السبت، 18 ديسمبر 2010

من خلاياك الجذعيه

حاول مره
تفرغ عقلك من خلاياه
زي الجثه النايمه تملي
ف حضن سريرك
علق جلدك جوه دولاب
وامشي ف كل شوارع بكره
من غير توب
ماتبصش
على كل المانشيتات الحمرا
والدم النازل من جلد الجرنال
ماتبصش
على كل وشوش الناس الماشيه
من غير روح
من غير جسم
حاول تنسى
كفوف بتلم زبالة الأرض
لكفوف أصغر
هيه القوت
وبراح القهر
حاول مره
تدخل جوه محطة قطر
أركب جواه ف الوقت الضايع
واخرج بره براح الكون
ساعات ف العمر
متخافش
راح ترجع تاني ف قطر الساعه تسع ونص
راح تفتح معمل أوهامك
ومن خلاياك الجذعيه
راح تعمل مخ
مافيهوش أي قواعد منطق
مابيعرفش يشوف الصوره
بالمعدول
متخافش
راح تلزق راسك فوق الجسم
راح تلبس جلدك من تاني
وتنام م البوح
راح تمشي ف كل شوارع بكره
بس المره دي
من غير روح

وصف مصر

ف يوم وليله
اتغيرت
كل الخرايط ف الكتب
صبحوا العيال بيدوروا
على أسم مصر
ملقوهاش
قال الحكيم
أرسمها من وحي الخيال
أيدها اليمين كنوز دهب
والشمال واحة لازورد
راسها مينا وعينها مرسى
وقلبها .. قلعة فولاذ
نازل عليها شعرها
فاتحه بيبانها لطير نيون
جلده أمل
مش من أزاز
يوماتي يرحل للجنوب
هوه القدم
يقطف من النوبه العتيقه
ضحكها
يرميها جوه القاهره
وقلوب نحاس
تطرح غنا
درويش زمان
غنا لناسها وأهلها
ودليدا تهمس كلمتين
ف ودنها
يضحك نجيب
مع انه كان
لسه بيروي ف قصه عايشه
ف قلبها
وسومه تعلى بالغنا
عل القهوه قاعدين الحبايب
يسمعوا قصة تاريخ
حرافيش وعسكر
ياما عاسوا ف أرضها
لكنهم
حفنة ورق
مكتوب على جبينها الغرق
ف نيلها وف كتب التاريخ
جرس الكنيسه
كان ياما كان
يخرج بصوته والأدان
كروان وبيرمي السلام
على قلوب المؤمنين
قال الحكيم
أرسمها من وحي الخيال
رسمتها أنا والعيال
بجناحين
بعديها قال
وعيشوا بيها وورثوها
لولادكوا وولاد الولاد
يمكن أيزيس
تخرج ف يوم من قبرها
وتلم تاني شملها
وبأذن ربي وربها
يرجعلها
نبض الحياه

الجمعة، 3 ديسمبر 2010

قصيدة تلات صور للموت للشاعر ... هيثم عبد الشافي

مفتتح .....
- مواويلي بنات ليل ع قبري طافوا
مواويلي بنات حور تاني موته شافوني ف السما خافوا
مواويلي بحر .. البحر ف عينِك ميه وسمك قوليلي ليه ارسمك شط
وفضا
فضا .. تالت مساحه حلوه تعرف تموت نفسك فيها من غير ما
تعاند بناتك
   

لما .....
ف موسم الموات
كشفت جسدي وعدتِك بموتي
صعب عليكي أموت عريان
كفّاني توبك كفن
لامين غسِل لامين دفن
كل اللي فاكروا طبطبتي طلع النفس
كاللي فاكروا كان كفِك مداه
يااااااااه
تحت التراب دب اديكِ شهوه الحياه
تحت التراب سلم وحصان
اسكت ترخي الحيطان
أنوي اجيلِك ضلمه
وكل اللي هنا عميان
كل اللي هنا ساكت
كل اللي هنا ضد
خَصّيتك بالندا
ليه الحيطان ترد ؟!
الحقيني ...
توبِك اللي ف الأصل كفني عَت
زعلان مِنك يابت
أيوه زعلان
شفاف توبِك
لاينفع كسوه ولاأكفان
مواويلِك في الغنا مُره
أنا مات مِنك
ودي تالت مره
يجي موسم الموات
أملّي اسمي بدالِك ...

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

ققصيدة كونشيرتو القدس للشاعر ... أدونيس

010 11:20:12 ص
أدونيس
‮ ‬I. موجز سماوي

عالياً‮ ‬عالياً،
انظروا إليها تتدلّي من عُنقِ‮ ‬السَّماء‮.‬
انظروا إليها تُسيَّجُ‮ ‬بأهداب الملائكة‮.‬

لا يَسْتَخدمْ‮ ‬أحدٌ‮ ‬قدميه في التوجّه إليها،
يمكن أن يستخدمَ‮ ‬جبينَه،‮ ‬والكتف،‮ ‬وربّما السرّة‮.‬

اقرعوا بابَها حُفَاةً،
يفتحهُ‮ ‬نبيٌّ‮ ‬يُعلّمكم السّيرَ،‮ ‬وكيف تَنحنون‮.‬

مَسرَحٌ‮ ‬يقودُه القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬
ويفعل الربّ‮ ‬هذا كلّه من أجل أبنائه‮.‬

‮- "‬هوذا أنا‮. ‬طَيْفٌ‮ ‬للقدس‮":‬
صَرخت علي المسرح دميةٌ‮ ‬بثلاثة رؤوسٍ‮ ‬وغابَتْ‮.‬
‮ ‬
‮- "‬شَكا بيت المقدسِ‮ ‬إلي ربّه الخرابَ،
فأوحي الله إليه‮:‬
لأَمْلأَنّكَ‮ ‬خدوداً‮ ‬سُجَّداً‮ ‬تحنّ‮ ‬إليكَ
حنينَ‮ ‬الحمامِ‮ ‬إلي بَيْضها‮".‬
‮- "‬إِتَّقِ‮ ‬الله يا كَعْب،
هل لبيتِ‮ ‬المقدسِ‮ ‬لسان؟‮"‬
‮- "‬نعم‮. ‬وله قَلْبٌ‮ ‬مثلكَ‮".‬
‮(‬عن‮: ‬كعب‮)‬
مسْرحٌ‮ ‬يقوده القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬

كثيراً‮ ‬رَجَوْتُ‮ ‬الخبزَ‮ ‬أن ينتقدَ‮ ‬الملح‮.‬
كثيراً‮ ‬سمعتُ‮ ‬من يسألني،‮ ‬خِفْيةً‮: "‬لماذا يتأخّر الموتُ‮ ‬في القدس،‮ ‬ويظلّ‮ ‬تقدّم الحياةِ‮ ‬موتاً‮ ‬آخر؟
وكيف يُسجن رأسٌ‮ ‬في قَبْو الكلماتِ‮ ‬التي ابتكرها هو نفسه؟‮"‬

حقاً،‮ ‬يمكر الغيبُ‮ ‬في القدس،‮ ‬وهو سيّدُ‮ ‬الماكرين‮.‬
في زاويةٍ،‮ ‬في أَقْصي صحرائي،
غزالةٌ‮ ‬تبكي‮.‬
‮ ‬
أعرفُ‮ ‬اسمكَ،‮ ‬أيّها العَصْرُ‮ ‬الراكض في شوارع القدس‮.‬
أُمِرْتُ‮ ‬أن أقدّمَ‮ ‬لك عصيرَ‮ ‬اليورانيوم‮. ‬وسوف أقول للقمر أن يوقع علي دفتركَ،
وللشمس أن تؤرّخ لهذا التوقيع‮.‬
وانظرْ‮: ‬ها هي جدرانٌ‮ ‬تريقُ‮ ‬حليبَ‮ ‬أحزانها
علي الأرضِ،‮ ‬فَرحاً‮ ‬بكَ‮.‬
وتعرف أيها العصر،
أنّ‮ ‬النَّمل أكثر علوّاً‮ ‬من الكواكب‮:‬
قَدِرَ‮ ‬النَّمل أن يتحدّث مع سليمان،
ولم تقدر الكواكب‮.‬
ربما،‮ ‬لهذا يتنبّأُ‮ ‬النمل‮:‬
الأحزمة،‮ ‬الأقنعة،‮ ‬الخنادق،‮ ‬الجَرّافات،
القنابل،‮ ‬الصواريخ،‮ ‬الحقائب،‮ ‬الدواليب،‮ ‬الأدمغة الإلكترونية‮:‬
‮ ‬
تلك هيَ‮ ‬الأيامُ‮ ‬المقبلة‮.‬
ربما لهذا،
تتحوّل السماء إلي ثُقْبٍ‮ ‬سرّيّ‮ ‬في سَقْف التاريخ‮.‬

‮"‬بيت المقدسِ‮ ‬أرض المحشر والمَنْشَر‮".‬
‮(‬عن‮: ‬أبي ذرّ‮)‬
‮"‬مَن مات ببيت المقدس،‮ ‬فكأنّه مات في السّماء‮".‬
‮(‬عن‮: ‬أبي هريرة‮)‬

لكن،‮ ‬ها هُوَ‮ ‬امرؤ القيس‮!‬
هوذا في طريقه إلي بلاد الرّوم مروراً‮ ‬ببيت المقدس‮.‬
قبل أن يضع قدميه علي العتَبة،‮ ‬قرأ‮:‬
    لِلدّم الذي أُريق علي ضِفاف المتوسّط
    منذ البدايات،‮ ‬تاريخٌ‮ ‬مُدنَّس‮.‬
    لهذا التّاريخ الأرضيّ
    مُوجزٌ‮ ‬سماويّ‮ ‬اسمه القدس‮.‬
    لكن،‮ ‬لماذا النّاس فيها اثنان‮:‬
        ميّتٌ‮ ‬يُقيم في القَفر،
        وحيٌّ‮ ‬يُقيم في القَبْر؟
‮ ‬
كان اللّيل والنّهارُ‮ ‬في صراعٍ‮ ‬يحاول كلاهما،‮ ‬باسم القدس،‮ ‬أن يخنقَ‮ ‬الآخر‮.‬
وكان الوقت يُحوّل المَشْهَد إلي شريطٍ‮ ‬وثائقيّ‮.‬
غير أَنّ‮ ‬امْرأَ‮ ‬القيس قال مودّعاً‮:‬
في بدء العالَم،‮ ‬كانت الكلمة
في بدء الكلمة،‮ ‬كانتِ‮ ‬الدّماء‮.‬

مَسرحٌ‮ ‬يقودهُ‮ ‬القديرُ‮ ‬الجَبّار‮.‬

هل تَعبتَ،‮ ‬يا امرأَ‮ ‬القيس،‮ ‬من السّير في تلك الشوارع التي
شَقَّها الغيب؟
ما أبرعَها في فَنّ‮ ‬الاقتفاء،
ما أَنْبَهَ‮ ‬جُدْرانَها في التنصّت‮.‬
كلّما حاولتَ‮ ‬أن تعانق امرأةً،‮ ‬يسألك حارسٌ‮:‬
هل استأذَنْت السماء؟
بلي،‮ ‬كلّ‮ ‬ثَمرٍ‮ ‬مُرٌّ‮ ‬في هذه الشوارع‮.‬
مع ذلك،‮ ‬ها أنتَ‮ ‬تتابع سيركَ‮ ‬أكثرَ‮ ‬إلحاحاً‮ ‬مِن
ذَكَر نَمْلٍ‮ ‬جائعٍ،
صانِعاً‮ ‬من خطواتكَ‮ ‬أوتاراً‮ ‬لموسيقي لم تجئ بعد،
محفوفاً‮ ‬بقَصبِ‮ ‬أحلامٍ‮ ‬تنفر من ذكورتها بويضاتُ
الظنّ‮.‬
‮ ‬
ظَنُّكَ‮ ‬أنّ‮ ‬سريركَ‮ ‬ليلٌ‮ ‬آخر،
وثمّةَ‮ ‬ما يوشوشكَ‮:‬
يكذب اللّيل هو كذلك،‮ ‬ولو أنّه صديق الشمس الأكثرُ‮ ‬وفاءً‮.‬
غيرَ‮ ‬أنّكَ‮ ‬تعوّدت أن تبدأ دائماً‮ ‬من الصّفر،
لأنك تعوّدتَ‮ ‬أن تَتَنشَّقَ‮ ‬عِطرَ‮ ‬اللانهايات‮.‬
كانت جدّتكَ،‮ ‬السماءُ‮ ‬العُكاظيّةُ،‮ ‬تَضَعُ‮ ‬في جيوب
أبنائها عملةً‮ ‬ليست إلا نَرْداً،
وكانت تُوصيهم أن يطرحوها ليلاً،‮ ‬بين رَمْلٍ‮ ‬النجوم،‮ ‬إن كانوا يريدون أن يتماهوا مع أحلامهم‮.‬
ووفقاً‮ ‬لوصاياها،
كانوا ينثرون قصائدهم علي الرمل،
تبرّكاً‮ ‬واحتفاءً‮.‬

أنتَ‮ ‬الآن تحت سماءٍ‮ ‬أخري‮. ‬حولكَ‮ ‬جدرانٌ‮ ‬تنزفُ‮ ‬دماً‮. ‬رؤوسٌ‮ ‬شِبْهُ‮ ‬مقطوعة لا تتوقف عن الكلام‮.‬
اطمئني،‮ ‬أيتها الريح،
الأشراك التي تنصبينها تخبئ وراءها‮ ‬غاباتٍ‮ ‬من النار‮.‬
وثمة ينابيع من الدم تسيلُ‮ ‬من ثقب إبْرةٍ‮ ‬تتدلّي من يد السماء‮.‬
‮ ‬
‮- ‬كلماتٌ‮ ‬حرابٌ‮ ‬وأسنّةٌ
والبصير هو دائماً‮ ‬فَرِيستُها‮.‬
‮- ‬ملائكةٌ‮ ‬آثروا أن ينقلبوا إلي عُشّاقٍ،‮ ‬وأن يكون المِسْكُ‮ ‬العربيّ‮ ‬فضاءً‮ ‬لِتشرّدهم بين الحجاز والقدس‮.‬
‮- ‬سماؤك نقشٌ‮ ‬لغويّ‮. ‬أرضكَ‮ ‬حَمّالةُ‮ ‬أوهام‮. ‬كلّما شهقَت كلمةٌ‮ ‬في هذا النقش،‮ ‬تصطكّ‮ ‬أسنان التاريخ،‮ ‬فيما تنحدرُ‮ ‬الرؤوس كمثل كُراتٍ‮ ‬دون اتجاه،‮ ‬وفيما تبدو النجوم كمثل حُزَم من القَشّ‮.‬
‮- ‬تاريخٌ‮ ‬حليبٌ‮ ‬يفرّ‮ ‬من أثداء أمّهاتِنا لكي يُرْضِعَ‮ ‬القمر وبقيّةَ‮ ‬الكواكب‮.‬
‮- ‬حين تهجم العاصفة لا تتسلّح إلا بأجسامنا‮. ‬تملأُ‮ ‬أيامَنا بغيومٍ‮ ‬سوداء لا يستطيع،‮ ‬أحياناً،‮ ‬أن يقرأها حتي الضوء‮.‬
‮- ‬هكذا سنظلّ‮ ‬نصنعُ‮ ‬النعوشَ‮ ‬قبل الأوان‮. ‬ندهنها بِعطرٍ‮ ‬مما قَبل التكوين‮. ‬ونقطَعُ‮ ‬باسمها وريدَ‮ ‬الأرض لكي نُغذّيَ‮ ‬شَرَيان الغيب‮.‬
‮- ‬إقرأْ‮ ‬بُرْجَكَ،‮ ‬أيها التاريخ،‮ ‬وسوف تري كيف تنقلبُ‮ ‬التوهمات إلي أبراجٍ‮ ‬من الحقائق‮.‬
‮- ‬إلي سرير الفلك،‮ ‬يَسْتَسْلم جسم التاريخ‮. ‬وها هو يفكّ‮ ‬أزراره‮.‬

‮ ‬الريح تقرأ الوَرْدَ
والعطر يكتبه‮.‬

دَخلت العاشقة حديقة بيتها في القدس حيث يُقيم حبّها‮.‬
الأزهار كلها تحوّلت إلي شِباكٍ‮ ‬تطوّق خطواتِها‮.‬
ضحكت وقالَت‮:‬
هَلْ‮ ‬عليّ،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن أخيطَ‮ ‬من جديدٍ‮ ‬ثوباً‮ ‬آخر لكل زَهْرة؟
أمسِ،‮ ‬حين التقيتُها،‮ ‬همسَ‮ ‬الليل في أذنيَّ‮:‬
العطر ابْنٌ‮ ‬للوردة،
لكنه يُولد شاباً‮.‬

‮(‬توتّر‮. ‬مقتل‮. ‬قَبض‮. ‬إسعاف‮. ‬مطافئ‮. ‬ضحايا‮. ‬إدانات‮. ‬منع‮. ‬تمرّد‮. ‬خَرْق‮. ‬استحقاق‮. ‬معتقل‮. ‬اعتقال‮. ‬سجون‮. ‬هدم‮. ‬احتلال‮)‬،
قلتُ‮ ‬لخيالي‮: ‬تجرّأ‮. ‬ضع يديك علي كتفي القدس‮.‬
وقلت للقدس‮:‬
لماذا أنا المقبل إليكِ،‮ ‬لا أعرف أن أسيرَ‮ ‬إلا إلي الوراء؟
‮ ‬
‮(‬إرهاب،‮ ‬خطف‮. ‬جهة مجهولة‮. ‬تشدّد‮. ‬اتّهام‮. ‬نَفْي‮. ‬نَعْي‮. ‬شَرْع‮. ‬فساد‮. ‬كُفّار‮. ‬تزوير‮. ‬حملة‮. ‬عنف‮. ‬قضاء‮. ‬قاعدة‮. ‬خطَر‮. ‬صراع‮. ‬هيمنة‮. ‬ملاذ‮. ‬غزو‮. ‬اكتساح‮).‬
الطريقُ‮ ‬خيط عنكبوت‮. ‬وثمّةَ‮ ‬كونٌ‮ ‬بصيرٌ‮ ‬يزدردهُ‮ ‬كونٌ‮ ‬أعمي‮. ‬المدنُ‮ ‬احتضارٌ،‮ ‬والزمن هدهدٌ‮ ‬عابر‮.‬
إلي متي ستظلّين،‮ ‬أيتها السماء نائمة بين يدي أرضٍ‮ ‬حمراء؟

‮(‬صواريخ‮. ‬عصابات‮. ‬طوائف‮. ‬طقوس‮. ‬هجمات‮. ‬ألغام‮. ‬تجارة‮. ‬اقتتال مذهبي‮. ‬قَصف‮. ‬انشقاق‮. ‬تهدئة‮. ‬سيادة‮. ‬مُرابَحة‮. ‬أشلاء‮. ‬جثث‮. ‬معارك‮. ‬حلفاء‮. ‬أعداء‮. ‬مُسلّحون‮. ‬اغتيالات‮. ‬قبائل‮)‬،

طِفْلٌ‮ ‬له هيئةُ‮ ‬النّعش تحمله أيْدٍ‮ ‬غيرُ‮ ‬مرئية،‮ ‬في اتجاهٍ
بلا اتّجاه‮. ‬قولوا للأبديّ‮:‬
فُرْقَتكَ‮ ‬التي تدير المسرح
مجبولةٌ‮ ‬من طينٍ‮ ‬اسمه القَتْل،
وتلبس الفرقة نَسيجاً‮ ‬اسمه الهواء‮.‬
‮ ‬
‮(‬نفط‮: ‬يورانيوم‮. ‬اختراقٌ‮ ‬للصوت‮. ‬ذخائر‮. ‬فضائح‮. ‬تحقيق‮. ‬تهريب‮. ‬قوانين‮. ‬يمين‮. ‬يسار‮. ‬مفاوضات‮. ‬خيانة‮. ‬تعذيب‮. ‬نزوح‮... ‬إلخ‮)‬،
‮"‬في القمر شِقٌّ‮ ‬إيروسيٌّ‮ ‬تحفره السياسة‮"‬،‮ ‬قال عالِمٌ‮ ‬فَلكيّ،
‮"‬في الأرض ثقوبٌ‮ ‬تتشبّه بثقوب الجسم الإنسانيّ‮"‬،‮ ‬قال عالِمٌ‮ ‬في الطبيعة،
بينهما،‮ ‬كان الجُودِيُّ‮ ‬الجبَلُ‮ ‬يتحوّل إلي وشاحٍ‮ ‬أحمرَ‮ ‬يلفّ‮ ‬السفينة‮. ‬وكان كاحِلُ‮ ‬الهواء يُموسِقُ‮ ‬رقصه علي إيقاع‮ ‬غبارٍ‮ ‬ذَرّيّ‮.‬
خيوطٌ‮ ‬وأسلاكٌ‮ ‬تنسج عباءاتِ‮ ‬إلكترونيّةً
لمسافرين يجهلون المكانَ،
يجهلهم المكان‮.‬
أكداسُ‮ ‬كتبٍ‮ ‬تَرزح تحتَها رؤوسٌ‮ ‬لحِججٍ‮ ‬واهيةٍ‮ ‬خَطَّها قلمُ‮ ‬المعجزة‮.‬
لم أقل ذلك لأي ملاكٍ‮. ‬قلته لِشهابٍ‮ ‬أخرس،‮ ‬لم يكد يشتعلُ‮ ‬حتي انطفأ‮.‬
هناك من تلطّخ،‮ ‬فانقلب خارجه إلي داخل‮. ‬هناك من قرأ فأصابته عدوي الجهل بكل شيء‮. ‬هناك ثالثٌ‮ ‬لا رابعَ‮ ‬له إلا ظِلّه‮.‬

الرُّعب نفسُه نغمٌ‮ ‬في قيثار الشمس‮.‬
‮ ‬
‮- "‬يا رسول الله،‮ ‬أيّ‮ ‬الخَلق أوّلُ‮ ‬دخولاً‮ ‬إلي الجنّة؟
‮- ‬الأنبياء‮.‬
‮- ‬ثمّ‮ ‬من‮.‬
‮- ‬الشهداء‮.‬
‮- ‬ثمّ‮ ‬مَن؟
‮- ‬مؤذّنو بيت المقدس‮".‬
‮(‬عن‮: ‬جابر‮)‬

‮"‬لم يُستَشْهد عبدٌ‮ ‬قطُّ،‮ ‬في بَرٍّ‮ ‬أو بَحْرٍ
إلا وهو يَسمع أذَان مؤذّني
بيت المقدس من السماء‮".‬
‮(‬عن‮: ‬كعب‮)‬

‮"‬صخرة بيت المقدس علي نَخْلةٍ،
والنخلة علي نَهْرٍ‮ ‬من أنهار الجنّة‮.‬
تحت النخلة آسيا امرأة فرعون،
ومريم ابنة عمران،
تنظمان سُموطَ‮ ‬أهل الجنة إلي يوم القيامة‮".‬
‮(‬عن‮: ‬عُبادَة بن الصامت‮)‬
‮ ‬
ماذا نكتب،‮ ‬إذاً،‮ ‬وكيف؟
‮- ‬كتابة الواقع استنساخ‮. ‬انفصالٌ‮ ‬آخر عن الواقع،‮ ‬وعن الكتابة‮.‬
‮- ‬إن لم نكتب الممكن،‮ ‬فكأنّنا لا نكتب‮.‬
‮- ‬أهناك معني لما لا يدخلُ‮ ‬في اللغة؟
‮- ‬وما يدخلُ‮ ‬في اللغة،‮ ‬اليس دخولاً‮ ‬في صحراء؟
‮- ‬لماذا تكون أحزانُ‮ ‬العقل قبوراً‮ ‬لرغبات الجسد؟
‮- ‬لا نكتب الشيء حقّاً‮ ‬إلا إذا رأيناه
بطريقةٍ‮ ‬يبدو فيها كأنه هو نفسه يرانا‮.‬
‮- ‬كتابةٌ‮ ‬لا هُوَّة فيها،‮ ‬لا هويّةَ‮ ‬لها‮.‬
‮ ‬
II. ‮ ‬سماءٌ‮ ‬علي الأرض

القدس‮. ‬حلمٌ‮ ‬_‮ ‬لغة‮. ‬لغةٌ‮ ‬يمتزج فيها التاريخ بما قبله،‮ ‬وما بعده‮. ‬يمتزج بالإنسان والواقع،‮ ‬نهايةً‮ ‬ولا نهاية‮. ‬إنها التّراب والماء‮ ‬_‮ ‬ولكَ‮ ‬أن تجبلَ‮ ‬ما تشاء‮ /‬
‮(...)‬

‮... "‬كلَّم الله موسي في أرض بيت المقدس،
تابَ‮ ‬الله علي داود وسليمان في أرض بيت المقدس،
رَدّ‮ ‬الله علي سليمان ملكه في بيت المقدس،
بَشّر الله زكريّا بيحيي في بيت المقدس،
سَخّر الله لداود الجبال والطّيرَ‮ ‬في بيت المقدس،
تتغلَّب يأجوج علي الأرض كلّها‮ ‬غير بيت المقدس،
ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس،
أُوتيت مريم عليها السّلام فاكهة الشتاء في الصّيف،
    وفاكهة الصّيف في الشّتاء في بيت المقدس،
ولد عيسي عليه السّلام وتكلّم في المهد،‮ ‬في بيت المقدس،
وأنزلت عليه المائدة في أرض بيت المقدس،
ورفعه الله إلي السّماء من بيت المقدس،
وينزل من السماء إلي الأرض في بيت المقدس‮.‬
‮ ‬
هاجر ابراهيم عليه السلام من كوثا إلي بيت المقدس،
أُسْرِي بالنبيّ‮ ‬إلي بيت المقدس،
تكون الهجرة في آخر الزّمان إلي بيت المقدس،
يُنْصَبُ‮ ‬الصّراط علي جهنّم إلي الجَنّة ببيت المقدس،
ينفخُ‮ ‬إسرافيل في الصُّور ببيت المقدس،
والحوتُ‮ ‬الذي الأرضونَ‮ ‬علي ظهره‮:‬
    رأسهُ‮ ‬في مطلع الشّمس،
    وذنبَهُ‮ ‬بالمغرب،
    ووسطه تحت بيت المقدس،
تخرب الأرضُ‮ ‬كلّها ويعمرُ‮ ‬بيت المقدس،
أوّل بقعةٍ‮ ‬بُنِيت من الأرض كلّها موضع صخرةِ‮ ‬بيت المقدس‮.‬
تظهر عين موسي في آخر الزّمان ببيت المقدس‮..."‬
‮(...)‬
‮(‬عن‮: ‬قاضي القضاة،‮ ‬أبو اليمن القاضي،‮ ‬مجير الدين الحنبلي ‮٠٦٨ ‬_‮ ٨٢٩‬ه في كتابه‮: ‬الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل‮).‬
‮ ‬
‮... ‬إنّها القُدرة علي تحويل الحُوتِ‮ ‬إلي كناريٍّ،‮ ‬والبقَرةِ‮ ‬إلي مِنْجَلٍ‮ ‬للحصاد‮.‬
‮..." ‬وبذلك الطّريق سارت قطعان عدَدٍ‮ ‬لا يُحصي من الزّعماء الكباش‮    ‬والنّعاج المسمّنة‮    ‬والخراف‮    ‬والحملان المجزوزة الصّوف‮    ‬والإوزّ‮ ‬البريّ‮    ‬والعجول المخصيّة المتوسّطة الحجم‮    ‬والأفراس المصدورة‮    ‬والعجول الجَمّاء‮    ‬والأغنام الطويلة الصّوف‮    ‬والحيوانات الاستيلاديّة‮..."‬
‮(...)‬
‮"‬وهناك أصوات وطْء أقدام‮    ‬وقَوْقأَة‮    ‬وجُؤَار‮    ‬وخُوار‮    ‬وثغاء‮    ‬وخرخرة‮    ‬ونخار‮    ‬وقَضم‮    ‬واجترار للخراف‮    ‬والخنازير‮    ‬والأَبْقار الحُبْلي
‮(...)‬
‮"... ‬يحملون سعفَ‮ ‬النّخيل‮    ‬القيثارات‮    ‬السّيوف‮    ‬تيجان‮    ‬الغار‮ (...)    ‬أصفاد‮    ‬فؤوس‮    ‬أشجار‮    ‬جسور‮    ‬أطفال في أحواض اغتسال‮    ‬أصداف‮    ‬مقصّات‮    ‬مفاتيح‮    ‬ثعابين بأجنحة ومخالب خنازير‮    ‬مصابيح‮    ‬ملاعق‮    ‬نجوم‮    ‬أفاعي‮    ‬سفادين‮    ‬علب فازلين‮    ‬أجراس‮    ‬عكّازات‮    ‬كلاليب‮    ‬قرون وعول‮    ‬صقور‮    ‬أحجار رحيً‮    ‬وحيد القرن‮ (...)‬
يرتّلون فاتحة القُدامَي التي تبدأ قومي استنيري يا أورشليم‮ (...) ‬ويقولون‮:‬
كلّها تأتي من شَبا‮".‬
‮(‬عن‮: ‬جيمس جويس،‮ ‬يوليسيس،
ترجمة‮: ‬صلاح نيازي‮).‬
‮ ‬
ما هذا الرّأس الذي ينخلهُ‮ ‬الهذيان؟ ما هذا الجسم الذي تَنْخرُهُ‮ ‬مخالِبُ‮ ‬التوهّم؟ هل الإنسانُ‮ ‬هو نفسه خُرافَةُ‮ ‬الدّم واللّحم؟
هياكلُ‮ ‬عظميّةٌ،‮ ‬جماجمُ،‮ ‬أوردةٌ‮ ‬وشرايين،‮ ‬آذانٌ‮ ‬وعيون‮:‬
أدواتٌ‮ ‬وآلاتٌ‮ ‬يحفظها الغبارُ‮ ‬في ثيابه وتحتَ‮ ‬وسائده‮.‬
لكل أداةٍ‮ ‬ولكلّ‮ ‬آلةٍ‮ ‬أسنانٌ‮ ‬من الذّهَب،‮ ‬كمثل آياتٍ‮ ‬تَنْحتُ‮ ‬ذَهَبَ‮ ‬الكلام‮.‬
لو كان الغبارُ‮ ‬يعرف أَنْ‮ ‬يقفَ‮ ‬علي قدميه،‮ ‬لكانت السّماء مجرَّد سِوَارٍ‮ ‬ضيّقٍ‮ ‬علي كاحله‮.‬

ما لِلدّهشة تَفْتَرُ؟ ما للوقت يستسلمُ‮ ‬لِتَباريحه؟ إن كانت هناك أبديّةٌ‮ ‬فهي الثلجُ‮ ‬المعمِّر شقيقُ‮ ‬الغبار‮. ‬وانظروا‮: ‬علي كلّ‮ ‬عتَبةٍ،‮ ‬وفي كلّ‮ ‬مُفتَرقٍ‮ ‬مَيْتٌ‮ ‬يحَارُ‮ ‬فيه نعشه‮:‬
هل تحملهُ‮ ‬الملائكة،
أم أنّ‮ ‬عليه،‮ ‬هو،‮ ‬أن يحملَها؟
‮ ‬
يا قدس،‮ ‬يا قدس‮!‬
في عصركِ‮ ‬البرونزيّ،‮ ‬كانتِ‮ ‬التّفاحة امرأة‮.‬
في عصركِ‮ ‬النفطي‮ ‬_‮ ‬الالكترونيّ،‮ ‬صارت التُفّاحةُ‮ ‬قنبلةً‮:‬
تحوّلٌ
لا تتّجه فيه الصّواريخُ‮ ‬إلاّ‮ ‬نحو بيوت العُشّاق‮.‬
عُشّاقٌ‮: ‬بعضهم يحمل أوراقه ويمضي في اتّجاه عصر الحجَر،‮ ‬وبعضٌ‮ ‬يحمل أوراقَه ويضيع‮: ‬يجهل أَنّي يمضي،‮ ‬وأين،‮ ‬وكيف يَتّجه؟

من بين أثداء الكواكب،‮ ‬يهرب ملائكة اليقين،‮ ‬ويجيئونَ‮ ‬إليكِ‮. ‬يغتسلون بمائكِ،‮ ‬وينحنون لنخيلكِ‮. ‬يشدّون السّماءَ‮ ‬من شعرها،‮ ‬ويقودونها إليكِ‮. ‬تَنْسلِبُ‮ ‬السّماء من السّماء،‮ ‬وتُمسك حبالهم بعنق الأرض‮.‬

توازنٌ‮ ‬ديموغرافيّ‮!‬
‮ ‬
أناسٌ‮ ‬يجيئون إلي القدس من أطراف العالم،
أناسٌ‮ ‬ينبتون في طينها ومائها‮.‬

ثلاثة وافدين مقابِلَ‮ ‬مقيمٍ‮ ‬واحد‮.‬
المقيم يرحل،‮ ‬والوافد يقيم
توازنٌ‮ ‬ديموغرافيّ‮!‬
وليس هناك بابل ولا آشور‮.‬
إنّه الهَدْمُ،‮ ‬هدم الحجَر والبشر‮.‬
إنّها السّياسة‮ ‬_‮ ‬مِعْماراً‮ ‬آخر‮.‬
لا شَرْق في شرق القدس،‮ ‬والقُرَي حولها سديم‮.‬
مُنْعزَلاتٌ‮ ‬تحفّ‮ ‬بها الشرطة من كلّ‮ ‬نوع‮.‬
‮- ‬وأين القانون الدولي؟
‮- ‬لا يُقرّ‮ ‬ذلك‮. ‬بل يعدّه جريمة‮.‬
‮- ‬ولماذا يظلّ‮ ‬صامِتاً‮.‬
‮- ‬لعلّه التّجاوُبُ‮ ‬مع‮ "‬التّرحيل الصّامت‮". ‬أو لعلّه الصَّدي‮.‬
‮ ‬
إنّها القدس تتشقَّق وتنهار‮ ‬_
الحوضُ‮ ‬المقدس الحوض التّاريخي،
قديمُ‮ ‬المدينة،
سفوح جبل الزيتون الغربيّة،
سلوان
وادي حلوة،
حَيّ‮ ‬البستان،
حي الشيخ مدّاح،
وادي الربابة‮... ‬إلخ،‮ ‬إلخ‮.‬
إنْغَرسْ‮ ‬أيّها الوافد،
انْقَلِعْ‮ ‬أيّها المقيم‮:‬
تلك هِي اللاّزمة في موسيقي الله‮.‬
والمجدُ‮ ‬لإسطبلات سليمان‮:‬
اسْرَحي فيها كما تشائين،‮ ‬وحَمحِمي،‮ ‬يا خيول الملائكة‮!‬
‮ ‬
بَطْنُ‮ ‬المكان ينتفخ،
والوقت يلتهم الأجنّةَ‮ ‬وأرحامَها‮.‬
ما هذه الظّلال التي تجهلها الشَّمس،
ما هذه الأجراسُ‮ ‬التي تنكر أصواتَها،
ما هذا النَّرجسُ‮ ‬اللاّهوتيّ‮ ‬الذي يتمرأي في الغيم؟
بلي،‮ ‬بين الواقع واللّغة خنادِقُ‮ ‬لا تُرْدم،
وأهلاً‮ ‬بكَ،‮ ‬أيّها اللاَّ‮ ‬شيء الملك‮.‬

لا حياة في الحياةِ،‮ ‬يا مَرْيم،
لا حياة إلاّ‮ ‬في الصُّورة،
غداً،‮ ‬من سيُلقي عليكِ‮ ‬السَّلامَ،
في هذه الظّلمات التي تتعانَقُ‮ ‬وتتآخي؟
رئة الكلام تَخْرجُ‮ ‬من قَفصِها الصَّدريّ،
وبين جداريْن‮: ‬البكاء والمبكي،
يأتي ويذهب قطار التاريخ‮.‬

لماذا،‮ ‬لماذا تكذبين أيّتها النّجوم؟
‮ ‬
طرقٌ‮ ‬كمثل أخاديدَ‮ ‬في وجه المعني،
تشقّها عرَباتُ‮ ‬الأباطرة‮.‬
حولها بَشرٌ‮ ‬يَحتفون،
حولها مِنصّاتٌ‮ ‬من الآلاتِ‮ ‬والبيارق،
حولها أكفانٌ‮ ‬وحَفَّارونَ‮ ‬وقبورٌ‮.‬
    دَمُ‮ ‬الآلةِ‮ ‬يهدرُ،
    دم الطّفولة يتخثّر،
عَلّمينا،‮ ‬أيّتها الأرضُ‮ ‬كيف نغسلُ‮ ‬هذه الصِّبْغة؟
هل سنظلّ‮ ‬إلي الأبَد،
نُصْعَقُ‮ ‬ونُجَرُّ
وراءَ‮ ‬جحافلِ‮ ‬أَنْسابِنا؟

‮"‬علي هذه الأرض ما يَستحقُّ‮ ‬الحياةَ‮"‬،‮ ‬يقولُ‮ ‬زرادشت بلسان نيتشه،
أين هي،‮ ‬إذاً،
مطرقةُ‮ ‬الحريّة؟
أين هو،‮ ‬إذاً،‮ ‬سندانُ‮ ‬العَقْل؟
كيف للإنسان،‮ ‬خالِق المعني،
أن يكونَ‮ ‬مصيرُه مُرْتَسِماً‮ ‬في لفظةٍ؟ وكيف لروحه أن تنسكبَ‮ ‬في جدار؟
‮ ‬
لم يعد أحدٌ‮ ‬يعرف إلا الاسم،
كأنّ‮ ‬الأشياءَ‮ ‬غير موجودةٍ‮ ‬إلاّ‮ ‬لَفْظاً‮.‬
القشرة تلتهم اللّبّ
والغبارُ‮ ‬اسْمٌ‮ ‬آخر لِلغيب‮.‬

وما أشدّ‮ ‬في هذا كلّه بؤسَ‮ ‬الإنسان‮:‬
    يَهبط في قارورةِ‮ ‬الأَنْتَ‮ ‬أنتَ،
    يَصعد في دخان لَبّيكَ‮ ‬لَبّيك‮.‬

وها أنتِ،‮ ‬أورشليم‮ ‬_‮ ‬القدسُ،
    تتزلّجين علي ثَلْج المَعْني
وللسّماء فيكِ‮ ‬جِنٌّ‮ ‬وعفاريتُ
    يهيمنون علي محيطات اللّغة‮.‬
‮ ‬
من قَبْرٍ،‮ ‬مِن نَقْشٍ،‮ ‬من عشبةٍ‮ ‬لها شكل الثّديين،‮ ‬من طحلبٍ‮ ‬يتسلّق حائطاً‮ ‬رطباً،
تنبعث رائحةً‮ ‬تتمازج فيها الرِّقَّةُ‮ ‬والرِّقُّ،‮ ‬وتطوف حوله الشياطين والملائكة في رقْصٍ‮ ‬كأنّه الموج‮.‬

أنا،‮ ‬الفقيرَ‮ ‬إلي رغيفٍ،‮ ‬يلذّ‮ ‬لي أن أكون فيكِ‮ ‬الإعصارَ‮ ‬والزّلزلة،
أَشهد فيكِ‮ ‬النّهاية واللانهايةَ‮ ‬في نَبْضٍ‮ ‬واحد،
وأُشهد عليكِ‮ ‬الطّبيعةَ‮ ‬_
    الطَّبْعَ‮ ‬والجِنْسَ‮ ‬والحَدْس‮.‬
‮ ‬
III. ‮ ‬حَبْلٌ‮ ‬بين النّاقة والدبّابة

أ‮ ‬_‮ ‬تاريخ‮ / ‬الرّاوي‮:‬
‮"‬الواقديّ‮ (‬ت‮ ‬207ه‮.)‬،‮ ‬اليعقوبيّ،‮ ‬الطبريّ،‮ ‬ابن البطريق،‮ ‬الإصطخري،‮ ‬المسعودي،‮ ‬المقدسي،‮ ‬ابن عساكر،‮ ‬أسامة بن منقذ،‮ ‬العماد الأصبهاني،‮ ‬ياقوت الحموي،‮ ‬ابن الأثير،‮ ‬أبو شأمة،‮ ‬ابن العبري،‮ ‬ابن فضل الله العمري،‮ ‬ابن خلدون،‮ ‬المقريزي،‮ ‬ابن شاهين،‮ ‬ابن تَغْري بردي،‮ ‬شمس الدين السّيوطي،‮ ‬مجير الدّين الحنبلي‮ (‬ت‮ ‬928ه‮).‬
هؤلاء كلّهم رَسموا صورةَ‮ ‬القُدْس‮: ‬وانتشوا بمعناها،‮ ‬وبشّروا به‮".‬
ب‮ ‬_‮ ‬تلخيص‮ / ‬المحلِّل
‮"‬قالوا‮: ‬ليست القدس في عقل المسلم وفي مخيّلته،‮ ‬أرضاً‮ ‬بقدر ما هيَ‮ ‬سماءٌ‮ ‬_‮ ‬جَنّة‮.‬
في صورتها ذابَ‮ ‬المسلم‮: ‬أصبحَ‮ ‬موجوداً،‮ ‬لا في نفسه،‮ ‬بل في هذه الصّورة‮. ‬وفيها خرج من نفسه،‮ ‬وراح يتشرّد في لغتها‮ ‬_‮ ‬في اللّغة‮. ‬كلامه عليها لا يصدر عن ذاته‮. ‬يصدرُ‮ ‬عن هذه الصّورة،‮ ‬لكن بلسانه‮. ‬بل إن هذه الصّورة‮ ‬_‮ ‬المخيّلة هي التي تتكلّم‮".‬

ج‮ ‬_‮ ‬توثيق‮ / ‬الدِّين
‮"‬من أرادَ‮ ‬أن ينظرَ‮ ‬إلي بقعةٍ‮ ‬من بقاع الجنّة،
فلينظرْ‮ ‬إلي بيت المقدس‮".‬
‮(‬عن‮: ‬ابن عبّاس‮)‬
‮ ‬
أرضٌ‮ ‬_‮ ‬في كلّ‮ ‬حَجرٍ‮ ‬تتناسَلُ‮ ‬دبّابةٌ،‮ ‬في كلّ‮ ‬شجرة تُعسكر قنبلة‮.‬
فوقهما وَحْيٌ‮ ‬يتدلّي في شكل دُخانٍ‮ ‬أحمر‮.‬
من المتوسّط،‮ ‬هذا البَحْر الواحد الأحد،‮ ‬يَنْبَجِسُ‮ ‬يَرَقانُ‮ ‬العَصْر‮.‬

جدرانٌ‮ ‬تمتلئ بالأكوان كلّها وتفرغُ‮ ‬من جَميع الأَسْرار‮. ‬فَضاءُ‮ ‬قَشٍّ‮ ‬وكبريت‮. ‬وثمّة أصنامٌ‮ ‬تعقد أحلافاً‮ ‬ضدّ‮ ‬الكلمات‮. ‬وثمّة دُميً‮ ‬تتذابَحُ‮ ‬تحتها‮. ‬هنا وهنالك مَسْرحٌ‮ ‬لصلب البشر علي قرون الملائكة‮.‬
مَهْلاً،‮ ‬أيّها الطّوفانُ‮ ‬الذي لا يحمل في فلكه إلاّ‮ ‬الجنّة‮. ‬وانظري،‮ ‬أيّتها الفُلْكُ،‮ ‬هل تستطيعين أن تَري علي الضّفافِ،‮ ‬أو في الأعالي،‮ ‬رجلاً‮ ‬أو امرأة؟ اللّحظَةُ‮ ‬حديدٌ‮ ‬سَفّاح،‮ ‬وكلّ‮ ‬دَواءٍ‮ ‬داء‮.‬
ثلاثَ‮ ‬مرّاتٍ،‮ ‬ارتجفت الأرضُ‮ ‬في فَم السَّماء‮. ‬ملايين المرّات ارتجفت أفواه البشر‮. ‬وليس لمجهول الكون بيضةٌ‮ ‬تلوّح لعجيزة أنثي نبويّة،‮ ‬أو تسقط ناضجةً‮ ‬في حضن ديكٍ‮ ‬إلهيّ‮.‬
‮ ‬
أظنّ،‮ ‬مع ذلك،‮ ‬أنني سأستقبل حافيَ‮ ‬القدمين،‮ ‬أنثي هذا المجهول في حديقة الشعر،‮ ‬ذات لَيْلةٍ‮ ‬مقبلة،‮ ‬وسوف نقول معاً‮ ‬ليد الحبّ‮: ‬امشطي شعر القدس وقَدّمي لها مرآةَ‮ ‬الشِّعر لكي تتمرأي فيها‮.‬
يا قدس،‮ ‬يا قُدْس‮. ‬عجباً،‮ ‬لا تلدين إلاّ‮ ‬نفسَكِ،‮ ‬مع أنّ‮ ‬فَرْجَ‮ ‬الدّنيا يتأرجحُ‮ ‬بين فخذيكِ‮. ‬لصَدركِ‮ ‬شكل القَبر،‮ ‬ولحنجرتكِ‮ ‬شكلُ‮ ‬القنبلة‮. ‬أين الأغنية التي ستوحّد فصولكِ‮ ‬في نبضٍ‮ ‬واحد؟ أين الطّريق التي ستقرأ خطواتكِ‮ ‬كأنّها كتابٌ‮ ‬كريم؟ أسألكِ‮. ‬وأعرف أنّ‮ ‬السّؤالَ‮ ‬هو نفسه الويْل‮.‬

وماذا لو أحصينا عددَ‮ ‬الجماجم التي تدحرجت باسمكِ،‮ ‬في أنفاقِ‮ ‬التّاريخ وعلي مدارجه؟ ألن تكون كافيةً‮ ‬لكي نرفعَ‮ ‬سماءً‮ ‬أخري بحجم السّماء؟
هل نقول،‮ ‬إذاً،‮ ‬طُوبي للسماوات التي لا يَرويها هي أيضاً‮ ‬إلاّ‮ ‬دَمُ‮ ‬الأرض؟ وهل نقول‮: ‬طوبي لهذه الأرض التي لا تقدر،‮ ‬احتفاءً‮ ‬بالسّماوات،‮ ‬إلاّ‮ ‬أن تكون مقبرةً؟

انتبهوا،‮ ‬أيّها العابرون‮. ‬لكلّ‮ ‬منكم علي هذه الأرض هاويةٌ‮ ‬في تلك السّماء‮.‬
‮ ‬
آهِ،‮ ‬لو ترينَ،‮ ‬لو رأيتِ‮ ‬كيف تتمزّق رئاتُ‮ ‬البشر،‮ ‬أطفالاً‮ ‬وشيباً،‮ ‬رجالاً‮ ‬ونساءً،‮ ‬وتتبعثر باسمكِ‮ ‬بين أحْذيةِ‮ ‬السَّائحين وأكداسِ‮ ‬الصَّلوات‮. ‬كيف تُرتَجلُ‮ ‬باسمكِ‮ ‬القيامةُ،‮ ‬وتنقلب أَرحامُ‮ ‬الأشياء إلي جُثَثٍ‮ ‬وأشلاء‮. ‬كيف تَصْطَكُّ‮ ‬البيوتُ‮ ‬والشّوارعُ‮ ‬والأجواء في القَصْفِ‮ ‬الإلهيّ‮ ‬المتواصل تحقيقاً‮ ‬للنبوءات والرّسالات‮. ‬كيف تلجأ الكائنات العَزْلاء،‮ ‬حشراتٍ‮ ‬وزواحفَ،‮ ‬هرباً‮ ‬مِن الهَوْل،‮ ‬إلي ظِلّ‮ ‬رجاء،‮ ‬أو إلي وِكْر دعاء‮.‬

‮"‬لا تقتلوا الخفّاش،‮ ‬فإنه استأذنَ‮ ‬البحر أَن يأخذ من مائه،‮ ‬فيطفئ بيت المقدس حيث حرّق‮" (‬ولهذا الكلام هذه التتمة‮: "‬ولا تقتلوا الضّفادع فإنّ‮ ‬نقيقها تسبيحٌ‮).‬
‮(‬عن‮: ‬عبدالله بن عمرو بن العاص‮)‬
‮ ‬
آهِ‮ ‬لو ترين،‮ ‬لو رأيتِ‮ ‬كيف ينكسر الشَّجَرُ‮ ‬والزّهْرُ،‮ ‬وتنخسفُ‮ ‬الحُقول،‮ ‬وينقصِفُ‮ ‬السَّرْوُ،‮ ‬وكيف تحاول الأحجارُ‮ ‬نفسها أن تفرَّ‮ ‬إلي أحضانِ‮ ‬أمّها الطّبيعة،‮ ‬في أيّ‮ ‬اتّجاهٍ،‮ ‬في أيّ‮ ‬مكانٍ،‮ ‬بعيداً‮ ‬بعيداً‮ ‬عنكِ‮.‬
وها هو الأفق يئنّ،‮ ‬والفضاء يرتعد،‮ ‬فيما يترصَّد الزَّلازل الآتية‮. ‬كلّ‮ ‬نهاية بداية‮: ‬لا شيء تعلّمينه إلي أبنائكِ‮ ‬إلاّ‮ ‬الموتَ‮. ‬وما هذه الحياة التي لا تحيا إلاّ‮ ‬رهينةً‮ ‬في قَفَصٍ‮ ‬إلهيّ؟

كلاّ،‮ ‬لا أخافُ
لا أخاف إلاّ‮ ‬من جموعكِ‮ ‬التي لا تعرف شفاهُها أن تَنْفصِلَ‮ ‬عن ثدي الموت‮.‬
كأنّكِ‮ ‬فَرَسٌ‮ ‬يقاتِل بعضها بعضاً‮ ‬في ساحةٍ‮ ‬واحدة،‮ ‬في معركة واحدة،‮ ‬انتصاراً‮ ‬للواحد‮. ‬فرسٌ‮ ‬كلّ‮ ‬عُضْوٍ‮ ‬فيها يرقصُ‮ ‬علي جثّةِ‮ ‬عضْوٍ‮ ‬آخر‮. ‬يا لهذه المائدة المتواصلة‮: ‬سلالةٌ‮ ‬لسماءٍ‮ ‬واحدة يأكلُ‮ ‬رأسُها قدميها،‮ ‬وتلتهم أنيابُها ما تَبقّي‮.‬
هكذا تحرثين الفراغ،‮ ‬ولن تكون لكِ‮ ‬أيّة معجزة‮. ‬ليس في جسدكِ‮ ‬غيرُ‮ ‬التصدّعات،‮ ‬ودمكِ‮ ‬في احتضارٍ‮ ‬بَطيءٍ،‮ ‬بِطيء‮.‬
هل أَخْطأَتِ‮ ‬السّماءُ‮ ‬فيكِ،‮ ‬أم تعرفين مُخْطِئاً‮ ‬آخرَ‮ ‬أشدَّ‮ ‬غَطْرَسةً‮ ‬وفتكاً؟
وها هي نواحيكِ‮: ‬لا تُقاس إلاّ‮ ‬بالأشلاء‮.‬

صَمْتاً،‮ ‬صَمْتاً،‮ ‬أيّها الشاعر،
قُرْصانٌ‮ ‬يُمْسِكُ‮ ‬بيَدِ‮ ‬القمر ويُهيّئ الزَّحْف‮. ‬هل سيحدث،‮ ‬يوماً،‮ ‬أن تَشهقَ‮ ‬السَّماءُ‮ ‬غضباً،‮ ‬وتَصرخَ‮:‬
كلاّ،‮ ‬لا رجاءَ‮ ‬فِيَّ،‮ ‬ولستُ‮ ‬السّماء؟
‮ ‬
IV. جسرٌ‮ ‬نحو أيوب النبيّ

أ‮ ‬_‮ ‬حارة المغاربة
هل سيقدرُ‮ ‬ذلك المُتحف،‮ "‬متحف حائط المبكي‮"‬،‮ ‬أن يسلّم علي سُنُونوّةٍ،‮ ‬أو‮ ‬يُصافِحَ‮ ‬البحر الأبيض المتوسّط الذي صافحه قدموس وعُوليس؟ هل سيعرف كيف يُحيّي امرأةً‮ ‬تسمّت أوروبّا باسْمِها؟
سَلامٌ‮ ‬عليكِ،‮ ‬أيّتها الخطوات البشريّة التي تحوّلت إلي عُمْرانٍ‮ ‬كأنّه الطّبيعة‮.‬
حَقًّا،‮ ‬للتاريخ طبقاتٌ‮ ‬سُفْلي‮. ‬والغبارُ‮ ‬يستهزئ بحقائقِ‮ ‬الماء‮. ‬وما هذا التّاريخ الذي يَجهل الفَرْقَ‮ ‬بين الدّمع والحِبْر،‮ ‬وبين المسمار والحَرْفِ‮ ‬الأبجديّ؟
حَفْرٌ‮ ‬في الرّأس،‮ ‬لا في التّراب‮. ‬زياراتٌ‮ ‬لأطياف وَحْيٍ‮ ‬غير مكتوب‮. ‬زبَدٌ‮ ‬يُطيح بعرش الماء‮. ‬يا لهذا النّظام الذي لا ينهض إلا علي أشلائه‮. ‬بين بِرَكِ‮ ‬سليمان تبحر سفينةٌ‮ ‬لا من الغرب لا من الشّرق‮.‬
من هباء المعني‮.‬
تَبرّكوا بهذه البِرَك‮.‬
لا مرفأَ‮ ‬في حارة المغاربة إلا في اللّغة‮ ‬_‮ ‬جرحاً‮ ‬مفتوحاً،‮ ‬كشعر أيوب‮.‬
قل لي،‮ ‬يا شعر أيوب‮:‬
السّجن،‮ ‬التّنكيل،‮ ‬التعذيب،‮ ‬التجويع،‮ ‬الطّردُ،‮ ‬النّفي،‮ ‬القتل‮ ‬_‮ ‬أهذه هي حَقّاً‮ ‬تلك الملاعق التي تركتها علي موائدك الكريمة العالية؟

ب‮ ‬_‮ ‬أغنية
رَجلٌ‮ ‬عاشِقٌ‮ ‬قَيْدهُ
زوجةٌ‮ ‬في نقابٍ،
طفلةٌ‮ ‬في حجابٍ
ولحمٌ‮ ‬حَلالٌ‮.‬
فندقٌ‮ ‬مطعمٌ،‮ ‬ومقهي،‮ ‬وجَبّانَةٌ‮.‬
لا تناقُضَ‮ ‬إلاَّ
بين تُفَّاحَةٍ‮ ‬وابْنِ‮ ‬رُشْدٍ‮.‬
‮ ‬
أيّتها المائدة التي يرتجف تحتها صدر الأرض،‮ ‬تضوّري جوعاً‮ ‬إلي ملعقةٍ‮ ‬تخرج الآنَ‮ ‬من جوف حوت،‮ ‬وإن شئتِ‮ ‬إلي الحِبْر،‮ ‬ذلك الوَحْل الملائكيّ‮. ‬بالألوانِ‮ ‬تطمئنين التّاريخ‮. ‬ترسمين لوحةً‮ ‬للعَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ‮. ‬للبحر الذي فتح فخذيه لكي يعبر بينهما التائهون‮. ‬للجبل الذي استضاف نوحاً‮ ‬وطوفانه وفُلْكه‮. ‬لِلرّعب الذي لا تَتّسع له أيّة لوحةٍ‮ ‬ويَسْخَرُ‮ ‬من جميع الألوان‮.‬
تضوّري،‮ ‬تضوّري جوعاً‮ ‬أيّتها المائدة‮.‬

ج‮ ‬_‮ ‬تأمّلات
ماذا يقول الأطفال لهذه الكرة التي يُدحرجونها والتي سَمّوها الحياة؟ كيف يُمسكون بالعالم والقيود كلّها تُحبك حول أعناقهم،‮ ‬منذ نشوئِها في مِنْجَم الغَيْب‮.‬
آثارُ‮ ‬وَحْيٍ‮ ‬تتموّج في شعر أيّوب‮. ‬جنانٌ‮. ‬أنهارُ‮ ‬عَسَلٍ‮. ‬وِلْدانٌ‮. ‬بقايا كتُبٍ‮ ‬محتها الكتابة‮.‬
إلي الساحة،‮ ‬أيّها الجنود الملائكة‮. ‬القادة يسبحون في‮ ‬غبار سَراويلهم‮.‬
الستارة سوداء،‮ ‬ولا ضوءَ‮ ‬تُمسك به النّوافذ‮.‬
‮ ‬
د‮ ‬_‮ ‬رواية
لم أرَ‮ ‬القمرَ‮ ‬مرّةً‮ ‬يقاد مخفوراً‮ ‬إلي مرفأ الكتب السّماوية كما رأيته ذلك اليوم‮. ‬كان كمثل حصاةٍ‮ ‬تُفرك بين الأصابع‮. ‬لا هذه التي تزدهي بها اليدان،‮ ‬بل تلك التي تتوّج القدمين‮. ‬وكان يجلس مُنهكاً‮ ‬في لباس العمل كأنّه رضيعٌ‮ ‬فصلته أمّه الشمس عن ثدييها‮. ‬وكان يحيط به شِعرُ‮ ‬أيّوبَ،‮ ‬القَبْلُ‮ ‬والبَعْدُ،‮ ‬الغضروف والعَظْم في سُرادقٍ‮ ‬من طيور الجنّة‮.‬

قِشْرُ‮ ‬تُفَّاحةٍ
تنزلق عليه قدَمُ‮ ‬حوّاء‮.‬
هَتفَ‮ ‬الزّقاقُ‮:‬
‮- "‬أين القوسُ،‮ ‬أيّها البارئ؟‮"‬،‮ ‬ولم تكن العَصا التي تحوّلت إلي حَيّةٍ‮ ‬تعرف أنّ‮ ‬كلّ‮ ‬زقاقٍ‮ ‬في القُدْسِ‮ ‬مستودَعٌ‮ ‬لدعاءٍ‮ ‬يناقض بعضه بعضاً‮. ‬أو أنّ‮ ‬الصلواتِ‮ ‬التي تعرج علي سُلّمها الخاصّ‮ ‬مُلقّحةٌ‮ ‬بأنين أصواتٍ‮ ‬مِمّا قبل الطّوفان‮.‬
‮ ‬
ه‮ ‬_‮ ‬أُغنية
ما الذي يقرأ الدِّينُ‮ ‬أو يكتب الشّعر،‮ ‬إن قَصَمَ‮ ‬الغيبُ‮ ‬ظَهْرَ‮ ‬البلادِ،‮ ‬و"زُلْزِلَت الأَرضُ‮ ‬زلزالها"؟‮ - ‬وَهِيَ‮ ‬الأَرضُ،‮ ‬كوكبُ‮ ‬أيّامنا الشاردَهْ‮:‬
الملائك فيها،‮ ‬وشياطينُها
والألوهةُ‮ ‬_‮ ‬مرموزةً‮ ‬ومحسوسةً،
رَحِمٌ‮ ‬واحدهْ؟
‮ ‬
و‮ ‬_‮ ‬خبر
تلميذٌ‮ ‬يعبر حاجزاً‮.‬
‮- ‬دَنَّس ما لا يُدَنَّس‮.‬
‮- ‬يكفيه السّجن إلي أن يلاقي فيه الشَّيخوخة‮.‬

رائحة دَمٍ‮ ‬في الزّقاق يتدفّق منذ الطّوفان‮. ‬يخضع التدفّق إلي فَحْصٍ‮ ‬مدنيّ،‮ ‬وإلي رقابةٍ‮ ‬عَسْكريّة‮.‬
لا يفيد العطش إلي المعرفة إلاّ‮ ‬إذا كانت خوذةً‮.‬
علي جَبَلٍ‮ ‬من القمامة تَرْقُص الذرَّة‮.‬

جيشٌ‮ ‬إلكترونيّ‮ ‬يقوده مَلاكٌ‮ ‬أحمر‮.‬
وكلّ‮ ‬آلةٍ‮ ‬آفة‮.‬
‮ ‬
ز‮ ‬_‮ ‬قول
لم أرَ‮ ‬القمرَ‮ ‬يقاد مخفوراً‮ ‬إلي مرفأ الكتب السّماويّة،‮ ‬كما رأيته ذلك اليوم‮. ‬كان كمثل حَصاةٍ‮ ‬تُفرَكُ‮ ‬بين الأصابع‮. ‬لا هذه التي تزدهي بها اليدان،‮ ‬بل تلك التي تتوّج القدمين‮. ‬وكان يجلس مُنْهكاً‮ ‬في لباس العمل كأنه رضيعٌ‮ ‬فصلته أمّه الشمس عن ثدييها‮. ‬وكان يحيط به شعر أيوب،‮ ‬القَبْلُ‮ ‬والبَعْدُ،‮ ‬الغُضروف والعظمُ‮ ‬في سُرَادقٍ‮ ‬من طيور الجَنّة‮.‬
قشْرُ‮ ‬تُفّاحةٍ‮ ‬تنزلق عليه قدم حواء‮.‬
إلي أيّ‮ ‬جدارٍ‮ ‬تُشير،‮ ‬يا شعر أيّوب؟
هذا الجدارُ‮ ‬يصعد من رَمْلٍ‮ ‬لم يحدث مرّةً‮ ‬أن صارَ‮ ‬مَتَاهةً‮. ‬حدث أن صارَ‮ ‬شَرْعاً‮. ‬واختلطَ‮ ‬فيه ذهَبُ‮ ‬القوانين بفضّة الهياكل‮.‬
ويهبط ذلك الجدارُ‮ ‬من ناطحاتِ‮ ‬كواكبَ‮ ‬لم يحدث مرّةً‮ ‬أن صارت أفقاً‮. ‬حدث أن صارت أسلاكاً‮ ‬شائكةً،‮ ‬وطيشاً‮ ‬في رأس الهواء‮.‬
للجدار أكثر من حياةٍ‮ ‬داخلَ‮ ‬هذه الفانية‮ ‬_‮ ‬الدُّنيا‮. ‬غيرَ‮ ‬أَنّه في الآخرة الباقية مجرّد قميصٍ‮ ‬عسكريّ،‮ ‬يحرسُ‮ ‬مأوي يَغَصُّ‮ ‬ببشَرٍ‮ ‬يعذّبهم جَلاّدون إِلهيّون‮.‬
قلَقٌ‮ ‬في شِقٍّ‮ ‬شماليّ‮ ‬من الجدار‮. ‬مع ذلك،‮ ‬تظلّله كلماتٌ‮ ‬تعرف الغيب‮. ‬يظلّله كذلك نومٌ‮ ‬يكاد أن يكونَ‮ ‬يَقظةً‮. ‬وتجرؤ الشمس فوقه أن تعترفَ‮ ‬بأنّها شَيّخَت‮. ‬وأَنّ‮ ‬لها في ظِلّه نافذةً‮ ‬تُطلّ‮ ‬علي المتوسط‮ ‬_‮ ‬البَحْرِ،‮ ‬لا توسُّطَ‮ ‬فيها‮: ‬إمّا القَبْرُ،‮ ‬وإمّا السَّماء‮.‬
لكن،‮ ‬ما أقربَ‮ ‬القبر،‮ ‬وما أبعد السّماء‮. ‬ماذا أقول؟ كلاّ،‮ ‬لم تعد هناك سماء‮: ‬السّينُ‮ ‬سيفٌ،‮ ‬والميمُ‮ ‬موتٌ،‮ ‬والألفُ‮ ‬أبوّةٌ،‮ ‬والهمزةُ‮ ‬فراغ‮.‬
‮ ‬
ح‮ ‬_‮ ‬أسئلة
أسألك،‮ ‬يا شعر أيّوب،
كيف يقيم جسراً‮ ‬يَصل بين طرفين،
شخص لا يري إلاّ‮ ‬طرفاً‮ ‬واحداً؟

وماذا تقول امرأةٌ‮ ‬تتغطّي بحجابٍ‮ ‬من القطن أو الحرير،
لامرأةٍ‮ ‬تتغطّي بحجابٍ‮ ‬من الفولاذ؟
    ‮(...)‬
‮"‬من الأمم الذين حواليكم تقتنون العبيدَ‮ ‬والإماءَ،‮ ‬وتَقتنونهم أيضاً‮ ‬من أبناء الغرباء المقيمين معكم ومن عشائرهم الذين عندكم،‮ ‬المولودين في أرضكم‮. ‬هؤلاء تأخذونهم لكم،‮ ‬وتُورِثُونَهم لبنيكم مِن بعدكم ملكاً‮ ‬لهم،‮ ‬فيستعبدونهم ما داموا أحياء‮..."‬
‮(‬اللاّويين‮ ‬25‮: ٤٤ ‬_‮ ٦٤)‬

وأسألكَ‮ ‬أخيراً‮:‬
ما تكونُ‮ ‬بلادٌ‮ ‬يديرها القتل،‮ ‬أو تؤسّس لها الجريمة؟
‮(...)‬
‮"‬ويلٌ‮ ‬لمن يبني مدينةً‮ ‬بالدّماء،‮ ‬ويؤسّسها بالإثم‮".‬
‮(‬حَبقّوق،‮ ‬2‮: ‬12‮)‬
‮ ‬
ط‮ ‬_‮ ‬أسئلة أخري
حين أقرؤكَ‮ ‬يا شعر أيوب،‮ ‬أري كيف تتأرجح فيكَ‮ ‬وتتكسّر هذه القصبة التي تُسمّي الإنسان‮.‬
أليس الآخر نبضَ‮ ‬اللانهاية فيك؟ أليس ذاتكَ‮ ‬الثانية؟ أين آخَرُكَ‮ ‬يا شِعر أيوب؟ ولماذا لا تكفّ‮ ‬عن مَحْوه؟ كأنّك لا تكفّ‮ ‬عن مَحْوِ‮ ‬نفسكَ،‮ ‬أنتَ‮ ‬أيضاً‮.‬

أأنتَ‮ ‬سفرٌ‮ ‬إلي الأطراف القُصوي؟
إذاً،‮ ‬أنتَ‮ ‬والآخَرُ‮ ‬واحد‮.‬
أين آخَرُكَ‮ ‬يا شعر أيوب؟
‮ ‬
V. ‮ ‬تشريح

I. ‮ ‬اسطبلات سليمان‮ / ‬المسجد المَرْوانيّ
النّملُ،‮ ‬هو كذلك،‮ ‬يُصلّي لسليمان‮. ‬لم يبق طائرٌ‮ ‬إلاّ‮ ‬نقلَ‮ ‬رسالةً‮ ‬إلي إحدي نسائه‮. ‬وكان مروان أَوّلَ‮ ‬بين الأوائل الذين صَدّقوا وآمنوا‮.‬

II. ‮ ‬تلّة باب المغاربة،‮ ‬أيضاً‮ ‬وأيضاً
تتدلّي فوقها مقبرةٌ‮ ‬علي حَبْلٍ‮ ‬يربط سُرّةَ‮ ‬الشّرق بشفتي الغرب‮. ‬مقبرة شبه طائرة‮. ‬تكاد أن تملأ الأجواءَ‮ ‬بأنينها‮. ‬بين ساحة البُراقِ‮ ‬والحَرم الشّريف تضحك أشجارٌ‮ ‬يلتصق عليها الغُبار‮. ‬الهواءُ‮ ‬مِهذارٌ‮. ‬لا يَنامُ‮ ‬إلاّ‮ ‬في‮ ‬غُرفٍ‮ ‬صامتة‮. ‬يحرسها الأَمْنُ‮ ‬جلوساً‮ ‬في مركبات عسكريّة تقذفها الملائكة في أحضان القدس‮.‬

 III. حائط المبكي‮ / ‬حائط البُراق
البكاء بَرْقٌ‮ ‬حيناً،‮ ‬وحيناً‮ ‬بُراق‮.‬
يتعطَّرُ‮ ‬الحائطان بخطوات الله وأنبيائه ورسله‮ "‬الذين لا نفرّق بين أحدٍ‮ ‬منهم‮".‬
للورد الأحمر بين الحائطين ظِلٌّ‮ ‬يتدثّر بثوبٍ‮ ‬أسود‮.‬
‮ ‬
 IV. النّفق الغربي‮ / ‬نفق عين سلوان‮ / ‬نفق وادي حلوة
سَتُضاء الأنفاق بمشاعلَ‮ ‬تحملها الآفاق‮.‬
أنفاقٌ‮ ‬تَتجشَّأُ‮ ‬الموت،‮ ‬فيما تبتلعُ‮ ‬الحياة‮.‬
أصواتٌ‮ ‬تنبعث من جوف الأرض‮. ‬أهي حوارٌ‮ ‬بين سليمان والهدهد وبلقيس؟

النَّملُ‮ ‬يغارُ،‮ ‬ويَسْترقُ‮ ‬السَّمع‮.‬

 V. كنيس أوهل يتسحاق
اسألوا الصّلاةَ‮ ‬نفسَها،‮ ‬وسوف تقول لكم‮: ‬خيرٌ‮ ‬لي أن أكون رَقْصاً‮.‬
العقار الذي بني فيه الكنيس لا يزالُ‮ ‬يشكو‮. ‬يرافقه،‮ ‬بُكاءً،‮ ‬حَمّام العَين‮. ‬يرافقه المسجد الأقصي،‮ ‬أحياناً‮. ‬ويكون خان تنكز المملوكي مأخوذاً‮ ‬بالبحث عن ماءٍ‮ ‬للوضوء‮. ‬دائماً‮ ‬تفوته صلاة العشاء‮.‬
يتسلّل إلي ساحة البراق ويراقب فيها وحولها ملائكة الحزن‮.‬
‮ ‬
 VI. بيت هتسلام‮ / ‬بيت شارون
ما جدوي بيتٍ‮ ‬يفتقد حتي الماءَ‮ ‬والهواء؟ وليس حوله أيّ‮ ‬طائر‮. ‬هُسْ‮! ‬عسكريٌّ‮ ‬يتنكّر في شَكْل عمود‮.‬

 VII. باب العمود
ماذا لو زُلزل المعجم،‮ ‬وسُمّيَ‮ ‬الباب عموداً،‮ ‬والعمود باباً؟
تضع الطّريق الرّومانية قبّعتها علي باب العمود،‮ ‬حاملةً‮ ‬زهرةً‮ ‬في اتّجاه طريق الواد‮ ‬_‮ ‬كاردو‮ ‬_‮ ‬ديكامانوس‮. ‬بيزنطية،‮ ‬الخلافة الأمويّة،‮ ‬الخلافة العبّاسية،‮ ‬الصّليبيّون،‮ ‬الأيوبيون،‮ ‬المماليك،‮ ‬الإنكليز‮ ‬_‮ ‬تُسمع أصواتُهم اليوم،‮ ‬وتُمكن حتي الآن،‮ ‬رؤية الغرف التي ينامون فيها،‮ ‬وأسرّة الجواري‮.‬

 VIII. مغارة سليمان‮ / (‬مغارة الكتان‮)‬
هل ثوب المرأة جزءٌ‮ ‬من بشرتها؟
أعترف أنّ‮ ‬في السّؤال جرعةً‮ ‬من شرابٍ‮ ‬مُسكر‮.‬
هل يقدر سليمان أن يتحدّث مع مغارته؟
‮ ‬
 IX. أرض الصَّبْرة
ما أغربَ‮ ‬عذاب الأرض‮:‬
لا يمزّقها هي‮. ‬يمزّق من يَسيرُ‮ ‬فوقها‮.‬

X. سوق الخواجات
ماذا تفعل الذّكريات التي تتجوّل في أكياسِ‮ ‬القمامة؟ سِروالٌ‮: ‬قَرْنا‮ ‬غزال‮.‬

 XI. برج اللَّقلق
موسيقي تبكي في أجنحة اللّقالق‮. ‬رقصٌ‮ ‬يعتذر لأعشاشِها‮.‬

 XII. عين سلوان
لِلسّحر في فلسطين عينٌ‮ ‬لا ترَاها العين‮.‬
‮ ‬
 XIII. أرض صيام
لا بأسَ‮ ‬أن ترجئَ‮ ‬صيامكَ،‮ ‬أيّها الأفق‮. ‬أَفْطِرْ،‮ ‬لكي تقدر أن تُمطر‮.‬

XIV. ‮ ‬وادي النّار‮ / ‬وادي حلوة
نارُ‮ ‬الوادي وادي النّار‮. ‬وكلّ‮ ‬وادٍ‮ ‬حوض،‮ ‬غير أنّ‮ ‬وادي حلوة سؤال‮.‬

XV. ‮ ‬تلة الضهور‮ (‬مدينة داود‮)‬
عجباً‮! ‬كيف قبلت مدينة داود أن ينقلبَ‮ ‬اسمُها إلي تلّة الضّهور؟ وكيف لم تتزلزل قارّة اللّغة؟
أيّتها الدبّابات،‮ ‬أيتها القنابل،‮ ‬تقول لكِ‮ ‬الطّاقة‮: ‬مَزّقي البشرَ،‮ ‬أوّلاً‮. ‬ثمّ‮ ‬الكائنات الأخري،‮ ‬لكن بلطفٍ،‮ ‬وسمّي هجومكِ‮ ‬دفاعاً،‮ ‬أو سعياً‮ ‬إلي السّلام‮. ‬تعرفين أنّ‮ ‬الله هنا كائِنٌ‮ ‬مُتخيَّلٌ،‮ ‬وأنّ‮ ‬الشيطان كائنٌ‮ ‬واقعيّ‮. ‬اصرخي،‮ ‬إذاً،‮ ‬عليك أيّها المؤمن أن تفرّ‮ ‬من الواقع‮. ‬ولماذا تعيش فيه؟ الهربَ،‮ ‬الهرَبَ‮ ‬إلي ما وراءه‮.‬

XVI. ‮ ‬عين أم الدَّرج
امرأة ليست سمكةً‮ ‬ولا جنّيةً‮ ‬ولا حوريّةً‮ ‬تعيش هانئةً‮ ‬في هذه العين‮.‬
‮ ‬
XVII. ‮ ‬شارع السّلسلة
سلسلةٌ‮ ‬من أجنحة اليمام تجرّ،‮ ‬برفْقٍ،‮ ‬يمامةً‮ ‬جريحة‮.‬

 XVIII. شارع الواد
من يعرف كيف يختبئُ‮ ‬داخل صوته؟

 XIX. طريق الآلام
لا شيءَ‮ ‬خُلِق،‮ ‬لا شيء يخلق في فلسطين إلا بدءاً‮ ‬من هذه الطريق‮.‬
والقَبْرُ‮ ‬مَنِيٌّ‮ ‬قُدْسيّ‮.‬

XX. قُبّة الصّخرة
هل تكفي فلسطينَ‮ ‬صَرْخةُ‮ ‬أَن تتأرجح فوق رأسها قُبّةُ‮ ‬العالم؟
هل يكفيها أن تثقبَ‮ ‬دموعُها صخرَ‮ ‬التّكوين؟

نَهارُها يمتطي فَرَس اللّيل،
وليلُها يَمْتطيه البُراقُ‮:‬
    بعض السّفَر تاريخٌ،
    وبعضهُ‮ ‬تآويل‮.‬
وفي كلّ‮ ‬ضالّةٍ‮ ‬تَنْحفر هاويةً‮ ‬للضّلال‮.‬
يا لهَذهِ‮ ‬الطّبيعة‮ / ‬الجنينِ‮ ‬_‮ ‬الطفل‮ ‬_‮ ‬القبر‮ / ‬القَبْر‮ ‬_‮ ‬الجنين‮ ‬_‮ ‬الطّفل
خذُوها في استدارةٍ،‮ ‬في مُثلَّثٍ،‮ ‬كيفما شئتم،‮ ‬أَنّي شِئتم،
    لا نهايةَ
    إلاّ‮ ‬في هذه اللاّنهاية‮.‬
‮ ‬
كانت يمامَةٌ‮ ‬تَشهق في كنَفِ‮ ‬القُبّة‮. ‬كان سِراجُ‮ ‬القبّة يرفرفُ‮ ‬كمثل فراشةٍ‮ ‬تتجنّح باللّهَب‮.‬

رجلٌ‮ ‬وامرأة يتعانقان‮    ‬أبيض‮    ‬سوداء‮    ‬انتظروا ألوانَ‮ ‬الولادات‮.‬
لا ترفع إصبعكَ‮ ‬أيّها التّاريخ    لكن أنتِ‮ ‬ارفعي إصبعَكِ،‮ ‬أيّتها الأبديّة‮.‬

XXI. النَّفق‮ ‬_‮ (‬عين سلوان،‮ ‬وادي حلوة،‮ ‬النَّفق الغربي‮ ‬_‮ ‬أيضاً،‮ ‬وأيضاً‮).‬
النَّفَقُ‮ ‬هو أن تُولدَ‮ ‬حيث تشاء،‮ ‬قبل أن تُولد‮. ‬أن تكون لك جذورٌ‮ ‬وأَنْساب حيث لا تعرف ولا مكان لها‮. ‬أن تقول‮: ‬ما فوق النَّفق لي،‮ ‬وما حوله،‮ ‬وما قبله،‮ ‬وما بعده‮. ‬و"لتنفجر السّماء‮ ‬غيظاً‮"‬،‮ ‬يقول سيّد النّفق‮. ‬وقل يا سيّد النّفق‮: ‬سأنتخب الرّيحَ‮ ‬التي أشاءُ‮ ‬لكي تحمل بساط المعنَي‮. ‬وسآمرُ‮ ‬الفضاء لكي يأمرها بأن تكون ليّنةً‮ ‬رُخاءً‮ ‬مطيعةً‮ ‬لا تخرج من نَفَقٍ‮ ‬إلا لكي تدخلَ‮ ‬في آخرَ‮ ‬أكثر امتداداً‮ ‬وعمقاً‮.‬
وأنتَ‮ ‬أيّها المقيمُ،‮ ‬تكوّرْ‮ ‬داخلَ‮ ‬بيتكَ‮. ‬لا تخرج إلاّ‮ ‬عندما يقول الضّوء الحارس الطالع من النّفقِ‮: ‬اخرجْ‮. ‬إذ لا مهربَ‮ ‬من نَفَقٍ‮ ‬إلاّ‮ ‬عِبْرَ‮ ‬نَفَقٍ‮ ‬آخر‮. ‬المستقبل أنفاق‮.‬
الأطفالُ‮ ‬في هذا المستقبل صناديقُ،‮ ‬دُميً،‮ ‬عُلَبٌ‮ ‬ملغومة،‮ ‬صراصيرُ‮ ‬مقنبلة،‮ ‬حديدٌ‮ ‬مطبوخٌ‮ ‬بتوابلَ‮ ‬من كلّ‮ ‬نوع‮.‬
‮ ‬
من النّفق تخرج أسراب أسماء‮. ‬لكلّ‮ ‬اسْمٍ‮ ‬زيٌّ‮. ‬لكلّ‮ ‬زيّ‮ ‬قَبْرٌ‮ ‬كتبت عليه هذه الشاهدة‮: ‬مِن التّراب جاء العرب وإلي التّراب يعودون‮.‬
النّفق تاريخٌ‮ ‬آسِن‮.‬
حتي لو تركتَ‮ ‬النّفقَ‮ ‬إلي فراغه،‮ ‬أيّها المُتاجر بما ليس إلا فراغاً،‮ ‬فإن النّفقَ‮ ‬لن يتركك‮.‬
‮"‬ثمّة شموسٌ‮ ‬لا تشرق إلاّ‮ ‬ليلاً‮"‬،‮ ‬يقول لك،‮ ‬فيما يمدّ‮ ‬لك حبل الغواية‮.‬
اسْتَرقِ‮ ‬النّظرَ‮ ‬إلي بداية النّفق،‮ ‬وسوف تري فيه نهايتكَ‮.‬
النّفَق نعشٌ‮ ‬آخر‮.‬
الطريق هنا ضيّقةٌ‮ ‬لكن‮ ‬غير بعيدةٍ‮ ‬عن الجَنّة‮.‬
تاريخٌ‮ ‬_‮ ‬ماءٌ‮ ‬اصطناعيٌّ‮ ‬تسبح فيه السّلالات وأَنسابُها‮.‬
لم يترك شيئاً‮ ‬إلاّ‮ ‬تحدّث عنه‮ ‬_‮ ‬لكنه لم يقل أيّ‮ ‬شيء‮.‬
أعمي له شكلُ‮ ‬ملاكٍ‮ ‬يتكئ علي باب النّفَق‮:‬
هل ما يقال هنا حقيقة؟
أوه،‮ ‬كيف إذاً،‮ ‬تجرّأتَ‮ ‬علي النُّطْق؟
أَكمِل أيّها الأعمي‮:‬
النّفق مليءٌ‮ ‬بالنساء،‮ ‬لكن،‮ ‬ليس فيه إلاّ‮ ‬رحِمٌ‮ ‬واحدة،‮ ‬رحمُ‮ ‬امرأةٍ‮ ‬كان اسمها حوّاء،‮ ‬طلّقها زوجُها،‮ ‬وكان اسمه آدم‮.‬
هكذا،‮ ‬للنّفق عاشِقٌ‮ ‬واحدٌ‮: ‬الجدار‮.‬
مع أنّ‮ ‬في النّفق أنفاقاً‮ ‬كثيرة‮.‬

لا نزال نتأرجح علي فُوّهة الهاوية،‮ ‬يقول الأعمي‮.‬
لم أكد أقول‮: ‬القدس ثوبٌ،‮ ‬حتي هجم العرب جميعاً‮ ‬لكي يلبسوه،‮ ‬قال النّفق‮.‬
‮ ‬
VI. ‮ ‬تباريح

أ‮ ‬_‮ ‬أسئلة  
‮>‬‮ ‬لماذا كلّ‮ ‬ذرّةٍ‮ ‬في رماد فلسطين جرح مفتوح؟ لماذا،‮ ‬هذا الجرح يصنع الحياةَ،‮ ‬لكن بآلات الموت؟
‮>‬‮ ‬هل تاريخ فلسطين خَريفٌ‮ ‬هاجَرَ‮ ‬خارج الفصول؟
‮> ‬‮ ‬لماذا يتجعّد في لغة القادة العرب وجه الخليقة؟ ولماذا تعجّ‮ ‬هذه اللغة بقطاراتٍ‮ ‬لا تحمل إلا الطّرقَ‮ ‬التي لا مخرج لها،‮ ‬والتي لا تنتهي؟ ولماذا يرسم هذه الطُّرقَ‮ ‬قادة آخرون لا يتشاجرون إلاّ‮ ‬مع الشجر والماء؟

ب‮ ‬_‮ ‬رسالة إلي حزقيال النبي
حزقيال أنتَ‮ ‬الرّائي،
حَدّقْ‮ ‬أيضاً‮ ‬وأيضاً‮. ‬لا يزال الخرابُ‮ ‬خبزاً‮ ‬يومياً‮ ‬في أَرْضِ‮ ‬الله‮. ‬هل تتحوّل النّبوءات هي كذلك إلي حصار؟ هل تَنْحفِرُ‮ ‬الخنادقُ‮ ‬في كلماتها؟ هل تتشظّي رؤاها في صواريخ،‮ ‬في قنابلَ،‮ ‬في براكينِ‮ ‬غازٍ‮ ‬وفوسفور؟ وهل حَقّاً‮ ‬أصبحتَ،‮ ‬أيّها الرائي،‮ ‬صديقاً‮ ‬لمِنخرَيْ‮ ‬هذا التنّين؟
وأكادُ‮ ‬أن أسألكَ‮: ‬هل التقيتَ‮ ‬هيروديا؟ وما لوحش الزّمن يتقنّع بملاك الأبدية؟ وما لتلك المسكينة،‮ ‬أَتَانِ‮ ‬النبوّة،‮ ‬بَدأَتْ‮ ‬تتعثّر وتَعرُج؟ وماذا نفعلُ،‮ ‬نحن أبناء الجارية،‮ ‬والأرضُ‮ ‬كلّها جاريةٌ‮ ‬في أحضان النبوّات؟
‮ ‬
فاضَ‮ ‬الحديدُ‮ ‬صاعداً‮ ‬هابِطاً‮ ‬علي سلالم الصّلاة‮.‬
الورَمُ‮ ‬والدُّهْنُ‮ ‬آدمُ‮ ‬الحياة وحوّاؤها‮. ‬النّهار أهدابٌ‮ ‬تحترق،‮ ‬والدّقائق ترجمُ‮ ‬أصولَها‮.‬
هل نَحفظُ‮ ‬بطون النّساء،‮ ‬وندّخر أجنَّتهنَّ‮ ‬إلي حين؟
هل نَقول للأثداء‮: ‬ترحّلي إلي ملكوتٍ‮ ‬آخر؟
أمن الخطواتِ‮ ‬تجيء السّلاسل؟
هل الأرحامُ‮ ‬هي القبور؟

حزقيال،‮ ‬أيّها الرّائي،
لا يليق بنبوءاتكَ‮ ‬إلا الرَّعد
اسمحْ‮ ‬لي،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن أصرخ‮:‬
هيروديا،‮ ‬هيروديا
‮ ‬
الدّم يتدفَّقُ‮ ‬من العتبات ومن الجُدران ومن النّوافذ،
وتعرفين جيّداً‮ ‬قلوبَ‮ ‬السّادة‮ ‬_‮ ‬الأنبياء والسَّاسَةِ‮.‬
قولي،‮ ‬إذاً،‮ ‬بماذا تنبضُ‮ ‬هذه القلوب وكيف ترِقّ،‮ ‬ومتي،‮ ‬وما سِرّها؟
لا ترغب الوردة في عطر‮ ‬غيرها‮. ‬لا يطير طائِرٌ‮ ‬حاملاً‮ ‬عُشَّه‮.‬

الأرضُ‮ ‬رحمةٌ،‮ ‬والتّرابُ‮ ‬هو الأخيرُ‮ ‬والأوّل‮.‬
لماذا إذاً‮ ‬تشعوذ الكتُب؟ لماذا يُوضَع لكلّ‮ ‬حَرْفٍ‮ ‬قَيْدٌ،‮ ‬ولكلّ‮ ‬لسانٍ‮ ‬لجامٌ؟
لماذا لا تُري السَّماءُ‮ ‬إلاّ‮ ‬مملوكةً‮ ‬وموسومةً‮ ‬وموشومةً‮ ‬ومحروسةً‮ ‬ومسوّرة؟ أهي زريبةٌ‮ ‬للّغة؟ أهي خزانَةٌ‮ ‬لذهب النبوّات؟
هيروديا،‮ ‬هيروديا شيما،
لا يكاد اسْمُكِ‮ ‬يُلفظ حَتّي تنطفئ الحواسّ‮.‬
كلاّ،‮ ‬لستِ‮ ‬الرَّقْصَ،‮ ‬ولستِ‮ ‬العشيقة،‮ ‬ولستِ‮ ‬امرأة‮.‬
عفواً،‮ ‬عفواً‮ ‬حزقيال،‮ ‬أيّها الرّائي‮.‬
‮ ‬
ج‮ ‬_‮ ‬اعتبار
‮- ‬كيف تستقبلُ‮ ‬الصّخرةَ‮ ‬ببَوْلٍ؟ كيف تستقبلُها بغائط؟
إمضِ‮. ‬غَطّ‮ ‬قدميكَ‮ ‬بالمصابيح،‮ ‬وَاسْتَغفِرْ‮.‬

‮(‬المياه العذبَةُ‮ ‬والرّياحُ‮ ‬اللّواقح
تخرجُ‮ ‬من تحت صخرة بيت المقدس‮")‬
‮(‬عن‮: ‬أبي هريرة‮)‬

سَقَتِ‮ ‬النّبوّاتُ‮ ‬عطشَ‮ ‬الفَوْضي،
ورمت زهورَها في الشوارع‮.‬
حيث الشُّعراء ذئابٌ‮ ‬ومغاور،‮ ‬وحيث نقتحمُ،‮ ‬نحن العربَ،‮ ‬المُدنَ‮ ‬لكي نغنّي بصوتٍ‮ ‬واحد‮:‬
    بسريرٍ‮ ‬مُفْرَدٍ،‮ ‬نفتح فندقاً،
    بفندقٍ‮ ‬مفرَدٍ،‮ ‬نصنع قارّةً‮.‬
    أقدامنا أكثر علوّاً‮ ‬من صلواتِنا
والشمس نفسها تغارُ‮ ‬مِنّا‮.‬
الحمد والشكر لله الذي خَصَّنا بهذه الصّفات‮.‬
ما أشقي أمثالي‮ ‬_‮ ‬ولست أيوب،‮ ‬ولستُ‮ ‬فم الذّهب‮.‬
‮ ‬
د‮ ‬_‮ ‬أُوميغا‮ (‬فلسطينية‮ ‬_‮ ‬يهودية‮)‬
حَسَنٌ‮ ‬أن تتنزّه نجوم فلسطين‮ ‬_‮ ‬إسرائيل في زيّ‮ ‬يبتكره الجينز المقدسيّ‮. ‬حسنٌ‮ ‬أن يتزلّج كوكبٌ‮ ‬عربيّ‮ ‬بنقابٍ‮ ‬مثقّبٍ‮ ‬علي حائط المبكي‮. ‬حسنٌ‮ ‬أن يكون الكاكاو الإفريقيّ‮ ‬ريّاً‮ ‬لعطش الخلايا في‮ ‬غوايات فلسطين‮ ‬_‮ ‬إسرائيل‮.‬
غَيْمُ‮ ‬الذرّةِ‮ ‬يسحّ،‮ ‬والنّقاب فتوي السّاعة‮.‬

من أين تطلعُ‮ ‬هذه القبضات المختلفة المؤتلفة التي تضرب وَجْه الغيب؟
مِن رؤوسِ‮ ‬الملائكة؟ من جهنم الذرّة؟ من قيامة العالم؟ من الحوض المقدّس؟
الحَوْض المقدّس‮ ‬_‮ ‬حاضت نجمة الماضي،‮ ‬وانحفرَ‮ ‬فيها المستقبل‮. ‬همَس الغيمُ‮ ‬في أذن الشاعر‮:‬
لا تثقْ‮. ‬كيف يستريح الله؟ أله كرسيّ؟ أهناك كرسيٌّ‮ ‬يتّسع له؟ أله سريرٌ‮ ‬ووسادة؟ ألَه أتانٌ‮ ‬يَمْتطيها؟ هل يستولي علي أرض ابْنٍ‮ ‬له،‮ ‬لكي يمنحها إلي ابْنٍ‮ ‬له آخر؟

لا شيء يقود إلي المعرفة كمثل الشجرة‮. ‬قالت الطّبيعة‮. ‬والإشارة هنا ليست إلي تلك التي عرفها آدم‮. ‬الإشارة إلي الشجرة التي هي لا جنَّةٌ‮ ‬ولا جحيمٌ،‮ "‬لا شَرقيّةٌ‮ ‬ولا‮ ‬غربيّة‮".‬
لكن،‮ ‬انتبهْ،‮ ‬تقول الطبيعة‮. ‬واحذر ذلك الكائن المجنّح وراءك‮.‬
‮ ‬
في شفتيه حمَلٌ،‮ ‬وفي كلّ‮ ‬كلمة يتفوّه بها،‮ ‬سكِّين أو فأس‮. ‬ولك الحق هنا،‮ ‬أيها الشاعر،‮ ‬أن تشك في أن يكون إنساناً‮ ‬كلّ‮ ‬كائنٍ‮ ‬يحملُ‮ ‬بين كتفيه رأساً‮ ‬آدميّاً‮.‬
سأمدّ‮ ‬لكَ‮ ‬حبلاً‮ ‬تتسلّق عليه أو ترقص من آخر الأرض إلي أول السماء من آخر السماء إلي أول الأرض‮. ‬قالت الطبيعة لهذا الشاعر‮. ‬وسوف تستقطر عطرك‮ ‬_‮ ‬شعرك من نباتٍ‮ ‬يشبّ‮ ‬حول خواصر النّساء‮. ‬الكذب نفسه سيكون وحده الصّدق‮. ‬هكذا ستسأل،‮ ‬ويسأل معك آخرون،‮ ‬دون دهشة‮: ‬أيّة مجزرة هي هذه السماء؟ أيّ‮ ‬تعفّنٍ‮ ‬هي هذه الأرض‮.‬

ه‮ - ‬نشيد يُمهّد للختام
في رأسي شَعَرٌ‮ ‬شائبٌ‮ ‬كثير
لكن ليس في أحشائي إلاّ‮ ‬زغَبُ‮ ‬الطفولة‮.‬
خُذْ‮ ‬كيمياءك أيها الشعر‮: ‬ثَقِّفْها،‮ ‬هَيْمِن عليها،‮ ‬علّمها كيف تمزج جسدينا بأحلامنا،
وكيف يكون الزّمن جديراً‮ ‬بأن ينتمي إلي نهارنا وليلنا‮.‬
وكيف تحمحم الدقائق في عروقنا كأنها أفراس جامحة‮.‬
باسمك أنخلع من نفسي لكي أكون نفسي،
وباسمك أكون الفرح والحزن في شهقة واحدة،‮ ‬وسوف أطبق شفتي علي أسرارك‮.‬
السّماء كمثل لوحة فريدةٍ‮ ‬في متحف الأرض‮.‬
وكلٌّ‮ ‬يحارب لكي يصحّ‮ ‬زعمه أنه سارقها الفريد‮.‬
في الأعلي،‮ ‬سقف السماء السابعُ‮ ‬يترجرج ويكاد أن يسقط‮. ‬أواجبٌ،‮ ‬إذاً،‮ ‬أن يُعطَي للعاهرين والعاهرات دورٌ‮ ‬عظيمٌ‮ ‬آخر؟
وباسم السماء يجب أن نوقظَ‮ ‬أيوب وإرميا وإشعيا من نومهم لكي يروا عذابهم من جديد في بيت المقدس‮. ‬ولكي يشهدوا كيف كانوا أحراراً‮ ‬سعداء‮.‬

والآن،‮ ‬اذهبي أيتها السّماء،
اتركيني قليلاً‮ ‬لكي أتفقّد أعضائي‮.‬
‮ ‬
VII. نشيد افتتانٍ‮ ‬لِلاشيء

لا أُومنُ‮ ‬بعقل الجموع
أومن بالضّوء‮ ‬_‮ ‬يشعُّ،‮ ‬ويخترق،‮ ‬ويشير‮.‬
يا شجرة الحكمة،
كيف أتآخَي مع‮ ‬غابة القُدس؟
مع هذه الوحدانيّة التي لا تؤمن إلا بالكثرة؟
وما هذا الواحد الذي لا يحضر إلاّ‮ ‬في جِنازةٍ،‮ ‬أو علي عرش؟

بَعْدُ،‮ ‬لم تأت الكارثة‮. ‬بعد لم يَحنِ‮ ‬الطّوفان‮.‬
البحر الأبيض يتهيّأ،‮ ‬والمحيطاتُ‮ ‬تجأرُ‮ ‬وتضطرب‮.‬
من يَمْنَحُ‮ ‬هذا الرّأس الرُّخاميَّ‮ ‬لملكِ‮ ‬الصّناعات؟ من يقول لهنيبعل‮: ‬غلبتكَ‮ ‬روما‮. ‬لكن أنتَ‮ ‬الذي انتصرت؟ ومِن رأسكَ‮ ‬يطلعُ‮ ‬فجرٌ‮ ‬آخر‮.‬
‮ ‬
ليس جسدي أثيراً‮. ‬جسدي ترابٌ‮ ‬وعظمٌ‮. ‬فيزياءُ‮ ‬أَوردةٍ‮ ‬وشرايين‮. ‬أسكنُ‮ ‬في كوخٍ‮ ‬دخانٍ،‮ ‬وأتدثّر بثوبٍ‮ ‬غيمٍ‮. ‬وعبثاً‮ ‬أحاول أن أداويَ‮ ‬السّماء‮.‬
يا ليَ‮ ‬من مجرمٍ‮ ‬يعيش بريئاً‮ ‬كالمطر‮. ‬وذنبي،‮ ‬هذه الآونة،‮ ‬أَنّني أُنافِسُ‮ ‬الضّوء‮.‬
انغلقي،‮ ‬إذاً،‮ ‬في وجهي،‮ ‬أيتها السّماء‮. ‬ولكِ‮ ‬هذا العَهد‮: ‬لن تريني علي بابكِ‮ ‬أبداً‮.‬
وأنتِ،‮ ‬أيتها الكواكب،‮ ‬لن أطلبَ‮ ‬أن تكوني سلّماً‮ ‬لخطواتي‮.‬
ما أكثر الكواكبَ‮ ‬في أحشائي‮.‬

غَنِّ،‮ ‬أيّها العاشق‮.‬
‮ ‬
هل حنجرتكَ‮ ‬هي عشيقتك؟ هل عشيقتكَ‮ ‬هي حنجرتك؟
لا تُجِبْ‮. ‬غَنِّ‮.‬
الزَّمنُ‮ ‬يتدحرج صخرةً‮ ‬صخرةً‮ ‬من بين يدي ربّه،‮ ‬وأطفالهُ‮ ‬جبالٌ‮ ‬من البكاء‮. ‬ألمح فوقَ‮ ‬رأسكَ‮ ‬نجمةً‮ ‬تنطفئ‮. ‬أَسْتَشِفُّ‮ ‬أشرعةً‮ ‬تتمزّق في بحيرات أحلامكَ‮.‬
غَنِّ‮.‬
مَوْجٌ‮ ‬يرتسم في تقاطيعكَ‮. ‬غناؤكَ‮ ‬مدٌّ‮ ‬وجزرٌ‮. ‬حمداً‮ ‬للغناء‮.‬
حمداً‮ ‬للعشق‮: ‬فيهما‮ ‬_‮ ‬الصَّوابُ‮ ‬والخطأ توأمان،‮ ‬والحقيقة جرحهما المُشترَك‮.‬
    وها هو يُقرع جرَسُ‮ ‬المعني،
    لكن،‮ ‬هل هناك مَن يُصغي؟
وماذا يُجدي أن تمدّي يَدكِ‮ ‬إلينا،‮ ‬أيّتها الشّمس؟

غَنِّ،‮ ‬أيها العاشق،
النّبؤات تفرُّ‮ ‬غيرةً‮ ‬منكَ،
وإليك تنتمي فتنةُ‮ ‬الدَّهر‮.‬
‮ ‬
VIII. نشيد افتتانٍ‮ ‬لكل شيء

حَقّاً،‮ ‬للفضاء في القدس شكلُ‮ ‬القَفَص‮: ‬الكونُ‮ ‬كلُّه ألْفٌ‮ ‬واحد من الأمتار‮ ‬المربّعة‮!‬
كومةٌ‮ ‬من الورَقِ‮ ‬تقفُ‮ ‬علي المفارقِ‮ ‬في شكل كتُبٍ‮ ‬مُستطيلة‮. ‬نري فيها الحِبْرَ‮ ‬يسيلُ‮ ‬بسرعة عشرينَ‮ ‬قرناً‮ ‬في الحَرْف وثلاثين قَرْناً‮ ‬في الفاصلة،‮ ‬وقروناً‮ ‬لا تُحصي في النُّقطة‮.‬
يا لهذه الكَوْمة التي يَنْقُرها سَطْراً‮ ‬سطراً‮ ‬هُدهُد سليمان‮.‬
هل سَقطت الكتبُ‮ ‬المقدّسة في الجُبّ؟

    ‮"‬صخرة بيت المقدس من صخور الجَنّة‮"‬
    ‮(‬ابن عبّاس‮)‬
‮ ‬
رومٌ،‮ ‬أقباطٌ،‮ ‬آشوريون،‮ ‬كلدانٌ،‮ ‬سريانٌ،‮ ‬كاثوليكٌ،‮ ‬أرمنٌ،‮ ‬أحباش،‮ ‬أكراد،‮ ‬أتراك،‮ ‬شراكسة،‮ ‬أفارقة،‮ ‬مغاربة،‮ ‬لاجئون،‮ ‬فَلاّحون،‮ ‬مدنيّون،‮ ‬يهودٌ،‮ ‬عرَبٌ
رطوبة،‮ ‬حرارة،‮ ‬فلافل،‮ ‬بخورٌ،‮ ‬استيطانٌ،‮ ‬احتلالٌ،‮ ‬يمام،‮ ‬حمام،‮ ‬سيّاراتٌ،‮ ‬بيبسي كولا،‮ ‬مآذن،‮ ‬أجراسٌ،
كيلومتر مربَّع واحد،‮ ‬لا أكثر‮!‬
‮"‬باب المقدس أرضٌ‮ ‬المحشر والمنشر‮"‬
    ‮(‬عن‮: ‬أبي ذرّ‮)‬

‮"‬من أَهَلَّ‮ ‬بحجّ‮ ‬أو عُمرةٍ‮ ‬من المسجد الأَقْصي
إلي المسجد الحَرام،‮ ‬غَفَرَ‮ ‬الله ما تقدّم من
ذنبه،‮ ‬وما تأخّر،‮ ‬ووجبَتْ‮ ‬له الجنّة‮"‬
    ‮(‬عن‮: ‬أمّ‮ ‬سلمة،‮ ‬زوج النبي‮).‬
‮ ‬
البيت يودّع ذاكرته،‮ ‬والغبار حوله يشمّر عن أطرافه،
في ريحٍ‮ ‬تُشَعِّثُ‮ ‬رؤوسَ‮ ‬الأيّام
في عُنْفٍ‮ ‬_‮ ‬جَرادٍ‮ ‬يلتهمُ‮ ‬نَباتاتِ‮ ‬الوَقْت‮.‬

وكانت النّساء قد زرعن أرحامهنَّ‮ ‬في أرض الحلم،‮ ‬وفوَّضْنَ‮ ‬لله أمرَ‮ ‬الحَصاد‮.‬
    بينهنّ‮ ‬من تموتُ‮ ‬مساءً‮ ‬وتُولَدُ‮ ‬فجراً،
    بينهنَّ‮ ‬من تكتب تنهّد العاشقِ‮ ‬بِصبر الحكيم،
    وبينهنّ‮ ‬من تَسير وعلي كتفيها نِيرٌ‮ ‬تحسبه فَرْواً‮.‬
لا صوتَ‮ ‬إلاّ‮ ‬ما يخرجُ‮ ‬من أعاصيرَ‮ ‬ترتطم بالمعدن‮. ‬يقفز الضّوء حيرانَ‮ ‬من معدنٍ‮ ‬إلي آخر‮. ‬أشباحٌ‮ ‬في أشكالٍ‮ ‬تُفَكّك وتُركَّبُ،‮ ‬تحت إِبْطِ‮ ‬الفضاء‮.‬
ويبدو المتوسّط البحر كأنّه عرش ذَرّيٌّ‮ ‬تارةً،‮ ‬وتارةً‮ ‬كأنه كرسيّ‮ ‬الله‮.‬
والعَصر شحمٌ‮ ‬تتناهبُهُ‮ ‬أَيْدٍ‮ ‬معروقةٌ‮. ‬علي المعدنِ،‮ ‬يجلس جسمُ‮ ‬الشّهوة‮. ‬علي الإسفلت تتمدّد روحُها‮.‬
وأنتَ،‮ ‬أيّها الماءُ،
هل حَقًّا سَتَنفصلُ‮ ‬عن الطّين؟
بَعْثِرْ‮ ‬نجومكَ‮ ‬علي القُدْس،‮ ‬أيّها اللّيل‮.‬
أنبياء اليقظة يَنامُون بين أشلائِها،‮ ‬وبين قدميها يقف الطّين ويَنقسم صَحارَي وأنفاقاً‮.‬
ماذا سيحدث لتلك الألواح السّماوية التي هَبطت عليها؟
ماذا سيحدث للشياطين وجيوشهم،‮ ‬للملائكة وآلهتهم؟
وماذا سيحدث للأرض وأبنائها؟

هَلْ‮ ‬أحدٌ‮ ‬يعرف القُدسَ‮ ‬غيرُ‮ ‬النّجوم؟

‮(‬بيروت بلومبرغ‮ ‬ باريس،‮ ‬تموز آب 2010 )

منقول من موقع جريدة أخبار الأدب


الاثنين، 11 أكتوبر 2010

قصة ( الرؤساء ) للكاتب ... ماريو بارجاس يوسا

10/10/2010 12:38:11 م
...
الرؤساء
1
كنا واقفين عندما انبري خابيير صائحا،‮ ‬قبل ان تنطلق الصفارة بثانية‮:‬
‮- ‬الصفارة‮!‬
انكسر التوتر بقوة،‮ ‬كانفجار،‮ ‬ووقف الدكتور آباسالو فاغراً‮ ‬فاه‮.. ‬اربدّ‮ ‬وجهه وهو يعتصر قبضة يده،‮ ‬وعندما استجمع قواه رفع احدي يديه فبدا وكأنه علي وشك إلقاء موعظة،‮ ‬وعندئذ دوت الصفارة حقا‮. ‬خرجنا نعدو في صخب وجنون يحثنا صوت أمايا الناعق كالغراب‮. ‬والذي كان يتقدمنا وهو يطيح بالحقائب‮.‬
كان الفناء يهتز من شدة الصياح‮.. ‬خرج قبلنا طلاب الصف الثالث والرابع،‮ ‬وكونوا في الفناء حلقة واسعة باتت تتحرك تحت الغبار،‮ ‬اما طلاب الصف الاول والثاني فقد دخلوا معنا في الوقت نفسه تقريبا،‮ ‬مرددين بحقد عبارات عدائية جديدة‮.‬
اتسعت الحلقة‮.. ‬وأصبح السخط عاما بين تلاميذ المرحلة المتوسطة‮ (‬القسم الابتدائي كان له فناء صغير من الفسيفساء الزرقاء في الجناح المقابل للمدرسة‮).‬
‮- ‬يريد أن يكدرنا هذا الجلف‮.‬
‮- ‬نعم‮. ‬تباً‮ ‬له‮..‬
لم يتحدث أحد عن الاختبارات النهائية،‮ ‬وأنذر تحديق الحدقات،‮ ‬والصخب،‮ ‬والهرج والمرج بحلول لحظة المواجهة مع المدير،‮ ‬فجأة،‮ ‬تخليت عن كبح جماح نفسي ورحت أجتاز المجموعات بحماس‮: ‬أيحطمنا ونصمت؟‮.. ‬لابد ان نفعل شيئاً‮ ‬لابد ان نفعل شيئاً‮«.‬
انتزعتني يد من حديد من منتصف الحلقة،‮ ‬وقال خابيير‮: ‬
‮- ‬لا‮ ‬،‮ ‬لا تتدخل أنت‮ ‬،‮ ‬سوف يطردونك،‮ ‬وتعلم ذلك‮.‬
‮- ‬لا شيء يهمني الآن،‮ ‬سيدفع ثمن كل ما فعله بي‮. ‬هذه هي فرصتي،‮ ‬ألا تري؟ فلنجعلهم يصطفون‮.‬
بدأنا نردد في الفناء بصوت خفيض،‮ ‬من أُذن إلي أُذن‮: »‬لنكوّن صفوفا‮« ‬لنصطف سريعا ودوي صوت رجادا القوي في هواء الصباح الخانق قائلا‮:‬
‮- ‬لنكوّن الصفوف‮!‬
هتف كثيرون في صوت واحد‮:‬
‮- ‬لنفعل‮ ! ‬لنفعل‮!‬
رأي الناظران‮: ‬جايردو وروميرو آنئذ في دهشة،‮ ‬أن الضوضاء بدأت تفتر فجأة،‮ ‬وأن الصفوف قد اصطفت قبل أن تنتهي الفسحة،‮ ‬كانا يستندان إلي الحائط بجانب حجرة المدرسين،‮ ‬في مواجهتنا،‮ ‬أخذا ينظران إلينا بتوتر،‮ ‬ثم تبادلا النظرات‮.. ‬وأثناء ذلك،‮ ‬ظهر عند الباب بعض المدرسين،‮ ‬كانوا أيضا مبهوتين‮.‬
اقترب منا الناظر جايردو وصاح في ارتباك‮:‬
‮- ‬اسمعوا‮  ! ‬ليس بعد‮..‬
وجاء من الخلف صوت يرد عليه قائلا‮:‬
‮- ‬اصمت‮ . ‬اصمت يا جايردو أيها المخنِِث‮!‬
شحب لون جايردو فاقتحم الصفوف بخطي واسعة وعلي وجهه أمارات الوعيد،‮ ‬ومن خلفه صاح كثيرون‮:‬
‮- ‬جايردو‮: ‬أيها المخنث‮!‬
‮- ‬قلت‮ - ‬لنمش ولنطف بالفناء‮.. ‬وليتقدمنا طلاب الصف الخامس‮.‬
بدأنا نمشي وكنا نضرب الأرض بقوة حتي آلمتنا ارجلنا وعند اللفة الثانية‮ - ‬وكنا قد كوّنا مثلثا تاما توافقت اضلاعه مع أبعاد الفناء‮ - ‬بدأت مع خابيير وريجادو وليون نقول‮:‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
ثم اصبح الصياح عاما،‮ ‬واندفع صوت شخص أكرهه،‮ ‬اسمه‮ »‬لو‮« ‬،‮ ‬يقول‮:‬
‮٠ ‬بصوت أقوي‮! ‬صيحوا‮!‬
وبسرعة ازداد الصوت قوة حتي اصابنا الصمم‮..‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
اختفي المدرسون بحذر بعدما اغلقوا خلفهم باب حجرة التدريس،‮ ‬وعندما مرّ‮ ‬طلاب الفصل الخامس عند الزاوية التي يبيع فيها تيوبالدو الفاكهة علي لوح خشبي،‮ ‬قال شيئا لم نسمعه،‮ ‬وكان يحرك يديه كما لو كان يشجعنا‮ ‬،‮ ‬فكرت وقلت في نفسي‮. ‬خنزير‮.‬
اشتد الصياح،‮ ‬غير ان ايقاع الحركة وصرخات التحفيز ما كانا كافيين ليخفيا فزعنا،‮ ‬كان ذلك الانتظار مرعبا،‮ ‬لماذا تأخروا في الخروج؟ وبذريعة التظاهر بالشجاعة ظللنا نردد العبارة،‮ ‬وبدأ بعضنا ينظر إلي بعض،‮ ‬ونسمع بين الحين والآخر ضحكات صغيرة مصطنعة‮. ‬كنت أقول لنفسي‮ »‬يجب الا افكر في شيء‮«.. »‬الآن لا‮«.. ‬اصبح الصراخ يشق علي‮ : ‬بح صوتي وبدأت حنجرتي تلتهب،‮ ‬فجأة،‮ ‬ودون ان أشعر،‮ ‬بدأت أنظر إلي السماء،‮ ‬أراقب طائرا من الجوارح كان يحلق بخفة فوق المدرسة،‮ ‬تحت قبة زرقاء شفيفة،‮ ‬ينيرها قرص الشمس الذي بدأ كشامة في أحد جانبيها،‮ ‬ثم نكست بسرعة رأسي‮.‬
ظهر فيروفينو،‮ ‬الصغير الأكمت‮ (❊) ‬عند نهاية الممر الممتد حتي فناء الفسحة‮.. ‬خطاه القصيرة المعوجة،‮ ‬كخطوات البط،‮ ‬قطعت الصمت‮ - ‬الذي خيم فجأة علي المكان وأدهشني‮ - ‬وهو يتقدم صوبنا السواد،‮ ‬استرادا يريد ان يتجسس علينا،‮ ‬رأي المدير علي بعد خطوات منه،‮ ‬فاختفي سريعا،‮ ‬وأغلق بيده الطفولية الباب‮).‬
وقف فيروفينو في مواجهتنا،‮ ‬تفقد جموع الطلاب الصامتين بهياج،‮ ‬تبعثرت الصفوف،‮ ‬فهرع البعض إلي دورات المياه،‮ ‬وأحاط آخرون،‮ ‬في يأس،‮ ‬مقصف تيوبالدو،‮ ‬بينما مكثت أنا وخابيير،‮ ‬وريجادو وليون دون حراك قلت‮:‬
‮- ‬لست خائفا‮.‬
بيد أن أحدا لم يسمعني لأنه في الوقت نفسه قال المدير‮: ‬
‮ - ‬أطلق الصفارة يا جايردو‮.‬
ومن جديد انتظمت الصفوف،‮ ‬ولكن ببطء في هذه المرة‮.. ‬لم يكن القيظ قد اشتد بعد،‮ ‬غير اننا كنا نعاني بعض النعاس من الملل‮. ‬وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮»‬لقد تعبوا‮.. ‬شيء سيئ‮«.‬
ثم صاح بصوته المتأجج‮ ‬غضبا‮..‬
‮- ‬إياكم والكلام‮!‬
أشاع البعض،‮ ‬تحذيره‮.. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لا‮.. ‬انتظر‮. ‬سيصبحون كالوحوش عندما يتكلم فيروفينو‮.‬
مرت لحظات من الصمت،‮ ‬والحذر المشوب بالخطر،‮ ‬قبل ان يرفع اي منا بصره إلي ذلك الرجل الصغير ذي الرداء الرمادي،‮ ‬والذي وقف ساكنا،‮ ‬شابكا يديه فوق بطنه،‮ ‬ضاما قدميه‮. ‬ثم أخذ يقول‮:‬
‮- ‬لا أريد أن أعرف من أثار هذا الشغب‮.‬
انه لممثل،‮ ‬نبرته،‮ ‬صوته المتأني الناعم‮. ‬كلماته شبه الودودة،‮ ‬انتصابه كتمثال،‮ ‬كل ذلك كان مدروسا بعناية،‮ ‬أكان يتدرب عليه بمفرده في مكتبه«؟
‮- ‬تصرفات كهذه هي خزي لكم،‮ ‬وللمدرسة ولي أنا شخصيا،‮ ‬أنصتوا لهذا جيدا،‮ ‬لقد كنت صبورا،‮ ‬صبورا جدا مع مثير هذه الفوضي،‮ ‬ولكن الامر وصل إلي أقصي حده الفاصل‮..‬
تساءلت في نفسني‮: ‬أيتحدث عني أنا أم عن‮ »‬لو«؟
مس لسان لهب لا نهائي ظهري ورقبتي وخدودي،‮ ‬في الوقت الذي أخذت فيه كل أعين طلاب المرحلة المتوسطة تتلفت حتي وجدتني‮.. »‬أكان‮« »‬لو‮« ‬ينظر إلي؟ هل كان يشعر بالحسد؟ هل كانت مجموعة‮ »‬بنات آوي‮« ‬تنظر إلي ؟ ربتت يد من الخلف علي ذعي مرتين تريد تشجيعي‮.. ‬وتكلم المدير باستفاضة عن الله،‮ ‬وعن النظام والقيم الروحانية العليا،‮ ‬وقال ان أبواب الادارة دائما مفتوحة وان الشجعان بحق لابد ان يواجهوا الموقف‮. ‬وكرر قائلا‮:‬
‮- ‬أن يكونوا قادرين علي المواجهة‮ - ‬أضحي الآن مستبدا،،‮ ‬
‮- ‬أي أن يتحدثوا وجها لوجه،‮ ‬أي يتحدثوا معي‮.‬
قلت بسرعة،‮ ‬لا تكن‮ ‬غبياً‮ ! ‬لا تكن‮ ‬غبيا‮!‬
غير ان رجادا كان قد رفع يده،‮ ‬في الوقت الذي خطا فيه خطوة إلي اليسار وخرج عن الصف،‮ ‬ارتسمت علي وجه فيروفينو،‮ ‬ابتسامة لطيفة،‮ ‬ما لبثت ان اختفت‮.. ‬وقال‮:‬
‮- ‬أسمعك يا رجادا‮!‬
‮- ‬وفيما كان رجادا يتكلم كانت كلماته تمده بالشجاعة،‮ ‬حتي انه في لحظة ما بدأ يحرك ذراعيه بصورة مؤثرة،‮ ‬وأكد أننا لسنا سيئين وأننا نحب المدرسة وأساتذتنا،‮ ‬وذكر أن الشباب مندفع،‮ ‬ثم اعتذر باسم الجميع،‮ ‬تلعثم بعد ذلك،‮ ‬بيد أنه واصل الحديث،‮ ‬ثم قال‮:‬
‮- ‬نحن نطلب منك سيدي المدير أن تضع جدول الاختبارات كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮.. ‬ثم صمت‮.. ‬كان مرتاعا‮.‬
قال فيروفينو‮:‬
‮-‬سجل ياجايردو،‮ ‬الطالب رجادا سيحضر للمذاكرة كل أيام الأسبوع القادم ويمكث حتي التاسعة مساء‮- ‬توقف عن الكلام قليلا‮- ‬والسبب سيدون في دفتره،‮ ‬ألا وهو التمرد علي النظام التربوي‮.‬
كسا السواد وجه رجادا وقال‮: ‬سيدي المدير‮...‬
وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮-‬أري أن ذلك عدل،‮ ‬فهو سفيه‮.‬
2
اجتاز شعاع من أشعة الشمس الكوة القذرة وداعب جبهتي وعيني فزعزع سكينتي‮. ‬بيد أن قلبي كان قلقا بعض الشيء،‮ ‬وبين الحين والآخر كنت أحس بغصة‮. ‬ولم يتبق‮ ‬غير نصف الساعة علي موعد الخروج،‮ ‬وقد فتر قليلا نفاد صبر الفتية‮. ‬هل سيستجيبون علي الرغم من كل شيء؟
قال الاستاذ ثامبرانو‮: ‬اجلس يامونتس‮. ‬إنك لحمار‮!‬
أكد خابيير،‮ ‬الذي كان يجلس بجانبي،‮ ‬ذلك بقوله‮: »‬لا أحد يشك في ذلك،‮ ‬فهو حمار‮«.‬
هل وصلت الإشارة لكل الفصول؟ لم أكن أريد أن أشغل رأسي من جديد بافتراضات مشئومة‮. ‬بيد أنني رأيت‮ »‬لو‮« ‬جالسا علي بعد خطوات من حقيبتي،‮ ‬فأحسست بانزعاج وشك،‮ ‬لأنني كنت علي يقين من أن ما يجول بقرارة نفسي لم يكن الحصول علي جدول الاختبارات،‮ ‬ولا ما يتعلق بمسألة الشرف،‮ ‬وإنما هو الانتقام الشخصي‮. ‬فكيف لي أن أضيع هذه الفرصة السعيدة للانقضاض علي العدو وهو في هذه الغفوة؟
مد لي شخص كان يجلس بجانبي يده بورقة وقال‮: »‬خذ هذه من‮ »‬لو‮«.‬
‮»‬قبلت تولي القيادة معك ومع رجادا‮. ‬وقع‮ »‬لو‮« ‬علي الورقة مرتين‮. ‬وبين التوقيعين ظهر رمز كنا جميعا نحترمه‮: ‬حرف ال‮ ‬C‮. ‬بدا الحرف كبقعة حبر لم تحف بعد،‮ ‬وكان مكتوبا بخط كبير داخل دائرة سوداء‮. ‬نظرت إليه‮: ‬كان ذا جبهة وفم ضيقين،‮ ‬لوزي العينين،‮ ‬جلده‮ ‬غائر في خديه،‮ ‬ناتيء قوي الفك‮. ‬كان يرقبني في جدية‮. ‬تري هل كان يعتقد أن الموقف يتطلب منه أن يكون ودودا؟
أرسلت إليه بالاجابة في الورقة نفسها‮: »‬مع خابيير‮«. ‬قرأها بفتور ثم أومأ بالموافقة برأسه‮.‬
‮-‬خابيير‮. ‬قلت‮.‬
أجابني وقال‮: ‬أعلم‮. ‬حسن‮. ‬سنجعله يقضي وقتا سيئا‮.‬
كنت علي وشك أن أسأله‮: »‬المدير أم‮ »‬لو«؟ إلا أن صفارة الخروج ألهتني‮. ‬وعندئذ،‮ ‬اشتد الصياح فوق رءوسنا وامتزج بصوت حمل الحقائب‮. ‬صفر شخص بقوة‮- ‬ربما كان جبانا‮- ‬كمن يريد ان يشد الانتباه اليه‮. ‬قال رجادا وهو في الصف‮:‬
‮-‬هل الكل علي علم؟ إلي شارع البحر‮.‬
صاح أحدهم‮:‬
‮-‬يالك من حاذق‮! ‬فيروفينو نفسه علي علم بذلك‮.‬
خرجنا من الباب الخلفي بعد ربع ساعة من خروج القسم الابتدائي‮. ‬وإن كان البعض قد‮ ‬غادر المدرسة قبل ذلك،‮ ‬ووقف أغلب الطلبة في مجموعات علي قارعة الطريق يتناقشون،‮ ‬يهزرون ويدفع بعضهم بعضا‮. ‬قلت‮:‬
‮-‬لا أريد أن يمكث أحد هنا‮.‬
صاح‮ »‬لو‮« ‬بفخر‮:‬
‮-‬لتأت معي بنات آوي‮!‬
أحاط به عشرون فتي‮. ‬ثم أمرهم‮:‬
‮-‬إلي مالكون،‮ ‬جميعنا إلي هناك‮.‬
شبكنا أذرعنا فكونا خطا وصل بين الرصيفين‮. ‬وكنا نحن طلاب الصف الخامس في آخر المسيرة،‮ ‬ونجبر الطلاب الأقل تحمسا علي الإسراع بالوكز بالكوع‮.‬
حملت نسمة دافئة،‮ ‬عجزت عن تحريك أشجار الخروب الجافة وشعر رءوسنا،‮ ‬الرمال التي كانت تغطي أجزاء من أرض شارع البحر الحارقة،‮ ‬من جهة إلي أخري‮. ‬قد استجابوا لنا‮. ‬امتد أمامنا‮- ‬أنا و»لو‮« ‬وخابيير ورجادا‮- ‬نحن الذين استدبرنا السور والأرض الرملية التي تبدأ عند الضفة المقابلة لمجري النهر،‮ ‬جمع‮ ‬غفير متلاحم بطول المربع السكني‮- ‬وقد بدا الجمع رابط الجأش علي الرغم من سماع صيحات حادة بين الحين والأخر‮.‬
سأل خابيير‮:‬
‮-‬من الذي سيتكلم؟
‮-‬أنا‮. ‬قال‮ »‬لو‮« ‬وكان جاهزا ليقفز الي السور‮.‬
قلت‮: ‬
‮-‬لا‮. ‬تكلم أنت يا خابيير‮.‬
كبح‮ »‬لو‮« ‬زمام نفسه،‮ ‬ثم نظر إلي،‮ ‬بيد أنه لم يغضب‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮-‬سأفعل‮. ‬ثم رفع كتفيه وأضاف‮: ‬حسن‮!‬
تسلق خابيير السور‮. ‬ارتكز باحدي يديه علي شجرة جافة عوجاء،‮ ‬وبالأخري علي رقبتي‮. ‬استطعت،‮ ‬من بين رجليه اللتين كانتا ترتجفان قليلا ثم هدأتا عندما اكتسب صوته قوة ونبرة اقناع،‮ ‬أن ألمح المجري الجاف المتوهج،‮ ‬وفكرت في ذلك الوقت في‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي‮.‬
مجرد ثانية كانت كافية لكي يصل هو إلي مركز الصدارة فقد تولي هو الزعامة الآن‮. ‬اعجبوا به،‮ ‬به هو،‮ ‬هذا الفأر الصفراوي الصغير الذي جاء يتوسل الي،‮ ‬منذ ستة أشهر فقط،‮ ‬لكي أسمح له بالانضمام للجماعة‮. ‬وفي‮ ‬غفوة مني متناهية الصغر،‮ ‬ثم سيلان الدم بغزارة من‮ ‬‮(‬وجه صغير مضحك فتح باب حجرة المدرسين واطل منها‮.. ‬كان‮ ‬
وجهي ورقبتي،‮ ‬وعدم قدرتي علي تحريك يدي ورجلي تحت ضوء القمر،‮ ‬جعلوني‮ ‬غير قادر علي الرد علي لكماته‮. ‬قال لاهثا‮:‬
‮-‬لقد هزمتك‮. ‬أنا الآن الرئيس،‮ ‬كان هذا اتفقنا‮.‬
لم يتزحزح أي خيال من تلك الموجودة علي الرمال الناعمة‮. ‬أما الضفادع والجداجد فهي فقط التي تجاوبت مع‮ »‬لو‮« ‬الذي كان يسبني‮. ‬شرعت أصرخ وأنا ممدد علي الأرض الساخنة‮:‬
‮-‬سأنسحب من الجماعة‮. ‬وسأكون أخري أفضل بكثير‮. ‬وكنت أعلم،‮ ‬كما كان يعلم‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي،‮ ‬القابعون في الظل،‮ ‬أن هذا الكلام ليس صحيحا‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮-‬أنا ايضا سأنسحب‮.‬
ثم ساعدني علي النهوض ورجعنا للمدينة‮. ‬وفي طريق عودتنا عبر الشوارع الخالية،‮ ‬أخذت أنظف نفسي من الدم والدموع بمنديل خابيير‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮-‬تكلم أنت الآن‮.‬
‮-‬حسن‮. ‬قلت له،‮ ‬وصعدت إلي السور‮.‬
لم يكن للحوائط الخلفية ولا لأصدقائي أي ظل‮. ‬وكانت يداي رطبتين،‮ ‬وأرجعت هذا الي التوتر،‮ ‬ولكنه كان القيظ‮. ‬توسطت الشمس السماء،‮ ‬وبدأت تخنقنا‮. ‬لم تصل أعين أصدقائي إلي عيني‮: ‬كانوا ينظرون إلي الأرض وإلي ركبتي‮. ‬لزموا الصمت‮. ‬وكانت الشمس تحميني‮.‬
‮-‬سنطلب من المدير أن يضع جدول الامتحانات،‮ ‬كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮. ‬وستتشكل اللجنة مني ومن رجادا وخابيير و»لو‮«. ‬المرحلة المتوسطة موافقة،‮ ‬أليس كذلك؟
وافقت الأغلبية بهز الرأس،‮ ‬وصاح البعض‮: »‬نعم،‮ ‬نعم‮«.‬
قلت‮: ‬إذن،‮ ‬سنذهب الآن‮. ‬وانتظرونا أنتم في ميدان مرينو‮. ‬شرعنا في المسير‮. ‬كانت بوابة المدرسة الرئيسية موصدة،‮ ‬فقرعنا الباب بشدة وسمعنا من خلفنا هسيسا يتزايد‮. ‬فتح الناظر جايردو الباب وقال‮:‬
‮-‬هل جننتم‮. ‬لا تفعلوا ذلك‮.‬
قاطعه‮ »‬لو‮« ‬وقال‮:‬
‮-‬لا تتدخل أنت،‮ ‬اتعتقد أن ذاك الجلف يخيفنا؟
‮-‬ادخلوا‮ - ‬رد جايردو‮- ‬فسوف نري‮.‬
3
بدأت عيناه الصغيرتان تتفحصنا‮. ‬أراد التظاهر بالهدوء وعدم الاكتراث،‮ ‬إلا أننا أدركنا أن ابتسامته كانت مصطنعة،‮ ‬وأن ما يغوص بداخل هذا الربعة هو خوف وكره‮. ‬كان يقطب ويفرج عن جبينه،‮ ‬يرتجف،‮ ‬ويتدفق العرق بغزارة من بين يديه الصغيرتين السوداوين،‮ ‬قال‮:‬
‮-‬هل تعلمون ماذا يدعي ذلك؟ يدعي تمردا وثورة‮. ‬هل تعتقدون اني سأخضع لنزوات العابثين أمثالكم؟ المشاكسة أسحقها‮...‬
أخذ يرفع ويخفض من صوته،‮ ‬وكنت أراه يحاول كبح زمام نفسه حتي لايصيح‮. ‬فقلت في نفسي‮: »‬لماذا لايثور مرة واحدة؟ جبان‮«.‬
توقف عن الكلام‮. ‬وتطايرت بقعة رمادية حول يديه عندما اتكأ علي زجاج المكتب‮. ‬فجأة دوي صوته،‮ ‬وباتت نبرته وخيمة‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬ومن سيتطرق منكم لموضوع الاختبارات مرة اخري فسوف يعاقب‮.‬
قبل أن نقوم أنا وخابيير بأية إشارة،‮ ‬ظهر لنا‮ »‬لو‮« ‬علي حقيقته‮. »‬لو‮« ‬صاحب الاعتداءات الليلية علي قري تابلادا،‮ ‬وصاحب المعارك ضد الثعالب في الكثبان‮.‬
‮-‬سيدي المدير‮...‬
لم أستدر للنظر إليه،‮ ‬فلابد ان عينيه الزائغتين كانتا تقذفان لهبا وشررا،‮ ‬تماما كما حدث عندما كنا نتعارك في مجري النهر الجاف،‮ ‬أما فمه،‮ ‬فلابد أن يكون مفتوحا يملؤه اللعاب،‮ ‬ومكشرا عن أنيابه الصفراوية‮.‬
‮-‬نحن لا نقبل أن تضرنا جميعا لأنك لاتريد أن تحدد موعدا للامتحانات‮. ‬لماذا تريد أن تحصل علي درجات سيئة؟ لماذا‮....‬؟
اقترب فيروفينو منه حتي لمسه تقريبا بجسده‮. ‬شحب وجه‮ »‬لو‮« ‬وأصابه الهلع،‮ ‬ولكنه أكمل كلامه‮:‬
‮-... ‬لقد تعبنا‮...‬
‮-‬اصمت‮!‬
رفع المدير ذراعيه وهو يعتصر شيئا في قبضته‮. ‬كرر كلامه بحنق وقال‮:‬
‮-‬اصمت ياحيوان‮! ‬كيف تجرؤ‮!‬
كان‮ »‬لو‮« ‬قد سكت،‮ ‬وظل يحملق إلي فيروفينو كما لو كان سينقض فجأة علي رقبته‮. ‬فكرت في نفسي وقلت‮: »‬كلبان‮: ‬متشابهان‮«.‬
‮-‬إذن،‮ ‬علمك هذا‮. ‬وأشار نحوي بإصبعه‮. ‬عضضت علي شفتي‮: ‬فجأة احسست ان خيطا من لعاب ساخن ينساب علي لساني،‮ ‬فهدأ ذلك من روعي‮.‬
صاح من جديد‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬اخرجوا من هنا‮! ‬ستدفعون ثمن هذا‮ ‬غاليا‮.‬
خرجنا‮. ‬وعلي طول المسافة بين الدرج الذي يربط مدرسة سان ميجيل بميدان ميرينو،‮ ‬احتشد جمع‮ ‬غفير لاهثا،‮ ‬دون حراك‮. ‬احتل زملاؤنا الحدائق الصغيرة والنافورة،‮ ‬بيد انهم كانوا حزاني صامتين‮. ‬ومن الغريب ان بين تلك الحشود التي‮ ‬غدت كبقعة فاتحة،‮ ‬ساكنة،‮ ‬كانت تلمح مستطيلات صغيرة بيضاء لم تطأها قدم‮.‬
بدت الرءوس متشابهة،‮ ‬متساوية كالتي تظهر في تشكيل العرض‮. ‬عبرنا الميدان‮. ‬ولم يستجوبنا أحد،‮ ‬انتحوا جانبا فاتحين لنا طريقا وهم يعضون الشفاه‮. ‬إلي أن وصلنا الي الشارع ظلوا في أماكنهم،‮ ‬ثم تبعونا بعد ذلك كمن يتبع اشارة لم يشر بها احد‮. ‬ساروا علي خطانا في‮ ‬غير ايقاع كما يحدث عند الذهاب للفصول‮.‬
رمضت الأرض،‮ ‬بدت كمرآة تذيبها الشمس‮. ‬فكرت‮: »‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟‮. ‬حكوا لي عن ليلة مقفرة،‮ ‬شديدة القيظ في هذا الشارع نفسه،‮ ‬ولكنني لم أصدق‮. ‬فقد قالت الصحف إن الشمس في بعض الأماكن تصيب الناس بالجنون وأحيانا تقتلهم‮. ‬سألت خابيير‮:‬
‮-‬خابيير،‮ ‬هل رأيت يوما أنه يمكن ان يقلي البيض في الطريق؟
هز رأسه مدهوشا،‮ ‬وقال‮:‬
‮-‬لا‮. ‬إنما حكوا لي عنه‮.‬
‮-‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟
‮-‬ربما‮. ‬يمكن ان نقوم بالتجربة الآن‮- ‬الأرض تتوهج وكأنها مجمرة‮.‬
ظهر ألبرتو عند بوابة لارينا‮. ‬كان شعره الأصفر يلمع بروعة‮: ‬بدا من ذهب‮. ‬أشار بيده اليمني في رقة وبرقت عيناه الخضراوان ثم ابتسم‮. ‬أصابه الفضول ليعرف إلي أين يتجه هذا الجمع الغفير ذو الزي الموحد،‮ ‬الصامت في يوم ذي أوار‮.‬
صاح بي‮: ‬هل ستأتي لاحقا؟
‮- ‬لن أستطيع‮. ‬سأراك في المساء‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮- ‬إنه عبيط،‮ ‬سكير‮.‬
رددت قائلا‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬إنه صديقي،‮ ‬فتي طيب‮.‬

4
قلت ل‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬وأنا أحاول أن تكون نبرتي معه لطيفة‮:‬
‮- ‬اتركني أتكلم يا‮ »‬لو‮«.‬
بيد أن أحدا لم يقو علي كبح جماحه‮. ‬كان واقفا علي السور،‮ ‬تحت فروع شجرة الخروب الجافة،‮ ‬حافظا توازنه بشكل مدهش،‮ ‬وجهه وجلده ذكراني بالعظاءة‮. ‬قال بفظاظة‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬سوف أتحدث أنا‮.‬
بإيماءة إلي خابيير اقترب كلانا من‮ »‬لو‮« ‬وأمسكنا برجليه،‮ ‬بيد أنه استطاع التشبث بالشجرة في الوقت المناسب وأفلتت رجله اليمني من بين يدي‮. ‬دفعني بركلة قوية في كتفي بثلاث خبطات من الخلف‮. ‬رأيت خابيير،‮ ‬وهو يمسكه بسرعة من ركبتيه ويرفع وجهه ويرمقه بنظرة من عينين لفحتهما الشمس‮.‬
صرخات‮:‬
‮- ‬لاتضربه‮. ‬تمالك نفسه وهو يرتجف‮. ‬بدأ‮ »‬لو‮« ‬يصيح ويقول‮:‬
‮- ‬أتدرون ما قاله المدير؟ لقد سبنا،‮ ‬عاملنا كبهائم‮. ‬فهو لا يريد أن يحدد مواعيد الاختبارات حتي ينغص علينا حياتنا‮. ‬سيضر كل المدرسة ولايهمه شيء‮. ‬إنه‮...‬
اتخذنا المكان السابق نفسه،‮ ‬وبدأت الصفوف الملتوية في التمايل‮. ‬كان‮ ‬غالبية طلاب المرحلة المتوسطة مازالوا حاضرين‮. ‬وبسبب القيظ وكل ما قاله‮ »‬لو‮« ‬ازداد حنق التلاميذ،‮ ‬وأخذتهم الحمية‮.‬
‮- ‬نحن نعرف أنه يكرهنا‮. ‬لايوجد تفاهم بيننا‮. ‬منذ أن حضر إلي المدرسة وهي لم تعد كما كانت من قبل‮. ‬يسب ويضرب،‮ ‬بل أكثر من ذلك يريد أن يضرنا في الاختبارات‮.‬
قاطعه صوت حاد‮ ‬غير معروف وسأل‮:‬
‮- ‬ضرب من؟
‮- ‬ارتاب‮ »‬لو‮« ‬للحظة،‮ ‬ثم انفجر صائحا مرة أخري وقال بتحد‮:‬
‮- ‬ضرب من؟ أريبالوا تعال هنا ليري الجميع ظهرك‮.‬
خرج أربيالو من وسط الجموع التي بدأت تهمهم‮. ‬كان من فريق بنات آوي،‮ ‬كان شاحبا‮. ‬عندما وصل إلي المكان الذي يقف فيه‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬كشف عن صدره وظهره‮. ‬وظهر علي ضلوعه علامة عريضة حمراء‮.‬
‮- ‬هذا هو فيروفينو‮!‬
قال‮ »‬لو‮« ‬ذلك،‮ ‬بينما كانت يده تشير إلي العلامة،‮ ‬وعيناه تتفحصان الوجوه القريبة الباهتة،‮ ‬في صخب أخذت هذه الأمواج المتلاطمة من البشر في الاقتراب منا،‮ ‬كانوا جميعا يسعون للاقتراب من أربيالو‮. ‬لم يستمع أحد ل‮ »‬لو‮« ‬ولا لخابيير ولا لرجادا الذين كانوا يطالبونهم بالهدوء،‮ ‬ولا لي وأنا أصرخ بهم‮: »‬لاتصدقوه‮! ‬هذا كذب‮«.‬
جرفني هذا المد البشري بعيدا عن السور وعن‮ »‬لو‮« ‬كنت أختنق ولكني استطعت أن أجد لنفسي مخرجا من بين هذه الجلبة‮. ‬حللت رباط عنقي وتنفست ببطء من فمي ورفعت يدي إلي أعلي،‮ ‬إلي أن أحسست أن قلبي بدأ يسترجع إيقاعه‮. ‬كان رجادا يقف بجانبي وسألني بنبرة حانقة‮:‬
‮- ‬متي حدث هذا لأربيالو؟
‮- ‬لم يحدث قط‮.‬
‮- ‬ماذا؟
حتي هو رابط الجأش دائما،‮ ‬قد تأثر بذلك‮. ‬ارتجفت خنابتا أنفه وقبض علي يده‮. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لاشيء‮.. ‬لا أعلم متي حدث ذلك‮.‬
انتظر‮ »‬لو‮« ‬حتي هدأ قليلا هذا الهياج،‮ ‬ثم رفع صوته فوق أصوات الاحتجاجات المتناثرة وسأل وهو يصرخ ويهدد الطلاب بقبضة يده‮:‬
‮- ‬هل سيغلبنا فيروفينو؟ أسيغلبنا؟ أجيبوا‮!‬
اندفع صوت أكثر من خمسمائة طالب قائلين‮: ‬لا‮! ‬لا،‮ ‬لا‮!‬
ارتجف‮ »‬لو‮« ‬للمجهود الذي فرضه عليه صراخه وتمايل علي السور منتصرا‮.‬
‮- ‬إذ لايدخل أحد إلي المدرسة حتي يظهر جدول الاختبارات‮. ‬هذا عدل ومن حقنا،‮ ‬وسنمنع كذلك طلاب الابتدائي من الدخول‮.‬
ذاب صوته الأجش بين الصيحات‮. ‬ولم أر أمامي بين هذا الجمع الغفير،‮ ‬مرفوعي الأذرع الملوحين بمئات البيريهات في الهواء،‮ ‬طالبا واحدا كان‮ ‬غير مبال أو‮ ‬غير مكترث‮.‬
‮- ‬ماذا سنفعل؟
أراد خابيير أن يتظاهر بالهدوء،‮ ‬غير أن حدقتي عينيه كانتا تلمعان‮.‬
قلت‮:‬
‮- ‬حسن‮. »‬لو‮« ‬معه حق،‮ ‬فلنساعده‮.‬
جريت ناحية السور وتسلقته وقلت‮:‬
‮- ‬نبهوا علي طلاب الابتدائي أنه لن تكون هناك حصص هذا المساء‮. ‬يمكنكم أن تذهبوا الآن وليبق طلاب الفصل الرابع والخامس ليحيطوا بالمدرسة‮.‬
وأنهي‮ »‬لو‮« ‬كلامه مبتسما وقال‮:‬
‮- ‬وليبق كذلك بنات آوي‮.‬
5
قال خابيير‮:‬
‮- ‬أنا جائع‮.‬
كان القيظ قد هدأ‮. ‬وبينما نحن جالسون،‮ ‬علي المقعد الوحيد الصالح للجلوس في ميدان مرينو،‮ ‬سقطت علينا أشعة الشمس التي تسربت بيسر من بين بعض السحب الشفيفة التي ظهرت في السماء،‮ ‬غير أن العرق لم يعرف طريقه إلينا‮. ‬فرك ليون يديه وابتسم،‮ ‬كان متوترا‮.‬
قال أمايا‮:‬
‮- ‬لا ترتعد‮. ‬إنك أكبر من أن تخاف من فيروفينو‮.‬
‮- ‬حذار‮! ‬حذار يا أمايا‮! ‬قال ليون وقد احمر وجهه الذي بدأ ينبت به شعر ذقنه،‮ ‬والذي كان يشبه وجه القردة‮.‬
قال رجادا بهدوء‮:‬
‮- ‬لاتتعاركا‮. ‬لايوجد من هو خائف،‮ ‬لأن من يخاف ليس إلا أحمق‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮- ‬أقترح أن نلف من الخلف‮.‬
طفنا حول المدرسة ونحن نسير في قلب الشارع‮. ‬كانت النوافذ العليا مواربة،‮ ‬لم نلحظ أحدا من خلفها،‮ ‬ولم نسمع كذلك أي صوت‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮- ‬إنهم يتناولون الآن طعام الغداء‮.‬
‮- ‬نعم،‮ ‬بالطبع‮.‬
علي الرصيف المقابل ظهر باب ساليسيانو الرئيسي‮.‬
ووقف المقيمون به علي السطح يراقبوننا،‮ ‬ومما لاشك فيه أنهم كانوا علي علم بما يحدث‮. ‬قال شخص باستهزاء‮:‬
‮- ‬يالهم من فتية شجعان‮!‬
سبهم خابيير‮. ‬أما الرد علينا فكان وابلا من التهديدات والبصاق الذي لم يصبنا‮. ‬ثم سمعنا بعض الضحكات فهمس خابيير‮: »‬إنهم يستشيطون‮ ‬غيظا‮«.‬
رأينا‮ »‬لو‮« ‬عند الناصية،‮ ‬يجلس وحيدا علي الرصيف،‮ ‬ينظر شاردا‮

جزء قصة الرؤساء التي صدرت عن المشروع القومي للترجمة

منقول من موقع جريدة أخبار الأدب‬

مجتزأ من أحدث روايات ماريو بارجاس يوسا ... ( حلم السلتيكي )


10/10/2010 12:38:11 م
...
الكونغو
عندما فتحوا باب الزنزانة،‮ ‬دخلت ومضات ضوء‮ ‬وضربة هواء وضوضاء الشارع التي كانت تحجبها الأسوار الحجرية،‮ ‬فاستيقظ روجير مرعوباً‮. ‬رمش بعينيه مرتبكاً،‮ ‬وانتبه وهو يحاول الجلوس إلي طيف الشريف،‮ ‬المعكوس علي الباب‮. ‬نظر إليه بوجهه الناعم وشاربه الأبيض وعينيه التي تتحدث بسوء،‮ ‬وبسماجة لم يحاول أبداً‮ ‬مداراتها‮. ‬هذا الرجل سيعاني ألماً‮ ‬إذا منحته الحكومة الإنجليزية طلب العفو‮. ‬
‮- ‬زيارة‮- ‬همس الشريف،‮ ‬دون أن يرفع عنه عينيه‮. ‬
نهض،‮ ‬نفّض ذراعيه‮. ‬كم من الوقت نام؟ كانت إحدي مزايا سجن بينتوفيل أنه لا يُعرَف الوقت‮. ‬في سجن بريكستون وفي برج لندن كان يُسمع صوت الأجراس التي تدق كل نصف ساعة،‮ ‬هنا،‮ ‬الحوائط السميكة لا تسمح بمرور صوت أجراس كنائس كاليدونيان رود ولا ضجيج سوق ايزلينتون كما أن حراس الأبواب ينفذون الأوامر بصرامة فلا يوجّهون له كلمة‮. ‬وضع الشريف الكلابشات في يديه وأشار إليه بالخروج أمامه‮. ‬هل جاءه محاميه بخبر سعيد؟ هل اجتمعت اللجنة وتوصلت لقرار؟ كانت نظرات الشريف،‮ ‬المحمّلة أكثر من أي وقت مضي بالنقمة التي تسكنه،‮ ‬توحي بأنهم خففوا العقوبة‮. ‬سار في الممر الطويل ذي الأحجار الحمراء المغطاة بالقذارة،‮ ‬أبواب زنازين معدنية وجدران مقشرة الطلاء‮  ‬فيها نافذة عالية كل عشرين أو خمسة وعشرين خطوة وبها فتحة يمكن من خلالها رؤية جزء من السماء الرمادية‮. ‬لماذا كان يشعر بالبرد الشديد؟ كان شهر يوليو،‮ ‬قلب الصيف،‮ ‬ولم يكن هناك سبب لهذا البرد الذي يجعل جلده مقنفداً‮.‬
عند دخوله لقاعة الزيارات الضيقة،‮ ‬تصبب عرقاً‮. ‬من كان ينتظره لم يكن محاميه جورج كافان ديفي،‮ ‬وإنما أحد مساعديه،‮ ‬شاب أشقر وهزيل،‮ ‬بوجنتين بارزتين،‮ ‬يرتدي ثوباً‮ ‬أنيقاً،‮ ‬كان قد شاهده خلال أربعة أيام المحاكمة يحضر أوراقاً‮ ‬لمحاميي الدفاع‮. ‬لماذا يرسل ديفي أحد مساعديه ولم يأت بنفسه؟
‮ ‬نظر إليه الشاب نظرة باردة‮. ‬بين حدقتيه كان يقفز الغضب والاشمئزاز‮. ‬ماذا حدث لهذا المعتوه؟‮ "‬ينظر لي كما لو كنت حيواناً‮" ‬فكّر روجير‮.‬
هل من جديد؟
نفي الشاب بهزة من رأسه،‮ ‬وأخذ نَفَسَه قبل أن يتكلم‮. ‬
‮- ‬عن طلب العفو لا جديد إلي الآن‮- ‬همهم،‮ ‬بجفاء،‮ ‬مؤدياً‮ ‬إيماءة جعلته أكثر تفككاً‮- ‬يجب أن ننتظر حتي يجتمع مجلس الوزراء‮.‬
كان وجود الشريف والحارس الآخر في القاعة الصغيرة يضايق روجير‮. ‬فرغم أنهما بقيا صامتين وساكنين،‮ ‬كان يعلم أنهما ينصتان لكل ما يُقال‮. ‬وكانت هذه الفكرة تطبق علي صدره فتجعله يتنفس بصعوبة‮. ‬
‮- ‬لكن لو وضعنا في اعتبارنا الأحداث الأخيرة فكل شيء صار أصعب‮- ‬أضاف الشاب الأشقر وهو يرمش بعينيه للمرة الأولي وفاتحاً‮ ‬ومغلقاً‮ ‬فمه بشكل مبالغ‮ ‬فيه‮.  ‬
‮- ‬الأخبار لا تصل إلي سجن بينتونفيل،‮ ‬ماذا حدث بريطانيا العظمي من سواحل آيرلندا؟ وهل الغزو الذين يحلمون به حدث؟ وهل مدافع كايسير تنتقم حالياً‮ ‬من المواطنين الآيرلنديين الذين رفّعهم الإنجليز عند الاحتفال بأسبوع الآلام؟ فلو اتخذت الحرب هذا الطريق،‮ ‬ستتحقق خططها رغم كل شيء‮.‬
‮- ‬كل شيء أصبح صعباً،‮ ‬وتحقيق النصر شبه مستحيل‮- ‬كرر المساعد‮. ‬كان شاحباً‮ ‬ويكبح استفزازه،‮ ‬وكان روجير يستشف جمجمته تحت جلد وجهه الأبيض‮. ‬وكان يشعر أن الشريف يبتسم من وراء ظهره‮. ‬
‮  ‬ماذا تقول؟
‮ ‬السيد جابان ديفي كان متفائلاً‮ ‬جداً‮ ‬بالعفو‮. ‬ماذا حدث كي يغير رأيه؟
‮-‬يومياتك‮ ‬‭_‬‮ ‬قال الشاب بإيماءة ضيق‮. ‬خفض صوته حتي أن روجير كان يسمعه بالكاد‮- ‬اكتشفها سكوتلاند يارد في بيتك بإبيري ستريت‮.‬
صمت صمتاً‮ ‬طويلاً،‮ ‬منتظراً‮ ‬أن يقول روجير شيئاً‮. ‬لكن بما أن الأخير أصابه الخرس،‮ ‬أطلق الزمام لضيقه وعوج فمه‮.‬
‮- ‬كيف كنت رجلاً‮ ‬غير رصين،‮ ‬يا ابن الرب‮- ‬كان يتحدث ببطء يعكس‮ ‬غضبه‮- ‬كيف كتبت بقلم وورقك مثل هذه الأشياء،‮ ‬يا ابن الرب‮. ‬وإن كنت فعلت ذلك،‮ ‬كيف لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتمزيق هذه الأوراق قبل أن تتآمر ضد الامبراطوية البريطانية‮.‬
‮" ‬إنها سبة أن يناديني هذا المعتوه بكلمة ابن الرب‮"‬،‮ ‬فكر روجير‮. ‬كان‮ ‬غير مؤدب،‮ ‬لأن عمره ضعف عمر هذا الولد علي الأقل‮.‬
‮- ‬أجزاء من هذه اليوميات تلف الآن في كل مكان بالإمبراطورية،‮ ‬قال المساعد بشكل أكثر هدوءً،‮ ‬رغم أنه متضايق علي الدوام،‮ ‬ودون أن ينظر إليه‮. ‬سلّم متحدث الوزير،‮ ‬قبطان سفينة ريجينالد هول شخصياً،‮ ‬نسخاً‮ ‬لعشرات من الصحفيين‮. ‬يومياتك في كل أنحاء بريطانيا،‮ ‬في الأندية الليبرالية والمحافظة،‮ ‬في قاعات الدرس،‮ ‬في صالات التحرير والكنائس‮. ‬في المدينة لا يتحدثون عن شيء آخر سواك‮.‬
ريجير لم يتفوه بكلمة‮. ‬لم يتحرك‮. ‬كان يشعر،‮ ‬من جديد،‮ ‬بهذا الإحساس الغريب الذي استحوذ عليه في مرات كثيرة في الأشهر الماضية،‮ ‬منذ هذا الصباح الأسود والماطر من أبريل سنة‮ ‬1916،‮ ‬والذي فيه كان منكمشاً‮ ‬من البرد،‮ ‬سحبوه من بين أطلال مي كانا فورت،‮ ‬بجنوب آيرلندا‮: ‬لم يكن هو،‮ ‬لابد أنه كان آخر من يحدثونه هكذا،‮ ‬من تحدث له هذه الأشياء‮.‬
‮- ‬أعلم أن حياتك الشخصية ليست من شأني،‮ ‬ولا من شأن السيد ديفي ولا أي أحد آخر‮- ‬أضاف الشاب المساعد،‮ ‬مجتهداً‮ ‬أن يخفض‮ ‬غضبه المعكوس في صوته‮- ‬لكنني أتحدث عن شيء مهني بالدرجة الأولي‮. ‬السيد جابان ديفي أراد ان يطلعك علي ما يحدث‮. ‬ويحذرك‮. ‬ربما يتم رفض طلب العفو‮. ‬هذا الصباح،‮ ‬كانت هناك اعتراضات في بعض الجرائد،‮ ‬خيانات،‮ ‬شائعات حول ما تحويه يومياتك‮. ‬حتي الرأي العام الذي كان يؤيّدك تأثّر بكل هذا‮. ‬هذا افتراض صرف‮. ‬أتريد أن أنقل له أي رسالة؟

‮  ‬مجتزأ من أحدث روايات يوسا التي صدرت هذا الشهر في إسبانيا عن دار‮ " ‬ألفاجوارا‮"‬


منقول من موقع جريدة أخبار الأدب

نوبل فى الاقتصاد لأمريكيين وبريطانى

الإثنين، 11 أكتوبر 2010 - 14:22
جائزة نوبل – صورة ارشيفية  
جائزة نوبل – صورة ارشيفية
كتب أحمد يعقوب
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
أعلنت الأكاديمية السويدية للعلوم منذ قليل على موقعها الإلكترونى، عن منح جائزة نوبل فى العلوم الاقتصادية لعام 2010، للاقتصادى الأمريكى، بيتر دايموند، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالولايات المتحدة الأمريكية، وديل مورتنسن، الأستاذ بجامعة نورث ويسترن، والاقتصادى البريطانى، كروستفر بيساريدز، الأستاذ بجامعة لندن للاقتصاد، تقديرا لإسهاماتهم المتميزة فى وضع إطار نظرى متكامل فى مجال دراسات وأبحاث الأسواق، وتطبيقاتها فى سوق العمل، ومدى تأثر معدلات البطالة وفرص العمل والأجور بالأطر التنظيمية والسياسة الاقتصادية.

يذكر أنه تم منح جائزة نوبل فى العلوم الاقتصادية لأول مرة فى عام 1968 فى الذكرى الــ300 لتأسيس بنك السويد المركزى، وتمول قيمة الجائزة من هذا البنك، والاسم الرسمى هو "جائزة سفيرجيز ريكسبانك" فى العلوم الاقتصادية.

السبت، 9 أكتوبر 2010

أين أدب حرب أكتوبر العربي؟

أربعة وثلاثون عاماً مرت على حرب أكتوبر المجيدة .. والسؤال يتكرر كل عام : لماذا لم تعرف المكتبة العربية عملاً إبداعياً يتناسب وضخامة هذه الحرب التى أعادت إلى المواطن العربى كرامته وقضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وغيرت الكثير من المفاهيم العسكرية التى كانت سائدة وقتها.
  محيط - سميرة سليمان
النقاد رددوا أن هناك ندرة في الإبداع الروائي وعلاقته بحرب أكتوبر، وأن ما انتج من أعمال لا يرقى إلي مستوى الفن الحقيقي ...

...  وعند ذلك تقام مقارنة ظالمة بين هذه الأعمال والأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية كـ " الحرب والسلام " لتولستوي و " وداعاً للسلاح " لهمنجواي و" والدون الهادئ " لشولوخوف و" الأمل " لمارلو و" أفول القمر " لشتاينبك وغيرها .
رواية الحرب المفقودة
يقول د . محمد عبد الحليم غنيم أن بعض الأعمال علي مستوى الحدث الكبير غير أن ثمة ملابسات وأسباب كانت وراء عدم استغلال الحرب الاستغلال الذي تستحقه في الأعمال الروائية منها: أن كبار الكتاب كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس لم يكتبوا عن هذه الحرب سوى ردود أفعال وقتية ظهرت في صورة مقالات قصيرة، وبهذه المناسبة كان توفيق الحكيم صاحب مصطلح "عبرنا الهزيمة"، ومن ضمن الأسباب تدخل المؤسسة الرسمية بدعمها لهذه الأعمال عبر تقديم جوائز ونشر هذه العمال في سلسلة " أدب الحرب "، إن تدخل المؤسسة الرسمية أو الحكومية جعل الكتابة عن أكتوبر كتابة مناسبات، أيضا اللغط الذي أثير حول حرب أكتوبر نفسها، وقد كثُر هذا اللغط بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، فقيل أن الحرب أجهضت وأن النصر منقوص.
هناك أعمال جيدة ومعبرة عن الحرب مثل " الرفاعي " لجمال الغيطاني ، و" الحرب في بر مصر " ليوسف





القعيد و" نوبة رجوع " لمحمود الورداني و " أنشودة الأيام الآتية " لمحمد عبد الله الهادي و"السمان يهاجر شرقاً " للسيد نجم.
ومن الكتاب العرب " المرصد " لحنا مينا و" رفقة السلاح والقدر " لمبارك ربيع وغيرها ، لكن مازلنا نفتقر إلي ملحمة مثل "الحرب والسلام" لتولستوي.
أما الأديب يوسف القعيد صاحب العديد من الأعمال التى تناولت حرب أكتوبر منها "الحرب فى بر مصر" و"فى الإسبوع سبعة أيام" و"تجفيف الدموع" و"حكايات الزمن الجريح" و"أطلال النهار" يحلل هذه الظاهرة قائلا: لكى يكون هناك عمل كبير عن حرب أكتوبر، لابد أن يكون الكاتب عايش الحدث، لأن الحرب والسجن لابد للكتابة عنهما أن يكون الكاتب قد مر بهذه التجربة، فالحرب لاتحدث كل يوم، ومفرداتها الاجتماعية تدور فى ميادين المعركة بعيدا.. حتى من قرأ عن الحرب، لم يكتب أدبا جيدا.. لأنه لابد أن يكتب عن تجربة الحرب مقاتل دخل الحرب..

وأنا أثناء أكتوبر كنت مجندا فى مستشفي، لهذا لم أكتب عن المعركة ذاتها، لكن عما حدث من تداعيات فى نفوس الجنود، والناس عامة، فكتبت عن الجنود باعتبارهم بشرا عاديين، فى وقت كان الإعلام المصري، يتعامل معهم على أنهم أبطال.

أما الأديب إبراهيم أصلان فيري أن الظروف التى عاشتها المنطقة بعد أكتوبر كامب ديفيد والسلام والانفتاح، سلبت كثيرا من تأثير الحرب العظيمة، وحولتها لظرف عارض، لم يتحول لقيمة دائمة، وحدت من قدرة المبدعين على عبور مشاعر الخذلان العام التى حدثت بعد النكسة.
أما الناقد د.صلاح فضل فيقول فرأى أن الحرب لم تنته بعد وأكتوبر فصلا من عدد من المعارك بدأت عام 1948 ووصلت لقمة مأساتها في 1967 وتعدلت أوضاعها في 1973 ولكن الصلف الإسرائيلي المتعنت مازال يجسم على الأرض العربية، فى فلسطين والجولان ومازال يرفض الاعتراف بحقوق العرب المشروعة.
أسماء كثيرة قدمت قصصا هامة وروايات ، نذكر من بينها: جمال الغيطاني، محمود الورداني، فتحي إمبابي، شحاتة عزيز جرجس، معصوم مرزوق ( شجر الصبار)، سمير الفيل( رجال وشظايا)، محمد النحاس ( الخريف الدامي)، السيد الجندي ( سبع جبات من الرمال)، السيد عبد العزيز نجم
( يوميات مقاتل قديم)، بهي الدين عوض (سنوات الحب والموت)، محمد السيد سالم( يوميات على جدار الصمت)، فوزي البارودي (عندما تشتعل النجوم)، وقاسم مسعد عليوة ( حدود الاستطاعة).
وهناك أيضا: محمود المنسي، إبراهيم العشري، عصام راسم فهمي ، سمير رمزي المنزلاوي، عبد الحميد بسيوني عبد الحميد، مجيد سكرانة، أحمد ربيع الأسواني، سعد الدين حسن، مأمون الحجاجي ، حسن علبة، وأسماء أخرى كثيرة .
فيجب الإشارة أن الأدب السردي الذي تعامل مع الحدث موجود، لكنه إما مخبوء تماما، وإما مسكوت عنه، كما أوضح القاص سمير الفيل.

أجرت الباحثة وداد عبد الفتاح خليفة بجامعة الأزهر دراسة تحت عنوان "أثر حرب أكتوبر علي الاتجاه التعبيري في أدب اهارون ميجيد وجمال الغيطاني"، ونالت عنها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولي.
قامت من خلالها - كما أشارت مني نور - برصد تأثيرات هذه الحرب علي الساحتين الأدبيتين الإسرائيلية والعربية من خلال بعض أعمال كل من اهارون ميجيد وجمال الغيطاني ، الذين يعتبر كل منهما نموذجا لأبناء جيله من الأدباء الذين عايشوا وتأثروا وعبروا عن أدبهم عن تلك الحرب.
وقد اختارت الباحثة لكل من الأديبين محل الدراسة روايتين إحداهما كتبت علي خلفية حرب 1967 والأخري كتبت علي خلفية حرب اكتوبر 1973،

وتوصلت إلى أن الغيطاني امتاز عن ميجيد بغلبة الموهبة، كما أوضحت أن الأدب العبري قبل حرب أكتوبر قد


الروائي المصري جمال الغيطاني

لعب دورا هاما وأساسيا في نشأة دولة إسرائيل، حيث استخدمته الصهيونية السياسية علي أوسع نطاق في خدمة حملاتها الدعوية وخدمة حملاتها السياسية والعسكرية .
أما الأدب العربي فان موقفه لم يكن علي المستوي المطلوب كما وكيفا تجاه الخطر الصهيوني، ولم يكن يزيد علي كونه موقفا عاطفيا يتسم بسب اليهود واستثارة العرب وتذكيرهم بأمجادهم الماضية أو بالبكاء والنحيب.
لا يوجد "أدب حرب" فى الإبداع العربى .. هكذا يقرر الروائى خيرى شلبى الذى يستثنى فقط السير الشعبية، فإبداعنا الحديث والمعاصر لم يعرف أدب الحرب رغم أننا خضنا ضد إسرائيل عدة حروب كبيرة فى 48 ، 56، 67، 1973، وقبل ذلك كانت مصر تحت الاحتلال الفرنسى ثم الإنجليزى .. لكن كل ذلك لم يطرح ما يمكن اعتباره أدب حرب.

يقول قاسم مسعد عليوه الأدباء لم يخونوا حرب أكتوبر .. هذا كلام غير صحيح بالمرة، يمكن القول بأن الحماس قد فتر، أما الاتهام بالخيانة فهو اتهام باطل من أساسه، وهناك أسماء كتيبة من الذين عايشوا هذا الحرب وتحمموا بنيرانها وقدموا إبداعات.. لينظر النقاد إلى إبداعاتهم وليقولوا فيها رأيهم بدلاً من سباتهم الدائم ويقظاتهم الموسمية، فليعرضوا على الساحة الأدبية آراءهم فيما أبدعه كل من : جمال الغيطانى، فؤاد حجازى، يوسف القعيد، محمد الراوى، إبراهيم عبد المجيد، رجب سعد السيد، محمود الوردانى، محمد عبد الله عيسى، محمد المنسى قنديل، أحمد ماضى، عصام دراز، أحمد عنتر مصطفى،حسن النجار، صبرى أبو علم، عبد العزيز موافى، نصار عبد الله، أحمد عجمى، وأحمد الحوتى، وبهاء السيد، وكاتب هذه السطور.
وقد انضم إلى هذه الكتيبة نفر غير قليل ممن تأثروا بهذه الحرب ومنجزاتها. منهم: سعيد سالم، أحمد ربيع الأسوانى، سمير الفيل، شوقى عبد الحميد، نجلاء علام .. وغيرهم كثير.. ومع هذا فإن الحماس بعد ثلاثين عاما قد فتر ولا أنكر.
شعر الحرب
الشاعر محمود نسيم يفرق أولاً بين الصراع مع إسرائيل، والحرب مع إسرائيل، ففى إطار الصراع هناك شعر كثير، بالعكس هناك شاعر كامل مثل محمود درويش ظهر وتكون ونما فى ظل هذا الصراع وكتب تجربته الرئيسية فى إطاره، وهناك أيضاً سعد الله ونوس فى المسرح.
على مستوى الحرب، هناك نمو شعرى حدث فى إطار تجربة الحرب، أمل دنقل مثلاً تجربته الشعرية تمت أساساً فى هذه المرحلة - مرحلة الحروب مع إسرائيل - وظنى أنه كان شاعراً محرضاً على الحرب، لكن عندما جاءت الحرب، لم يكن هناك شعر .. وهذه مفارقة كبيرة.
يقول أمل دنقل برائعته  "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" عن نكسة 67
يقول
" عيد بأي حال عدت يا عيد؟
بما مضى؟ أم لأرض فيك تهويد؟
ونامت نواطير مصر عن عساكرها
وحاربت بدلا منها الأناشيد!
ناديت: يا نيل هل تجري المياه دما
لكي تفيض، ويصحو الأهل أن نودوا ؟
عيد بأي حال عدت يا عيد؟
( حزيران 1968)

أما صلاح عبد الصبور فكتب مخاطبا أول جندي يرفع العلم المصري في سيناء
شعر: صلاح عبدالصبور
تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء،






وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك،
لكي يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مقتحما
ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي .
ولم ألمح سوي بسمتك الزهراء والعينين
ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما
ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك ؟
وأنت في لحظتك العظمي
تحولت إلي معني، كمعني الحب، معني الخير، معني النور، معني القدرة الأسمي.
تراك،
وأنت في ساح الخلود، وبين ظل الله والأملاك
تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا
تراك، وأنت أقرب ما تكون
إلي مدار الشمس والأفلاك
تراك ذكرتني،
وذكرت أمثالي من الفانين والبسطاء
وكان عذابهم هو حب هذا العلم الهائم في الأنواء
وخوف أن يمر العمر، لم يرجع إلي وكره
وها هو عاد يخفق في مدي الأجواء.
فهل، باسمي وباسمهمو لثمت النسج محتشدا
وهل باسمي وباسمهمو مددت إلي الخيوط يدا
وهل باسمي وباسمهمو ارتعشت بهزة الفرح
وأنت تراه يعلو الأفق متئدا
وهل باسمي وباسمهمو همست بسورة الفتح
وأجنحة الملائك حوله لم تحصها عددا
وأنت ترده للشمس خدنا باقيا .. أبدا
هنيهات من التحديق،
حالت صورة الأشياء في العينين
وأضحي ظلك المرسوم منبهما
رأيتك جذع جميز علي ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك حائطا من جانب القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت علي قدمين
لترفع في المدي علما
يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مبتسما.
(9 أكتوبر 1973)
وحين قامت حرب أكتوبر 73.. كتب أحمد فؤاد نجم عدداً من القصائد التي تمجد النصر وتحيي أبناء الفلاحين الذين انتزعوه.. حيث كتب: ضليلة فوق رأس الشهيد، منشور علني رقم واحد، دولامين، عطشان يا صبايا.

ويقول في ضليلة فوق رأس الشهيد"
خبر بالنكته لوجيا
و الحداقه و التكنولوجيا
و التاريخ
هجم الزناتي ع الخواجه
و لبسه العمه بصاروخ
"جود" عليوة
"باد"مائير
كل عام فانتوم بخير
(وكالات الأخبار و الصحفيين 6 اكتوبر 1973

مؤلفات عن حرب أكتوبر
مائة كتاب عن حرب أكتوبر تأليف ماهر الكيالي وماجد نعمة، "حرب أكتوبر" تأليف الشاذلي سعد الدين،
"الشرارة: قصة حرب أكتوبر 1973 " ترجمة، تحقيق: أنطوان بطرس، "ستة أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" تأليف جمال حمدان.
"حرب رمضان الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة" حسن البدرى ، طه المجدوب والعميد ضياء الدين زهدى، "حرب أكتوبر في محكمة التاريخ" عبد العظيم رمضان، "وثائق حرب أكتوبر" بقلم موسي صبري .
"حرب أكتوبر عام 1973 دراسة ودروس" محمد فوزي، "مذكرات الجمسي حرب أكتوبر 1973" مشير محمد عبد الغنى الجمسى، "حرب أكتوبر والمفاجأة الاستراتيجية" تأليف عبد القادر ياسين.

عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993صدر كتاب "أكتوبر 1973، السلاح والسياسة" للكاتب محمد حسنين هيكل في 883 صفحة، والكتاب هو الجزء الرابع من مجموعة حرب الثلاثين سنة، أيضا "عند مفترق الطرق حرب أكتوبر.. ماذا حدث فيها.. وماذا حدث بعدها!" محمد حسنين هيكل.
"العمليات الحربية على الجبهة المصرية" تأليف جمال حماد، و"لا حرب في أكتوبر ولا سلام" أنيس منصور
"البيت والدخان" قصص ومذكرات عن حرب 6 أكتوبر التحريرية 1973 تأليف القاص السوري يحيى خضور، وتنتمي هذه القصص إلى أدب الملحمة يكتبها يحيى خضوري ويهديها إلى رفاقه في السلاح، جنود الجيش العربي البواسل الذين شاركوه في حرب 6 أكتوبر 1973.

كامب ديفيد هل محت نشوة أكتوبر؟

يقول الكاتب أسامة انور عكاشة كما نقلت عنه جريدة "العربي الناصري" في وقت سابق أن تراجع دور مصر في المنطقة العربية بدأ منذ قام الرئيس السادات بزيارته المشئومة إلى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد،


أسامة أنور عكاشة

لأن السادات حقق كل ما تحلم به إسرائيل وفقدت مصر كل الأوراق وأصبحت رهينة لا تقوى على الحركة أو اتخاذ القرار بعد الموافقة على كل ما يريده الأمريكان والصهاينة.
و أن الهدف ، والكلام لأسامة أنور عكاشة ، عزل مصر عن دائرتها العربية ليختل الميزان ويعبثوا كيفما شاءوا فى المنطقة، فأصبح ظهر العرب للحيط وحسم الصراع لحساب العدو الإسرائيلى إلى الآن على الأقل ويدلل عكاشة على ما ذكره سابقا بالمجازر التى ترتكب فى فلسطين كل يوم.

أيضا الكاتب الصحفى عبدالعال الباقورى يتفق مع ما طرحه عكاشة فى أن التراجع بدأ بزيارة القدس، ويتعجب الباقورى من الذين يذكرون أن التراجع بدأ مع يونيو 67 ويضيف: بعد 1973 مباشرة بدأ الحديث عن الحقبة السعودية وسعت أمريكا للقضاء على دور مصر فى المنطقة.

أما عبد الرحمن الأبنودي فيقول: حين جاء السادات وصنع بالناس نصر أكتوبر أحس أهالى مصر أنهم لم يجنوا شيئاً من هذا النصر إذ أدخل أكتوبر فى المساومة مع الأعداء، ودماء الشهداء لم تكن قد جفت بعد على  رمال سيناء.


منقول من موقع لهن بيت المرأة العربية

ماركيز ليوسا بعد الفوز بنوبل: "أصبحنا الآن متساوين"

السبت، 9 أكتوبر 2010 - 18:08
الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز" 
الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز"
كتبت فاطمة خليل
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
بعث الأديب الكولومبى الكبير "جابرييل جارثيا ماركيز" برسالة قصيرة لصديقه القديم ومنافسه اللدود "ماريو بارجاس يوسا" بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب لهذا العام.

وبحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية كتب ماركيز، الذى فاز بجائزة نوبل عام 1982، أمس باللغة الأسبانية على الموقع الإجتماعى الشهير "تويتر" عبارة قصيرة ليوسا وهى: "لقد أصبحنا الآن متساوين".

وحول العلاقة بين الكاتبين ماريو بارجاس يوسا وجارثيا ماركيز، فقد صارا صديقين بعد لقائها للمرة الأولى عام 1967، حيث كانت هناك كيمياء بينهما منذ البداية، وكانت بينهما الكثير من الأمور المشتركة، وظل مسار حياتهما الشخصية ومشوارهما الأدبى يسيران فى خطين متوازيين لفترة زمنية طويلة إلى أن وقعت حادثة اللكمة الشهيرة.
هذه الواقعة الشهيرة التى فرقت بين ماركيز ويوسا والتى قام فيها الأخير بتوجيه لكمة قوية لماركيز طرحته أرضا وتركت كدمة واضحة فى عينه دون إبداء أسباب لهذا الشجار الذى سبب قطيعة بينهما.
يذكر أن ماركيز ويوسا قد تربيا على يد جديهما، ودرسا فى مدرسة دينية، وعشقا الأدب منذ الصغر، ونشرا قصتهما الأولى فى السن ذاته، وعملا كصحفيين فى بداية حياتهما فى ظل ظروف صعبة قاسية، وسافرا إلى أوروبا فى عمر مبكر، ورفض نشر روايتهما الأولى، وتهربا من الخدمة العسكرية، وكانا أصدقاء حميمين للشاعر التشيلى بابلو نيرودا، كما كانت لديهما الوكيلة الأدبية ذاتها، كارمن بالسيلس.