأ دائما الرغبة مرة أخري. يمكن أن نسمع، أثناء
الملاطفة، كما لو أن الحب يسكنها " زيدني....زيدني"؛ نقطة حيث
يعزز الحاجة إلي الحركة اصرار الكلمة، والإعلان الجديد دائما. نحن
نعرف تماما أن قضية أداء الحب في المسرح حاسمة، وتدور كلها تحديدا عن
مسألة الإعلان. ولأنه يوجد، كذلك، مسرح الحب هذا وأداء الحب
والصدفة، القويان جدا، علي الأقل بالنسبة لي، أحمل هذا الحب
للمسرح.
إنه
كذلك الموقف الذي دعمه المسرحي انطوان فيتز، الذي أخرج عملك
الأوبرالي الايشارب الأحمر ،في 1984، في مهرجان افنيون، ووضع
موسيقاه جورج ابريس. كتب: " هذا ما أردت أن أقدمه مسرحيا دائما: أن
أعرض القوة العنيفة للأفكار، كيف تلوي الأجساد وتعذبها." هل تأخذ
هذا المنهج في اعتبارك؟
بالتأكيد.
أنت تعرف، بيسوا، الشاعر البرتغالي يقول في مكان ما " الحب
فكرة". هذه جملة تنطوي علي المفارقة، ظاهريا، لأن الجميع يقول
دائما أن الحب هو الجسد، هوالرغبة، هوالمشاعر، إنه أي شيء آخر سوي
أن يكون العقل والفكرة. وهو يقول " الحب فكرة". أعتقد أنه محق.
أعتقد أن الحب فكرة وأن العلاقة بين تلك الفكرة والجسد علاقة فريدة تماما
ويعلًّمها دائما كما يقول انطوان فيتز العنف الجامح. نختبر هذا العنف
في الحياة. وحقيقي جدا أن الحب يمكن أن يلوي أجسادنا ويثير
أقسي أنواع العذابات. إن الحب كما يمكن أن نلاحظ، ليس نهرا طويلا
هادئا. لا نستطيع أن ننسي كلية العدد المرعب من قصص الحب التي أدت إلي
الانتحار أو القتل. إن الحب في المسرح ليس فقط ولا حتي، أساسا،
فارس جنسي أو قصة رومانسية بريئة. إنه تراجيديا ورفض وغضب كذلك. إن
العلاقة بين المسرح والحب هي كذلك علاقة اكتشاف للمتاهة التي تفصل
الأفراد ووصف لهشاشة الجسر الذي يرميه الحب بين كيانين منعزلين. لابد
أن نعود دائما إلي هذا السؤال: أي فكرة تتكشف ريحة وجيئة بين جسدين
يمارسان الجنس؟ لابد أن نسأل كذلك، وهذا يتصل بسؤالك السابق، ما
الذي كان سيقدمه المسرح لو أن الحب غير موجود؟ كان يمكن أن يتحدث
وقد فعل مطولا عن السياسة. إذن، نستطيع أن نقول أن المسرح هو السياسة
والحب و تقاطعهما عموما. إن تقاطع السياسة والحب تعريف محتمل
للتراجيديا. لكن حب المسرح هو، بالضرورة، حب الحب كذلك، لأنه دون
قصص الحب، وبدون الصراع من أجل تحرير الحب من قيود العائلة، فلن يضيف
المسرح الكثير للحب. إن الكوميديا الكلاسيكية مثل مسرحيات موليير تقول
لنا أساسا كيف أن الشباب الذين تلاقوا صدفة يجب أن يقللوا من قيمة
الزواج الذي رتبه لهم آبائهم. أما الصراع الأكثر شيوعا، والأكثر
توظيفا علي خشبة المسرح هو صراع حب الصدفة في مواجهة القانون العنيد.
أما الأكثر براعة فهو صراع الشباب الذي يدعمه البروليتاريا ( العبيد
والخدم)، في مواجهة القديم/العجوز الذي يدعمه الكنيسة والدولة.
وسوف تقول الآن: انتصر الحب، لم تعد الزواجات المرتبة موجودة: الزوج
هو ابداع نقي." لكني لست متأكدا تماما. الحرية، أي نوع من
الحرية تماما؟ بأي ثمن؟ نعم، هذا سؤال حقيقي: ما الثمن الذي دفعه
الحب لكي تنتصر حريته الظاهرية؟
ألا
يشمل حبك للمسرح كذلك حب الجمهور، والجماعي والتجمع، بما أنك عشت
ذات يوم حياة الصحبة المسرحية وسط الممثلين والتقنيين؟ ألا يحمل المسرح
الحب الذي ينتمي إلي نظام الأخوة؟
نعم،
بالطبع، هذا الحب يوجد! المسرح هو الجماعي، هو تعبير جمالي عن
الأخوة. لهذا أطرح أنه يوجد، بهذا المعني، شيء ما شيوعي في
المسرح. وأفهم من " شيوعي" هنا كل صيرورة تجعل المشترك يسود
علي الأنانية، العمل الجمعي علي المصلحة الذاتية الخاصة. وإذ نحن
نتكلم عنها يمكن أن نقول أن الحب شيوعي بهذا المعني، لو أن المرء
يقبل، كما أفعل، أن الموضوع الحقيقي للحب، هو تحقق الزوج وليس
الإشباع المحض للفردين الطرفين المكونين له. ولايزال يوجد تعريف محتمل
آخر للحب: الحد الأدني من الشيوعية!
عودة
للمسرح، يدهشني دائما حقيقة أن مجتمع جولة المسرح متقلقل. إنني
أفكر في الأوقات التعسة حين ينفصم هذا المجتمع: كنت في جولة وعشنا
معا لشهر، ثم فجأة كل يذهب في طريقه. يحتوي المسرح علي خبرة
الانفصام هذه. تعيش لحظات حزينة عظيمة حين تنفصم الأخوة التي نمت في
الأداء التمثيلي والمسرحي. " هذا هو رقم جوالي. فلنبقي علي اتصال.
تمام؟" تألف هذا الطقس. لكن ،حقا، لن يتصل أحد. إنها النهاية
وكل يمضي في طريق مختلف. وقضية الانفصام مهمة جدا في الحب بحيث
يمكن أن نُعرّف الحب بصراع ناجح في مواجهة الانفصام. مجتمع الحب كذلك
متقلقلا وتحتاج كذلك أكثر بكثير من رقم الهاتف لتعزيزه وتطويره.
وكيف
هو حب المسرح، من الداخل؛ بمعني من وجهة نظر الممثل الذي كنته يوما
ولعلك ترغب أن تصبحه مرة أخري، تؤدي مرة أخري بعض المونولوجات من
أحمد البارع أو أحمد الفيلسوف؟
إنه
حب فريد يتطلب أن تتنازل عن جسدك فريسة للغة، فريسة للأفكار. كما
تعرف، كل فيلسوف هو ممثل، بغض النظر عن العداء الذي يشعر به تجاه
الألعاب والمحاكاة. نحن نتحدث جماهيريا منذ أيام أسلافنا اليونانيين
العظماء. في الفلسفة يوجد دائما عنصر تعرية الذات وهو البعد الشفهي
للفلسفة الذي يقبض عليه الجسد، في فعل انتقالي. هذه نقطة محل خلاف
مع جاك دريدا الذي يحارب الشفاهة باسم المكتوب، بالرغم من أنه هو نفسه
قدم آداءات رائعة. انتقد الفلاسفة كثيرا لأنهم سحرة، وآسرون للناس
بوسائل صناعية ويقودونهم إلي حقائق غير محببة بوسائل الاغراء.
فصول من كتاب بالعنوان ذاته يصدر قريبا عن دار التنوير في مصر
منقول من موقع أخبار الأدب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق