مسعود شومان
أنا مش فاهم حاجه صراحه
لما القاتل يا خد جايزه
كده من دون تلبيخ وأباحه
يبقي
يا إما اللجنه دي بايظه
أو لا مؤاخذه
رئيسها حمار
أحمد
فؤاد نجم علامة في تاريخ النضال بالشعر، اختلف بعض النقاد والشعراء حول
حجم شاعريته، لكنهم أجمعوا علي تميز شخصيته وخصوصيتها، وشخصيته لصيقة
بشعره واتجاهاته، لا انفصام بينهما، فإذا كان يحلو لبعض النقاد
التعامل مع النص الشعري بوصفه ذاتا لها استقلالها عن شخصية كاتبه، فإن
ذلك مع حالة نجم سيكون مخاطرة نقدية، وبالرغم من الجدل الذي دار حول
تجربته ، فقد أجمع العامة علي محبة ما يقول وما يكتب، فحين تدنو
منه ومن أشعاره لن تشعر بمسافة بين الإنسان وما يكتب، كما أنه لا يحب
شقشقة المثقفين الذين يسبحون في أودية بعيدا عن الناس وإيماناتهم فهو
علي حد قول الشاعر الفرنسي »لويس أراجون«:»إن فيه قوة تسقط الأسوار
»بينما أطلق الناقد »علي الراعي »عليه لقب الشاعر البندقية، لكنه
كان في كل الأحوال منتميا للناس رافضا حياة المثقف الذي يعيش في برجه
العاجي بعيدا عن أهل البلد :
يعيش أهل بلدي
وبينهم ما فيش
تعارف
يخلي التحالف يعيش
تعيش كل طايفه
من التانيه خايفه
وتنزل ستاير بداير وشيش
لكن في الموالد
يا شعبي يا خالد
بنتلم صحبه
ونهتف .. يعيش
يعيش أهل بلدي
يعيش المثقف علي مقهي ريش
يعيش يعيش يعيش
محفلط مزفلط كتير كلام
عديم الممارسه
عدو الزحام
بكام كلمة فاضيه
وكام اصطلاح
يفبرك حلول المشاكل قوام
يعيش المثقف
يعيش يعيش يعيش
يعيش أهل بلدي
كما
أن نجم لا يدعي علما عميقا بالشعر وسراديبه، لكنه يعرف هدفه كرصاصة
تذهب مباشرة إلي جسد القضية ، لذا فقد تركت بعض أشعاره مكانها
الشعري لتقوم مقام الشعار، أليس ذلك من أدوار الشعر، سؤال قد يشتبك
معه الكثيرون ممن يحبسون الشعر في دوره الجمالي فحسب، وهل نستطيع هنا
أن نفصل الشعر عن الشاعر، أن نضع حدا بين الحياتي والفني عبر رحلة
المعاناة، بداية من الطفولة، مرورا بالنضال والصعلكة، وليس انتهاء
بالسجون التي أكلت وشربت من روح وجسد هذا الشاعر، والمجابهات التي دخلها
كتابة ، وحديثا، ونضالا لا يلين ولا ينقطع كأنك أمام شاب لم
تنطفئ في روحه جذوة الثورة أبدا، إنه ذلك الكتاب الذي يمكن استعادته
كلما أردنا التأريخ للمكابدة والنضال ؛ طفولة مشردة، وشباب مقموع، وشعر
محاصر، وكتابة لا تلقي محبة ومتابعة النقاد، فقد كان النقاد في واد
والشعراء في واد، ونجم في واد، يكتب غير آبه بالنقاد، كل ما كان
يعنيه أن تصل كلماته (الأشعار) غياب النقد عن شعر نجم إلا أن باحثا هو
كمال نجيب عبد الملك يتصدي لتجربة "أمير شعراء الرفض"، والدراسة
من تأليفه وترجمته، وتثير هي الأخري مجموعة من الإشكاليات التي تدور حول
الإبداع بالعامية، فهي مازالت حبيسة المشكلات الأثيرة التي لا فكاك منها
فيما يتعلق بالمصطلحات ومفاهيمها، فضلا عن إشكاليات التصنيف والاستلهام
والتدوين، من هنا يمكن أن تفض مغاليق بعض الإشكاليات التي ستعمق درس
العامية بوجه عام، وتجربة الشاعر أحمد فؤاد نجم علي وجه الخصوص.
إن
مفهوم "الإبداع بالعامية" يتسع ليضم تحته الشفاهي والكتابي، الفردي
والشعبي، هذا المفهوم المتسع والمتسامح يدعونا بداية لتأمل المشهد من
جديد، ونعيد النظر فيما أنتج من اصطلاحات، كما يسهم مساهمة جليلة في
التنقيب عن تراث الإبداع بالعامية بشقيه (الشعبي - الفردي)، وما
يندرج تحت كل واحد منهما من أجناس وأنواع سردية وشعرية، من هنا يجدر
التنبيه إلي إهمـال تاريخي قد تم ولا يزال ـ عن عمد أو يسوء نية ـ
لتراث العامية لغة وإبداعا ـ استثني كتاب تاريخ أدب الشعب نشأته، تطوره،
أعلامه، حسين مظلوم رياض مصطفي محمد الصباحي، الذي نشره محمد خلف
الموظف بقلم تحقيق الشخصية سابقا، مطبعة السعادة، أول يناير 1936ـ
فمنذ بدايات الأربعينيات، ومع تأسيس مجمع اللغة العربية بدأت لجنة
اللهجات نشاطها، حيث نص مرسوم إنشاء المجمع علي "أن ينظم دراسة علمية
للهجات الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية"، وقد تألفت لجنة
مهمتها دراسة اللهجات ونشر النصوص القديمة، ومن قراراتها المهمة ما
يلي: 1 - أن يحصر بحث اللهجات أول الأمر في اللهجات المصرية- 2 -
أن تبحث اللغة العامية المصرية من النواحي الآتية:
أ.
استخراج ما فيها من الكلمات العربية الفصيحة التي يتجافاها الأدباء
لمجرد جريانها علي ألسنة العامة.- ب. دراسة ما طرأ علي أصوات
اللهجات العامية من تغير وتحريف، وأسباب ذلك.- ج. البحث في نحو
العامية وصرفها وبلاغتها، ووضع قواعد لذلك.
3- جمع المؤلفات العربية ـ وغير العربية ـ التي بحثت في موضوع اللهجات.
4-
أن تمكّن اللجنة من تسجيل اللهجات من الناحية الصوتية، وطرق الأداء في
سجلات صوتية، من أقراص وأشرطة، بآلاتها الخاصة، وتحفظ في المجمع.
إن
أحد تجليات بيرم البارعة هو ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة استلهام نجم
لبعض عناصر المأثور والتراث الشعبي، وهو ما يمكن إيجازه في المراوحة
بين "بلاغة العامة وبلاغة العنف الثوري"، ونؤكد أن التناص مع
بعض عناصر الثقافة الشعبية بتنوعاتها، وآليات تشكلها في بنية النص
الشعري تعد واحدة من الاستراتيجيات التي يعتمدها أحمد فؤاد نجم دون قصد
الاستلهام أو التوشية، لكن استلهاماته تأتي من صندوق الخبرة الحياتية،
فهي ليست خبرة قرائية أو نزوعا نحو استدعاء عناصر الفولكلور ليصبح شعبيا
، فالعناصر تأتي ببساطة كأنها شعر الناس :
غمي عيونك
سد ودانك
إفتح بقك
قول انا فين
الشاطر فيكو
يحزر فزر
في دقيقتين
والأشطر منه
اللي يحزرها
في غمضة عين
والأشطر خالص ما يحزرش
يقول انا فين
والأشطر أشطر
اللي يبص يشوف بالعين
أنا فين ؟
إن
استلهام وتوظيف عناصر الفولكلور عند نجم يأتي متنوعا فيصنع حوارا مع
القصائد، لتعلن أنها لم تظهر في فراغ، وإنما تقيم حوارا مفتوحا علي
نصوص أخر، ففي النص السابق تشتبك لعبة الاستغماية مع الفزورة ، مع
التعبير الشعبي لتجتمع الحركة مع الفكر وفنون القول ، كل ذلك مع
التعشيق الذي لا يخلو من ظل سياسي واجتماعي ، ولا يفعل نجم علي
هذه الآليات كستار لاستنزاف المشاعر الوطنية، واستخدام وتوظيف هذه
العناصر كواجهة، أو حلية لتمرير توجهات بعض النظم السياسية التي لا تنشغل
أصلا بحقوق الشعوب وحرياتها, لكنها في نفس الوقت تستثمر المأثور والتراث
الشعبي عبر أشعار بعض الشعراء الذين ينتمون لتوجهاتها في لحظات تاريخية
معينة:
شوف عندك يا سلاملم
واتفرج يا سلام
مواطن
شخص عادي
مالوش أي اهتمام
ومبارك الخيانه
ومسميها السلام
وف يوم قرا الجرايد
تاريخ ما اعرفش كام
من يومها يا ضنايا
بيشقلب في الكلام
واتفرج يا سلاملم
علي شقلب يا سلام
إن نجم الإنسان يمثل حيوات يكاملها تصلح لقراءة بعض مراحل التاريخ المصري من خلالها، وقد
سجل
بعضها في شعره وسيرته وحواراته وبرامجه وأغنياته المتفردة التي كتبها
للمسرح ، فأحمد فؤاد نجم أحد البنادق الشعرية التي صوبت رصاصاتها علي
القهر والظلم ، وهو أحد أهم شعراء الستينيات ، وقد كانت أشعاره
المقاومة والمواجهة للظلم أحد أسباب تردده علي السجون والمعتقلات لفترات
طويلة من حياته حتي صار السجن جزءا مهما من تجربته الحياتية والشعرية ،
فهو أمير شعراء الاحتجاج والمواجهة للظلم والقهر ، وهو التلميذ المخلص
لتراث الجدود حيث نلمح في شعره روح مقاومة ابن عروس وتمرد وثورة بيرم
التونسي ضد الإنجليز والملك وكذا مواجهته للقواهر الاجتماعية ، وقد مثل
نجم والشيخ إمام ظاهرة في الغناء المصري البديل للأغنية التي استلبها
الهجر والخصام والفراق والكلمات الرخوة التي تنزع للاستسلام والخنوع ،
فكان نجم وإمام مرحلة مهمة في تاريخنا الغنائي الثوري ، بل وصار علامة
في فنون الأغنية الدرامية حيث كانا يقدمان الحفلة تلو الأخري عبر تجسيد
الكلمات وإيصالها مستخدمين الصوت والإشارة والإيماءة والحركة عوالتلوين
الصوتي علي المسرح ليحققا هذا الانتشار الجماهيري الذي كان وقودا للثورات
المصرية المتتابعة.
لقد حير نجم النقاد بعضهم يعده
شاعرا مباشرا يحاول الوصول للناس كرصاصة ، وبعضهم اعتبره مسرحيا حاول
مسرحة حياته وحياة المصريين في أشكال موزونة ، بينما أعده البعض حياة
ثرية بتناقضاتها وغناها الإنساني والشعري، وحياة الشاعر الكبير أحمد فؤاد
نجم لتكون أيقونة درامية متسعة تشير إلي عوالم بقدر ما عاش من حياة مديدة
حاشدة بالأحداث الدرامية (23 مايو 1929- 3 ديسمبر 2013) ،
لقد كانت حياة نجم مسرحية متعددة الفصول والأحداث، اجتاحتها عناصر
المأساة والملهاة لتحوله إلي صندوق متسع لعالم كبير يمكن تفكيكه إلي عدد
من المسرحيات الثرية، والعوام الشعرية والاستلهامات الفولكلورية ،
بداية من ميلاده بعزبة نجم التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية ،
وقد هيأت له الظروف ليكون أحد الأبطال الذين يرسم ملاحم القدر كما
يرسم ملامح وشخصيات الأساطير ومسرحيات الدراما التي تعد علامات بارزة ،
كأن القارئ يعاين ميلاد بطل من أبطال السير أو الحكايات الشعبية حين
يولد محاطا بالعقبات في أجواء تشع برواسب أسطورية تشع من حوله ، فنجم
أو أبو النجوم كما يطلق عليه كل من أحبه وصدق مسيرته ينتمي إلي عائلة
نجم التي تمتد جذورها لأكثر من مكان في مصر ، حيث ولد لأم من فلاحات
مصر الأميات هي هانم مرسي نجم وأب يعمل ضابطا للشرطة هو محمد عزت نجم
، والمتأمل للأبعاد الغرائبية التي تكون فيها نجم سيجد أنها هي الظلال
التي تسكن شعره ، من هنا لا ينبغي اعتبار قصائده بمثابة ذات لغوية
مستقلة ، فقراءة شعر نجم لا يمكن أن تتم دون معرفة بحياته ورحلته
الممتدة :
الاسم : صابر
التهمه : مصري
السن : أجهل أهل عصري
رغم انسدال الشيب ضفاير
من شوشتي
لما لتحت خضري
المهنه : وارث
عن جدودي
والزمان
صنع الحضاره
والنضاره
والأمان
البشره : قمحي
القد : رمحي
الشعر : أخشن م الدريس
لون العيون : اسود غطيس
الأنف : نافر كالحصان
الفم : ثابت في المكان
إن
رحلة أحمد فؤاد نجم بقدر ما كانت صعبة ومليئة بالعذابات لكنها كانت مليئة
بالانتصارات علي اليتم والقهر والسجن والظلم فصار علما يتغني المصريون
بشعره حيث ترك لنا تراثا شعريا مهما وعددا كبيرا من الأغنيات الفردية أو
أغنيات المسرح منها أغاني مسرحيا » كعبلون« التي ضمت عدة أغنيات بصوت
الشيخ إمام منها ، كما كتب نجم أشعار مسرحية الملك لير، حيث ساهمت
أشعاره في تحقيق رؤية المخرج الراحل الكبير أحمد عبد الحليم في تحويل نص
لير إلي عمل مسرحي يتمتع بالشعبية مخرجا النص من صيغته المقروءة إلي صيغة
مرئية ومسموعة ليعود به للناس محققا جماهيرية كبيرة ساهمت في ترسيخها
أشعار نجم العامية في سياق نص شكسبير، كما كتب نجم أشعار مسرحية »الملك
هو الملك «للراحل الكبير سعد الله ونوس وإخراج مراد منير وهي المسرحية
التي لاقت محبة الجمهور المصري فتم عرضها بين عامي 1988حتي 2006 ،
رحم الله الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم علي قدر عطائه الثري في مجالات الفن
والإنسانية ليظل أيقونة مصرية مناضلة حفرت لنفسها المكان اللائق بهذا
الوهج الإنساني والشعري ، ومن أسف فإن ببليوجرافيا نجم بما تضم من شعر
وأغان ، وسيرة ذاتية وبرامج إذاعية وتلفزيونية لم يقدر لها أن تتم
حتي الآن وهو ما سنسعي لإنجازه ليعكف كل دارس ومحب علي منجزه الشعري
والإنمساني ليضعه لنا في ميزان الحقيقة والفن كوثيقة تاريخية مهمة في
كتاب الثقافة المصرية .
باق في ضمير الأمة
سيد حجاب
لا شك أن الأمة العربية والشعب المصري فقدا صوتا مهما من الأصوات التي
تدافع عن حقوق الفقراء والمظلومين من أبناء هذه الأمة. يمكن أن تكون قد
نشبت بيننا بعض الخلافات الصغيرة في مسيرتنا ولكن المؤكد أننا كنا في نفس
الخندق دفاعا عن حقوق الناس، ومن المؤكد أن نجم كان أعلا صوتا في هذه
المعارك، سيظل نجم وابداعاته باقيا في ضمير الأجيال القادمة من أبناء
هذه الأمة.
قال نجم مات قال!
مؤمن المحمدى
من حوالي عشر سنين، بعض المصريين صحيوا، وقرروا إن
كده ما ينفعش، الست دي مش ممكن تفضل نايمة كده علي طول، مصر لازم
تصحي! كان ضروري يدقوا جرس، جرسين، عشرين جرس، في كل حتة ف
البلد، ويقولوا لها: قومي بقي، اتأخرنا كتير، وكان من أعلي الأجراس
اللي استخدموها: صوت أحمد فؤاد نجم.
1
لو
"ع" الشعر، فيه أشعر منه بكتير، مع الأخد في الاعتبار طبعا إن
الشعر مش بيتقاس بالمسطرة، وإن كل واحد له ذائقته، وإن أفعل التفضيل
مكروهة لما نفتي في الشعر، بس يعني، ده ما أظنه، علي الأقل هو أقل
واحد في الستة الكبار: بيرم وحداد وجاهين والأبنودي وسيد حجاب.
لكن
شعر نجم، بغض النظر عن قيمته الفنية، فيه ميزات تخليه ينفع يبقي
"شعبي"، وإنه ينتشر أكتر من أي حد تاني، وده من خلال وعيه
باللغة، وعي فطري طبعا.
نجم كان بيكره الفصحي،
وأكتر من مرة قال لي: اوعي يا واد تكتب شعر باللغة "الفظعي"،
كانت بالنسبة له كابوس، ولما يكلمك عن العامية، تلاقيه زي صاحبك
اللي عمال يكلمك جد، وفجأة بدأ يحكي لك عن صاحبته.
عامية
نجم مليانة "إديومز"، والأديومز زي ما إحنا عارفين هي التركيبات
الجاهزة، وفيه ناس زي تيمور باشا في الموسوعة كان يسميها
"الكنايات"، زي "خبطنا تحت بطاطنا"، ده "إديوم". نجم بقي،
أستاذ في استقبال "الإديوم" واستطعامه، وبعدين استخدامه، ممكن
يكتب أغنية أو قصيدة كاملة، كلها إديومز، لدرجة إنك أحيانا تشك إن هو
اللي صك التعبير، أو إنه هو اللي أوحي بيه لأول واحد استخدمه، من كتر
ما بيحطه ف مكانه المظبوط.
ده كان بيخلي "التفاعل"
مع القصايد أو الأغاني اللي بيكتبها يعدي مرحلة الإعجاب، كان بيخلي
المتلقي يحس إنه شريك في كتابة النص، وأحيانا بيمد إيده فعلا في العمل
اللي كتبه نجم، لدرجة إنه لما كتب "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا .. يا
محلا رجعة ظباطنا من خط النار"، الأغنية فضلت تلف تلف تلف، وبعد ما
الناس "شيروها" بينهم وعملت ييجي مليون "شير" وصلت القصيدة
تاني لـ نجم، وفيها مقاطع هو مكتبهاش. وده تقريبا الوصف الأكاديمي
لتعبير فن شعبي.
شوف كده فيه كام قصيدة ظهرت في العشر
سنين الأخيرة عليها اسم نجم، ومش هو اللي كاتبها، زي "سلامتك يا
ريس"، "هتطلع هتنزل هجيبلك جمال"!
طبعا، مش بس
الإديومز اللي بتعبر عن إمكانيات نجم، بس هي مثال حي لفكرة سيطرة
الراجل علي اللي بيكتبه، ووعيه بالوصول للجمهور من أقصر طريق، لدرجة إن
نجم ما بقاش شاعر، بقي ماركة.
2
لو
"ع" النضال، فالراجل الله يرحمه له مواقف دفع تمنها كتير ما
ينفعش حد يزايد حتي علي ضوافر رجليه، أحلي سنين حياته راحت في
السجون، وعبد الناصر حلف بكل الأيمانات إنه ما هو خارج طول ما هو عايش،
وقد كان، ما خرجش إلا بعد رحيل ناصر، والـ 11 سنة بتوع السادات
قضي منهم ييجي بتاع تسع سنين في السجن.
بس إحنا برضه
عارفين إنه مكنش الوحيد، معظم الشعرا اتمرمطوا في السجون: فؤاد حداد
وزكي عمر وزين العابدين فؤاد وغيرهم. كمان نجم كان بيزعل الناس منه في
مواقف كتير.
الدعوة هنا مش للمقارنة مين نضاله أكبر،
ولا هي محاكمة، عايز بس أشاور علي إن فكرة "مات المناضل المثال"
اللي انتشرت إمبارح، بالنسبة لي، جملة مالهاش محل من الإعراب، مع
إنها جملة سليمة، بس لا محل لها من الإعراب.
استدعاء
نجم في العشر سنين الأخيرة، مشاركته بشخصه، بعد ما عدي الخمسة وسبعين
في ثورة بتتعامل مع اللي عدي أربعين سنة باعتباره عجوز، ده اللي يستحق
التأمل والتقدير، قدرته علي جمع الناس حواليه، سحره في الحكي،
صلابته، غشوميته في أحيان كتير، طاقة الحب اللي بيتكلم بيها،
اختراقه لكل الأسقف ببساطة، حتي الأسقف اللي إنت شخصيا مش عايز
تخترقها، كل دي ملامح صعب تتجمع في شاعر فنان. لكنها اتجمعت مع نجم،
فبقي أسطورة، وكان جرسه من أعلي الأصوات اللي الشباب هزها وهم بيغنوا:
اصحي يا مصر
اصحي يا مصر
هزي هلالك
هاتي النصر
كوني يا مصر وعيشي يا مصر
مدي اديكي
وطولي العصر
اصحي وكوني وعيشي يا مصر
3
ومفيش
لقباحته حدود، أقل كلمة كان يقولها: ".. امه"، وده مكنش بيخلي
حد مضايق منه، فاكر في الدستور الأولي 1995-1996 كان ييجي
بجلابيته وضحكته وحكاياته
أياميها كانت كلمة زي "A7A" شتيمة شنيعة، ما ينفعش بأي حال من الأحوال تقولها قدام واحدة ست أو قدام حد ما تعرفوش.
حكايات
نجم كانت مليانة ألفاظ غير طبيعة، وتفانين في شتايم غالبا هو اللي
اخترعها، ومحدش كان بيتضايق، حتي السكرتيرة، كانت تيجي تسمع، مع
إنها في العادي كان ممكن يغمي عليها لو حد شتم حد بامه قدامها.
ومرة
واحد صحفي في مكتب خليجي، جه وعمل حوار مع أبو النجوم، وقعد يسأل
أسئلة بضينة كتير، ونجم قاعد مستحمله بالعافية، لحد ما سأله:
أستاذ أحمد فؤاد نجم، في قصيدتك إسكندرية، حضرتك تقصد إيه بـ"اسكندرية"؟
وزي ما يكون نجم مستني حاجة زي كده، راح رادد عليه بسرعة:
أقصد بورسعيد يا ابن الشرمـ..... ، قوم يا عر..... من هنا.
فالموضوع
مش إنك تشتم وخلاص، الشتيمة مش جدعنة ولا موهبة، بس احنا شعب الشتيمة
جزء من لغته، فالعبرة هنا إنك بتستخدم لغته، وجزء منها الشتيمة،
فبتطلع حاجة طبيعية، غير القصدية، إنك تبقي بتتكلم وكل شوية تقول:
اللهم إني نويت الشتيمة، هنا بقي تبقي قليل الأدب والعياذ بالله.
4
في الآخر
الحكاية بالنسبة لي مش إنه شاعر كبير ولا مناضل نحرير ولا مخلص للقضية ولا رافض للتعريض.
نجم حالة، عيوبها مزايا، والنقص فيها اكتمال.
عارف
البني آدم الطاقة، المصري أبو عينين بتلمع، النمس، الاستثناء،
نقاط ضعفه هي عناصر قوته. فاهم كل حاجة، ويعرف يعمل أي حاجة، أكتر
حاجة تقهره إحساسه إنه مش مؤثر.
أشعار كتير كتير ظهرت
في السنين الأخيرة باسمه، مكتبش منها يمكن ولا حرف، غير قصيدة
"عريس الدولة"، وده لأنه انضم لجحا وإخواته من اللي الناس بيستخبوا
فيهم.
اللي يكتب سطرين خايف أو مكسوف يحط عليهم اسمه، أو عايز الكلام ينتشر، يروح حاطط عليهم اسم أحمد فؤاد نجم.
أي
حد عرف نجم غالبا زعل منه في موقف. بص ما عرفش بعد كده يكمل زعل،
وعلي رأي نزار قباني: فأنت كالأطفال يا حبيبي، نحبهم مهما لنا
أساؤوا.
خلاص، دلوقتي نجم خد مكانه، وصورته اتحطت
في البرواز جنب العلامات، العلامات اللي بتثبت إن الزمن بينسي فرح وحزن
ياما، بس مش بيقدر ينسي "البني آدمين"
قال نجم مات قال!
وجــــوه شعرية أخري للفاجومي
شعبان يوسف
يحكي صلاح عيسي عن النائب البرلماني "زكريا لطفي جمعة" الذي وقف في
البرلمان،وراح يحرض النواب علي هذا الشاعر "البذئ"،الذي يطلق
سخافاته وبذاءاته في مجتمع ينعم بالاستقرارفي بداية الموجة الأولي للتمرد
والانتفاض علي السلطة المصرية في أعقاب كارثة 67، وكانت الجماهير
الشعبية وطلائعها والمثقفون والساسة مبهوتين من هول الحدث، هناك من
جن،ومن صرخ، ومن كاد يكفر بالحكام، وخرج الطلاب والعمال يطالبون
برفض تنحي عبد الناصر وتحميله المسئولية، ثم خرجوا مرة ثانية لرفض
الأحكام اللينة والهينة لقادة الطيران،كان الشعب كله مذهولا،ولا يوجد بيت
في مصر لم يتأثر بهذه الكارثة،وكانت قصائد الشعراء حزينة ونادبة وفيها
أسي شديد،وكنا جميعا مدهوشين،وغير قادرين علي التعبير الصحيح،إلا هذا
الشاعر الذي انفجر فجأة في وجه الحياة السياسية والثقافية والشعبية،فعلا
انفجر،إذ أنه لم يكن معروفا علي المستوي السياسي ولا الثقافي،هو الشاعر
أحمد فؤاد نجم الذي كتب قصيدته الشهيرة الحادة والجارحة "البلاغ"،
والتي يبدأها:
(خبطنا تحت بطاطنا
يامحلا رجعة ضباطنا من خط النار
يا أهل مصر المحمية بالحرامية
الفول كتير والطعمية
والبر عمار
ح تقولي "سينا" وما "سيناشي"
ماتدوشناشي
ماستميت أتوبيس ماشي
شاحنين أنفار
إيه يعني شعب في ليل ذله
ضايع كله
دا كفاية بس أما تقوله:
إحنا الثوار!)
واعتبرها
المثقفون آنذاك هي صوتهم الغائب والكامن والذي كان شاردا في الجبل المصري
العتيد،وعند هذه الانفجارة الشعرية اللافتة، انفجرت سلسلة مفرقعات نقدية
وفكرية علي نفس الدرجة والمستوي،وكتب محمود أمين العالم ورجاء النقاش وفؤاد
زكريا وكمال النجمي وعبد الرحمن الخميسي وكامل زهيري واستاذ الموسيقي فرج
العنتري وغيرهم،ولم تكن انفجارة الشاعر وحيدة،بل صاحبتها انفجارة أخري هي
صوت وألحان رجل ضرير هو الشيخ إمام،وضما إليهما الفنان الفطري وضابط
الإيقاع"الطبال" محمد علي،أي تشكلت وبدأت تنمو أهم ظاهرة فنية سياسية
ومتمردة في ذلك الوقت،وصارت هذه الظاهرة هي الشرارة الأكثر اشتعالا في كل
المحافل الطلابية والشعبية والجماهيرية،وكان من الطبيعي أن تشاهد هذا
الثلاثي الفني السياسي في أي مؤتمر سياسي طلابي،أو حفل فني،وكان أحمد نجم
يبدأ أولا بإلقاء قصائده علي دندنات عود الشيخ إمام،الذي فور أن ينتهي
نجم من إلقاء قصائده،حتي تتعالي كلماته مرة أخري متصاعدة من حنجرة الشيخ
الضرير،وكثيرا ماكان الجمهور يطلب أغنيات محددة،ويختلف الجميع حول
الاستقرار علي أغنية محددة، ولكن الشيخ إمام كان يحسم ويختار
وينشد،وكان الجميع يسمع ويستمتع ويردد وينتشي،وتسود حالات ثورية
فريدة،وكان دوما الشيخ إمام ينهي حفلته بأغنية "جيفارا مات"، التي
تنهتهي بكلمات صارخة ومحرضة تقول :
(ياتجهزوا جيش الخلااااااااص
ياتقولوا ع العالم خلاص)
ويظل
يرددها بتنويعات مختلفة،ويردد الجمهور الذي يصبح كورسا جماعيا
خلفه،وكان للشيخ إمام حركة مشهورة يحدثها في نهاية كل حفل،وهي أنه يرفع
عوده إلي أعلي،مع علو الهتاف والترديد،وبالطبع كان ذلك مقلقا لأمن
الجامعة،وكان تهريب أو تمرير الشيخ إمام يستلزم كتيبة مقاتلة من الطلاب
حتي يخرج الثلاثي الفني المتمرد في أمن وسلام.
لكن
أين كان نجم قبل هذا التاريخ ؟،ولماذا تأخر كل هذه الفترة حتي يكون بيننا
؟،لاحظوا أن بدايته هذه كان أبو النجوم اقترب من الأربعين من عمره،فهو من
مواليد 22 مايو1929،أي كان عمره ثمانية وثلاثين عاما،إذن ما الذي عطله
كل هذه الفترة،ليبدأ حيث ينتهي الشعراء،ويستعدون لإصدار أعمالهم
الكاملة،ويجلسون علي منصات عامرة بالميكروفونات ليتحدثوا عن تجاربهم،وفي
هذا العمر يكون الشاعر من هؤلاء بدأ يجني ما زرعت يداه،لكن هذا
الشاعر لم يجن سوي الليالي الطويلة التي قضاها في السجون والمعتقلات،
أو قضاها متخفيا من البوليس.
في مذكراته "الفاجومي"
يحكي قصة حياته كاملة،دون أن يزوقها،أو يطليها بعدد من البطولات
الوهمية،فهو لا يحتاج إلي ذلك، فنجده مثلا يصف نفسه بالأحمق،وهذا
لطولة لسانه،وهو الذي ذاق مرارة اليتم مبكرا،ومات أبوه المعجباني وضابط
البوليس،وليس في جيبه سوي ثلاثة جنيهات،هي كل ثروته التي تركها لـ
"جرمأ" من العيال،أي كوم لحم كما نقول في لغتنا الدارجة،وأرسلت الأم
ابنها الشقي وطويل اللسان إلي ملجأالأيتام في الزقازيق،ومن المصادفات
العجيبة،كان يصاحبه فتي آخر انكتب له مستقبل حافل فيما بعد،هو الفتي عبد
الحليم شبانة من قرية "الحلوات"،والذي اشتهر بعبد الحليم حافظ،وكأن
الاثنين سارا في اتجاهين متعاكسين ومتناقضين،احمد فؤاد نجم سار في طريق
الفقر،والثاني سار في طريق المجد والغني، رغم أنهما كانا يجتمعان معا
في غرفة الموسيقي التابعة للملجأ، ويحفظان المقامات والتواشيح والأدوار
والطقاطيق، وحسب صلاح عيسي كانا يعشقان الطرب،إذن كانا صديقين
وزميلين،ولكن الأقدار اختلفت،والاختيارات تنوعت،للدرجة التي تحتضن السلطة
واحدا،ولكنها تلفظ الآخر،وهذا لا ينفي أن عبد الحليم كان فنانا وطنيا من
طراز فريد،ولكنه استطاع أن يوحد موهبته مع تطلعات الثورة،فغني لها وأنشد
أجمل أغانيه في قائدها،اما الثاني فهجا هذه الثورة وقائدها،لدرجة أن هذا
القائد جمال عبد الناصر،عندما اعتقل نجم في منتصف 1968، حدث أن التقي
نايف حواتمة قائد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين،وعلي استحياء طلب
حواتمة من عبد الناصر أن يفرج عن ثلاثة معتقلين،وهم أحمد فؤاد نجم والشيخ
إمام وصلاح عيسي،ولكن عبد الناصر رد عليه في تجهم،وقال له:
(ماتتعبش نفسك،التلاتة دول مش ه يطلعوا م المعتقل طول ما أنا عايش!)
