الجمعة، 10 أغسطس 2012

مرايا… سلطنة اللغة ( هلموت هايسنبتل) ترجمة: هنري فريد صعب

My marvelous first thumbnail
عرفت أواسط القرن الماضي ارتماء جماعياً لعدد من الكتّاب والشعراء في أحضان اللغة، وبخاصة في فرنسا، بريطانيا، ايطاليا، ألمانيا وغيرها من البلدان التي أصابتها العدوى، على اعتبار انها وحدها الملجأ الحقيقي لهم، ما داموا لا يملكون أيّ جواب عن متاهات الأسئلة المحدقة بهم، لتقديمه إلى العالم. لكن جماعة منهم أخذها الوجد إلى حدّ المغالاة في وجدها، فانزوت في مختبراتها الكتابية انزواء الكيميائي مع أنابيقه وبواتقه وموازينه، فجاءت بأعمال كان لها صدى عظيم في البداية، لكنها لم تلبث حتى تهلهلت، لافتقارها إلى الحقيقة الأخرى والأهم والأساس، حقيقة الإنسان في ذواتهم، صانعة حقيقة اللغة – الملجأ.
الأديب والشاعر الالماني هلموت هايسنبتل، موضوع هذه الكلمة، واحد بارز من تلك الجماعة. كان عضواً مؤثراً في “جماعة 47″ التي كان من اعضائها مَن هم اليوم طليعة ادباء المانيا، امثال غونتر غراس، غونتر آيش، وهاينريش بول. بعد إنجاز تخصصه المعمّق في الدراسات العلمية، اخذ يهتم بالبحث اللغوي والأدب، وكان له فيهما محاولات تجديدية. اليوم، بعد مرور الزمن، ماذا بقي من تلك المحاولات وأمثالها في الوسط الأدبي العالمي الذي سار في هذا الاتجاه؟
I
يبدو في ايامنا انهم غفلوا عن شيء مهم، وهو ان الادب لا يتكوّن فقط من صور، وتخيّلات، وانطباعات، وآراء، ومواضيع، وثيمات، ومناقشات، وغير ذلك من “مواد الاستهلاك المخصصة للمثقفين”، بل من لغة – ولا شيء آخر سوى ذلك. ولكن يبدو ايضاً اننا، في حال عدم غفولنا عن ذلك، نُدرك تماماً ما يعني هذا الأمر.
II
إن الادب، باعتباره لغة، لا يتميز عن الثرثرة التي يمارسها كلٌّ منّا يومياً، والتي نستعملها عادةً للتفاهم. نسمّيها لغة الحديث او الحكي الدارج. وهذا يعني، من جهة، شيئاً نستعمله، ومن جهة ثانية، شيئاً دارجاً. في تعبير آخر، تمثّل اللغة المستعملة الدرجةَ الدنيا للغة، دنيا بما يحددها، بشكل واسع، من ضرورات عملية، من التزام للتفاهم في اسرع ما يمكن واسهله. بينما في المقابل، يتميز الأدب بمبادئ مختارة ومنسّقة.
III
ان يكون قوام الأدب اللغة، يعني من ناحية اخرى، ان هذه اللغة هي وسيلة، شيء ما لإبلاغ ما يسعى الى الكشف عن نفسه للعلن والوعي. هذه الوسيلة تتميز عن وسيلتَي الرسم والموسيقى، بما انها محددة مسبقاً بشكل اوسع جداً، مما هي الالوان والأنغام. في الواقع تشمل اللغة دائرة شاسعة من المعاني، تضمّ الفوارق الدقيقة في مختلف انواعها. ويعمل فيها عنصران: الكلمات، والعلاقات بين الكلمات في الجُمَل. على ان الكلمات لا معنى لها وحيداً ومحدّداً بوضوح، بل تغطّيها هالة ما (معانيها تختلف تاريخياً تبعاً لعلم الاشتقاق، او محلياً، تبعاً لجماعة او شخص معيّن). ترتكز العلاقات التركيبية للجُمَل على قاعدة: فاعل – مفعول – صفة. هذه القاعدة توجب كل مواجهة فعلية “Verbal” مع العالم، ان تفترض دائماً وجود شيء ما يُرجَع اليه، وشيء آخر في مقابل هذا المرجع؛ وكلا الشيئين مرتبط احدهما بالآخر بطرائق عمل وسلوك. وقد أخذت هذه القاعدة النموذجية اشكالاً متنوعة. نظام بكامله من الاضافات والتسلسلات يتفاعل مع اضعف الدوافع. ادق الفوارق تتبدّى. ويحدث ذلك كلّه ما إن نتكلم. وذلك كلّه قد ادى، في كل مرة جرى التعبير بطريقة ادبية، اي مثالياً، الى القبول مسبقاً ببعض المسلّمات “Axiomes”. يضاف الى ذلك، ان الخطاب المثالي للأدب او الشعر، قد بدّل دائماً، وجدّد الدائرة العامة في اللغة.
IV
وفيما اللغة بطبيعتها قد زوّدت الأنسان قاعدة نموذجية، وتخطيطات تسمح له بأن يهتدي الى طريقه، فإن الادب قد ذهب بعيداً في مغامرته، فزوّد الانسان على الدوام نماذج خاصة. نماذج خاصة تساعده في ان يفهم ذاته. وإن الاستعمال المكثّف لهذه النماذج الخاصة، هو ما يميّز العبارة الأدبية عن العادية. والمبادئ التي تنظّم هذه العملية كانت ولا تزال ثمرة الضوابط الاعتيادية للغة.
اما التغيّرات التي تطرأ على اللغة، فتعني ان شيئاً ما قد تغيّر في تفسير العالم. والأدب هو وليد هذه السيرورة ومسرّعها في الوقت نفسه. وتعود ديمومة بعض المفاهيم والقواعد الى الظروف التي كانت تُجيز لها الاستمرار. ولكن دائماً كانت ثمة محاولات، إما للعودة الى الوراء، وإما لتجديد الطرائق المختبرة. ويظهر ان ذلك صعب في ايامنا الحاضرة. إن اساليب الرواية مثلاً، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قد شاخت. ومَنْ يريد اليوم ان يتخذ بلزاك وأمثاله نماذج له، فلا شك في فشله، إلا اذا انقلب عالمنا على نفسه، وعاد الى الركائز التي كان يرفعها أجدادنا الاقربون والأبعدون.

V
يرى هايسنبتل انه عندما حاول التعبير بشكل “الجُمَل الأحادية” “Monophrases” (ثمة نماذج منها في المنتقيات التالية)، تبيّن له في الواقع ان شيئاً ما اساسياً تغيّر في اللغة. وما تغيّر يمكن ان نفصّله في اوجه عديدة عند القراءة. وبما انه ذو نشاط أدبي، ويعمل على ان يحيا في اللغة (لغته)، بحيث تستجيب متطلباته، فالذي يهمّه هو: ممّ يتكوّن جواب اللغة؟
ان القاعدة النموذجية: “فاعل – مفعول – صفة” قد سقطت. وما زلنا نستعملها. لكنها جامدة. مستهلكة. مفككة. النظام اللغوي نفسه اصبح “كلاسيكياً” في زعم المحافظين. وحيث يعمل دائماً المحافظون، تكون الجيفة غير بعيدة. وكل هجوم على ايّ ظاهرة جديدة، وغير مألوفة، انما يستخدم حجج المحافظين. وكل هذه الحجج تستند الى مصادرة “Postulat” صلاحيتها النهائية. ولكن، بصدق، من لا يزال يفهم مثل هذه المصادرات؟ كيف يمكن التحدث عن صِيَغ جامدة؟ كيف ننفعل؟ ان الحد بين ما أحدده كأناي، وما لست أناي، قد امّحى. فهل يمكن بعدُ التحدّث عن ذلك؟

VI
حاول هايسنبتل في مراحل متتالية، ان يدخل في قلب الأشياء. والجوهري، وهذا ما شعر به كأنه يتغيّر، تكشَّف له حيث التعبير النموذجي الأدبي، ملزَمٌ ان يحتل بوضوح، وبنوع خاص، اسساً في اللغة. عندما يختفي نمط التعبير التقليدي، ينبغي الدخول تقريباً في صميمية اللغة، من طريق كَسْر اللغة، وتقصّي علاقاتها جدّ الخفيّة. لكن المحصّلة لا يمكن ان تكون لغة جديدة. إنها طريقة في التعبير تستخدم نهجاً يتناقض مع تركيب الجملة التقليدي والاستعمال التقليدي للكلمات. الكلمات استُهلكت حتى اختلط بعضها ببعض، لأن تحقيق هويتها الواضح قد تحلّل في هالة يتعذّر تحديدها طبيعياً. هذا العامل الجوهري في اللاتحديد لا يسمح بالوصول الى ما تمكن تسميته صورة او مجازاً. الصورة أو المجاز، بما هما قابلان لتعيين هويتهما جلياً، يكونان جزءاً من اللغة التي تختفي تماماً. الفاعل، المفعول، الصفة في الجملة تزول. لأن الاختبار الذي نحن في صدده، يبقى خارج العلاقة المحددة في الفاعل – المفعول. العلاقات لا تتشكّل وفق إدغامات نسَقية او منطقية سانتاكسية، بل تنبثق من المعاني الثانوية، من الالتباسات التي تبرز في قلب سانتاكس مهدّم. اللغة تصبح هي الموضوع. لا تعود تبدو كوسيلة، او سلاح، او نظام اشارات: إن إمكان التعبير او عدمه، يحتلاّن مركز الصدارة. لماذا؟ لأن النماذج اللغوية البدئية التي حدّدها الاستعمال مسبقاً، بدءاً من الجملة البسيطة حتى الأنواع الأدبية، قد فقدت تأثيرها، وتالياً قدرتها على أن تمثّل دور الوسيط.
في تدهور هذه النماذج اللغوية، تكمن إواليّة طاقة أُحادية الاتجاه لا تقدَّر بثمن. ينتج من ذلك ان العناصر اللغوية نفسها، تبرز ثانيةً تقريباً، خارج الاطار النسَقي الذي كان يحبسها. ومن الممكن ان نميّز تفاعلين في هذه الظاهرة. من جهة، سيتم السعي مبدئياً، في عزم محافظ، الى انقاذ ما بقي للانقاذ، ولكن من دون اي نتيجة سوى تضخيم المشكلة. ومن جهة اخرى، فإن عناصر اللغة، سواء أكانت ألفاظاً ام فونيمات “Phonèmes” أم شذرات جمل معزولة، أم مخططات سانتاكسية تجريدية مكثفة في صيغ، إنما تُعتبر خطأً مادة بنائية بسيطة، مجرّد أحجار تُستعمل عند الحاجة. مثل هذا التفاعل لا يقود كما يظهر الى حلّ، بل الى تفاقم المشكلة. ويبدو أن لا حل واضحاً في الحاضر. ولكن لا يمكننا التعبير بطريقة أدبية، اذا لم نضع دائماً هذه المشكلة نصب أعيننا، أو بالاحرى، اذا لم تكمن هذه المشكلة في قلب تجربة الخلق، ولم نتخذها كنواة. كل كلمة نعبّر بها تطرح مشكلة. وهذه المشكلة هي أن اللغة تتجاوز بعيداً الاستعمال التقني البسيط للكلمات وإدغاماتها.

VII
تلك هي النقاط الرئيسية في مبحث هايسنبتل اللغوي التغييري. ولا شك أن مثل هذه المباحث التغييرية تحسن قراءتها. غير أن الزمان قد أسقط معظم هذه النقاط. فدعوته الى سلطنة اللغة في الأدب، ليست الوحيدة في تاريخ الثقافات العالمية. ثمة نشاطات موازية لها زمنياً، كانت قائمة في بلدان أوروبية، ولا سيما في فرنسا، ايطاليا، بريطانيا. ففي فرنسا، أواسط القرن الماضي، كانت تنشط ايضاً حركة ما سمّي “الرواية الجديدة”، وجماعة مجلة “Tel Quel” في رئاسة فيليب سولرز. وفي ايطاليا كانت الحركة الطليعية، وعلى رأسها الشاعر والروائي والمسرحي والناقد ادواردو سانغينتّي. وفي بريطانيا سطع اسم جيمس جويس المخبول باللغة، حتى أنه جعلها مادة خاماً لإعادة صناعة عالم جديد.
لدى هؤلاء جميعاً كانت اللغة “سلطانة”. اليك قول الفرنسي لوكليزيو الذي مُنح جائزة نوبل منذ عهد قريب، والمنضوي تحت لواء “الرواية الجديدة”: “لا شيء بالنسبة اليَّ غير اللغة. إنها المسألة الوحيدة، او بالاحرى، الحقيقة الوحيدة. كل شيء يوجد فيها. كل شيء مُعطى. أنا أحيا في لغتي. هي التي تصنعني. الكلمات هي إنجازات، وليست أدوات. في الواقع، ليس عندي همّ الاتصال”. كذلك مواطنه فيليب سوليرز، جرّب في مشروعه الشامل أن يستعيض باللغة، بما هي موضع اختبارات متعددة، نفسية، فيزيائية، إيديولوجية، عن وهم “الأنا”، بما هي “سلطة وحيدة”، قضى بها القانون، الجماعة، العقيدة، الما قبل ماضياً. وبلغ سولرز حدّاً تصعب فيه ملاحقته. فأصدر بحسب زعمه روايتين، الأولى عنوانها “H”، 185 صفحة (ربما هو أول حروف كلمة حشيشة)، والثانية عنوانها “فردوس”، 254 صفحة. كلتاهما بدون علامات الوقف، كالنقطة او الفاصلة او الاهلّة. وبدون بياض ومقاطع وفصول، على امتداد الصفحات كلها، بحيث تشعر كأنك أمام غابة سوداء من الكلمات المتراصة لا تدور حول حكاية، بل ألوف الحكايات.
كذلك فعل ادواردو سانغينتّي الواسع الثقافة. فقد اختار اللغة الاختبارية لإنقاذ العالم، كما ادّعى، وبأيّ ثمن، من اجترار التقليد. فبات النص عنده ظاهرة عنفية تعمد الى “الكشف” عن “العمق” من طريق إبراز التناقضات بين الوعي والحقيقة، بين النظرية والتطبيق العملي. والمحصلة، أعمال مستغلقة. حتى أنه ذهب في اختباره اللغوي الى تطعيم نصه بالالمانية والانكليزية والفرنسية واللاتينية، بتأثير من عزرا باوند وإليوت، ولكن بأشدّ إغراباً.
أما جيمس جويس فقد ولّى اللغة أمنع سلطان قُدِّر لها، في مؤلفه “فينيغانز ويك”. ففي هذه الشبكة العنكبوتية من الكلمات، المسمّاة رواية، والتي طوى جويس سبعة عشر عاماً من عمره في كتابتها، ابتدع له فيها لغة غريبة أشبه بكبسولات ضمّ فيها مفردات من تسع وستين لغة من كل أنحاء العالم. وساعده في ذلك إتقانه الفرنسية والايطالية والالمانية واللاتينية واليونانية، وإلمامه بالعديد من اللهجات. اضافة الى تمتّعه، وهذا الأهم، بذاكرة قوية لتحتفظ بكل هذه الثروات.

VIII
أخال في هذا السياق، أن اللغة لم تُمنَ بسلطان واسع عند أقوام الى حدّ التقديس، كما عند العرب. سوى أن هذا السلطان لم يرقَ الى قمة تطرّفه، الاّ على يد أبي العلاء المعري وأصحاب المقامات. فالمعرّي قد ركب اللغة كفروسيّ لا كرحّالة. متعة الفروسية اللغوية هذه، أفردته عن الأقران قبله وبعده. ولا سيما في كتابه “الفصول والغايات”. هنا اللغة أصبحت عُقَداً خالصة. لا لسبب الاّ لأنه كان يطلبه دائماً في اللفظ الغريب والتركيب الغريب، الممعن في الاغراب، لا عن حاجة، بل سعياً وراء غاية يقصدها لذاتها، كدعاة الفن للفن.
أما أصحاب المقامات، وأميرهم بديع الزمان الهمذاني، الحريري، الحصكفيّ، واليازجي آخرهم، فكان حافزهم الوحيد على إنشاء أعمالهم: اللغة. ولا همّ آخر.
المقامة أشبه بمصيدة أنيقة لاقتناص الالفاظ ونوادر التراكيب وبدائع الأسجاع، في قالب قصصي بسيط يقرّبها من القارئ.

IX
هؤلاء جميعاً نسوا او تناسوا أن اللغة ليست عقلاً (بعضهم أفاق من سُكره اللغوي كفيليب سولرز مثلاً). اللغة كائن حي. إنها كما الانسان بادعها: ذاتٌ وعقلُ وروح. واستعمالنا أيَّ ركن من هذا الثالوث على حدة، يعني قتلاً للإنسان وبَدعه. إذ لا لغة بدون انسان. وبالعكس. كلاهما متلازمان. ما قيمة ألوف الكلمات في المعاجم إن لم ينسجها على نَوله انسان.
منتقيات من هاليسنبتل
تمهيد
عبارات بسيطة
فيما أنا أكتب يسقط الظلّ
وتضع شمس الصباح الرسمَ الأوّلي
التفتّح مشروع مميت
مع موافقتي

أنا أحيا
رسائل هجائيّة (مقاطع)
I

الحاضر يستسلم لعبادة الاسلوب الفارغ
استشهادات باهتة
أفكار عرجاء تكتشف النعوتَ الظرفية الحزينة (ظروف)
نصوص غنائية ناجحة تتحدّى الزمان
الخطيبة عند النافذة المخلوعة تُمطر في الحلم
مندوليناتُ الغرفة المظلمة تتنزّه
السنون تقول كلمتها
فوق الأقنية الوقتية ترتعش هندسة الانهيار العظيم
على المشاهد شبه الظاهرة ينحني نهدا الماضي العاريان

II
تاريخي الانجيلي يبدأ مع رائحة الارض البائرة في الخريف
عصري الحجري القديم لا يعود الاّ الى طفولتي
عروضُ عرباتِ السكة الحديد
مجرى الزمان المتقطّع
أمس كان منذ ثلاثة أسابيع خلت
عناقيد الايام تتدلّى في الخارج على جدران الماضي
تُقلقني رؤية الماء التي تقسمها المجاذيف
تُقلقني ضجّة زهر النرد على الطاولة
زوايا المَشاهد تنغلق بانحراف فوق جبيني

III (أمثال)
الضوء امرأة عارية منتوفة الشَعر بدقّة
قريباً سنتحدث عن الصمت كما عن حكاية
أن تكون مسحوراً يبدو طموحاً كافياً لكل شخص ذي إحساس (ورد هذا البيت بالانكليزية)
مهمّةُ الحياة هي في صنع العزلة التي ليست الوحدة (ورد بالانكليزية)
الوضع: أن أحدهم ليس على وفاق حتى مع نفسه
كل العبارات متساوية
الحزن يُسدّد دَينه (ورد بالفرنسية)
(ملاحظة: هذه الابيات مستمدة من نصوص كتّاب وشعراء، من بينهم هنري ميشو، جرترود شتاين، هانز آرب)

IV
زمنُ البؤس يتناكح مع العصر الحديث لولادة آراء معروفة
ذكريات مخيفة تجول بأيدٍ فارغة
في البثّ الخاص بالمرأة يُدحَض نيتشه
هتلر شخص من ابتكار ميشو
نحمل معنا العائلة
الماضي الوزاري يتدلّل
يمرّ على الوجوه الضاحكة ظلّ الضباب الذرّي
موديلاتُ السيارات تنتقل بصفتها بدائل عبر المشاهد الطبيعية القابلة للتبادل
العصر الحديث يسطع ويأفل كنجمة المساء في أيلول

V (مقطفات من الصحف)
احتمالٌ في التقدير كان يجب أن يظهر
تقدير إجماعي سيكون وجهة نظر
على العموم بعد كل معطيات الظروف
الظروف التي كان من نتيجتها
أن أفضل عناصر المستنَد الممكن
تتعلّق من نواحٍ باحتمالاتٍ في تحوّلٍ دائم
الى نواحٍ تتعلّق بورطةٍ لا خلاص منها
قد تكون احتمالاً تجب مواجهته
هنا وهناك تنتصب الطواحين السوداء على فكرتي الرئيسة
جامدةً تنبثق رؤى الافتراض الزرقاء في الظلمة كانعكاسات الضوء في الماء
مقارئُ الأفكار السوداء المجْهَضة تظهر عند الحاجة
خربش القمر على الجدران علاماته
وسط الحركات العفوية يفوح عطر الليمونة
عند الأفق اليَقِظ تدعونا السيرينات الى الرحيل
في كل التنويعات الممكنة تتلألأ صنّاجات الصمت
في قلب الأذن ينفجر صنج تشرين الأول الصامت

صورة مجازية
في وضعية الغطس. كنت معلّقاً عمودياً فوق ظل شيء لم يكن له وجود قط. زمن أخضر. الأرضية محصبة وصافية ومغطاة بنباتات صغيرة وظلال متغيرة. انعكاسات اضواء حيوية وخضراء. ضوء ناعم بعد الاضاءة العنيفة السابقة. سكون متأرجح للديمومة المذابة. عدم الدوام طويلاً. اجمل ايام موتي. بلا حوادث بلا انتظار.
قبل الغطس تخيلتُ تلك الحالة كمن في تحرّر نهائي. ولكن لم يكن سوى الغياب الموقت للوجود. انه معنيٌّ اكثر منسيٌّ مفقود.
في هذا الأكواريوم العجيب لمحتوايَ الشعوري ثمة ميت. هوذا ما يهمّني مجدداً. لا يزال يهمّني. ويدفعني الى الامام. فأن اكون غطستُ لم يكن يعني شيئاً سوى اني غطست. لا أكثر. لقد نسيت الاسماك الكبيرة. انها تتجمع الآن.
معلّقاً عمودياً فوق الظل أتمايل تحت صدماتها. الآن ترتمي الأسماك عليَّ جماعات جماعات بقيادة اكبرها حجما واشدها سواداً متدفقةً من الزوايا الوهمية في ذلك الكهف المنسي. عدمٌ اخضر تملأه صدمات زعانفها الغاضبة. شبه ظلٍّ اخضر حائل في حركة فائرة ومزيدة بفعل صدمات زعانفها. ميدوسات صامتة تطفح بالنوستالجيا. هل جئتُ الى هنا حقاً بملء ارادتي؟ ما كان قبل مجيئي الى هنا يأخذ الواناً محببة. بسبب الصدمات التي كانت تزداد عنفاً دائماً، بدأ رأسي ينفصل شيئاً فشيئاً. احيانا بعد صدمات اخفّ، كان يتحرك بحرية. هل تكون الاسماك راضية حين تحصل عليه؟

غرامّاطيق سياسي
المضطهِدون يضطهدون المضطهَدين. لكن المضطهَدين يصبحون مضطهِدين. ولأن المضطهَدين يصبحون مضطهِدين ينتج من ذلك أن المضطهَدين يصبحون مضطهَدين يَضطهدون وأن المضطهِدين يصبحون مضطهِدين يُضطَهَدون. لكن المضطهِدين المضطهَدين يصبحون بالعكس مضطهِدين (مضطهِدين مضطهَدين يضطهدون). والمضطهَدون اذ يَضطهدون يصبحون بالعكس مضطهَدين (مضطهَدين يضطهِدون مضطهِدين).
المضطهِدون يُنتجون مضطهَدين. المضطهَدون إذ يَضطهدون يَضطهدون المضطهِدين. المضطهِدون المضطهَدون إذ يضطهدون يَضطهدون المضطهَدين المضطهِدين. وهكذا الى ما لا نهاية.

قصيدة التدرب على الموت
(مقاطع)
دخان غابة فوق هِسلاخ يحجب شمس شباط
ضجيجٌ على طول رَدْم السكة الحديد نداء صدىً خطىً
مشاهد نموذجية
في الشبكة المستعرضة نصوصٌ باطلة ملحّة متروّية لامبالية
أفكارٌ مبطَّنة خلفياتٌ الشهيةُ تدور ربع دورة
جدار رصاصيّ اللون انعكاساتٌ كبريتُ الرصاص في المغاور الصيفية
في يوم صينيّ بدقة ألمانيٌّ عجوزٌ في مشهد غابةٍ توتونية
محطةٌ قديمة توقّفٌ ثان للسكة الحديد.
تصبّرٌ طويل الأمد طويلٌ بالتدرج وجهُ
الأب ينثقب حقلٌ – مثقوب قرميدةٌ بنيةٌ مصاريع
ومشاهد بيضاء في ساعة العصر تقهقراتٌ زرقاء
مراقٍ تدريجية مدرَّجة نحو السهل المغمور
بالرياح فيما تمتد

الثرثرات في عصر أحدٍ مشوّشةً مختلطة معقدة
ما العلاقات بين الوجود الذي أعيشه
وكثيرٍ مما يروج هنا وله وجودٌ
ولا يروج وله معنى وليس بشيء وكيف
ينكشف هذا الموقف بذاته
وعلى ذلك ثمة الكثير حقاً من…
لأن واحدنا هنا
له الأفضلية في تنوعاته بأن يكون
معنياً على الأغلب عندما نعاني الحسد
اضاءةٌ مستعرضة تقريباً نورٌ مائل
ينتشر مساء
محطة قديمة دنتيلا في مغزل استراحةٌ تمثيلية ايمائية
حفلة ظلالٍ راقصة

نافذةٌ معتمة خلفياتٌ مخروطيات الشكل تعرّجاتُ نهرٍ
على جانبي الوادي تختفي في الأمواج
وعلى المراقي مستقبل الما بعد او ماذا او ماذا
يا للخسارة حقاً انا آسف ولكن هذه هي الحال
آه رويدك نحن نعيش زمناً عجيباً
الا ترى كيف اقول دائماً لا يصحّ ذلك
انا اقول لك هذا جنونٌ هذا مخيفٌ
كذّب الباطل والله يعرف ماذا
لكن التجربة الموفى بها غالياً تلبس نقابها الأحمر
احاديث مباشرة عملياتٌ بعيدا من القواعد

اميركيون في القطار انعكاسات نورٍ على ليما السويّة
تقسيم النهار شبحٌ جرسُه – المائي زبدٌ – انسانيّ
لهاث – ثلجيّ وجهٌ – حجريّ معيّن – لبلابيّ حزمة – ضوئية
النوارس ترسم زخارف جانحةً من علاها على الشاطئ (…)
نورٌ باهت لكنه مقبول وما العلاقات
بين الوجود الذي أعيشه والكثير مما يروج
هنا و

يوجد ولا يروج وله معنى وليس بشيء
وكيف ينكشف هذا الموقف بذاته
على ذلك الكثير حقاً من…
لأن واحدنا هنا
له الأفضلية في تنوعاته بأن يكون معنياً
على الأغلب عندما نعاني الحسد
شبهُ عطر لأيد متصالبة تهتز من الجذور
ترمسٌ اصفر افقيّ عبر شبكة الأصابع سلسلةٌ
من الخطوط الصغيرة – القضبان
شاطئ تغطيه حراشف – الظلال بدون نسق وهمٌ
ماكر يقترب من الخلف ويبقى هناك على السطح
تخمٌ تكنسه بهياج شديد
أضواء بيضاء حيث الشبح يبدل اتجاهه
وكانت تظهر عند أطراف السماء
ملائكة الموت مستلّين عواصف سوداء وكانت
أناشيدهم تعلو ثمة بقعةُ ظلٍّ أو
صهبُ قمحٍ تألّقُ فَرْو غيومٍ في
تنتوريتّو حظيرةٌ مقطرَنة رائحةُ قطران
رائحة عشب ثقبُ ظلٍّ
وهمٌ منتفخ بالكنايات الملتوية مظهرٌ رقيقٌ
ممزّقٌ ملتبسٌ ومغروسٌ بالانعكاسات الملتمعة
في جلبة المساء المبطّنة
أروقةٌ منقلبة هذا كثير أجد هذا كثيراً
ثقبُ ظلٍّ أو صهبُ قمحٍ شذراتُ ضوء
وحيدٍ وأبديّ وشرفةٌ خالية دائماً
في ذلك المبنى الجديد الأسود – الرواق لأنه كان
ضياءً نهاراً أجوف
صدمةً جوفاء مميتة في المترو

من أعمال Helmut Heissenbuttel
-1 Livres de Lecture, Ed Denoël, 1969
-2 De la littérature, Ed Denoël.


منقول من موقع فوبيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق