حوار : جىرار خورى ترجمة : أحمد عثمان
مصطفي صفوان، عالم نفساني مصري شهير،
ولد في عام 1921 ونشأ في مصر خلال الانتداب البريطاني. علي الرغم من
اعتقال والده في عام 1924 بتهمة الشيوعية، مضت طفولته بدون أي مشاكل
وفي هدوء.
درس الفلسفة في الجامعة المصرية ثم التحليل النفسي علي يد الدكتور مصطفي زيور.
غادر صفوان مصر الي فرنسا في يناير ٦٤٩١، وفي ربيع هذا العام، بدأ
تحليلاً شخصيا سرعان ما تحول علي مدار الأيام الي تحليل تعليمي. "هل
يفضي أي منهج آخر الي نفس النتيجة ؟"، هكذا يتساءل دوما. تكون علي
يدي جاك لاكان، وأصبح من كبار مريديه وتلامذته، لأنه يقدر بقوة فرادة
لاكان النّظريّة وفرادة تقنيته، ويدرك أهمّيّة "العودة إلي فرويد".
شهد كلّ الانشقاقات التي اخترقت حركة التّحليل النّفسيّ بفرنسا بما في
ذلك حل "المدرسة الفرويدية". وهو من الأعضاء المؤسسين "للجمعية
التأسيسية للتحليل النفسي"، في عام 1983، ومن ثم »المؤسسة
الأوروبية« للتحليل النفسيّ. وعضو شرفي لعدّة جمعيّات تحليل نفسيّة.
في العام السابق صدر له كتاب "لماذا العرب ليسوا أحرارا ؟"، الذي
يتعرض إلي اشكالية قضية تحرير الإنسان العربي من مختلف ألوان الاستبداد
السياسي والديني.
من كتبه : "الجنسانيّة
الأنثويّة" (1976)، و"فشل مبدأ اللّذة" (1979) و"اللاّشعور
وكاتبه" (1982)، و"الطّرح وشوق المحلّل" (1988)، و"دراسات في
الأوديب" (1994)، و"الكلام أو الموت" (1999) و"ضيق في التّحليل
النّفسيّ" (2000)، و"عشر محاضرات في التّحليل النّفسيّ" (2001)
و"ندوات جاك لاكان" (2001) و"البنيوية في التحليل النفسيّ" (2001).
هنا حوا ر جري معه في فرنسا حول سيرته
وأفكاره.. وتوقعاته في البداية، من الجميل أن أستدعي معك، مصطفي
صفوان، طفولتك في مصر، ثم اختيارك الدراسة في فرنسا بعد تردد ما بين
كامبريدج وانجلترا.
فيما يتعلق بطفولتي،
ليس هناك ما أشير اليه سوي اعتقال والدي، بسبب الشيوعية. وهذا في عام
1924، وقتذاك كنت في الثالثة من عمري. أعتقد أنه حكم عليه بالحبس
لثلاث سنوات، ولكن لأنه مسجون سياسي وحسن السلوك، لم يمكث إلا 27
شهراً بدلا من36 شهرا. خلال هذه الفترة، تولي خالي وجدتي
رعايتي.
هل كنتم كثيري العدد، كما أتخيل ؟
لا، اثنان، ولكن بما أن أختي لم تولد بعد، كنت الطفل "الوحيد".
ماذا كانت تفعل والدتك ؟ هل كان لديها نشاط معين ؟
لم يكن لها أي نشاط خارج البيت ! نشأت نشأة تقليدية، أي تعلمت منذ طفولتها، مثل أي فتاة، أعمال البيت لكي تكون ربة بيت...
تمثل المرأة النمطية في العالم المصري والعربي، أي امرأة تربت علي أعمال البيت.
بالتأكيد.
هل كانت محجبة أم لا ؟
لا،
لم تكن محجبة. من اللازم أن نتذكر أن الحركة النسوية كانت قوية آنذاك.
وأكثر شئ أثر في يتمثل في المجتمع الذي كان يحيط بوالدي، المكون من
معلمين وأساتذة مثقفين، حيث تتجلي الكلمة العقلية. أذكر أن أول كلمة في
التلاعب بالكلمات كانت ذات معنيين في اللغة العربية : "ظلل" التي
تعني "ظلل" و"انحرف عن الطريق". يقول صديق لآخر يفتح مظلته :
"امنحنا شيئا من الظل وقدنا الي طريق الضلال" ! كانت تلك أول كلمة عقلية
أفك شفراتها. أتقاسم مع كثير من المصريين هذا الذوق للكلمة الجميلة ووقت
المرح.
هذا ما يطلق عليه "النكتة".
نعم "النكتة". الدعابة بصورة عامة. ثم كانت المدرسة الثانوية، الجامعة... في الاسكندرية حيث درست الفلسفة.
كان والدك معلما ودرس في الاسكندرية ؟
بالضبط. كنا في الاسكندرية وقت الحرب الدائرة في أوروبا...
كلمات أخري عن والدك. هل كان متأثرا بحركات محمد عبده الاصلاحية نهاية القرن التاسع عشر ؟
نعم
بالتأكيد. فضلاً عن ذلك، كانت مرحلة الرجوع إلي الذات، أي سؤال من
نحن وأين نريد أن نكون في هذا العالم الذي تم اكتشافه في نفس الوقت. كان
هناك محمد عبده وتجديد (الفكر) الإسلامي، كانت هناك حركات تحرير
المرأة...
مع هدي شعراوي.
نعم،
بالضبط. كان هناك مناخ يحث علي فتح الطرق الجديدة. وفي هذا المناخ
كبرت، مع الارتقاء المتوالي للثورة السوفيتية ثم الكمالية... وهذا ما
جعلني ألاحظ، رغماً عن خلفية والدي، أنه كان متأثراً بالنزعات
المتطرفة اليسارية القريبة من الشيوعية.
أيضا، نتذكر أنه في هذه الفترة كان الإنجليز، ما بعد الحرب
(العالمية الأولي)، مجبرين علي تقديم بعض التنازلات لكي يحافظوا علي
وضعهم في مصر.
نعم، بدلا من الانتداب في
مصر، قاموا بتحويل مصر إلي ملكية. بما أن الملك يحصل علي شرعيته من
الإنجليز، وهي محل نقاش، يريد أن يقوم بدور الخليفة لكي تكون شرعيته
أكثر صلابة، أكثر ثباتاً. لهذا الهدف، طلب أن يجدوا له نسباً يمتد
إلي الرسول، لاثبات أنه من سلالته! بالتأكيد، في هذا المناخ كان
علماء الأزهر حاضرين لتلبية رغبات الملك. في هذا المناخ كتب علي عبد
الرازق كتابه الرائع عن "الاسلام وأصول الحكم"، الذي بيّن في متنه
أن لا شئ اسمه الدولة الاسلامية بناء علي ما ورد في القرآن والحديث.
أيضا أنها فترة الجسارة الكبري. ففي نفس الفترة كتب طه حسين كتابه عن
الشعر الجاهلي.
هذا الكتاب تم النظر اليه كمحارب للأيقونات من قبل أوساط الأزهر الدينية.
بالطبع.
عبد الله عنان، وهو مؤرخ من مستوي رفيع، كتب هو الآخر كتابا عن
"القضاء" في العالم العربي، حيث توصل الي أنه لم يكن هناك أي انفصال
بين السلطات وأن الجميع كان تحت "حذاء" السلطان.
بمعني
ما، أنك عشت في ظل سلطة (الفرد)، قبل أن تقوم بتحليل هذا الشكل من
السلطة اليوم في كتابك الأخير. نشأت في أحضان وسط سياسي نسبيا، لأنه
حتي بعد خروج والدك من المعتقل لم يكف عن القيام بنشاطات عدة، ربما في
مجالات أخري ؟
بالطبع. زادت الحركات الشيوعية مع الوقت وكان علي صلة معها. ثم، علي وجه الخصوص وتدريجيا ركز نشاطه علي محاربة الأمية.
بعد المعتقل، حول جهوده من النشاط الثوري الي العالم التربوي.
خصوصا بعد تولي ناصر الحكم. ركز جهده كله في التربية.
هل كانت دراساتك باللغة العربية في جامعة الاسكندرية ؟
نعم،
بالعربية. خلال مرحلة الاحتلال البريطاني، كنا نتحصل علي تعليم محترم
باللغات الأجنبية. كان لدينا أساتذة انجليز للغة الانجليزية وفرنسيون
للغة الفرنسية. نبدأ في تعلم اللغة الانجليزية في سن السادسة،
والفرنسية في سن الحادية عشرة والثانية عشرة. في الجامعة، كنا علي
اتصال دائم مع الجامعات الأوروبية، علي وجه التحديد الفرنسية. قبل
الحرب (العالمية الثانية)، كان لدينا أساتذة مثل لالاند، كويريه،
بريهييه... خلال الحرب، كان هناك جون غرونييه. من الجانب
الانجليزي، كان هناك ويسدام من كامبريدج. وبالتالي تكونا بصورة طيبة.
بالتالي، من الطبيعي أنه مع هذا التكوين وهذا التعليم بثلاث لغات أنك رنوت الي الغرب، في مناخ لم يزل كولونياليا بعد.
كان
هناك تقليد طويل منذ محمد علي يتأسس علي ارسال الطلبة أكثر فأكثر الي
أوروبا. وبالتالي كان طبيعيا أن الطلبة الذين يحصلون علي نتائج طيبة في
دراساتهم العليا يبعثون لتكملتها في أوروبا. هو ذا التقليد.
تستدعي الدور الكبير الذي قام به محمد علي خلال القرن التاسع عشر، الذي
يعتبر من الأوائل الذين سعوا الي تحديث العالم العربي والاسلامي.
من
اللازم أن ندون أن الكولونيالية ذ كما تم تحقيرها في كثير من الأحيان ـ لم
تكن شرا مطلقا. عزز الانجليز تعليم اللغات الأجنبية والمنح الدراسية
للخارج.
هذا صحيح، لأنهم ذ كالفرنسيين
ومن بعد الأميركيين ذ عملوا علي توافر عقول شابة لامعة مكونة في أوروبا،
وبالتالي يتوفرون علي أنصار عند عودتهم من الدراسة بفضل التكوين الذي
تلقوه.
نعم بدون شك. كانوا في حاجة الي نخبة تدير شئون الدولة.
تحصلت علي منحة من الحكومة المصرية، وهذه المنحة كانت الي انجلترا أو فرنسا ولكن في آخر الأمر كانت فرنسا، لماذا ؟
كان
من الصعب التسجيل في جامعة كامبريدج، التي اختارها لي أساتذتي، لأنه
كانت هناك أولوية مطلقة ما بعد الحرب للمحاربين القدامي. مما دعاهم الي
عدم الاجابة علي طلبات التسجيل قبل أن يحلوا هذه المشكلة. وهذا يعني أنني
سوف أنتظر طويلا بدون أن أعرف اذا كان الانتظار سيدوم لعام أو عامين،
ولذلك رحلت في عام 1945 الي فرنسا.
وسجلت أوراقك في السوربون.
قمت بالحصول علي شهادة ثانية، ولكن في غضون ذلك درست التحليل النفسي.
وقتذاك، لم يكن للتحليل النفسي أي وجود في مصر وفي العالم العربي. هل كنت سمعت عن التحليل النفسي في مصر ؟
نعم،
لأن كان هناك في مصر الدكتور مصطفي زيور، الذي كان مبعوثا الي باريس
قبل الحرب، ودرس الطب والفلسفة والتحليل النفسي فيها. وبسبب الحرب أجبر
علي العودة الي مصر، حيث عمل أستاذا في جامعة الاسكندرية. ومعه
اكتشفنا التحليل النفسي. خلال الحرب، كانت هناك جماعة سوريالية، من
بين أفرادها جورج حنين ورمسيس يونان تحديدا، تتحدث عن الفرويدية أيضا.
من ناحية هذا الرابط الثقافي وعلي السطح العام، بدأنا مع زيور في
الاقتراب من التحليل النفسي، أي قراءة الكتب، عرضها، الخ. كان
محللا نفسيا، مرتبطا بجماعة باريس مع لاغاش، لاكان ودولتو...
هل كان هناك محللون نفسيون آخرون معكم؟
لم
يكن هناك غيره في هذه الفترة. بما أنه كان الأستاذ ولم نكن سوي ثلاثة
أو أربعة طلبة، كنا قريبين منه، علي صلة قوية به. وبالتالي كان
تكوينا شخصيا للغاية، فعالا لتوجهه الي عدد قليل من الأفراد.
إنها ظروف مثالية للنقل. بصورة من الصور، كان مكونا...
نعم وهو ذا التعبير الذي يلائمه...
كان
يوجد مكونون آخرون في مصر مثل غابرييل بونور في الأدب. مما حقق مصائر
شعرية طيبة في المشرق كما في مصر، ومن بعد في المغرب، هل تعارفك الي
مصطفي زيور في مصر فتح لك أبواب باريس حقا ؟
لقد سافر معي الي باريس ما بعد الحرب.
اذاً، حصلت علي دعم منذ المراهقة علي المستوي العائلي والجامعي بفضل
أستاذك في الفلسفة. أحيانا في العالم العربي والاسلامي ننمي نفي أي
رابطة غربية تجازف بمناقضة البني التقليدية، أي الروابط العائلية،
ولكن هذا الشأن لم يكن من اهتمامك. هل كان المناخ الذي نشأت فيه خلال
هذا العصر منفتحا للغاية ؟
بدون شك هذا
صحيح. وأضيف أن هذا العصر كان نشطا للغاية علي مستوي الترجمة. كانت
هناك "لجنة التأليف والترجمة والنشر"، التي ترجمت العديد من الروائع
الي العربية.
تلك فترة خصبة كان العالم العربي يحاول فيها الانفتاح.
علي أي حال كانت مصر تحيا فترة الأنوار.
منذ ذاك مضينا لأسباب لن نقوم بتحليلها من فورنا الي الظلامية والعودة الي الديني بالمعني الرجعي.
في بادئ الأمر ليس الرجوع الي الديني، وانما الرجوع الي النزعة الفرعونية مع ناصر، الذي وضع حدا لهذا المناخ بين ليلة وضحاها.
أنا سعيد لأنك ذكرت ذلك لاعتقادي بكونك كنت مؤيدا في البداية لناصر، ثم انتقدته نقدا لاذعا.
لا.
لا. لم أكن مؤيدا. لنقل أنني تمكنت من احتمال العيش بشئ من حرية
الحركة في البلاد خمس سنوات تحت حكمه، لأن علي الأقل كان هناك شئ مقبول
في سياسته الخارجية.
أعتقد أنني قرأت في كتابك أنك ذكرت (مؤتمر) باندونغ ودوره مع شو ان لاي وتيتو، وأنك أيدته.
تأييد،
نعم، وهو ذا كل شئ. لأنني رأيت بين ليلة وضحاها أنه طرد ستين استاذا
جامعيا وأن الجامعة حوصرت بالدبابات... رأيت أن ضابطا بالجيش أو ملازما
أيا كانت الرتبة أصبح وزيرا للتربية الوطنية. رأيت أن رئيس الجامعة يركض
أمامه لكي يفتح له باب سيارته... قلب الأدوار.
