الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

ققصيدة كونشيرتو القدس للشاعر ... أدونيس

010 11:20:12 ص
أدونيس
‮ ‬I. موجز سماوي

عالياً‮ ‬عالياً،
انظروا إليها تتدلّي من عُنقِ‮ ‬السَّماء‮.‬
انظروا إليها تُسيَّجُ‮ ‬بأهداب الملائكة‮.‬

لا يَسْتَخدمْ‮ ‬أحدٌ‮ ‬قدميه في التوجّه إليها،
يمكن أن يستخدمَ‮ ‬جبينَه،‮ ‬والكتف،‮ ‬وربّما السرّة‮.‬

اقرعوا بابَها حُفَاةً،
يفتحهُ‮ ‬نبيٌّ‮ ‬يُعلّمكم السّيرَ،‮ ‬وكيف تَنحنون‮.‬

مَسرَحٌ‮ ‬يقودُه القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬
ويفعل الربّ‮ ‬هذا كلّه من أجل أبنائه‮.‬

‮- "‬هوذا أنا‮. ‬طَيْفٌ‮ ‬للقدس‮":‬
صَرخت علي المسرح دميةٌ‮ ‬بثلاثة رؤوسٍ‮ ‬وغابَتْ‮.‬
‮ ‬
‮- "‬شَكا بيت المقدسِ‮ ‬إلي ربّه الخرابَ،
فأوحي الله إليه‮:‬
لأَمْلأَنّكَ‮ ‬خدوداً‮ ‬سُجَّداً‮ ‬تحنّ‮ ‬إليكَ
حنينَ‮ ‬الحمامِ‮ ‬إلي بَيْضها‮".‬
‮- "‬إِتَّقِ‮ ‬الله يا كَعْب،
هل لبيتِ‮ ‬المقدسِ‮ ‬لسان؟‮"‬
‮- "‬نعم‮. ‬وله قَلْبٌ‮ ‬مثلكَ‮".‬
‮(‬عن‮: ‬كعب‮)‬
مسْرحٌ‮ ‬يقوده القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬

كثيراً‮ ‬رَجَوْتُ‮ ‬الخبزَ‮ ‬أن ينتقدَ‮ ‬الملح‮.‬
كثيراً‮ ‬سمعتُ‮ ‬من يسألني،‮ ‬خِفْيةً‮: "‬لماذا يتأخّر الموتُ‮ ‬في القدس،‮ ‬ويظلّ‮ ‬تقدّم الحياةِ‮ ‬موتاً‮ ‬آخر؟
وكيف يُسجن رأسٌ‮ ‬في قَبْو الكلماتِ‮ ‬التي ابتكرها هو نفسه؟‮"‬

حقاً،‮ ‬يمكر الغيبُ‮ ‬في القدس،‮ ‬وهو سيّدُ‮ ‬الماكرين‮.‬
في زاويةٍ،‮ ‬في أَقْصي صحرائي،
غزالةٌ‮ ‬تبكي‮.‬
‮ ‬
أعرفُ‮ ‬اسمكَ،‮ ‬أيّها العَصْرُ‮ ‬الراكض في شوارع القدس‮.‬
أُمِرْتُ‮ ‬أن أقدّمَ‮ ‬لك عصيرَ‮ ‬اليورانيوم‮. ‬وسوف أقول للقمر أن يوقع علي دفتركَ،
وللشمس أن تؤرّخ لهذا التوقيع‮.‬
وانظرْ‮: ‬ها هي جدرانٌ‮ ‬تريقُ‮ ‬حليبَ‮ ‬أحزانها
علي الأرضِ،‮ ‬فَرحاً‮ ‬بكَ‮.‬
وتعرف أيها العصر،
أنّ‮ ‬النَّمل أكثر علوّاً‮ ‬من الكواكب‮:‬
قَدِرَ‮ ‬النَّمل أن يتحدّث مع سليمان،
ولم تقدر الكواكب‮.‬
ربما،‮ ‬لهذا يتنبّأُ‮ ‬النمل‮:‬
الأحزمة،‮ ‬الأقنعة،‮ ‬الخنادق،‮ ‬الجَرّافات،
القنابل،‮ ‬الصواريخ،‮ ‬الحقائب،‮ ‬الدواليب،‮ ‬الأدمغة الإلكترونية‮:‬
‮ ‬
تلك هيَ‮ ‬الأيامُ‮ ‬المقبلة‮.‬
ربما لهذا،
تتحوّل السماء إلي ثُقْبٍ‮ ‬سرّيّ‮ ‬في سَقْف التاريخ‮.‬

‮"‬بيت المقدسِ‮ ‬أرض المحشر والمَنْشَر‮".‬
‮(‬عن‮: ‬أبي ذرّ‮)‬
‮"‬مَن مات ببيت المقدس،‮ ‬فكأنّه مات في السّماء‮".‬
‮(‬عن‮: ‬أبي هريرة‮)‬

لكن،‮ ‬ها هُوَ‮ ‬امرؤ القيس‮!‬
هوذا في طريقه إلي بلاد الرّوم مروراً‮ ‬ببيت المقدس‮.‬
قبل أن يضع قدميه علي العتَبة،‮ ‬قرأ‮:‬
    لِلدّم الذي أُريق علي ضِفاف المتوسّط
    منذ البدايات،‮ ‬تاريخٌ‮ ‬مُدنَّس‮.‬
    لهذا التّاريخ الأرضيّ
    مُوجزٌ‮ ‬سماويّ‮ ‬اسمه القدس‮.‬
    لكن،‮ ‬لماذا النّاس فيها اثنان‮:‬
        ميّتٌ‮ ‬يُقيم في القَفر،
        وحيٌّ‮ ‬يُقيم في القَبْر؟
‮ ‬
كان اللّيل والنّهارُ‮ ‬في صراعٍ‮ ‬يحاول كلاهما،‮ ‬باسم القدس،‮ ‬أن يخنقَ‮ ‬الآخر‮.‬
وكان الوقت يُحوّل المَشْهَد إلي شريطٍ‮ ‬وثائقيّ‮.‬
غير أَنّ‮ ‬امْرأَ‮ ‬القيس قال مودّعاً‮:‬
في بدء العالَم،‮ ‬كانت الكلمة
في بدء الكلمة،‮ ‬كانتِ‮ ‬الدّماء‮.‬

مَسرحٌ‮ ‬يقودهُ‮ ‬القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬

هل تَعبتَ،‮ ‬يا امرأَ‮ ‬القيس،‮ ‬من السّير في تلك الشوارع التي
شَقَّها الغيب؟
ما أبرعَها في فَنّ‮ ‬الاقتفاء،
ما أَنْبَهَ‮ ‬جُدْرانَها في التنصّت‮.‬
كلّما حاولتَ‮ ‬أن تعانق امرأةً،‮ ‬يسألك حارسٌ‮:‬
هل استأذَنْت السماء؟
بلي،‮ ‬كلّ‮ ‬ثَمرٍ‮ ‬مُرٌّ‮ ‬في هذه الشوارع‮.‬
مع ذلك،‮ ‬ها أنتَ‮ ‬تتابع سيركَ‮ ‬أكثرَ‮ ‬إلحاحاً‮ ‬مِن
ذَكَر نَمْلٍ‮ ‬جائعٍ،
صانِعاً‮ ‬من خطواتكَ‮ ‬أوتاراً‮ ‬لموسيقي لم تجئ بعد،
محفوفاً‮ ‬بقَصبِ‮ ‬أحلامٍ‮ ‬تنفر من ذكورتها بويضاتُ
الظنّ‮.‬
‮ ‬
ظَنُّكَ‮ ‬أنّ‮ ‬سريركَ‮ ‬ليلٌ‮ ‬آخر،
وثمّةَ‮ ‬ما يوشوشكَ‮:‬
يكذب اللّيل هو كذلك،‮ ‬ولو أنّه صديق الشمس الأكثرُ‮ ‬وفاءً‮.‬
غيرَ‮ ‬أنّكَ‮ ‬تعوّدت أن تبدأ دائماً‮ ‬من الصّفر،
لأنك تعوّدتَ‮ ‬أن تَتَنشَّقَ‮ ‬عِطرَ‮ ‬اللانهايات‮.‬
كانت جدّتكَ،‮ ‬السماءُ‮ ‬العُكاظيّةُ،‮ ‬تَضَعُ‮ ‬في جيوب
أبنائها عملةً‮ ‬ليست إلا نَرْداً،
وكانت تُوصيهم أن يطرحوها ليلاً،‮ ‬بين رَمْلٍ‮ ‬النجوم،‮ ‬إن كانوا يريدون أن يتماهوا مع أحلامهم‮.‬
ووفقاً‮ ‬لوصاياها،
كانوا ينثرون قصائدهم علي الرمل،
تبرّكاً‮ ‬واحتفاءً‮.‬

أنتَ‮ ‬الآن تحت سماءٍ‮ ‬أخري‮. ‬حولكَ‮ ‬جدرانٌ‮ ‬تنزفُ‮ ‬دماً‮. ‬رؤوسٌ‮ ‬شِبْهُ‮ ‬مقطوعة لا تتوقف عن الكلام‮.‬
اطمئني،‮ ‬أيتها الريح،
الأشراك التي تنصبينها تخبئ وراءها‮ ‬غاباتٍ‮ ‬من النار‮.‬
وثمة ينابيع من الدم تسيلُ‮ ‬من ثقب إبْرةٍ‮ ‬تتدلّي من يد السماء‮.‬
‮ ‬
‮- ‬كلماتٌ‮ ‬حرابٌ‮ ‬وأسنّةٌ
والبصير هو دائماً‮ ‬فَرِيستُها‮.‬
‮- ‬ملائكةٌ‮ ‬آثروا أن ينقلبوا إلي عُشّاقٍ،‮ ‬وأن يكون المِسْكُ‮ ‬العربيّ‮ ‬فضاءً‮ ‬لِتشرّدهم بين الحجاز والقدس‮.‬
‮- ‬سماؤك نقشٌ‮ ‬لغويّ‮. ‬أرضكَ‮ ‬حَمّالةُ‮ ‬أوهام‮. ‬كلّما شهقَت كلمةٌ‮ ‬في هذا النقش،‮ ‬تصطكّ‮ ‬أسنان التاريخ،‮ ‬فيما تنحدرُ‮ ‬الرؤوس كمثل كُراتٍ‮ ‬دون اتجاه،‮ ‬وفيما تبدو النجوم كمثل حُزَم من القَشّ‮.‬
‮- ‬تاريخٌ‮ ‬حليبٌ‮ ‬يفرّ‮ ‬من أثداء أمّهاتِنا لكي يُرْضِعَ‮ ‬القمر وبقيّةَ‮ ‬الكواكب‮.‬
‮- ‬حين تهجم العاصفة لا تتسلّح إلا بأجسامنا‮. ‬تملأُ‮ ‬أيامَنا بغيومٍ‮ ‬سوداء لا يستطيع،‮ ‬أحياناً،‮ ‬أن يقرأها حتي الضوء‮.‬
‮- ‬هكذا سنظلّ‮ ‬نصنعُ‮ ‬النعوشَ‮ ‬قبل الأوان‮. ‬ندهنها بِعطرٍ‮ ‬مما قَبل التكوين‮. ‬ونقطَعُ‮ ‬باسمها وريدَ‮ ‬الأرض لكي نُغذّيَ‮ ‬شَرَيان الغيب‮.‬
‮- ‬إقرأْ‮ ‬بُرْجَكَ،‮ ‬أيها التاريخ،‮ ‬وسوف تري كيف تنقلبُ‮ ‬التوهمات إلي أبراجٍ‮ ‬من الحقائق‮.‬
‮- ‬إلي سرير الفلك،‮ ‬يَسْتَسْلم جسم التاريخ‮. ‬وها هو يفكّ‮ ‬أزراره‮.‬

‮ ‬الريح تقرأ الوَرْدَ
والعطر يكتبه‮.‬

دَخلت العاشقة حديقة بيتها في القدس حيث يُقيم حبّها‮.‬
الأزهار كلها تحوّلت إلي شِباكٍ‮ ‬تطوّق خطواتِها‮.‬
ضحكت وقالَت‮:‬
هَلْ‮ ‬عليّ،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن أخيطَ‮ ‬من جديدٍ‮ ‬ثوباً‮ ‬آخر لكل زَهْرة؟
أمسِ،‮ ‬حين التقيتُها،‮ ‬همسَ‮ ‬الليل في أذنيَّ‮:‬
العطر ابْنٌ‮ ‬للوردة،
لكنه يُولد شاباً‮.‬

‮(‬توتّر‮. ‬مقتل‮. ‬قَبض‮. ‬إسعاف‮. ‬مطافئ‮. ‬ضحايا‮. ‬إدانات‮. ‬منع‮. ‬تمرّد‮. ‬خَرْق‮. ‬استحقاق‮. ‬معتقل‮. ‬اعتقال‮. ‬سجون‮. ‬هدم‮. ‬احتلال‮)‬،
قلتُ‮ ‬لخيالي‮: ‬تجرّأ‮. ‬ضع يديك علي كتفي القدس‮.‬
وقلت للقدس‮:‬
لماذا أنا المقبل إليكِ،‮ ‬لا أعرف أن أسيرَ‮ ‬إلا إلي الوراء؟
‮ ‬
‮(‬إرهاب،‮ ‬خطف‮. ‬جهة مجهولة‮. ‬تشدّد‮. ‬اتّهام‮. ‬نَفْي‮. ‬نَعْي‮. ‬شَرْع‮. ‬فساد‮. ‬كُفّار‮. ‬تزوير‮. ‬حملة‮. ‬عنف‮. ‬قضاء‮. ‬قاعدة‮. ‬خطَر‮. ‬صراع‮. ‬هيمنة‮. ‬ملاذ‮. ‬غزو‮. ‬اكتساح‮).‬
الطريقُ‮ ‬خيط عنكبوت‮. ‬وثمّةَ‮ ‬كونٌ‮ ‬بصيرٌ‮ ‬يزدردهُ‮ ‬كونٌ‮ ‬أعمي‮. ‬المدنُ‮ ‬احتضارٌ،‮ ‬والزمن هدهدٌ‮ ‬عابر‮.‬
إلي متي ستظلّين،‮ ‬أيتها السماء نائمة بين يدي أرضٍ‮ ‬حمراء؟

‮(‬صواريخ‮. ‬عصابات‮. ‬طوائف‮. ‬طقوس‮. ‬هجمات‮. ‬ألغام‮. ‬تجارة‮. ‬اقتتال مذهبي‮. ‬قَصف‮. ‬انشقاق‮. ‬تهدئة‮. ‬سيادة‮. ‬مُرابَحة‮. ‬أشلاء‮. ‬جثث‮. ‬معارك‮. ‬حلفاء‮. ‬أعداء‮. ‬مُسلّحون‮. ‬اغتيالات‮. ‬قبائل‮)‬،

طِفْلٌ‮ ‬له هيئةُ‮ ‬النّعش تحمله أيْدٍ‮ ‬غيرُ‮ ‬مرئية،‮ ‬في اتجاهٍ
بلا اتّجاه‮. ‬قولوا للأبديّ‮:‬
فُرْقَتكَ‮ ‬التي تدير المسرح
مجبولةٌ‮ ‬من طينٍ‮ ‬اسمه القَتْل،
وتلبس الفرقة نَسيجاً‮ ‬اسمه الهواء‮.‬
‮ ‬
‮(‬نفط‮: ‬يورانيوم‮. ‬اختراقٌ‮ ‬للصوت‮. ‬ذخائر‮. ‬فضائح‮. ‬تحقيق‮. ‬تهريب‮. ‬قوانين‮. ‬يمين‮. ‬يسار‮. ‬مفاوضات‮. ‬خيانة‮. ‬تعذيب‮. ‬نزوح‮... ‬إلخ‮)‬،
‮"‬في القمر شِقٌّ‮ ‬إيروسيٌّ‮ ‬تحفره السياسة‮"‬،‮ ‬قال عالِمٌ‮ ‬فَلكيّ،
‮"‬في الأرض ثقوبٌ‮ ‬تتشبّه بثقوب الجسم الإنسانيّ‮"‬،‮ ‬قال عالِمٌ‮ ‬في الطبيعة،
بينهما،‮ ‬كان الجُودِيُّ‮ ‬الجبَلُ‮ ‬يتحوّل إلي وشاحٍ‮ ‬أحمرَ‮ ‬يلفّ‮ ‬السفينة‮. ‬وكان كاحِلُ‮ ‬الهواء يُموسِقُ‮ ‬رقصه علي إيقاع‮ ‬غبارٍ‮ ‬ذَرّيّ‮.‬
خيوطٌ‮ ‬وأسلاكٌ‮ ‬تنسج عباءاتِ‮ ‬إلكترونيّةً
لمسافرين يجهلون المكانَ،
يجهلهم المكان‮.‬
أكداسُ‮ ‬كتبٍ‮ ‬تَرزح تحتَها رؤوسٌ‮ ‬لحِججٍ‮ ‬واهيةٍ‮ ‬خَطَّها قلمُ‮ ‬المعجزة‮.‬
لم أقل ذلك لأي ملاكٍ‮. ‬قلته لِشهابٍ‮ ‬أخرس،‮ ‬لم يكد يشتعلُ‮ ‬حتي انطفأ‮.‬
هناك من تلطّخ،‮ ‬فانقلب خارجه إلي داخل‮. ‬هناك من قرأ فأصابته عدوي الجهل بكل شيء‮. ‬هناك ثالثٌ‮ ‬لا رابعَ‮ ‬له إلا ظِلّه‮.‬

الرُّعب نفسُه نغمٌ‮ ‬في قيثار الشمس‮.‬
‮ ‬
‮- "‬يا رسول الله،‮ ‬أيّ‮ ‬الخَلق أوّلُ‮ ‬دخولاً‮ ‬إلي الجنّة؟
‮- ‬الأنبياء‮.‬
‮- ‬ثمّ‮ ‬من‮.‬
‮- ‬الشهداء‮.‬
‮- ‬ثمّ‮ ‬مَن؟
‮- ‬مؤذّنو بيت المقدس‮".‬
‮(‬عن‮: ‬جابر‮)‬

‮"‬لم يُستَشْهد عبدٌ‮ ‬قطُّ،‮ ‬في بَرٍّ‮ ‬أو بَحْرٍ
إلا وهو يَسمع أذَان مؤذّني
بيت المقدس من السماء‮".‬
‮(‬عن‮: ‬كعب‮)‬

‮"‬صخرة بيت المقدس علي نَخْلةٍ،
والنخلة علي نَهْرٍ‮ ‬من أنهار الجنّة‮.‬
تحت النخلة آسيا امرأة فرعون،
ومريم ابنة عمران،
تنظمان سُموطَ‮ ‬أهل الجنة إلي يوم القيامة‮".‬
‮(‬عن‮: ‬عُبادَة بن الصامت‮)‬
‮ ‬
ماذا نكتب،‮ ‬إذاً،‮ ‬وكيف؟
‮- ‬كتابة الواقع استنساخ‮. ‬انفصالٌ‮ ‬آخر عن الواقع،‮ ‬وعن الكتابة‮.‬
‮- ‬إن لم نكتب الممكن،‮ ‬فكأنّنا لا نكتب‮.‬
‮- ‬أهناك معني لما لا يدخلُ‮ ‬في اللغة؟
‮- ‬وما يدخلُ‮ ‬في اللغة،‮ ‬اليس دخولاً‮ ‬في صحراء؟
‮- ‬لماذا تكون أحزانُ‮ ‬العقل قبوراً‮ ‬لرغبات الجسد؟
‮- ‬لا نكتب الشيء حقّاً‮ ‬إلا إذا رأيناه
بطريقةٍ‮ ‬يبدو فيها كأنه هو نفسه يرانا‮.‬
‮- ‬كتابةٌ‮ ‬لا هُوَّة فيها،‮ ‬لا هويّةَ‮ ‬لها‮.‬
‮ ‬
II. ‮ ‬سماءٌ‮ ‬علي الأرض

القدس‮. ‬حلمٌ‮ ‬_‮ ‬لغة‮. ‬لغةٌ‮ ‬يمتزج فيها التاريخ بما قبله،‮ ‬وما بعده‮. ‬يمتزج بالإنسان والواقع،‮ ‬نهايةً‮ ‬ولا نهاية‮. ‬إنها التّراب والماء‮ ‬_‮ ‬ولكَ‮ ‬أن تجبلَ‮ ‬ما تشاء‮ /‬
‮(...)‬

‮... "‬كلَّم الله موسي في أرض بيت المقدس،
تابَ‮ ‬الله علي داود وسليمان في أرض بيت المقدس،
رَدّ‮ ‬الله علي سليمان ملكه في بيت المقدس،
بَشّر الله زكريّا بيحيي في بيت المقدس،
سَخّر الله لداود الجبال والطّيرَ‮ ‬في بيت المقدس،
تتغلَّب يأجوج علي الأرض كلّها‮ ‬غير بيت المقدس،
ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس،
أُوتيت مريم عليها السّلام فاكهة الشتاء في الصّيف،
    وفاكهة الصّيف في الشّتاء في بيت المقدس،
ولد عيسي عليه السّلام وتكلّم في المهد،‮ ‬في بيت المقدس،
وأنزلت عليه المائدة في أرض بيت المقدس،
ورفعه الله إلي السّماء من بيت المقدس،
وينزل من السماء إلي الأرض في بيت المقدس‮.‬
‮ ‬
هاجر ابراهيم عليه السلام من كوثا إلي بيت المقدس،
أُسْرِي بالنبيّ‮ ‬إلي بيت المقدس،
تكون الهجرة في آخر الزّمان إلي بيت المقدس،
يُنْصَبُ‮ ‬الصّراط علي جهنّم إلي الجَنّة ببيت المقدس،
ينفخُ‮ ‬إسرافيل في الصُّور ببيت المقدس،
والحوتُ‮ ‬الذي الأرضونَ‮ ‬علي ظهره‮:‬
    رأسهُ‮ ‬في مطلع الشّمس،
    وذنبَهُ‮ ‬بالمغرب،
    ووسطه تحت بيت المقدس،
تخرب الأرضُ‮ ‬كلّها ويعمرُ‮ ‬بيت المقدس،
أوّل بقعةٍ‮ ‬بُنِيت من الأرض كلّها موضع صخرةِ‮ ‬بيت المقدس‮.‬
تظهر عين موسي في آخر الزّمان ببيت المقدس‮..."‬
‮(...)‬
‮(‬عن‮: ‬قاضي القضاة،‮ ‬أبو اليمن القاضي،‮ ‬مجير الدين الحنبلي ‮٠٦٨ ‬_‮ ٨٢٩‬ه في كتابه‮: ‬الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل‮).‬
‮ ‬
‮... ‬إنّها القُدرة علي تحويل الحُوتِ‮ ‬إلي كناريٍّ،‮ ‬والبقَرةِ‮ ‬إلي مِنْجَلٍ‮ ‬للحصاد‮.‬
‮..." ‬وبذلك الطّريق سارت قطعان عدَدٍ‮ ‬لا يُحصي من الزّعماء الكباش‮    ‬والنّعاج المسمّنة‮    ‬والخراف‮    ‬والحملان المجزوزة الصّوف‮    ‬والإوزّ‮ ‬البريّ‮    ‬والعجول المخصيّة المتوسّطة الحجم‮    ‬والأفراس المصدورة‮    ‬والعجول الجَمّاء‮    ‬والأغنام الطويلة الصّوف‮    ‬والحيوانات الاستيلاديّة‮..."‬
‮(...)‬
‮"‬وهناك أصوات وطْء أقدام‮    ‬وقَوْقأَة‮    ‬وجُؤَار‮    ‬وخُوار‮    ‬وثغاء‮    ‬وخرخرة‮    ‬ونخار‮    ‬وقَضم‮    ‬واجترار للخراف‮    ‬والخنازير‮    ‬والأَبْقار الحُبْلي
‮(...)‬
‮"... ‬يحملون سعفَ‮ ‬النّخيل‮    ‬القيثارات‮    ‬السّيوف‮    ‬تيجان‮    ‬الغار‮ (...)    ‬أصفاد‮    ‬فؤوس‮    ‬أشجار‮    ‬جسور‮    ‬أطفال في أحواض اغتسال‮    ‬أصداف‮    ‬مقصّات‮    ‬مفاتيح‮    ‬ثعابين بأجنحة ومخالب خنازير‮    ‬مصابيح‮    ‬ملاعق‮    ‬نجوم‮    ‬أفاعي‮    ‬سفادين‮    ‬علب فازلين‮    ‬أجراس‮    ‬عكّازات‮    ‬كلاليب‮    ‬قرون وعول‮    ‬صقور‮    ‬أحجار رحيً‮    ‬وحيد القرن‮ (...)‬
يرتّلون فاتحة القُدامَي التي تبدأ قومي استنيري يا أورشليم‮ (...) ‬ويقولون‮:‬
كلّها تأتي من شَبا‮".‬
‮(‬عن‮: ‬جيمس جويس،‮ ‬يوليسيس،
ترجمة‮: ‬صلاح نيازي‮).‬
‮ ‬
ما هذا الرّأس الذي ينخلهُ‮ ‬الهذيان؟ ما هذا الجسم الذي تَنْخرُهُ‮ ‬مخالِبُ‮ ‬التوهّم؟ هل الإنسانُ‮ ‬هو نفسه خُرافَةُ‮ ‬الدّم واللّحم؟
هياكلُ‮ ‬عظميّةٌ،‮ ‬جماجمُ،‮ ‬أوردةٌ‮ ‬وشرايين،‮ ‬آذانٌ‮ ‬وعيون‮:‬
أدواتٌ‮ ‬وآلاتٌ‮ ‬يحفظها الغبارُ‮ ‬في ثيابه وتحتَ‮ ‬وسائده‮.‬
لكل أداةٍ‮ ‬ولكلّ‮ ‬آلةٍ‮ ‬أسنانٌ‮ ‬من الذّهَب،‮ ‬كمثل آياتٍ‮ ‬تَنْحتُ‮ ‬ذَهَبَ‮ ‬الكلام‮.‬
لو كان الغبارُ‮ ‬يعرف أَنْ‮ ‬يقفَ‮ ‬علي قدميه،‮ ‬لكانت السّماء مجرَّد سِوَارٍ‮ ‬ضيّقٍ‮ ‬علي كاحله‮.‬

ما لِلدّهشة تَفْتَرُ؟ ما للوقت يستسلمُ‮ ‬لِتَباريحه؟ إن كانت هناك أبديّةٌ‮ ‬فهي الثلجُ‮ ‬المعمِّر شقيقُ‮ ‬الغبار‮. ‬وانظروا‮: ‬علي كلّ‮ ‬عتَبةٍ،‮ ‬وفي كلّ‮ ‬مُفتَرقٍ‮ ‬مَيْتٌ‮ ‬يحَارُ‮ ‬فيه نعشه‮:‬
هل تحملهُ‮ ‬الملائكة،
أم أنّ‮ ‬عليه،‮ ‬هو،‮ ‬أن يحملَها؟
‮ ‬
يا قدس،‮ ‬يا قدس‮!‬
في عصركِ‮ ‬البرونزيّ،‮ ‬كانتِ‮ ‬التّفاحة امرأة‮.‬
في عصركِ‮ ‬النفطي‮ ‬_‮ ‬الالكترونيّ،‮ ‬صارت التُفّاحةُ‮ ‬قنبلةً‮:‬
تحوّلٌ
لا تتّجه فيه الصّواريخُ‮ ‬إلاّ‮ ‬نحو بيوت العُشّاق‮.‬
عُشّاقٌ‮: ‬بعضهم يحمل أوراقه ويمضي في اتّجاه عصر الحجَر،‮ ‬وبعضٌ‮ ‬يحمل أوراقَه ويضيع‮: ‬يجهل أَنّي يمضي،‮ ‬وأين،‮ ‬وكيف يَتّجه؟

من بين أثداء الكواكب،‮ ‬يهرب ملائكة اليقين،‮ ‬ويجيئونَ‮ ‬إليكِ‮. ‬يغتسلون بمائكِ،‮ ‬وينحنون لنخيلكِ‮. ‬يشدّون السّماءَ‮ ‬من شعرها،‮ ‬ويقودونها إليكِ‮. ‬تَنْسلِبُ‮ ‬السّماء من السّماء،‮ ‬وتُمسك حبالهم بعنق الأرض‮.‬

توازنٌ‮ ‬ديموغرافيّ‮!‬
‮ ‬
أناسٌ‮ ‬يجيئون إلي القدس من أطراف العالم،
أناسٌ‮ ‬ينبتون في طينها ومائها‮.‬

ثلاثة وافدين مقابِلَ‮ ‬مقيمٍ‮ ‬واحد‮.‬
المقيم يرحل،‮ ‬والوافد يقيم
توازنٌ‮ ‬ديموغرافيّ‮!‬
وليس هناك بابل ولا آشور‮.‬
إنّه الهَدْمُ،‮ ‬هدم الحجَر والبشر‮.‬
إنّها السّياسة‮ ‬_‮ ‬مِعْماراً‮ ‬آخر‮.‬
لا شَرْق في شرق القدس،‮ ‬والقُرَي حولها سديم‮.‬
مُنْعزَلاتٌ‮ ‬تحفّ‮ ‬بها الشرطة من كلّ‮ ‬نوع‮.‬
‮- ‬وأين القانون الدولي؟
‮- ‬لا يُقرّ‮ ‬ذلك‮. ‬بل يعدّه جريمة‮.‬
‮- ‬ولماذا يظلّ‮ ‬صامِتاً‮.‬
‮- ‬لعلّه التّجاوُبُ‮ ‬مع‮ "‬التّرحيل الصّامت‮". ‬أو لعلّه الصَّدي‮.‬
‮ ‬
إنّها القدس تتشقَّق وتنهار‮ ‬_
الحوضُ‮ ‬المقدس الحوض التّاريخي،
قديمُ‮ ‬المدينة،
سفوح جبل الزيتون الغربيّة،
سلوان
وادي حلوة،
حَيّ‮ ‬البستان،
حي الشيخ مدّاح،
وادي الربابة‮... ‬إلخ،‮ ‬إلخ‮.‬
إنْغَرسْ‮ ‬أيّها الوافد،
انْقَلِعْ‮ ‬أيّها المقيم‮:‬
تلك هِي اللاّزمة في موسيقي الله‮.‬
والمجدُ‮ ‬لإسطبلات سليمان‮:‬
اسْرَحي فيها كما تشائين،‮ ‬وحَمحِمي،‮ ‬يا خيول الملائكة‮!‬
‮ ‬
بَطْنُ‮ ‬المكان ينتفخ،
والوقت يلتهم الأجنّةَ‮ ‬وأرحامَها‮.‬
ما هذه الظّلال التي تجهلها الشَّمس،
ما هذه الأجراسُ‮ ‬التي تنكر أصواتَها،
ما هذا النَّرجسُ‮ ‬اللاّهوتيّ‮ ‬الذي يتمرأي في الغيم؟
بلي،‮ ‬بين الواقع واللّغة خنادِقُ‮ ‬لا تُرْدم،
وأهلاً‮ ‬بكَ،‮ ‬أيّها اللاَّ‮ ‬شيء الملك‮.‬

لا حياة في الحياةِ،‮ ‬يا مَرْيم،
لا حياة إلاّ‮ ‬في الصُّورة،
غداً،‮ ‬من سيُلقي عليكِ‮ ‬السَّلامَ،
في هذه الظّلمات التي تتعانَقُ‮ ‬وتتآخي؟
رئة الكلام تَخْرجُ‮ ‬من قَفصِها الصَّدريّ،
وبين جداريْن‮: ‬البكاء والمبكي،
يأتي ويذهب قطار التاريخ‮.‬

لماذا،‮ ‬لماذا تكذبين أيّتها النّجوم؟
‮ ‬
طرقٌ‮ ‬كمثل أخاديدَ‮ ‬في وجه المعني،
تشقّها عرَباتُ‮ ‬الأباطرة‮.‬
حولها بَشرٌ‮ ‬يَحتفون،
حولها مِنصّاتٌ‮ ‬من الآلاتِ‮ ‬والبيارق،
حولها أكفانٌ‮ ‬وحَفَّارونَ‮ ‬وقبورٌ‮.‬
    دَمُ‮ ‬الآلةِ‮ ‬يهدرُ،
    دم الطّفولة يتخثّر،
عَلّمينا،‮ ‬أيّتها الأرضُ‮ ‬كيف نغسلُ‮ ‬هذه الصِّبْغة؟
هل سنظلّ‮ ‬إلي الأبَد،
نُصْعَقُ‮ ‬ونُجَرُّ
وراءَ‮ ‬جحافلِ‮ ‬أَنْسابِنا؟

‮"‬علي هذه الأرض ما يَستحقُّ‮ ‬الحياةَ‮"‬،‮ ‬يقولُ‮ ‬زرادشت بلسان نيتشه،
أين هي،‮ ‬إذاً،
مطرقةُ‮ ‬الحريّة؟
أين هو،‮ ‬إذاً،‮ ‬سندانُ‮ ‬العَقْل؟
كيف للإنسان،‮ ‬خالِق المعني،
أن يكونَ‮ ‬مصيرُه مُرْتَسِماً‮ ‬في لفظةٍ؟ وكيف لروحه أن تنسكبَ‮ ‬في جدار؟
‮ ‬
لم يعد أحدٌ‮ ‬يعرف إلا الاسم،
كأنّ‮ ‬الأشياءَ‮ ‬غير موجودةٍ‮ ‬إلاّ‮ ‬لَفْظاً‮.‬
القشرة تلتهم اللّبّ
والغبارُ‮ ‬اسْمٌ‮ ‬آخر لِلغيب‮.‬

وما أشدّ‮ ‬في هذا كلّه بؤسَ‮ ‬الإنسان‮:‬
    يَهبط في قارورةِ‮ ‬الأَنْتَ‮ ‬أنتَ،
    يَصعد في دخان لَبّيكَ‮ ‬لَبّيك‮.‬

وها أنتِ،‮ ‬أورشليم‮ ‬_‮ ‬القدسُ،
    تتزلّجين علي ثَلْج المَعْني
وللسّماء فيكِ‮ ‬جِنٌّ‮ ‬وعفاريتُ
    يهيمنون علي محيطات اللّغة‮.‬
‮ ‬
من قَبْرٍ،‮ ‬مِن نَقْشٍ،‮ ‬من عشبةٍ‮ ‬لها شكل الثّديين،‮ ‬من طحلبٍ‮ ‬يتسلّق حائطاً‮ ‬رطباً،
تنبعث رائحةً‮ ‬تتمازج فيها الرِّقَّةُ‮ ‬والرِّقُّ،‮ ‬وتطوف حوله الشياطين والملائكة في رقْصٍ‮ ‬كأنّه الموج‮.‬

أنا،‮ ‬الفقيرَ‮ ‬إلي رغيفٍ،‮ ‬يلذّ‮ ‬لي أن أكون فيكِ‮ ‬الإعصارَ‮ ‬والزّلزلة،
أَشهد فيكِ‮ ‬النّهاية واللانهايةَ‮ ‬في نَبْضٍ‮ ‬واحد،
وأُشهد عليكِ‮ ‬الطّبيعةَ‮ ‬_
    الطَّبْعَ‮ ‬والجِنْسَ‮ ‬والحَدْس‮.‬
‮ ‬
III. ‮ ‬حَبْلٌ‮ ‬بين النّاقة والدبّابة

