الثلاثاء، 31 مارس 2015

#عن_الحرية_أتحدث





الصمت خيانة :

الإغتراب يؤدي إلى القهر والقهر يؤدي إلى التطرف والتطرف يؤدي إلى العنصرية والعنصرية تؤدي إلى العنف والعنف يؤدي إلى القهر هي أذن دائرة مفرغة حتى من الهواء لا نستنشق فيها سوى غبار الكراهية المميت والرغبة الدائمة في أن نكون السادة على عبيد من لحم ودم وعقل ونفس وروح عبيد لا يختلفون عنا  في شيء سوى في الحلم

القهر :

عندما يصاب الإنسان بالإغتراب الإرادي فأنه لا يؤمن بما يجب أن يكون وبالتبعية تصبح المصلحة هي أديولوجيته التي يؤمن بها ويسعى بكل ما أوتي من قوة إلى جعلها أسلوب حياة من أجل تحقيق كل ماتطمع إليه نفسه بغض النظر عن مشروعية تلك الرغبات بل والوسائل التي يتبعها من أجل الوصول إليها بغض النظر عن حقوق الآخرين وواجباته فالرغبة هي السيد الذي يجب أن يطاع أما الحقوق والواجبات فهي مجرد كلمات جوفاء لا أساس لها من الصحة في تلك الحياة .

المعادلة أذاً لا بد وأن تحتوى على مغترب قهري يُسلب في كل لحظة حقوقه المادية والمعنوية بل وفي بعض الأحيان حقه الأصيل في الحياة إلا أن هذا القهر يتحول إلى قهر بالمعنى الحرفي للكلمة عندما يمتلك القاهر القوة وآليات السيطرة على المقهور هنا يصبح الإضطهاد أسلوب حياة لكي يضمن القاهر تحقيق رغباته التي لا تنتهي وملىء فيه الذي لا يشبع حتى وأن أمتلك الأرض وماعليها .


الجزء الأغرب في المعادلة يكمن في المقهور الزي أن لم يمتلك أيدولوجيا " هوية " سوية لها من القوة والصلابة ما يعينه بل ويوجب عليه مواجهة القهر يتحول إلى حالة الإزعان والرضوخ التام فيما يمكن أن نعتبره نوع من الـ "  الإرضاخ الإرادي للزات " بل ويصل في بعض الأحيان إلى حالة متطرفة من التلزز الماسوشي بالقهر .

هنا يظل النظام – المستعمر أو الديكتاتوري – في مرحلة " ثقافة الصفر " زو القيم الثابتة المطلقة وتظل أسطورتي أنهيار الدولة والمنقز من الإنهيار " الحاكم أو الدولة أو النظام " حية ترزق وبطبيعة الحال لا يتم الدخول في مرحلة الصراع من أجل الحصول على الحرية بثورة حقيقية والتحول إلى ثقافة المالانهاية زات الطبيعة الديناميكية والتطور الدائم والمستمر مع الحفاظ بالطبع على الأركان الثابتة في الثقافة " الهوية " فالمقهور راضح تماماً لآليات السيطرة – الوهمية – وموقن بقوة القاهر التي لا تقهر .

التطرف :

قد تصل مرحلة القهر والرغبة في السيطرة إلى مرحلة متطرفة أيدولوجياً وبالتبعية على أرض الواقع والأمثلة هنا كثيرة ولا تحتاج إلى عناء البحث في التاريخ لكي تضع يدك على تطرف الحكومات والأنظمة الإستعمارية والديكتاتورية – الراضخة للإستعمار الحديث " اللامباشر " بطبيعة الحال – فهنا يصبح كل شيء مباح من أجل الوصول إلى رغبات لا تنتهي.. الغاية تبرر ألف وسيلة.. ولا معنى لكلمة جوفاء تدعى الأخلاق .

إلا أن هزا التطرف قد يواجه بتطرف مضاد – في حال غياب الهوية السوية أو تشوها وبالتبعية الطبيعة المجتمعية السوية التي توجب النضال بشكل متزن ولا أعني هنا غياب النضال المسلح مع المستعمر ولكن أعني غياب التطرف في النضال – فالشعور بالإغتراب القهري للزات يجعل الغاية تبرر ألف وسيلة أيضاً وبالتبعية لا يصبح السؤال الاهم من أقتل – طفل أو أمرأة أو كهل – أو كيف أقتل بل كيف أصل إلى النصر بأقصر الطرق وأيسرها وأن أستبدل نظام الحكم بنظام لا يقل دموية وإشعاراً للآخرين بالإغتراب القهري للزات .

فالحركات الإسلامية المتطرفة والمسيحية في الغرب وغيرهما ما هما إلا نتاج طبيعي لهوية مشوهة وواقع إجتماعي مشوه أدى بأولائك المغتربين قهرياً إلى السير في زلك الطريق المتطرف من أجل التخلص من القهر هي أزن صورة نضالية مرضية يظن من يسيرون في ركابها أنهم قادرون بها على أن يصبحوا احراراً .

التعصب :

قد يصل التطرف إلى مرحلة أكثر تطوراً وخطورة إلا وهي مرحلة التعصب فالجماعات المتعصبة ترى أنها أعلى وأرقى من الآخرين وأنها مميز عنهم لزا فهي مرحلة إغترابية إرادية تبرر القهر والسيطرة على الآخرين كالحركات الإستعمارية التي أدعت انها تريد أن ترتقي بالشعوب المسعمَرة إلا أنها في حقيقة الأمر تقوم بسلب ونهب وإستعباد تلك الشعوب بكل الوسائل الممكنة .


إلا أن هذه العنصرية لها ردود أفعال مختلفة منها " الإرضاخ القهري للذات " أو العنف المفرط كما ذكرت من قبل ومنها إقصاء الطرف الآخر " العنصري " من الجنس البشري – بالمعنى الحرفي الأيدولوجي للكلمة – ومنها – وهي حالات نادرة – التقمص الذي يتسم بالتشبه بالطرف العنصري – الأقوى – والإنفصال التام عن الهوية بغية التخلص من هذه الصفات الدونية وحالة القهر التي تسير شامخة وكأنها في صيرورة لا تنتهي .

العنف :

في تلك الدائرة المفرغة التي تبدأ بالقهر وتنتهي بالعنف مروراً بالقهر من جديد يكون للعنف الكلمة الأعلى واليد الطولى في المعركة فالعنف المفرط الغير سوي هو هو نتيجة طبيعية للمقاومة الغير سوية في مجتمع يتسم بالإغتراب القهري للذات في بيئة مشوهة أيدولوجياً وبالتبعية هو رد فعل طبيعي للإغتراب الإرادي للذات من قبل الإستعمار – بشكلية المباشر والغير مباشر – والأنظمة الديكتاتورية .

المشكلة أذن لا تكمن في العنف في حد ذاته – وأن كنت أرى أن مواجهة الديكتاتوريات الوطنية يجب أن تكون سلمية منعاً للصراعات الداخلية التي قد توصل إلى حروب أهلية وإنهيار للدولة برمتها كما رأينا في سوريا والعراق فالمقاومة السلمية ستظل أقوى وأكثر تأثيراً قلا أحد يستطيع أن يقف أمام شعب ثائر أما مقاومة المحتل فيجب أن تكون مسلحة بالإضافة إلى أساليب المقاومة المختلفة بالطبع – بل في الدرجات المفرطة منه والتي تتسم بإستخدام أساليب غير سوية – لا أخلاقية بالمرة – فالمعادلة هنا ليس فيها سوى قيمتين " النصر أو الهزيمة " أما تحقيق الغاية – حتى وأن كانت شريفة – لا تُلزم أن تكون الطرق والوسائل الموصلة إليها شريفة أيضاً .

الغريب في الأمر أن هذه الطريقة المفرطة – الغير سوية – في العنف لن توصل إلى بناء مجتمع ثوري ديناميكي متطور بل إلى إستبدال إستبداد بإستبداد آخر في حالة النصر وإلى زيادة القهر في حالة الهزيمة أو أن تؤول النتيجة – وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان – إلى إعادة الدورة من جديد والإستمرار في حالة الصراع التي ستؤدي إلى القضاء على الطرفين والبشرية برمتها في نهاية المطاف .


أما الصراع المتسم بالعنف داخل المجتمع الواحد فيؤدي إلى كارثة محققة وذلك لسببين الإنقسام وبالتبعية الإنهيار التام للمجتمع فالمجتمعات المتزنة يجب أن تتسم بالبنائية بحيث يتكون المجتمع من من نسق عام يحوي مجموعة من الأنساق الفرعية التي يؤدي كل منها دوره فيه بإنتظام ودقة وهذا النسق يجب أن يكون ذو هوية ثقافية موحدة – حتى وأن أحتوى على خصوصيات أثنية أو دينية أو سياسية لأنها لا تخرج عن الهوية الثقافية للمجتمع بمعناها العام – فالإختلافات الأثنية والدينية والسياسية عندما تكون في بيئة مشوهة تؤدي إلى الصراع فما بالكم أن كان هذا الصراع مسلحاً .

أما الصراع بين السلطة الديكتاتورية والشعب يجب أن يتسم بحالة من الوحدة – فيما يتعلق بالشعب – في مقابل السلطة فالرغبة في القفز على السلطة أو الإنغماس في الثورة من أجل تحقيق مصالح شخصية لفئة أو طائفة سياسية أو أثنية أو دينية معينة تؤدي إلى كارثة محققة فبعد التخلص من من السلطة ستتصارع تلك الأطراف المختلفة من أجل القفز عليها أو على أقل تقدير الحصول على أكبر قدر من المكاسب فما بالكم أن كان هذا الصراع مسلحاً .

العنف أذن – بهذا المعنى وفي حالة الصراع الداخلي – ما هو إلا شكل من أشكال تحويل المجتمع من مجتمع إنساني إلى مجتمع الغاب تحكمه قوانين الداروينية الإجتماعية بمعناها الأكثر تتطرفاً فالبقاء هنا لا يكون للأصلح فقط – وان كان هذا يعد قتل للقيم الإنسانية في حد ذاته – بل للأقوى أيضاً فمن يمتلك القوة هو فقط من يملك النصر ومن يملك النصر هو فقط من يحافظ على مصالحه بل هو فقط الديكتاتور القادم الذي سيعيد الدائرة إلى نقطتها الأولى.. القهر.. قهر الآخر .

#عن_القهر_أتحدث
#أقتلوا_الخوف
#تحرروا

الصمت خيانة

للكون فلسفة قد نسمع حثيثها في صوت الرياح وخرير المياه وزقزقة العصافير كل صباح أن تمتعنا ببصيرة قادرة على عبور ما هو ظاهر وأسير لحواسنا إلى ما هو أبعد وأعمق إلى جوهر لا يخفى ولا يُخفي حقيقة نحيا في كنفها ونأبى أن نعترف بها حقيقة نغترب عنها بقدرتنا على الإختيار بدلاً من أن نكون أداة فاعلة وتقدمية لها ولوجودنا.. بإعمار الأرض

الكون بكائناته الحية والميتة يسير بشكل آلي منظم بل ومحكم التنظيم  فـ " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " كما أن الموت فيه - أي الكون - ضرورة لإعادة بناء الحياة فالبراكين التي نظن أنها تدمر كل شيء تبني الخصوبة في الأرض والحيوانات التي تأكل بعضها بعضاً تحافظ على التوازن الأيكولوجي لقريتنا الصغيرة هذا بالإضافة إلى التكامل بما فيه من تكافل بين كائناته المختلفة .

أما البشر الذين وهبوا العقل كضرورة تعينهم على التكيف بدلاً من التكيف الآلي وبالتبعية وهبوا الإختيار للحفاظ على توازن الحياة البشرية والطبيعة وبطبيعة الحال التكامل فيما بينهم وبينهم وبينها.. البشر.. آثروا أن يبيدوا كل شيء.. في تراجيديا ملحمية للإنتحار الجماعي .

#عن_فلسفة_الكون_أتحدث
#أقتلوا_الخوف
#تحرروا


الصمت خيانة :

السعادة ناتجة عن عدم الشعور بأي من الإغترابين " الإرادي والقهري " أو كليهما وبالتبعية الشعور بالرضى والطمأنينة والسكون سواء كان ذلك بتحقيق إحتياجاتنا الأساسية الموصوفة في هرم ماسلو والتي تبدأ بالأمن والخبز وتنتهي بالشعور بالحب والتقدير أو أحتياجاتنا الخاصة المرتبطة بفروقنا الفردية أو حتى الرضى بالوضع القائم مع عدم تحقيق تلك الإحتياجات.. هذا أن تخلصنا من إغترابنا الإرادي.. أما أن يكون سبب كل ذلك هو القهر.. القهر.. آفة لن تشعروا معها بالسعادة أبداً.. لذا.. تحرروااااااااااااااااااااااااااااااااااا

#عن_السعادة_أتدث
#أقتلوا_الخوف
#تحرروا

الثلاثاء، 15 يوليو 2014


" القناع persona "

كان اليونانيون يرتدون الأقنعة في العروض المسرحية لكي تعبر عن الشخصيات التي يؤدونها وكأن وجوههم غير قادرة على ذلك مع أننا – بني البشر – كما رأى يونج فيما بعد نرتدي أقنعة عدة تتفق وبشكل قوي مع كل الأدوار الإجتماعية التي نلعبها وبغض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع هذا إلا أن الحقيقة الواضحة والجلية أن وجوهنا قادرة على أن تصبح أقنعة تتلون كالحرباء بين لحظة وأخرى والأسئلة المهمة هنا لما نرتدي تلك الأقنعة ؟.. وما الذي نخفيه بإرتداءها ؟.. ولما نخشى أن تظهر وجوهنا الحقيقية في العلن ؟ .

الرمز :

ذكرت في مقال سابق أن العقل مرآة رمزية للعالم مليئة بالحروف والأرقام فهو يحاول وبشكل حثيث أن يفهم هذا الكون الذي يحمل مثيرات كثيرة ومعقدة ومبعثرة وأن يجمعها في نسق يحوي رؤيته المعرفية عما يحيط به  وكل ما عليه فعله هو أن يضع المنطق السليم في مكانه السليم على حسب القضية التي يفكر فيها الرمز أذن فكرة عقلية تحمل تصوراً ما حتى وأن كنا نحن من نبتدعه بناءاً على تصورات سابقة - فالعلاقة هنا ديناميكية - كالأفعال غير اللفظية في المجتمع والفنون التشكيلية على سبيل المثال لا الحصر ففي النهاية يتم التعبير عن الرموز والدلالات التي ترمز إليها بصورة لفظية تعبر عن أفكار تحمل دلالات معينة .

هنا يبرز السؤال التالي هل هناك حقيقة منفصلة عن إدراكنا أم أن الحقيقة هي مجرد رؤيتنا للعالم الذي يحيط بنا وأنها ليست موجودة من الأساس كما ترى البنيوية وما بعدها والتوجهات العديدة في فترة ما بعد الحداثة ؟.. أعتقد أنه حتى وأن كنا لا نستطيع أن نعي الحقيقة بشكل كامل أو أن ندرك كافة أبعادها في قضية ما لا يعني بأي حال من الأحوال انها غير موجودة أو أنها غير منفصلة عن أدراكنا فالكون لا يمكن ان لا يكون نسقاً واحداً – حتى وأن أحتوى على مجموعة من الأنساق النسبية التي يكمل كل منها الآخر – وإلا أختل توازنه وبالتبعية أنهار أو لنقل لم يكن لُيبنى من الأساس وفي هذه الحالة تصبح الحقيقة = العدم .

والأمر هو هو بالنسبة لحياتنا الإجتماعية فلو لم تكن هناك معاير للتتميز بين الصواب والخطأ وبالتبعية قيم ومباديء ثابته لتحول المجتمع إلى مجرد غابة يحكمها الأقوياء ويفعل كل فرد فيه ما يشاء وكيف شاء وفي الوقت الذي يريده – وأنا هنا أتحدث عن حقيقة القيم والمباديء لا الحياة الإجتماعية المختلة نتيجة للإغتراب عن هذه القيم والمباديء – هذا بالإضافة إلى أنه أن لم يكن هناك حقيقة في الدين والأيدولوجيات - الرؤية الحقيقية للوجود وخالقه - فمن سيعاقب على ماذا أذن في الحياة الآخرة والعقاب ضروري لإستقامة الحياة على الأرض من الأساس فالمرء يدرك أنه حتى وأن أفلت من عقاب الدنيا فلن يفلت من عقاب الآخرة  وهنا أيضاً تصبح الحقيقة أما ان تكون أو لا تكون وبالتبعية = العدم وهذا لا يعني أنه ليس هناك ضرورة للتعايش والتعارف بين الأمم المختلفة – حتى وأن كان لأحدهم تصور حقيقي والآخر غير حقيقي عن الحقيقة - وهي قيمة أيضاً تخلينا عنها فدخلنا في دوائر لا متناهية من الصراع وأن لا يدعي أحد إحتكارها بل كل ما عليه فعله أن يقدم البراهين اللازمة لوصول البشرية إليها لكن هذا  لا يعني أيضاّ أن للحقيقة قلوب عدة فللحقيقة قلب واحد ووجوه عدة توصل إلى ذلك القلب .

فالحقيقة أذن لا يمكن أن تكون نسبية فلا نسبية في المشترك الإنساني وهي جزء محوري فيه وضروريُ للتمييز بين الصواب والخطأ الحق والباطل الوجود والعدم الخير والشر مان نحن عليه وما يجب أن نكونه فالنسبية لا تكون إلا فيما هو مختلف بين البشر كالرغبات والميول والقدرات الخاصة وبعض المظاهر الثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية المختلفة .

الرمز \ القناع :

للرموز صور ظاهرة وصور خفية تقف وراء  " الأقنعة " إلا أن هذه الرموز الخفية – والتي لا تكون إلا في الحياة البشرية بطبيعة الحال – هي المعبرة بشكل قوي عن الإغتراب البشري لأنها ببساطة  تنبع من رغبة ملحة في إخفاء شر كامن في النفس البشرية للوصول لأغراض تشبع أهوائنا الجشعة بصورة مقبولة إجتماعياً .

ولكن ما الداعي إلى ذلك أعتقد ان السر يكمن في ان البشرية قد تخلصت من الإغتراب عن القيم والمباديء الإنسانية– بصورة نظرية بطبيعة الحال– ولو بقدر معين كما انها على مدار تاريخها لم تتخلى عن قيم ومباديء راسخة لا يمكن أن يخرج عنها أي في فرد في المجتمع مع إستمرار النفس البشرية على حالها فمنا من يسعى إلى ان يصبح من الملائكة ومنا من هو أستاذ للشياطين إلا أن الأخير يسعى ولا زال دائماً إلى أن يكون مقبولاً إجتماعياً تجنباً للنبز والصراع الإجتماعيين وبالتبعية فأن الحكومات تتبع نفس الآلية فالديكتاتور في العصور الوسطى يدعي بأنه يحكم بامر الله والديكتاتور في العصر الحديث يدعي بأنه حاكم ديمقراطي يحترم الدستور والقانون وجاء بإنتخابات حرة ونزيهة وهنا يبرز العقد الإجتماعي الخفي .

العقد الإجتماعي الخفي ما بين أرسطو وبريخت :

ذكرت في مقال سابق أن الوعي الجمعي قادر على إدراك الحقيقة لا أبعادها – معرفة الأسباب والنتائج – مما يجعله عرضة للتلاعب والتضليل من قبل السلطة فالشعب يدرك بان هذا الحاكم ديكتاتوراً لكنه لا يعرف الأسباب التي أدت إلى ذلك وكيفية التخلص منه الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى أن يكون عرضة لتضليل أسطورتي إنهيار الدولة وبالتبعية عدم توفر الامن والخبز أو لنقل إنتفاء الوجود الإنساني من الأساس والمنقذ من الإنهيار " الحاكم \ النظام " هاتين الأسطورتين اللتين تضمنان وجود النظام وإستمراريته وأن الحل يكمن في الوصول إلى وعي جمعي ناقد قادر على معرفة الأسباب والنتائج لكي ينال الحرية والأمن والخبز .

هنا تبرز ما هية الأقنعة فالقناع لا يكون مقنعاً للشعب ولا يكون الحاكم ممثلاً على مسرح أرسطي قديم كما أننا وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نكشف الشر الكامن ورائها بصورة كاملة لعدم قدرة الوعي الجمعي على إدراك أبعاد الحقيقة – الاسباب والنتائج – وبالتبعية لا يستطيع بريخت أن يكسر الحاجز الرابع " الوهم " وان يُخرج الناس ولو بين الحين والآخر من تاثير الدراما المميت فالأقنعة هنا شفافة لكنها لا تزال تخفي بعض الحقيقة وللاسف الشديد الجزء الأسوء منها .


هنا فقط يبرز العقد الإجتماعي الخفي " الحقيقي " بين الحاكم والمحكومين فلكي أنال الأمن والخبز علي أن اتخلى عن حريتي وأن أسعى بكل قوة إلى عدم زحزحت اركان النظام القائم ونظراً لأني لم أصل إلى مرحلة الوعي الناقد التي ترى أنه بدون الحرية لا يمكن أن أضمن الحصول على الأمن والخبز لأني في هذه الحالة ساكون تحت سطوة وسيطرة من يعطيهما لي وبطبيعة الحال يكون قادراً على منعهما في أي وقت نظراً لأني لم أصل إلى هذه المرحلة من الوعي سأظل في منطقة البرزخ بين إدراك الحقيقة الكاملة وعدم إدراكها وستظل المصلحة هي الحاكمة للحياة البشرية بين طرفين مغتربين تلك العلاقات الإنسانية المشوهة التي تبدأ بالعلاقات المتعددة بين الأفراد مروراً بالحاكم والمحكومين وتنتهي بالعلاقات الدولية في قريتنا الصغيرة .
الإغتراب أذن هو السمة المميزة لتاريخ البشرية فلكي نفعل ما نهوى وما نشاء علينا أن نغترب عن الحقيقة ولكي نغترب عن الحقيقة علينا أن نستبدلها بميثولوجيا ننسج خيوطها بايدينا – وهي نسق عقائدي يتصف بصفتين الخيال الأبستمولوجي ( الوهم المعرفي ) المرتبط بالإغتراب عن أصول وآليات وحقيقة المعرفة وإضافة قدرات غير حقيقية وخارقة لشخص ما أو شيء ما " 1 " – لكي نبني حقيقة مغايرة تتفق مع رغباتنا واهوائنا ولكي تصبح تلك الميثولوجيا أسلوب حياة علينا أن نرتدي أقنعة توحي بانها الحقيقة المطلقة لكي نفهم المجتمعات البشرية أذن علينا ان نكتشف مقدار إغترابها ولكي نكتشف مقدار إغترابها علينا ان نبحث بدقة متناهية عن الميثولوجيا والأقنعة .

" 1 " أنظر مقال ميثولوجيا القرن الواحد والعشرين .













الأحد، 8 يونيو 2014

روجيه غارودي .. روح وغبار



د. شاكر نوري


عندما طلبت مني مجلة «الدوحة» الغرّاء الكتابة عن الفيلسوف الراحل روجيه غارودي(1913 - 2012) في ذكرى وفاته الثانية، ترددت كثيراً لأنني في الواقع احترت من أية زاوية أتناوله بعد أن أصدرت عنه كتابين ومجموعة من المقالات، وتابعت بنفسي محاكمته وسجلت تفاصيلها. وكانت لي به صداقة خاصة دامت أكثر من عشرين عاماً في باريس. وسافرنا سوية إلى بغداد.

لكنني وجدت من المناسب أن أعود إلى سيرته الذاتية أو بالأحرى إلى مذكراته المعنونة (طوافي وحيداً حول القرن)، الذي لم يترجم بعد إلى اللغة العربية حسب علمي. ومن الطريف أنه نُشر في بيروت من قبل دار الفهرست (1999). لا زلت أتذكر ما قاله لي في مكتبته الكائنة في السرداب السفلي من منزله عندما أهداني إياه. «ينقص المذكرات ما عانيته من محاكمتي، ولكنك تعرف التفاصيل يمكنك أن تكمل الفصل الأخير من حياتي لأنك شهدت بنفسك ما حلّ بي».

من العجيب، إنه يتحدث عن الحياة والموت في تشابكهما العظيم، لا يتردد من الحديث عن رحيله عن هذه الأرض قائلاً: «كثيراً ما كنت أحلم بموت بدون نعش أو قبو، بل أغور في الأرض، وأرتدي معطفاً كونياً، ينسج الحياة من حولي». ثم يستشهد بقول شاعر المقاومة الفرنسي بول ايلوار «لأنني روح وغبار، سأحيا في جذور حبيبات القمح الخضراء». تحدث غارودي في هذا الكتاب الحميمي الهام عن تداخل الخاص بالعام. ينتقل من السنوات الأولى لتلقيه التربية والتعليم، من عام 1918 إلى عام 1945، وكذلك عن الحب، الفروقات بين ماركس وكيركيجارد، الحب في زمن التعذيب أثناء الحرب العالمية الثانية، المنفى والموت، حرب الجزائر، تحرير باريس، علاقته بالحزب الشيوعي، سنواته الأربع عشرة في البرلمان، ولقائه بكبار الكتّاب والشعراء أمثال نيرودا وايلوار وباشلار، أستاذه، وسارتر، والحوار المسيحي الماركسي، والتغييرات التي طرأت على فكره وحياته، وكذلك الفصل الأخير من حياته واعتناقه الإسلام.

كانت التحولات لحظات عصيبة في حياته، لكنها لم تخل من الجانب الأدبي الحالم، وغارودي قبل أن يكون مفكراً وفيلسوفاً، فهو أديب كتب عن معظم الكتّاب والشعراء الفرنسيين والعالميين بروح أدبية صافية. ونجد شذرات من هذا الأدب في سيرته الذاتية، فهو يفرد صفحات كاملة لقصة حبه ولقاءاته مع النساء، ويمكن أن أقتطف ما يقوله بإيجاز: «الحب هو أول خروج من الذات. الحب يعلمنا التضحية، وهي القانون الشامل للحياة. ليس الحب لحظة في الحياة، بل اكتشاف الحواس والأحاسيس. الحب في كل كائن هو الفعل الذي يبدع. وهذا الحب بالنسبة لي كالبحر». هذا ما كتبه في خاتمة الكتاب.

ثم يفرد غارودي فصلاً كاملاً عن الإسلام وكيف اعتنقه، قائلاً: «كثيراً ما يتردّد على أسماعي: لماذا اخترت اعتناق الإسلام؟ مثلما حصل لي مع الماركسية تعرفت على الإسلام من خلال الكتب قبل أن أصبح مؤمناً. في الحقيقة، لم يكن لقائي الأول مع الإسلام في إطار المعرفة بقدر ما كان في إطار الوجود: أثناء نفيي إلى الصحراء (أُلقي القبض علي في سبتمبر عام 1940 في الوقت الذي لم يكن النفي والإبعاد معروفاً في ألمانيا)، وفي معسكر التعذيب في «الجلفة» نظّمت مع بعض الرفاق عصياناً من أجل الترحيب بمجموعة قديمة من الألوية الدولية (تم نقلهم من معسكر «القل» لينضموا إلى معسكر «الجلفة»). وقد قام القائد الفرنسي للمعسكر بإعطاء أوامره بإطلاق النار علينا، كانت فرقة الإعدام تتألف من المناوشين الجزائريين، وكانوا ينتمون إلى طائفة مسلمة تنحدر من الجنوب، يعرفون بـ «العباد» أي «متطهري الإسلام»، قاموا بتنفيذ جميع الأوامر باستثناء أوامر إطلاق النار علينا أو حتى ضربنا بإيعاز من القائد الغاضب، وعرفت السبب فيما بعد، إذ إن تنفيذ إطلاق النار علينا كان يتناقض مع شرف أولئك المحاربين المؤمنين، حيث إن الرجل المسلّح لا يسمح لنفسه بإطلاق النار على رجل غير مسلّح. ومنذ إطلاق سراحي في الجزائر، عكفت على دراسة الثقافة التي تجسّد هذا المبدأ وهذا السلوك. لم يكن اعتنائي بالإسلام كثقافة فقط، بل كإيمان».

لم يتعرض مفكر وفيلسوف وكاتب فرنسي كما تعرض له روجيه غارودي من اضطهاد فكري سواء من اليساريين أو اليمينيين، لأنه في واقع الأمر زعزع المفاهيم السائدة التي تراكمت منذ عهود الهيمنة الكولونيالية. فقبل أن ينتقد إسرائيل، كانت دور النشر الفرنسية قد نشرت له ما يزيد على أربعين كتاباً، ولكنه بعد ذلك أصبح ينشر كتبه على حسابه الخاص. وكتابه «الأساطير المؤسسة للصهيونية» كلفه محاكمة مدوية عام 1998، حكمت عليه بدفع غرامة مالية مع سجن بدون توقيف، لأنه انتقد إسرائيل وشكك في المحرقة اليهودية، وهذا ما لا يُسمح به في فرنسا. من ناحية أخرى، إن اعتناقه للأسلام هو الآخر أربك جميع الأطراف ولم يجد أي فهم له من أي طرف من الأطراف لأن الجميع خاضع للمفاهيم السائدة ولا يريد التغيير، الذي ظل هاجس غارودي على مرّ سنوات حياته. وليس أبلغ مما قاله لي في إحدى حواراتنا:«وجدت أن الحضارة الغربية قد بُنيت على فهم خاطئ للإنسان، وأنه عبر حياتي، كنت أبحث عن معنى معين لم أجده إلا في الإسلام».

وفي الحقيقة، لم يلق سوى الفهم المحدود من قبل أصدقائه، على سبيل المثال، المحامي والمفكر الراحل جاك فيرجيس قال فيه: «في الندوة التي جمعتني مع البروفيسور روجيه غارودي في دمشق سمعته يتحدث ويهاجم الرأسمالية منذ كان شيوعياً، وكلانا كان لديه نفس الهدف، وهو أن يدعم العدالة. وكلانا كان ضدّ التركيز على الثروة، لأنّ الاهتمام بجمع الثروة ليس بعدل. لقد اتّبع غارودي المبدأ الماركسي الذي يسعى لتحطيم الملكيّة، في حين أنّني كنتُ أعتبر الملكيّة مفتاحاً للحريّة. لكن كلانا كان يرى أن الملكيّة تؤدّي في النهاية إلى الظلم وعدم انتشار العدل، وكلانا كان يدعو إلى نظام يدعو إلى إنتاج وإعطاء العدالة للجميع.. لذلك وجدنا أنّ الإسلام هو الحلّ الوحيد(...)وأنا كمحام كنتُ أسعى إلى مبادئ ليست من وضع البشر..».

سيرة ذاتية مدهشة حقاً، فهو شاهد على قرن بكامله لا تفوته التفاصيل، كتب ذلك بعشق خاص للأحداث. وهو لم يكتب إلا عن التجارب التي عاشها. عبر هذه الصفحات يتحدث غارودي عن لقاءاته، من ستالين إلى عبد الناصر، ومن شارل ديغول إلى فيدل كاسترو، ومن باشلار إلى جان بول سارتر، ومن بابلو نيرودا إلى بيكاسو.

وهو يؤكد في مقدمته بأن «هذا الكتاب ليس كتاب اعترافات ولا كتاب وصيّة ولا توديع للحياة». وفي الحقيقة، فهو يشبه دليلاً إلى العصر الذي عاشته البشرية، ينهل منه الروائيون والكتّاب والشعراء والسياسيون والباحثون، لأنه يقدم عصارة ما عاشه بكل حلوه ومره، وخاصة عبر تياراته الفكرية الأساسية: الرأسمالية والشيوعية والمسيحية والإسلامية التي طبعت العصر وكل العصور بطابعها، والمهم في سيرة غارودي أنه كان أحد أبطالها، ليس بالضرورة المنتصرون الآنيون، بل الخالدون.
 
منقول من مجلة الدوحة الثقافية

الجمعة، 2 مايو 2014

»" في أغسطس نلتقي‮ "..‬ رواية جديدة‮ ‬غير مكتملة لماركيز‮ ‬



أكد كلاوديو لوبيث مدير دار بنجوين راندام هاوس للنشر،‮ ‬المعنية بنشر أعمال ماركيز أنه بصدد نشر رواية لم يسبق نشرها لجابو،‮ ‬مشيرا في الوقت نفسه إلي أن الرواية‮ ‬غير مكتملة وأن القرار النهائي بشأن نشرها هو أمر يخص ورثة الأديب الكولومبي‮..‬وقال لوبيث في حوار صحفي‮ :"‬هناك بالفعل رواية ولدي المسودة ولكنها رواية‮ ‬غير مكتملة ولذلك لم يتم نشرها‮..‬انها مكتملة بنسبة‮ ‬85٪‮ ‬ولكن نهايتها مفتوحة لحد كبير وهو لم ينهها‮".‬وأضاف‮ "‬اعتقد أنها ستري النور ان عاجلا أم آجلا‮ ..‬انها تستحق ذلك ولكن كرواية‮ ‬غير مكتملة‮". ‬وأكد الناشر في ذات الوقت أن القرار النهائي يعود لورثة ماركيز،‮ ‬مشيرا إلي أنه ليس هناك مزيد من المادة الأدبية التي لم تنشر للأديب الكولومبي‮.‬

‮"‬عادت للجزيرة يوم الجمعة السادس عشر من أغسطس في العبارة التي وصلت في الثانية ظهرا‮..‬كانت ترتدي قميصا ذا مربعات صغيرة وبنطلوناً‮ ‬جينز وحذاء بسيطا بدون كعب وبدون جوارب‮..‬لم تكن تحمل من أمتعة سوي مظلة وحقيبة بحر.بدا صف سيارات التاكسي بجوار الرصيف كأنه نموذج قديم متآكل بفعل البارود.استقبلها السائق بتحية صديق قديم واصطحبها عبر قرية السكان الأصليين ذات المنازل المبنية من الخوص المعشق بأسقف من سعف النخيل،‮ ‬والشوارع المفروشة برمال بيضاء مطلة علي بحر متأجج.كان عليه أن يقوم بالعديد من المناورات ليتفادي الخنازير الهائجة والأطفال العرايا الذين يتسلون بأداء حركات مصارعي الثيران‮. ‬في نهاية القرية دلفا في طريق يحفه النخيل يقود إلي الشواطي والفنادق السياحية الواقعة بين البحر المفتوح وبحيرة مغلقة تسكنها طيور البلشون الزرقاء.أخيرا توقفا أمام الفندق الأقدم والأكثر حقارة.كان الحاجب ينتظرها حاملا مفاتيح الحجرة الوحيدة في الطابق الثاني التي تطل علي البحيرة.صعدت الدرج في أربع قفزات ودلفت إلي الحجرة الفقيرة المعبأة برائحة المبيد الحشري والمشغولة تماما تقريبا بذلك الفراش المعد للازواج.أخرجت من حقيبتها علبة جلدية وكتابا سميكا يحمل بين صفحاته فتاحة خطابات من العاج وضعته علي الطاولة المجاورة للفراش‮ ..‬وأخرجت كذلك قميص نوم من الحرير وضعته تحت الوسادة.أخرجت منديلا من الحرير يحمل صورا مطبوعة لطيور استوائية وقميصا أبيض قصير الاكمام وحذاء تنس مستخدما وحملت كل ذلك معها إلي الحمام مع العلبة الجلدية‮.‬
قبل أن تستحم خلعت القميص ذا المربعات وخاتم الزواج والساعة ذات الطابع الرجالي التي كانت تضعها في يدها اليمني وأخذت ترش وجهها بالماء لتزيل‮ ‬غبار السفر وتطرد نوم القيلولة.عندما انتهت من تجفيف وجهها راحت تنظر في المرآة متفحصة نهديها المدورين المشدودين علي الرغم من ولادتين سابقتين،‮ ‬ومع أنها تجاوزت العقد الخامس من العمر‮..‬شدت وجنتيها بأطراف أناملها للخلف لاستعادة مظهرها في شبابها وشاهدت وجهها بهاتين العينين المسحوبتين والانف المفلطح والشفتين الدقيقتين‮ .‬تغاضت عن التجاعيد الاولي التي بدأت تظهرعلي جيدها ولا مفر منها،‮ ‬وأظهرت أسنانها المستوية التي فرشتها جيدا بعد الافطار الذي تناولته في العبارة‮ .‬حكت ابطيها اللذين ازالت الشعر عنهما حديثا بمزيل العرق وارتدت القميص القطني الناعم الذي نقشت الحروف‮  ‬AMB‮ ‬يدويا اعلي جيبه.مشطت شعرها الهندي الطويل الذي يغطي كتفيها وربطته للخلف بالمنديل المنقوش بصور الطيور.وأخيرا رطبت شفتيها بإصبع المرطب ثم بللت طرف اصبعها بلسانها ومسحت حاجبيها المرسومين ثم أضفت رشة من عطرها الثقيل خلف اذنيها وألقت نظرة أخيرة في المرآة بوجه أم في خريف العمر‮..‬هذه البشرة التي لا تبدو عليها أية آثار لمواد التجميل تشع بلونها الطبيعي والعينان العسليتان الغارقتان بين الاجفان البرتغالية لا يكشفان عن سن‮. ‬حاسبت نفسها بعمق وبلا رحمة ووجدت نفسها علي ما يرام بقدر ما كانت تشعر.فقط عندما وضعت خاتم الزواج والساعة تنبهت إلي أنها كانت متأخرة:بقيت ست دقائق علي الخامسة‮.‬غير انها منحت نفسها دقيقة من الحنين لتأمل طيور البلشون التي وقفت بلا حراك وسط أبخرة البحيرة المتأججة.أنبأتها كتل السحب السوداء المتراكمة علي جانب البحر بضرورة حمل المظلة‮..‬
كان التاكسي ينتظرها تحت أشجار الموز قبالة مدخل الفندق.مضت في الطريق المحفوف بالنخيل حتي وصلت إلي منطقة لا تقع بها أي فنادق حيث يوجد سوق شعبي في الهواء الطلق،‮ ‬وتوقفت عند أحد دكاكين الزهور.ثمة عجوز زنجية كانت تأخذ القيلولة علي مقعد بحر استيقظت فجأة وتعرفت علي السيدة الجالسة في المقعد الخلفي للسيارة وأعطتها،‮ ‬وسط ضحكات وثرثرة فارغة فرع من زهور الجلاديولس احتفظت لها به منذ الصباح‮. ‬بعد بضعة أمتار انحرف التاكسي في طريق‮ ‬غير ممهد يصعد إلي تل من الاحجار المتراصة‮ .‬وعبر الهواء المعبأ بالحرارة كان يمكن رؤية اليخوت الفاخرة تقف بمحاذاة الرصيف السياحي والعبارة التي توشك علي المغادرة بينما يلوح منظر المدينة عن بعد وسط الضباب والكاريبي المفتوح‮.‬
علي قمة التل تقبع مقابر الفقراء البائسة‮..‬دفعت البوابة التي يعلوها الصدأ بلا أدني جهد ثم دلفت حاملة فرع الزهور وسارت في الطريق الذي تحيطه القبور التي تغطيها النباتات المتسلقة حيث تتناثر حطام توابيت وعظام فحمتها الشمس.بدت القبور جميعها متشابهة في تلك المقابر المهجورة التي تتوسطها شجرة سيبا ذات أفرع ضخمة.كانت الحجارة المدببة تلحق الضرر بالحذاء الكاوتشوك الملتهب أصلا بفعل الشمس الحارقة التي تتسلل عبر نسيج المظلة.ثمة سحلية اجوانا ظهرت أمامها فجأة من بين الاشجار فتوقفت ونظرت إليها لبرهة قبل أن تفر بسرعة‮.‬
كانت قد انتهت من تنظيف ثلاثة شواهد وأصابها الارهاق وراحت تتصبب عرقا عندما نجحت أخيرا في التعرف علي ذلك الشاهد الرخامي المائل للاصفرار الذي يحمل اسم والدتها وتاريخ وفاتها قبل تسعة وعشرين عاما‮..‬كانت قد اعتادت أن تروي لها كافة الاخبار،‮ ‬فقد أخبرتها مثلا بجميع التفاصيل السرية لكي تساعدها علي اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان عليها أن تقبل الزواج أم لا واعتقدت أن الرد جاءها بعد أيام قليلة في صورة حلم بدا لها حكيما ولا يحتمل الخطأ.وتكرر الأمر ذاته عندما ظل ابنها بين الحياة والموت لاسبوعين بعد ان تعرض لحادث سير‮ ‬غير أنها اعتقدت انها تلقت الرد هذه المرة ليس في صورة حلم بل عبر محادثة بالصدفة البحتة مع سيدة اقتربت منها في السوق بدون أي مبرر‮..‬لم تكن ممن يؤمنون بالخرافات‮ ‬غير أنه كان لديها هذه الثقة المستندة إلي المنطق في أن هذا التناسخ الكامل بينها وبين والدتها مستمر حتي بعد وفاة الوالدة.وهكذا فقد طرحت عليها كافة الاسئلة التي جمعتها علي مدار العام ووضعت الزهورعلي القبروهي واثقة تماما في أنها ستتلقي الرد في أقرب وقت ممكن‮.‬
المهمة اكتملت:لقد اعتادت تكرار هذه الرحلة طيلة ثمانية وعشرين عاما متتالية في السادس عشر من شهر أغسطس من كل عام في نفس الوقت وفي نفس الحجرة بذات الفندق ومع نفس التاكسي ومن بائعة الزهور ذاتها تحت نفس الشمس الملتهبة في تلك المقابر الخاصة بالسكان الاصليين لتضع فرع الجلاديولس علي قبر والدتها‮..‬ومنذ هذه اللحظة لم يعج لديها ما تفعله حتي التاسعة من صباح اليوم التالي،‮ ‬وهو الموعد المحدد لمغادرة العبارة في رحلة العودة‮.‬
كانت تدعي انّا مجدالينا باخ،‮ ‬وكانت قد أكلمت عامها الثاني والخمسين من العمر والثالث والعشرين في زيجة تسير علي نحو طيب من رجل يحبها تزوجته قبل أن تتم تعليمها وهي عذراء بدون أية علاقات عاطفية سابقة‮..‬أما والدها فهو استاذ للموسيقي لا يزال وهو في الثانية والثمانين من العمر يشغل منصب مديرمعهد الموسيقي البلدي.وكانت والدتها معلمة نابهة للمرحلة الابتدائية ولم ترغب حتي آخر أنفاسها في أن تكون‮ ‬غير ذلك علي الرغم من مميزاتها الكثيرة‮.‬
ورثت أنا ماجدالينا عن والدتها جمال العينين المائلتين للصفرة وفضيلة قلة الكلام والذكاء الذي يمنحها القدرة علي اخفاء قوة شخصيتها.كانت والدتها قد أعربت عن رغبتها في أن تدفن في الجزيرة قبل وفاتها بثلاثة أيام.وكانت أنا ماجدلينا ترغب في أن ترافقها منذ الرحلة الاولي‮ ‬غير أن أحدا لم يتحمس فهي ذاتها لم تكن واثقة في قدرتها علي التغلب علي الشعور بالضيق.وعلي الرغم من ذلك فإنه في الذكري السنوية الاولي اصطحبها جدها للجزيرة لوضع الشاهد الرخامي علي مقبرة الام.شعرت بالفزع خلال الرحلة التي قطعتها في قارب بموتور والتي استغرقت قرابة الاربع ساعات وسط بحر لم يشهد لحظة من الهدوء‮..‬اعجبتها كثيرا تلك الشواطئ ذات الرمال الذهبية التي تجاور الغابة البكر وتلك الضوضاء الهادرة التي تحدثها الطيور والتحليق المبهر لطيور البلشون علي ضفاف البحيرة المغلقة‮.‬غير أنها شعرت بالحزن الشديد تجاه البؤس الذي تعانيه القرية التي يتعين علي أهلها أن يناموا في العراء في شباك النوم المعلقة بين نخيل جوز الهند،‮ ‬وهذا العدد الكبير من الصيادين الزنوج مبتوري الاذرع بسبب الانفجار المبكر لاصابع الديناميت.إلا أنها علي الرغم من كل ذلك فقد تفهمت رغبة والدتها عندما شاهدت بهاء العالم من القمة التي تقع عليها المقابر‮..‬عندئذ فقط اخذت علي نفسها ذلك العهد بأن تضع فرع الزهور علي قبر والدتها طوال حياتها‮.‬
أغسطس هو الشهر الأكثر حرارة خلال العام العام كما أنه الأغزر أمطارا،‮ ‬غير أنها كانت تنظر للأمر باعتباره التزاما شخصيا ينبغي عليها الوفاء به دون تأخير‮..‬ودائما بمفردها.وكان هذا هو الشرط الوحيد الذي فرضته علي زوجها قبل الزواج،‮ ‬وكان هو من الذكاء أن اعترف بأنه أمر خارج عن سلطته‮..‬وهكذا فقد تابعت أنا ماجدالينا تزايد الممرات الزجاجية التي تقيمها الفنادق السياحية،‮ ‬كما مرت بالتطور الذي شهدته الزوارق إلي اللنشات ذات المحرك وصولا إلي العبارت،‮ ‬وعلي هذا فقد كان لديها من الدوافع ما يشعرها بأنها أقدم سكان القرية‮.‬
عندما عادت إلي الفندق في تلك الظهيرة تمددت علي السرير بملابسها الداخلية فقط واستأنفت قراءة الكتاب الذي بدأت فيه خلال الرحلة.كانت رواية دراكولا الاصلية لبرام استوكر.كانت دوما قارئة ممتازة وكان أكثر ما يعجبها وتقرأه بنهم هي الروايات القصيرة من أي نوع مثل لاثاريو دي تورمس والعجوز والبحر والغريب وغيرها.ولكنها خلال الاعوام الاخيرة بعدما تجاوزت الخمسين أصبحت مولعة بروايات ما وراء الطبيعة‮.‬
أبهرتها دراكولا منذ البداية بيد أنها في ذلك المساء استسلمت للهديرالمتصل للمروحة المعلقة في السقف واستغرقت في النوم محتفظة بالكتاب فوق صدرها‮. ‬استيقظت بعد ساعتين فوجدت نفسها محاطة بالظلام وهي تتصبب عرقا وتشعر بجوع شديد وقد تعكر مزاجها.لم تكن هذه حالة استثنائية في روتينها خلال هذه السنوات.كانت حانة الفندق تظل مفتوحة حتي العاشرة مساء وكثيرا ما نزلت إليها لتتناول شيئا من الطعام قبل أن تنام.لاحظت أن هناك عددا من الزبائن يفوق المعتاد في مثل هذا الوقت وخيل إليها أن النادل قد تغير.طلبت ساندوتشا من اللحم المقدد والجبن مع الخبز المحمص وقهوة باللبن.لاحظت أنها كانت محاطة بعدد من الزبائن يماثل تلك الاوقات التي كان فيها الفندق الوحيد في المنطقة.ثمة طفلة سمراء كانت تغني بضع اغنيات بوليرو من الرائجة في ذلك الوقت،‮ ‬بينما يصاحبها أجوستين روميرو بالعزف علي بيانو ذي اوتار افقية‮ .‬
شعرت بالاكتئاب وأثقلها شعور بالمهانة لكونها تتناول طعامها وحيدة،‮ ‬لكنها كانت مرتاحة للموسيقي التي كانت ناعمة وحنونة كما أن الطفلة كانت تجيد الغناء‮..‬عندما عادت إلي طبيعتها لم يكن تبقي في الحانة سوي ثلاثة أزواج علي موائد متفرقة،‮ ‬وأمامها مباشرة كان يقف رجل مختلف لم تكت قد شاهدته يدخل للمكان.كان يرتدي ملابس من الكتان الابيض كتلك المنتشرة في زمن والدها وله شعر لامع وشارب جندي ذي طرفين مدببين.كانت المائدة التي يجلس عليها تحمل زجاجة من العرق وكأسا مملوءا حتي منتصفه‮ ‬،‮ ‬بينما كان هو يبدو وحيدا في العالم‮.‬
بدأ البيانو يعزف ضوء القمر لديبوسي في إيقاع يتلائم مع رقصات البوليرو وشدت الطفلة السمراء في حب.تأثرت أنا ماجدالينا بالموسيقي فطلبت كأسا من الجن بالصودا والثلج،‮ ‬وهو المشروب الروحي الوحيد الذي تسمح لنفسها به بين الحين والحين ويمكنها احتماله.اعتادت أن تستمتع بشربه علي رشفات مع زوجها الخبير في الشراب الذي كان يعاملها بأدب ولطف عشيق سري‮.‬
تغير العالم تماما بعد الرشفة الاولي وشعرت بأنها أصبحت علي ما يرام وبأنها سعيدة وجريئة وقادرة علي فعل اي شيء،‮ ‬وأشعرها ذلك الخليط السحري بين الموسيقي والكحول بأنها ازدادت جمالا.كانت تعتقد أن الرجل علي المائدة المقابلة لم ينظر إليها لكنها عندما أعادت النظر إليه بعد الرشفة الاولي من الجن فوجئت بأنه ينظر إليها‮..‬اصطبغ‮ ‬وجهه بالحمرة أما هي فعلي العكس تماما إذ ركزت بصرها عليه بينما راح هو ينظر للساعة في صبر نافد ثم نظر للباب وصب لنفسه كأسا آخر بارتباك بعدما أدرك أنها كانت تنظر إليه بلا هوادة‮...‬عندئذ بادلها النظر فابتسمت بدون تحفظ بينما حياها هو بهزة خفيفة برأسه وحينها قامت متوجهة إلي مائدته وباغتته بوخزة في كتفه‮ .‬
هل يمكنني أن أدعوك إلي شراب؟
هذا يشرفني‮.‬
يكفيني أن تقول إنه يسعدك‮.‬
قبل أن يجيب كانت قد جلست إلي المائدة وصبت الشراب في كأسه ثم في كأسها.وكانت تفعل ذلك بتمكن وأسلوب رفيع جعله لا يجرؤ علي أخذ الزجاجة منها ليمنعها من الصب‮.‬
في صحتك
رد بالمثل وقام كلاهما بتجرع الشراب دفعة واحدة.شعر بالاختناق وراح يسعل وقد ارتج جسده كله وسالت دموعه بغزارة‮. ‬أخرج منديله المعطر باللافندر ونظر إليها عبر دموعه المنسالة.لاذ كلاهما بالصمت لبرهة حتي انتهي من تجفيف وجهه واستعاد صوته‮. ‬تجرأت وسألته‮ :‬
امتأكد أن أحدا لن يحضر؟
قال بلا وعي‮- ‬الأمر كان يتعلق بلقاء عمل ولكنه لن يحضر‮.‬
سألته في دهشة محسوبة‮: ‬
لقاء عمل؟
ها أنا لم يعد لدي ما أفعله‮.‬
انهت الحديث في وقاحة ليست من طبيعتها ولكنها محسوبة جيدا‮.‬
سيتم الأمر في منزلك‮.‬
واصلت سيطرتها علي الوضع عبر لمساتها الرقيقة وحاولت أن تحزر سنة فأخطأته بعام إضافي:ستة وأربعون.حاولت كذلك أن تحزر جنسيته عبر لهجته إلا أنها أخطأت في ثلاث محاولات.ثم حاولت أن تحذر مهنته فسارع بالقول إنه مهندس مدني لكنها شكت في أنه يخدعها لإخفاء الحقيقة‮..‬
تحدثا عن وقاحة تحويل مقطوعة مقدسة لديبوسي لموسيقي لرقصة البوليرو‮ ‬غير أنه لم يكن قد لاحظ ذلك.تنبه إلي أنها تعرف الكثير عن الموسيقي بلا أدني شك أما هو فلم تكن معرفته تتعدي الدانوب الازرق.أخبرته بأنها تقرأ دراكولا بينما كان هو قد قرأها في طفولته في نسخة مبسطة للاطفال ولا يزال مبهورا بفكرة وصول الكونت إلي لندن متحولا إلي كلب.بعد الرشفة الثانية شعرت بأن العرق يختلط مع الجن في مكان ما من القلب وكان يتعين عليها أن تركز جيدا حتي لا تفقد اتزانها‮..‬انتهت الموسيقي في الساعة الحادية عشرة وكانت الحانة تنتظر انصرافهما لكي تغلق أبوابها‮.‬
في تلك اللحظة شعرت أنها تعرفه كما لو كانت تعيش معه منذ الأزل.كانت تعرف أنه نظيف ومهندم وله يدان نظيفتان مع أظافر تبدو وكأنها مطلية بشكل طبيعي.لاحظت ارتباكه أمام عينيها الواسعتين اللتين لم ترفعهما عن عينيه وأنه كان رجلا طيبا وجبانا.شعرت بالقوة الكافية التي مكنتها من أن تمنحه قبلة لم تخطر له باله ولا في أحلامه طوال حياته.سألته دون مواربة‮:‬
أنصعد؟
أجاب في خجل‮ ‬غامض‮:‬
لكني لا أسكن هنا‮.‬
لكنها لم تمهله أن ينهي عبارته‮ .‬قامت وهزت رأسها قليلا لتطرد آثار المشروب بينما تشع عيناها المتألقتان‮:‬
سأصعد أولا بينما تدفع الحساب‮..‬غرفة‮ ‬203‮ ‬بالطابق الثاني يمين السلم‮..‬لا تقرع الباب ادفعه فقط‮..‬
صعدت‮ ‬غرفتها تغمرها حالة من الشهوة لم تشعر بها منذ آخر لياليها كعذراء.أدارت مروحة السقف ولكنها لم تشعل الضوء.تعرت في الظلام‮  ‬وتركت الملابس ملقاة علي الارض في صف ممتد من الباب وحتي الحمام‮.. ‬عندما أشعلت المصباح كان عليها ان تغلق عينيها وتتنفس بعمق في محاولة لتنظيم أنفاسها والتحكم في الرجفة التي اصابت يديها.اغتسلت بسرعة‮ ..‬فرجها‮ ‬،ابطيها وأصابع قدميها التي كانت تحمل اثار خطوط الحذاء،‮ ‬ذلك أنه علي الرغم من العرق الغزير طوال اليوم فإنها لم تفكر في الاستحمام حتي موعد النوم‮..‬لم يكن لديها وقت لتفرش‮  ‬أسنانها فوضعت قطعة من المعجون علي طرف لسانها وعادت إلي الحجرة المضاءة بنور المصاح الخافت‮.‬
لم تنتظر ضيفها ليدفع الباب‮ ‬،‮ ‬بل فتحته هي من الداخل بمجرد أن أحست بوصوله فأصابه الفزع‮ :‬يا أمي‮..‬
لكنها لم تعطه المزيد من الوقت‮..‬خلعت الجاكت وربطة العنق والقميص وكانت تلقي كل ذلك علي الأرض.وبينما كانت تفعل كل ذلك كان جو الحجرة يعبأ برائحة اللافندر القوية‮.‬
حاول أن يساعدها في البداية ولكنها منعته بوقاحة‮ .‬وعندما أصبح نصفه العلوي عاريا أجلسته علي السرير وجلست علي الأرض لتخلع حذاءه وجوربه‮.‬
أما هو فقد فك الحزام فأصبح من السهل أن تجذب البنطال بدون أن يلتفت أي منهما لصليل المفاتيح وأصوات العملات المعدنية التي سقطت من الجيب‮...  ‬سلم تترك له زمام المبادرة‮ ..‬
امتطته وراحت تنهشه دون أي تفكير فيه حتي‮ ‬غرقا سويا في العرق‮..‬ظلت فوقه تكافح أولي وخزات الضمير وسط العرق وضوضاء مروحة السقف حتي تنبهت إلي أنه لم يكن يتنفس جيدا‮..‬
عندئذ نزلت عنه واستلقت بجواره‮ .‬ظل هو بلا حراك لبرهة حتي استعاد انفاسه وسألها‮:‬
لماذا أنا؟
لأنك بدوت لي رجلا‮..‬
الوجود مع سيدة مثلك شرف لي‮..‬
آه شرف‮..‬ألم يكن ممتعا؟
لم يجب وظلا ممددين سويا وسط ضجيج الليل‮ ..‬كانت الغرفة‮ ‬غارقة في عتمة البحيرة وكان من الممكن سماع خفقات أجنحة قريبة.سأل‮: ‬ما هذا؟
حدثته عن عادات البلشون في الليل‮ .‬وبعد ساعة بدت طويلة من الهمسات الخافتة،‮ ‬بدأت تستكشفه بأصابعها من صدره وحتي أسفل بطنه.ثم استكشفته كذلك بقدمها بطول ساقيه اللتين وجدتهما مغطاتين بزغب مجعد ذكرها بحشائش أبريل.بعد ذلك بدأت تستثيره بالقبلات الناعمة في اذنيه وعنقه ثم تبادلا للمرة الاولي قبلة في الفم‮.‬
عندئذ تحول هو إلي عشيق لطيف أوصلها بدون تعجل إلي أقصي درجات الشهوة.شعرت بالدهشة لأن تتمكن يدان مبتدئتان قادرتان علي الاتيان بكل ذلك ولكنه عندما حاول اثارتها بالطرق المتعارف عليها قاومت خشية أن تفسد فلتة المرة الاولي‮..‬ومع ذلك فقد دفعها بقوة وأجبرها علي الخضوع لذوقه وأسلوبه‮..‬وقد فعلت ذلك عن طيب خاطر‮..‬
بعد أن انتهيا من المرتين أيقظها دور رعد هزت الارجاء وفتحت الرياح القوية مزلاج النافذة.سارعت لاغلاقها وشاهدت عبر ضوء مفاجئ لضربة برق البحيرة الهائجة والقمر يلمع في الافق والبلشون الازرق يحرك جناحيه وسط العاصفة‮.‬
في طريقها للفراش تعثرت في ملابسهما الملقاة علي الأرض.تركت ملابسها لتلتقطها فيما بعد وقامت بتعليق الجاكت الخاص به علي ظهر المقعد وفوقه القميص وربطة العنق ثم طوت البنطال في دقة ووضعت فوقه المفتاح والمطواة والنقود التي كانت قد سقطت من الجيب.أصبح الهواء في الحجرة منعشا بفعل العاصفة ولذلك فقد ارتدت قميص النوم الوردي المصنوع من الحرير شديد النعومة‮ .‬كان الرجل نائما وقد باعد بين ساقيه وبدا لها كأنه يتيم ضخم فلم تستطع مقاومة دفعة مفاجئة من الشهوة.استلقت خلفه واحتضنته من وسطه إلا أنه أطلق شهقة وبدأ يشخر‮.‬
غفلت لبرهة واستيقظت وسط ضوضاء المروحة الكهربائية عندما راح ضوء النهار وغرقت الحجرة في ذلك الضي الفسفوري الاخضر للبحيرة.كان الرجل يواصل شخيره في صفير متصل‮. ‬وبدأت هي تداعب ظهره بأطراف أناملها‮ .‬توقف عن الشخير بقفزة مفاجئة وبدأت‮ ‬غريزته تصحو من جديد.تركته للحظة وخلعت قميص النوم في حركة واحدة ولكنها عندما عادت إليه كانت كل حيلها بلا فائدة إذ أدركت أنه كان يصطنع النوم ليفلت من المرة الثالثة.وعندئذ ابتعدت إلي الطرف الاخر من الفراش وارتدت قميص النوم مجددا واستغرقت في النوم‮.‬
أيقظتها ساعتها البيولوجية في الصباح‮..‬ظلت مستلقية لبرهة مغلقة العينين دون أن تجرؤ بالاعتراف بالالم الذي يخز صدغيها ولا الرائحة الكريهة التي تنطلق من فمها منذرة بأمر مجهول ينتظرها في حياتها الحقيقية‮..‬تنبهت إلي أن ضوء الصباح قد طلع وأن الحجرة قد أصبحت مضاءة بفعل الفجر الذي بزغ‮ ‬في البحيرة‮.‬
وفجأة‮ ‬،‮ ‬وكقبضة الموت،‮ ‬استيقظ ضميرها بوحشية علي حقيقة أنها للمرة الاولي في حياتها زنت ونامت مع رجل‮ ‬غير زوجها‮ ..‬عادت تنظر اليه مرتاعة ولكنه لم يكن هناك‮..‬لم يكن موجودا كذلك في الحمام‮..‬أضاءت الانوار كلها واكتشفت أن ملابسه لم تكن موجودة كذلك‮ ..‬فقط ملابسها هي كانت هناك لكنها لم تكن ملقاة علي الارض كما تركتها،‮ ‬بل مكوية بعناية وموضوعة علي الكرسي.حتي تلك اللحظة لم تكن قد انتبهت إلي أنها لا تعرف عنه شيئا‮..‬ولا حتي اسمه‮ ..‬كل ما بقي لها من تلك الليلة المجنونة هو راحة اللافندر القوية.فقط عندما تناولت الكتاب الموضوع علي المائدة المجاورة للسرير لضبه في الحقيبة اكتشفت أنه قد وضع بين صفحاته ورقة بعشرين دولارا‮.‬


منقول من أخبار الأدب