إنها
السخرية بلا حياء. ثم بعد اضراب، حكم بالاعدام علي عاملين... إنها
هيمنة الخوف تدريجيا. كل شئ انقلب رأسا علي عقب خلال أربع وعشرين ساعة
!
بمعني أن أمل النزعة القومية، التي تهدف
الي ادراج العالم العربي والاسلامي في الحداثة، انطمس سريعا من خلال
النظام البوليسي للمخابرات، الذي يعتبر المثال الصارخ لجميع الأنظمة في
العالم العربي، كما في سوريا والعراق، التي سعت الي اصلاح السياسي.
مما حولها الي سلطة متسلطة وبوليسية، وربما هنا أيضا تتبدي قواعد تأملنا
للعالم العربي-الاسلامي في كتابك، الذي سنتحدث عنه فيما بعد. بدءا من
اللحظة التي وضعت فيها قدميك في باريس، كما أعتقد، بدأت في فسخ
العلاقات بين الاندماج الناجح دراساتك، تكوينك، عملك مع لاكان
وأصولك، العائلة في مصر، ورحلاتك الي وطنك الأم.
كيف عشت هذا الانشطار ؟
لا أتحدث عن المنفي، أعتقد أنك كنت في مأمن في كل الأماكن.
غادرت بلدا كان منفتحا علي العالم بأسره وكان ناسه مسيسين، منجذبين
الي المسألة الوطنية، وبالتالي كان بلدا يناضل من أجل الاستقلال.
كانت
هذه هي المرحلة الوحيدة التي كانت الجريدة تتساوي مع الخبز، علي وجه
التحديد في المدن. حتي هذه اللحظة، لم يكن هناك أي صراع. الوصول الي
أوروبا كان امتدادا لكل ما سبق. اقامة الديكتاتورية مع ناصر وظهور
الاسلاموية مع السادات خلقا الصراع. كان الدين يأتي في المقام الثاني.
والسادات بعد التوقيع علي كامب ديفيد مع اسرائيل، اعتقد أن هناك ثورة
شيوعية، ولكي يحاربها، قرر أن يقطع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي،
وبذلك فتح السوق أمام البترودولار وكل أنواع التنظيمات الأكثر رجعية في
الاسلام.
علي هذا النحو، سقوط ناصر
والناصرية، ليس فقط في مصر وانما في العالم العربي علي وجه العموم بعد
1967، أفضي الي هذه السياسة الساداتية، التي انفصلت عن العالم العربي
بحيث أن لعبة "فرق تسد"، التي يمارسها الغرب واسرائيل، انتهت الي
ما نحن عليه اليوم. في الواقع، أصبح استغلال الدين أكثر فأكثر نشيطا
سواء من جانب السادات أو من جانب الآميريكيين في المملكة العربية
السعودية، أو أخيرا من قبل الاسرائيليين لحماس في بداياتها. كيف عشت،
بين باريس ومصر، كيف عشت تأسيس دولة اسرائيل والحروب المتتابعة التي لم
ينتصر العالم العربي في بعض منها ؟
بما أنني
كنت في أوروبا، بدأت ألمس واقعة "الشوا"، الهولوكوست، وقابلت
رفاقا اعتقلوا وأودعوا المعسكرات، مما لا يمكنني الشك فيها. كان
اكتشافا. لا يمتلك أي شخص في العالم العربي أدني فكرة عما جري، واذا
امتلك الشخص فكرة، تكون الاجابة "وما الذي علينا عمله؟ الأمر لا
يعنينا"، من ناحية أولي، حتي أنني نفسي كنت من مؤيدي تقسيم
1948. ومن الناحية الأخري، كنت أري أن رد الفعل العسكري للبلاد
العربية كان بلا أساس، غبي، لأن دولة تم الاعتراف بها من جميع الدول،
وتحديدا روسيا وآميركا، لا يستدعي اعلان الحرب علي هذه الدولة. كما
أنه يعني اعلانها علي العالم بأسره.
استدلاليا يعتبر اليوم شكلا من أشكال الحكمة بما أن الحروب المتتابعة لم تحقق الا تفاقم الوضع علي الدوام.
نعم، من الضروري الاعتقاد أنني كنت حكيما الي درجة لا أتصورها !
وبالتالي،
كانت نقطة الانطلاق ووجدت في براغماتية زعيم آخر غير ناصر، بورقيبة
1965، الذي تم انتقاده حينما أقترح عقد سلام مع اسرائيل !
كان
الوحيد أيضا ـ بعد نكسة 1967 ـ الذي واتته شجاعة القول أن المرء بعد
أن يقود بلده الي نكسة كبري يجب عليه أن يعتزل، يستقيل. كان بورقيبة
واقعيا وشجاعا.
لنرجع الي كتابك : لماذا العالم العربي غير حر ؟ منذ متي فكرت في هذا الكتاب ؟
بدأ
منذ وفاة ناصر، وربما حتي بعد (نكسة) 1967، وبما أنني كنت أذهب
كثيرا الي مصر، وجدت أن البلد كان في حالة من التأخر الذهني غير
المعقول، ولذلك بدأت الكتابة لبعض الصحف والمجلات. وأقترح علي أحد
الأصدقاء تجميع هذه المقالات ونشرها ككتاب سري !
فضلا
عن امكانية كتابة مقالات لمختلف المجلات هنا، اهتممت بلا بويسييه وكتابه
عن العبودية المختارة. ترجمت الكتاب الي العربية، وكتبت له مقدمة
طويلة. كل هذا كان نقطة انطلاق الكتاب الحالي. ما هو حافزك في كتابة
هذه المقالات وترجمة هذا الكتاب ؟ ما الذي أثار اهتمامك ؟
آنذاك
كنت مهموما من الحالة التي بلغها الشعب الذي هو مصر ! اهتم بالتحليل
السوسيو-سياسي. لا بويسييه يدخل في اطار هذا التساؤل. من ناحية أخري،
كمحلل، أستطيع أن أري جيدا أن العاهل من الممكن أن يتحصل علي علاقات
غامضة مع ما يسميه (الأب)، مع الرضي الذي يحقق الأمثلة
Idealisation. كل هذا أستطيع أن أراه. ما يثير اهتمامي، مع ذلك، ليس
لمس الجذور العميقة التي من الممكن أن توجد في لا وعي كل فرد، ولكن هذه
هي المشكلة التي طرحها لا بويسييه.
كيف جري التفاعل مع كتابك في مصر ؟
لم تكن هناك ردود أفعال، وتلك هي التعاسة ! ولكن لنبدأ بالقول : لا توجد دار نشر ولا قراء !
لا توجد دار نشر !
لا،
لا توجد دار نشر توافق علي نشر ما قام صديقي بتجميعه... كانت الاجابة :
"هل تريد أن تجرنا الي كارثة !". لم يعد هناك قراء، مستوي طلبة
التعليم العالي أصبح سيئا، نتيجة لأثر الناصرية علي مجال التربية
والتعليم... وهنا بدأت أري الهوة التي تفصل الكتاب عن الشعب.
كتابك،
كما أتذكر، مؤسس علي أبحاث مكتوبة منذ الثمانينيات، ولكن أيضا في
عام 1991 وعام 1998. لهذا الكتاب ثلاثة أشكال. في البداية نشر
بالعربية تحت شكل موجز، ثم بالانجليزية مع عرض ومقدمة مترجمة عن
العربية، واليوم بالفرنسية مع ملحق يحتوي علي مداخلة فرانسوا فال الذي
اقترح عليك اضافة نص عن العلاقة بين السياسة والكتابة والارهاب الديني.
ما هي الأطروحة الرئيسية ؟ هو الانفصال القائم في العالم العربي، بين
المشرق والمغرب، بين اللغة الفصحي ـ اللغة المستخدمة للتأكيد علي
السلطة أو لدعم السلطة ـ واللغات الشعبية، الدارجة، اللغات المحلية،
التي توافق لغة الشعب ؟ أ هي لعبة سلطة الكتابة عبر الاستخدامات المتمايزة
للغات، واحدة لأجل السلطة، أخري لأجل المسخرة أو الهزل، شئ ما وضع
مصر، وربما البلاد العربية الأخري، في حالة تأخر نسبة الي الحداثة ؟
نعم
في الواقع، وأستطيع القول إن أطروحة الكتاب تبين التواصلية في التاريخ
السياسي في الشرق الأوسط. أريد أن أقول إن ظهور الدولة، في الشرق
الأوسط، كان الدولة الدينية، الفرعونية، الاستبدادية... الاستبداد
الشرقي، ليس ابتكار ماركس، وانما حدث يوجد منذ فجر التاريخ. كان
الاغريق واعين علي الوجه الأكمل باختلاف النظام السياسي بين الشرق والغرب.
وهذا لأن الأمر لا يتعلق "بعرق سامي"، وانما بالجغرافيا : الشعب
الذي يحيا علي جزر ليس شعبا يحيا في الأودية الرحبة. لم تكن هناك لدي
الاغريق امكانية الدولة المركزية. بعض المفكرين رأي أن الأمر اختلف كليا
مع العرب. ما أريد توضيحه، أن العرب أسسوا دولتهم حسبما النموذج
الساساني. حينما يقال لي، "ولكنها دولة مؤسسة علي القرآن"، أري الي
أنه قول خاطئ لأنه لا يوجد في القرآن شئ عنه ذ وهنا أتناول أطروحات علي
عبد الرازق وآخرين كثيرين مثل عز الدين العلام في المغرب وخليل عبد الكريم
في مصر... هذا ليس طريقا وحيدا. وأبين أن الدولة الاسلامية ليس لها
أسس في القرآن ولا في الحديث.
أسمي ذلك
"بني الامبراطورية"، كما ذكرت، الموجودة لدي الساسانيين، وأيضا
لدي الامبراطورية البيزنطية، وريثة الامبراطورية الرومانية. نجد بني
الامبراطورية في شكل السلطة العربية.
نعم،
أريد أن أبين فكرة التواصلية علي المستوي السياسي من ناحية أولي، وأن
وضعيتي تطابق الروابط القائمة بين السلطة السياسية وسلطة مجال الكتابة.
هنا لا أبتدع شيئا، إنها الأطروحة التي عرضها ليفي ستروس في "مدارات
حزينة"، والتي حققت أهمية كبيرة لسؤال كتابة اللغات. أبين أن هذه
الأنظمة حساسة تجاه هذا الشأن ولا تسمح في أي حالة من الأحوال من بمعرفة
مبدأ الانسانية اللغوية. مبدأ أدرجه شيشرون لما قال أن اللغة اللاتينية
خليقة بالاغريق. اذ ما يقال عن واحدة يمكن قوله عن الأخري. تمتع لغة ما
بالامتياز بمنحها صفة احتكار كل ما يدعو الي التفكير سياسة تخص الأنظمة
الاستبدادية. من الممكن تلخيص الكتاب في هاتين الأطروحتين. هناك بداية
التواصلية مع السلطة الاستبدادية، ثم روابط هذه السلطة الاستبدادية مع
سياسة الكتابة.
هذه السياسة، سياسة
الكتابة استخدمت ما يوجد في مصر وفي البلاد العربية لمعرفة الاختلاف بين
لغة القرآن، اللغة العربية الفصحي واللغات المحلية لكل بلد، وبالتالي
نجد في في كل بلد لغة القرآن وتقديسها كوسيط لتوطيد السلطة السياسية علي
حساب اللغة المحلية.
نعم، هناك تغير.
مثلا، تضاعف عدد الأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة، إنه ليس
العصر الفرعوني ! الكتابة أصبحت شيئا عموميا. النقد الذي يمكن توجيهه
الي الكتابة، أن المرء يتناول المكتوب علي كونه حقيقيا، مما أدي الي
التشوش القائم بين ما هو حقيقي والمكتوب، ولكن بفضل الاغريق تم دحض هذه
المسألة. الجوهري، أن المرء لا يتعلم في الغالب في المدارس الا نحو
اللغة العربية الفصحي... مما يعني أن أحدهم يهتم بالكتابة، وتربي علي
حب اللغة، يتعلم ما يدرس له في المدرسة، أي ما أطلق دانتي عليه
"اللغة النحوية". بالمثل نجد أن نقوش المعابد الفرعونية كانت خادمة
للدولة، وأيضا اليوم يمكن أن يقال، فعلا، أن غالبية الكتاب خدام
للدولة. حتي اليوم الكاتب منفصل عن الشعب. غير مقروء. ولذا في كل
تاريخنا، لا يمكن أن نجد اسم الكاتب الوحيد الذي قام بدور مثل الذي قام
به فيكتور هوغو في فرنسا، بدون الكلام عن شكسبير، وغيرهما. في
تاريخنا، ليس من حق كتابنا ابداء الرأي، وهذا مثير للدهشة، لانفصال
الشعب عن عمل الفكر. يقولون إن الشعب ليس من وظيفته التفكير.
وبالتالي، هذا الانفصال كارثي.
علي هذا
النحو، بالنسبة للعالم الغربي، بدءا من القرنين الثاني عشر والثالث
عشر، هناك سعي حثيث لرفض السلطة المطلقة، سلطة الملك، مع بداية
الأنوار في القرنين الثاني عشر والثالث عشر والنمو الاقتصادي للمدن ثم حركة
الأنوار ونهاية الحكم المطلق، مما منح الحياة لما تطلق عليه
تحديدا في كتابك "المتعدد"، أي القواعد العميقة للديمقراطية. ومن
يقول "ديمقراطية" يقول "عقل نقدي"، وكانت بدايتها علي الأرجح مع
الترجمات الأولي للكتاب المقدس في ألمانيا لحظة الاصلاح. اليوم هناك
تيارات تتطور في المشرق والمغرب، بيد أنها قليلة ونبذتها السلطات، أي
أننا لا نمتلك بعد امكانية التشكيك في السلطة الاستبدادية، سلطة
"الفرد".
- علي وجه الخصوص هناك أناس
نشأت علي قاعدة خاطئة، علي معرفة أن لغتهم لغة أدني من اللغة التي
يتعلمون قواعدها. أنادي بالسماح بتدريس اللغة المحلية وقواعدها وأدبها في
المدارس، لكي يربح الناس شيئا من احترامهم لأنفسهم ولغتهم المحلية.
ولهذا ترجمت أحد الأعمال البارزة في مسرح شكسبير، "عطيل"، الي اللغة المحلية. أهي مشاركتك السياسية كما تتمناها ؟
-
نعم، مشاركة، ولكن كما يقال "طائر سنونو واحد لا يصنع ربيعا".
هناك أيضا مفهوم سيادة الشعوب. وهذا يتعلق بأوروبا ومفهومها غير
الموجود في الشرق. في أوروبا، حتي خلال المسيحية، كانت هناك دوما
فكرة سيادة الشعوب، كانت موجودة لدي الاغريق، ثم مع المسيحية ومقولتها
"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، تعني دوما الفصل ما بين السياسة
والدين الناتجة من فكرة سيادة الشعوب الحاضرة في الكتابات والأذهان
السياسية، حتي في العصور الوسطي، بينما لم يكن الحال نفس لدينا.
تريد القول "دين ودولة" في العالم العربي والاسلامي من الصعب فصلهما. أنه أحد الانتقادات الجارية منذ فترة طويلة.
-
نعم، بينما أن مقولة "دين ودولة" تريد الاشارة الي ذ كما لدي أي
دين ذ مظهر العلاقة القائمة بين الانسان والله ومظهر يتعلق بعلاقة الانسان
مع الآخرين، النظراء.
لنتكلم الآن، اذا
أردت بالطبع، عن سؤال سمم العالم العربي والاسلامي منذ ما يقرب من قرن،
وهو الصراع بين الصهيونية والقومية الفلسطينية. كيف تري، اليوم،
المشكلة الفلسطينية ؟
الاثبات اليوم في
عيني، أنه لا توجد مشكلة فلسطينية لأنه لا توجد فلسطين ! لا يوجد الا
الفلسطينيون ! قبل عام 1948، كانوا يستطيعون الهجرة. هربوا، وفي
هذه الحالة، حينما ذهبوا الي بلد كالأردن، تم منحهم الجنسية الأردنية.
ثم جاءت الموجة الثانية، أناس 1967، ولكن هؤلاء، حينما ذهبوا الي
لبنان والأردن... لم يتم منحهم الجنسية وكدسوا في معسكرات اللاجئين.
الآن، تتمثل المشكلة في أنهم لا يجدون المكان الذي يذهبون اليه، لا
أحد يريد شيئا منهم، لا أحد يريدهم، وبالأخص البلاد العربية. غير
مرغوب فيهم في كل مكان. ولهذا الحل الذي يمكن أن باب الخروج من هذه
المشكلة ذ الهجرة، الهروب ــ ممنوع عليهم. والآن لم تزل مشكلة اسرائيل
مع الفلسطينيين باقية.
يقال إن القومية العربية والعالم العربي فشلا خلال القرن العشرين، ولكن اليوم، أين نحن؟ لا توجد وحدة عربية ممكنة.
-
علي أي حال فقد العرب امكانية امتلاك المستقبل، اذا تجاسرت علي القول.
وهو ما جعلنا في مكاننا، وقت نهضة العلم مع غاليليو. كل شئ بدأ من
هنا. ليس الوقت مناسبا للكلام عن تاريخ العلم. ولكن في العالم العربي،
كان هناك علماء، عباقرة من الممكن مقارنتهم بالكبار. ولكن هذا غير
العلم بالمعني الغربي، الذي نشأ وتطور بدءا من القرن السابع عشر مع
غاليليو. وهنا تمكنا من رؤية قوة ما يمكن أن نسميه الكلمة، ابداع
اللغة التي تخلصت من اللبس وخلقت التعبير الذي ينبني عليه العلم. بدءا من
هنا، هناك الاختراعات الناتجة عن التطبيق. لنتذكر أن أول اختراع،
كان قوة النار. من هذه اللحظة وقف العرب قبالة حالة من الأشياء التي لا
يمكن أن يتكيفوا معها. في هذا الصدد قاموا بمحاولات، أي مع رجل مثل
محمد علي، والغرب لم يكن لديه سوي مشكلة واحدة، وهي أن يضع رأسه في
المياه، أي أن لا يدع هذا العالم يأخذ نصيبه من التطور.
أنت محق لأنه في كل مرة يقوم بلد عربي بمحاولة الخروج من هذا الركود تعمل الدول الغربية علي تدميره.
- نعم، تدميره وبالأخص حينما تكون (الدول) قريبة من بعضها البعض. نجح اليابانيون، أو الصينيون، في الهروب منها.
سهل الترابط المتوسطي المتبادل أنساق الهيمنة.
- بالتأكيد !
لانهاء هذا الحوار، أتمني أن تتذكر الفصل الأخير الذي كتبته بناء علي
طلب من فرانسوا فال، الجزء الأخير من ذلك الذي أسميته "سياسة الكتابة
والارهاب الديني".
- بما أن الأمر يتعلق
لدينا بدولة تتحصل علي شرعيتها من الدين وأن المؤسسة الدينية يهيمن عليها
رئيس الدولة، الذي يطلق عليه (أمير المؤمنين)، والذي يشير اليها
بالسلطات الدينية، وبالتالي من هنا، هناك تماه بين سياسة الأمير
و"الحق". وفي اطار المتعالي، المقدس، حينما يستسلم الشعب طوعا، من
الممكن أن ينجح نفوذ الأمير، بدون أي معارضة. وهذا في اطار نظام
الأشياء. ولكن حينما تفشل الدولة، حينما يفشل هذا الأمير، علي جميع
المستويات، هنا تبدأ المعارضة. ولكن المعارضة نفسها لا يمكن أن تمتلك
أي فعالية الا اذا خاصمت هذه الشرعية. في دولة لا تمنح أي مزايا ويخضع
المرء فيها للرعب، في الداخل، ولا يمكن معارضتها، واذا توافرت قوة
قادرة علي معارضتها، تحت شكل الرعب المضاد، سوف يتحقق الارهاب ويتهم
الدولة بكونها خائنة. وهذا ما يجري حاليا !
اذاً هي ذي جذور الارهاب الديني !
-
نعم. بدأت نزعة الارهاب في مصر مع اغتيال السادات، ولكن هذا كان
نتيجة لكل ما عاناه الإخوان المسلمون في سجون ناصر. ولذا اختار جزء من
الإخوان المسلمين طريق الارهاب، مرتكنين علي عقيدة "التكفير" التي
أتحدث عنها في كتابي.
اذا صح القول،
سقوط دولة "الفرد" والدولة الاستبدادية، استدعت، اذا تمكنت من
الايجاز جيدا، رد فعل المعارضة تحت الشكل الديني، أي العودة الي كلام
الاسلام واستخدامه كوسيط للتجديد بعد السقوط.
- بما أن الاسلام أصبح قاعدة لتأسيس السلطة، لا يمكن أن يستمر كقاعدة لمن يريدون اسقاط هذه السلطة !
ولكنك
لا تري أن الدول التي تهيمن علي الاقليم تستغل أيضا الاسلام كوسيط لتدمير
السلطات العلمانية، مثلا اسرائيل لكي تقاوم فتح في فلسطين مهدت لصعود
حماس خلال السبعينيات واليوم الآميركيون في العراق. في نهاية العصر
الناصري، استخدم الآميركيون المملكة العربية السعودية وقمة جدة 1970
لمقاومة السياسة المؤيدة للاتحاد السوفياتي ويسار ناصر.
-
بالتأكيد ومن المؤكد أن الاسلام، في ذاته، غير مناقض للتقدم. وهو
ما ذكرته حينما تكلمت عن طفولتي ومراهقتي، مبينا جيدا امكانية البقاء
مسلما وامتلاك الأفكار النقدية نوعا ما. هناك اختلاف بين الاسلام
واستخدامه الذي ذكرته، أي استخدام المملكة العربية السعودية، السادات،
الآميركيين... وهؤلاء غير عاجزين عن استخدام الاسلام سياسيا كقوة
رجعية.
سؤال لكي أنتهي من الحوار بصورة
شخصية. أتخيل الاجابة ولكن سأطرحه. هل تري نفسك اليوم ملحدا، غنوصيا
؟ ما هي علاقاتك بأصولك الاسلامية ؟
- علي
المستوي الشخصي أتجاسر علي القول، لا أمتلك أي معتقد. لست ضد
المعتقدات. ولكن أخمن بأنه من الممكن العيش بدون معتقد، علي أي حال علي
المستوي السياسي.
هل قلته في كتابك ؟
-
قلته. أنا بدون أي معتقد، ولكن هناك اختلاف ما بين الاعتقاد ودعم أي
برهان، أي حينما أقول (أ) لا يمكن أن أقول أي شئ بعدها. اذ يمكن أن
أبدي رأيا، أن أتكلم، وبالتالي ليس هناك اعتقاد، أقوم بها كأنني
أمتلك مقدمة منطقية وأبحث عن أن أكون متناسقا.
في هذا الصدد، تجيب علي ضرورة الفلسفة التي تعتبر استعمالا للعقل والفكر.
-
نعم. أعرف أنه لا توجد نقطة انطلاق للفكر خارج الاعتقاد بصورة عامة،
ولكننا من الممكن أن نمتلك شيئا من الحرية، كأن نختار مقدمات منطقية :
سواء كانت ضرورة عقلية، منطقية في المجال العلمي، سواء كانت ضرورة
الأفعال. وحينما نبدأ بمقدمة منطقية لهذا النظام، ضرورة الأفعال أو
اللوغوس، نكون متناسقين. وبالتالي، أقيم اختلافا بين الاعتقاد ودعم
البرهان، وأخذ مكاني في الحقل الثاني.
ونحن
ننهي حوارنا بذلك، اذا وددت بالطبع، أنت من نسل الفلسفة الاغريقية
والأنوار. أنت رجل البرهان، النقاش، العقل النقدي، وليس رجل
الاعتقاد بالمقدمات الدينية المنطقية.
- أضيف أن هناك أساطين عربا أعطوا دروسا لكيفي امتلاك الأفكار المتماسكة والمتناسقة.
بالتأكيد. هل تري الي مفكر مثل ابن رشد ؟
- مثل ابن رشد والمعري.
لا ينقصنا شئ في تاريخ العالم العربي والاسلامي، ولكننا نطمح اليوم الي تمييز مظاهر التخلف بدلا من مظاهر التقدم والانفتاح.
- نعم، بالتأكيد. يقومون بإعلاء شأن رجال مثل ابن حنبل أو ابن تيمية، بينما المفكرون النقديون يتركون في الظل.
من
الممكن أن نأمل أن تكون فترة غير طويلة، وانما فترة تمر بالعالم
العربي والاسلامي وأن تجربة العنف، الفقدان، التدمير والحرمان ستؤتي
ثمارها، حتي وان لزم الصبر علي رؤية هذه الثمار تنضج.
-
أنهي قولي بأن كل شئ يعتمد علي الأهمية التي نمنحها للثقافة والتعليم.
أو بالأحري نشعر بالحاجة الي تغيير سياسة الثقافة والتربية، أو بالأحري
نبقي حيثما نحن ونتلاشي.
ولهذا نتمني أن تجد الثقافة حلا.
منقول من موقع أخبار الأدب