أ‮ ‬_‮ ‬تاريخ‮ / ‬الرّاوي‮:‬
‮"‬الواقديّ‮ (‬ت‮ ‬207ه‮.)‬،‮ ‬اليعقوبيّ،‮ ‬الطبريّ،‮ ‬ابن البطريق،‮ ‬الإصطخري،‮ ‬المسعودي،‮ ‬المقدسي،‮ ‬ابن عساكر،‮ ‬أسامة بن منقذ،‮ ‬العماد الأصبهاني،‮ ‬ياقوت الحموي،‮ ‬ابن الأثير،‮ ‬أبو شأمة،‮ ‬ابن العبري،‮ ‬ابن فضل الله العمري،‮ ‬ابن خلدون،‮ ‬المقريزي،‮ ‬ابن شاهين،‮ ‬ابن تَغْري بردي،‮ ‬شمس الدين السّيوطي،‮ ‬مجير الدّين الحنبلي‮ (‬ت‮ ‬928ه‮).‬
هؤلاء كلّهم رَسموا صورةَ‮ ‬القُدْس‮: ‬وانتشوا بمعناها،‮ ‬وبشّروا به‮".‬
ب‮ ‬_‮ ‬تلخيص‮ / ‬المحلِّل
‮"‬قالوا‮: ‬ليست القدس في عقل المسلم وفي مخيّلته،‮ ‬أرضاً‮ ‬بقدر ما هيَ‮ ‬سماءٌ‮ ‬_‮ ‬جَنّة‮.‬
في صورتها ذابَ‮ ‬المسلم‮: ‬أصبحَ‮ ‬موجوداً،‮ ‬لا في نفسه،‮ ‬بل في هذه الصّورة‮. ‬وفيها خرج من نفسه،‮ ‬وراح يتشرّد في لغتها‮ ‬_‮ ‬في اللّغة‮. ‬كلامه عليها لا يصدر عن ذاته‮. ‬يصدرُ‮ ‬عن هذه الصّورة،‮ ‬لكن بلسانه‮. ‬بل إن هذه الصّورة‮ ‬_‮ ‬المخيّلة هي التي تتكلّم‮".‬

ج‮ ‬_‮ ‬توثيق‮ / ‬الدِّين
‮"‬من أرادَ‮ ‬أن ينظرَ‮ ‬إلي بقعةٍ‮ ‬من بقاع الجنّة،
فلينظرْ‮ ‬إلي بيت المقدس‮".‬
‮(‬عن‮: ‬ابن عبّاس‮)‬
‮ ‬
أرضٌ‮ ‬_‮ ‬في كلّ‮ ‬حَجرٍ‮ ‬تتناسَلُ‮ ‬دبّابةٌ،‮ ‬في كلّ‮ ‬شجرة تُعسكر قنبلة‮.‬
فوقهما وَحْيٌ‮ ‬يتدلّي في شكل دُخانٍ‮ ‬أحمر‮.‬
من المتوسّط،‮ ‬هذا البَحْر الواحد الأحد،‮ ‬يَنْبَجِسُ‮ ‬يَرَقانُ‮ ‬العَصْر‮.‬

جدرانٌ‮ ‬تمتلئ بالأكوان كلّها وتفرغُ‮ ‬من جَميع الأَسْرار‮. ‬فَضاءُ‮ ‬قَشٍّ‮ ‬وكبريت‮. ‬وثمّة أصنامٌ‮ ‬تعقد أحلافاً‮ ‬ضدّ‮ ‬الكلمات‮. ‬وثمّة دُميً‮ ‬تتذابَحُ‮ ‬تحتها‮. ‬هنا وهنالك مَسْرحٌ‮ ‬لصلب البشر علي قرون الملائكة‮.‬
مَهْلاً،‮ ‬أيّها الطّوفانُ‮ ‬الذي لا يحمل في فلكه إلاّ‮ ‬الجنّة‮. ‬وانظري،‮ ‬أيّتها الفُلْكُ،‮ ‬هل تستطيعين أن تَري علي الضّفافِ،‮ ‬أو في الأعالي،‮ ‬رجلاً‮ ‬أو امرأة؟ اللّحظَةُ‮ ‬حديدٌ‮ ‬سَفّاح،‮ ‬وكلّ‮ ‬دَواءٍ‮ ‬داء‮.‬
ثلاثَ‮ ‬مرّاتٍ،‮ ‬ارتجفت الأرضُ‮ ‬في فَم السَّماء‮. ‬ملايين المرّات ارتجفت أفواه البشر‮. ‬وليس لمجهول الكون بيضةٌ‮ ‬تلوّح لعجيزة أنثي نبويّة،‮ ‬أو تسقط ناضجةً‮ ‬في حضن ديكٍ‮ ‬إلهيّ‮.‬
‮ ‬
أظنّ،‮ ‬مع ذلك،‮ ‬أنني سأستقبل حافيَ‮ ‬القدمين،‮ ‬أنثي هذا المجهول في حديقة الشعر،‮ ‬ذات لَيْلةٍ‮ ‬مقبلة،‮ ‬وسوف نقول معاً‮ ‬ليد الحبّ‮: ‬امشطي شعر القدس وقَدّمي لها مرآةَ‮ ‬الشِّعر لكي تتمرأي فيها‮.‬
يا قدس،‮ ‬يا قُدْس‮. ‬عجباً،‮ ‬لا تلدين إلاّ‮ ‬نفسَكِ،‮ ‬مع أنّ‮ ‬فَرْجَ‮ ‬الدّنيا يتأرجحُ‮ ‬بين فخذيكِ‮. ‬لصَدركِ‮ ‬شكل القَبر،‮ ‬ولحنجرتكِ‮ ‬شكلُ‮ ‬القنبلة‮. ‬أين الأغنية التي ستوحّد فصولكِ‮ ‬في نبضٍ‮ ‬واحد؟ أين الطّريق التي ستقرأ خطواتكِ‮ ‬كأنّها كتابٌ‮ ‬كريم؟ أسألكِ‮. ‬وأعرف أنّ‮ ‬السّؤالَ‮ ‬هو نفسه الويْل‮.‬

وماذا لو أحصينا عددَ‮ ‬الجماجم التي تدحرجت باسمكِ،‮ ‬في أنفاقِ‮ ‬التّاريخ وعلي مدارجه؟ ألن تكون كافيةً‮ ‬لكي نرفعَ‮ ‬سماءً‮ ‬أخري بحجم السّماء؟
هل نقول،‮ ‬إذاً،‮ ‬طُوبي للسماوات التي لا يَرويها هي أيضاً‮ ‬إلاّ‮ ‬دَمُ‮ ‬الأرض؟ وهل نقول‮: ‬طوبي لهذه الأرض التي لا تقدر،‮ ‬احتفاءً‮ ‬بالسّماوات،‮ ‬إلاّ‮ ‬أن تكون مقبرةً؟

انتبهوا،‮ ‬أيّها العابرون‮. ‬لكلّ‮ ‬منكم علي هذه الأرض هاويةٌ‮ ‬في تلك السّماء‮.‬
‮ ‬
آهِ،‮ ‬لو ترينَ،‮ ‬لو رأيتِ‮ ‬كيف تتمزّق رئاتُ‮ ‬البشر،‮ ‬أطفالاً‮ ‬وشيباً،‮ ‬رجالاً‮ ‬ونساءً،‮ ‬وتتبعثر باسمكِ‮ ‬بين أحْذيةِ‮ ‬السَّائحين وأكداسِ‮ ‬الصَّلوات‮. ‬كيف تُرتَجلُ‮ ‬باسمكِ‮ ‬القيامةُ،‮ ‬وتنقلب أَرحامُ‮ ‬الأشياء إلي جُثَثٍ‮ ‬وأشلاء‮. ‬كيف تَصْطَكُّ‮ ‬البيوتُ‮ ‬والشّوارعُ‮ ‬والأجواء في القَصْفِ‮ ‬الإلهيّ‮ ‬المتواصل تحقيقاً‮ ‬للنبوءات والرّسالات‮. ‬كيف تلجأ الكائنات العَزْلاء،‮ ‬حشراتٍ‮ ‬وزواحفَ،‮ ‬هرباً‮ ‬مِن الهَوْل،‮ ‬إلي ظِلّ‮ ‬رجاء،‮ ‬أو إلي وِكْر دعاء‮.‬

‮"‬لا تقتلوا الخفّاش،‮ ‬فإنه استأذنَ‮ ‬البحر أَن يأخذ من مائه،‮ ‬فيطفئ بيت المقدس حيث حرّق‮" (‬ولهذا الكلام هذه التتمة‮: "‬ولا تقتلوا الضّفادع فإنّ‮ ‬نقيقها تسبيحٌ‮).‬
‮(‬عن‮: ‬عبدالله بن عمرو بن العاص‮)‬
‮ ‬
آهِ‮ ‬لو ترين،‮ ‬لو رأيتِ‮ ‬كيف ينكسر الشَّجَرُ‮ ‬والزّهْرُ،‮ ‬وتنخسفُ‮ ‬الحُقول،‮ ‬وينقصِفُ‮ ‬السَّرْوُ،‮ ‬وكيف تحاول الأحجارُ‮ ‬نفسها أن تفرَّ‮ ‬إلي أحضانِ‮ ‬أمّها الطّبيعة،‮ ‬في أيّ‮ ‬اتّجاهٍ،‮ ‬في أيّ‮ ‬مكانٍ،‮ ‬بعيداً‮ ‬بعيداً‮ ‬عنكِ‮.‬
وها هو الأفق يئنّ،‮ ‬والفضاء يرتعد،‮ ‬فيما يترصَّد الزَّلازل الآتية‮. ‬كلّ‮ ‬نهاية بداية‮: ‬لا شيء تعلّمينه إلي أبنائكِ‮ ‬إلاّ‮ ‬الموتَ‮. ‬وما هذه الحياة التي لا تحيا إلاّ‮ ‬رهينةً‮ ‬في قَفَصٍ‮ ‬إلهيّ؟

كلاّ،‮ ‬لا أخافُ
لا أخاف إلاّ‮ ‬من جموعكِ‮ ‬التي لا تعرف شفاهُها أن تَنْفصِلَ‮ ‬عن ثدي الموت‮.‬
كأنّكِ‮ ‬فَرَسٌ‮ ‬يقاتِل بعضها بعضاً‮ ‬في ساحةٍ‮ ‬واحدة،‮ ‬في معركة واحدة،‮ ‬انتصاراً‮ ‬للواحد‮. ‬فرسٌ‮ ‬كلّ‮ ‬عُضْوٍ‮ ‬فيها يرقصُ‮ ‬علي جثّةِ‮ ‬عضْوٍ‮ ‬آخر‮. ‬يا لهذه المائدة المتواصلة‮: ‬سلالةٌ‮ ‬لسماءٍ‮ ‬واحدة يأكلُ‮ ‬رأسُها قدميها،‮ ‬وتلتهم أنيابُها ما تَبقّي‮.‬
هكذا تحرثين الفراغ،‮ ‬ولن تكون لكِ‮ ‬أيّة معجزة‮. ‬ليس في جسدكِ‮ ‬غيرُ‮ ‬التصدّعات،‮ ‬ودمكِ‮ ‬في احتضارٍ‮ ‬بَطيءٍ،‮ ‬بِطيء‮.‬
هل أَخْطأَتِ‮ ‬السّماءُ‮ ‬فيكِ،‮ ‬أم تعرفين مُخْطِئاً‮ ‬آخرَ‮ ‬أشدَّ‮ ‬غَطْرَسةً‮ ‬وفتكاً؟
وها هي نواحيكِ‮: ‬لا تُقاس إلاّ‮ ‬بالأشلاء‮.‬

صَمْتاً،‮ ‬صَمْتاً،‮ ‬أيّها الشاعر،
قُرْصانٌ‮ ‬يُمْسِكُ‮ ‬بيَدِ‮ ‬القمر ويُهيّئ الزَّحْف‮. ‬هل سيحدث،‮ ‬يوماً،‮ ‬أن تَشهقَ‮ ‬السَّماءُ‮ ‬غضباً،‮ ‬وتَصرخَ‮:‬
كلاّ،‮ ‬لا رجاءَ‮ ‬فِيَّ،‮ ‬ولستُ‮ ‬السّماء؟
‮ ‬
IV. جسرٌ‮ ‬نحو أيوب النبيّ

أ‮ ‬_‮ ‬حارة المغاربة
هل سيقدرُ‮ ‬ذلك المُتحف،‮ "‬متحف حائط المبكي‮"‬،‮ ‬أن يسلّم علي سُنُونوّةٍ،‮ ‬أو‮ ‬يُصافِحَ‮ ‬البحر الأبيض المتوسّط الذي صافحه قدموس وعُوليس؟ هل سيعرف كيف يُحيّي امرأةً‮ ‬تسمّت أوروبّا باسْمِها؟
سَلامٌ‮ ‬عليكِ،‮ ‬أيّتها الخطوات البشريّة التي تحوّلت إلي عُمْرانٍ‮ ‬كأنّه الطّبيعة‮.‬
حَقًّا،‮ ‬للتاريخ طبقاتٌ‮ ‬سُفْلي‮. ‬والغبارُ‮ ‬يستهزئ بحقائقِ‮ ‬الماء‮. ‬وما هذا التّاريخ الذي يَجهل الفَرْقَ‮ ‬بين الدّمع والحِبْر،‮ ‬وبين المسمار والحَرْفِ‮ ‬الأبجديّ؟
حَفْرٌ‮ ‬في الرّأس،‮ ‬لا في التّراب‮. ‬زياراتٌ‮ ‬لأطياف وَحْيٍ‮ ‬غير مكتوب‮. ‬زبَدٌ‮ ‬يُطيح بعرش الماء‮. ‬يا لهذا النّظام الذي لا ينهض إلا علي أشلائه‮. ‬بين بِرَكِ‮ ‬سليمان تبحر سفينةٌ‮ ‬لا من الغرب لا من الشّرق‮.‬
من هباء المعني‮.‬
تَبرّكوا بهذه البِرَك‮.‬
لا مرفأَ‮ ‬في حارة المغاربة إلا في اللّغة‮ ‬_‮ ‬جرحاً‮ ‬مفتوحاً،‮ ‬كشعر أيوب‮.‬
قل لي،‮ ‬يا شعر أيوب‮:‬
السّجن،‮ ‬التّنكيل،‮ ‬التعذيب،‮ ‬التجويع،‮ ‬الطّردُ،‮ ‬النّفي،‮ ‬القتل‮ ‬_‮ ‬أهذه هي حَقّاً‮ ‬تلك الملاعق التي تركتها علي موائدك الكريمة العالية؟

ب‮ ‬_‮ ‬أغنية
رَجلٌ‮ ‬عاشِقٌ‮ ‬قَيْدهُ
زوجةٌ‮ ‬في نقابٍ،
طفلةٌ‮ ‬في حجابٍ
ولحمٌ‮ ‬حَلالٌ‮.‬
فندقٌ‮ ‬مطعمٌ،‮ ‬ومقهي،‮ ‬وجَبّانَةٌ‮.‬
لا تناقُضَ‮ ‬إلاَّ
بين تُفَّاحَةٍ‮ ‬وابْنِ‮ ‬رُشْدٍ‮.‬
‮ ‬
أيّتها المائدة التي يرتجف تحتها صدر الأرض،‮ ‬تضوّري جوعاً‮ ‬إلي ملعقةٍ‮ ‬تخرج الآنَ‮ ‬من جوف حوت،‮ ‬وإن شئتِ‮ ‬إلي الحِبْر،‮ ‬ذلك الوَحْل الملائكيّ‮. ‬بالألوانِ‮ ‬تطمئنين التّاريخ‮. ‬ترسمين لوحةً‮ ‬للعَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ‮. ‬للبحر الذي فتح فخذيه لكي يعبر بينهما التائهون‮. ‬للجبل الذي استضاف نوحاً‮ ‬وطوفانه وفُلْكه‮. ‬لِلرّعب الذي لا تَتّسع له أيّة لوحةٍ‮ ‬ويَسْخَرُ‮ ‬من جميع الألوان‮.‬
تضوّري،‮ ‬تضوّري جوعاً‮ ‬أيّتها المائدة‮.‬

ج‮ ‬_‮ ‬تأمّلات
ماذا يقول الأطفال لهذه الكرة التي يُدحرجونها والتي سَمّوها الحياة؟ كيف يُمسكون بالعالم والقيود كلّها تُحبك حول أعناقهم،‮ ‬منذ نشوئِها في مِنْجَم الغَيْب‮.‬
آثارُ‮ ‬وَحْيٍ‮ ‬تتموّج في شعر أيّوب‮. ‬جنانٌ‮. ‬أنهارُ‮ ‬عَسَلٍ‮. ‬وِلْدانٌ‮. ‬بقايا كتُبٍ‮ ‬محتها الكتابة‮.‬
إلي الساحة،‮ ‬أيّها الجنود الملائكة‮. ‬القادة يسبحون في‮ ‬غبار سَراويلهم‮.‬
الستارة سوداء،‮ ‬ولا ضوءَ‮ ‬تُمسك به النّوافذ‮.‬
‮ ‬
د‮ ‬_‮ ‬رواية
لم أرَ‮ ‬القمرَ‮ ‬مرّةً‮ ‬يقاد مخفوراً‮ ‬إلي مرفأ الكتب السّماوية كما رأيته ذلك اليوم‮. ‬كان كمثل حصاةٍ‮ ‬تُفرك بين الأصابع‮. ‬لا هذه التي تزدهي بها اليدان،‮ ‬بل تلك التي تتوّج القدمين‮. ‬وكان يجلس مُنهكاً‮ ‬في لباس العمل كأنّه رضيعٌ‮ ‬فصلته أمّه الشمس عن ثدييها‮. ‬وكان يحيط به شِعرُ‮ ‬أيّوبَ،‮ ‬القَبْلُ‮ ‬والبَعْدُ،‮ ‬الغضروف والعَظْم في سُرادقٍ‮ ‬من طيور الجنّة‮.‬

قِشْرُ‮ ‬تُفَّاحةٍ
تنزلق عليه قدَمُ‮ ‬حوّاء‮.‬
هَتفَ‮ ‬الزّقاقُ‮:‬
‮- "‬أين القوسُ،‮ ‬أيّها البارئ؟‮"‬،‮ ‬ولم تكن العَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ‮ ‬تعرف أنّ‮ ‬كلّ‮ ‬زقاقٍ‮ ‬في القُدْسِ‮ ‬مستودَعٌ‮ ‬لدعاءٍ‮ ‬يناقض بعضه بعضاً‮. ‬أو أنّ‮ ‬الصلواتِ‮ ‬التي تعرج علي سُلّمها الخاصّ‮ ‬مُلقّحةٌ‮ ‬بأنين أصواتٍ‮ ‬مِمّا قبل الطّوفان‮.‬
‮ ‬
ه‮ ‬_‮ ‬أُغنية
ما الذي يقرأ الدِّينُ‮ ‬أو يكتب الشّعر،‮ ‬إن قَصَمَ‮ ‬الغيبُ‮ ‬ظَهْرَ‮ ‬البلادِ،‮ ‬و"زُلْزِلَت الأَرضُ‮ ‬زلزالها"؟‮ - ‬وَهِيَ‮ ‬الأَرضُ،‮ ‬كوكبُ‮ ‬أيّامنا الشاردَهْ‮:‬
الملائك فيها،‮ ‬وشياطينُها
والألوهةُ‮ ‬_‮ ‬مرموزةً‮ ‬ومحسوسةً،
رَحِمٌ‮ ‬واحدهْ؟
‮ ‬
و‮ ‬_‮ ‬خبر
تلميذٌ‮ ‬يعبر حاجزاً‮.‬
‮- ‬دَنَّس ما لا يُدَنَّس‮.‬
‮- ‬يكفيه السّجن إلي أن يلاقي فيه الشَّيخوخة‮.‬

رائحة دَمٍ‮ ‬في الزّقاق يتدفّق منذ الطّوفان‮. ‬يخضع التدفّق إلي فَحْصٍ‮ ‬مدنيّ،‮ ‬وإلي رقابةٍ‮ ‬عَسْكريّة‮.‬
لا يفيد العطش إلي المعرفة إلاّ‮ ‬إذا كانت خوذةً‮.‬
علي جَبَلٍ‮ ‬من القمامة تَرْقُص الذرَّة‮.‬

جيشٌ‮ ‬إلكترونيّ‮ ‬يقوده مَلاكٌ‮ ‬أحمر‮.‬
وكلّ‮ ‬آلةٍ‮ ‬آفة‮.‬
‮ ‬
ز‮ ‬_‮ ‬قول
لم أرَ‮ ‬القمرَ‮ ‬يقاد مخفوراً‮ ‬إلي مرفأ الكتب السّماويّة،‮ ‬كما رأيته ذلك اليوم‮. ‬كان كمثل حَصاةٍ‮ ‬تُفرَكُ‮ ‬بين الأصابع‮. ‬لا هذه التي تزدهي بها اليدان،‮ ‬بل تلك التي تتوّج القدمين‮. ‬وكان يجلس مُنْهكاً‮ ‬في لباس العمل كأنه رضيعٌ‮ ‬فصلته أمّه الشمس عن ثدييها‮. ‬وكان يحيط به شعر أيوب،‮ ‬القَبْلُ‮ ‬والبَعْدُ،‮ ‬الغُضروف والعظمُ‮ ‬في سُرَادقٍ‮ ‬من طيور الجَنّة‮.‬
قشْرُ‮ ‬تُفّاحةٍ‮ ‬تنزلق عليه قدم حواء‮.‬
إلي أيّ‮ ‬جدارٍ‮ ‬تُشير،‮ ‬يا شعر أيّوب؟
هذا الجدارُ‮ ‬يصعد من رَمْلٍ‮ ‬لم يحدث مرّةً‮ ‬أن صارَ‮ ‬مَتَاهةً‮. ‬حدث أن صارَ‮ ‬شَرْعاً‮. ‬واختلطَ‮ ‬فيه ذهَبُ‮ ‬القوانين بفضّة الهياكل‮.‬
ويهبط ذلك الجدارُ‮ ‬من ناطحاتِ‮ ‬كواكبَ‮ ‬لم يحدث مرّةً‮ ‬أن صارت أفقاً‮. ‬حدث أن صارت أسلاكاً‮ ‬شائكةً،‮ ‬وطيشاً‮ ‬في رأس الهواء‮.‬
للجدار أكثر من حياةٍ‮ ‬داخلَ‮ ‬هذه الفانية‮ ‬_‮ ‬الدُّنيا‮. ‬غيرَ‮ ‬أَنّه في الآخرة الباقية مجرّد قميصٍ‮ ‬عسكريّ،‮ ‬يحرسُ‮ ‬مأوي يَغَصُّ‮ ‬ببشَرٍ‮ ‬يعذّبهم جَلاّدون إِلهيّون‮.‬
قلَقٌ‮ ‬في شِقٍّ‮ ‬شماليّ‮ ‬من الجدار‮. ‬مع ذلك،‮ ‬تظلّله كلماتٌ‮ ‬تعرف الغيب‮. ‬يظلّله كذلك نومٌ‮ ‬يكاد أن يكونَ‮ ‬يَقظةً‮. ‬وتجرؤ الشمس فوقه أن تعترفَ‮ ‬بأنّها شَيّخَت‮. ‬وأَنّ‮ ‬لها في ظِلّه نافذةً‮ ‬تُطلّ‮ ‬علي المتوسط‮ ‬_‮ ‬البَحْرِ،‮ ‬لا توسُّطَ‮ ‬فيها‮: ‬إمّا القَبْرُ،‮ ‬وإمّا السَّماء‮.‬
لكن،‮ ‬ما أقربَ‮ ‬القبر،‮ ‬وما أبعد السّماء‮. ‬ماذا أقول؟ كلاّ،‮ ‬لم تعد هناك سماء‮: ‬السّينُ‮ ‬سيفٌ،‮ ‬والميمُ‮ ‬موتٌ،‮ ‬والألفُ‮ ‬أبوّةٌ،‮ ‬والهمزةُ‮ ‬فراغ‮.‬
‮ ‬
ح‮ ‬_‮ ‬أسئلة
أسألك،‮ ‬يا شعر أيّوب،
كيف يقيم جسراً‮ ‬يَصل بين طرفين،
شخص لا يري إلاّ‮ ‬طرفاً‮ ‬واحداً؟

وماذا تقول امرأةٌ‮ ‬تتغطّي بحجابٍ‮ ‬من القطن أو الحرير،
لامرأةٍ‮ ‬تتغطّي بحجابٍ‮ ‬من الفولاذ؟
    ‮(...)‬
‮"‬من الأمم الذين حواليكم تقتنون العبيدَ‮ ‬والإماءَ،‮ ‬وتَقتنونهم أيضاً‮ ‬من أبناء الغرباء المقيمين معكم ومن عشائرهم الذين عندكم،‮ ‬المولودين في أرضكم‮. ‬هؤلاء تأخذونهم لكم،‮ ‬وتُورِثُونَهم لبنيكم مِن بعدكم ملكاً‮ ‬لهم،‮ ‬فيستعبدونهم ما داموا أحياء‮..."‬
‮(‬اللاّويين‮ ‬25‮: ٤٤ ‬_‮ ٦٤)‬

وأسألكَ‮ ‬أخيراً‮:‬
ما تكونُ‮ ‬بلادٌ‮ ‬يديرها القتل،‮ ‬أو تؤسّس لها الجريمة؟
‮(...)‬
‮"‬ويلٌ‮ ‬لمن يبني مدينةً‮ ‬بالدّماء،‮ ‬ويؤسّسها بالإثم‮".‬
‮(‬حَبقّوق،‮ ‬2‮: ‬12‮)‬
‮ ‬
ط‮ ‬_‮ ‬أسئلة أخري
حين أقرؤكَ‮ ‬يا شعر أيوب،‮ ‬أري كيف تتأرجح فيكَ‮ ‬وتتكسّر هذه القصبة التي تُسمّي الإنسان‮.‬
أليس الآخر نبضَ‮ ‬اللانهاية فيك؟ أليس ذاتكَ‮ ‬الثانية؟ أين آخَرُكَ‮ ‬يا شِعر أيوب؟ ولماذا لا تكفّ‮ ‬عن مَحْوه؟ كأنّك لا تكفّ‮ ‬عن مَحْوِ‮ ‬نفسكَ،‮ ‬أنتَ‮ ‬أيضاً‮.‬

أأنتَ‮ ‬سفرٌ‮ ‬إلي الأطراف القُصوي؟
إذاً،‮ ‬أنتَ‮ ‬والآخَرُ‮ ‬واحد‮.‬
أين آخَرُكَ‮ ‬يا شعر أيوب؟
‮ ‬
V. ‮ ‬تشريح

I. ‮ ‬اسطبلات سليمان‮ / ‬المسجد المَرْوانيّ
النّملُ،‮ ‬هو كذلك،‮ ‬يُصلّي لسليمان‮. ‬لم يبق طائرٌ‮ ‬إلاّ‮ ‬نقلَ‮ ‬رسالةً‮ ‬إلي إحدي نسائه‮. ‬وكان مروان أَوّلَ‮ ‬بين الأوائل الذين صَدّقوا وآمنوا‮.‬

II. ‮ ‬تلّة باب المغاربة،‮ ‬أيضاً‮ ‬وأيضاً
تتدلّي فوقها مقبرةٌ‮ ‬علي حَبْلٍ‮ ‬يربط سُرّةَ‮ ‬الشّرق بشفتي الغرب‮. ‬مقبرة شبه طائرة‮. ‬تكاد أن تملأ الأجواءَ‮ ‬بأنينها‮. ‬بين ساحة البُراقِ‮ ‬والحَرم الشّريف تضحك أشجارٌ‮ ‬يلتصق عليها الغُبار‮. ‬الهواءُ‮ ‬مِهذارٌ‮. ‬لا يَنامُ‮ ‬إلاّ‮ ‬في‮ ‬غُرفٍ‮ ‬صامتة‮. ‬يحرسها الأَمْنُ‮ ‬جلوساً‮ ‬في مركبات عسكريّة تقذفها الملائكة في أحضان القدس‮.‬

 III. حائط المبكي‮ / ‬حائط البُراق
البكاء بَرْقٌ‮ ‬حيناً،‮ ‬وحيناً‮ ‬بُراق‮.‬
يتعطَّرُ‮ ‬الحائطان بخطوات الله وأنبيائه ورسله‮ "‬الذين لا نفرّق بين أحدٍ‮ ‬منهم‮".‬
للورد الأحمر بين الحائطين ظِلٌّ‮ ‬يتدثّر بثوبٍ‮ ‬أسود‮.‬
‮ ‬
 IV. النّفق الغربي‮ / ‬نفق عين سلوان‮ / ‬نفق وادي حلوة
سَتُضاء الأنفاق بمشاعلَ‮ ‬تحملها الآفاق‮.‬
أنفاقٌ‮ ‬تَتجشَّأُ‮ ‬الموت،‮ ‬فيما تبتلعُ‮ ‬الحياة‮.‬
أصواتٌ‮ ‬تنبعث من جوف الأرض‮. ‬أهي حوارٌ‮ ‬بين سليمان والهدهد وبلقيس؟

النَّملُ‮ ‬يغارُ،‮ ‬ويَسْترقُ‮ ‬السَّمع‮.‬

 V. كنيس أوهل يتسحاق
اسألوا الصّلاةَ‮ ‬نفسَها،‮ ‬وسوف تقول لكم‮: ‬خيرٌ‮ ‬لي أن أكون رَقْصاً‮.‬
العقار الذي بني فيه الكنيس لا يزالُ‮ ‬يشكو‮. ‬يرافقه،‮ ‬بُكاءً،‮ ‬حَمّام العَين‮. ‬يرافقه المسجد الأقصي،‮ ‬أحياناً‮. ‬ويكون خان تنكز المملوكي مأخوذاً‮ ‬بالبحث عن ماءٍ‮ ‬للوضوء‮. ‬دائماً‮ ‬تفوته صلاة العشاء‮.‬
يتسلّل إلي ساحة البراق ويراقب فيها وحولها ملائكة الحزن‮.‬
‮ ‬
 VI. بيت هتسلام‮ / ‬بيت شارون
ما جدوي بيتٍ‮ ‬يفتقد حتي الماءَ‮ ‬والهواء؟ وليس حوله أيّ‮ ‬طائر‮. ‬هُسْ‮! ‬عسكريٌّ‮ ‬يتنكّر في شَكْل عمود‮.‬

 VII. باب العمود
ماذا لو زُلزل المعجم،‮ ‬وسُمّيَ‮ ‬الباب عموداً،‮ ‬والعمود باباً؟
تضع الطّريق الرّومانية قبّعتها علي باب العمود،‮ ‬حاملةً‮ ‬زهرةً‮ ‬في اتّجاه طريق الواد‮ ‬_‮ ‬كاردو‮ ‬_‮ ‬ديكامانوس‮. ‬بيزنطية،‮ ‬الخلافة الأمويّة،‮ ‬الخلافة العبّاسية،‮ ‬الصّليبيّون،‮ ‬الأيوبيون،‮ ‬المماليك،‮ ‬الإنكليز‮ ‬_‮ ‬تُسمع أصواتُهم اليوم،‮ ‬وتُمكن حتي الآن،‮ ‬رؤية الغرف التي ينامون فيها،‮ ‬وأسرّة الجواري‮.‬

 VIII. مغارة سليمان‮ / (‬مغارة الكتان‮)‬
هل ثوب المرأة جزءٌ‮ ‬من بشرتها؟
أعترف أنّ‮ ‬في السّؤال جرعةً‮ ‬من شرابٍ‮ ‬مُسكر‮.‬
هل يقدر سليمان أن يتحدّث مع مغارته؟
‮ ‬
 IX. أرض الصَّبْرة
ما أغربَ‮ ‬عذاب الأرض‮:‬
لا يمزّقها هي‮. ‬يمزّق من يَسيرُ‮ ‬فوقها‮.‬

X. سوق الخواجات
ماذا تفعل الذّكريات التي تتجوّل في أكياسِ‮ ‬القمامة؟ سِروالٌ‮: ‬قَرْنا‮ ‬غزال‮.‬

 XI. برج اللَّقلق
موسيقي تبكي في أجنحة اللّقالق‮. ‬رقصٌ‮ ‬يعتذر لأعشاشِها‮.‬

 XII. عين سلوان
لِلسّحر في فلسطين عينٌ‮ ‬لا ترَاها العين‮.‬
‮ ‬
 XIII. أرض صيام
لا بأسَ‮ ‬أن ترجئَ‮ ‬صيامكَ،‮ ‬أيّها الأفق‮. ‬أَفْطِرْ،‮ ‬لكي تقدر أن تُمطر‮.‬

XIV. ‮ ‬وادي النّار‮ / ‬وادي حلوة
نارُ‮ ‬الوادي وادي النّار‮. ‬وكلّ‮ ‬وادٍ‮ ‬حوض،‮ ‬غير أنّ‮ ‬وادي حلوة سؤال‮.‬

XV. ‮ ‬تلة الضهور‮ (‬مدينة داود‮)‬
عجباً‮! ‬كيف قبلت مدينة داود أن ينقلبَ‮ ‬اسمُها إلي تلّة الضّهور؟ وكيف لم تتزلزل قارّة اللّغة؟
أيّتها الدبّابات،‮ ‬أيتها القنابل،‮ ‬تقول لكِ‮ ‬الطّاقة‮: ‬مَزّقي البشرَ،‮ ‬أوّلاً‮. ‬ثمّ‮ ‬الكائنات الأخري،‮ ‬لكن بلطفٍ،‮ ‬وسمّي هجومكِ‮ ‬دفاعاً،‮ ‬أو سعياً‮ ‬إلي السّلام‮. ‬تعرفين أنّ‮ ‬الله هنا كائِنٌ‮ ‬مُتخيَّلٌ،‮ ‬وأنّ‮ ‬الشيطان كائنٌ‮ ‬واقعيّ‮. ‬اصرخي،‮ ‬إذاً،‮ ‬عليك أيّها المؤمن أن تفرّ‮ ‬من الواقع‮. ‬ولماذا تعيش فيه؟ الهربَ،‮ ‬الهرَبَ‮ ‬إلي ما وراءه‮.‬

XVI. ‮ ‬عين أم الدَّرج
امرأة ليست سمكةً‮ ‬ولا جنّيةً‮ ‬ولا حوريّةً‮ ‬تعيش هانئةً‮ ‬في هذه العين‮.‬
‮ ‬
XVII. ‮ ‬شارع السّلسلة
سلسلةٌ‮ ‬من أجنحة اليمام تجرّ،‮ ‬برفْقٍ،‮ ‬يمامةً‮ ‬جريحة‮.‬

 XVIII. شارع الواد
من يعرف كيف يختبئُ‮ ‬داخل صوته؟

 XIX. طريق الآلام
لا شيءَ‮ ‬خُلِق،‮ ‬لا شيء يخلق في فلسطين إلا بدءاً‮ ‬من هذه الطريق‮.‬
والقَبْرُ‮ ‬مَنِيٌّ‮ ‬قُدْسيّ‮.‬

XX. قُبّة الصّخرة
هل تكفي فلسطينَ‮ ‬صَرْخةُ‮ ‬أَن تتأرجح فوق رأسها قُبّةُ‮ ‬العالم؟
هل يكفيها أن تثقبَ‮ ‬دموعُها صخرَ‮ ‬التّكوين؟

نَهارُها يمتطي فَرَس اللّيل،
وليلُها يَمْتطيه البُراقُ‮:‬
    بعض السّفَر تاريخٌ،
    وبعضهُ‮ ‬تآويل‮.‬
وفي كلّ‮ ‬ضالّةٍ‮ ‬تَنْحفر هاويةً‮ ‬للضّلال‮.‬
يا لهَذهِ‮ ‬الطّبيعة‮ / ‬الجنينِ‮ ‬_‮ ‬الطفل‮ ‬_‮ ‬القبر‮ / ‬القَبْر‮ ‬_‮ ‬الجنين‮ ‬_‮ ‬الطّفل
خذُوها في استدارةٍ،‮ ‬في مُثلَّثٍ،‮ ‬كيفما شئتم،‮ ‬أَنّي شِئتم،
    لا نهايةَ
    إلاّ‮ ‬في هذه اللاّنهاية‮.‬
‮ ‬
كانت يمامَةٌ‮ ‬تَشهق في كنَفِ‮ ‬القُبّة‮. ‬كان سِراجُ‮ ‬القبّة يرفرفُ‮ ‬كمثل فراشةٍ‮ ‬تتجنّح باللّهَب‮.‬

رجلٌ‮ ‬وامرأة يتعانقان‮    ‬أبيض‮    ‬سوداء‮    ‬انتظروا ألوانَ‮ ‬الولادات‮.‬
لا ترفع إصبعكَ‮ ‬أيّها التّاريخ    لكن أنتِ‮ ‬ارفعي إصبعَكِ،‮ ‬أيّتها الأبديّة‮.‬

XXI. النَّفق‮ ‬_‮ (‬عين سلوان،‮ ‬وادي حلوة،‮ ‬النَّفق الغربي‮ ‬_‮ ‬أيضاً،‮ ‬وأيضاً‮).‬
النَّفَقُ‮ ‬هو أن تُولدَ‮ ‬حيث تشاء،‮ ‬قبل أن تُولد‮. ‬أن تكون لك جذورٌ‮ ‬وأَنْساب حيث لا تعرف ولا مكان لها‮. ‬أن تقول‮: ‬ما فوق النَّفق لي،‮ ‬وما حوله،‮ ‬وما قبله،‮ ‬وما بعده‮. ‬و"لتنفجر السّماء‮ ‬غيظاً‮"‬،‮ ‬يقول سيّد النّفق‮. ‬وقل يا سيّد النّفق‮: ‬سأنتخب الرّيحَ‮ ‬التي أشاءُ‮ ‬لكي تحمل بساط المعنَي‮. ‬وسآمرُ‮ ‬الفضاء لكي يأمرها بأن تكون ليّنةً‮ ‬رُخاءً‮ ‬مطيعةً‮ ‬لا تخرج من نَفَقٍ‮ ‬إلا لكي تدخلَ‮ ‬في آخرَ‮ ‬أكثر امتداداً‮ ‬وعمقاً‮.‬
وأنتَ‮ ‬أيّها المقيمُ،‮ ‬تكوّرْ‮ ‬داخلَ‮ ‬بيتكَ‮. ‬لا تخرج إلاّ‮ ‬عندما يقول الضّوء الحارس الطالع من النّفقِ‮: ‬اخرجْ‮. ‬إذ لا مهربَ‮ ‬من نَفَقٍ‮ ‬إلاّ‮ ‬عِبْرَ‮ ‬نَفَقٍ‮ ‬آخر‮. ‬المستقبل أنفاق‮.‬
الأطفالُ‮ ‬في هذا المستقبل صناديقُ،‮ ‬دُميً،‮ ‬عُلَبٌ‮ ‬ملغومة،‮ ‬صراصيرُ‮ ‬مقنبلة،‮ ‬حديدٌ‮ ‬مطبوخٌ‮ ‬بتوابلَ‮ ‬من كلّ‮ ‬نوع‮.‬
‮ ‬
من النّفق تخرج أسراب أسماء‮. ‬لكلّ‮ ‬اسْمٍ‮ ‬زيٌّ‮. ‬لكلّ‮ ‬زيّ‮ ‬قَبْرٌ‮ ‬كتبت عليه هذه الشاهدة‮: ‬مِن التّراب جاء العرب وإلي التّراب يعودون‮.‬
النّفق تاريخٌ‮ ‬آسِن‮.‬
حتي لو تركتَ‮ ‬النّفقَ‮ ‬إلي فراغه،‮ ‬أيّها المُتاجر بما ليس إلا فراغاً،‮ ‬فإن النّفقَ‮ ‬لن يتركك‮.‬
‮"‬ثمّة شموسٌ‮ ‬لا تشرق إلاّ‮ ‬ليلاً‮"‬،‮ ‬يقول لك،‮ ‬فيما يمدّ‮ ‬لك حبل الغواية‮.‬
اسْتَرقِ‮ ‬النّظرَ‮ ‬إلي بداية النّفق،‮ ‬وسوف تري فيه نهايتكَ‮.‬
النّفَق نعشٌ‮ ‬آخر‮.‬
الطريق هنا ضيّقةٌ‮ ‬لكن‮ ‬غير بعيدةٍ‮ ‬عن الجَنّة‮.‬
تاريخٌ‮ ‬_‮ ‬ماءٌ‮ ‬اصطناعيٌّ‮ ‬تسبح فيه السّلالات وأَنسابُها‮.‬
لم يترك شيئاً‮ ‬إلاّ‮ ‬تحدّث عنه‮ ‬_‮ ‬لكنه لم يقل أيّ‮ ‬شيء‮.‬
أعمي له شكلُ‮ ‬ملاكٍ‮ ‬يتكئ علي باب النّفَق‮:‬
هل ما يقال هنا حقيقة؟
أوه،‮ ‬كيف إذاً،‮ ‬تجرّأتَ‮ ‬علي النُّطْق؟
أَكمِل أيّها الأعمي‮:‬
النّفق مليءٌ‮ ‬بالنساء،‮ ‬لكن،‮ ‬ليس فيه إلاّ‮ ‬رحِمٌ‮ ‬واحدة،‮ ‬رحمُ‮ ‬امرأةٍ‮ ‬كان اسمها حوّاء،‮ ‬طلّقها زوجُها،‮ ‬وكان اسمه آدم‮.‬
هكذا،‮ ‬للنّفق عاشِقٌ‮ ‬واحدٌ‮: ‬الجدار‮.‬
مع أنّ‮ ‬في النّفق أنفاقاً‮ ‬كثيرة‮.‬

لا نزال نتأرجح علي فُوّهة الهاوية،‮ ‬يقول الأعمي‮.‬
لم أكد أقول‮: ‬القدس ثوبٌ،‮ ‬حتي هجم العرب جميعاً‮ ‬لكي يلبسوه،‮ ‬قال النّفق‮.‬
‮ ‬
VI. ‮ ‬تباريح

أ‮ ‬_‮ ‬أسئلة  
‮>‬‮ ‬لماذا كلّ‮ ‬ذرّةٍ‮ ‬في رماد فلسطين جرح مفتوح؟ لماذا،‮ ‬هذا الجرح يصنع الحياةَ،‮ ‬لكن بآلات الموت؟
‮>‬‮ ‬هل تاريخ فلسطين خَريفٌ‮ ‬هاجَرَ‮ ‬خارج الفصول؟
‮> ‬‮ ‬لماذا يتجعّد في لغة القادة العرب وجه الخليقة؟ ولماذا تعجّ‮ ‬هذه اللغة بقطاراتٍ‮ ‬لا تحمل إلا الطّرقَ‮ ‬التي لا مخرج لها،‮ ‬والتي لا تنتهي؟ ولماذا يرسم هذه الطُّرقَ‮ ‬قادة آخرون لا يتشاجرون إلاّ‮ ‬مع الشجر والماء؟

ب‮ ‬_‮ ‬رسالة إلي حزقيال النبي
حزقيال أنتَ‮ ‬الرّائي،
حَدّقْ‮ ‬أيضاً‮ ‬وأيضاً‮. ‬لا يزال الخرابُ‮ ‬خبزاً‮ ‬يومياً‮ ‬في أَرْضِ‮ ‬الله‮. ‬هل تتحوّل النّبوءات هي كذلك إلي حصار؟ هل تَنْحفِرُ‮ ‬الخنادقُ‮ ‬في كلماتها؟ هل تتشظّي رؤاها في صواريخ،‮ ‬في قنابلَ،‮ ‬في براكينِ‮ ‬غازٍ‮ ‬وفوسفور؟ وهل حَقّاً‮ ‬أصبحتَ،‮ ‬أيّها الرائي،‮ ‬صديقاً‮ ‬لمِنخرَيْ‮ ‬هذا التنّين؟
وأكادُ‮ ‬أن أسألكَ‮: ‬هل التقيتَ‮ ‬هيروديا؟ وما لوحش الزّمن يتقنّع بملاك الأبدية؟ وما لتلك المسكينة،‮ ‬أَتَانِ‮ ‬النبوّة،‮ ‬بَدأَتْ‮ ‬تتعثّر وتَعرُج؟ وماذا نفعلُ،‮ ‬نحن أبناء الجارية،‮ ‬والأرضُ‮ ‬كلّها جاريةٌ‮ ‬في أحضان النبوّات؟
‮ ‬
فاضَ‮ ‬الحديدُ‮ ‬صاعداً‮ ‬هابِطاً‮ ‬علي سلالم الصّلاة‮.‬
الورَمُ‮ ‬والدُّهْنُ‮ ‬آدمُ‮ ‬الحياة وحوّاؤها‮. ‬النّهار أهدابٌ‮ ‬تحترق،‮ ‬والدّقائق ترجمُ‮ ‬أصولَها‮.‬
هل نَحفظُ‮ ‬بطون النّساء،‮ ‬وندّخر أجنَّتهنَّ‮ ‬إلي حين؟
هل نَقول للأثداء‮: ‬ترحّلي إلي ملكوتٍ‮ ‬آخر؟
أمن الخطواتِ‮ ‬تجيء السّلاسل؟
هل الأرحامُ‮ ‬هي القبور؟

حزقيال،‮ ‬أيّها الرّائي،
لا يليق بنبوءاتكَ‮ ‬إلا الرَّعد
اسمحْ‮ ‬لي،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن أصرخ‮:‬
هيروديا،‮ ‬هيروديا
‮ ‬
الدّم يتدفَّقُ‮ ‬من العتبات ومن الجُدران ومن النّوافذ،
وتعرفين جيّداً‮ ‬قلوبَ‮ ‬السّادة‮ ‬_‮ ‬الأنبياء والسَّاسَةِ‮.‬
قولي،‮ ‬إذاً،‮ ‬بماذا تنبضُ‮ ‬هذه القلوب وكيف ترِقّ،‮ ‬ومتي،‮ ‬وما سِرّها؟
لا ترغب الوردة في عطر‮ ‬غيرها‮. ‬لا يطير طائِرٌ‮ ‬حاملاً‮ ‬عُشَّه‮.‬

الأرضُ‮ ‬رحمةٌ،‮ ‬والتّرابُ‮ ‬هو الأخيرُ‮ ‬والأوّل‮.‬
لماذا إذاً‮ ‬تشعوذ الكتُب؟ لماذا يُوضَع لكلّ‮ ‬حَرْفٍ‮ ‬قَيْدٌ،‮ ‬ولكلّ‮ ‬لسانٍ‮ ‬لجامٌ؟
لماذا لا تُري السَّماءُ‮ ‬إلاّ‮ ‬مملوكةً‮ ‬وموسومةً‮ ‬وموشومةً‮ ‬ومحروسةً‮ ‬ومسوّرة؟ أهي زريبةٌ‮ ‬للّغة؟ أهي خزانَةٌ‮ ‬لذهب النبوّات؟
هيروديا،‮ ‬هيروديا شيما،
لا يكاد اسْمُكِ‮ ‬يُلفظ حَتّي تنطفئ الحواسّ‮.‬
كلاّ،‮ ‬لستِ‮ ‬الرَّقْصَ،‮ ‬ولستِ‮ ‬العشيقة،‮ ‬ولستِ‮ ‬امرأة‮.‬
عفواً،‮ ‬عفواً‮ ‬حزقيال،‮ ‬أيّها الرّائي‮.‬
‮ ‬
ج‮ ‬_‮ ‬اعتبار
‮- ‬كيف تستقبلُ‮ ‬الصّخرةَ‮ ‬ببَوْلٍ؟ كيف تستقبلُها بغائط؟
إمضِ‮. ‬غَطّ‮ ‬قدميكَ‮ ‬بالمصابيح،‮ ‬وَاسْتَغفِرْ‮.‬

‮(‬المياه العذبَةُ‮ ‬والرّياحُ‮ ‬اللّواقح
تخرجُ‮ ‬من تحت صخرة بيت المقدس‮")‬
‮(‬عن‮: ‬أبي هريرة‮)‬

سَقَتِ‮ ‬النّبوّاتُ‮ ‬عطشَ‮ ‬الفَوْضي،
ورمت زهورَها في الشوارع‮.‬
حيث الشُّعراء ذئابٌ‮ ‬ومغاور،‮ ‬وحيث نقتحمُ،‮ ‬نحن العربَ،‮ ‬المُدنَ‮ ‬لكي نغنّي بصوتٍ‮ ‬واحد‮:‬
    بسريرٍ‮ ‬مُفْرَدٍ،‮ ‬نفتح فندقاً،
    بفندقٍ‮ ‬مفرَدٍ،‮ ‬نصنع قارّةً‮.‬
    أقدامنا أكثر علوّاً‮ ‬من صلواتِنا
والشمس نفسها تغارُ‮ ‬مِنّا‮.‬
الحمد والشكر لله الذي خَصَّنا بهذه الصّفات‮.‬
ما أشقي أمثالي‮ ‬_‮ ‬ولست أيوب،‮ ‬ولستُ‮ ‬فم الذّهب‮.‬
‮ ‬
د‮ ‬_‮ ‬أُوميغا‮ (‬فلسطينية‮ ‬_‮ ‬يهودية‮)‬
حَسَنٌ‮ ‬أن تتنزّه نجوم فلسطين‮ ‬_‮ ‬إسرائيل في زيّ‮ ‬يبتكره الجينز المقدسيّ‮. ‬حسنٌ‮ ‬أن يتزلّج كوكبٌ‮ ‬عربيّ‮ ‬بنقابٍ‮ ‬مثقّبٍ‮ ‬علي حائط المبكي‮. ‬حسنٌ‮ ‬أن يكون الكاكاو الإفريقيّ‮ ‬ريّاً‮ ‬لعطش الخلايا في‮ ‬غوايات فلسطين‮ ‬_‮ ‬إسرائيل‮.‬
غَيْمُ‮ ‬الذرّةِ‮ ‬يسحّ،‮ ‬والنّقاب فتوي السّاعة‮.‬

من أين تطلعُ‮ ‬هذه القبضات المختلفة المؤتلفة التي تضرب وَجْه الغيب؟
مِن رؤوسِ‮ ‬الملائكة؟ من جهنم الذرّة؟ من قيامة العالم؟ من الحوض المقدّس؟
الحَوْض المقدّس‮ ‬_‮ ‬حاضت نجمة الماضي،‮ ‬وانحفرَ‮ ‬فيها المستقبل‮. ‬همَس الغيمُ‮ ‬في أذن الشاعر‮:‬
لا تثقْ‮. ‬كيف يستريح الله؟ أله كرسيّ؟ أهناك كرسيٌّ‮ ‬يتّسع له؟ أله سريرٌ‮ ‬ووسادة؟ ألَه أتانٌ‮ ‬يَمْتطيها؟ هل يستولي علي أرض ابْنٍ‮ ‬له،‮ ‬لكي يمنحها إلي ابْنٍ‮ ‬له آخر؟

لا شيء يقود إلي المعرفة كمثل الشجرة‮. ‬قالت الطّبيعة‮. ‬والإشارة هنا ليست إلي تلك التي عرفها آدم‮. ‬الإشارة إلي الشجرة التي هي لا جنَّةٌ‮ ‬ولا جحيمٌ،‮ "‬لا شَرقيّةٌ‮ ‬ولا‮ ‬غربيّة‮".‬
لكن،‮ ‬انتبهْ،‮ ‬تقول الطبيعة‮. ‬واحذر ذلك الكائن المجنّح وراءك‮.‬
‮ ‬
في شفتيه حمَلٌ،‮ ‬وفي كلّ‮ ‬كلمة يتفوّه بها،‮ ‬سكِّين أو فأس‮. ‬ولك الحق هنا،‮ ‬أيها الشاعر،‮ ‬أن تشك في أن يكون إنساناً‮ ‬كلّ‮ ‬كائنٍ‮ ‬يحملُ‮ ‬بين كتفيه رأساً‮ ‬آدميّاً‮.‬
سأمدّ‮ ‬لكَ‮ ‬حبلاً‮ ‬تتسلّق عليه أو ترقص من آخر الأرض إلي أول السماء من آخر السماء إلي أول الأرض‮. ‬قالت الطبيعة لهذا الشاعر‮. ‬وسوف تستقطر عطرك‮ ‬_‮ ‬شعرك من نباتٍ‮ ‬يشبّ‮ ‬حول خواصر النّساء‮. ‬الكذب نفسه سيكون وحده الصّدق‮. ‬هكذا ستسأل،‮ ‬ويسأل معك آخرون،‮ ‬دون دهشة‮: ‬أيّة مجزرة هي هذه السماء؟ أيّ‮ ‬تعفّنٍ‮ ‬هي هذه الأرض‮.‬

ه‮ - ‬نشيد يُمهّد للختام
في رأسي شَعَرٌ‮ ‬شائبٌ‮ ‬كثير
لكن ليس في أحشائي إلاّ‮ ‬زغَبُ‮ ‬الطفولة‮.‬
خُذْ‮ ‬كيمياءك أيها الشعر‮: ‬ثَقِّفْها،‮ ‬هَيْمِن عليها،‮ ‬علّمها كيف تمزج جسدينا بأحلامنا،
وكيف يكون الزّمن جديراً‮ ‬بأن ينتمي إلي نهارنا وليلنا‮.‬
وكيف تحمحم الدقائق في عروقنا كأنها أفراس جامحة‮.‬
باسمك أنخلع من نفسي لكي أكون نفسي،
وباسمك أكون الفرح والحزن في شهقة واحدة،‮ ‬وسوف أطبق شفتي علي أسرارك‮.‬
السّماء كمثل لوحة فريدةٍ‮ ‬في متحف الأرض‮.‬
وكلٌّ‮ ‬يحارب لكي يصحّ‮ ‬زعمه أنه سارقها الفريد‮.‬
في الأعلي،‮ ‬سقف السماء السابعُ‮ ‬يترجرج ويكاد أن يسقط‮. ‬أواجبٌ،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن يُعطَي للعاهرين والعاهرات دورٌ‮ ‬عظيمٌ‮ ‬آخر؟
وباسم السماء يجب أن نوقظَ‮ ‬أيوب وإرميا وإشعيا من نومهم لكي يروا عذابهم من جديد في بيت المقدس‮. ‬ولكي يشهدوا كيف كانوا أحراراً‮ ‬سعداء‮.‬

والآن،‮ ‬اذهبي أيتها السّماء،
اتركيني قليلاً‮ ‬لكي أتفقّد أعضائي‮.‬
‮ ‬
VII. نشيد افتتانٍ‮ ‬لِلاشيء

لا أُومنُ‮ ‬بعقل الجموع
أومن بالضّوء‮ ‬_‮ ‬يشعُّ،‮ ‬ويخترق،‮ ‬ويشير‮.‬
يا شجرة الحكمة،
كيف أتآخَي مع‮ ‬غابة القُدس؟
مع هذه الوحدانيّة التي لا تؤمن إلا بالكثرة؟
وما هذا الواحد الذي لا يحضر إلاّ‮ ‬في جِنازةٍ،‮ ‬أو علي عرش؟

بَعْدُ،‮ ‬لم تأت الكارثة‮. ‬بعد لم يَحنِ‮ ‬الطّوفان‮.‬
البحر الأبيض يتهيّأ،‮ ‬والمحيطاتُ‮ ‬تجأرُ‮ ‬وتضطرب‮.‬
من يَمْنَحُ‮ ‬هذا الرّأس الرُّخاميَّ‮ ‬لملكِ‮ ‬الصّناعات؟ من يقول لهنيبعل‮: ‬غلبتكَ‮ ‬روما‮. ‬لكن أنتَ‮ ‬الذي انتصرت؟ ومِن رأسكَ‮ ‬يطلعُ‮ ‬فجرٌ‮ ‬آخر‮.‬
‮ ‬
ليس جسدي أثيراً‮. ‬جسدي ترابٌ‮ ‬وعظمٌ‮. ‬فيزياءُ‮ ‬أَوردةٍ‮ ‬وشرايين‮. ‬أسكنُ‮ ‬في كوخٍ‮ ‬دخانٍ،‮ ‬وأتدثّر بثوبٍ‮ ‬غيمٍ‮. ‬وعبثاً‮ ‬أحاول أن أداويَ‮ ‬السّماء‮.‬
يا ليَ‮ ‬من مجرمٍ‮ ‬يعيش بريئاً‮ ‬كالمطر‮. ‬وذنبي،‮ ‬هذه الآونة،‮ ‬أَنّني أُنافِسُ‮ ‬الضّوء‮.‬
انغلقي،‮ ‬إذاً،‮ ‬في وجهي،‮ ‬أيتها السّماء‮. ‬ولكِ‮ ‬هذا العَهد‮: ‬لن تريني علي بابكِ‮ ‬أبداً‮.‬
وأنتِ،‮ ‬أيتها الكواكب،‮ ‬لن أطلبَ‮ ‬أن تكوني سلّماً‮ ‬لخطواتي‮.‬
ما أكثر الكواكبَ‮ ‬في أحشائي‮.‬

غَنِّ،‮ ‬أيّها العاشق‮.‬
‮ ‬
هل حنجرتكَ‮ ‬هي عشيقتك؟ هل عشيقتكَ‮ ‬هي حنجرتك؟
لا تُجِبْ‮. ‬غَنِّ‮.‬
الزَّمنُ‮ ‬يتدحرج صخرةً‮ ‬صخرةً‮ ‬من بين يدي ربّه،‮ ‬وأطفالهُ‮ ‬جبالٌ‮ ‬من البكاء‮. ‬ألمح فوقَ‮ ‬رأسكَ‮ ‬نجمةً‮ ‬تنطفئ‮. ‬أَسْتَشِفُّ‮ ‬أشرعةً‮ ‬تتمزّق في بحيرات أحلامكَ‮.‬
غَنِّ‮.‬
مَوْجٌ‮ ‬يرتسم في تقاطيعكَ‮. ‬غناؤكَ‮ ‬مدٌّ‮ ‬وجزرٌ‮. ‬حمداً‮ ‬للغناء‮.‬
حمداً‮ ‬للعشق‮: ‬فيهما‮ ‬_‮ ‬الصَّوابُ‮ ‬والخطأ توأمان،‮ ‬والحقيقة جرحهما المُشترَك‮.‬
    وها هو يُقرع جرَسُ‮ ‬المعني،
    لكن،‮ ‬هل هناك مَن يُصغي؟
وماذا يُجدي أن تمدّي يَدكِ‮ ‬إلينا،‮ ‬أيّتها الشّمس؟

غَنِّ،‮ ‬أيها العاشق،
النّبؤات تفرُّ‮ ‬غيرةً‮ ‬منكَ،
وإليك تنتمي فتنةُ‮ ‬الدَّهر‮.‬
‮ ‬
VIII. نشيد افتتانٍ‮ ‬لكل شيء

حَقّاً،‮ ‬للفضاء في القدس شكلُ‮ ‬القَفَص‮: ‬الكونُ‮ ‬كلُّه ألْفٌ‮ ‬واحد من الأمتار‮ ‬المربّعة‮!‬
كومةٌ‮ ‬من الورَقِ‮ ‬تقفُ‮ ‬علي المفارقِ‮ ‬في شكل كتُبٍ‮ ‬مُستطيلة‮. ‬نري فيها الحِبْرَ‮ ‬يسيلُ‮ ‬بسرعة عشرينَ‮ ‬قرناً‮ ‬في الحَرْف وثلاثين قَرْناً‮ ‬في الفاصلة،‮ ‬وقروناً‮ ‬لا تُحصي في النُّقطة‮.‬
يا لهذه الكَوْمة التي يَنْقُرها سَطْراً‮ ‬سطراً‮ ‬هُدهُد سليمان‮.‬
هل سَقطت الكتبُ‮ ‬المقدّسة في الجُبّ؟

    ‮"‬صخرة بيت المقدس من صخور الجَنّة‮"‬
    ‮(‬ابن عبّاس‮)‬
‮ ‬
رومٌ،‮ ‬أقباطٌ،‮ ‬آشوريون،‮ ‬كلدانٌ،‮ ‬سريانٌ،‮ ‬كاثوليكٌ،‮ ‬أرمنٌ،‮ ‬أحباش،‮ ‬أكراد،‮ ‬أتراك،‮ ‬شراكسة،‮ ‬أفارقة،‮ ‬مغاربة،‮ ‬لاجئون،‮ ‬فَلاّحون،‮ ‬مدنيّون،‮ ‬يهودٌ،‮ ‬عرَبٌ
رطوبة،‮ ‬حرارة،‮ ‬فلافل،‮ ‬بخورٌ،‮ ‬استيطانٌ،‮ ‬احتلالٌ،‮ ‬يمام،‮ ‬حمام،‮ ‬سيّاراتٌ،‮ ‬بيبسي كولا،‮ ‬مآذن،‮ ‬أجراسٌ،
كيلومتر مربَّع واحد،‮ ‬لا أكثر‮!‬
‮"‬باب المقدس أرضٌ‮ ‬المحشر والمنشر‮"‬
    ‮(‬عن‮: ‬أبي ذرّ‮)‬

‮"‬من أَهَلَّ‮ ‬بحجّ‮ ‬أو عُمرةٍ‮ ‬من المسجد الأَقْصي
إلي المسجد الحَرام،‮ ‬غَفَرَ‮ ‬الله ما تقدّم من
ذنبه،‮ ‬وما تأخّر،‮ ‬ووجبَتْ‮ ‬له الجنّة‮"‬
    ‮(‬عن‮: ‬أمّ‮ ‬سلمة،‮ ‬زوج النبي‮).‬
‮ ‬
البيت يودّع ذاكرته،‮ ‬والغبار حوله يشمّر عن أطرافه،
في ريحٍ‮ ‬تُشَعِّثُ‮ ‬رؤوسَ‮ ‬الأيّام
في عُنْفٍ‮ ‬_‮ ‬جَرادٍ‮ ‬يلتهمُ‮ ‬نَباتاتِ‮ ‬الوَقْت‮.‬

وكانت النّساء قد زرعن أرحامهنَّ‮ ‬في أرض الحلم،‮ ‬وفوَّضْنَ‮ ‬لله أمرَ‮ ‬الحَصاد‮.‬
    بينهنّ‮ ‬من تموتُ‮ ‬مساءً‮ ‬وتُولَدُ‮ ‬فجراً،
    بينهنَّ‮ ‬من تكتب تنهّد العاشقِ‮ ‬بِصبر الحكيم،
    وبينهنّ‮ ‬من تَسير وعلي كتفيها نِيرٌ‮ ‬تحسبه فَرْواً‮.‬
لا صوتَ‮ ‬إلاّ‮ ‬ما يخرجُ‮ ‬من أعاصيرَ‮ ‬ترتطم بالمعدن‮. ‬يقفز الضّوء حيرانَ‮ ‬من معدنٍ‮ ‬إلي آخر‮. ‬أشباحٌ‮ ‬في أشكالٍ‮ ‬تُفَكّك وتُركَّبُ،‮ ‬تحت إِبْطِ‮ ‬الفضاء‮.‬
ويبدو المتوسّط البحر كأنّه عرش ذَرّيٌّ‮ ‬تارةً،‮ ‬وتارةً‮ ‬كأنه كرسيّ‮ ‬الله‮.‬
والعَصر شحمٌ‮ ‬تتناهبُهُ‮ ‬أَيْدٍ‮ ‬معروقةٌ‮. ‬علي المعدنِ،‮ ‬يجلس جسمُ‮ ‬الشّهوة‮. ‬علي الإسفلت تتمدّد روحُها‮.‬
وأنتَ،‮ ‬أيّها الماءُ،
هل حَقًّا سَتَنفصلُ‮ ‬عن الطّين؟
بَعْثِرْ‮ ‬نجومكَ‮ ‬علي القُدْس،‮ ‬أيّها اللّيل‮.‬
أنبياء اليقظة يَنامُون بين أشلائِها،‮ ‬وبين قدميها يقف الطّين ويَنقسم صَحارَي وأنفاقاً‮.‬
ماذا سيحدث لتلك الألواح السّماوية التي هَبطت عليها؟
ماذا سيحدث للشياطين وجيوشهم،‮ ‬للملائكة وآلهتهم؟
وماذا سيحدث للأرض وأبنائها؟

هَلْ‮ ‬أحدٌ‮ ‬يعرف القُدسَ‮ ‬غيرُ‮ ‬النّجوم؟

‮(‬بيروت بلومبرغ‮ ‬ باريس،‮ ‬تموز آب 2010 )

منقول من موقع جريدة أخبار الأدب


الاثنين، 11 أكتوبر 2010

قصة ( الرؤساء ) للكاتب ... ماريو بارجاس يوسا

10/10/2010 12:38:11 م
...
الرؤساء
1
كنا واقفين عندما انبري خابيير صائحا،‮ ‬قبل ان تنطلق الصفارة بثانية‮:‬
‮- ‬الصفارة‮!‬
انكسر التوتر بقوة،‮ ‬كانفجار،‮ ‬ووقف الدكتور آباسالو فاغراً‮ ‬فاه‮.. ‬اربدّ‮ ‬وجهه وهو يعتصر قبضة يده،‮ ‬وعندما استجمع قواه رفع احدي يديه فبدا وكأنه علي وشك إلقاء موعظة،‮ ‬وعندئذ دوت الصفارة حقا‮. ‬خرجنا نعدو في صخب وجنون يحثنا صوت أمايا الناعق كالغراب‮. ‬والذي كان يتقدمنا وهو يطيح بالحقائب‮.‬
كان الفناء يهتز من شدة الصياح‮.. ‬خرج قبلنا طلاب الصف الثالث والرابع،‮ ‬وكونوا في الفناء حلقة واسعة باتت تتحرك تحت الغبار،‮ ‬اما طلاب الصف الاول والثاني فقد دخلوا معنا في الوقت نفسه تقريبا،‮ ‬مرددين بحقد عبارات عدائية جديدة‮.‬
اتسعت الحلقة‮.. ‬وأصبح السخط عاما بين تلاميذ المرحلة المتوسطة‮ (‬القسم الابتدائي كان له فناء صغير من الفسيفساء الزرقاء في الجناح المقابل للمدرسة‮).‬
‮- ‬يريد أن يكدرنا هذا الجلف‮.‬
‮- ‬نعم‮. ‬تباً‮ ‬له‮..‬
لم يتحدث أحد عن الاختبارات النهائية،‮ ‬وأنذر تحديق الحدقات،‮ ‬والصخب،‮ ‬والهرج والمرج بحلول لحظة المواجهة مع المدير،‮ ‬فجأة،‮ ‬تخليت عن كبح جماح نفسي ورحت أجتاز المجموعات بحماس‮: ‬أيحطمنا ونصمت؟‮.. ‬لابد ان نفعل شيئاً‮ ‬لابد ان نفعل شيئاً‮«.‬
انتزعتني يد من حديد من منتصف الحلقة،‮ ‬وقال خابيير‮: ‬
‮- ‬لا‮ ‬،‮ ‬لا تتدخل أنت‮ ‬،‮ ‬سوف يطردونك،‮ ‬وتعلم ذلك‮.‬
‮- ‬لا شيء يهمني الآن،‮ ‬سيدفع ثمن كل ما فعله بي‮. ‬هذه هي فرصتي،‮ ‬ألا تري؟ فلنجعلهم يصطفون‮.‬
بدأنا نردد في الفناء بصوت خفيض،‮ ‬من أُذن إلي أُذن‮: »‬لنكوّن صفوفا‮« ‬لنصطف سريعا ودوي صوت رجادا القوي في هواء الصباح الخانق قائلا‮:‬
‮- ‬لنكوّن الصفوف‮!‬
هتف كثيرون في صوت واحد‮:‬
‮- ‬لنفعل‮ ! ‬لنفعل‮!‬
رأي الناظران‮: ‬جايردو وروميرو آنئذ في دهشة،‮ ‬أن الضوضاء بدأت تفتر فجأة،‮ ‬وأن الصفوف قد اصطفت قبل أن تنتهي الفسحة،‮ ‬كانا يستندان إلي الحائط بجانب حجرة المدرسين،‮ ‬في مواجهتنا،‮ ‬أخذا ينظران إلينا بتوتر،‮ ‬ثم تبادلا النظرات‮.. ‬وأثناء ذلك،‮ ‬ظهر عند الباب بعض المدرسين،‮ ‬كانوا أيضا مبهوتين‮.‬
اقترب منا الناظر جايردو وصاح في ارتباك‮:‬
‮- ‬اسمعوا‮  ! ‬ليس بعد‮..‬
وجاء من الخلف صوت يرد عليه قائلا‮:‬
‮- ‬اصمت‮ . ‬اصمت يا جايردو أيها المخنِِث‮!‬
شحب لون جايردو فاقتحم الصفوف بخطي واسعة وعلي وجهه أمارات الوعيد،‮ ‬ومن خلفه صاح كثيرون‮:‬
‮- ‬جايردو‮: ‬أيها المخنث‮!‬
‮- ‬قلت‮ - ‬لنمش ولنطف بالفناء‮.. ‬وليتقدمنا طلاب الصف الخامس‮.‬
بدأنا نمشي وكنا نضرب الأرض بقوة حتي آلمتنا ارجلنا وعند اللفة الثانية‮ - ‬وكنا قد كوّنا مثلثا تاما توافقت اضلاعه مع أبعاد الفناء‮ - ‬بدأت مع خابيير وريجادو وليون نقول‮:‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
ثم اصبح الصياح عاما،‮ ‬واندفع صوت شخص أكرهه،‮ ‬اسمه‮ »‬لو‮« ‬،‮ ‬يقول‮:‬
‮٠ ‬بصوت أقوي‮! ‬صيحوا‮!‬
وبسرعة ازداد الصوت قوة حتي اصابنا الصمم‮..‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
اختفي المدرسون بحذر بعدما اغلقوا خلفهم باب حجرة التدريس،‮ ‬وعندما مرّ‮ ‬طلاب الفصل الخامس عند الزاوية التي يبيع فيها تيوبالدو الفاكهة علي لوح خشبي،‮ ‬قال شيئا لم نسمعه،‮ ‬وكان يحرك يديه كما لو كان يشجعنا‮ ‬،‮ ‬فكرت وقلت في نفسي‮. ‬خنزير‮.‬
اشتد الصياح،‮ ‬غير ان ايقاع الحركة وصرخات التحفيز ما كانا كافيين ليخفيا فزعنا،‮ ‬كان ذلك الانتظار مرعبا،‮ ‬لماذا تأخروا في الخروج؟ وبذريعة التظاهر بالشجاعة ظللنا نردد العبارة،‮ ‬وبدأ بعضنا ينظر إلي بعض،‮ ‬ونسمع بين الحين والآخر ضحكات صغيرة مصطنعة‮. ‬كنت أقول لنفسي‮ »‬يجب الا افكر في شيء‮«.. »‬الآن لا‮«.. ‬اصبح الصراخ يشق علي‮ : ‬بح صوتي وبدأت حنجرتي تلتهب،‮ ‬فجأة،‮ ‬ودون ان أشعر،‮ ‬بدأت أنظر إلي السماء،‮ ‬أراقب طائرا من الجوارح كان يحلق بخفة فوق المدرسة،‮ ‬تحت قبة زرقاء شفيفة،‮ ‬ينيرها قرص الشمس الذي بدأ كشامة في أحد جانبيها،‮ ‬ثم نكست بسرعة رأسي‮.‬
ظهر فيروفينو،‮ ‬الصغير الأكمت‮ (❊) ‬عند نهاية الممر الممتد حتي فناء الفسحة‮.. ‬خطاه القصيرة المعوجة،‮ ‬كخطوات البط،‮ ‬قطعت الصمت‮ - ‬الذي خيم فجأة علي المكان وأدهشني‮ - ‬وهو يتقدم صوبنا السواد،‮ ‬استرادا يريد ان يتجسس علينا،‮ ‬رأي المدير علي بعد خطوات منه،‮ ‬فاختفي سريعا،‮ ‬وأغلق بيده الطفولية الباب‮).‬
وقف فيروفينو في مواجهتنا،‮ ‬تفقد جموع الطلاب الصامتين بهياج،‮ ‬تبعثرت الصفوف،‮ ‬فهرع البعض إلي دورات المياه،‮ ‬وأحاط آخرون،‮ ‬في يأس،‮ ‬مقصف تيوبالدو،‮ ‬بينما مكثت أنا وخابيير،‮ ‬وريجادو وليون دون حراك قلت‮:‬
‮- ‬لست خائفا‮.‬
بيد أن أحدا لم يسمعني لأنه في الوقت نفسه قال المدير‮: ‬
‮ - ‬أطلق الصفارة يا جايردو‮.‬
ومن جديد انتظمت الصفوف،‮ ‬ولكن ببطء في هذه المرة‮.. ‬لم يكن القيظ قد اشتد بعد،‮ ‬غير اننا كنا نعاني بعض النعاس من الملل‮. ‬وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮»‬لقد تعبوا‮.. ‬شيء سيئ‮«.‬
ثم صاح بصوته المتأجج‮ ‬غضبا‮..‬
‮- ‬إياكم والكلام‮!‬
أشاع البعض،‮ ‬تحذيره‮.. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لا‮.. ‬انتظر‮. ‬سيصبحون كالوحوش عندما يتكلم فيروفينو‮.‬
مرت لحظات من الصمت،‮ ‬والحذر المشوب بالخطر،‮ ‬قبل ان يرفع اي منا بصره إلي ذلك الرجل الصغير ذي الرداء الرمادي،‮ ‬والذي وقف ساكنا،‮ ‬شابكا يديه فوق بطنه،‮ ‬ضاما قدميه‮. ‬ثم أخذ يقول‮:‬
‮- ‬لا أريد أن أعرف من أثار هذا الشغب‮.‬
انه لممثل،‮ ‬نبرته،‮ ‬صوته المتأني الناعم‮. ‬كلماته شبه الودودة،‮ ‬انتصابه كتمثال،‮ ‬كل ذلك كان مدروسا بعناية،‮ ‬أكان يتدرب عليه بمفرده في مكتبه«؟
‮- ‬تصرفات كهذه هي خزي لكم،‮ ‬وللمدرسة ولي أنا شخصيا،‮ ‬أنصتوا لهذا جيدا،‮ ‬لقد كنت صبورا،‮ ‬صبورا جدا مع مثير هذه الفوضي،‮ ‬ولكن الامر وصل إلي أقصي حده الفاصل‮..‬
تساءلت في نفسني‮: ‬أيتحدث عني أنا أم عن‮ »‬لو«؟
مس لسان لهب لا نهائي ظهري ورقبتي وخدودي،‮ ‬في الوقت الذي أخذت فيه كل أعين طلاب المرحلة المتوسطة تتلفت حتي وجدتني‮.. »‬أكان‮« »‬لو‮« ‬ينظر إلي؟ هل كان يشعر بالحسد؟ هل كانت مجموعة‮ »‬بنات آوي‮« ‬تنظر إلي ؟ ربتت يد من الخلف علي ذعي مرتين تريد تشجيعي‮.. ‬وتكلم المدير باستفاضة عن الله،‮ ‬وعن النظام والقيم الروحانية العليا،‮ ‬وقال ان أبواب الادارة دائما مفتوحة وان الشجعان بحق لابد ان يواجهوا الموقف‮. ‬وكرر قائلا‮:‬
‮- ‬أن يكونوا قادرين علي المواجهة‮ - ‬أضحي الآن مستبدا،،‮ ‬
‮- ‬أي أن يتحدثوا وجها لوجه،‮ ‬أي يتحدثوا معي‮.‬
قلت بسرعة،‮ ‬لا تكن‮ ‬غبياً‮ ! ‬لا تكن‮ ‬غبيا‮!‬
غير ان رجادا كان قد رفع يده،‮ ‬في الوقت الذي خطا فيه خطوة إلي اليسار وخرج عن الصف،‮ ‬ارتسمت علي وجه فيروفينو،‮ ‬ابتسامة لطيفة،‮ ‬ما لبثت ان اختفت‮.. ‬وقال‮:‬
‮- ‬أسمعك يا رجادا‮!‬
‮- ‬وفيما كان رجادا يتكلم كانت كلماته تمده بالشجاعة،‮ ‬حتي انه في لحظة ما بدأ يحرك ذراعيه بصورة مؤثرة،‮ ‬وأكد أننا لسنا سيئين وأننا نحب المدرسة وأساتذتنا،‮ ‬وذكر أن الشباب مندفع،‮ ‬ثم اعتذر باسم الجميع،‮ ‬تلعثم بعد ذلك،‮ ‬بيد أنه واصل الحديث،‮ ‬ثم قال‮:‬
‮- ‬نحن نطلب منك سيدي المدير أن تضع جدول الاختبارات كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮.. ‬ثم صمت‮.. ‬كان مرتاعا‮.‬
قال فيروفينو‮:‬
‮-‬سجل ياجايردو،‮ ‬الطالب رجادا سيحضر للمذاكرة كل أيام الأسبوع القادم ويمكث حتي التاسعة مساء‮- ‬توقف عن الكلام قليلا‮- ‬والسبب سيدون في دفتره،‮ ‬ألا وهو التمرد علي النظام التربوي‮.‬
كسا السواد وجه رجادا وقال‮: ‬سيدي المدير‮...‬
وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮-‬أري أن ذلك عدل،‮ ‬فهو سفيه‮.‬
2
اجتاز شعاع من أشعة الشمس الكوة القذرة وداعب جبهتي وعيني فزعزع سكينتي‮. ‬بيد أن قلبي كان قلقا بعض الشيء،‮ ‬وبين الحين والآخر كنت أحس بغصة‮. ‬ولم يتبق‮ ‬غير نصف الساعة علي موعد الخروج،‮ ‬وقد فتر قليلا نفاد صبر الفتية‮. ‬هل سيستجيبون علي الرغم من كل شيء؟
قال الاستاذ ثامبرانو‮: ‬اجلس يامونتس‮. ‬إنك لحمار‮!‬
أكد خابيير،‮ ‬الذي كان يجلس بجانبي،‮ ‬ذلك بقوله‮: »‬لا أحد يشك في ذلك،‮ ‬فهو حمار‮«.‬
هل وصلت الإشارة لكل الفصول؟ لم أكن أريد أن أشغل رأسي من جديد بافتراضات مشئومة‮. ‬بيد أنني رأيت‮ »‬لو‮« ‬جالسا علي بعد خطوات من حقيبتي،‮ ‬فأحسست بانزعاج وشك،‮ ‬لأنني كنت علي يقين من أن ما يجول بقرارة نفسي لم يكن الحصول علي جدول الاختبارات،‮ ‬ولا ما يتعلق بمسألة الشرف،‮ ‬وإنما هو الانتقام الشخصي‮. ‬فكيف لي أن أضيع هذه الفرصة السعيدة للانقضاض علي العدو وهو في هذه الغفوة؟
مد لي شخص كان يجلس بجانبي يده بورقة وقال‮: »‬خذ هذه من‮ »‬لو‮«.‬
‮»‬قبلت تولي القيادة معك ومع رجادا‮. ‬وقع‮ »‬لو‮« ‬علي الورقة مرتين‮. ‬وبين التوقيعين ظهر رمز كنا جميعا نحترمه‮: ‬حرف ال‮ ‬C‮. ‬بدا الحرف كبقعة حبر لم تحف بعد،‮ ‬وكان مكتوبا بخط كبير داخل دائرة سوداء‮. ‬نظرت إليه‮: ‬كان ذا جبهة وفم ضيقين،‮ ‬لوزي العينين،‮ ‬جلده‮ ‬غائر في خديه،‮ ‬ناتيء قوي الفك‮. ‬كان يرقبني في جدية‮. ‬تري هل كان يعتقد أن الموقف يتطلب منه أن يكون ودودا؟
أرسلت إليه بالاجابة في الورقة نفسها‮: »‬مع خابيير‮«. ‬قرأها بفتور ثم أومأ بالموافقة برأسه‮.‬
‮-‬خابيير‮. ‬قلت‮.‬
أجابني وقال‮: ‬أعلم‮. ‬حسن‮. ‬سنجعله يقضي وقتا سيئا‮.‬
كنت علي وشك أن أسأله‮: »‬المدير أم‮ »‬لو«؟ إلا أن صفارة الخروج ألهتني‮. ‬وعندئذ،‮ ‬اشتد الصياح فوق رءوسنا وامتزج بصوت حمل الحقائب‮. ‬صفر شخص بقوة‮- ‬ربما كان جبانا‮- ‬كمن يريد ان يشد الانتباه اليه‮. ‬قال رجادا وهو في الصف‮:‬
‮-‬هل الكل علي علم؟ إلي شارع البحر‮.‬
صاح أحدهم‮:‬
‮-‬يالك من حاذق‮! ‬فيروفينو نفسه علي علم بذلك‮.‬
خرجنا من الباب الخلفي بعد ربع ساعة من خروج القسم الابتدائي‮. ‬وإن كان البعض قد‮ ‬غادر المدرسة قبل ذلك،‮ ‬ووقف أغلب الطلبة في مجموعات علي قارعة الطريق يتناقشون،‮ ‬يهزرون ويدفع بعضهم بعضا‮. ‬قلت‮:‬
‮-‬لا أريد أن يمكث أحد هنا‮.‬
صاح‮ »‬لو‮« ‬بفخر‮:‬
‮-‬لتأت معي بنات آوي‮!‬
أحاط به عشرون فتي‮. ‬ثم أمرهم‮:‬
‮-‬إلي مالكون،‮ ‬جميعنا إلي هناك‮.‬
شبكنا أذرعنا فكونا خطا وصل بين الرصيفين‮. ‬وكنا نحن طلاب الصف الخامس في آخر المسيرة،‮ ‬ونجبر الطلاب الأقل تحمسا علي الإسراع بالوكز بالكوع‮.‬
حملت نسمة دافئة،‮ ‬عجزت عن تحريك أشجار الخروب الجافة وشعر رءوسنا،‮ ‬الرمال التي كانت تغطي أجزاء من أرض شارع البحر الحارقة،‮ ‬من جهة إلي أخري‮. ‬قد استجابوا لنا‮. ‬امتد أمامنا‮- ‬أنا و»لو‮« ‬وخابيير ورجادا‮- ‬نحن الذين استدبرنا السور والأرض الرملية التي تبدأ عند الضفة المقابلة لمجري النهر،‮ ‬جمع‮ ‬غفير متلاحم بطول المربع السكني‮- ‬وقد بدا الجمع رابط الجأش علي الرغم من سماع صيحات حادة بين الحين والأخر‮.‬
سأل خابيير‮:‬
‮-‬من الذي سيتكلم؟
‮-‬أنا‮. ‬قال‮ »‬لو‮« ‬وكان جاهزا ليقفز الي السور‮.‬
قلت‮: ‬
‮-‬لا‮. ‬تكلم أنت يا خابيير‮.‬
كبح‮ »‬لو‮« ‬زمام نفسه،‮ ‬ثم نظر إلي،‮ ‬بيد أنه لم يغضب‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮-‬سأفعل‮. ‬ثم رفع كتفيه وأضاف‮: ‬حسن‮!‬
تسلق خابيير السور‮. ‬ارتكز باحدي يديه علي شجرة جافة عوجاء،‮ ‬وبالأخري علي رقبتي‮. ‬استطعت،‮ ‬من بين رجليه اللتين كانتا ترتجفان قليلا ثم هدأتا عندما اكتسب صوته قوة ونبرة اقناع،‮ ‬أن ألمح المجري الجاف المتوهج،‮ ‬وفكرت في ذلك الوقت في‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي‮.‬
مجرد ثانية كانت كافية لكي يصل هو إلي مركز الصدارة فقد تولي هو الزعامة الآن‮. ‬اعجبوا به،‮ ‬به هو،‮ ‬هذا الفأر الصفراوي الصغير الذي جاء يتوسل الي،‮ ‬منذ ستة أشهر فقط،‮ ‬لكي أسمح له بالانضمام للجماعة‮. ‬وفي‮ ‬غفوة مني متناهية الصغر،‮ ‬ثم سيلان الدم بغزارة من‮ ‬‮(‬وجه صغير مضحك فتح باب حجرة المدرسين واطل منها‮.. ‬كان‮ ‬
وجهي ورقبتي،‮ ‬وعدم قدرتي علي تحريك يدي ورجلي تحت ضوء القمر،‮ ‬جعلوني‮ ‬غير قادر علي الرد علي لكماته‮. ‬قال لاهثا‮:‬
‮-‬لقد هزمتك‮. ‬أنا الآن الرئيس،‮ ‬كان هذا اتفقنا‮.‬
لم يتزحزح أي خيال من تلك الموجودة علي الرمال الناعمة‮. ‬أما الضفادع والجداجد فهي فقط التي تجاوبت مع‮ »‬لو‮« ‬الذي كان يسبني‮. ‬شرعت أصرخ وأنا ممدد علي الأرض الساخنة‮:‬
‮-‬سأنسحب من الجماعة‮. ‬وسأكون أخري أفضل بكثير‮. ‬وكنت أعلم،‮ ‬كما كان يعلم‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي،‮ ‬القابعون في الظل،‮ ‬أن هذا الكلام ليس صحيحا‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮-‬أنا ايضا سأنسحب‮.‬
ثم ساعدني علي النهوض ورجعنا للمدينة‮. ‬وفي طريق عودتنا عبر الشوارع الخالية،‮ ‬أخذت أنظف نفسي من الدم والدموع بمنديل خابيير‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮-‬تكلم أنت الآن‮.‬
‮-‬حسن‮. ‬قلت له،‮ ‬وصعدت إلي السور‮.‬
لم يكن للحوائط الخلفية ولا لأصدقائي أي ظل‮. ‬وكانت يداي رطبتين،‮ ‬وأرجعت هذا الي التوتر،‮ ‬ولكنه كان القيظ‮. ‬توسطت الشمس السماء،‮ ‬وبدأت تخنقنا‮. ‬لم تصل أعين أصدقائي إلي عيني‮: ‬كانوا ينظرون إلي الأرض وإلي ركبتي‮. ‬لزموا الصمت‮. ‬وكانت الشمس تحميني‮.‬
‮-‬سنطلب من المدير أن يضع جدول الامتحانات،‮ ‬كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮. ‬وستتشكل اللجنة مني ومن رجادا وخابيير و»لو‮«. ‬المرحلة المتوسطة موافقة،‮ ‬أليس كذلك؟
وافقت الأغلبية بهز الرأس،‮ ‬وصاح البعض‮: »‬نعم،‮ ‬نعم‮«.‬
قلت‮: ‬إذن،‮ ‬سنذهب الآن‮. ‬وانتظرونا أنتم في ميدان مرينو‮. ‬شرعنا في المسير‮. ‬كانت بوابة المدرسة الرئيسية موصدة،‮ ‬فقرعنا الباب بشدة وسمعنا من خلفنا هسيسا يتزايد‮. ‬فتح الناظر جايردو الباب وقال‮:‬
‮-‬هل جننتم‮. ‬لا تفعلوا ذلك‮.‬
قاطعه‮ »‬لو‮« ‬وقال‮:‬
‮-‬لا تتدخل أنت،‮ ‬اتعتقد أن ذاك الجلف يخيفنا؟
‮-‬ادخلوا‮ - ‬رد جايردو‮- ‬فسوف نري‮.‬
3
بدأت عيناه الصغيرتان تتفحصنا‮. ‬أراد التظاهر بالهدوء وعدم الاكتراث،‮ ‬إلا أننا أدركنا أن ابتسامته كانت مصطنعة،‮ ‬وأن ما يغوص بداخل هذا الربعة هو خوف وكره‮. ‬كان يقطب ويفرج عن جبينه،‮ ‬يرتجف،‮ ‬ويتدفق العرق بغزارة من بين يديه الصغيرتين السوداوين،‮ ‬قال‮:‬
‮-‬هل تعلمون ماذا يدعي ذلك؟ يدعي تمردا وثورة‮. ‬هل تعتقدون اني سأخضع لنزوات العابثين أمثالكم؟ المشاكسة أسحقها‮...‬
أخذ يرفع ويخفض من صوته،‮ ‬وكنت أراه يحاول كبح زمام نفسه حتي لايصيح‮. ‬فقلت في نفسي‮: »‬لماذا لايثور مرة واحدة؟ جبان‮«.‬
توقف عن الكلام‮. ‬وتطايرت بقعة رمادية حول يديه عندما اتكأ علي زجاج المكتب‮. ‬فجأة دوي صوته،‮ ‬وباتت نبرته وخيمة‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬ومن سيتطرق منكم لموضوع الاختبارات مرة اخري فسوف يعاقب‮.‬
قبل أن نقوم أنا وخابيير بأية إشارة،‮ ‬ظهر لنا‮ »‬لو‮« ‬علي حقيقته‮. »‬لو‮« ‬صاحب الاعتداءات الليلية علي قري تابلادا،‮ ‬وصاحب المعارك ضد الثعالب في الكثبان‮.‬
‮-‬سيدي المدير‮...‬
لم أستدر للنظر إليه،‮ ‬فلابد ان عينيه الزائغتين كانتا تقذفان لهبا وشررا،‮ ‬تماما كما حدث عندما كنا نتعارك في مجري النهر الجاف،‮ ‬أما فمه،‮ ‬فلابد أن يكون مفتوحا يملؤه اللعاب،‮ ‬ومكشرا عن أنيابه الصفراوية‮.‬
‮-‬نحن لا نقبل أن تضرنا جميعا لأنك لاتريد أن تحدد موعدا للامتحانات‮. ‬لماذا تريد أن تحصل علي درجات سيئة؟ لماذا‮....‬؟
اقترب فيروفينو منه حتي لمسه تقريبا بجسده‮. ‬شحب وجه‮ »‬لو‮« ‬وأصابه الهلع،‮ ‬ولكنه أكمل كلامه‮:‬
‮-... ‬لقد تعبنا‮...‬
‮-‬اصمت‮!‬
رفع المدير ذراعيه وهو يعتصر شيئا في قبضته‮. ‬كرر كلامه بحنق وقال‮:‬
‮-‬اصمت ياحيوان‮! ‬كيف تجرؤ‮!‬
كان‮ »‬لو‮« ‬قد سكت،‮ ‬وظل يحملق إلي فيروفينو كما لو كان سينقض فجأة علي رقبته‮. ‬فكرت في نفسي وقلت‮: »‬كلبان‮: ‬متشابهان‮«.‬
‮-‬إذن،‮ ‬علمك هذا‮. ‬وأشار نحوي بإصبعه‮. ‬عضضت علي شفتي‮: ‬فجأة احسست ان خيطا من لعاب ساخن ينساب علي لساني،‮ ‬فهدأ ذلك من روعي‮.‬
صاح من جديد‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬اخرجوا من هنا‮! ‬ستدفعون ثمن هذا‮ ‬غاليا‮.‬
خرجنا‮. ‬وعلي طول المسافة بين الدرج الذي يربط مدرسة سان ميجيل بميدان ميرينو،‮ ‬احتشد جمع‮ ‬غفير لاهثا،‮ ‬دون حراك‮. ‬احتل زملاؤنا الحدائق الصغيرة والنافورة،‮ ‬بيد انهم كانوا حزاني صامتين‮. ‬ومن الغريب ان بين تلك الحشود التي‮ ‬غدت كبقعة فاتحة،‮ ‬ساكنة،‮ ‬كانت تلمح مستطيلات صغيرة بيضاء لم تطأها قدم‮.‬
بدت الرءوس متشابهة،‮ ‬متساوية كالتي تظهر في تشكيل العرض‮. ‬عبرنا الميدان‮. ‬ولم يستجوبنا أحد،‮ ‬انتحوا جانبا فاتحين لنا طريقا وهم يعضون الشفاه‮. ‬إلي أن وصلنا الي الشارع ظلوا في أماكنهم،‮ ‬ثم تبعونا بعد ذلك كمن يتبع اشارة لم يشر بها احد‮. ‬ساروا علي خطانا في‮ ‬غير ايقاع كما يحدث عند الذهاب للفصول‮.‬
رمضت الأرض،‮ ‬بدت كمرآة تذيبها الشمس‮. ‬فكرت‮: »‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟‮. ‬حكوا لي عن ليلة مقفرة،‮ ‬شديدة القيظ في هذا الشارع نفسه،‮ ‬ولكنني لم أصدق‮. ‬فقد قالت الصحف إن الشمس في بعض الأماكن تصيب الناس بالجنون وأحيانا تقتلهم‮. ‬سألت خابيير‮:‬
‮-‬خابيير،‮ ‬هل رأيت يوما أنه يمكن ان يقلي البيض في الطريق؟
هز رأسه مدهوشا،‮ ‬وقال‮:‬
‮-‬لا‮. ‬إنما حكوا لي عنه‮.‬
‮-‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟
‮-‬ربما‮. ‬يمكن ان نقوم بالتجربة الآن‮- ‬الأرض تتوهج وكأنها مجمرة‮.‬
ظهر ألبرتو عند بوابة لارينا‮. ‬كان شعره الأصفر يلمع بروعة‮: ‬بدا من ذهب‮. ‬أشار بيده اليمني في رقة وبرقت عيناه الخضراوان ثم ابتسم‮. ‬أصابه الفضول ليعرف إلي أين يتجه هذا الجمع الغفير ذو الزي الموحد،‮ ‬الصامت في يوم ذي أوار‮.‬
صاح بي‮: ‬هل ستأتي لاحقا؟
‮- ‬لن أستطيع‮. ‬سأراك في المساء‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮- ‬إنه عبيط،‮ ‬سكير‮.‬
رددت قائلا‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬إنه صديقي،‮ ‬فتي طيب‮.‬

4
قلت ل‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬وأنا أحاول أن تكون نبرتي معه لطيفة‮:‬
‮- ‬اتركني أتكلم يا‮ »‬لو‮«.‬
بيد أن أحدا لم يقو علي كبح جماحه‮. ‬كان واقفا علي السور،‮ ‬تحت فروع شجرة الخروب الجافة،‮ ‬حافظا توازنه بشكل مدهش،‮ ‬وجهه وجلده ذكراني بالعظاءة‮. ‬قال بفظاظة‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬سوف أتحدث أنا‮.‬
بإيماءة إلي خابيير اقترب كلانا من‮ »‬لو‮« ‬وأمسكنا برجليه،‮ ‬بيد أنه استطاع التشبث بالشجرة في الوقت المناسب وأفلتت رجله اليمني من بين يدي‮. ‬دفعني بركلة قوية في كتفي بثلاث خبطات من الخلف‮. ‬رأيت خابيير،‮ ‬وهو يمسكه بسرعة من ركبتيه ويرفع وجهه ويرمقه بنظرة من عينين لفحتهما الشمس‮.‬
صرخات‮:‬
‮- ‬لاتضربه‮. ‬تمالك نفسه وهو يرتجف‮. ‬بدأ‮ »‬لو‮« ‬يصيح ويقول‮:‬
‮- ‬أتدرون ما قاله المدير؟ لقد سبنا،‮ ‬عاملنا كبهائم‮. ‬فهو لا يريد أن يحدد مواعيد الاختبارات حتي ينغص علينا حياتنا‮. ‬سيضر كل المدرسة ولايهمه شيء‮. ‬إنه‮...‬
اتخذنا المكان السابق نفسه،‮ ‬وبدأت الصفوف الملتوية في التمايل‮. ‬كان‮ ‬غالبية طلاب المرحلة المتوسطة مازالوا حاضرين‮. ‬وبسبب القيظ وكل ما قاله‮ »‬لو‮« ‬ازداد حنق التلاميذ،‮ ‬وأخذتهم الحمية‮.‬
‮- ‬نحن نعرف أنه يكرهنا‮. ‬لايوجد تفاهم بيننا‮. ‬منذ أن حضر إلي المدرسة وهي لم تعد كما كانت من قبل‮. ‬يسب ويضرب،‮ ‬بل أكثر من ذلك يريد أن يضرنا في الاختبارات‮.‬
قاطعه صوت حاد‮ ‬غير معروف وسأل‮:‬
‮- ‬ضرب من؟
‮- ‬ارتاب‮ »‬لو‮« ‬للحظة،‮ ‬ثم انفجر صائحا مرة أخري وقال بتحد‮:‬
‮- ‬ضرب من؟ أريبالوا تعال هنا ليري الجميع ظهرك‮.‬
خرج أربيالو من وسط الجموع التي بدأت تهمهم‮. ‬كان من فريق بنات آوي،‮ ‬كان شاحبا‮. ‬عندما وصل إلي المكان الذي يقف فيه‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬كشف عن صدره وظهره‮. ‬وظهر علي ضلوعه علامة عريضة حمراء‮.‬
‮- ‬هذا هو فيروفينو‮!‬
قال‮ »‬لو‮« ‬ذلك،‮ ‬بينما كانت يده تشير إلي العلامة،‮ ‬وعيناه تتفحصان الوجوه القريبة الباهتة،‮ ‬في صخب أخذت هذه الأمواج المتلاطمة من البشر في الاقتراب منا،‮ ‬كانوا جميعا يسعون للاقتراب من أربيالو‮. ‬لم يستمع أحد ل‮ »‬لو‮« ‬ولا لخابيير ولا لرجادا الذين كانوا يطالبونهم بالهدوء،‮ ‬ولا لي وأنا أصرخ بهم‮: »‬لاتصدقوه‮! ‬هذا كذب‮«.‬
جرفني هذا المد البشري بعيدا عن السور وعن‮ »‬لو‮« ‬كنت أختنق ولكني استطعت أن أجد لنفسي مخرجا من بين هذه الجلبة‮. ‬حللت رباط عنقي وتنفست ببطء من فمي ورفعت يدي إلي أعلي،‮ ‬إلي أن أحسست أن قلبي بدأ يسترجع إيقاعه‮. ‬كان رجادا يقف بجانبي وسألني بنبرة حانقة‮:‬
‮- ‬متي حدث هذا لأربيالو؟
‮- ‬لم يحدث قط‮.‬
‮- ‬ماذا؟
حتي هو رابط الجأش دائما،‮ ‬قد تأثر بذلك‮. ‬ارتجفت خنابتا أنفه وقبض علي يده‮. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لاشيء‮.. ‬لا أعلم متي حدث ذلك‮.‬
انتظر‮ »‬لو‮« ‬حتي هدأ قليلا هذا الهياج،‮ ‬ثم رفع صوته فوق أصوات الاحتجاجات المتناثرة وسأل وهو يصرخ ويهدد الطلاب بقبضة يده‮:‬
‮- ‬هل سيغلبنا فيروفينو؟ أسيغلبنا؟ أجيبوا‮!‬
اندفع صوت أكثر من خمسمائة طالب قائلين‮: ‬لا‮! ‬لا،‮ ‬لا‮!‬
ارتجف‮ »‬لو‮« ‬للمجهود الذي فرضه عليه صراخه وتمايل علي السور منتصرا‮.‬
‮- ‬إذ لايدخل أحد إلي المدرسة حتي يظهر جدول الاختبارات‮. ‬هذا عدل ومن حقنا،‮ ‬وسنمنع كذلك طلاب الابتدائي من الدخول‮.‬
ذاب صوته الأجش بين الصيحات‮. ‬ولم أر أمامي بين هذا الجمع الغفير،‮ ‬مرفوعي الأذرع الملوحين بمئات البيريهات في الهواء،‮ ‬طالبا واحدا كان‮ ‬غير مبال أو‮ ‬غير مكترث‮.‬
‮- ‬ماذا سنفعل؟
أراد خابيير أن يتظاهر بالهدوء،‮ ‬غير أن حدقتي عينيه كانتا تلمعان‮.‬
قلت‮:‬
‮- ‬حسن‮. »‬لو‮« ‬معه حق،‮ ‬فلنساعده‮.‬
جريت ناحية السور وتسلقته وقلت‮:‬
‮- ‬نبهوا علي طلاب الابتدائي أنه لن تكون هناك حصص هذا المساء‮. ‬يمكنكم أن تذهبوا الآن وليبق طلاب الفصل الرابع والخامس ليحيطوا بالمدرسة‮.‬
وأنهي‮ »‬لو‮« ‬كلامه مبتسما وقال‮:‬
‮- ‬وليبق كذلك بنات آوي‮.‬
5
قال خابيير‮:‬
‮- ‬أنا جائع‮.‬
كان القيظ قد هدأ‮. ‬وبينما نحن جالسون،‮ ‬علي المقعد الوحيد الصالح للجلوس في ميدان مرينو،‮ ‬سقطت علينا أشعة الشمس التي تسربت بيسر من بين بعض السحب الشفيفة التي ظهرت في السماء،‮ ‬غير أن العرق لم يعرف طريقه إلينا‮. ‬فرك ليون يديه وابتسم،‮ ‬كان متوترا‮.‬
قال أمايا‮:‬
‮- ‬لا ترتعد‮. ‬إنك أكبر من أن تخاف من فيروفينو‮.‬
‮- ‬حذار‮! ‬حذار يا أمايا‮! ‬قال ليون وقد احمر وجهه الذي بدأ ينبت به شعر ذقنه،‮ ‬والذي كان يشبه وجه القردة‮.‬
قال رجادا بهدوء‮:‬
‮- ‬لاتتعاركا‮. ‬لايوجد من هو خائف،‮ ‬لأن من يخاف ليس إلا أحمق‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮- ‬أقترح أن نلف من الخلف‮.‬
طفنا حول المدرسة ونحن نسير في قلب الشارع‮. ‬كانت النوافذ العليا مواربة،‮ ‬لم نلحظ أحدا من خلفها،‮ ‬ولم نسمع كذلك أي صوت‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮- ‬إنهم يتناولون الآن طعام الغداء‮.‬
‮- ‬نعم،‮ ‬بالطبع‮.‬
علي الرصيف المقابل ظهر باب ساليسيانو الرئيسي‮.‬
ووقف المقيمون به علي السطح يراقبوننا،‮ ‬ومما لاشك فيه أنهم كانوا علي علم بما يحدث‮. ‬قال شخص باستهزاء‮:‬
‮- ‬يالهم من فتية شجعان‮!‬
سبهم خابيير‮. ‬أما الرد علينا فكان وابلا من التهديدات والبصاق الذي لم يصبنا‮. ‬ثم سمعنا بعض الضحكات فهمس خابيير‮: »‬إنهم يستشيطون‮ ‬غيظا‮«.‬
رأينا‮ »‬لو‮« ‬عند الناصية،‮ ‬يجلس وحيدا علي الرصيف،‮ ‬ينظر شاردا‮

جزء قصة الرؤساء التي صدرت عن المشروع القومي للترجمة

منقول من موقع جريدة أخبار الأدب‬

مجتزأ من أحدث روايات ماريو بارجاس يوسا ... ( حلم السلتيكي )


10/10/2010 12:38:11 م
...
الكونغو
عندما فتحوا باب الزنزانة،‮ ‬دخلت ومضات ضوء‮ ‬وضربة هواء وضوضاء الشارع التي كانت تحجبها الأسوار الحجرية،‮ ‬فاستيقظ روجير مرعوباً‮. ‬رمش بعينيه مرتبكاً،‮ ‬وانتبه وهو يحاول الجلوس إلي طيف الشريف،‮ ‬المعكوس علي الباب‮. ‬نظر إليه بوجهه الناعم وشاربه الأبيض وعينيه التي تتحدث بسوء،‮ ‬وبسماجة لم يحاول أبداً‮ ‬مداراتها‮. ‬هذا الرجل سيعاني ألماً‮ ‬إذا منحته الحكومة الإنجليزية طلب العفو‮. ‬
‮- ‬زيارة‮- ‬همس الشريف،‮ ‬دون أن يرفع عنه عينيه‮. ‬
نهض،‮ ‬نفّض ذراعيه‮. ‬كم من الوقت نام؟ كانت إحدي مزايا سجن بينتوفيل أنه لا يُعرَف الوقت‮. ‬في سجن بريكستون وفي برج لندن كان يُسمع صوت الأجراس التي تدق كل نصف ساعة،‮ ‬هنا،‮ ‬الحوائط السميكة لا تسمح بمرور صوت أجراس كنائس كاليدونيان رود ولا ضجيج سوق ايزلينتون كما أن حراس الأبواب ينفذون الأوامر بصرامة فلا يوجّهون له كلمة‮. ‬وضع الشريف الكلابشات في يديه وأشار إليه بالخروج أمامه‮. ‬هل جاءه محاميه بخبر سعيد؟ هل اجتمعت اللجنة وتوصلت لقرار؟ كانت نظرات الشريف،‮ ‬المحمّلة أكثر من أي وقت مضي بالنقمة التي تسكنه،‮ ‬توحي بأنهم خففوا العقوبة‮. ‬سار في الممر الطويل ذي الأحجار الحمراء المغطاة بالقذارة،‮ ‬أبواب زنازين معدنية وجدران مقشرة الطلاء‮  ‬فيها نافذة عالية كل عشرين أو خمسة وعشرين خطوة وبها فتحة يمكن من خلالها رؤية جزء من السماء الرمادية‮. ‬لماذا كان يشعر بالبرد الشديد؟ كان شهر يوليو،‮ ‬قلب الصيف،‮ ‬ولم يكن هناك سبب لهذا البرد الذي يجعل جلده مقنفداً‮.‬
عند دخوله لقاعة الزيارات الضيقة،‮ ‬تصبب عرقاً‮. ‬من كان ينتظره لم يكن محاميه جورج كافان ديفي،‮ ‬وإنما أحد مساعديه،‮ ‬شاب أشقر وهزيل،‮ ‬بوجنتين بارزتين،‮ ‬يرتدي ثوباً‮ ‬أنيقاً،‮ ‬كان قد شاهده خلال أربعة أيام المحاكمة يحضر أوراقاً‮ ‬لمحاميي الدفاع‮. ‬لماذا يرسل ديفي أحد مساعديه ولم يأت بنفسه؟
‮ ‬نظر إليه الشاب نظرة باردة‮. ‬بين حدقتيه كان يقفز الغضب والاشمئزاز‮. ‬ماذا حدث لهذا المعتوه؟‮ "‬ينظر لي كما لو كنت حيواناً‮" ‬فكّر روجير‮.‬
هل من جديد؟
نفي الشاب بهزة من رأسه،‮ ‬وأخذ نَفَسَه قبل أن يتكلم‮. ‬
‮- ‬عن طلب العفو لا جديد إلي الآن‮- ‬همهم،‮ ‬بجفاء،‮ ‬مؤدياً‮ ‬إيماءة جعلته أكثر تفككاً‮- ‬يجب أن ننتظر حتي يجتمع مجلس الوزراء‮.‬
كان وجود الشريف والحارس الآخر في القاعة الصغيرة يضايق روجير‮. ‬فرغم أنهما بقيا صامتين وساكنين،‮ ‬كان يعلم أنهما ينصتان لكل ما يُقال‮. ‬وكانت هذه الفكرة تطبق علي صدره فتجعله يتنفس بصعوبة‮. ‬
‮- ‬لكن لو وضعنا في اعتبارنا الأحداث الأخيرة فكل شيء صار أصعب‮- ‬أضاف الشاب الأشقر وهو يرمش بعينيه للمرة الأولي وفاتحاً‮ ‬ومغلقاً‮ ‬فمه بشكل مبالغ‮ ‬فيه‮.  ‬
‮- ‬الأخبار لا تصل إلي سجن بينتونفيل،‮ ‬ماذا حدث بريطانيا العظمي من سواحل آيرلندا؟ وهل الغزو الذين يحلمون به حدث؟ وهل مدافع كايسير تنتقم حالياً‮ ‬من المواطنين الآيرلنديين الذين رفّعهم الإنجليز عند الاحتفال بأسبوع الآلام؟ فلو اتخذت الحرب هذا الطريق،‮ ‬ستتحقق خططها رغم كل شيء‮.‬
‮- ‬كل شيء أصبح صعباً،‮ ‬وتحقيق النصر شبه مستحيل‮- ‬كرر المساعد‮. ‬كان شاحباً‮ ‬ويكبح استفزازه،‮ ‬وكان روجير يستشف جمجمته تحت جلد وجهه الأبيض‮. ‬وكان يشعر أن الشريف يبتسم من وراء ظهره‮. ‬
‮  ‬ماذا تقول؟
‮ ‬السيد جابان ديفي كان متفائلاً‮ ‬جداً‮ ‬بالعفو‮. ‬ماذا حدث كي يغير رأيه؟
‮-‬يومياتك‮ ‬‭_‬‮ ‬قال الشاب بإيماءة ضيق‮. ‬خفض صوته حتي أن روجير كان يسمعه بالكاد‮- ‬اكتشفها سكوتلاند يارد في بيتك بإبيري ستريت‮.‬
صمت صمتاً‮ ‬طويلاً،‮ ‬منتظراً‮ ‬أن يقول روجير شيئاً‮. ‬لكن بما أن الأخير أصابه الخرس،‮ ‬أطلق الزمام لضيقه وعوج فمه‮.‬
‮- ‬كيف كنت رجلاً‮ ‬غير رصين،‮ ‬يا ابن الرب‮- ‬كان يتحدث ببطء يعكس‮ ‬غضبه‮- ‬كيف كتبت بقلم وورقك مثل هذه الأشياء،‮ ‬يا ابن الرب‮. ‬وإن كنت فعلت ذلك،‮ ‬كيف لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتمزيق هذه الأوراق قبل أن تتآمر ضد الامبراطوية البريطانية‮.‬
‮" ‬إنها سبة أن يناديني هذا المعتوه بكلمة ابن الرب‮"‬،‮ ‬فكر روجير‮. ‬كان‮ ‬غير مؤدب،‮ ‬لأن عمره ضعف عمر هذا الولد علي الأقل‮.‬
‮- ‬أجزاء من هذه اليوميات تلف الآن في كل مكان بالإمبراطورية،‮ ‬قال المساعد بشكل أكثر هدوءً،‮ ‬رغم أنه متضايق علي الدوام،‮ ‬ودون أن ينظر إليه‮. ‬سلّم متحدث الوزير،‮ ‬قبطان سفينة ريجينالد هول شخصياً،‮ ‬نسخاً‮ ‬لعشرات من الصحفيين‮. ‬يومياتك في كل أنحاء بريطانيا،‮ ‬في الأندية الليبرالية والمحافظة،‮ ‬في قاعات الدرس،‮ ‬في صالات التحرير والكنائس‮. ‬في المدينة لا يتحدثون عن شيء آخر سواك‮.‬
ريجير لم يتفوه بكلمة‮. ‬لم يتحرك‮. ‬كان يشعر،‮ ‬من جديد،‮ ‬بهذا الإحساس الغريب الذي استحوذ عليه في مرات كثيرة في الأشهر الماضية،‮ ‬منذ هذا الصباح الأسود والماطر من أبريل سنة‮ ‬1916،‮ ‬والذي فيه كان منكمشاً‮ ‬من البرد،‮ ‬سحبوه من بين أطلال مي كانا فورت،‮ ‬بجنوب آيرلندا‮: ‬لم يكن هو،‮ ‬لابد أنه كان آخر من يحدثونه هكذا،‮ ‬من تحدث له هذه الأشياء‮.‬
‮- ‬أعلم أن حياتك الشخصية ليست من شأني،‮ ‬ولا من شأن السيد ديفي ولا أي أحد آخر‮- ‬أضاف الشاب المساعد،‮ ‬مجتهداً‮ ‬أن يخفض‮ ‬غضبه المعكوس في صوته‮- ‬لكنني أتحدث عن شيء مهني بالدرجة الأولي‮. ‬السيد جابان ديفي أراد ان يطلعك علي ما يحدث‮. ‬ويحذرك‮. ‬ربما يتم رفض طلب العفو‮. ‬هذا الصباح،‮ ‬كانت هناك اعتراضات في بعض الجرائد،‮ ‬خيانات،‮ ‬شائعات حول ما تحويه يومياتك‮. ‬حتي الرأي العام الذي كان يؤيّدك تأثّر بكل هذا‮. ‬هذا افتراض صرف‮. ‬أتريد أن أنقل له أي رسالة؟

‮  ‬مجتزأ من أحدث روايات يوسا التي صدرت هذا الشهر في إسبانيا عن دار‮ " ‬ألفاجوارا‮"‬


منقول من موقع جريدة أخبار الأدب

نوبل فى الاقتصاد لأمريكيين وبريطانى

الإثنين، 11 أكتوبر 2010 - 14:22
جائزة نوبل – صورة ارشيفية  
جائزة نوبل – صورة ارشيفية
كتب أحمد يعقوب
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
أعلنت الأكاديمية السويدية للعلوم منذ قليل على موقعها الإلكترونى، عن منح جائزة نوبل فى العلوم الاقتصادية لعام 2010، للاقتصادى الأمريكى، بيتر دايموند، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالولايات المتحدة الأمريكية، وديل مورتنسن، الأستاذ بجامعة نورث ويسترن، والاقتصادى البريطانى، كروستفر بيساريدز، الأستاذ بجامعة لندن للاقتصاد، تقديرا لإسهاماتهم المتميزة فى وضع إطار نظرى متكامل فى مجال دراسات وأبحاث الأسواق، وتطبيقاتها فى سوق العمل، ومدى تأثر معدلات البطالة وفرص العمل والأجور بالأطر التنظيمية والسياسة الاقتصادية.

يذكر أنه تم منح جائزة نوبل فى العلوم الاقتصادية لأول مرة فى عام 1968 فى الذكرى الــ300 لتأسيس بنك السويد المركزى، وتمول قيمة الجائزة من هذا البنك، والاسم الرسمى هو "جائزة سفيرجيز ريكسبانك" فى العلوم الاقتصادية.

السبت، 9 أكتوبر 2010

أين أدب حرب أكتوبر العربي؟

أربعة وثلاثون عاماً مرت على حرب أكتوبر المجيدة .. والسؤال يتكرر كل عام : لماذا لم تعرف المكتبة العربية عملاً إبداعياً يتناسب وضخامة هذه الحرب التى أعادت إلى المواطن العربى كرامته وقضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وغيرت الكثير من المفاهيم العسكرية التى كانت سائدة وقتها.
  محيط - سميرة سليمان
النقاد رددوا أن هناك ندرة في الإبداع الروائي وعلاقته بحرب أكتوبر، وأن ما انتج من أعمال لا يرقى إلي مستوى الفن الحقيقي ...

...  وعند ذلك تقام مقارنة ظالمة بين هذه الأعمال والأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية كـ " الحرب والسلام " لتولستوي و " وداعاً للسلاح " لهمنجواي و" والدون الهادئ " لشولوخوف و" الأمل " لمارلو و" أفول القمر " لشتاينبك وغيرها .
رواية الحرب المفقودة
يقول د . محمد عبد الحليم غنيم أن بعض الأعمال علي مستوى الحدث الكبير غير أن ثمة ملابسات وأسباب كانت وراء عدم استغلال الحرب الاستغلال الذي تستحقه في الأعمال الروائية منها: أن كبار الكتاب كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس لم يكتبوا عن هذه الحرب سوى ردود أفعال وقتية ظهرت في صورة مقالات قصيرة، وبهذه المناسبة كان توفيق الحكيم صاحب مصطلح "عبرنا الهزيمة"، ومن ضمن الأسباب تدخل المؤسسة الرسمية بدعمها لهذه الأعمال عبر تقديم جوائز ونشر هذه العمال في سلسلة " أدب الحرب "، إن تدخل المؤسسة الرسمية أو الحكومية جعل الكتابة عن أكتوبر كتابة مناسبات، أيضا اللغط الذي أثير حول حرب أكتوبر نفسها، وقد كثُر هذا اللغط بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، فقيل أن الحرب أجهضت وأن النصر منقوص.
هناك أعمال جيدة ومعبرة عن الحرب مثل " الرفاعي " لجمال الغيطاني ، و" الحرب في بر مصر " ليوسف





القعيد و" نوبة رجوع " لمحمود الورداني و " أنشودة الأيام الآتية " لمحمد عبد الله الهادي و"السمان يهاجر شرقاً " للسيد نجم.
ومن الكتاب العرب " المرصد " لحنا مينا و" رفقة السلاح والقدر " لمبارك ربيع وغيرها ، لكن مازلنا نفتقر إلي ملحمة مثل "الحرب والسلام" لتولستوي.
أما الأديب يوسف القعيد صاحب العديد من الأعمال التى تناولت حرب أكتوبر منها "الحرب فى بر مصر" و"فى الإسبوع سبعة أيام" و"تجفيف الدموع" و"حكايات الزمن الجريح" و"أطلال النهار" يحلل هذه الظاهرة قائلا: لكى يكون هناك عمل كبير عن حرب أكتوبر، لابد أن يكون الكاتب عايش الحدث، لأن الحرب والسجن لابد للكتابة عنهما أن يكون الكاتب قد مر بهذه التجربة، فالحرب لاتحدث كل يوم، ومفرداتها الاجتماعية تدور فى ميادين المعركة بعيدا.. حتى من قرأ عن الحرب، لم يكتب أدبا جيدا.. لأنه لابد أن يكتب عن تجربة الحرب مقاتل دخل الحرب..

وأنا أثناء أكتوبر كنت مجندا فى مستشفي، لهذا لم أكتب عن المعركة ذاتها، لكن عما حدث من تداعيات فى نفوس الجنود، والناس عامة، فكتبت عن الجنود باعتبارهم بشرا عاديين، فى وقت كان الإعلام المصري، يتعامل معهم على أنهم أبطال.

أما الأديب إبراهيم أصلان فيري أن الظروف التى عاشتها المنطقة بعد أكتوبر كامب ديفيد والسلام والانفتاح، سلبت كثيرا من تأثير الحرب العظيمة، وحولتها لظرف عارض، لم يتحول لقيمة دائمة، وحدت من قدرة المبدعين على عبور مشاعر الخذلان العام التى حدثت بعد النكسة.
أما الناقد د.صلاح فضل فيقول فرأى أن الحرب لم تنته بعد وأكتوبر فصلا من عدد من المعارك بدأت عام 1948 ووصلت لقمة مأساتها في 1967 وتعدلت أوضاعها في 1973 ولكن الصلف الإسرائيلي المتعنت مازال يجسم على الأرض العربية، فى فلسطين والجولان ومازال يرفض الاعتراف بحقوق العرب المشروعة.
أسماء كثيرة قدمت قصصا هامة وروايات ، نذكر من بينها: جمال الغيطاني، محمود الورداني، فتحي إمبابي، شحاتة عزيز جرجس، معصوم مرزوق ( شجر الصبار)، سمير الفيل( رجال وشظايا)، محمد النحاس ( الخريف الدامي)، السيد الجندي ( سبع جبات من الرمال)، السيد عبد العزيز نجم
( يوميات مقاتل قديم)، بهي الدين عوض (سنوات الحب والموت)، محمد السيد سالم( يوميات على جدار الصمت)، فوزي البارودي (عندما تشتعل النجوم)، وقاسم مسعد عليوة ( حدود الاستطاعة).
وهناك أيضا: محمود المنسي، إبراهيم العشري، عصام راسم فهمي ، سمير رمزي المنزلاوي، عبد الحميد بسيوني عبد الحميد، مجيد سكرانة، أحمد ربيع الأسواني، سعد الدين حسن، مأمون الحجاجي ، حسن علبة، وأسماء أخرى كثيرة .
فيجب الإشارة أن الأدب السردي الذي تعامل مع الحدث موجود، لكنه إما مخبوء تماما، وإما مسكوت عنه، كما أوضح القاص سمير الفيل.

أجرت الباحثة وداد عبد الفتاح خليفة بجامعة الأزهر دراسة تحت عنوان "أثر حرب أكتوبر علي الاتجاه التعبيري في أدب اهارون ميجيد وجمال الغيطاني"، ونالت عنها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولي.
قامت من خلالها - كما أشارت مني نور - برصد تأثيرات هذه الحرب علي الساحتين الأدبيتين الإسرائيلية والعربية من خلال بعض أعمال كل من اهارون ميجيد وجمال الغيطاني ، الذين يعتبر كل منهما نموذجا لأبناء جيله من الأدباء الذين عايشوا وتأثروا وعبروا عن أدبهم عن تلك الحرب.
وقد اختارت الباحثة لكل من الأديبين محل الدراسة روايتين إحداهما كتبت علي خلفية حرب 1967 والأخري كتبت علي خلفية حرب اكتوبر 1973،

وتوصلت إلى أن الغيطاني امتاز عن ميجيد بغلبة الموهبة، كما أوضحت أن الأدب العبري قبل حرب أكتوبر قد


الروائي المصري جمال الغيطاني

لعب دورا هاما وأساسيا في نشأة دولة إسرائيل، حيث استخدمته الصهيونية السياسية علي أوسع نطاق في خدمة حملاتها الدعوية وخدمة حملاتها السياسية والعسكرية .
أما الأدب العربي فان موقفه لم يكن علي المستوي المطلوب كما وكيفا تجاه الخطر الصهيوني، ولم يكن يزيد علي كونه موقفا عاطفيا يتسم بسب اليهود واستثارة العرب وتذكيرهم بأمجادهم الماضية أو بالبكاء والنحيب.
لا يوجد "أدب حرب" فى الإبداع العربى .. هكذا يقرر الروائى خيرى شلبى الذى يستثنى فقط السير الشعبية، فإبداعنا الحديث والمعاصر لم يعرف أدب الحرب رغم أننا خضنا ضد إسرائيل عدة حروب كبيرة فى 48 ، 56، 67، 1973، وقبل ذلك كانت مصر تحت الاحتلال الفرنسى ثم الإنجليزى .. لكن كل ذلك لم يطرح ما يمكن اعتباره أدب حرب.

يقول قاسم مسعد عليوه الأدباء لم يخونوا حرب أكتوبر .. هذا كلام غير صحيح بالمرة، يمكن القول بأن الحماس قد فتر، أما الاتهام بالخيانة فهو اتهام باطل من أساسه، وهناك أسماء كتيبة من الذين عايشوا هذا الحرب وتحمموا بنيرانها وقدموا إبداعات.. لينظر النقاد إلى إبداعاتهم وليقولوا فيها رأيهم بدلاً من سباتهم الدائم ويقظاتهم الموسمية، فليعرضوا على الساحة الأدبية آراءهم فيما أبدعه كل من : جمال الغيطانى، فؤاد حجازى، يوسف القعيد، محمد الراوى، إبراهيم عبد المجيد، رجب سعد السيد، محمود الوردانى، محمد عبد الله عيسى، محمد المنسى قنديل، أحمد ماضى، عصام دراز، أحمد عنتر مصطفى،حسن النجار، صبرى أبو علم، عبد العزيز موافى، نصار عبد الله، أحمد عجمى، وأحمد الحوتى، وبهاء السيد، وكاتب هذه السطور.
وقد انضم إلى هذه الكتيبة نفر غير قليل ممن تأثروا بهذه الحرب ومنجزاتها. منهم: سعيد سالم، أحمد ربيع الأسوانى، سمير الفيل، شوقى عبد الحميد، نجلاء علام .. وغيرهم كثير.. ومع هذا فإن الحماس بعد ثلاثين عاما قد فتر ولا أنكر.
شعر الحرب
الشاعر محمود نسيم يفرق أولاً بين الصراع مع إسرائيل، والحرب مع إسرائيل، ففى إطار الصراع هناك شعر كثير، بالعكس هناك شاعر كامل مثل محمود درويش ظهر وتكون ونما فى ظل هذا الصراع وكتب تجربته الرئيسية فى إطاره، وهناك أيضاً سعد الله ونوس فى المسرح.
على مستوى الحرب، هناك نمو شعرى حدث فى إطار تجربة الحرب، أمل دنقل مثلاً تجربته الشعرية تمت أساساً فى هذه المرحلة - مرحلة الحروب مع إسرائيل - وظنى أنه كان شاعراً محرضاً على الحرب، لكن عندما جاءت الحرب، لم يكن هناك شعر .. وهذه مفارقة كبيرة.
يقول أمل دنقل برائعته  "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" عن نكسة 67
يقول
" عيد بأي حال عدت يا عيد؟
بما مضى؟ أم لأرض فيك تهويد؟
ونامت نواطير مصر عن عساكرها
وحاربت بدلا منها الأناشيد!
ناديت: يا نيل هل تجري المياه دما
لكي تفيض، ويصحو الأهل أن نودوا ؟
عيد بأي حال عدت يا عيد؟
( حزيران 1968)

أما صلاح عبد الصبور فكتب مخاطبا أول جندي يرفع العلم المصري في سيناء
شعر: صلاح عبدالصبور
تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء،






وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك،
لكي يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مقتحما
ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي .
ولم ألمح سوي بسمتك الزهراء والعينين
ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما
ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك ؟
وأنت في لحظتك العظمي
تحولت إلي معني، كمعني الحب، معني الخير، معني النور، معني القدرة الأسمي.
تراك،
وأنت في ساح الخلود، وبين ظل الله والأملاك
تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا
تراك، وأنت أقرب ما تكون
إلي مدار الشمس والأفلاك
تراك ذكرتني،
وذكرت أمثالي من الفانين والبسطاء
وكان عذابهم هو حب هذا العلم الهائم في الأنواء
وخوف أن يمر العمر، لم يرجع إلي وكره
وها هو عاد يخفق في مدي الأجواء.
فهل، باسمي وباسمهمو لثمت النسج محتشدا
وهل باسمي وباسمهمو مددت إلي الخيوط يدا
وهل باسمي وباسمهمو ارتعشت بهزة الفرح
وأنت تراه يعلو الأفق متئدا
وهل باسمي وباسمهمو همست بسورة الفتح
وأجنحة الملائك حوله لم تحصها عددا
وأنت ترده للشمس خدنا باقيا .. أبدا
هنيهات من التحديق،
حالت صورة الأشياء في العينين
وأضحي ظلك المرسوم منبهما
رأيتك جذع جميز علي ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك حائطا من جانب القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت علي قدمين
لترفع في المدي علما
يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مبتسما.
(9 أكتوبر 1973)
وحين قامت حرب أكتوبر 73.. كتب أحمد فؤاد نجم عدداً من القصائد التي تمجد النصر وتحيي أبناء الفلاحين الذين انتزعوه.. حيث كتب: ضليلة فوق رأس الشهيد، منشور علني رقم واحد، دولامين، عطشان يا صبايا.

ويقول في ضليلة فوق رأس الشهيد"
خبر بالنكته لوجيا
و الحداقه و التكنولوجيا
و التاريخ
هجم الزناتي ع الخواجه
و لبسه العمه بصاروخ
"جود" عليوة
"باد"مائير
كل عام فانتوم بخير
(وكالات الأخبار و الصحفيين 6 اكتوبر 1973

مؤلفات عن حرب أكتوبر
مائة كتاب عن حرب أكتوبر تأليف ماهر الكيالي وماجد نعمة، "حرب أكتوبر" تأليف الشاذلي سعد الدين،
"الشرارة: قصة حرب أكتوبر 1973 " ترجمة، تحقيق: أنطوان بطرس، "ستة أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" تأليف جمال حمدان.
"حرب رمضان الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة" حسن البدرى ، طه المجدوب والعميد ضياء الدين زهدى، "حرب أكتوبر في محكمة التاريخ" عبد العظيم رمضان، "وثائق حرب أكتوبر" بقلم موسي صبري .
"حرب أكتوبر عام 1973 دراسة ودروس" محمد فوزي، "مذكرات الجمسي حرب أكتوبر 1973" مشير محمد عبد الغنى الجمسى، "حرب أكتوبر والمفاجأة الاستراتيجية" تأليف عبد القادر ياسين.

عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993صدر كتاب "أكتوبر 1973، السلاح والسياسة" للكاتب محمد حسنين هيكل في 883 صفحة، والكتاب هو الجزء الرابع من مجموعة حرب الثلاثين سنة، أيضا "عند مفترق الطرق حرب أكتوبر.. ماذا حدث فيها.. وماذا حدث بعدها!" محمد حسنين هيكل.
"العمليات الحربية على الجبهة المصرية" تأليف جمال حماد، و"لا حرب في أكتوبر ولا سلام" أنيس منصور
"البيت والدخان" قصص ومذكرات عن حرب 6 أكتوبر التحريرية 1973 تأليف القاص السوري يحيى خضور، وتنتمي هذه القصص إلى أدب الملحمة يكتبها يحيى خضوري ويهديها إلى رفاقه في السلاح، جنود الجيش العربي البواسل الذين شاركوه في حرب 6 أكتوبر 1973.

كامب ديفيد هل محت نشوة أكتوبر؟

يقول الكاتب أسامة انور عكاشة كما نقلت عنه جريدة "العربي الناصري" في وقت سابق أن تراجع دور مصر في المنطقة العربية بدأ منذ قام الرئيس السادات بزيارته المشئومة إلى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد،


أسامة أنور عكاشة

لأن السادات حقق كل ما تحلم به إسرائيل وفقدت مصر كل الأوراق وأصبحت رهينة لا تقوى على الحركة أو اتخاذ القرار بعد الموافقة على كل ما يريده الأمريكان والصهاينة.
و أن الهدف ، والكلام لأسامة أنور عكاشة ، عزل مصر عن دائرتها العربية ليختل الميزان ويعبثوا كيفما شاءوا فى المنطقة، فأصبح ظهر العرب للحيط وحسم الصراع لحساب العدو الإسرائيلى إلى الآن على الأقل ويدلل عكاشة على ما ذكره سابقا بالمجازر التى ترتكب فى فلسطين كل يوم.

أيضا الكاتب الصحفى عبدالعال الباقورى يتفق مع ما طرحه عكاشة فى أن التراجع بدأ بزيارة القدس، ويتعجب الباقورى من الذين يذكرون أن التراجع بدأ مع يونيو 67 ويضيف: بعد 1973 مباشرة بدأ الحديث عن الحقبة السعودية وسعت أمريكا للقضاء على دور مصر فى المنطقة.

أما عبد الرحمن الأبنودي فيقول: حين جاء السادات وصنع بالناس نصر أكتوبر أحس أهالى مصر أنهم لم يجنوا شيئاً من هذا النصر إذ أدخل أكتوبر فى المساومة مع الأعداء، ودماء الشهداء لم تكن قد جفت بعد على  رمال سيناء.


منقول من موقع لهن بيت المرأة العربية

ماركيز ليوسا بعد الفوز بنوبل: "أصبحنا الآن متساوين"

السبت، 9 أكتوبر 2010 - 18:08
الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز" 
الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز"
كتبت فاطمة خليل
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
بعث الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز" برسالة قصيرة لصديقه القديم ومنافسه اللدود "ماريو بارجاس يوسا" بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب لهذا العام.

وبحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية كتب ماركيز، الذى فاز بجائزة نوبل عام 1982، أمس باللغة الأسبانية على الموقع الإجتماعى الشهير "تويتر" عبارة قصيرة ليوسا وهى: "لقد أصبحنا الآن متساوين".

وحول العلاقة بين الكاتبين ماريو بارجاس يوسا وجارثيا ماركيز، فقد صارا صديقين بعد لقائها للمرة الأولى عام 1967، حيث كانت هناك كيمياء بينهما منذ البداية، وكانت بينهما الكثير من الأمور المشتركة، وظل مسار حياتهما الشخصية ومشوارهما الأدبى يسيران فى خطين متوازيين لفترة زمنية طويلة إلى أن وقعت حادثة اللكمة الشهيرة.
هذه الواقعة الشهيرة التى فرقت بين ماركيز ويوسا والتى قام فيها الأخير بتوجيه لكمة قوية لماركيز طرحته أرضا وتركت كدمة واضحة فى عينه دون إبداء أسباب لهذا الشجار الذى سبب قطيعة بينهما.
يذكر أن ماركيز ويوسا قد تربيا على يد جديهما، ودرسا فى مدرسة دينية، وعشقا الأدب منذ الصغر، ونشرا قصتهما الأولى فى السن ذاته، وعملا كصحفيين فى بداية حياتهما فى ظل ظروف صعبة قاسية، وسافرا إلى أوروبا فى عمر مبكر، ورفض نشر روايتهما الأولى، وتهربا من الخدمة العسكرية، وكانا أصدقاء حميمين للشاعر التشيلى بابلو نيرودا، كما كانت لديهما الوكيلة الأدبية ذاتها، كارمن بالسيلس.

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

الإغتراب



لما يقتل البشر بعضهم البعض , ربما لا يريدون أن يروا الحقيقة , يريدون فقط أن يعيشوا في مستنقعٍ من السراب الدامس .



-1-

الإنسان = الحرية

والحرية تعني أن تطير بجناحي

الحق     والخير

وأن يسكنك الجمال



-2-

لكي ترى الحقيقة عليك أن تغمض عينيك وأن تترك قلبك وعقلك يبصران النور القادم من جوف الجحيم , نعم الجحيم , هذا الذي فتحت أبوابه بنفسك لتكبلها في غرفة مليئة بالإيهام والأغاليط غرفة مظلمة لا ترى منها سوى ما تريد أن تراه أو ما أراد سالب حريتك أن تراه حتى وأن أيقنتما أن الحياة  لايمكن أن  يوجد بها مثل هذه الغرفة من الأساس  .



الوعي أذن هو نقطة الصفر , فلا يمكنني أن أدرك ما لا أعيه , هو أذن نقطة البداية إلى نهاياةٍ متعددة , تلك التي تحمل معان مختلفة عن الذات والمعرفة والوجود , عن العلم والجمال والفن , عن الزمان والمكان , هو نقطة إنطلاق الذات لمعرفة تلك العوالم المتعددة والمتشابكة الداخلية والخارجية , لبناء نسق معرفي عن ما هو كائن وما يجب أن يكون .



ما هو الوعي , أعني كيف ينبثق هذا النور في جوف المادة , أعتقد أن الوعي مرتبط في الأساس بالروح , وقد يتسائل البعض كيف تستطيع أن تثبت هذا , أقول لهم عليكم أن تنظروا إلى أجسادكم تلك الماكينات المتحركة يميناً ويساراً , وأن تنظروا إلى أجساد الموتى , تلك الماكينات الساكنة , لا فرق بين هذه وتلك سوى في الروح , حتى وأن قال علماء البيولوجي أن لخلايا الجسد عمر محدد , هنا علي أن أسألهم , كيف يموت شاب في مقتبل العمر , كيف يموت ولازالت لخلاياه عمر مديد , ولا يوجد سبب بيئي أو عضوي لوفاته , لا فرق بين هذه وتلك أذن سوى في الروح , تلك التي لا أستطيع أن أعرف ماهيتها , لكنني لا أستطيع أن أنفي وجودها , وبنفس الأثبات السابق تصبح هي كنقيضها الموت , حقيقة ثابته وسر الكون العظيم .



يستطيع أذن علماء البيولوجي والبيولوجيا التطورية والنفس والإدراك والهندسة الوراثية , أن يروا أن عقولنا لدنة وصفحة بيضاء , يشكلها الواقع كيف يشاء , أو أنها أسيرة الإنتخاب الطبيعي للجينوم , أننا أصبحنا سيبورجات طبيعية أو لا , أو أن سلوكنا مرتبط بالوراثة والبيئة في آن , يستطيع العلم أن يتطور أكثر فأكثر , أن يبهرنا أكثر فأكثر , لكنه يقف عند الطبيعة الإجرائية للوعي , سواء كانت فيزيولوجية أو سيكولوجية , كما تقف الفلسفة , ولكن في ساحة الفكر والمنطق , أو حتى الحدس الذي لا يمكن تجزئته إجرائياً , لكنه يظل عملية تالية على الوعي , فلا يمكن أن أمارس الحدس على شيء لا أعيه في الأساس , الوعي أذن مرتبط بالروح , والروح كائن خفي , وستظل هكذا , لا يعرف سرها إلا الله .



فأذا نظرنا إلى عملية الإدراك على المستوى الفسيوسيكولوجي سوف نجدها تسير وفق المعادلات الأتية : وعي حسي للشيء ( بالحواس ) + وعي عصبي للتمييز أو التبويب ( داخل الدماغ ) + خبرات \ معارف سابقة بالدماغ = الإدراك , أو سيالات عصبية حسية ( بالحواس ) + سيالات عصبية دماغية آنية ( للتمييز والتصنيف ) + سيالات عصبية متوافقة سابقة ( بالذاكرة الطويلة ) = الإدراك , أو نظام الإستقبال ( بالحواس ) + نظام المعالجة العصبية ( بالدماغ ) = الإدراك , وإذا نظرنا إلى المعادلات السابقة سوف نجدها تسير وفق عمليات إجرائية بحتة , فالخلايا السائدة في الدماغ تتكون من نوعين الأولى رئيسية هرمية الشكل تقريباً ومهمتها إستقبال وإرسال النبضات العصبية وتعرف بالخلايا المثارة ويمكن تسميتها بالعاملات الشغالة للرسائل العصبية وبالتبعية الإدراك والوعي الإنساني بصفة عامة , والنوع الثاني من الخلايا يسمى الخلايا المانعة وهي أصغر حجماً من قرينتها ووظيفتها حجب الرسائل العصبية عن الخلايا المثارة التي لا يعنيها الأمر وتقوم الخلايا العصبية المثارة بثلاث وظائف رئيسية , الأولى إستقبال الرسائل العصبية من الخلايا الأخرى بواسطة منطقة الإستقبال أو الإدخال بالشعيرات الهيولية الدقيقة , والثانية دمج ومعالجة الرسائل العصبية المختلفة الواردة إليها من الخلايا أو المناطق الدماغية الأخرى للحصول على رسالة موحدة صالحة للسلوك الإنساني , بواسطة منطقة المعالجة الخلوية داخل جسم الخلية نفسها , والثالثة توجيه الرسائل العصبية المعالجة إلى الخلايا والمناطق الدماغية المعنية الأخرى بواسطة منطقتي الضخ والإخراج الإكسونية , وإذانظرنا إلى الذاكرة فسوف نجدها تتكون من نوعين القصيرة والطويلة , الأولى تتم بتشكيل سيالة عصبية مستمرة عبر الخلايا الدماغية المعنية طالما يخبر الفرد مُنبهاً خارجياً وتسمى هذه العملية عملية تشكيل وحدوث السيالة العصبية المؤقتة الحالية بمجال أو دائرة التردد العصبي , حيث تميل إستجابة الفرد بالذاكرة القصيرة إلى الحرفية لما شاهد أو سمع , أما في الذاكرة الطويلة فأن الإستجابة السلوكية الملاحظة تكون دائماً معدلة لما شاهده أو سمعه أو خبره الفرد , وذلك لكونها لا تنحصر فقط بالمنبه المباشر الذي أثار سيالة عصبية مؤقتة في الخلايا المعنية , بل بما يمتلكه الفرد أيضاً من سيالة دائمة ( معلومات مخزونة في الذاكرة الطويلة ) بخصوص موضوع المنبه بوجه عام (محمد زياد حمدان 1986 ) , ما أريد أن أقوله أن هذه العملية الإجرائية مرتبطة بالحواس والخلايا العصبية المختلفة , ولكن كيف تنشط هذه الحواس والخلايا العصبية وتقوم بعملها , ما الفرق بين وجودها في إنسانٍ ميت وآخر حي  , لا فرق بين هذه وتلك أذن سوى في الروح .



أما إذا نظرنا إلى الوعي على المستوى الفلسفي فسوف نجده يسير وفق آلياتٍ إجرائيةٍ منطقية  أو إلى الذات , فديكارت على سبيل المثال عندما أراد أن يثبت وجوده , أصدر الكوجيتو الشهير أنا أشك أذن أنا أفكر أنا أفكر أذن أنا موجود , فلا يمكن أن لا يكون موجوداً ما دام يفكر , ولا يمكن أن لا يكون يفكر ما دام يشك , فلابد أذن من وجود ذاتٍ مفكرةٍ وراء هذا الشك , لكنه لم يسأل كيف تنشط هذه الذات المفكرة في الأساس , هو بدأ أذن من حيث أنه يعي حتى وأن لم يرد ذلك , وجل ما فعله هو أنه إستطاع أن يثبت وجود هذه الذات من خلال عمليات إستنباطية مختلفة .



 ولنضرب مثلاً آخر بكانت فأذا تأملنا جيداً في مشكلة الوجود وعلاقته بالمعرفة عنده سوف نجدها تسير في مستويات عدة , أولها أن ما نراه هو مجرد إنطباعات حسية غير منظمة , تصبح مدركة حينما تنطبق عليها صورتا الحساسية الأولى وهما الزمان والمكان , ثم بعد ذلك تطبق على هذه المدركات الحسية مقولات قوة الفهم المختلفة مثل الكم والكيف وغيرهما , وإذا ما أنتقلنا إلى قوة النطق فسوف نجدها عبارة عن معان مثل ( الله والنفس والعالم ) وهي المعاني التي لا يمكن إخضاعها للتجربة ,  لذا سماها كانت المعاني المتعالية أو السامية أو الميتافيزيقا , كانت أذن ربط الوجود بالمعرفة وذلك من خلال شرطين الأول هو التأثيرات الحسية والثاني هو الصور الذاتية التي تنطبق عليها , كما أنه بدأ من حيث بدأ ديكارت أي من حيث أنه يعي ,  هذا بالإضافة إلى ربطه ما هو فسيولوجي بما هو منطقي وفقاً لآليات المنطق المختلفة , هو لم يسأل أذن كما لم يسأل ديكارت كيف تنشط هذه الذات المفكرة في الأساس .





والصورة هي هي بالنسبة للتجريبيون والواقعيون والبراجماتيون والوجوديون أو حتى بالنسبة لهيجل وبرجسون وغيرهما من الفلاسفة , وأن أختلفت نظرتهم إلى الوعي وبالتبعية المعرفة والوجود , فمنهم من يربط الوعي بعمليات فسيولوجية أو فسيوسيكولوجية وبالتبعية المعرفة والوجود بما هو كائن أومادي وملموس , ومنهم من يجعل الموضوع المُدرك منفصل تماماً عن الذات , ومنهم  من يربط المعرفة والوجود بالأفكار أوبنسق فكري يسير وفق أليات محددة لديالكتيك محكم , أويربطهما بالذات والتجربة الشعورية أو الذاتية , لكنهم جميعاً يبدأون من حيث أن هناك وعيٌ في الأساس , لينطلقوا من خلاله إلى  بناء تصورات مختلفة عن والذات والمعرفة والوجود .



الجسد أذن مرآة الوعي , والوعي مرآة الروح , والروح هبة الله , هي أذن إنبثاق النور في جوف المادة , وبدونها لا تبصر المرايا ولا تتحرك , هي الخط الفاصل بين الحياة والموت , بين الوجود والعدم , بين عالمٍ مدرك وعالمٍ لا محسوس , أو لنقل بين ذات قادرة على التمييز بين الحقيقة والوهم وذات لا ترى سوى الأخير في حياة نصنعها بنفسها لنموت فيها .



-3-

هنا

حيث الوعي واللاوعي يسيران في خطٍ مستقيمٍ سوياً

ألتقط التفاحة التي تصعد إلى أعلى

في ملحمة الهبوط



-4-

سيقف دارون عند الطبيعة الأجرائية للوعي , كما يقف أفلاطون

هو أذن

خطٌ أحمر



-5-


يخطأ العلماء في أعتقادي عندما ينظرون إلينا بنظرة داروينية بحته , عندما يعتقدون أننا مجرد تطور طبيعي لسلالة القردة العليا , صحيح نحن نتشابه مع القردة في الطبيعة الفزيولوجية , كما يتشابه النمر مع القطة , لكننا نظل أجناساً مختلفة عن بعضها البعض , وإلا فلما لم تتطور عقول القردة , لما لم تبني حضارة ويكون لها تاريخ , حتى وأن كانت قريبة من الإنسان , ولكي لا أذهب بعيداً عن النظرية عليّ أن أدخل في صلب الموضوع فبالنسبة للنشؤ والإرتقاء لم يثبت علمياً أن الظروف البيئية قادرة على تغيير الخصائص البيولوجية للكائن الحي فما بالنا بتوريث تلك الخصائص لكي يحدث التظور من الأساس كما أن الصدفة نسبية  ومقترنة بالإنسان في كل الأحوال حيث أنها تتفاعل مع النسبيات الأخرى ىاخل النسق العام الذي يحتويها جميعاً , فنيوتن على سبيل المثال عندما سقطت عليه التفاحة كانت صدفة ,إلا أن سقوط التفاحة يعد طبيعياً ونسبياً في آن في إطار النسق العام للطبيعة التي يؤدي كل شيء فيها دوره الوظيفي بإنتظام ودقة , هذا بالإضافة إلى أن وجود نيوتن في تلك اللحظة بالذات كانت صدفة بالنسبة لنيوتن لأنه كائن واعي وقادر على الأختيار وبالتبعية السير في هذا الطريق أو ذاك لكنها ليست صدفة بالنسبة للطبيعة والقدرالذي كُتب فيه أن تتفاعل نسبية سقوط التفاحة مع نسبية وجود نيوتن لكي يكتشف لنا قانون الجاذبية , أما فكرة أن الكون نشأ من مادة أولية أزلية , فيجب أن أسأل من يرددها من خلق هذه المادة أو كيف نشأة وتكونت , وهل من الممكن لكائن غير عاقل أن يخلق كائنات عاقلة بل وأن يخلق الكون على هذا النحو المنظم والمحكم , لا أعتقد ذلك , لذا لا بد وأن يكون لهذا الكون إله , هذا بالإضافة إلى أن الداروينية لازالت إفتراضاً نظرياً , ولا يمكن أعتبارها حقيقة علمية بأي حال من الأحوال .



يخطأ الفلاسفة نفس الخطأ تقريباً , فهاهم الحسيون لا يؤمنون بكل ما لا يروا ولا يلمسوا ولا يسمعوا , هاهم البراجماتيون يريدون أن يطبقوا نظريتهم على كل شيء وليس على الحياة العملية والواقعية فقط , ها هي الحداثة تضع الفرد في مقابل المجتمع , الدين في مقابل العلم , الأخلاق الوضعية في مقابل الأخلاق السماوية , وها هي ما بعد الحداثة تجعلنا مجرد سلع تُستهلك لتستهلك , تجعل لكل منا أفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده , ولتذهب القضايا الكبرى إلى الجحيم , وكأن هناك تعارض مابين العلم والدين , الفرد والمجتمع , وكأننا نصر أن نسير على قدمٍ واحدةٍ وأن نبتر الأخرى .



-6-

في كف الفيزيقا مفتاحٌ لما ورائها



-7-

نعم , العقل مرآة رمزية للعالم , مرآة جامعة لشتات الضوء تتشكل بناها المنطقية من حروف وأرقام , لكي تستطيع أن ترتب هذا الكون الذي يظهر لأول وهلة وكأنه مشتت , فوضوي , غير قابل للفهم أو الأختراق , هي أذن مرآة رياضية النسق , بمعنى أنها منطقية , ولا يمكن أن تكون غير ذلك , فالمنطق في النهاية شبيه بالرياضيات , بمعنى أنه تحصيل حاصل , أيً كان نوعه , كما أنه لا يخطىء إذا وضع في مكانه السليم , وهو مخلوق على هذه الصورة لكي يستطيع الإنسان الوصول إلى حقائق  يقينية في المجالات المختلفة , والعقل يخطيء في حالتين , الأولى غير قصدية وهي على سبيل المثال وليس الحصر كالخطىء في إجراء عملية حسابية , وهنا يكون الخروج عن المنطق السليم بالخروج عن التسلسل المنطقي لحل المسألة , والثانية قصدية وهي عندما يوضع المنطق غير السليم في المكان غير السليم .



ما هي الفكرة أذن  , أعتقد أن الأفكار ليست دوجمائية بأي حال من الأحوال , بل هي كائن دينامي , يتغير بتغير الزمان والمكان , فلا يوجد شخص يفكر في الفراغ لا بد أذن من وجود عائق ما في درب ما وهناك وسيلة ما لأزالته ومواصلة السير , الفكرة أذن كالحياة لها قلب واحد ووجوه عدة ,   فهي تبحث دائماً عن الحقيقة , لكني لا أستطيع أن أعرف ماهيتها أو أن أعرف صدقها من كذبها ما لم أعرف في أي درب تسير , فأذا كانت المشكلة علمية على أن أتبع المنطق الأستقرائي لفرانسيس بيكون , أو غيره من أنواع المنطق المرتبطة بالعلوم المختلفة , لكني لا أستطيع أن أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لأنها غير صالحة إلا لكل ما يرى ويلمس ويسمع , وليس معنى هذا أن كل ما لا يرى غير موجود , ولكن هناك سبيل آخر للوصول إليه ومعرفته , ولأضرب مثلاً بالألوان الطبيعية , فالقدرة على التكيف الآني توجب بأن ترى الذبابة الألوان الطبيعية , أما نحن فلا نستطيع , أذن ليس كل ما لا يرى غير موجود , وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالحياة العملية والواقعية , علي أن أتبع المنطق البرجماتي بقاعدتيه المرتبطتين بالمعنى والصدق , بمعنى أنه لا بد أن يكون لهذه الفكرة معنى مفهوم قائم على الخبرات الحسية للفرد , وأن تصدق بعد ذلك في تطبيقها على أرض الواقع , لكني لا أستطيع أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لنفس السبب السابق , وإذا كانت المشكلة فلسفية أو ميتافيزيقية أو شرعية , علي أن أعتمد على المعادلة التالية : المعطيات الأولى للمشكلة وأسس حلها من أرض الواقع + الأستنباط والقياس = ميتافيزيقا , فالدين السليم على سبيل المثال هو الذي أتلقى كتابه وأفكاره ثم أخضع ما قرأة وما عرفت للقياس والأستنباط , لكي أعرف أن كان هذا الدين يتوافق مع العقل والمنطق السليم أم لا , وأنا هنا أتحدث عن العقيدة لا المعجزات أو الشريعة , التي هي تالية على الإيمان ويكون الأستنباط والقياس من مصادرها لأستخراج الأحكام الشرعية , وسوف أتحدث عن هذه القضية بشيء من التفصيل في موضعٍ آخر, وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالجمال والفن , علي أن أثبت أولاً أن كان هذا الشيء جميلاً أو ان كان هذا العمل فناً ام لا , وذلك بالرجوع للقواعد العامة للجمال والفن , والقواعد العامة الخاصة بكل فن على حدة , ثم تحليل هذا العمل الفني أو الأدبي , وهنا يأتي دور النقاد على أختلاف تخصصاتهم , وفي حقيقة الأمر يستطيع العقل البشري ان يفكر بطريقة تلقائية وبطرق مختلفة على حسب الموضوع الذي يفكر فيه , المشكلة الحقيقية أذن المشكلة الحقيقية أذن عندما يفرض الفلاسفة منطق معين على كل شيء

  another word

مقصلة العقل الفطري .



مغالطة ٌ كبرى

العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية

" متساوية التأثير والتأثر "

حقيقة

العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية , ولكن يظل الفكر سابق على المادة , ففي البدء كانت إرادة الله , ثم قال للكون كن فكان , وكان الإنسان والطبيعة , وأصبحت العلاقة بينهما قائمة على إثارة المشكلات وفرض واقع بيئي وطبيعي معين ومحاولت إيجاد حلول لها أو التكيف معها , أما إذا كنا نتحدث عن علاقة الإنسان بالإنسان , فتظل الفكرة سابقة على المادة , لأنها سابقة على الفعل البشري بما يثيره من مشكلات , حتى مع الطبيعة ذاتها , فمن أبتكر النظريات وطبقها , من بنى المجتمعات وجعلها أكثر بؤساً وفقراً وتهميشاً , من أنتهك حرمة الوصايا العشر , وحفر المقابر الجماعية

من..

 "  عليك أن تعترف بالحقيقة  أنت وحدك من هدم العالم ليرقص على حطامه "



-8-

س ) مشكلة ميتافيزيقية ؟

ج ) المعطيات الأولى للمشكلة وأسس حلها من أرض الواقع + الأستنباط والقياس  = ميتافيزيقا



-9-

السبيل الثاني لمعرفة الحقيقة هو الحدس , والحدس نوعان , حدسٌ عقلي وحدسٌ نفسي , الأول وهو العيان العقلي المباشر لا يمكن أن يحدث إلا في ذهنٍ صافي وغير مشوش وذات تريد أن ترى الحقيقة بصدق , وإلا تاهت عنه الحقيقة في دروبٍ من الضبابية والتشتت وإيهام الذات , والنفس البشرية تستطيع الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحدس المباشر , لكنها أي النفس , تستطيع أن تزين الأمور لكي تتناسب مع ما تهوى وما تشاء , وهنا تكمن الخطورة , فأذا كانت النفس سوية , وتريد أن ترى الحقيقة بصدق , تستطيع أن تصل إليها بسهولةٍ ويسر , أما إذا كانت النفس غير سوية , فأنها لن تؤمن بما يجب أن تؤمن به , بل لن تؤمن سوى بالمصلحة , ولن تخرج سوى هذا الجزء الحيواني في الإنسان , النهم دائماً للفتك والسيطرة والسرقة والإبادة والإغتصاب .



قد يتشكك البعض في الحدس , وقدرته على أن يصل إلى الحقيقة , وهنا أقول لهم أن لكل شيء دليله العقلي ودليله الحدسي ( العقلي \ النفسي ) خاصةً فيما يتعلق بالمباديء والقيم , فجميعنا يعرف أن السرقة شيء سيء لأنها تمثل إعتداءاً على حقوق الغير , وتفتح باباً للصراع بين الأفراد , ولكن هذا المنطق الكانطي في الواجب الأخلاقي ليس وحده القادر على الوصول إلى الحقيقة , والتمييز بين الصواب والخطأ , فالحدس أيضاً يستطيع , أن كان العقل صافي وغير مشوش وأن كانت الذات تريد أن ترى الحقيقة بصدق , أن كانت النفس سوية , وتريد أن تراها بصدق ,  وإلا فلما لا يختلف أثنان أن أستفتيا قلبيهما وعقليهما على أنها شيء سيء , أيً كانت تربيتهما أوبيئتهما الثقافية , حتى وأن تربيا في وسط  جماعة من اللصوص , لما لا يختلف أثنان على أنها شيء سيء , هنا أو في أي بلدٍ آخر , أو في أي زمان ومكان .



ليس المتصوفة وحدهم القادرون على أن يروا نور الحقيقة , فالحقيقة كالشمس أن توهمنا أنها غربت عكس نورها القمر .



-10-

" مفتتح "



" بحيرةٌ تنبت

  في قلب صحراء ٍ اخرى

  في أرض سماءٍ

  أخرى "



-1-

اتحلل

في "  وش القهوة " المنسي

وتسقط ذبابة

على جمجمة آخر إنسان

والأرض صريعة

موتٌ قادم



-2-

تنقسم السماء

وينهمر المطر

تسقط شمسٌ على طاولتي المهملة

وأسقط

من جوف المرآة



-3-

يختبأ أثنان في جوفي

وأختبأ

في جوف ثالث

سوانا هو

وأنا

سواهم أموت



-4-

تخرج ذاكرتي

وتسير في ذاكرة الجدران

أضاءة ٌ خافتة

وفحيح أفعى

وسقوط



-5-

تثور خلاياي

وتثور الأشياء من حولي

وهواءٌ ساكن

يحمل ثورتي الغجرية

في وجه الريح



-6-

تلين المرآة

وتميل

تتعمد الغرفة أن تذوب

والأرض

تبعث إشاراةٍ لا سلكية

إلى مخ ٍ معطل

في جسدٍ ميت

                                                                                                         

-11-

للماهية وجهان صفات وراثية " الدنا " , وصفات مكتسبة " الحياة " , وللوجود وجهان , الأول يتمثل في الوجود الفزيولوجي , والثاني يتمثل في الوجود الفعلي للماهية ( تحقيق الذات ) ولكي يتحقق الوجود الفعلي يجب إختيار إحدى الممكنات أو جميعها أن أمكن , تلك التي تتناسب مع الماهية " الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة " , من يسبق من أذن الماهية أم الوجود .



العدم والسقوط , مصطلحان مثيران للقلق والريبة , صحيح يمكن أن نصاب بالعدم نتيجة لقلقنا على عدم إختيار إحدى الممكنات المتناسبة مع الماهية , ولكن لا بد لنا من الخروج , الخروج عن الذات , وليس السقوط كما يقول هيدجر , فالجحيم ليس الآخرون , لأننا كائنات إجتماعية بطبعها , كائناتٌ لا يمكن أن تحيا بدون حب وصداقة وعطف وحنان وأتصال مع الآخرين , بدون أسرة وعائلة وجماعات ومجتمعات وأمم  , بدون إنتماء للآخرين ومع الآخرين , ذلك الإنتماء الذي يبدأ بالأسرة وينتهي بالإنتماء للإنسانية , وخلقنا على هذه الصورة لكي نسطيع أن نكون أسراً ومجتمعات وثقافة وحضارة قادرة على إعمار الأرض , عن طريق التربية القائمة على الإتصال المباشر بين أفراد جنسنا , خلقنا على هذه الصورة لكي يكمل بعضنا نقص بعض قدر الإمكان , لكي نتعارف ونتعلم من بعضنا البعض , لا لكي نتصارع أو يسلب بعضنا حق الآخرين .



ليست المشكلة في الموت , المشكلة الحقيقية في أني أموت , هكذا قال الوجوديون , لكني أعتقد أن المشكلة تكمن في الموت وأني أموت وكيف أموت , المشكلة في أني أموت لأن الموت يعد مصيبة يجب على المؤمن تقبلها , وهو مصيبة لأنه لا يمثل فقدان تام للوجود , أي لا يساوي العدم , بل هو محنة لابد منها , لأن هناك حياة أخرى في مكان أخر وهي الحياة الأخرة , المشكلة في الموت لأنه يمثل فقدان لمن أحب , لمن تربطني به جميع المشاعر الإنسانية التي يمكن أن تقال أو لا تقال , بل المشكلة في موت أي إنسان عندما أعلم أن هناك من يشاركني هذا الشعور لأنه فقد من أحب ,  ولإنتمائي له على المستوى الإنساني ,  المشكلة في كيف أموت ويموت من أحب بل ويموت أي إنسان , ليس فقط لأننا حيوانات ميتافيزيقة بطبعها كما يقول شوبينهاور , وذلك لأننا دائمي التفكير في العلة الأولى ومصيرنا بعد الموت , ولكن لأننا نعرف بقلبنا وعقلنا وجود الإله حتى وأن إغتربنا عن ذلك , لذا نخشى من العقاب , الموت أذن هو نبع  القلق الدائم الذي لا ينضب إلا بالإيمان بقضاء الله وقدره ورحمته وغفرانه .



-12-

"... قد أفتقدت هنا من أحبهم من العرب , لما لا وهم أهلها ... وكان من بني قيدار من هم حضر يسكنون الشقق والديار "

"نشيد الإنشاد " ( 2 )



" مفتتح  "



"ف البدء كان ... أول حجر

  ف مركزالأرض اللي فاتحه

  بابها لجنون البشر

  بأدين آديم الأرض قبلة

  للنجاة "



والناس نيام

تفارق الأجساد ف لحظة

أشباح الضلام

تحتل كل الأمكنة

تحبس ف بلورة السراب

روح البشر

أسماءنا تصرخ

والأربعين جنّي نهبوا الأضرحة

من غير كلام

بعصاية سحرية طلاسم مبهمة

تنكتب بأدين مريبة

جوه الجسد

فيرس بياكل الذاكرة

ينتشر جوه الحيطان

تلفزيوناتنا

والكمبيوتر

والنت ... إشاراة الردار

نبضات سلوكنا

واللاسلكي

سفن الفضا

وكمان محطاتها اللي خايفه

م الهبوط

تنطفي الأنوار بسرعة

والكل يتفتت \ خراب

"مدينة أسمها بيت نينورتا تابعة لبلاد أورسليم , مدينة تابعة للملك أنفصلت وصارت إلى جانب رجال مدينة قِلت , ليت الملك يهتم بأمر عبدي خبا خادمك , "(3)

ف بورترية

لملكي صادق

ف قلب نن العين يخبوا

d n aبصمة للـ

أسماء ف قلب الشفرة محفورة بثبات

" كنعان

  عموري

  يبوس

  بنو هاشم

  وقيس

  أدوني صادق

  خالد

  زبيدة

  أبن زي البأس

  وقيدار "

والبورترية

خبوه ف قلب تابوت قديم

أخشابه من نسج الخيال

يوهمونا ... أن جواه الكتاب

وأن رب الأرض صلى لجل شعبه

ف أرضها ... وكمان حبيبته

" مملكة الأرض

 العتيقة "

أن سٌكنى الرب فيها

يا أغبيا

الرب مالوش بيوت ف أرض

لكنه مالك للبيوت

هنا اتولد نور النبوة والنبي

أترفع من بابها لابواب السما

أتباعه نسيوا

معنى الحقيقة

والسلام

لصوص بأسم الرب تسرق

الكحل من عين الخريطة

لكنهم ... عادوا لابواب الحقيقة

شايلين على أكتافهم

مٌحال

هنا أتحفر قدم النبوة والنبي

عدى من بابها لأبواب السما

ويّا الملاك

والأبجدية

هيه هيه

حافره بحروفها العتيقة

جوه بلورة السراب :

" بعد الميلاد

  ميلاد صلاة الإنس ع الأرض البريئة

  بأربعين

  شال أبن آديم الأرض

  أحجار الأساس

  وضعها وأرتفع البنا

  أو ملايكة شايلة قطعة م السما

  أحجار \ زهور ... عدت سنين

  وعلا من تاني الحكيم

  ف البنا

  فوق الأساس

  مع قبة من خشب السنط العتيق

  على صخرة الأرض العتيقة

  تدخل الأشباح وتنفي أرواح البشر

  جوه الخريطة

  يعلا البنا

  تدخل الأشباح وتنفي أرواح البشر

  تتحول الأرواح لأشباح مبهمة

  ينزل ملاك شايل رسالة م السما

  يعلا من تاني البنا

  يترفع أول آدان

  يعلن ميلاد الحلم فوق

  أرض السلام "

" قال غلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها , فقال له سيده : لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا " ( 4 )

ولسه برضه

جدات بتحكي للعيال

معنى المكان

والإغتراب

ف رقابها مفاتيح البيوت

وف إيدها عكاز الحنين

Yanniمزيكا

تُستباح

للرصاص

- تفكيك لأنغامها البريئة -

تسقط ف لوحة

للخريف

ياكل ف نفسه

يروي بدم الأضرحة

الأرض الإزاز

يصيبها سرطان الإبادة

تبات ... رماد

بصمات عيونا

يسرقها جواسيس الشيطان

تفتح معاملنا العتيقة

ف الفضا

حرب النجوم ... توهم عقولنا بإنفجار

خط الزمن

هد القمر

تفرش خيوط العنكبوت

على كل شبابيك البيوت

ندخل ملاجيء شمسنا

ونغيب معاها سنين طويلة

ف الضلام

ومافيش خطوط للهدنة أو

حتى قوات للسلام

تفتح براح للأسئلة

والكل يتفتت \ خراب

ويعود لأرضه من تاني النبي

ويصلي ويّا عبد صالح

والمؤمنين

يقتل بسيفه ... قائد جيوش الضلمة وخرافة العبيد

ويعٌم أهل الأرض خير

وينطوي كتاب الحياة

ينزل ملاك بأمر من عند الإله

ينفخ ف قلب الصور نعود

من جديد

من ظاهر الباب العتيق

صخرة الأرض العتيقة

والبيت ف فردوس

الحياة

من باطن الباب العتيق

وادي جهنم

والصراخ

والأبجدية

هيه هيه

محفوظة في متن الكتاب :

" ينزل ملاك شايل رسالة م السما

  يعلا من تاني البنا

  يترفع أول آدان

  يعلن ميلاد الحلم فوق

  أرض السلام " .



( 1 ) أورسالم : مدينة السلام او مدينة سالم أبن يبوس أبن كنعان والكنعانيون هم العرب الذين هاجروا من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين .

( 2 ) نشيد الإنشاد المنسوب إلى سليمان عليه السلام

 ( 3 ) رسائل تل العمارنة 290  قطعة رقم (15  ) الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم1646 , وأستنساخة منشور في wa,106;vs 11,166 ويبلغ طول النص  30سطرا ً .

الرسالة من عبدي خبا حاكم أورسليم إلى أمنوفس الرابع " أخناتون "  1352  - 1336 ق م ) .

( 4 ) سفر قضاة الأصحاح التاسع عشر العهد القديم .







-13-

الكون قطار , ينشأ فتنشأ الحركة , تنشأ فينشأ الزمن , ويسير من المهد إلى اللحد , ولكل منا محطة ركوب , محطة نزول .



للكون أذن زمن واحد , لكنه يحتوي على مجموعة من الأزمنة النسبية , فلكل مجموعة شمسية زمنها , ولكل كوكب , ولكل منا زمن وجوده الخاص , الذي من خلاله يستطيع أن يعي وجود الزمن العام , ( الأول ) أذن جزء من ( الثاني ) , لكن ( الثاني ) وفي نفس الوقت منفصل عن ( الأول ) , ويستمر في التقدم حتى بعد نهايته .



تيك     تاك

تيك     تاك

تيك     تاك

تيك     تاك

 "the end "



-14-

قررت أن تكتب قصة قصيرة جداً , عن التسعين عاماً الماضية من عمرها , لكنها أكتفت بكلمة واحدة , لم تكتبها , وظلت تنظر إلى الباب .



-15-

أذن يجب على الإنسان أن يفكر بمنطق سليم , وأن يرى بنفس سوية لكي يؤمن بما يجب أن يؤمن به , ولكي يطبق ما آمن به على أرض الواقع , وإلا أصبح مغترباً , مغترباً عن إنسانيته , عن ذاته , وما يجب أن يكون عليه , فالفرق بيننا وبين الحيوانات يكمن في أن لنا عقولاً وقلوباً قادرةً على الإدراك ومعرفة الصواب والخطأ , قادرةً على الأختيار وإعمار الأرض  .



إذا أصيب الإنسان بالإغتراب فأنه لن يؤمن سوى بالمصلحة والبراجماتية البحتة , وبطبيعة الحال سوف يعتدي على حقوق الآخرين ومن هنا ينشأ الصراع بين الأفراد , والصورة هي هي بالنسبة للحضارات , فالحضارة السليمة هي التي تبنى على أيدولوجيا سليمة , ومن ثم يبدأ أهل تلك الحضارة في تطبيق ما آمنوا به على أرض الواقع , فتتكون ثقافة أي طريقة حياة , أو كما يقال في علم الأنثروبولوجيا

way of life وفي المرحلة النهائية تتكون الحضارة بشقيها المادي والمعنوي   " العلوم والفنون والآداب " .





الأغتراب نوعان , أغتراب إرادي وإغتراب قهري , فعندما لا أؤمن بما يجب أن أؤمن به , أو عندما لا أطبق تلك الأيدولوجيا على أرض الواقع , عندما اكون انا المعتدي , يكون الإغتراب إرادياً , وعندما أكون انا المعتدى عليه , عندما يعتدي آخر على ما أؤمن به أو ما أمتلكه , يصبح الأغتراب قهرياً , والصورة هي هي بالنسبة للحضارات فالحضارة تشعر بالإغتراب الإرادي عندما لا تؤمن بما يجب أن تؤمن به , أو لا تطبق ما آمنت به على أرض الواقع , وتشعربالإغتراب القهري عندما تعتدي عليها حضارة أخرى , فتسلبها قوتها وتعتدي على أرضها ومقدساتها , ومن هنا ينشأ صراع الحضارات .







-16- 



لا شيء مكتمل

هنا

لا يوجد سوى

حنجرة مغني

يد رسام

أعضاء طفل

وجسده الذي

شوهه السراب

نعم

السراب

يريد أن يصنع جسدا ً

كأجسادنا الوهمية

لا شيء مكتمل

فقط

ذاكرة تريد أن ترتب الأحداث :

مقابر جماعية على سفح القمر

مكوك فضائي

يحمل سيف الساموراي

رائحة ٌ نتنه

 الزمنtrackشفراتٌ تهرول على

محاكم تفتيش لأفكارك المندسه

على قشرة مخك

Emailرسائل تهديد بالقتل عبر ال

من جني

بائع الفول يصرخ

Microfilm و

يحفظ سطرا ً من اللغة :

"إذا كان السؤال صعبا ً , وكانت الأجابة بسيطة

   فاعلم أن الله قد أجاب على سؤالك " ( 1 )

لا شيء مكتمل

في مركز بحوث الميتافيزيقا

يمكنك أن تعرف

أن لكل شيء طبيعته الفيزيقية

لكنك لا تراها

فالسحر مادة

والحضارة خرافة

نسجها خميائيُ البحر

لكي يحول أرض الذهب

والماس

والحلم

إلى التراب

هي إذن فطرة ٌ بشرية

ان نحبس أرواحنا في مكعب ٍ مظلم

أن نلقي بالمكعب في قاع النهر

أن نقصف النهر بالطائرات والدبابات والقنابل الهيدروجينية

أن نبني سحبا ً صناعية

من الرصاص

أن نردم مدن الهواء

بطبقات أركولوجية من الغبار

أن نهيم على وجوهنا كالحلاج

أن نصنع منه قديسا ً

أو زنديقا ً

لكنه لم يكن

سوى شاعر

يمتلك فلسفة التشظي

\ الوجود

Utopiaفالشعراء يصنعون ال

أيا ً كانت

ولا يسكنون فيها

هي أذن

معادلة ٌ صعبة

لا شيء مكتمل

هنا

لا شيء مكتمل

منا



( 1 ) : مقولة لأينشتين



-17-

أنا إنسان

أذن أنا حر

أنا حر

أذن أنا موجود



" مع الإعتذار لديكارت "



-18-

سفينة السراب

اللي تاهت ف قلب الكون

بتحلم تشوف

الكلمة \ صورة

ومفتاح حياة





-1-

رسام الجرافيتي

مارضيش يضحك على نفسه

ورسم مراية

على حيطة عقولنا

إزازها أرض

وسفينة

تقدر تنجينا م العمى

وتوصلنا لنفسنا

يمكن ساعتها

نقدر نشوف الآية

بوضوح



-2-

الصوت

بيرج أركان بيلاك ( 1 )

والضوء

بيعكس ف الفراغ اللي أبتدعوه

القلب اللي شال

الخير

والشر

والحب

" إكسير الحياة "



-3-

سنين معدودة

ربيع

وسنين معدودة

خريف

وقرون طويلة

بره الفصول

" التاريخ الجغرافي للأرض "



-4-

توت عنخ

آتون

توت عنخ

آمون

توت عنخ ..........

.......................

توت ................

.......................

صورة حية

لصراع الآلهه من اجل البقاء

ف أرض البشر



-5-

كل الطرق

تؤدي إلى قرطاجة

" هكذا ... سقطت روما "



-6-

لو لعبت ف جينات التاريخ

ممكن تصنع صليب هباتيا

أو هيباتيا \ الصليب

مع إن الشفرة الوراثية بتقول

إن الأتنين

مجرد طفرة

منطقية



-7-

الحق

اللي اتحرف بأيد كهنة الشيطان

حافظ عليه

النور



-8-

أربعة

من سكان الفردوس

قدروا يحافظوا ع الشمس

م الضياع



-9-

على حسب التقويم الماياني ( 2 )

أو العراف اللي بيشوف الطالع

بالنجمة السداسية

أو حتى رباعيات نوستراداموس

هتتشكل ملامح القيامة

- من تاني -

وعلى حسب تقويم الحياة

هتتفتح أجنحة مدينة الإله

من جديد



-10-

أمنا الغولة

وولادها

اللي خرجوا م الحواديت

ف عز الضهر

من قرون طويلة

علشان يدهنوا الواقع

بقلم فحم

هما بس اللي يمتلكوا السر الأعظم

 "mekavelly code"

وتوته توته

تبدأ الحدوته



-11-

تعويذة القهر

اللي عملتها الساحرة الشريرة

علشان تخلي اللون اللاسود

لون الطفولة

واللون اللابيض

لون النضج

عملت مفعولها بنجاح

مع إن قلب الأطفال

كل الطفال

زي اللبن الحليب

..................

..................

الساحرة الشريرة

قررت تعمل تعويذتها الجديدة

على ألوان الطيف



-12-

بخطوه واحدة

قدرت تقتل ولي العهد

وتكش الملك

هنا

اتحركت كل المكلوك

والوزرا

والطوابي

والعساكر

والماموث

وكمان ويّاهم الأحصنة الطايرة

وطيور الرخ

وفجأة

بقينا ف حرب ضروس

بترج السما

والأرض

هنا

أنطفت كل المربعات

اللي كانت مدهونة بلون الشمس

وماقدرتش تنقل المعركة

لسماك

بخطوه واحدة

أتاكل طُعم دراكولا



-13-

هتلر أو ..........

+

نيتشه او .........

=

فرانكنشتاين



-14-

" زي كل يوم

  أبتدا يرمم ملامحه

  اللي اختفت

  حتى م الصور

  أتحرك

  وقلب ورقة النتيجة

  الوقت

  تن   تن

  تمانية وربع الصبح

  خروج مفاجيء للروح

  بعد إنفجار العقل

  ف جسم الإنسانية "

       آية 45

الأصحاح العشرين

    سفر الإبادة



-15-

قانون الأمم

أو مانو

أو اللي بعده بألف سنة

عصبة الأمم

أو الأمم المتحدة

أو حتى رفعك لكتاب كروتيوس

" قانون الحرب والسلام "

ف وش نفسك

هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها

ماقدروش يمنعوك

من إنك تفتح معمل لتمسيخ الطبيعة

علشان تشوف السحب

من غير جلد

وتتكفن ف النهاية

ف بطانية هندي احمر

- هديته اللي خدها -

هديتك

قبل الخلاص



-16-

" أسر الحرية

  بعد قتل الأرواح

  السبعة "

  آية 48

الأصحاح العشرين

سفر الإبادة



-17-

" حسبة برما

  3 على 1

  =

  1 "

آية 67

الأصحاح العشرين

 سفر الإبادة



-18-

سيناريو                                      حوار

نهار خارجي \

فرن

بتترمي فيه الكراريس                      صرخة

والضفاير

وملامح التراب

 "                          cut                          "

                           البداية



-19-

السراب اللاحمر

أفيون القرن العشرين









-20-

" حرب الملايكة والبشر

    ضد

عزازيل  "

آية 73

الأصحاح العشرين

سفر الرجوع



-21-

" متن "



العيال

اللي شبوا على كتف بعض

علشان يبصوا من فوق السور

ويشوفوا نص بلدهم التاني

كانوا بيحلموا

يطلعلهم أجنحة



" هامش "



عملة واحدة

بتتغير عبر الزمن

لملوك \ وكتابة مختلفة

ملحوظة

" سُكة من جلد الحرباء "



-22-

" عناكب فسفورية

   ليها انياب

   بتشرب دم الأطفال

   وتغزل بيوتها

   ف السما  "

     آية 8

الأصحاح الواحد

والعشرين

سفر الإبادة



-23-

" كسر اللحظة الحرجة

  والحاجز الرابع \ الوهم

  ولقطة تانية

  للإنفجار العظيم

  للكون "

  آية 11

الأصحاح الواحد

والعشرين

سفر الحرية



-24-

المطلق

=

0

دراما حركية

ف مسرح وهمي

وموسيقى تصويرية

لبيتهوفن

بتحاول ترجع الشمس

لمدارها



-25-

على طريقة مايكل انجلو

اللي بتحاول تحفر الفن المقدس

ف قلب الشيطان

أرسم طفل طاير بجناح سماوي

بره الزمكان



-26-

سفينة السراب

اللي تاهت ف قلب الكون

لساها بتدور

على شوية عيال

بيلاعبوا اوراق الشجر

ويعيدوا ترتيب الماكن

والنجوم

بيفكوا شفرات الخطوط

كلها

ويكتبوا

تحت السما

أسمي أنا

أنا الإنسان



 ( 1 ) بيلاك : الاسم الفرعوني لجزيرة فيلة



( 2 ) التقويم الماياني : تقويم حضارة المايا





-19-

لكي يتحقق الوجود الفعلي للماهية يجب إختيار أحدى الممكنات - كما ذكرت من قبل - أو جميعها أن أمكن تلك التي تتناسب مع الماهية ( الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة ) وليس مع كل ما  هو غير سوي ( أي لا يتناسب مع العقل والحدس العقلي والقلبي ) يفرضه الفرد أو المجتمع وبطبيعة الحال الحضارات الأخرى , فهو ناتج عن فعل بشري مغرب إرادياً يؤدي في النهاية إلى الأغتراب القهري للذات , فلا يمكن أن أكون إنسان ما لم أكن حراً في الأختيار من بين الممكنات وما دمت حراً في الأختيار من بين الممكنات أذن أستطيع أن أحقق الوجود الفعلي لماهيتي , أكون أذن أو لا هذا هو السؤال .



-20-

سيناريو                                                                                  \ حوار



ليل داخلي \ غرفة مكتب                                                                 \  يصرخ
أينشتاين \                                                                            \ وجدتها     
  يضيء الغرفة  \                                             e=mc2             
ويبدأ في التحرك يميناً                                                                  \ بالأحرف
ويساراً                                    \ الطاقة = الكتلة في مربع سرعة الضوء
تظهر مجموعة من الأرقام الطائرة                                                   \ وبدون أسهاب    
يحاول أصطيادها كالفراشات                                              \ فوزنك على الأرض
ويضعها                                                              \ كوزنك على القمر
في قفص العقل                                                                     \ أذا وزنته
بالكيلوا كلام \                                         

                                 (  cut )
                           أعدوا المشهد التالي
                                سبارتاكوس
                                   ! طق ؟


( دائرة )

-1-
أفتح نافذتي
لأرى الوجه الآخر
للغرفة

-2-
في كل مساء
أفتح أبواب الأرض
وأسير على أرصفة الكون
في كل صباح
أعود
لمرايا الظل

-3-
يتمدد ظلي
في شاشة تلفاز
أتمدد
قربي

-21-

" لكي يوجد خير مطلق لابد من وجود شر جزئي  "

"هكذا علمنا أبن سينا "



نعم الكون كائن عضوي , فـ " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ", ولأن الإنسان هو الكائن العاقل , هو الكائن العبثي , القادر على الإختيار , الذي لا يؤمن بما يجب أن يكون , الذي لا يؤمن بقانوني التعارف  والتعايش بين البشر , أو حتى بين البشر والطبيعة , فهو الوحيد الذي يكسر القاعدة , لينشأ صراعاً دائماً مابين الخير والشر , الحق والباطل , النور والظلام ,الجمال والقبح ,  لينشأ تاريخاً يسير في دوائر متعاكسة تلتقي عند نقطة الصراع .



علي أولاً أن أميز بين عدة مصطلحات , وعلاقاتها بإدراكنا لهذا العالم , فالديالكتيك يختلف عن الصراع والتناقض , فالعلاقة بين أجزاء الطبيعة تسير بشكل ديناميكي , بمعنى أنها تعتمد على التتأثير والتأثر المتبادل , مع الوضع في الإعتبار أنها تسير وفق آلية محددة ومنضبطة تماماً , ولكن هذه الآلية الديناميكية تقبل أن يكون بداخلها المتناقضات , كوجود الليل والنهار , إلا أن هذه المتناقضات تؤدي دورها بإنتظام ودقة دون أن تتصارع , وهنا يتضح الخلاف الجوهري بين المعان الثلاث , فوجود التناقض ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الصراع , والصراع بطبيعة الحال لا يعني الديالكتيك , لأن الأخير يتميز بصراع بين متناقضين يؤدي في النهاية إلى أختفاء النقيضين ووجود مكون ثالث يضمهما معاً .



العلاقة أذن تسير بشكل ديناميكي في الطبيعة , وتسير بنفس الشكل في المظاهر الحضارية الإنسانية , أي في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها " التكنولوجيا " , وفي العلوم الإنسانية وتطبيقاتها " الحلول المختلفة للمشكلات المتعلقة بحياة البشر السياسية والإقتصادية وغيرها " , مع الأختلاف بينهما في درجة التعميم والدقة , وتسير أيضاً بنفس الشكل في الفنون والآداب , بل وفي العادات والتقاليد التي ليس لها أساس أيدولوجي لكنها غير مغتربة أي أنها تتفق مع المنطق السليم والحدس السليم, أو بعبارة أخرى مع الفطرة البشرية  , والتي تعتمد في الأساس على الإتصال التبادلي الدائم بين أفراد المجتمع الواحد ,  بل وبين الإنسان والطبيعة في بعض الأحيان .



هنا يجب أن نتسائل هل العلاقات البشرية جميعها تسير بنفس الشكل , وهل التاريخ بطبيعة الحال يسير في نفس الإطار , أعتقد أن العلاقات البشرية تتسم بالصراع , والتي تقتضي وجود إغتراب إرادي وبالتبعية إغتراب قهري في حالة مواجهة مباشرة بين طرفين , تلك الصورة التي تتطابق في علاقة الأفراد ببعضهم البعض , وعلاقة الجماعات داخل المجتمع الواحد , بل وعلاقة الحضارات داخل الحركة العامة للتاريخ , فحتى وأن تصارعة قوتين مغتربتين إرادياً فهما يتصارعان على النفوذ والسلطة والثروة مما يتطلب إستلاب شعوب أخرى حقوقها , وهو ما ينشيء مغترباً قهرياً في المعادلة , كما أن هذه العلاقات لا تتسم أيضاً بالديالكتيك سواء كان مثالياً أو مادياً , فالإنتقال من المجتمع العبودي إلى الإقطاعي إلى الرأسمالي مرتبط بالأساس بإكتشاف الزراعة في حالة المجتمع الإقطاعي , وبالتقدم العلمي والتكنولوجي \ الصناعي  في حالة المجتمع الرأسمالي , هي أذن مظاهر حضارية لها صفة الديناميكية التي تحدثنا عنها من قبل , أما إستغلال الإنسان لهذه المظاهر في علاقته بالإنسان له صفة الثبات , فالعبد والقن والعامل المسلوب الحقوق , يمثلون الطرف المغترب قهرياً , في مواجهة السيد والأقطاعي والرأسمالي السالب للحقوق , الذين يمثلون الطرف المغترب إرادياً , وهذا ينقلنا إلى قضية أخرى وهي أن التاريخ لا يعيد ذاته ولكن أخطاء البشر هي التي تتكرر , وهنا يجب أن نتسائل عن حركة التاريخ  , أعتقد أن التاريخ يسير في حركة دائرية , تتكون من دائرتين تسيران في إتجاهين متضادين , وبطبيعة الحال لهما مراحل رئيسية على خط الدائرة ومراحل كثيرة فرعية , الدائرة الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين طرفين ثم تنتقل إلى مرحلة إنتصار إحداهما ثم مرحلة القوة والضعف وصولاً إلى الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الهزيمة  , والدائرة الثانية تبدأ من مرحلة الصراع مروراً بالهزيمة والضعف والإفاقة وصولاً إلى مرحلة الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الإنتصار , ما أريد أن أقوله ان هناك أمة تستطيع بعد مرحلة صراع أن تنتصر وتكون القوة المسيطرة على باقي الأمم حتى تفيق أمة اخرى وتنتقل من حالة الضعف , لتدخل في صراع معها وتنتصر عليها وبطبيعة الحال تأخذ مكانها , وحتى في حالة تحالف قوتين متضادتين مع بعضهما ضد قوة أخرى , تكون النتيجة الحتمية بعد القضاء عليها صراع القوتين وإنتصار إحداهما على الأخرى , كما حدث من تحالف النظام الستاليني مع القوى الرأسمالية ضد النظام النازي , ذلك التحالف الذي سرعان ما تحول إلى صراع بعد القضاء على النازية في شكل الحرب الباردة التي أنتهت بشكل رمزي مع سقوط سور برلين .



ما الحل أذن , أعتقد أن خلاص البشرية يكمن في كسر هذا الشكل الدائري , والصراع القائم على الإغتراب , والوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة , وعلاقات قائمة على التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة , لأنها الوحيدة القادرة على بناء عالم جديد يتسم بالتوازن والحفاظ على مصالح الأنا لكل أمة من دون الأعتداء على مصالح الآخر , فلن تتعارض المصالح إلا في حالة إغتراب طرفين وإعتداء أحدهما على الآخر , الحالة الأولى تكون قائمة على نسق واحد يحوي مجموعة من الأنساق الداخلية  التي تعمل جميعها بشكل وظيفي لبناء المجتمع , والخروج من حالة الصراع بين الجماعات , ولن يكون ذلك إلى بخلاص الشعوب من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية لأنها حكومات تنمي وتغذي هذا الصراع بل والصراع مع الأمم الأخرى  للحفاظ على السلطة , أما العلاقات بين الأمم المختلفة فلن تصل إلى مرحلة التعارف والتعايش السلمي إلا بضغط الشعوب على حكوماتها لبناء عالم جديد قائم على المباديء الإنسانية التي لا يختلف عليها أحد , وبطبيعة الحال لن يحدث ذلك إلا في ظل حكومات ديمقراطية ترضخ لمطالب شعوبها , لذا وجب على الشعوب أن تتخلص من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية هذا بالإضافة إلى  التواصل الشعبي الذي أصبح يسيراً في عالمنا الآن , والذي نجده جلياً في الإحتجاجات الشعبية التي تصول وتجول في قريتنا الصغيرة مطالبة بالحرية والعدالة الإجتماعية , بما يشبه حالة مخاض لثورة عالمية أولى , وأن لم ترضخ بعض الخكومات الديمقراطية يجب أن تقوم الشعوب بالثورة عليها , وفي حالة عدم رضوخ جميع الحكومات يجب أن تكون هناك ثورة عالمية شعبية , فحتى وأن لم تنجح تلك الأحتجاجات بشكل تام فإنها على الأقل ستكون قادرة على خفض شهية دراكولا,  خلاص البشرية أذن في يديها , فحتى وإن أغتربة الحكومات تظل الشعوب هي الحافظة للضمير الإنساني , فالإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان .



-22-



سكون

......................

......................

"la cumparsita"



تن

تن

تن

تن

تارارا  را  را

تن

تن

تن

تن

تارارا  را  را

أيوه

قدرت

ف رمشة

عين

تارارا  را  را

ويّا

تلات

حركات

مجانين

تارارا  را  را

ترمي

الكرسي

من

الشباك .

تارارا  را  را

تفتح

حنفية

عفاريت

تارارا  را  را

يلعبوا

قال

بنجومك

سيجه

تارارا  را  را

علشان

تبقى

من

الدراويش

تارارا  را  را

وشك

يرجع

أبيض

واسود

تارارا  را  را

راسك

تنقسم

نصين

تارارا  را  را

هتدور

على

أبره

وفتله

تارارا  را  را   

يسرقها

منك

حرافيش

تارارا  را  را  

كتبوا

رواية

جديدة

مريبة

تارارا  را  را

ف كوميديا

لكن

عبثية

تارارا  را  را

حبسوا

ملايكة

ف جحيم

سارتر

تارارا  را  را

أوضه

حيطانها

من

الدبان

تارارا  را  را

إدوا

المفتاح

لأخينا

جودو

تارارا  را  را

بعد

ماقفلوا

بماية

ترباس

تارارا  را  را

تن

تن

تن

تن

تارارا  را  را

تن

تن

تن

تن

تارارا  را  را

أنغام

شاذة

بتخرج

بره

تارارا  را  را

إيقاعات

الحاكم

بالله

تارارا  را  را

فجأة

بتتصفى

م النوته

تارارا  را  را

لجل

ماتكسر

عند

ال la

تارارا  را  را

ردد

تاني

إنك

ورقة

تارارا  را  را

مسحوبه

لصندوق

الدنيا

تارارا  را  را

كوابيس

يقظة

بترسم

واقع

تارارا  را  را

جوه

Matrixال

خليك

راكع

تارارا  را  را

عينك

زارها

مقص

رقابة

تارارا  را  را

دمك

بينقط

ع الروح

تارارا  را  را

بوزك

خارج

بره

الشاشة

تارارا  را  را

وشك

أزرق

آه ومخنوق

تارارا  را  را

وانا قاعد

اهو

بره

الشاشة

تارارا  را  را

مش

هسأل

ف ساعتك

موت

تارارا  را  را

تن

تن

تن

تن

تارارا  را  را

تن

تن

تن

تن

تارارا  را

طش



 : إحدى معزوفات التانجوla cumparsita



-23-

يقول أين سينا أن الله هو واجب الوجود , نعم فلا يمكن أن يكون هناك من أوجده  , هكذا أذن يجب أن يوصف الله , فكيف يجب ان نوصف نحن ,  فمن نحن ؟ من أنا ؟ من أنتم ؟ من أنت ؟ ومن نكون ؟ , هل من الممكن أن يكون الإنسان مجرد حيوان مفترس , مجرد آلة للتدمير لا تحيى سوى على لحوم ودماء البشرية ,  آلة تنبأ بأن البقاء للأقوى , للأكثر فتكاً وقهراً وإبادة , وكأن الحياة ليست حقاً للجميع , أو لنقل وكأن الموت هو سنة الحياة تحت سطوة الأقوياء .



هناك من يقول بأن الكون نشأ من مادة أولية أزلية , هنا يجب أن أسألهم من خلق هذه المادة أو كيف نشأة وتكونت , وهل من الممكن لكائن غير عاقل أن يخلق كائنات عاقلة بل وأن يخلق الكون على هذا النحو المنظم والمحكم , لا أعتقد ذلك , لذا لا بد وأن يكون لهذا الكون إله واحد , فعندما سؤل في ذلك الإمام أحمد أبن حنبل قال للسائل , ماذا بعد العدد أربعة قال ثلاثة قال وماذا بعد الثلاثة قال إثنان قال وماذا بعد الإثنان قال واحد قال وماذا بعد الواحد فقال له السائل صفر , وإذا نظرنا في هذه المحاورة سوف نجدها تتفق مع الفطرة العقلية البشرية التي تسير بمنطق محكم ( رياضي ) مهما أختلفة أنواعه ومجالاته , لكي تستطيع البشرية أن تصل إلى حقائق يقينية في الأمور المختلفة كما ذكرت في موضع سابق , فلا يمكن أن يكون هناك إلهين وإلا فمن خلقهما , كما أنه لا يمكن أن يكون هناك خالق لإله واحد , فالمنطق يقول أنه لا بد أن تكون هناك بداية لكل شيء , فقبل الواحد صفر , والصفر يساوي العدم , أي اللا شيء , كما انه لا يمكن تجزءة الواحد إلى النصف أو الربع لأنها أجزاء من الكل , كما انها ناقصة , ويجب على من خلق هذا الكون أن يكون كاملاً .



هل البشر يولدون أخياراً أم أشراراً , هكذا يجب أن تكون البداية , فلن نعلم ما يجب أن نفعله إلا إذا علمنا من نكون , أعتقد أن الإنسان يولد وفي فطرته الخير والشر , لكن سلوكه أي من المسلكين يعتمد على عاملين أثنين , الأول رغبته في أن يتبع فطرته السوية ( عقله وحدسه العقلي والقلبي ) لكي يكون ما يجب أن يكون عليه , لكي لا تتحول الأنا إلى حالة الإغتراب الإرادي وبالتبعية يتحول الآخر إلى مغترباً قهرياً , والثاني هو التربية التي من الممكن أن تسير في الإتجاه الطبيعي للنشأة السوية أو على العكس تماماً أن تسير عكس الطبيعة السوية للإنسان وما يجب أن يكون عليه فينشأ الإغتراب القهري للذات الذي يتحول في نهاية المطاف إلى إغتراب إرادي , فالفرق بين الإنسان والحيوان كما ذكرت في موضع سابق يكمن في أنه قادر على الإختيار بإستخدام عقله وقلبه , وبالتبعية عدم الركون إلى ذلك الجزء الحيواني بداخله النهم دائماً للفتك والسيطرة والإبادة والسرقة والإغتصاب .



أذن هل أنا مسير أم مخير , الجواب على هذا السؤال يكمن في السؤال التالي , كيف أكون حراً والله كتب من أنا ومن أكون ومن سأكون في المستقبل , أعتقد أن الجواب عند العلامة محمد عبده الذي قال بأن الله يعلم ذلك بعلمه المسبق , والعلم هنا كعلم القاضي الذي يعلم بأن الفرد إذا سلك هذا المسلك أو ذاك سينال الثواب أو العقاب , لكني سأتمادى قليلاً وأقول بأن الله يعلم بعلمه المسبق ما سأفعله وأختاره بكامل إرادتي فكتبه علي , وقد يسأل سائل لما أذن كتبه عليك ولم ينتظر حتى تفعله , أقول له بأن علم الله أزلي ومطلق ودقيق ولا يقبل الخطأ , وقد يسأل آخر كيف ذلك وهناك أمور تغير القدر مثل الدعاء , أقول له بأن الدعاء يكون لله \ المطلق أي أنه هو الوحيد القادر على مساعدة الإنسان وتغيير ماكتبه عليه , وهو أيضاً يعلم بعلمه الأزلي أن الإنسان سيدعوه في تلك اللحظة فيغير ماكتبه عليه , وقد يسأل آخر ولما كل هذا لما لم يكتبه عليه منذ البداية , أقول له لكي يعلم الإنسان أنه حر في الإختيار ما بين الحق والباطل وأنه حر في ان يسلك هذا الدرب أو ذاك حتى وأن كُتب عليه غير ذلك  في القدر في باديء الأمر ,  لكنه غير قادر على أن يفعل ذلك بمفرده لأنه ناقص ونسبي , لذا يحتاج إلى الله \ المطلق فهو الوحيد القادر على أن يغير ما كتبه عليه , وهنا يجب أن أنوه إلى نقطتين فرعيتين لكنهما مرتبطتين إرتباطاً وثيقاً بقضية المطلق والنسبي , فالإنسان يدرك الأمور عن طريق الحواس التي هي بطبيعة الحال ناقصة ونسبية في تكوينها , هذا مع الأخذ في الإعتبار عاملي الزمان والمكان , وهذا لا يعني أنني أويد النزعة اللاإدرية , وذلك لأن للإنسان قدرات عقلية وقلبية تعتمد على التفكير والحدس الذين لا يختلفان في آلياتهما مابين إنسان وآخر , كما أن هذه الآليات تجعل الإنسان يستطيع أن يعي ما هو خلف المادي والملموس , أي أن يعي المطلق , لكنه مع ذلك لا يصبح مطلقاً بأي حال من الأحوال , النقطة الثانية متعلقة بالتمييز بين كل من العقيدة والشريعة والمعجزات , فالإنسان كما قال محمد عبده يجب أن يثبت بعقله أن الله هو واجب الوجود – لأن تلك قضية تتعلق بعمق وصدق الإيمان – وسأضيف إليه القلب أيضاً , لكنه لا يجب أن يسأل في الأمور المتعلقة بالشريعة , كلما أصلي العصر أربع ركعات مثلاً , فالشريعة على ما اعتقد في أمور العبادات مرتبطة بالطريقة التي يحب ويرضى الله أن يُعبد بها , أما فيما يتعلق بالمعاملات فهي قائمة بصورة تحفظ حقوق الإنسان وتبعد الضرر عنه وتحمي حقوق الآخرين كالربا ومضاره الإقتصادية على سبيل المثال , وهنا أختلف مع محمد عبده فحين يختلف العقل مع النقل يجب أن أرجح كفة النقل لا العقل كما قال محمد عبده فهو يرى أنه يجب ترجيح كفة العقل حتى أستطيع أن أعي بعقلي المقصد الحقيقي للنقل , وهذا  لنفس السبب السابق الذي ذكرته في حديثي عن المطلق والنسبي والمعرفة المطلقة والمعرفة النسبية , ولكن لا يعني هذا بأن تصبح الضرورات لا تبيح المخظورات , أو عدم وقف تطبيق بعض الحدود في حالة عدم توفر الشروط اللازمة لتطبيقها , لأن هذه أمور شرعية أساساً ومستنبطة من الأصل ومرتبطة بحياة الناس الواقعية وما يعترضها من مشكلات , وهنا يجب أن أنتقل إلى نقطة أخرى في الشريعة وهي أن الإستنباط من الشريعة يكون بعد الإيمان بها , أي أنه إستنباط من أصولها , بعكس التفكير في العقيدة الذي هو تفكير في صحة الأصول من الأساس , أما فيما يتعلق بالمعجزات فإذا كنت أؤمن بأن الله هو المطلق الكامل فهو أذن قادر على أن يفعل ما لا أستطيع أنا أن أفعله فأنا ناقص ونسبي , وبذلك تكون المعجزة دليل عيني على قدرة الإله وعلى أنه هو واجب الوجود .



صحيح يجب على الإنسان أن يحقق الوجود الفعلي لماهيته بما يتناسب مع تلك الماهية " القدرات الوراثية ( الدنا ) والقدرات المكتسبة ( الحياة ) " وليس مع كل ماهو غير سوي يفرضه المجتمع عليه فهو ناتج عن فعل بشري مغترب إرادياً يؤدي في النهاية إلى الإغتراب القهري للذات , لذا لا بد أن تكون أحلام هذه الماهية أحلاماً غير مغتربة إرادياً من الأساس , وهنا تدخل الأخلاق إلى المعادلة بمشروعية هذه الأحلام المتوافقة مع الماهية ومشروعية السبيل إلى تحقيقها .



بالرغم من أن البشر يفكرون بطرق مختلفة وبطريقة تلقائية على حسب الموضوع الذي يفكرون فيه , سواء كان واقعياً أو علمياً أو ميتافيزيقياً أو شرعياً , إلا أن غاياتهم يجب أن تكون مشروعة , وكذلك الحال في السبيل إلى تحقيقها , فإذا كانت المشكلة واقعية على سبيل المثال , يجب عليهم أن يتبعوا المنطق البرجماتي بقاعدتيه المرتبطتين بالمعنى والصدق , ولكن هذا لا يعني أن يكون السبيل لحل المشكلة غير مشروع أخلاقياً , وإلا أصبحوا مغتربين إرادياً لا على مستوى إتباع المنطق السليم في قضية معينة ولكن على المستوى الأخلاقي الخاص بما يجب أن يؤمنوا به وأن يطبقوه في حياتهم الواقعية , بل ويصبح شغلهم الشاغل في هذه الحالة هو تحقيق أي غاية وبأي وسيلة كانت .



الحل أذن في الضبط الذاتي والإجتماعي , فقد فرق بعض الفلاسفة ومن بينهم برجسون بين القانون الطبعي والقانون الأخلاقي فالأول يقرر كما قال برجسون  والثاني يأمر , الأول لا يمكن التخلص منه بينما الثاني يمكن أن ينفذه الفرد أو لا ينفذه , الأول يكون من الذات بينما الثاني يكون من المجتمع , لذا لا بد أن يكون هناك ضبطاً ذاتياً بمعنى أن يكون الإنسان متوافقاً مع فطرته السوية وألا يغترب عنها , كما يجب أن يكون الضبط الإجتماعي متوافقاً مع هذه الفطرة وإلا أصيب الإنسان بالإغتراب القهري , بل ويؤثر في هذه الحالة عدم الإنصياع إلى القانون الأخلاقي , وهنا أتفق مع برجسون في أن الدين يستطيع أن يسد تلك الثغرة بين القانون الطبعي \ الأخلاقي والقانون الأخلاقي \ المجتمعي كما أحب أن أسميهما , " لأن الدين يمثل النظام العلوي الذي يتسم بالكمال والإنسجام بطريقة ذاتية تلقائية " (نعمت حافظ , الفكر التربوي وتطبيقاته ) .



-24-

الأرض

ستفتحُ أبوابها للريح

والمطر

سينزلُ قطرةً

قطرة

إلى السماء








-25-



وسط تصاعد الغبار الكثف يمكنك أن ترى النور فالحقيقة بداخلك لها عينن لا يغمضهما ذلك الغبار الذي يصول ويجول حين تغيب العدالة بداخلنا وداخل العالم الذي نعيش فيه لتلقى الحرية في نهاية المطاف على قارعة الطريق فلا حرية بدون عدالة ولا عدالة بدون حق ذلك الذي يستوجب أن يأخذ كل منا ماله وأن يعطي ماعليه وأن نعترف جميعاً بأننا متساوين في حقنا في الحياة .



ولكن كيف يمكن أن نكون أحراراً أن لم نعرف من نكون وهنا يبرز سؤال الهوية ذلك السؤال الذي أصبح سهلاً وممتنعاً في آن سهل بالنسبة للعامة وممتنع بالنسبة للخاصة الذين أدخلونا في جدل لا طائل منه سوى ضياع الوقت والحلم بين طرفين أحدهما يتسم بالإنغلاق والتطرف الفكري ويتحدث بأسم الدين والآخر يتسم بالإنفصال عن هوية المجتمع الحقيقية ويتحدث بأسم الحرية والمدنية فالهوية السليمة هي التي تتفق مع الذات البشرية " مع العقل والحدسين العقلي والقلبي " إلا أن بعض البشر يغتربون عن تلك الحقيقة وبالتبعية يظلون مختلفين وبالرغم من أن الخاصة هم من يكونون أجدر على إكتشافها إلا أن الواقع يقول ان الفطرة السوية للعامة تجعلهم – حتى مع محاولة إجتزابهم يميناً أو يساراً – هم الأجدر على رؤيتها بعين قادرة على أن تحمي مكونات الهوية الثقافية بطبقاتها الأركولوجية المختلفة من دون أن تتصارع أو أن يلغي أحدها الأخرى وهو ما يتنافى مع الطبيعة الجغرافية للنفس البشرية .



أذن أنا مصري وعربي ومسلم ولما يجب أن أكون أحدهم من دون أن أكون الآخر فالإسلام جاء ليلغي العنصرية بكافة أشكالها وذلك لأنها رسالة عالمية فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين رسالة لا تفرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى والتقوى محلها القلب والقلب لا يعلمه إلا الله أذن لا فرق بين إنسان وإنسان كما أنها لم تنفي أن يكون هناك قوميات ولكن جردتها من العنصرية القائمة على مبدأ الأثنية ورابطة الدم وغيرها من أنواع العنصرية فالعربية ليست أثنية بالمعنى المفهوم لكلمة عربي وأنما " العربي هو من تحدث العربية " كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أي من كانت ثقافته عربية فاللغة مفتاح للتفكير والأفكار هي من تصنع الثقافة أو بالأحرى طريقة حياة الأمم المختلفة هذا بالإضافة إلى أن مكة كانت أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليه عليه الصلاة والسلام لأهنا وطنه ولو أن أهلها أخرجوه منها ما خرج منها أبداً أذن الإسلام لم يلغي الوطنية أيضاً فأين التعارض وأين الخلاف لكي نقيم الجدل من الأساس .



وهنا يجب أن نتطرق إلى نقاط مهمة عن علاقة الدين بالدنيا فالدين مكون من عبادات ومعاملات الأولى مصدرها كتاب الله وسنة رسوله الكريم والثانية الأصل فيها الإباحة ما لم يحرمها الشرع بمعنى أن أمور الدنيا متروكة لنا ما لم يوجد أصل شرعي يحرمها أو يضبطها فالأنظمة الإقتصادية على سبيل المثال مباحة إلا أن لها مجموعة من الضوابط الفقهية والعقدية والأخلاقية وهذا ما يسمى بالمذهب الذي يوضع عليه أي نظام سواء كان رأسمالياً أو إشتراكياً أو طريق ثالث والسياسة لها مجموعة من الضوابط أهمها الشورى تلك التي كانت قائمة على بيعتين خاصة وعامة الأولى لعدد ممن  يُشهد لهم بالتدين والفقه والمعرفة بعلوم الدين هذا بالإضافة إلى دهاة السياسة وشيوخ القبائل المختلفة وغيرهم والناظر إلى تلك التقسيمة سوف يجدها ضرورية لأسباب عدة خاصة فيما يتعلق بوجهاء القوم لمنع التصارع السياسي بين الأطراف المختلفة وهذا ما نجده جلياً في عالمنا الآن والبيعة الثانية لعامة المسلمين الذين لهم الحق والقرار النهائي في رفض أو قبول الخليفة الذي رشحته البيعة الخاصة أما الخليفة نفسه فكانت له سلطتان الأولى زمانية وهي السلطة السياسية المدنية في إدارة شؤون البلاد والثانية دينية وهي ليست كما يعتقد البعض بأن يكون الخليفة حاكماً بأمر الله ولكن أن يقيم الشريعة وأن يحافظ على إقامة الشرائع الدينية وعدم الإعتداء على المسلمين أو على أماكنهم المقدسة كما أن الدين يوجب عليه أيضاً أن يحافظ على حق الآخرين في إقامة شرائعهم الدينية بحرية تامة وعدم الإعتداء عليهم أو على أماكنهم المقدسة هذا بالإضافة إلى حقهم في الإحتكام إلى شريعتهم في كافة أمورهم وعدم التمييز بين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما أقره أول دستور في الإسلام " وثيقة المدينة " بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين .



يقول البعض أن هناك إختلاف جوهري بين البيعة والإنتخاب فالأولى بيعة مدى الحياة في رقبة من بايع الخليفة والثانية إنتخاب لفترة محددة يتغير بعدها الحاكم وهنا أقول لهم أن من شروط أختيار الخليفة القاسية أن يكون كفء لمنصبه بمعنى أنه إذا إنتفى عنه هذا الشرط وجب عزله حتى وأن كان على قيد الحياة كما أنه وجب عزله أن أخل بالعقد الإجتماعي بينه وبين المحكومين وهذا ما أقره أبوبكر الصديق رضي الله عنه حين قال " أطيعوني ما أطعت الله فيكم فأن عصيته فلا طاعة لي عليكم " وطاعة الله في العباد لا تتعلق بالحفاظ على الشرائع فقط وأنما تتعلق أيضاً بالسلطة الزمانية وقضاء حوائج الناس .



هناك فرق بين العدالة والمساواة فالعدالة أن يأخذ كل فرد حقه الذي يستحقه والمساواة أن يتساوى الناس تماماً في كل شيء وهذا يجعلنا نتطرق إلى نقطة أثارة جدلاً واسعاً وهي نقطة الولاية العامة التي لا يسمح لغير المسلم أو المرأة بتوليها وأشدد على أن هذا الأمر في الولاية العامة فقط وأعتقد أنه من العدالة أن الدولة التي يكون أغلب أهلها من المسلمين أن يتولى الولاية العامة فيها فرد منهم وذلك لأنهم يمثلون أغلبية المواطنين وللحفاظ على طريقة حياتهم ومصالحهم والأمر سيان أن كان أغلب المواطنين من المسيحيين أو اليهود أو أي ديانة أو أيدولوجية ولكن من المساواة أن يكون لغير المسلم والمسلم نفس الحقوق والواجبات الأخرى لأن هذا الأمر مرتبط بحقوق المواطنين وواجباتهم لا بالولاية العامة لأن الحاكم ملزم بأن يساوي بين المواطنين وإلا أصبح هناك تمييز وعنصرية وطغيان على حقوق الأقليات أما فيما يتعلق بالمرأة فالأمر مرتبط بطبيعة المرأة الفسيولوجية والسيكولوجية التي لا تجعلها قادرة على تولي هذا الأمر ولكن هذه الطبيعة لها من الميزات التي ليست في طبيعة الرجل لذا كان من العدالة أن يتولى كل طرف منهما دوره في الحياة لأنه كفء له ولكن من المساواة أن الدورين مهمين لإقامة الحياة من الأساس لأن أي خلل في أي من الدورين سيؤدي إلى إنهيار الحياة البشرية برمتها وهنا يجب أن أتطرق إلى نقطتنين في غاية الأهمية الأولى هي كيف يحكمني شخص غير مصري والثانية كيف يكون المسلم الباكستاني مثلاً أقرب إلي من المسيحي المصري ففيما يتعلق بالأولى يجب أن أنوه إلى أنه ليس من شروط الخلافة أن يكون حاكم مصر غير مصري كما أنه لا توجد طاعة عمياء للخليفة فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ومن معصية الخالق أن يكون هناك جور على حقوق الوطن ومواطنيه وهنا يجب أن أقول أنه من أهداف الخلافة أن يكون المسلمين يد واحدة لكي تكون لهم قوة قادرة على الحفاظ على مصالحهم في عالم مليء بالصراعات والتنافس أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية فالقصد من طرحها إقرار مغالطة كبرى فالإسلام كما جعل المسلمين جسد واحد أمر أيضاً بالحفاظ على حق الجار وحب الوطن والحفاظ على حقوقه وحقوق أبناءه ووحدتهم بل والتضحية من أجله فمن يمت دون أرضه شهيد .



أما فيما يتعلق بالقانون في الشريعة فهو ينقسم إلى قسمين الأول الحدود والثاني التعزير الأول يتكون من مجموعة من العقوبات التي أمر بها الله في كتابه الكريم وهذه الحدود إذا نظرنا إليها بدقة سوف نجدها مرتبطة بالجرائم الأساسية للجنس البشري أن جاز التعبير كالقتل والسرقة على سبيل المثال أي تلك التي ترتبط بحاجات أو رغبات البشر الأساسية والتي تؤثر بشكل قوي على الحفاظ على الضبط الإجتماعي في المجتمعات البشرية إلا أن هذه الحدود لها ضوابط قاسية قبل وعند تطبيقها وكل هذا لا من أجل أن لا تطبق أو أن تكون رادعة فقط لأنها أن لم تطبق لن يكون هناك ردع من الأساس ولكن لكي لا يكون هناك إسراف وخطأ في تطبيقها كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالرفق في تطبيقها وأشار إلى أنه أفضل للحاكم أن لا يطبق الحد على أن يخطأ في تطبيقه كما أعطى فرصة لمن أرتكب الجرم بالتوبة والعيش بشرف فالسرقة على سبيل المثال أما أن تكون مرتبطة بحاجة الشخص أو برغبته وحبه للمال ففي الحالة الأولى يأتي الضابط الأول أي أنه لا يجوز تطبيق الحد لمن لم يصل إلى حد الكفاية في معيشته وفي الحالة الثانية يطبق عليه الحد ولكن بعد أن يصل إلى حد النصاب للسرقة وإلا تحول إلى التعزير وهي العقوبات التي يضعها الحاكم في حالة أن لا يكون الجرم من الأشياء التي لها حد أو كفارة وهو ما يمكن أن يوصف بالقانون الوضعي في العصر الحديث وإذا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي سوف نجد أن تلك الحدود القليلة لم تطبق بعدد أصابع اليدين وأن أغلب العقوبات كانت في حيز التعزير إلا أن وجودها له ضرورة كبرى فالسارق الذي يسرق بعد أن يصل إلى حد الكفاية يجب أن ينال عقوبة رادعة أكبر من عقوبة الحبس التي أثبت الواقع أنها غير رادعة بشكل كاف لكي لا ينتشر الفساد في المجتمعات ولا يطغى الإنسان على حقوق الآخرين فالعقوبة الجسدية تظل أكثر أثراً في النفس البشرية وأكثر ردعاً لها لأن تلك الجرائم مرتبطة بحاجات أو رغبات الإنسان الأساسية كما ذكرت من قبل كما أن هناك رد على من يقولون أن تلك العقوبات كانت مرتبطة بعصرها وأن العالم تطور لأن القرآن الكريم ذكر في بعض المواضع السجن والحبس لذا كان من الممكن أن ي|أمر المسلمين بحبس السارق بدلاً من أن يكون هناك عقوبة أخرى عليه كما أن هناك رد على من يقول لما أنتهى تطبيق بعض الضوابط القرآنية في بعض الأمور ولم تنتهي في السرقة وهو أن السرقة لازالت موجودة لذا يجب أن تظل عقوبتها موجودة أيضاً فلا تختفي النتيجة إلا بإختفاء السبب أولاً هذا بالإضافة إلى أن السرقة تظل من أكثر الجرائم بشاعة وإهدار لحقوق الآخرين وهذا مانجده جلياً في عالمنا المعاصر وإذا نظرنا إلى باقي الحدود سوف نجد أن لها من الحجج والمنطقية في التطبيق ما للسرقة تماماً .



ذكرت في مقال سابق أنه يجب أن تحيا الأمة الواحدة في حالة بنائية يؤدي كل نسق فيها دوره الوظيفي بإنتظام ودقة وأن يكون هناك حالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة لكي يكون هناك سلام عالمي وأعتقد أنه لكي يحدث ذلك يجب أن تكون هناك إجراءات عدة منها تعديل ميثاق الأمم المتحدة لكي يكون أكثر عدلاً وإنصافاً مما هو عليه الآن ولكي يحدث ذلك يجب أن يلغى ما يسمى بحق الفيتو بل وأن تلغى فكرة الدول دائمة العضوية من الأساس وأن يكون التصويت على قرار مجلس الأمن بثلثي الأعضاء الذي يجب أن يراعى في إنتخابهم لا التمثيل الجغرافي فقط وأنما التشابهات الثقافية والأيدولوجية واللغوية وغيرها بمعنى أن تمثل الأمم المختلفة فيه وفي حالة أن تكون دولة في كتلتين مختلفتين في وقت واحد يجب أن تختار أن تكون ممثلة لإحداهما دون الأخرى وهذا لا ينفي حقوقها وواجباتها في الكتلة التي لا تمثلها كما يجب بعد ذلك أن يصوت ثلثي أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار مجلس الأمن هذا بالإضافة إلى أن الدول الممثلة لأمة معينة يجب أن يكون إنتخابها من قبل ثلثي أعضاء تلك الأمة بل وأن لا تتخذ تلك الدولة أي قرار يخص مجلس الأمن إلا بموافقة الثلثين أيضاً .



يجب أذن أن أردنا أن نصنع نهضة وتنوير حقيقيين أن لا نغترب عن هويتنا المصرية والعربية والإسلامية بل أن تكون النهضة مستمدة منها لا على الطريقة الأخوانية التي في بعض الفترات من تاريخها كانت تخون أحيانناً وتتبع البراجماتية البحتة التي لا تعترف بالأخلاق في أحين أخرى ولا على طريقة المتشددين دينياً الذين يتسمون بالتشدد والإنغلاق الفكري كما يجب أن لا تكون على طريقة من هم منفصلين عن تلك الهوية بطبقاتها الأركولوجية المختلفة من التيار العلماني المقابل هذا بالإضافة إلا أنه لكي يكون هناك سلام عالمي يجب أن يكون هناك تعارف وتعايش سلمي حقيقي قائم على العدالة والإنصاف بين الأمم المختلفة وأن تستمع الحكومات والخاصة أيضاً ولو لمرة واحدة في التاريخ إلى صوت العامة الذين أثبتوا أنهم الأجدر على رؤية الحقيقة والأجدر على الحفاظ على الضمير الإنساني .



-26-

الشخصيات :

كفوف       : بتحاول ترسم بكره

                 بريشة كافكا

طفل         :

مراهق      :

شاب         : الفاصل بينهم

                 خط الزمن

                 الواصل بينهم

                 دايرة حلم

                

جمهور      : بيحاول يحلل الدراما

                 بطريقة بريخت

               

شخصيات أخرى

أنغام         : بتمطر

                 على دايرة حلم

زمن العرض : ماشي

                    مع دقات قلبك



المنظر        : خلفيه سودا

                   وكفوف بتحبي يمين وشمال

                   وحفر

                   دم

                   وكرسيين

                   واحد من نور والتاني ضلام

                   ومشنقة

                   مدلدله

                  م الأرض



                  -1-

                  يدخل طفل

                  ويلاقي الوهم قدامه

                  يسرقه

                  ويختفي

                  يظهر

                  يرجعه

                  يختفي

                 -2-

                 يدخل الطفل مره تانيه

                 وتبدأ الكفوف تتحرك

                 بسرعه

                 أكبر

                 يحط كف منهم

                 الوهم ع الأرض

                 ويعدي من عليه الطفل

                 من غير

                 مايحس

                 ياخده الكف التاني

                 ويظهر .............

                 و.....................

                 يختفي

                 يسيل الدم ع الأرض

                 ويظهر كيسين

                 يشيلهم الطفل على كتفه

                 ويخرج م الباب التاني

                 وهوه نفسه يصرخ

                 ويقول للعالم كله

                 انا

                 ماسرقتش

                 الوهم



                 -3-

                 يدخل الطفل م اليمين

                 شايل نفس الأكياس

                 " وقفة "

                 تبدأ الكفوف تتحرك

                 بسرعه

                 أكبر

 "                Boom                  "

                 يخرج م الجنب الشمال

                 ....................

                 ....................

                 يدخل الطفل م الشمال

                 شايل نفس الأكياس

                 ( وقفة )

                 تبدأ الكفوف تتحرك

                 بسرعه

                 اكبر

 "                Boom                 "

                 يخرج م الجنب اليمين

                    -4-

                 يدخل الطفل

                 ويتفتح سقف المسرح

                 ينزل حصان بجناحين

               وسيف

               يركب عليه الطفل

               ويمسك ...........

               " إظلام "

               تتحول خشبة المسرح

               لبساط كاراتيه

               يظهر الطفل

               ويبدأ يعرض

               " كاتا "

               " صرخة "

               " أ

                   ظ

                 ل

                    ا

                        م "

                     -5-

              يدخل الطفل

              وتتحول خشبة المسرح

              لمحطة قطر

              يركب جواه الطفل

              ويسيب ضله

              عل الخشبه

              " إظلام "

              تتحول خشبة المسرح

              لمدرسة عسكرية

              ف أرض الطابور

              يظهر طلبه كتير

              صفا ... إنتباه

              إنتباه ... ص .......

              فجأه

              يختفوا الطلبه

              و................

              يحاول واحد منهم

              أنه يخنق الطفل

              تتفتح الأبواب

                    ,

              تتقفل

              " إظلام "

               -6-

               يدخل مراهق

 "              funky              لابس بنطلون "

 "              Scorpions           وبيغني مع "

 "              Amomint in amillion year

                 To make some dreams come true "

               فجأة

               تظهر قدامه وشوش كتير

               يطلع لها لسانه

               وينزل شتيمه

               هنا

               يترج المسرح

               وينقسم نصين

               يحاول يمسك نفسه

               ويمشي في أتجاه واحد

               تلف الدوره الدموية بالعكس

               ويبدأ قلبه يدق

               بأيقاع

               بطيء

 "              Nana              ويدندن مع "

 "              Im lonely lonely lonely   

               Im lonely lonely I .. n .. m .. y .. l .. I "

               .................

               .................

               " تختفي الخشبة "

 "              Boom              "



                  -7-

                يدخل المراهق

               ويظهر مجموعة مراهقين

               حواليه

               ثانية

               أتنين

               يدوله ضهرهم

               ويتبخروا

               ...................

               ...................

               يتبخر

               -8-

               يدخل المراهق

               وتبدأ الكفوف تتحرك

               بسرعه

               أكبر

               تظهر مكتبة

               فيبين كف منهم

               كتاب التحليل النفسي

               لفرويد

               يبدأ يقراه

               وفجأة

               تظهر مجموعة من الناس

               تخرج عقولهم

               ويخرج عقله

               تبدأ العقول تتحرك

               ف كل مكان

               بعشوائية

               تامه

               يتحول المسرح لأشلاء

               ويتحول لأشلاء

               يضحك الجمهور

               وترجع عقولهم من تاني

               تتلم أشلائه

               ويتلم المسرح من جديد

             يرجع عقله

             ويصرخ

             الجمهور

             -9-

             يدخل شاب

             ويظهر قدامه

             ورقه وقلم

             يبدأ يكتب

             ويقول بصوت عالي

             قصيدة

             مبنيه ع التحليل

             والأرقام

             فجأه

 "            dirty money            تصرخ "

 "           Im coming home .. coming home .. 

              Turn the world .. and coming home"  

             هنا

             تطلعله أجنحه

             ويتفتح سقف المسرح

 "             dirty money             يدندن مع "

             ويطير

          

             " إظلام النهاية "




-27-

" حين تكون التمارين الجسدية إجبارية فهي لا تسبب الإضرار للجسم ولكن المعرفة حين تكتسب بالإكراه لا يمكن أن تبقى عالقة بالذهن "



أفلاطون " الجمهورية "



التربية هي الوسيلة التي من خلالها يصبح الفرد والمجتمع البشري في الحالة التي يجب أن يكونا عليها والتعليم هو تربية الأفراد والمجتمعات على إستخدام وتنمية ما تحمله الذاكرة البشرية من معارف من أجل الحفاظ على الوجود الإنساني وتطوره بالشكل الذي يجب ان يكون عليه هذا الوجود والتطورالتربية أذن تعلم مستدام والتعليم جزء لا يتجزء من التربية التي تسعى إلى أن تكون البشرية في أفضل أحوالها .



التربية أذن هي مفتاح الحفاظ على الوجود الإنساني برمته ولكن كيف يجب أن تكون أو لنقل ما هي الحالة التي يجب أن يكون عليها هذا الوجود الإنساني فالحشرات والحيوانات والطيور قادرة على الحفاظ على وجودها بشكل فطري لا يعتمد في الأساس على ذاكرة قادرة على نقل التراث الثقافي والعلمي من جيل إلى جيل إلا أن هذه الكائنات لها طبيعة آلية تتميز بالإنسجام التام مع الطبيعة الآلية للكون الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم وجود أي نوع من الإختلال في تلك العلاقة القائمة بينهما ولكن الإنسان له طبيعة مختلفة حيث ان له قلب وعقل يجعلانه قادر على الإختيار والإبتكار ولهذا الأخير اهمية قسوى لأنه بديل عن قدرته على التكيف والإنسجام بشكل آلي مع الطبيعة لذا كان يجب أن تكون للإنسان ذاكرة قادرة على نقل التراث الثقافي والعلمي بل وتطويره أيضاً لأنه لا يعد رفاهية بأي حال من الأحوال بل هو يمثل حجر الزاوية في قدرته على البقاء .



هناك ثلاث نقاط أساسية يجب أن تقوم عليها التربية أولها الخروج من حالة الإغتراب وتعني أن تكون التربية متماشية مع المسار الصحيح للطبيعة الإنسانية السوية وأن لا تسير عكس هذه الطبيعة وإلا أصيب الإنسان بالإغتراب القهري الذي سيؤدي في النهاية إلى الإغتراب الإرادي للذات وأن يعي الطلاب الفرق بين أساليب التفكير المختلفة والطرق المختلفة التي يجب أن يتبعوها في حال تعاملهم مع العلوم والفنون والآداب على إختلاف أنواعها  بل ومع الدين والحياة العملية هذا بالإضافة إلى طرق التطبيق السليمة أيضاً وهنا يجب أن أشير إلى نقطة قد تبدو فرعية إلا أنها في غاية الأهمية فالعلوم الطبيعية في مجملها والعلوم الإنسانية  أيضاً يشتركان في خصائص التفكير العلمي من الشعور بالمشكلة وتحديدها وفرض الفروض إلا أنهم يختلفان في إختبارها فلا يمكن ان يكون إخضاع الإنسان للتجربة شيء أخلاقي لما قد يترتب عليه من كوارث لا يحمد عقباها لذا يجب الإعتماد على الطرق المختلفة الأخرى التي تتبعها العلوم الإنسانية على إختلاف انواعها وأنا هنا اتحدث فقط عن إخضاع الإنسان للتجريب إلا أن بعض هذه العلوم لا يمكن إخضاعها للتجريب من الأساس كالتاريخ على سبيل المثال كما يجب أن تتوقف العلوم الإنسانية عند الوصول إلى مبدأ أو قاعدة وعدم تطبيقها على عينة مشابه لنفس السبب السابق وفي هذه الحالة يجب البدء من جديد في كل مرة حتى وإن كانت النتيجة واحدة نظراً لإختلاف الأحوال الإنسانية بإختلاف ظروف الزمان والمكان حتى وأن بدت متشابهه في باديء الأمر وهذا ما يجعل العلوم الإنسانية أقل تجريدية من العلوم الطبيعية ولكن هذا لا يعني ان هذه النتيجة التي توصل إليها البحث في كل مرة لا تعد مبدأ أو قاعدة بل يجب ان تظل هكذا حتى تكسرها نتيجة أخرى قادرة على إثبات مبدأ أو قاعدة جديدة كالعلوم الطبيعية  تماماً .



النقطة الثانية التي يجب أن تقوم عليها التربية هي القدرة على مقاومة حالة الإغتراب القهري والتي تنشأ في الصراع البشري فقط نتيجة لأعتداء الآخرين على ما يؤمن به الأفراد بل والأمم أيضاً وما يمتلكونه أما النقطة الثالثة فتعتمد على ان يعي الطلاب ان حل هذه المشكلة يكمن في الوصول إلى الحالة البنائية داخل المجتمع الواحد وإلى حالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة .



كيف يمكن تنفيذ هذه النقاط الثلاث أذن لكي تسير التربية في مسارها الصحيح أعتقد انه يجب أن تكون المناهج وطرق التدريس متوافقة مع النوع الذي تتعامل معه هذه المناهج وهذه الطرق بل ويجب ان يكون تطبيق ما تعلمه الطلاب يسير بشكل سليم أيضاً فمنهج النشاط على سبيل المثال قد يصلح للتعامل مع الحياة العملية والواقعية إلا أنه لا يصلح للدراسات الإنسانية كما يجب أن لا يكون أي نوع من الدراسة إنسانية كانت أم علمية قائم على الطريقة التقليدية في الحفظ والتلقين هذا بالإضافة إلى تنمية كل جوانب الإنسان النفسية والإجتماعية وغيرها وفق الأسس العلمية السليمة إلا أن هذا كله يجب أن يكون في إطار حل مشكلتين رئيسيتين يتسببان بشكل قوي في النفور من التعليم الأولى هي أن الطلبة يتعلمون أشياء لا يحبونها في الأساس والثانية هي أننا في كثير من الأحيان نكون مجبرين على تعليمهم هذه الأشياء التي لا يحبونها لأنها رئيسية وأساسية في التعليم لذا وجب أن تكون وسائل وطرق التدريس متناسبة مع المرحلة العمرية  وأن يتعلم الطلبة ما يحبون وأن نعلمهم الأشياء الضرورية التي لا يحبونها بطريقة يحبونها وأعتقد ان أنسب شيء لهذا الأمر هو إتباع " مخروط الخبرة " لـ " إدجار ديل " فالركيزة الأساسية في المرحلة الإبتدائية يجب ان تكون قائمة على التعليم القائم على المحسوس بالعمل والتعليم باللعب وغيرها من الطرق والأساليب المناسبة والمشوقة للتعليم في هذه المرحلة العمرية وان تكون المناهج الوطرق المختلفة التي ذكرتها من قبل  داخل هذا الإطار العام والأمر نفسه يجب ان يكون في المراحل التالية ومن ضمنها المرحلة الإعدادية التي يجب ان يزيد فيها على التعليم القائم على المحسوس بالعمل التعليم القائم على المحسوس بالملاحظة وفي المرحلة الثانوية يجب أن تضاف قمة المخروط المعتمدة على التعليم القائم على البصيرة المجردة ولكون هذه المرحلة هي مرحلة الإبداع وتمايز وظهور القدرات لدى الأفراد لذا يجب أن يكون هناك إهتمام كبير بهذه النقاط الأساسية ففي السنة الأولى يجب أن يكون التعليم عاماً كما في السنوات السابقة إلا انه بطبيعة الحال يجب أن يكون اكثر عمقاً ودقة وفي السنة الثانية  يجب أن يكون هناك تخصص فإلى جانب قسمي الأدبي والعلمي يجب أن يكون هناك أقسام أخرى خاصة بالفنون والآداب والرياضة  وفي السنة الثالثة يجب أن تنقسم هذه الأقسام بدورها إلى أقسام أكثر تخصصاً وان يكون هذا التحصص مؤهلاً لدخول الجامعة بمعنى أن يدرس الطالب المواد التي تؤهله لدخول المجال الذي يريد أما في مرحلة التعليم الجامعي فيجب ان يكون هناك توازن بين الدراسة الأكاديمية القائمة على المحاضرات وبين التعلم القائم على المحسوس بالعمل والملاحظة هذا بالإضافة إلى البحث العلمي والإبداع وفقاً لما تتطلبه الدراسات العلمية والإنسانية على إختلاف أنواعها ونفس الشيء يجب ان يكون في مرحلة الدراسات العليا إلا انه يجب أن يضاف إليها أيضاً حلقات النقاش كما يجب أن تكون السنة الأخيرة في كل مرحلة من المراحل السابقة  سنة إنتقالية تمهيدية للمرحلة التي تليها .



أما النقظة الثانية المتعلقة بمقاومة الإغتراب القهري والوصول إلى حالة بنائية داخل المجتمع الواحد وحالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة فلن تتم إلا إذا اعتمدنا منذ المرحلة الإبتدائية وحتى إنتهاء التعليم الجامعي على " السيكودراما " بمعنى ان تكون هناك مادة أساسية للمسرح تعتمد في الأساس على مسرحيات كُتبت على هذه المباديء ليقوم الطلاب بمعايشة حالة الصراع هذه والوصول إلى الحل عن طريق التمثيل هذا بالإضافة إلى الدور المهم للإرشاد النفسي ومادتي التربية الوطنية والتربية الدولية التين يجب ان تكون هذه المباديء جزء أساسي فيهما وأن يكونا أساسيين أيضاً حتى إنتهاء التعليم الجامعي كما يجب ان يكون هناك تركيز كبيرفي مرحلة التعليم الأساسي  لجميع الطلاب على الرياضة والفنون والآداب واللغة القومية والتعاليم الدينية والمفاهيم المتعلقة بالمواطنة وحقوق الإنسان وإحترام حقوق الآخرين وغيرها من المفاهيم المهمة لبناء مجتمع بشري سوي ومتحضر .



ربما نحن الآن في حاجة إلى ان نخرج من كبوتنا كما خرجت أوروبا منذ قرون ربما نحن الان في حاجة إلى ان نعود إلى التاريخ من جديد وبطبيعة الحال لن يحدث هذا ولن يحدث تنوير حقيقي إلا إذا عدنا امة تعشق العلم والمعرفة والأبداع ليس فقط لأن بقائها مرتبط بهم ولكن أيضاً لأيمانها بأن الإنسان حيوان فضولي حالم ومبدع .



-28-

سلمٌ موسيقيٌ مكسور

وأنغامٌ شاذة

تكسر قواعد الهارموني

وبورتريهات

على أجسادٍ من حجر

وكوب القهوة العشرون



-29-

هناك الكثير من التابوهات التي وضعت للفن في عالمنا العربي وعلى وجه الخصوص في الشعر والتي تجعل المبدع في مفترق طرق فإما أن يسير في ركابها فيصبح فناناً وإما أن يكسر قواعدها فلا يكون جديراً بهذا اللقب لذا كان لزاماً علينا أن نعود إلى أصول الأشياء لنفهم ما هو الجمال وما هو الفن لكي نستطيع أن نفهم إن كانت هذه التابوهات حقيقية أم لا ونصل في نهاية الأمر إلى فنٍ حقيقي فنٍ حر .



أعتقد أننا نشعر ونعي الجمال عن طريق النفس والعقل فالنفس تستطيع أن تشعر بهذا الجمال والعقل يستطيع أن يعيه عن طريق الحدس المباشر إلا أن هناك قواعد يمكن أن توصف بالمنطقية للجمال فأي شيء جميل يتسم بخمسة أشياء أساسية أول هذه الأشياء هو التناسق الخارجي ولا اعني هنا السيمترية فالسيمترية تتسم بالتساوي ولكني أعني التناسق بمفهومه الأعم والأشمل فقد تكون اللوحة تجريدية مثلاً إلا أنها بالرغم من هذه الفوضى تظل تتسم بهذا التناسق فلا يمكن أن نجد لوحة ليس لها أبعاد ثابته تحافظ على وحدتها العضوية وهذا بالطبع ينطبق على الشعر وكل أنواع الفنون والطبيعة أيضاً فلا يمكن أن نجد قصيدة مترهلة أو مقطوعة موسيقية تتصف بهذه الصفة ولا يمكن أن نجد في الطبيعة ما هو مفتقد لهذه الأبعاد التي تحافظ على وحدتها العضوية .



ثاني هذه الأشياء هو الهارموني فلا يمكن أن نجد قصيدة أو مقطوعة موسيقية أو لوحة لا تتسم بالتناغم والتوافق الداخلي .



ثالث هذه الأشياء هو الإيقاع والإقاع موجود في كل شيء في الحياة ( 1 ) وبطبيعة الحال في كل أنواع الفنون حتى الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي يتسمان بهذه الصفة ويمكننا ان نجد ذلك في إيقاع الألوان في اللوحة ( 2 ) لكني اعتقد انه إيقاع من نوع خاص ويمكننا ان نسميه إعادة إكتشاف لإيقاعٍ حدث في لحظة معينة فإنسيابيت الألوان وتدرجها تعطي إيقاعاً من نوع آخر وهذا ينطبق أيضاً على الصورة الفوتوغرافية فأبعادها المختلفة تجعلك تشعر بهذا الإيقاع وخير مثال على ذلك أنك أن ألتقطت صورة فوتوغرافية لمجموعة من الأشخاص الذين يسيرون في خان الخليلي يمكنك أن تكتشف عمق الصورة وتدرج سير الأشخاص من الخلف إلى الأمام إيقاع حركتهم في تلك اللحظة بالذات وما يجعل هذا الإيقاع حياً هو النظرة الكلية لكل من اللوحة والصورة الفوتوغرافية التي تجعلك ترى هذا الإيقاع الذي حدث في لحظة معينة أثناء رسم اللوحة أو إلتقاط الصورة ولا يمكن أن تختفي هذه القواعد من الجمال والفن بأي حال من الأحوال حتى المدرسة الدادية التي أرادت أن تكسر كل قواعد المنطق والفن لم تستطع أن تكسر هذه القواعد .



رابع هذه الأشياء يكمن في الإبهار وهنا قد يقول البعض أن الشيء قد يكون مبهراً لكنه لا يكون جميلاً أقول لهم نعم ولكن لا يوجد شيء جميل ليس فيه ولو قدر ضئيل من الإبهار والإبهار لا يحدث بطبيعة الحال إلا لو كان هناك مفاجئة بمعنى أن يكون هذا الشيء الجميل كاسر لكل ما هو مألوف ومعتاد .



أما خامس هذه الشياء وآخرها فيكمن في أن الشيء الجميل يجب أن يكون من الأشياء التي لا تثير القبح والإشمئزاز بالنسبة للمتوسط العام من الناس فحتى أصحاب مدرسة جماليات القبح حين أرادوا ان يكسروا هذه القاعدة صنعوا من الشيء القبيح شيئاً جميلاً فلم يتركوه قبيحاً كما هو ولم يكسروا القواعد الخمسة سالفة الذكر .



هنا يجب أن نتسائل أن كانت هناك أشياء يتفق معظم الناس على أنها جميلة أعتقد أن هذه الأشياء موجودة والسبب في ذلك هو الوصول إلى درجة الكمال في النقاط الخمسة سالفة الذكر فكلما أقترب هذا الشيء من درجة الكمال كلما ذاد عدد الأشخاص الذين يرون هذا الشيء جميلاً وكلما أبتعد هذا الشيء عن درجة الكمال كلما قل عدد الأشخاص ولكن الوصول إلى درجة الكمال الفعلي لا يكون إلا في الطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى والمثال على هذه الأشياء التي يمكن أن يتفق معظم الناس على إنها جميلة يمكن أن نجده في شلالات النياجرا والهرم الأكبر وعلى العكس تماماً يمكن أن نجد أشياءاً يتفق معظم الناس على أنها قبيحة كالبراز مثلاً ومع ذلك يظل الجمال نسبياً لأنه وإن أتفق معظم الناس على جمال وقبح شيء معين يظل هناك من لا يتفق على أن هذا الشيء جميلاً أو قبيحاً إلا أن هؤلاء يعدون شواذاً على القاعدة ولايمكن أن تلغى القاعدة بالشذوذ عنها فلكل قاعدة شواذ .



أما بالنسبة للفن فبالرغم من انه عملية إبداع وليس تلقياً للجمال كما يقول الفلاسفة جميعاً إلا انه لا يمكن أن يخرج على قواعد الجمال العامة وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو أنه من غاياته التي لا يمكن التخلي عنها الوصول إلى الجمال وهذا يجعلنا نتظرق إلى نقطة في غاية الأهمية وهي هل يمكن أن يكون الفن غاية في حد ذاته أم انه لا بد أن يتسم بالإلتزام أعتقد أنه لا يوجد فن غير ملتزم سواء كان هذا الإلتزام بطريقة واعية أو بصورة غير واعية حتى قصيدة النثر التي أتسمت بثلاث صفات أساسية وهي القصر والتوهج واللاغرضية لا يمكن أن تكون غير ملتزمة والدليل على ذلك أنك وأن تحدثت في اللازمان واللامكان وأنكفئت على ذاتك وتحدثت في كل ما هو يومي ومعاش لا يمكن أن تكون لا غرضياً فذاتك غير منفصلة عما يحيط بها وكل ماهو يومي ومعاش غير منفصل عما هو أعم أشمل لذلك أعتقد أنك سوف تكون ملتزماً في نهاية المطاف سواء كان ذلك بصورة واضحة وواعية أو بصورة غير واضحة وغير واعية .



الفن لا ينتج في حقيقة الأمر إلا بعد إكتمال ماهية الفنان بعنصريها ( الماهية الوراثية " الدنا " والماهية المكتسبة " الحياة " ) ثم بعد ذلك يجب أن يختار من بين الممكنات المتاحة له أو جميعها أن أمكن وأعني بها إمكانياته وقدراته الشخصية وليس ما يفرض عليه فما يفرض عليه يجب أن يقاوم من أجل تحقيق الوجود الفعلي لذاته على أرض الواقع .



هل يمكن أن يكون الفنان مغترباً لا أعتقد ذلك وأعني هنا الإغتراب عن الفن نفسه أو قواعده الأساسية لا الإغتراب الذاتي للفنان لأنه أن أغترب عن هذه القواعد الأساسية سوف يخرج من دائرة الفن كما أعتقد انه لا يمكن الإغتراب عن الإلتزام حتى وأن أراد الفنان ذلك لأنه كما ذكرت من قبل سوف يخرج في فنه سواء كان ذلك بطريقة واعية أو بصورة غير واعية .



هذه هي القواعد العامة للفن ولكن لكل فن قواعده العامة الخاصة به فالشعر على سبيل المثال يتفق مع هذه القواعد العامة إلا انه يزيد عليها عنصران في غاية الأهمية هما اللغة والموسيقى فلا يمكن ان تكتب قصيدة بدون لغة ولا يمكن ان تكون أيضاً بدون موسيقى  وقد يتسائل البعض لما لم أتحدث عن فنيات الشعر كالصورة الشعرية مثلاً وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو ان الصورة الشعرية قد لا تكون موجودة في بعض الأشكال الشعرية كالزجل على سبيل المثال والأمر نفسه في باقي فنيات الشعر التي قد تختلف من نوع إلى آخر ومن مبدع إلى آخر .



وبما اننا نتكلم عن موسيقى الشعر فيجب أن أتطرق إلى بعض الأمور المهمة الخاصة بها فقد كان الشعر في باديء الأمر يُكتب بطريقةٍ تلقائية ثم جاء الخليل أبن أحمد ووضع بحور الشعر العربي الخمسة عشر ووضع أحد تلاميذه البحر السادس عشر كما ان موسيقى الشعر كانت تختلف عند المصريين القدماء والرومان والأغريق وتختلف أيضاً مابين الشعوب والأجناس المختلفة في العصر الحديث وذلك لإختلاف اللغة والثقافة وأعتقد أيضاً لإختلاف الوعي بما يجب أن تكون عليه موسيقى الشعر ثم تطور الأمر وأصبح هناك ما يعرف بشعر التفعيلة وهو ما عرف خطئاً بالشعر الحر لأن الشعر الحر يعتمد على الإيقاع بمفهومه العام بدلاً عن الوزن وتساوق الأصوات بدلاً عن القافية ثم تطور الأمر بحيث أصبح يُكتب بطريقة تتداخل فيها الأوزان أو يتداخل الوزن مع النثر من دون ان يكون هناك خلل في الإيقاع العام للقصيدة أو وحدتها العضوية أما شعر التفعيلة فإنه يعتمد على التفعيلة الواحدة وليس البحر بصورته الكاملة وهذا ما يجعله بالطبع يختلف عن الشعر العمودي ثم ظهرت قصيدة النثر والكتابة عبر النوعية والقصيدة الإلكترونية بما تتضمنه من تفاعلية وغيرها من الأنواع ما أريد أن أقوله أن موسيقى الشعر أعم وأشمل من البحور العروضية المتعارف عليها والدليل على ذلك أن أي أذن بشرية تستطيع أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بتلقائية حتى وأن لم يكن المستمع شاعراً وقد يقول البعض أن الأذن البشرية العادية غير منضبطة على البحور الشعرية المتعارف عليها أقول لهم نعم إنها غير منضبطة عليها فقط وأنما أيضاً قادرة على أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بمفهومها العام والشامل سواء كان النص موزون أو به تداخل في الأوزان سواء كان نثر أو تفعيلة أو يدمج بين الأثنين .



الآن يجب أن ننتقل إلى نقطة أخرى وهي كيف يمكن ان نميز بين الفن الجيد والفن غير الجيد أعتقد أن الفن كلما أقترب من درجة الكمال في قواعد الفن العامة وقواعده العامة الخاصة به يكون أكثر رقياً من ذلك الذي يبتعد عن هذه القواعد وأعتقد ان هذا هو السبيل الوحيد للتفرقة بين ما هو جيد وما هو غير جيد في الفن والإبداع .



وبما ان هذه التابوهات التي وضعت للفن ليست حقيقية أعتقد انه يجب أن تكون هناك مدرسة في الفن تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وان كانت توجيهية في المقام الأول ولا تضع تكنيكاً محدداً يعتمد عليه الفنانون في إبداعهم لذا اعتقد انها يجب أن تسمى بـ " الباتاتابو " فالمقطع الأول من المصطلح لا يعني شيئاً إلا انه مأخوذ من ألفريد جاري الذي أراد ان يسخر من الميتافيزيقا فسمى مدرسته في الفن بالباتافيزيقا أما إقتران المقطع الثاني وهو كلمة تابو بالمقطع الأول فليس له سبب سوى أن يدل على ان الفن لا يوجد به محرمات او مقدسات وأن الفنان حر فيما يفعل ما دام لم يخرج على قواعد الفن العامة كما ان هذه المدرسة قد لا تكون الأسلوب الأمثل في الإبداع إلا إنها الأمثل من وجهت نظري لكي يعود الفن إلى نقائه وحريته .

تعتمد هذه المدرسة على القواعد الآتية :

1- أن تبدع كما تشاء ما دمت لم تخرج عن قواعد الفن العامة والقواعد العامة الخاصة بفنك .

2- أن لا يكون هناك تكنيكاً موحداً في إبداعك بشكل مقصود فقد تاتي بجديد وقد تتشابه مع بعض المدارس الموجودة ولكن بالطبع مع إختلاف الأيدولوجيا وإستخدام رمزية التكنيك المهم ان يكون ذلك بطبيعية وان تكون في حالة تجريب دائم .

3- يجب أن تكون ملتزماً بكل ما يتناسب مع طبيعة البشر النفسية والعقلية والدينية والأخلاقية وغيرها وإلا أصبحت مغترباً على المستوى الإنساني لا الفني كما يجب أن لا يفرض إلتزامك بأيدولوجيا معينه تكنيكاً موحداً في إبداعك .

4- لا يوجد منطق في الفن الفن هو الذي يصنع منطقه الخاص .

5- لا يعني الإبداع بطبيعية أن لا تكون واعياً بما تبدع ولما تبدع بل يجب أن يسير الوعي واللاوعي في خطين متوازيين لحظة الإبداع .



في النهاية يجب أن أقول ان هذه المدرسة لا ترفض أي شكل إبداعي كما انها لا ترفض أي مدرسة إبداعية لكنها تريد أن يعود الفن حراً كما كان لكي يعود الإنسان حراً كما كان .



( 1 ) : يرى الفيلسوف فؤاد ذكريا أن الإيقاع موجود في كل شيء في الحياة .

( 2 ) : يرلرى الشاعر عبد الرحمن تمام أن الإيقاع موجود حتى في اللوحات والصور الفوتوغرافية وأن ذلك يظهر بوضوح في إيقاع الألوان داخل اللوحة .



-30-

twitterماذا ستفعل تغريدة واحدة على  "

حتى وأن كانت مليئة بالنعيق

هل ستنقذ العالم

ماذا ستفعل البشرية العجوز

حين لا تلحق المترو الذي فتح أبوابه لثوان قليلة

وغادر

فتلقى على الرصيف المزدحم

تاركةً الفرصة الأخيرة

للبقاء

 ماذا سأفعل حين أقرأ التغريدة الوحيدة

وألحق المترو

هل سأنقذ العالم

\ وجودنا

أم علي ولو لمرة واحدة

أن أنقذ الموت

من الحياة



-31-

أن تكون إنسان أولا  هذا هو السؤال ؟



" مع الإعتذار لشكسبير "