وبالفعل
لم يخرج أبوالنجوم ورفيقاه إلا في مايو 1971 ليمارس حياته السياسية
والاجتماعية،ويتزوج من الكاتبة الصحفية الكبيرة صافيناز كاظم،وهذا قد أثار
تساؤلات كثيرة،أولها كيف يتزوج الشاعر الصعلوك المتمرد،من الكاتبة
المثقفة خريجة الجامعة الأمريكية،والصحفية اللامعة ؟،وساعتئذ أطلق الكاتب
الراحل الكبير مقولته المدهشة وقال : "كأن شكوكو تزوج من سهير
القلماوي"،ورغم ذلك عاش العاشقان حياة مثيرة،وأنجبا نوارة التي سارت علي
نهجهما،ورغم أن نجما أفرج عنه في عهد السادات،إلا أنه لم يحمل ضغينة
لجمال عبد الناصر وكتب فيه قصيدة رثاء من أجمل ماكتب،ولكن العهود السياسية
التالية لم تحتف بنجم كمايليق بشاعر كبير،وتبادل نجم والسلطات جميعا كافة
أنواع التراشق،هو كان يهاجمها ويكشف عوارها،وهي كانت بالتالي تسجنه
وتعتقله من أجل أن يصمت مثل آخرين،أو يجنح ناحية السلام كما جنح
آخرون،ولكنه اختار الطريق الأصوب بالنسبة له،ـوالطريق الأكثر عندا،فلم
ينتم للجنة الشعر،ولم يقرأ شعره في المحافل الرسمية المصرية مطلقا،ولم
يعتل منصة الأوبرا المصرية كما اعتلاها شعراء مصابون بالعقم الفني،
ولكن نجما كان الأكثر تأثيرا والأكثر شعبية بين الناس..
هذه
الحياة التي عاشها نجم قبل 5 يونيو،والتي أودت به إلي السجن الجنائي
في قضية تزوير،حيث كان صعلوكا،فلم يجد العمل المستقر المريح،الذي يدر
عليه أمولا وفيرة لتنفيذه من الجوع والفقر، ولكن كان أبو النجوم يكتب
الشعر في السجن،مما نال إعجاب ضباط السجن،فينشر له المجلس الأعلي لرعاية
الفنون والآداب ديوانه الأول "من الحياة والسجن"،وتقدمه للمرة الأولي
الدكتورة سهير القلماوي، محتفية به،ومثنية علي أشعاره الطازجة والبكر
والمختلفة،ثم يفرج عنه في عام 1962 ليلتقي بعدها بالشيخ إمام ومحمد
علي ليصنع الثلاثة هذا الثلاثي الذي أشعل مصر من أقصاها إلي أقصاها،ولم تكن
هناك قضية سياسية إلا وكان الثلاثة القاسم المشترك في هذه القضية،ويحكي
صلاح عيسي عن النائب البرلماني "زكريا لطفي جمعة" الذي وقف في
البرلمان،وراح يحرض النواب علي هذا الشاعر "البذئ"،الذي يطلق
سخافاته وبذاءاته في مجتمع ينعم بالاستقرار،وللأسف أن هذا النائب،هو نجل
الزعيم والمفكر الوطني محمد لطفي جمعة.
ودون أن نطيل
كثيرا،نختار هنا قصيدة رئيسية من أشعاره التي كتبها أبو النجوم قبل 5
يونيو،وهي في ديوانه الثالث "حكاية الأهلي والزمالك" المجهول والذي
لم ينشر في أعماله الكاملة،وقد قام نجم بتقديمه بنفسه،مرجعا فضل
حماسه لكتابتها إلي الإذاعي الشهير فهمي عمر،الذي كان نجم يزوره في
الإذاعة،قبل أن تقرر الإذاعة استكتاب نجم لبعض البرامج،وفي هذا الديوان
يطرح نجم أبرز الملامح التي تميز ظاهرة الجماهير الكروية،وفي هذه القصيدة
التي نختارها،يدور حوار حماسي بين أشهر مشجعي الفريقين في ذلك الزمان،ويكشف
كافة الآراء والإفيهات التي كانت سائدة في ذلك الوقت،وهذا مالم نجده في أي
مرجع آخر،وأزعم أن حذف هذه الأشعار من المتن النجومي،لهو خسارة كبيرة
وفادحة،لأن ذلك يخفي جانبا من شعرية أحمد فؤاد نجم، ويحرمنا من التعرف
علي الحياة الاجتماعية والفنية فة تلك المرحلة لشاعر كبير مثل أحمد فؤاد
نجم،والآن إلي القصيدة.
المندوه
|
من بهية النداهة
|
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق