الخميس، 30 سبتمبر 2010

قصيدة أنتِ الشوارع للشاعر ... هيثم عبد الشافي

الخميس، 30 سبتمبر 2010 - 16:22
Bookmark and Share Add to Google
علشان عاشقه لون السما
وما بينك وبين الليل عشرة وود
كان لا بد
تبقى أنتِ الشوارع..!
أتوه واعمل ضايع
أمسك ف آخر اسمك
آخد عمرى
لف برة
بالمرة
نلاعب الشوق سوا فوق كفك
نواحيكى وع برك
ارمى قلوعى
من غير ما تبوحى
هات العشق ف نص الطريق
وداديه مداديه
"أنتِ اللى عليكى النيه"
وليه افتك صفحة صفحة
العشق مش علام
أنا شفتك ف المنام
وكنتى أنتِ الشوارع
عيل ف إيدك
من ضهر العشق طالع
له رسمه عيونك
له ريحه توبك
له طعم ولون غناكى
أنا معاكى..
معاكى وما نيش خايف
لا أعيشك وتعيشينى
لا أموت ف عشقك زى الشجر واقف
عشان أنتِ الشوارع


هذه القصيدة منقولة من موقع اليوم السابع

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

ثلاث قصائد للشاعر جوان ماريّا ماكنلي Joanne Maria McNally ترجمة : سعدي يوسف

أغنية الشاعر ( في ذكرى محمود درويش )
The Poet’s Song (In Memoriam, MD)
نداءٌ من قيثارٍ منفردٍ / حطَّ بين الأسدِ والحمَلِ / ترَدَّدَ صداه الرهيفُ على تلّةٍ / ( تلّةٍ ألقِيَتْ بعيداً عن هنا/ في ملكوتِ حقولٍ فراديسَ/ ذواتِ سديمٍ سماويّ/ تحميها أشجارُ السرو) / النبضات الأولى لأغنيةٍ / كما لو أن أناملَ فتاةٍ سماويّةٍ ، لا تُرى/
تنزلق رشيقةً ، مخْلصةً / من الجهتَينِ كلتَيهما /نحو نغماتٍ ملائكيةٍ / لا تزال حبيسةً في الداخلِ / بينما أصابعُ إبهامٍ خبيئةُ القوّةِ/ شديدةُ المعاناةِ / تجذبُ ، ماهرةً ، الأعماقَ .
هذا المَسْرَبُ لقيثارٍ كونيّ / الذي هو نفَسُ الشاعرِ/ يتدَوزَنُ من جديدٍ ، فيأخذ شكلاً : / موسيقى عتيقةً مع الصمتِ / أحلاماً مع حقيقةٍ شائعةٍ/ أقواسَ قُزَحٍ ذاتَ خفْقٍ طاهرٍ / أقماراً مثاليةَ الأقواسِ/ هذا من أجلِ أن تُخلَقَ أغنيةٌ/  حرةٌ من الفواصلِ ، والـمَعابرِ المغلقةِ/ أغنيةٌ تحوِّلُ اللغةَ إلى جمالٍ/ وسماويّةِ إحساسٍ. / تستزيدُ /  وتستضيء/ إذ ترِنُّ ماءً وعرَقاً / وحُبّاً/
آهٍ لهذا الحُبّ!/ وهي تهَبُ السماواتِ / موسيقى الفلَكِ الدوّارِ / وقد تجَدّدَ بلا انتهاء.
هذه الموسيقى المفتَقَدةُ يوماً / هذه الموسيقى المصطفاةُ/ الموهوبةُ صوتَ لهَبٍ لأغنيةٍ مقدّسةٍ / ترسلُ أنغامَها الآنَ /  على
جناحٍ كاسٍ ، أبديٍّ/ من هناك إلى هنا/ لترقصَ في حيَواتٍ أصابَها الصممُ/ في حُفَرٍ فاغرةٍ من صُنعِ البشرِ/ في هدنةٍ ، مستنقعةٍ ، قاتلةٍ / في هاويةٍ غادرةٍ : / الأغنيةُ تتفتّحُ / لطيفةً ، خفيفةً / في تشَـوُّفٍ رحيمٍ / يستزيدُ ويستزيدُ أصواتاً /بينما غماغمُ الموتِ/ شاهدُ الدمِ  واليأسِ/ تَنْحَلُّ سريعاً / النجومُ / والأوتارُ الكسيرةُ / تستعيدُ العافيةَ. / الأسوارُ العاليةُ والأسلاكُ/ تنهارُ إلى الأبدِ/ وأشجارُ التينِ والزيتونِ/ تنتصبُ أعلى وأقوى / إذّاكَ/ هذه الأغنيةُ الكونيّة/ يا لَكونيَّتِها ! / ستستردُّ حريةَ الريحِ /
وهدوءَ الأمسيةِ / وزُرقةَ اللازوَردِ الأبدية للملَكوتِ الـمُـحاصَـرِ

Pantoum of a Weaver
قصيدةٌ إلى حائكةٍ
على امتدادِ جدرانٍ عتيقةٍ تسافرُ راحتاكِ
أصابعُكِ النحيلةُ لم تنضجْ بَعدُ
لكنّ القرميدَ والمِلاطَ يعرفانِها جيداً
وكذلك التواءاتُ جدرانِ المدينةِ .
أصابعُكِ النحيلةُ التي لم تنضجْ بَعدُ
تسحبُ خيطاً أحمرَ قرمِزاً
على امتدادِ متاهةِ المدينةِ
وأنتِ تعبرين به من عقيفةٍ إلى عقيفةٍ
ثمّ تفكّينَ خيطاً ورداً
لتلفّيهِ ، لفّاً دقيقاً حول الآخر
بينما أنتِ تعبُرين به من عقيفةٍ إلى عقيفةٍ
والسوّاحُ يقفون صفّاً متعجِّلينَ
وببطءٍ تشتغلين بخيطٍ آخر
كأنكِ تحوكينَ أحلامَكِ
والسوّاحُ  لا يزالون يمرّون متعجِّلينَ
و لا يكادون يرونَ مهارةَ يدَيكِ
وبينما أنتِ تحوكينَ أحلامَكِ متعددةَ الألوانِ
يغادرُ ذهنُكِ زحمةَ الأزقّةِ القديمةِ
أعلى من ضفيرِ أناملِكِ
إنه يطفو الآنَ  نحو أراضٍ بعيدةٍ
وبينما يغادرُ ذهنُكِ ضجةَ المدينةِ
بحميرِها وتجارتِها الضاجّةِ
ويطفو نحو بلدانٍ غريبةٍ بعيدةٍ
تنسَينَ الثوبَ الذي ينبغي أن يُعَدَّ
الحميرُ والناسُ لن يلمسوكِ بعدَ الآن
فأنتِ تطيرينَ عالياً في السماء
أنتِ تنسَينَ الجلاّبةَ التي تصنعين
وكل الخيوطِ التي فككْـتِها
السماواتُ ، حيث تطيرين ، غنيةٌ جداً
وأقواسُ قُزَحٍ وحشيّةٌ تتبعُ مسارَكِ
مصنوعةٌ من الخيوطِ التي تفكّــينَها
ومن أحلامِكِ الجميلةِ
أقواسُ قُزَحٍ الوحشيةُ ، مرافقاتُكِ الوحيدةُ
ترقص جميلةَ الحركاتِ
وعلى امتدادِ الجدرانِ العتيقةِ للمدينةِ
لا تزال أناملُكِ تحوكُ في الزمن.
لندن 2 نيسان 2009

بالاد إلى تلٍّ في الفجرِ
Ballad for a hill at dawn
 
ثمّتَ تَلٌّ غيرُ مَسَمّى
لكنْ بتضاريسَ محدّدةٍ تماماً
والناسُ جميعاً يعرفون ،
 الناسُ الذين يؤمنونَ بما يتّبعونَ ،
سببَ  هيأتِهِ .
ليسَ هذا تلاًّ يقبِّلُ الفجرَ
مثلَ تلالِ سلسلةِ الأطلسِ
هذا التلّ يعلو موحِشاً
مع اليومِ الآتي
ووحشيةِ الإنسانِ.
ومع أن هذا التلّ بلا اسمٍ
إلآّ أن له تضاريسَ تقتنصُ:
الألسنةَ الخدّاعةَ
ودروبَ الخيانةِ
التي تختِمُ  شكلَه الـمُمِيتَ.
لم تكن الشمسُ هي التي أعلنتْ النهارَ
ولا زرقةُ السماءِ:
إنه رُعبُ غيمةٍ
تنَزّلَتْ
معلِنةً المعاناةَ الوشيكَةَ .
ليس ذاكَ تلاًّ للخرافِ الهائمةِ
أو للماعزِ الوثّابةِ
هذا التلُّ اغتُصِبَ
مصلوباً
واستُخدِمَ للقتلِ والتشويهِ.
يقولون إنهم تعذّبوا عذاباً أليماً
والكثيرُ وقفوا ينظرون متفرِّجينَ
بينما المحكومون  يذوون
وقد استُنزِفَ دمُهُم
بأظافرَ أنشَـبَها الخوفُ .
ربما كان الجهلُ
تجمَّعَ على ذلك التلّ؟
والكثرةُ عرفتْ قليلاً
ولربما لم تكترثْ
للأذى القادمِ.
سنكونُ ، جميعاً ، مُعَذِّبينَ
حين نجتمع على تلالٍ كهذا
ونقف متفرِّجين
لا نقول شيئاً
تاركينَ الدمَ يسيل.
آسِبْلي جايز ،

الجمعة اليتيمة 10 نيسان  2009

منقول من موقع الشاعر سعدي يوسف
 

بمشاركة علماء ناسا.. الجامعة الأمريكية ترصد اقتراب المشترى من الأرض

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010 - 20:39
المجموعة الشمسية  
المجموعة الشمسية
كتب محمد البديوى
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
تنظم كليات العلوم والهندسة وقسم الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمناسبة اقتراب كوكب المشترى أكبر كواكب المجموعة الشمسية من الأرض ندوتين ثقافيتين يتخللهما رصد فلكى لهذا الحدث، ويحاضر فيهما الدكتور علاء إبرهيم أستاذ مساعد فيزياء الفضاء بالجامعة والدكتور جفرى هوفمان رائد الفضاء بوكالة ناسا "بالفيديو كونفرنس" والدكتور عصام شرف رئيس جمعية عصر العلم.

تنظم الجامعة الندوتين احتفالا بالحدث الفلكى المهم نتيجة اقتراب كوكب المشترى من الأرض على نحو لم يتحقق من قبل منذ عام ١٩٦٣، ولن تتكرر هذه الظاهرة حتى عام ٢٠٢٢، ونتيجةً لذلك يمكن رؤية كوكب المشترى بوضوح بالعين المجردة فى الجزء الشرقى الجنوبى من السماء حيث إنه أكثر الأجرام السماوية تأنقاً ولمعاناً فى هذا الجزء من السماء، وباستخدام التليسكوبات المتطورة يمكن رؤية تفاصيل سطح الكوكب الملونة وأربعة أقمار كبيرة تدور حوله.


تقام الندوة الاولى "باللغة الانجليزية" فى السابعة من مساء غد الخميس بمقر الجامعة بالقاهرة الجديدة بكلية العلوم والهندسة، على أن تعقد الندوة الثانية "باللغة العربية" يوم الجمعة ١ أكتوبر فى السابعة مساءً بمقر الجامعة بميدان التحرير فى القاعة الشرقية.

يقول الدكتور علاء ابراهيم: يعد المشترى من أهم كواكب المجموعة الشمسية للأرض، وذلك لدوره فى الحفاظ على الحياة على الأرض، فنظراً لكتلته الضخمة التى هى أكثر من ضعفى كتلة كواكب المجموعة الشمسية مجتمعة يقوم الكوكب بجذب وتعديل مسار الكثير من المذنبات والأجسام الفضائية بعيداً عن كوكب الارض. وتشكل هذه الأجسام تهديداً للحياة على الأرض إذا اصطدمت بها، كما أنا أحد أقمار المشترى (يوروبا) يحتوى على وفرة من المياه مما يجعله مكاناً محتملاً لوجود حياه أولية".

ويقول الدكتور جيفرى هوفمان رائد الفضاء بوكالة ناسا "أتاحت أرصاد ناسا اكتشاف بحار ومحيطات تحت السطح الجليدى للقمر يوروبا التابع لكوكب المشتري، وأتاحت أيضاً رصد العديد من المذنبات وهى تصطدم بالكوكب."

يذكر أن الأقمار الأربعة الكبرى لكوكب المشترى تم اكتشفها عام ١٦١٠ بواسطة أول تلسكوب اخترعه الإنسان، واستخدمه العالم جاليليو فى ذلك الوقت، وسوف يتم عرض نموذج نادر لهذا التلسكوب خلال الندوتين.

مجموعة يهودية متطرفة تدنس ساحات الأقصى

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010 - 14:42
المسجد الأقصى 
المسجد الأقصى
رام الله (أ. ش. أ)
Bookmark and Share Add to Google
دنست مجموعات من اليهود المتطرفين وعناصر اليمين الإسرائيلى صباح اليوم، الأربعاء، ساحات المسجد الأقصى المبارك فى الوقت الذى شنت فيه قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة فى بلدة سلوان المقدسية.

وذكر عدد من حراس الأقصى أن شرطة الاحتلال المتمركزة على باب المغاربة أحد أبواب المسجد وهو يخضع بالكامل لسلطات الاحتلال التى استولت على مفاتيحه منذ عام 1967، بدأت بإدخال مجموعات محدودة من اليهود المتطرفين إليه، حيث تجولت فى المسجد ومرافقه.

وكانت الجماعات اليهودية المتطرفة قد دعت عناصرها ومؤيديها عشية بدء الأعياد اليهودية إلى المشاركة فى عمليات اجتياح الأقصى لأداء طقوس وشعائر يهودية بهذه المناسبة.

ومن ناحية أخرى شنت قوات الاحتلال فجر اليوم حملات مداهمة واسعة النطاق لمنازل المواطنين فى أحياء مختلفة فى بلدة سلوان الواقعة فى الجهة الجنوبية من الأقصى، وأسفرت عن اعتقال عدد كبير من الفتيان والشبان لاتهامهم بالمشاركة فى المواجهات الأخيرة ضد قوات الاحتلال والجماعات اليهودية المتطرفة.

وركزت الحملة على اعتقال عدد كبير من أبناء عائلة الشهيد سامر سرحان الذى استشهد فجر الأربعاء الماضى منهم طارق ماهر سرحان ومحمد على سرحان وأحمد جمال سرحان وإيهاب على سرحان.

وذكرت عائلة سرحان أن جنود الاحتلال اعتدوا على أبنائها واستخدموا الغاز ضدهم قبل اعتقالهم واقتيادهم إلى مركز توقيف "المسكوبية" فى غربى القدس المحتلة.

وقدرت مصادر مطلعة أن عدد المعتقلين فى بلدة سلوان ومحيطها وصل فى الساعات الأخيرة إلى نحو 37 مقدسيا.

ومازالت تفرض قوات الاحتلال حصارا مشددا على بلدة سلوان وتغلق منطقة وادى حلوة منذ ستة أيام بالتزامن مع احتفالات صاخبة للجماعات اليهودية فى البؤر الاستيطانية بمناسبة عيد المظلة اليهودى الذى ينتهى يوم الجمعة القادم.


منقول من اليوم السابع 

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

كافكا شاعراً

كافكا
 
ترجمها عن الألمانية: صالح كاظم
تقديم: عبدالقادر الجنابي

على عكس صورته المرسومة بنثره ككاتب انطوائي ومستغرق في تأملات ميتافيزيقية وشبه كابوسية، يُجمع كتّاب سيَر فرانز كافكا (1883- 1924)، على أنه كان رجلا عمليا في حياته المهنية (في شركة التأمين الإيطالية والتأمين على مصالح عمال مملكة بوهيميا ضد الحوادث... الخ)، مما حصل على عدة ترقيات، بل حصل على ميدالية عام 1912 كمكافأة لاختراعه خوذة الأمان التي أنقذت عمالا كثيرين من موت محتم في مناجم الفحم في مملكة بوهيميا. على أن الجانب العملي هذا من حياته في وضح النهار لم يكن فقط لسد شظف العيش،

بل كان كذلك محاولة يائسة لنيل رضى أبيه القاسي قسوة اختلط بسببها في ذهن فرانز كافكا مشروع الكتابة كإبداع أدبي محض مع الكتابة كمساءلة سريرية حيث كل جملة تكاد تكون مخططا لعمل إبداعي لا غير، وفي الوقت نفسه قرصا مهدئا لآلام عميقة الغور في الذات... وما "رسالة إلى الأب" سوى مفتاح لفهم كل ما كتبه من قصص، روايات، قطع نثرية، يوميات وانطباعات. بل أن معاملة أبيه القاسية له دفعته، في مطلع شبابه، أن يكتب حتى بيانات اشتراكية ذات نبرة فوضوية احتجاجية على كل تسلط. وبسبب هذا الطغيان الباترياركي، تولّد في كل أعماله برزخ بين جوٍ معطى كحقيقة وبين ما هو كامن ما وراء باب اللغة المسدود، ونثر كافكا يتراوح بين هذين القطبين.

كان كافكا ينظر إلى الكتابة التي اتخذها خلاصا له، كشأن شخصي لا يهم أحدا... وما أن يدون ما ينتابه من مشاعر على الورق، حتى يشعر بحاجة إلى تدمير ما كتبَ... ويقال أن كافكا قد دمر أغلب ما كتبه بين 1904 و1908، وكان معظمه شظايا ونصوصا قصيرة... فلم تمر في خاطره فكرةُ نشرِ ما يكتُب، لو لا صديقه الحميم ماكس برود الذي الحّ عليه أن ينشر هذه القطع النثرية الصغيرة، وبالفعل بدأ اسم كافكا ككاتب يظهر في مجلة "هيبريون" اعتبارا من عام 1908. وماكس برود كان هو أيضا وراء موافقة كافكا على جمع 18 قطعة نثرية تحت عنوان "تأملات" لكي ينشرها الناشر الألماني كورت وولف كتابا. إلا أن كافكا الذي كان يكتب فقط لفهم ظاهرة التسلط المتمثل بأبيه والضعف الإنساني أمام هذا الجدار الغامض، سرعان ما ارتعب من فكرة ظهور كتابٍ له، فكتب إلى الناشر العبارة التالية: "إذا أعدت المخطوطة إلي سأكون شاكرا جدا لك!" استغربَ الناشر... فهذه هي المرة الأولى في حياته يطلب منه كاتبٌ قويٌّ هذا، فلم يستجب لمطلب كافكا. وعندما مرّت فترة على ظهور الكتاب عام 1913، كتب كافكا: "باعت مكتبة اندريه إحدى عشر نسخة. أنا اشتريت عشر نسخ وأحب أن اعرف يا ترى من اشترى النسخة الحادية عشرة؟" وهكذا دخل كتاب "تأملات" التاريخ بصفته الكتاب الوحيد الذي نـُشِـر إبّان حياة كافكا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه نشر عددا قليلا جدا من أعماله النثرية المطولة في الكتاب الدوري مثلا، "أركاديا" الذي كان يصدره صديقه ماكس برود، وفي الحقيقة أن الكتاب الوحيد الذي كان موافقا على صدوره في برلين هو أربع حكايات تحت عنوان "فنان الجوع"، لكنه صدر بعد موته. لقد عانى كافكا طوال حياته، من الصداع، الأرق، السل، القسوة الأبوية، والانهيارات العصبية. في الأيام الأخيرة من حياته وصل داء السل ذروته حد أن حنجرته باتت في وضع جد مؤلم مما منع عليه الأكل تفادي الألم. مات فرانز كافكا في الثالث من حزيران عام 1924، بشهر واحد قبل عيد ميلاده الواحد والأربعين، تاركا رسالة إلى صديقه ماكس برود: "العزيز ماكس، رجائي الأخير: كل ما تجده في إرثي (أعني في دراج الكتب وخزانة الملابس وعلى مكتبتي في البيت وفي المكتب أو في أي مكان آخر) من يوميات ومسودات ورسائل، سواء كانت مني أو من غيري وتخطيطات وغير ذلك ينبغي حرقه بلا استثناء دون أن تقرأه، وكذلك كل ما تركته لك ولغيرك من مخطوطات وكتابات، يجب أن يُحرق وكالة عني. أما الرسائل التي لا يتم تسليمها لك فأرجو أن تطلب بإسمي ممن يمتلكها أن يلزم نفسه بحرقها". (انقر هنا لقراءة رسالتي كافكا الى برود). لكن ماكس برود لم ينفذ وصيته، وإنما عمل على نشر كل ما كتب كافكا مغذيا، بهذا النكث، الأدب العالمي برؤيا لم تُعهد من قبل.

قصيدة النثر وفرانز كافكا
تميّزت كتابات كافكا في فترة شبابه هذه، بقطع نثرية قصيرة تتراوح ما بين بضعة أسطر والثلاث صفحات، وغالبا ما نشرت بعد وفاته إما كقصص قصيرة، او كـ"أمثولات" Parables أو Aphorisms (كلمٌ جامع مقتضب). ومن بين هذه القطع "رسالة الامبراطور" ضـُمّت فيما بعد في الرواية القصيرة "سور الصين العظيم"، و"امام القانون" ضمت كمدخل لروايته الشهيرة: "المحاكمة"، وكأنهما تلخيصان مكثفان أو هامشان ممهدان لهذين العملين الطويلين.

ليست هناك سوى دراسة أكاديمية واحدة بالألمانية تتناول موضوع قصيدة النثر في المانيا أنجزها اولريخ فولبورن (1970)، وكتاب ثان هو الأنثولوجيا التي اصدرها فولبورن بالاشتراك مع كلاوس بيتر دينكر عام 1976 تحت عنوان: "قصيدة النثر الألمانية". وهي محاولة استخراج من بئر النثر الألماني ما يمكن أن يُعتبر، في نظره، قصيدة نثر أو قريبا من النموذج الفرنسي. ربما نجحا في بعض اختياراتهما، لكن الأمور اختلطت عليهما، ففي كتابهما هذا، هناك مثلا قطع نثرية مطولة كنص يان ريدل، ونصوص من النثر الدادائي الذي يتميز عادة بالعاب أسلوبية وهدفية واضحة... ويبدو انهما انطلقا من "أن قصيدة نثر رديئة ما هي سوى سكيتش نثري، وسكيتش نثري معتنى فيه جماليا وفنيا هو دائما قصيدة نثر"، على حد عبارة فولبورن.

يرى بعض النقاد أن هناك عددا من بين هذه القطع النثرية تكاد تكون أشبه بقصائد نثر (بحيث ضمت أشهر ثلاث انثولوجيات أمريكية لقصيدة النثر العالمية بعض القصائد المترجمة أدناه)، بل ذهبت سوزان برنارد إلى أن "رسالة الامبراطور" تنطوي على توتر يكاد لايطاق يلخص الحدث باقتصاد مكثف إلى حد الجنون، وهذا السرد قد أثر على بعض شعراء قصيدة النثر الفرنسيين في ثلاثينات القرن الماضي، خصوصا على ميشو وبيالو. كما يستند هؤلاء النقاد في اعتبارهم هذا، على فكرة وهي أن هناك، في يومياته ورسائله، ما يدل على أن كافكا كان مطلعا على الأدب الفرنسي، وبالأخص على الترجمات الألمانية التي تمت لقصائد بودلير ورامبو النثرية... أنا أؤيد هذا الاعتبار لكن على أسس ثانية أجدها أكثر أهمية في البرهنة على ان قطع نثرية عديدة تعتبر قصائد نثر بامتياز.

يعرف الجميع أن الجنس الأدبي الوحيد الذي كان كافكا واعيا له هو "الأمثولة"، نظرا لانهمامه، كما تؤكد عشرات الصفحات في يومياته، في معرفة انتمائه اليهودي فتبحر في تراث يهود أوروبا الوسطى (المكتوب باللغة الييديشية)، وكتب الـ"قبالاه" Cabale (استشفار التعاليم السرية في التوراة) والتلموديات وتفسير التوراة (المدراش) المليء بالأمثولات، فوجد أن فن الأمثولة هي الأقرب إلى نفسه. بل هناك قطعة نثرية كتبها كافكا عنوانها" "بصدد الأمثولة".

فما هي الأمثولة، وماهو الانزياح اللازم لكي تعود قصيدة نثر؟


والأمثولة تتميز بصفتين هما من الصفات الأساسية لقصيدة النثر: الايجاز والسرد. على أن للأمثولة صفة ثالثة هي أن يكون هناك حقل دلالي غرضي مشترك بين قائل الأمثولة ومتلقيها. فمغزى أمثولة ما يقوم على من قالها، وفي أية حقبة قيلت والظرف الذي فرضها، وإلى مَنْ مُوجّهَـة. وإلا مِن دون هذا تعود مجرد حكايةٍ لا غرضَ لها؛ أي لاجمهورَ مُعيّنا يضطر صاحب الأمثولة إلى اعطائهم مفاتيح بين السطور لفهم المغزى المراد من أمثولته. لكن كافكا ليس صاحب رسالة كالسيد المسيح أو كإمبراطور أو صاحب دعوة له أتباع. لذا فأن بعض ما كان يكتبه من قطع نثرية على طريقة الأمثولة، يُسبّب، على نحو تلقائي، انزياحا؛ عدولا عن الأصل، منتجا المطلب الثالث والأساسي لقصيدة النثر: اللاغرضية؛ المجانية المطلقة.










فكافكا بمحاولته تهديم ما تريده الأمثولة من برهنة حقائق، يبتدع كتلا تتميز بقدرة على اختصار المسار السردي الذي تقتضيه الحكاية التي يخبئ لها خاتمة فجائية يقلبها رأسا على عقب. إن هذه الاستقلالية بالذات التي تتمتع بها قطع كافكا النثرية حد أنها تصمد أمام كل من يريد أن يجعلها ذات مغزى معين (فهي كتبت كضد أمثولة؛ كتشكيك بالحقيقة التي تتستر وراءها الأمثولة)، يمنحها قدرة على انزياحات من المغزى إلى المجانية؛ من التأويل المعتمد في الأمثولة على سياق تاريخي مسبق، إلى التأويل المفتوح في سياق مستقبلي، من الشذرة بمفهوم شليغل، كصيرورة لاتكتمل، إلى القطعة النثرية المستقلة بذاتها... وها هو عدد من نصوصه القصيرة الواقفة كهمزة وصل بين القصة القصيرة والرواية، قصائد نثر بامتياز.

هنا عشرة نماذج: تسعة منها ترجمها عن الألمانية صالح كاظم، والعاشرة "بروميثيوس" قمت أنا بترجمتها عن الانجليزية، ونشرت في العدد الثامن من "فراديس" (باريس 1994).

الحوريات
ها هي أصوات الليل المغرية، مثلها كانت تغني الحوريات، ومن الإجحاف أن نتهمهن بالإغواء، فهن يعرفن أن لديهن مخالب وينقصهن الرحم، لذا فأن أصواتهن هي شكوى بصوت مرتفع على هذا الإجحاف. يا تُرى، أذنبهن أن تأتي هذه الشكوى بصوت جميل؟

روبنسون كروسو
لو لم يغادر روبنسون موقعه في الجزيرة من أقرب منفذ أو من المكان الأكثر بروزا فيها، بسبب العزاء أو التواضع أو الخوف أو إنعدام الحنين، لجاءت نهايته عاجلة، إلا أنه عوضا عن ذلك تجاهل السفن وناظوراتها الضعيفة، وأنصرف الى إكتشاف جزيرته بكل ما فيها وبدأ يتعود عليها، وهكذا بقي على قيد الحياة حتى تم العثور عليه أخيرا توافقا مع ما يتطلبه المنطق جذريا.

في الليل
منغمر في الليل، كما يحني المرء رأسه منغمرا في التفكير، تنغمر في الليل، الناس حولك نيام، كما لو كانوا جزءا من مسرحية صغيرة، موهمين أنفسهم بأنهم يرقدون في بيوت وأسرة مريحة، تحت سقوف ثابتة، متمددين أو جاثمين على جنبهم فوق مراقد مغطاة بالشراشف، يتلفعون بأغطية دافئة، وفي الواقع فأنهم كما حصل سابقا وسيحصل لاحقا يقيمون في منطقة صحراوية، في معسكر يقع في العراء: مجموعة كبيرة من البشر رُمي بها الى مكان كانت قد أستقرت فيه سابقا، جيشٌ كبير، شعبٌ يسكن تحت سماء باردة فوق أرض باردة، يسند كل واحد منهم رأسه على ذراعه، ووجهه متجه نحو التراب، يتنفس بهدوء. أما أنت فتبقى يقظا، مهمتك الحراسة، ترى الآخر بعد أن تحرك المشعل في أتجاهه. لماذا الحراسة؟ يقال أن من الضروري أن يكون هناك حارس. يجب أن يكون هناك من يؤدي هذه المهمة.

رسل وملوك
وُضعوا أمام خيارين، أما أن يكونوا ملوكا أو رُسُلا للملوك. مثل الأطفال أرادوا جميعا وظيفة الرسول. لهذا تكاثر الرسل الذين يدورون بسرعة في أنحاء العالم، وحيث لم يعد هناك ملوك، تراهم يتناقلون الأخبار التي فقدت مدلولها بينهم. أحيانا تراودهم الرغبة في إنهاء حياتهم البائسة، غير أنهم لا يجرأون على ذلك بسبب قـَسَم الولاء.

فهود في المعبد
غالبا ما تنتهك الفهود حرمة المعابد وتشرب ما تحتويه أجاجين القربان، حين يتكرر هذا الحدث مرات عديدة، بحيث يصبح متوقعا، يتحول جزءا من الطقوس.

المحامي الجديد
التحق بنا محام جديد أسمه بيوسفالوس، لا يختلف شكله عما كان عليه، حين أختاره الإسكندر المقدوني فرسا يمتطيه أثناء القتال. لو تفرست فيه لوجدت لديه الكثير مما يثير الإنتباه. قبل زمن رأيت أثناء هبوط السلالم حاجب محكمة يتفحص المحامي الجديد بعيني مدمن على سباقات الخيل، مندهشا ، ذلك أثناء ما كان هذا يقفز بخفة فوق درجات السلالم، واحدة بعد الأخرى رافعا عجزه، ولوقع أقدامه على المرمر ضجيج كبير. جاءت موافقة المكتب على إلتحاق بيوسفالوس به، إنطلاقا من إجماع مدهش بأنه سيعاني في ظل النظام الإجتماعي الراهن صعوبات كثيرة، لهذا وبسبب أهميته التاريخية وجدناه يستحق الإنضمام الى فريقنا. اليوم، وهذا أمر لا ينكره أحد، لم يعد الإسكندر المقدوني حاضرا، غيرأن هناك بيننا من يجيد القتل ويمتلك مهارة كبيرة في طعن الصديق بالرمح عبر مائدة الطعام. ربما ضاق أحدنا ذرعا بمقدونيا فيلعن فيليب، والد الإسكندر، متناسيا أننا لا يمكن أن نصل الهند بدونه. حتى في ذلك الوقت كانت بوابات الهند بعيدة عن المنال، إلا أن الطريق إليها كان مخطوطا على سيف الملك. الآن تغير موقع هذه البوابات وأزداد إرتفاعها، ولم يعد هناك من يدلنا على الطريق، رغم كثرة رافعي السيوف، ومنهم من يلوح بها، تلاحقه نظراتنا الزائغة. ربما، ولهذا السبب بالذات، فأن افضل ما يمكن القيام به هو السير على خطى بيوسفالوس الذي أنصرف لدراسة كتب القانون، تحت ضوء المصباح الهاديء، حرا، لا يشعر بضغط سيقان الفارس على جانبيه ، بعيدا عن ضجيج معارك الإسكندر، يقرأ و يقلب صفحات كتبنا القديمة.

بروميثيوس
ثمّة أساطير أربع تدور حول بروميثيوس: وفق الأولى، أنه شُدّ إلى صخرة في القفقاس، لخيانته الآلهة عند البشر. فأرسلت الآلهة نسوراً تتغذى من كبده المتجددة على الدوام.
الثانية، إن بروميثيوس، والمناقير الممزِقة تنخسُه ألماً، راح يلجُّ في الصخرة عميقاً، بحيث صار جزءاً منها.
أما الثالثة فتقول: إن خيانتَهُ كانت قد نسيت بمرور آلاف السنين، نسيتها الآلهة والنسور، نسيها هو نفسه.
والرابعة، حسبها أن الجميعَ قد تعب من هذه القضية التي ليس لها مغزى، الآلهة، النسور، الجرح نفسه التأم من الإنهاك.
عندئذ بقي معظم الصخرة المبهم. فالأسطورة حاولت توضيح ما لا يمكن توضيحه. ولأنها آتية من أساس الحقيقة، فأنها ستنتهي في المجهول.

الرغبة في أن تكون هنديا
لو كان المرء هنديا، دائم الأستعداد، ممتطيا حصانه السريع، منحنيا في الريح، يرتجف قليلا كلما أهتزت الأرض تحته، حتى يشد على المهماز، حيث لا مهماز هناك، ويرخي العنان، حيث لا عنان هناك، وما يكاد أن يرى الأرض أمامه مثل حقل محروث، حتى يضيع عنق الحصان ورأسه.

رسالة الامبراطور
الامبراطور، هذا ما يروى، بعث لك، أيها العبد البائس، أيها الظل الدنيء الهارب من شمس الامبراطور الساطعة الى أقاصي الأرض، لك لا لغيرك بعث الامبراطور رسالة من سرير الموت. طلب من الرسول أن ينحني عند السرير وهمس في أذنه بالرسالة التي كانت تهمه كثيرا، بحيث طلب من الرسول أن يكررها في أذنه.
بعد ذاك هز رأسه مؤكدا على صحة ما قيل أمام الحشد الذي جاء لمشاهدة موته، مخترقا كافة الجدران التي قد تمنعه عن متابعة المشهد. على درجات السلم الواسع المرتفع شكل كبار المملكة دائرة، أمام هذا الحشد أدلى الامبراطور بتوصياته للرسول الذي سرعان ما أنطلق يشق لنفسه بهذه الذراع أو تلك طريقا وسط الجمهور، معتمدا على قوة بنيانه وإصراره على تنفيذ وصية الامبراطور. وكلما أعترضه شخص أشار بيده الى صدره الذي يحمل شعار الشمس. ورغم انه كان ماهرا في شق طريقه، غير ان الحشد أستمر هائلا يتوزع في أحياء لا نهاية لها. ولو وجد أمامه مساحة مفتوحة لحلق طائرا، وكنت ستستمع دقات يده الرقيقة على باب بيتك. لكن، بدلا من ذلك، تراه يبذل عبثا جهدا كبيرا محاولا التحرر من قاعات القصر الداخلية التي لن يتجاوزها أبدا، وحتى لو تم له هذا، لن يكون قد كسب شيئا، حيث يجب عليه الآن أن يناضل لتسلق السلالم، وحتى لو تحقق له ذلك فأنه لن يربح شيئا، إذ ينبغي عليه الآن أن يقطع الساحات الداخلية للقصر، وبعد ذلك ساحات القصر الثاني المحيط بالبلاط، سلالم وأحواش، ومن ثم قصر آخر، وهلم جرى خلال الاف السنين، ولو أفترضنا أنه تمكن أخيرا من مغادرة البوابة الخارجية، وهذا ما لن يحصل مطلقا، سيجد نفسه أمام العاصمة الغارقة في رواسبها، في قلب العالم. لا أحد يمكن أن يخترق هذه المدينة، خاصة إذا كان يحمل رسالة من ميت. أما أنت فأنك تتطلع من النافذة وتحلم بالرسالة حين يحل المساء.

القنطرة
كنت متخشبة وباردة، قنطرةً تمتد عبر الهاوية. على جانب منها ثبتت قدماي في الصخر، وفي الجانب الآخر يدي، غرزت أسناني في الطين، بينما راحت الريح تحرك أطراف ثوبي يمينا ويسارا. في الأعماق ضجيج الجدول الجامد، حيث تعوم الأسماك. لا سائح يمر بهذه المنطقة المرتفعة، ولم يكن موقع القنطرة موجودا حينها على الخرائط. لذا تمددتُ عبر الهاوية وأنتظرتُ: كان يجب أن أنتظر. القنطرة تبقى قنطرةً إن لم تتهدم.
ذات مساء، لا أدري أكان اول الأماسي ام آخرها، كانت أفكاري مضطربة ومكررة. مساءً في الصيف، كان خرير الجدول بعيدا، سمعت خطوات رجل تقترب. إقترب! إقترب! تمددي أيتها القنطرة، تحولي شرفة بلا سور، أمسكي بمن يجب عليك حمايته. وازني قلق خطواته دون أن يشعر بذلك، وحين يفقد توازنه فدعيه يراك كما لوكنت إلها جبليا، يبعده عن المخاطر.
جاء ودق بعصاه على جسدي، ثم رفع ثوبي والقاه على جسدي. مرر العصا على شعري الكث وتركها فترة طويلة هناك، وربما راح يتطلع حوله بعصبية. فجأة – شاركته الحلم عبر الوادي والجبل- قفز بقدميه الى وسط جسدي. أرتجفت بسبب الألم دون أن أعرف السبب. من هذا؟ أهو طفل أم حلم؟ أهو لص أم راغب في الإنتحار؟ هل هو غاو، أم قاتل؟ أستدرت لأراه. ألقنطرة تستدير. وقبل أن أستدير سقطت، سقطت وتمزق جسدي متناثرا على الأحجار التي كانت في وقت ما تنظر نحوي بسلام من خلال التيار السريع.
  
1- الـ Parabole لفظ يوناني أصله: Parabolé (يضع جنبا إلى جنب، مقارنة شيء بشيء آخر)، وهي ضرب مثل على شكل حكاية لإعطاء مَوعظة أو إيصال مغزى أخلاقي، أو التعبير عن حقيقة ما بلغة صورية. ففي المزمور الـ78، نقرأ التالي: "أفتحُ فمي بالأمثال وأفيضُ بألغاز الزمن القديم". وأنا أفضل وضع "أمثولة" كمقابل عربي حتى تتميّز عن Proverbe "المثل" السائر. والسيد المسيح كان غالبا مايستخدم الأمثولة في خطبه وفي الأناجيل الأربعة أمثلة كثيرة. غير أن التراث اليهودي وبالأخص التلمود يمتلئ بالأمثولات. وبقيت الأمثولة محصورة في النطاق اللاهوتي وأسيرة تأويلاته، إلى أن جاء أدولف يوليشر بأبحاث (نشرها عام 1888) حول الأمثولات الواردة في مواعظ السيد المسيح، محدثا أكبر ثورة في المقاربة التأويلية للأمثولة؛ محررا إياها من رمزية دينية ومن تأويلات الانجيليين بالأخص الذي يعتبرون الأمثولة استعارة تنطوي على رمز خفي.. بينما برهن يوليشر أن الأمثولة في كلام السيد المسيح ليست سوى مقارنة؛ شكل أدبي محض لإيصال رسالة إلى الجميع، وليست استعارة أي حكاية تستند على بنية خفية، وبالتالي لا يفقهها إلا المتدرجون في الأسرار. وقد ساعد يوليشر بأبحاثه هذه الأدباء لاستخدام الأمثولة شكلا أدبيا. وبالفعل شهد الأدب الألماني، أواخر القرن التاسع ومطلع القرن العشرين، انتشار فن الأمثولة. 2- لا أعرف لماذا نقبل بتسمية هذه القطع النثرية قصصا قصيرة جدا وليست قصائد نثر، بينما ما يسمى بالقصة القصيرة جدا لم تعرف إبان حياة كافكا ولا حتى القصة القصيرة التي بحجم صفحة او صفحتين، وإن ما كان معروفا في عصره، هو القصة القصيرة بمعناها التشيخوفي الجديد آنذاك من عدة صفحات ولها: بداية ووسط ونهاية. بينما قصائد النثر التي كتبها الروائي الروسي تورغينييف عام 1878 بعد أن اطلع على قصائد بودلير النثرية، ونشرها عام 1878، تكاد تكون قصصا قصيرة جدا خصوصا في سردها وموضوعها وبعضها يقترب من قطع كافكا النثرية (انقر هنا لتقرأ قصيدة نثر لتورغينييف: "الحشرة"). لكن يجب قبولها قصائد نثر لسببين، الأول: لأنها جاءت كنتيجة اطلاع على قصائد بودلير النثرية، والثاني: لأن تورغينييف تقصدها كقصائد نثر. 3- لم يعط كافكا أية أهمية للنقاش الدائر في حقبته حول الشكل الأدبي الذي يجب أن يتخذه التعبير... فلم يكتب بأنه يفضل الرواية على القصة القصة القصيرة او القصة القصيرة على الشعر.. بل كان يكتب وكان يتوقف عندما يرى أن الأسطر التي كتبها كافية، وأن ما مكتوب أمامه أخذ استقلاليته؛ إطاره النهائي. 4- إن أقرب الأجناس الأدبية النثرية التي كانت موضوع نقاش في عصر كافكا الشاب هي: الأمثولة، قصيدة النثر البودليرية، الشذرة، الأفوريزم، فن الرسالة. لربما وجد كافكا المأخوذ بفن "الأمثولة"، قصائد بودلير النثرية لا تختلف في بنيتها السردية عن أسلوب "الأمثولة"، فلم يكترث لهذه التسمية الجديدة. ناهيك أن فكرة إحداث ثورة شكلية، كانت آخر شيء يفكر فيه... فهو، كما تذكره السيَر، كان يرفض صفة "الشاعر الطليعي" التي كان يطلقها عليه، في مطلع شبابه، أصدقاؤه، مفضلا أن يُطلق عليه صفة كاتب مثل كلايست أو غريم. 5- أن الخوض في مياه النثر شعريا عرفه الأدب الألماني عن طريق الحركة الرومانتيكية التي فتحت نوافذ التعبير على حقول النثر من أجل "شعر كوني". و"الشعر الرومانتيكي"، كما كتب منظرها شليغل، "شعرٌ تقدمي، كوني.. لأنه مزج، ويجب عليه أن، يمزج الشعر بالنثر.. على الشعر كله أن يكون نثرا، النثر كلّه شعر". ومن المعروف أن نوفاليس كان أوّل مَن، وعلى نحو تساؤلي، مزج الشعر والنثر في قصيدته الشهيرة: "ترتيلة إلى الليل" التي جاءت قطعا شعرية موزونة وقطعا نثرية على شكل كتل. 6- لعب ظهور فن "الشذرة" Fragment خصوصا الفلسفية لفريدريك شليغل (معظمها حول اشكالية النثر والشعر)، والأفوريزم كما عند نيتشه، وأدب الرسائل الذي تميّزَ بنثر مكثف وفني، دورا أساسيا في اكتفاء الكتاب الألمان بالتسمية الألمانية الشائعة Prosastucke قطع نثرية وعدم استعمال "قصيدة نثر" رغم أن بعضهم، خصوصا في القرن العشرين، كتبَ على غرارها، وعن قصدية واعية، وفي مقدمتهم فرانز كافكا.

المخرج صلاح السقا يغادر الحياة بعد 50 عاماً فى عشق الفن

السبت، 25 سبتمبر 2010 - 13:09
المخرج صلاح السقا 
المخرج صلاح السقا
كتبت هنا موسى
اليوم السابع
Bookmark and Share Add to Google
بعد أكثر من خمسين عاما قضاها عاشقا للفن توفى المخرج صلاح السقا ظهر اليوم بالمستشفى عن عمر يناهز الثامنة والسبعين، حيث كان يعانى من أمراض الشيخوخة منذ فترة ، وتم تشييع جنازته من مسجد مصطفى محمود بينما تقام مراسم العزاء بعد صلاة المغرب غدا الأحد بمسجد عمر مكرم.

حصل السقا على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس وعمل بالمحاماة، و لم يستمر فيها أكثر من عام، لعمله فنان عرائس، حيث التحق بدورة تدريبية لتعليم فن العرائس على يد الخبير سيرجى أورازوف، الأب الروحى لفنانى العرائس فى العالم، وسافر بعدها إلى رومانيا ليحصل من هناك على دبلوم الإخراج المسرحى وتخصص فن العرائس، ثم عاد إلى مصر ليحصل على ماجستير من معهد السينما قسم إخراج عام 1969.

قدم السقا العديد من الأعمال الفنية التى أثرت فى تاريخ صناعة الفن بمصر منها "حلم الوزير سعدون، حسن الصياد، الأطفال يدخلون البرلمان، "خرج ولم يعد".
ففى الستينيات قدم أهم العروض المسرحية على الإطلاق وهو "الليلة الكبيرة" كلمات الشاعر الكبير صلاح جاهين، وألحان الشيخ سيد مكاوى، وظلت هذه المسرحية بارزة فى التاريخ الفنى العربى حتى الآن.

وفى السبعينيات أخرج السقا عروضا منها مقالب صحصح وتابعه دندش، من أشعار الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، "أبو على" تأليف الشاعر سيد حجاب، و"عودة الشاطر حسن"، "عقلة الصباع"، "الديك العجيب"، تأليف إيهاب شاكر، وحوار صلاح جاهين، "حكاية سقا" تأليف سمير عبد الباقى.

ولم يكتف بإسهاماته وإبداعاته فى مجال الإخراج المسرحى بل ساهم فى إنشاء مسارح العرائس ببعض الدول العربية الأخرى مثل سوريا، الكويت، قطر، وتونس ، والعراق، كما أجرى العديد من البحوث على "تاريخ فن العرائس" وهى ما قررت بعد ذلك على طلبة الأقسام الخاصة بالمعاهد، وكلية التربية.
تقلد العديد من المناصب الإدارية فى المسرح كانت بدايتها، عندما حضر له الرئيس جمال عبد الناصر عرضا مسرحيا عام 1960 وأبدى إعجابه به بشدة فقرر إنشاء مسرحا للعرائس يكون السقا مديرا له، وبعد ذلك تولى رئاسة البيت الفنى للمسرح من الفترة حتى 1988 حتى 1990، كما تولى رئاسة المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، بجانب إشرافه على مسرح العرائس حتى عام 1992، كما إنه كان عضو الهيئة العالمية لفنون ومسارح العرائس.

حصل السقا على العديد من الجوائز من مصر وبعض الدول العربية والأجنبية منها الجائزة العالمية الثانية من بوخارست فى بداياته الفنية وفى 1973 حصل على الجائزة الأولى ببرلين، كما نال شهادة تقدير من الولايات المتحدة الأمريكية فى 1980 كما منحه عمدة بلدة مستل باخ بالنمسا وسام خاص بمناسبة عرض الليلة الكبيرة عام 1989، وكانت النمسا كرمته من قبل عام 1980، ونال الدرع المميز من مهرجان جرش الأردن 1985، وتقلد بالميدالية الذهبية لمهرجان دول البحر المتوسط بإيطاليا 1986، كما كرمه المهرجان القومى للمسرح هذا العام.

كان صلاح السقا من أهم العوامل التى ساهمت فى نجاح ابنه أحمد السقا حيث تربى السقا الممثل منذ صغره على حب الفن الذى عشقه من والده، ودائما ما كان يتحدث عن والده وصفاته الطيبة التى زرعها به، حيث كان يقول " والدى زرع بى الطيبة والجدعنة وحب الغير، وكان كريما جدا لدرجة أن والدته كانت دائما تشتكى من تبزير زوجها وتقول له "استثمر فلوسك وما تصرفش كل قرش معاك" وكان يرد عليها ويقول "أنا استثمارى الحقيقى فى أولادى ".


كتيبة أعدام

أحيانناً
بترسم على خطوط أيدك وهم
والغجرية الكدابه
رغم أنها عاميه
بتحاول تفتحلوا سكك
عكاز التاريخ
اللي سرقتوا من دولاب أحلامك
مش عارف تتعكز عليه
لأنه نور
وأنتا
ضل
عينك
اللي شنقوا ليلها
مابين أيدين الشمس
بتحاول تنفد بجلدها
وتهاجر
جدار الفصل العنصري
اللي ماشي مابين فصين مخك
مصمم يكمل طريق الموت
جلدك
اللي أتحرق ف ظروف غامضه
ولحمك اللي بقى طبق لبحر الموت
سابوا وصيه لدمك
يمكن يعمل عصيان مدني
مع أنه
هربان
الغريب
اللي فتحلك أيدين السراب
علشان تشرب منها
والتاني اللي زعل دلافين البحر
من عبارة رجوعك للوطن
لما قال
هما السبب
هما اللي باعوا جلدهم
للغجر
ساعتها بس
شَّرخ برائة الطفولة
ف قلبك
آه .....
قلبك
اللي فكر يثور
دلوقتي بعملوله عملية أنعاش
ف أوضة عمليات
موبوئه



الإغتراب



الأغتراب بقلم:محمد علاء الدين



الإنسان , ذلك الكائن الغرائبي , الذي أستطاع أن يبني الحضارة والدمار , الحرية والقهر , الأمل واليأس , الذي أستطاع أن يبحر في سماء المعرفة , وأن يهوي في براثن الجهل , الذي أستطاع أن يرسم على الأرض لوحة سيريالية مريبة , مليئة بالطلاسم والألغاز , لذلك سوف أحاول في تلك السطور القليلة , أن أقترب منه , أن أتلمس اللوحة , أن أحبو خلف الحقيقة .



المدخل السليم لفهم الإنسان يكون عن طريق فلسفة المعرفة , أو مايسمى بالأبستمولوجيا , فلكي نفهم الإنسان علينا أولا ً أن نفهم كيف يفكر وكيف يشعر , وبطبيعة الحال كيف يستطيع أن يصل إلى الحقيقة , أو على العكس تماما ً , كيف يقع في براثن الجهل .



السبيل الأول لمعرفة الحقيقة هو العقل , والعقل البشري يستطيع أن يفكر بطرق مختلفة وبطريقة تلقائية على حسب الموضوع الذي يفكر فيه , فإذا كان يفكر في العلوم فأنه يتبع المنطق الأستقرائي لفرانسيس بيكون , وإذا كان يفكر في قضايا فلسفية أو ميتافيزيقية أو شرعية فإنه يعتمد على الأستنباط , وإذا كان يفكر في قضايا واقعية فإنه يعتمد على المنطق البراجماتي , بمعنى أن الفكرة السليمة هي التي أستطيع أن اطبقها على أرض الواقع , وأن تنجح تلك الفكرة في الوصول إلى الهدف المنشود منها , لكنه في كل الأحوال منطق , والمنطق شبيه بالرياضيات , بمعنى أنه لا يخطيء , إذا وضع في مكانه السليم .



أما السبيل الثاني لمعرفة الحقيقة فلا يكون إلا عن طريق النفس , والنفس البشرية تستطيع أن تصل إلى الحقيقة عن طريق الحدس المباشر , لكنها أي النفس تستطيع أن تزين الأمور لكي تتناسب مع ما تهوى وما تشاء , فإذا كانت النفس سوية تستطيع أن تصل إلى الحقيقة بسهولة ٍ ويسر , أما إذا كانت النفس غير سوية فأنها تسقط في شرك الأغتراب .



أذن فيجب على الإنسان أن يتبع المنطق السليم , وأن يرى بنفس سوية , لكي يؤمن بما يجب أن يؤمن به , ولكي يطبق ما آمن به على أرض الواقع , وإلا أصبح مغتربا ً , مغتربا ً عن إنسانيتة , عن ذاته , لأنه رفض مايميزه عن سائر الكائنات , رفض قبول الحقيقة , وبطبيعة الحال , رفض إعمار الأرض .



إذا أصيب الإنسان بالأغتراب , فأنه لن يؤمن سوى بالمصلحة , وبطبيعة الحال سوف يعتدي على حقوق الآخرين , ومن هنا يبدأ الصراع داخل المجتمع .



الحضارات أيضا ً كالإنسان , فالحضارة السليمة هي التي تبنى على أيدولوجيا سليمة , ومن ثم يبدأ أهل تلك الحضارة في تطبيق تلك الأيدولوجيا على أرض الواقع , فتتكون ثقافة أي طريقة حياة أو كما يقال في علم الأنثروبولوجيا ( way of life ) , وفي المرحلة النهائية تتكون الحضارة بشقيها المادي والمعنوي ( العلوم والفنون والآداب ) , أما إذا لم تكن الحضارة مبنية على أيدولوجيا سليمة , فانها تكون قائمة على المصلحة والبراجماتية البحته , وبطبيعة الحال سوف تعتدي على الحضارات الأخرى , ومن هنا ينشىء صراع الحضارات .



والأغتراب نوعان , أغتراب إرادي وإغتراب قهري , فعندما أكون أنا المعتدي يكون الأغتراب إراديا ً , وعندما أكون أنا المعتدى عليه يكون الأغتراب قهريا ً , والصورة هي هي بالنسبة للحضارات  , فالحضارة تشعر بالأغتراب القهري عندما تعتدي عليها حضارة أخرى فتسلبها قوتها وتعتدي على مقدساتها .



وأخيرا ً يجب أن أقول أن الدين السليم هو الذي تتلقى كتابه فتجده متوافقا ً مع قلبك وعقلك , والأيدولوجيا السليمة هي التي تكون متوافقتا ً مع قلبك وعقلك .





( الوعي )

لا يمكنني أن أدرك ما لا أعيه , هو أذن نقطة البداية إلى نهاياةٍ متعددة , تلك التي تحمل معان مختلفة عن الذات والمعرفة والوجود , عن العلم والجمال والفن , عن الزمان والمكان , هو نقطة إنطلاق الذات لمعرفة تلك العوالم المتعددة والمتشابكة الداخلية والخارجية , لبناء نسق معرفي عن ما هو كائن وما يجب أن يكون .

ما هو الوعي أذن , أعني كيف ينبثق هذا النور في جوف المادة , أعتقد أن الوعي مرتبط في الأساس بالروح , وقد يتسائل البعض كيف تستطيع أن تثبت هذا , أقول لهم عليكم أن تنظروا إلى أجسادكم تلك الماكينات المتحركة يميناً ويساراً , وأن تنظروا إلى أجساد الموتى , تلك الماكينات الساكنة , لا فرق بين هذه وتلك سوى في الروح , حتى وأن قال علماء البيولوجي أن لخلايا الجسد عمر محدد , هنا علي أن أسألهم , كيف يموت شاب في مقتبل العمر , كيف يموت ولازالت لخلاياه عمر مديد , ولا يوجد سبب بيئي أو عضوي لوفاته , لا فرق بين هذه وتلك أذن سوى في الروح , تلك التي لا أستطيع أن أعرف ماهيتها , لكنني لا أستطيع أن أنفي وجودها , وبنفس الأثبات السابق تصبح هي كنقيضها الموت , حقيقة ثابته وسر الكون العظيم .

يستطيع أذن علماء البيولوجي والبيولوجيا التطورية والنفس والإدراك والهندسة الوراثية , أن يروا أن عقولنا لدنة وصفحة بيضاء , يشكلها الواقع كيف يشاء , أو أنها أسيرة الإنتخاب الطبيعي للجينوم , أننا أصبحنا سيبورجات طبيعية أو لا , أو أن سلوكنا مرتبط بالوراثة والبيئة في آن , يستطيع العلم أن يتطور أكثر فأكثر , أن يبهرنا أكثر فأكثر , لكنه يقف عند الطبيعة الإجرائية للوعي , سواء كانت فيزيولوجية أو سيكولوجية , كما تقف الفلسفة , ولكن في ساحة الفكر والمنطق , أو حتى الحدس الذي لا يمكن تجزئته إجرائياً , لكنه يظل عملية تالية على الوعي , فلا يمكن أن أمارس الحدس على شيء لا أعيه في الأساس , الوعي أذن مرتبط بالروح , والروح كائن خفي , وستظل هكذا , لا يعرف سرها إلا الله .

فأذا نظرنا إلى عملية الإدراك على المستوى الفسيوسيكولوجي سوف نجدها تسير وفق المعادلات الأتية : وعي حسي للشيء ( بالحواس ) + وعي عصبي للتمييز أو التبويب ( داخل الدماغ ) + خبرات \ معارف سابقة بالدماغ = الإدراك , أو سيالات عصبية حسية ( بالحواس ) + سيالات عصبية دماغية آنية ( للتمييز والتصنيف ) + سيالات عصبية متوافقة سابقة ( بالذاكرة الطويلة ) = الإدراك , أو نظام الإستقبال ( بالحواس ) + نظام المعالجة العصبية ( بالدماغ ) = الإدراك , وإذا نظرنا إلى المعادلات السابقة سوف نجدها تسير وفق عمليات إجرائية بحتة , فالخلايا السائدة في الدماغ تتكون من نوعين الأولى رئيسية هرمية الشكل تقريباً ومهمتها إستقبال وإرسال النبضات العصبية وتعرف بالخلايا المثارة ويمكن تسميتها بالعاملات الشغالة للرسائل العصبية وبالتبعية الإدراك والوعي الإنساني بصفة عامة , والنوع الثاني من الخلايا يسمى الخلايا المانعة وهي أصغر حجماً من قرينتها ووظيفتها حجب الرسائل العصبية عن الخلايا المثارة التي لا يعنيها الأمر وتقوم الخلايا العصبية المثارة بثلاث وظائف رئيسية , الأولى إستقبال الرسائل العصبية من الخلايا الأخرى بواسطة منطقة الإستقبال أو الإدخال بالشعيرات الهيولية الدقيقة , والثانية دمج ومعالجة الرسائل العصبية المختلفة الواردة إليها من الخلايا أو المناطق الدماغية الأخرى للحصول على رسالة موحدة صالحة للسلوك الإنساني , بواسطة منطقة المعالجة الخلوية داخل جسم الخلية نفسها , والثالثة توجيه الرسائل العصبية المعالجة إلى الخلايا والمناطق الدماغية المعنية الأخرى بواسطة منطقتي الضخ والإخراج الإكسونية , وإذانظرنا إلى الذاكرة فسوف نجدها تتكون من نوعين القصيرة والطويلة , الأولى تتم بتشكيل سيالة عصبية مستمرة عبر الخلايا الدماغية المعنية طالما يخبر الفرد مُنبهاً خارجياً وتسمى هذه العملية عملية تشكيل وحدوث السيالة العصبية المؤقتة الحالية بمجال أو دائرة التردد العصبي , حيث تميل إستجابة الفرد بالذاكرة القصيرة إلى الحرفية لما شاهد أو سمع , أما في الذاكرة الطويلة فأن الإستجابة السلوكية الملاحظة تكون دائماً معدلة لما شاهده أو سمعه أو خبره الفرد , وذلك لكونها لا تنحصر فقط بالمنبه المباشر الذي أثار سيالة عصبية مؤقتة في الخلايا المعنية , بل بما يمتلكه الفرد أيضاً من سيالة دائمة ( معلومات مخزونة في الذاكرة الطويلة ) بخصوص موضوع المنبه بوجه عام (محمد زياد حمدان 1986 ) , ما أريد أن أقوله أن هذه العملية الإجرائية مرتبطة بالحواس والخلايا العصبية المختلفة , ولكن كيف تنشط هذه الحواس والخلايا العصبية وتقوم بعملها , ما الفرق بين وجودها في إنسانٍ ميت وآخر حي  , لا فرق بين هذه وتلك أذن سوى في الروح .

أما إذا نظرنا إلى الوعي على المستوى الفلسفي فسوف نجده يسير وفق آلياتٍ إجرائيةٍ منطقية  أو إلى الذات , فديكارت على سبيل المثال عندما أراد أن يثبت وجوده , أصدر الكوجيتو الشهير أنا أشك أذن أنا أفكر أنا أفكر أذن أنا موجود , فلا يمكن أن لا يكون موجوداً ما دام يفكر , ولا يمكن أن لا يكون يفكر ما دام يشك , فلابد أذن من وجود ذاتٍ مفكرةٍ وراء هذا الشك , لكنه لم يسأل كيف تنشط هذه الذات المفكرة في الأساس , هو بدأ أذن من حيث أنه يعي حتى وأن لم يرد ذلك , وجل ما فعله هو أنه إستطاع أن يثبت وجود هذه الذات من خلال عمليات إستنباطية مختلفة ولنضرب مثلاً آخر بكانت فأذا تأملنا جيداً في مشكلة الوجود وعلاقته بالمعرفة عنده سوف نجدها تسير في مستويات عدة , أولها أن ما نراه هو مجرد إنطباعات حسية غير منظمة , تصبح مدركة حينما تنطبق عليها صورتا الحساسية الأولى وهما الزمان والمكان , ثم بعد ذلك تطبق على هذه المدركات الحسية مقولات قوة الفهم المختلفة مثل الكم والكيف وغيرهما , وإذا ما أنتقلنا إلى قوة النطق فسوف نجدها عبارة عن معان مثل ( الله والنفس والعالم ) وهي المعاني التي لا يمكن إخضاعها للتجربة ,  لذا سماها كانت المعاني المتعالية أو السامية أو الميتافيزيقا , كانت أذن ربط الوجود بالمعرفة وذلك من خلال شرطين الأول هو التأثيرات الحسية والثاني هو الصور الذاتية التي تنطبق عليها , كما أنه بدأ من حيث بدأ ديكارت أي من حيث أنه يعي ,  هذا بالإضافة إلى ربطه ما هو فسيولوجي بما هو منطقي وفقاً لآليات المنطق المختلفة , هو لم يسأل أذن كما لم يسأل ديكارت كيف تنشط هذه الذات المفكرة في الأساس .

الصورة هي هي بالنسبة للتجريبيون والواقعيون والبراجماتيون والوجوديون أو حتى بالنسبة لهيجل وبرجسون وغيرهما من الفلاسفة , وأن أختلفت نظرتهم إلى الوعي وبالتبعية المعرفة والوجود , فمنهم من يربط الوعي بعمليات فسيولوجية أو فسيوسيكولوجية وبالتبعية المعرفة والوجود بما هو كائن أومادي وملموس , ومنهم من يجعل الموضوع المُدرك منفصل تماماً عن الذات , ومنهم  من يربط المعرفة والوجود بالأفكار أوبنسق فكري يسير وفق أليات محددة لديالكتيك محكم , أويربطهما بالذات والتجربة الشعورية أو الذاتية , لكنهم جميعاً يبدأون من حيث أن هناك وعيٌ في الأساس , لينطلقوا من خلاله إلى  بناء تصورات مختلفة عن والذات والمعرفة والوجود .

سيقف داروين أذن عند الطبيعة الإجرائية للوعي كما يقف أفلاطون , لأنه خطٌ أحمر , فالجسد مرآة الوعي , والوعي مرآة الروح , والروح هبة الله , هي أذن إنبثاق النور في جوف المادة , وبدونها لا تبصر المرايا ولا تتحرك , هي الخط الفاصل بين الحياة والموت , بين الوجود والعدم , بين عالمٍ مدرك وعالمٍ لا محسوس .




( العقل \ النفس )

في كف الفيزيقا مفتاحٌ لما ورائها

الإنسان يساوي الحرية , والحرية تعني أن نطير بجناحي الحق والخير وأن يسكننا الجمال , هم أذن أضلاع الإنسانية الثلاث , وبدونهم نصبح كالقطيع , لا يحركنا سوى الحاجة والشهوة , لايحكمنا سوى قوانين الداروينية الإجتماعية والفناء , بدونهم لا نستطيع سوى أن نبني ثقافة الغاب والقوة ,  وحضارة تسير على قدمين داميتين من القهر والفقر .

يخطأ العلماء في أعتقادي عندما ينظرون إلينا بنظرة داروينية بحته , عندما يعتقدون أننا مجرد تطور طبيعي لسلالة القردة العليا , صحيح نحن نتشابه مع القردة في الطبيعة الفزيولوجية , كما يتشابه النمر مع القطة , لكننا نظل أجناساً مختلفة عن بعضها البعض , وإلا فلما لم تتطور عقول القردة , لما لم تبني حضارة ويكون لها تاريخ , حتى وأن كانت قريبة من الإنسان , ولكي لا أذهب بعيداً عن النظرية عليّ أن أدخل في صلب الموضوع فبالنسبة للنشؤ والإرتقاء لم يثبت علمياً أن الظروف البيئية قادرة على تغيير الخصائص البيولوجية للكائن الحي فما بالنا بتوريث تلك الخصائص لكي يحدث التظور من الأساس كما أن الصدفة نسبية  ومقترنة بالإنسان في كل الأحوال حيث أنها تتفاعل مع النسبيات الأخرى ىاخل النسق العام الذي يحتويها جميعاً , فنيوتن على سبيل المثال عندما سقطت عليه التفاحة كانت صدفة ,إلا أن سقوط التفاحة يعد طبيعياً ونسبياً في آن في إطار النسق العام للطبيعة التي يؤدي كل شيء فيها دوره الوظيفي بإنتظام ودقة , هذا بالإضافة إلى أن وجود نيوتن في تلك اللحظة بالذات كانت صدفة بالنسبة لنيوتن لأنه كائن واعي وقادر على الأختيار وبالتبعية السير في هذا الطريق أو ذاك لكنها ليست صدفة بالنسبة للطبيعة والقدرالذي كُتب فيه أن تتفاعل نسبية سقوط التفاحة مع نسبية وجود نيوتن لكي يكتشف لنا قانون الجاذبية , أما فكرة أن الكون نشأ من مادة أولية أزلية , فيجب أن أسأل من يرددها من خلق هذه المادة أو كيف نشأة وتكونت , وهل من الممكن لكائن غير عاقل أن يخلق كائنات عاقلة بل وأن يخلق الكون على هذا النحو المنظم والمحكم , لا أعتقد ذلك , لذا لا بد وأن يكون لهذا الكون إله , هذا بالإضافة إلى أن الداروينية لازالت إفتراضاً نظرياً , ولا يمكن أعتبارها حقيقة علمية بأي حال من الأحوال .

يخطأ الفلاسفة نفس الخطأ تقريباً , فهاهم الحسيون لا يؤمنون بكل ما لا يروا ولا يلمسوا ولا يسمعوا , هاهم البراجماتيون يريدون أن يطبقوا نظريتهم على كل شيء وليس على الحياة العملية والواقعية فقط , ها هي الحداثة تضع الفرد في مقابل المجتمع , الدين في مقابل العلم , الأخلاق الوضعية في مقابل الأخلاق السماوية , وها هي ما بعد الحداثة تجعلنا مجرد سلع تُستهلك لتستهلك , تجعل لكل منا أفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده , ولتذهب القضايا الكبرى إلى الجحيم , وكأن هناك تعارض مابين العلم والدين , الفرد والمجتمع , وكأننا نصر أن نسير على قدمٍ واحدةٍ وأن نبتر الأخرى .

نعم , العقل مرآة رمزية للعالم , مرآة جامعة لشتات الضوء تتشكل بناها المنطقية من حروف وأرقام , لكي تستطيع أن ترتب هذا الكون الذي يظهر لأول وهلة وكأنه مشتت , فوضوي , غير قابل للفهم أو الأختراق , هي أذن مرآة رياضية النسق , بمعنى أنها منطقية , ولا يمكن أن تكون غير ذلك , فالمنطق في النهاية شبيه بالرياضيات , بمعنى أنه تحصيل حاصل , أيً كان نوعه , كما أنه لا يخطىء إذا وضع في مكانه السليم , وهو مخلوق على هذه الصورة لكي يستطيع الإنسان الوصول إلى حقائق  يقينية في المجالات المختلفة , والعقل يخطيء في حالتين , الأولى غير قصدية وهي على سبيل المثال وليس الحصر كالخطىء في إجراء عملية حسابية , وهنا يكون الخروج عن المنطق السليم بالخروج عن التسلسل المنطقي لحل المسألة , والثانية قصدية وهي عندما يوضع المنطق غير السليم في المكان غير السليم .

ما هي الفكرة أذن  , أعتقد أن الأفكار ليست دوجمائية بأي حال من الأحوال , بل هي كائن دينامي , يتغير بتغير الزمان والمكان , فلا يوجد شخص يفكر في الفراغ لا بد أذن من وجود عائق ما في درب ما وهناك وسيلة ما لأزالته ومواصلة السير , الفكرة أذن كالحياة لها قلب واحد ووجوه عدة ,   فهي تبحث دائماً عن الحقيقة , لكني لا أستطيع أن أعرف ماهيتها أو أن أعرف صدقها من كذبها ما لم أعرف في أي درب تسير , فأذا كانت المشكلة علمية على أن أتبع المنطق الأستقرائي لفرانسيس بيكون , أو غيره من أنواع المنطق المرتبطة بالعلوم المختلفة , لكني لا أستطيع أن أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لأنها غير صالحة إلا لكل ما يرى ويلمس ويسمع , وليس معنى هذا أن كل ما لا يرى غير موجود , ولكن هناك سبيل آخر للوصول إليه ومعرفته , ولأضرب مثلاً بالألوان الطبيعية , فالقدرة على التكيف الآني توجب بأن ترى الذبابة الألوان الطبيعية , أما نحن فلا نستطيع , أذن ليس كل ما لا يرى غير موجود , وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالحياة العملية والواقعية , علي أن أتبع المنطق البرجماتي بقاعدتيه المرتبطتين بالمعنى والصدق , بمعنى أنه لا بد أن يكون لهذه الفكرة معنى مفهوم قائم على الخبرات الحسية للفرد , وأن تصدق بعد ذلك في تطبيقها على أرض الواقع , لكني لا أستطيع أطبقها على كل ما هو ميتافيزيقي , لنفس السبب السابق , وإذا كانت المشكلة فلسفية أو ميتافيزيقية أو شرعية , علي أن أعتمد على المعادلة التالية : المعطيات الأولى للمشكلة وأسس حلها من أرض الواقع + الأستنباط والقياس = ميتافيزيقا , فالدين السليم على سبيل المثال هو الذي أتلقى كتابه وأفكاره ثم أخضع ما قرأة وما عرفت للقياس والأستنباط , لكي أعرف أن كان هذا الدين يتوافق مع العقل والمنطق السليم أم لا , وأنا هنا أتحدث عن العقيدة لا المعجزات أو الشريعة , التي هي تالية على الإيمان ويكون الأستنباط والقياس من مصادرها لأستخراج الأحكام الشرعية , وسوف أتحدث عن هذه القضية بشيء من التفصيل في موضعٍ آخر, وإذا كانت المشكلة مرتبطة بالجمال والفن , علي أن أثبت أولاً أن كان هذا الشيء جميلاً أو ان كان هذا العمل فناً ام لا , وذلك بالرجوع للقواعد العامة للجمال والفن , والقواعد العامة الخاصة بكل فن على حدة , ثم تحليل هذا العمل الفني أو الأدبي , وهنا يأتي دور النقاد على أختلاف تخصصاتهم , وفي حقيقة الأمر يستطيع العقل البشري ان يفكر بطريقة تلقائية وبطرق مختلفة على حسب الموضوع الذي يفكر فيه , المشكلة الحقيقية أذن ندما يفرض الفلاسفة منطق معين على كل شيء
 Anther word  
مقصلة العقل الفطري .

مغالطة ٌ كبرى , العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية , متساوية التأثير والتأثر , حقيقة , العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية , ولكن يظل الفكر سابق على المادة , ففي البدء كانت إرادة الله , ثم قال للكون كن فكان , وكان الإنسان والطبيعة , وأصبحت العلاقة بينهما قائمة على إثارة المشكلات وفرض واقع بيئي وطبيعي معين ومحاولت إيجاد حلول لها أو التكيف معها , أما إذا كنا نتحدث عن علاقة الإنسان بالإنسان , فتظل الفكرة سابقة على المادة , لأنها سابقة على الفعل البشري بما يثيره من مشكلات , حتى مع الطبيعة ذاتها , فمن أبتكر النظريات وطبقها , من بنى المجتمعات وجعلها أكثر بؤساً وفقراً وتهميشاً , من أنتهك حرمة الوصايا العشر , وحفر المقابر الجماعية , من , عليك أن تعترف بالحقيقة أنت وحدك من هدم العالم ليرقص على حطامه .

السبيل الثاني لمعرفة الحقيقة هو الحدس , والحدس نوعان , حدسٌ عقلي وحدسٌ نفسي , الأول وهو العيان العقلي المباشر لا يمكن أن يحدث إلا في ذهنٍ صافي وغير مشوش وذات تريد أن ترى الحقيقة بصدق , وإلا تاهت عنه الحقيقة في دروبٍ من الضبابية والتشتت وإيهام الذات , والنفس البشرية تستطيع الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحدس المباشر , لكنها أي النفس , تستطيع أن تزين الأمور لكي تتناسب مع ما تهوى وما تشاء , وهنا تكمن الخطورة , فأذا كانت النفس سوية , وتريد أن ترى الحقيقة بصدق , تستطيع أن تصل إليها بسهولةٍ ويسر , أما إذا كانت النفس غير سوية , فأنها لن تؤمن بما يجب أن تؤمن به , بل لن تؤمن سوى بالمصلحة , ولن تخرج سوى هذا الجزء الحيواني في الإنسان , النهم دائماً للفتك والسيطرة والسرقة والإبادة والإغتصاب .

قد يتشكك البعض في الحدس , وقدرته على أن يصل إلى الحقيقة , وهنا أقول لهم أن لكل شيء دليله العقلي ودليله الحدسي ( العقلي \ النفسي ) خاصةً فيما يتعلق بالمباديء والقيم , فجميعنا يعرف أن السرقة شيء سيء لأنها تمثل إعتداءاً على حقوق الغير , وتفتح باباً للصراع بين الأفراد , ولكن هذا المنطق الكانطي في الواجب الأخلاقي ليس وحده القادر على الوصول إلى الحقيقة , والتمييز بين الصواب والخطأ , فالحدس أيضاً يستطيع , أن كان العقل صافي وغير مشوش وأن كانت الذات تريد أن ترى الحقيقة بصدق , أن كانت النفس سوية , وتريد أن تراها بصدق ,  وإلا فلما لا يختلف أثنان أن أستفتيا قلبيهما وعقليهما على أنها شيء سيء , أيً كانت تربيتهما أوبيئتهما الثقافية , حتى وأن تربيا في وسط  جماعة من اللصوص , لما لا يختلف أثنان على أنها شيء سيء , هنا أو في أي بلدٍ آخر , أو في أي زمان ومكان .

ليس المتصوفة وحدهم القادرون على أن يروا نور الحقيقة , فالحقيقة كالشمس أن توهمنا أنها غربت عكس نورها القمر , الحقيقة طاقة نور لا تنير دربنا إلا حين نبصرها , ولا نبصرها إلا إذا أردنا أن نبصرها , هي الخط الفاصل بين المعرفة الحقة والجهل , بين الوجود الحق والفناء الحق , فالبشر جميعهم يستطيعون أن يروا بنور الله , أن أرادوا أن يتبعوا ما وهبهم الله إياه .

( الماهية والوجود والزمان الوجودي )

أنا إنسان
أذن أنا حر
أنا حر
أذن أنا موجود

( مع الإعتذار لديكارت )

للماهية وجهان صفات وراثية " الدنا " , وصفات مكتسبة " الحياة " , وللوجود وجهان , الأول يتمثل في الوجود الفزيولوجي , والثاني يتمثل في الوجود الفعلي للماهية ( تحقيق الذات ) ولكي يتحقق الوجود الفعلي يجب إختيار إحدى الممكنات أو جميعها أن أمكن , تلك التي تتناسب مع الماهية " الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة " , من يسبق من أذن الماهية أم الوجود .

العدم والسقوط , مصطلحان مثيران للقلق والريبة , صحيح يمكن أن نصاب بالعدم نتيجة لقلقنا على عدم إختيار إحدى الممكنات المتناسبة مع الماهية , ولكن لا بد لنا من الخروج , الخروج عن الذات , وليس السقوط كما يقول هيدجر , فالجحيم ليس الآخرون , لأننا كائنات إجتماعية بطبعها , كائناتٌ لا يمكن أن تحيا بدون حب وصداقة وعطف وحنان وأتصال مع الآخرين , بدون أسرة وعائلة وجماعات ومجتمعات وأمم  , بدون إنتماء للآخرين ومع الآخرين , ذلك الإنتماء الذي يبدأ بالأسرة وينتهي بالإنتماء للإنسانية , وخلقنا على هذه الصورة لكي نسطيع أن نكون أسراً ومجتمعات وثقافة وحضارة قادرة على إعمار الأرض , عن طريق التربية القائمة على الإتصال المباشر بين أفراد جنسنا , خلقنا على هذه الصورة لكي يكمل بعضنا نقص بعض قدر الإمكان , لكي نتعارف ونتعلم من بعضنا البعض , لا لكي نتصارع أو يسلب بعضنا حق الآخرين .

ليست المشكلة في الموت , المشكلة الحقيقية في أني أموت , هكذا قال الوجوديون , لكني أعتقد أن المشكلة تكمن في الموت وأني أموت وكيف أموت , المشكلة في أني أموت لأن الموت يعد مصيبة يجب على المؤمن تقبلها , وهو مصيبة لأنه لا يمثل فقدان تام للوجود , أي لا يساوي العدم , بل هو محنة لابد منها , لأن هناك حياة أخرى في مكان أخر وهي الحياة الأخرة , المشكلة في الموت لأنه يمثل فقدان لمن أحب , لمن تربطني به جميع المشاعر الإنسانية التي يمكن أن تقال أو لا تقال , بل المشكلة في موت أي إنسان عندما أعلم أن هناك من يشاركني هذا الشعور لأنه فقد من أحب ,  ولإنتمائي له على المستوى الإنساني ,  المشكلة في كيف أموت ويموت من أحب بل ويموت أي إنسان , ليس فقط لأننا حيوانات ميتافيزيقة بطبعها كما يقول شوبينهاور , وذلك لأننا دائمي التفكير في العلة الأولى ومصيرنا بعد الموت , ولكن لأننا نعرف بقلبنا وعقلنا وجود الإله حتى وأن إغتربنا عن ذلك , لذا نخشى من العقاب , الموت أذن هو نبع  القلق الدائم الذي لا ينضب إلا بالإيمان بقضاء الله وقدره ورحمته وغفرانه .

لكي يتحقق الوجود الفعلي للماهية يجب إختيار أحدى الممكنات - كما ذكرت من قبل - أو جميعها أن أمكن تلك التي تتناسب مع الماهية ( الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة ) وليس مع كل ما  هو غير سوي ( أي لا يتناسب مع العقل والحدس العقلي والقلبي ) يفرضه الفرد أو المجتمع وبطبيعة الحال الحضارات الأخرى , فهو ناتج عن فعل بشري مغرب إرادياً يؤدي في النهاية إلى الأغتراب القهري للذات , فلا يمكن أن أكون إنسان ما لم أكن حراً في الأختيار من بين الممكنات وما دمت حراً في الأختيار من بين الممكنات أذن أستطيع أن أحقق الوجود الفعلي لماهيتي , أكون أذن أو لا هذا هو السؤال .

الكون قطار , ينشأ فتنشأ الحركة , تنشأ فينشأ الزمن , ويسير من المهد إلى اللحد , ولكل منا محطة ركوب , محطة نزول , للكون أذن زمن واحد , لكنه يحتوي على مجموعة من الأزمنة النسبية , فلكل مجموعة شمسية زمنها , ولكل كوكب , ولكل منا زمن وجوده الخاص , الذي من خلاله يستطيع أن يعي وجود الزمن العام , ( الأول ) أذن جزء من ( الثاني ) , لكن ( الثاني ) وفي نفس الوقت منفصل عن ( الأول ) , ويستمر في التقدم حتى بعد نهايته .



 ( دوائر التاريخ )



لكي يوجد خير مطلق لابد من وجود شر جزئي
( هكذا علمنا أبن سينا )

نعم الكون كائن عضوي , فـ " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ", ولأن الإنسان هو الكائن العاقل , هو الكائن العبثي , القادر على الإختيار , الذي لا يؤمن بما يجب أن يكون , الذي لا يؤمن بقانوني التعارف  والتعايش بين البشر , أو حتى بين البشر والطبيعة , فهو الوحيد الذي يكسر القاعدة , لينشأ صراعاً دائماً مابين الخير والشر , الحق والباطل , النور والظلام ,الجمال والقبح ,  لينشأ تاريخاً يسير في دوائر متعاكسة تلتقي عند نقطة الصراع .

علي أولاً أن أميز بين عدة مصطلحات , وعلاقاتها بإدراكنا لهذا العالم , فالديالكتيك يختلف عن الصراع والتناقض , فالعلاقة بين أجزاء الطبيعة تسير بشكل ديناميكي , بمعنى أنها تعتمد على التتأثير والتأثر المتبادل , مع الوضع في الإعتبار أنها تسير وفق آلية محددة ومنضبطة تماماً , ولكن هذه الآلية الديناميكية تقبل أن يكون بداخلها المتناقضات , كوجود الليل والنهار , إلا أن هذه المتناقضات تؤدي دورها بإنتظام ودقة دون أن تتصارع , وهنا يتضح الخلاف الجوهري بين المعان الثلاث , فوجود التناقض ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الصراع , والصراع بطبيعة الحال لا يعني الديالكتيك , لأن الأخير يتميز بصراع بين متناقضين يؤدي في النهاية إلى أختفاء النقيضين ووجود مكون ثالث يضمهما معاً .

العلاقة أذن تسير بشكل ديناميكي في الطبيعة , وتسير بنفس الشكل في المظاهر الحضارية الإنسانية , أي في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها " التكنولوجيا " , وفي العلوم الإنسانية وتطبيقاتها " الحلول المختلفة للمشكلات المتعلقة بحياة البشر السياسية والإقتصادية وغيرها " , مع الأختلاف بينهما في درجة التعميم والدقة , وتسير أيضاً بنفس الشكل في الفنون والآداب , بل وفي العادات والتقاليد التي ليس لها أساس أيدولوجي لكنها غير مغتربة أي أنها تتفق مع المنطق السليم والحدس السليم, أو بعبارة أخرى مع الفطرة البشرية  , والتي تعتمد في الأساس على الإتصال التبادلي الدائم بين أفراد المجتمع الواحد ,  بل وبين الإنسان والطبيعة في بعض الأحيان .

هنا يجب أن نتسائل هل العلاقات البشرية جميعها تسير بنفس الشكل , وهل التاريخ بطبيعة الحال يسير في نفس الإطار , أعتقد أن العلاقات البشرية تتسم بالصراع , والتي تقتضي وجود إغتراب إرادي وبالتبعية إغتراب قهري في حالة مواجهة مباشرة بين طرفين , تلك الصورة التي تتطابق في علاقة الأفراد ببعضهم البعض , وعلاقة الجماعات داخل المجتمع الواحد , بل وعلاقة الحضارات داخل الحركة العامة للتاريخ , فحتى وأن تصارعة قوتين مغتربتين إرادياً فهما يتصارعان على النفوذ والسلطة والثروة مما يتطلب إستلاب شعوب أخرى حقوقها , وهو ما ينشيء مغترباً قهرياً في المعادلة , كما أن هذه العلاقات لا تتسم أيضاً بالديالكتيك سواء كان مثالياً أو مادياً , فالإنتقال من المجتمع العبودي إلى الإقطاعي إلى الرأسمالي مرتبط بالأساس بإكتشاف الزراعة في حالة المجتمع الإقطاعي , وبالتقدم العلمي والتكنولوجي \ الصناعي  في حالة المجتمع الرأسمالي , هي أذن مظاهر حضارية لها صفة الديناميكية التي تحدثنا عنها من قبل , أما إستغلال الإنسان لهذه المظاهر في علاقته بالإنسان له صفة الثبات , فالعبد والقن والعامل المسلوب الحقوق , يمثلون الطرف المغترب قهرياً , في مواجهة السيد والأقطاعي والرأسمالي السالب للحقوق , الذين يمثلون الطرف المغترب إرادياً , وهذا ينقلنا إلى قضية أخرى وهي أن التاريخ لا يعيد ذاته ولكن أخطاء البشر هي التي تتكرر , وهنا يجب أن نتسائل عن حركة التاريخ  , أعتقد أن التاريخ يسير في حركة دائرية , تتكون من دائرتين تسيران في إتجاهين متضادين , وبطبيعة الحال لهما مراحل رئيسية على خط الدائرة ومراحل كثيرة فرعية , الدائرة الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين طرفين ثم تنتقل إلى مرحلة إنتصار إحداهما ثم مرحلة القوة والضعف وصولاً إلى الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الهزيمة  , والدائرة الثانية تبدأ من مرحلة الصراع مروراً بالهزيمة والضعف والإفاقة وصولاً إلى مرحلة الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الإنتصار , ما أريد أن أقوله ان هناك أمة تستطيع بعد مرحلة صراع أن تنتصر وتكون القوة المسيطرة على باقي الأمم حتى تفيق أمة اخرى وتنتقل من حالة الضعف , لتدخل في صراع معها وتنتصر عليها وبطبيعة الحال تأخذ مكانها , وحتى في حالة تحالف قوتين متضادتين مع بعضهما ضد قوة أخرى , تكون النتيجة الحتمية بعد القضاء عليها صراع القوتين وإنتصار إحداهما على الأخرى , كما حدث من تحالف النظام الستاليني مع القوى الرأسمالية ضد النظام النازي , ذلك التحالف الذي سرعان ما تحول إلى صراع بعد القضاء على النازية في شكل الحرب الباردة التي أنتهت بشكل رمزي مع سقوط سور برلين .

ما الحل أذن , أعتقد أن خلاص البشرية يكمن في كسر هذا الشكل الدائري , والصراع القائم على الإغتراب , والوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة , وعلاقات قائمة على التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة , لأنها الوحيدة القادرة على بناء عالم جديد يتسم بالتوازن والحفاظ على مصالح الأنا لكل أمة من دون الأعتداء على مصالح الآخر , فلن تتعارض المصالح إلا في حالة إغتراب طرفين وإعتداء أحدهما على الآخر , الحالة الأولى تكون قائمة على نسق واحد يحوي مجموعة من الأنساق الداخلية  التي تعمل جميعها بشكل وظيفي لبناء المجتمع , والخروج من حالة الصراع بين الجماعات , ولن يكون ذلك إلى بخلاص الشعوب من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية لأنها حكومات تنمي وتغذي هذا الصراع بل والصراع مع الأمم الأخرى  للحفاظ على السلطة , أما العلاقات بين الأمم المختلفة فلن تصل إلى مرحلة التعارف والتعايش السلمي إلا بضغط الشعوب على حكوماتها لبناء عالم جديد قائم على المباديء الإنسانية التي لا يختلف عليها أحد , وبطبيعة الحال لن يحدث ذلك إلا في ظل حكومات ديمقراطية ترضخ لمطالب شعوبها , لذا وجب على الشعوب أن تتخلص من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية هذا بالإضافة إلى  التواصل الشعبي الذي أصبح يسيراً في عالمنا الآن , والذي نجده جلياً في الإحتجاجات الشعبية التي تصول وتجول في قريتنا الصغيرة مطالبة بالحرية والعدالة الإجتماعية , بما يشبه حالة مخاض لثورة عالمية أولى , وأن لم ترضخ بعض الخكومات الديمقراطية يجب أن تقوم الشعوب بالثورة عليها , وفي حالة عدم رضوخ جميع الحكومات يجب أن تكون هناك ثورة عالمية شعبية , فحتى وأن لم تنجح تلك الأحتجاجات بشكل تام فإنها على الأقل ستكون قادرة على خفض شهية دراكولا,  خلاص البشرية أذن في يديها , فحتى وإن أغتربة الحكومات تظل الشعوب هي الحافظة للضمير الإنساني , فالإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان .


( واجب الوجود )

يقول أين سينا أن الله هو واجب الوجود , نعم فلا يمكن أن يكون هناك من أوجده  , هكذا أذن يجب أن يوصف الله , فكيف يجب ان نوصف نحن ,  فمن نحن ؟ من أنا ؟ من أنتم ؟ من أنت ؟ ومن نكون ؟ , هل من الممكن أن يكون الإنسان مجرد حيوان مفترس , مجرد آلة للتدمير لا تحيى سوى على لحوم ودماء البشرية ,  آلة تنبأ بأن البقاء للأقوى , للأكثر فتكاً وقهراً وإبادة , وكأن الحياة ليست حقاً للجميع , أو لنقل وكأن الموت هو سنة الحياة تحت سطوة الأقوياء .

هناك من يقول بأن الكون نشأ من مادة أولية أزلية , هنا يجب أن أسألهم من خلق هذه المادة أو كيف نشأة وتكونت , وهل من الممكن لكائن غير عاقل أن يخلق كائنات عاقلة بل وأن يخلق الكون على هذا النحو المنظم والمحكم , لا أعتقد ذلك , لذا لا بد وأن يكون لهذا الكون إله واحد , فعندما سؤل في ذلك الإمام أحمد أبن حنبل قال للسائل , ماذا بعد العدد أربعة قال ثلاثة قال وماذا بعد الثلاثة قال إثنان قال وماذا بعد الإثنان قال واحد قال وماذا بعد الواحد فقال له السائل صفر , وإذا نظرنا في هذه المحاورة سوف نجدها تتفق مع الفطرة العقلية البشرية التي تسير بمنطق محكم ( رياضي ) مهما أختلفة أنواعه ومجالاته , لكي تستطيع البشرية أن تصل إلى حقائق يقينية في الأمور المختلفة كما ذكرت في موضع سابق , فلا يمكن أن يكون هناك إلهين وإلا فمن خلقهما , كما أنه لا يمكن أن يكون هناك خالق لإله واحد , فالمنطق يقول أنه لا بد أن تكون هناك بداية لكل شيء , فقبل الواحد صفر , والصفر يساوي العدم , أي اللا شيء , كما انه لا يمكن تجزءة الواحد إلى النصف أو الربع لأنها أجزاء من الكل , كما انها ناقصة , ويجب على من خلق هذا الكون أن يكون كاملاً .

هل البشر يولدون أخياراً أم أشراراً , هكذا يجب أن تكون البداية , فلن نعلم ما يجب أن نفعله إلا إذا علمنا من نكون , أعتقد أن الإنسان يولد وفي فطرته الخير والشر , لكن سلوكه أي من المسلكين يعتمد على عاملين أثنين , الأول رغبته في أن يتبع فطرته السوية ( عقله وحدسه العقلي والقلبي ) لكي يكون ما يجب أن يكون عليه , لكي لا تتحول الأنا إلى حالة الإغتراب الإرادي وبالتبعية يتحول الآخر إلى مغترباً قهرياً , والثاني هو التربية التي من الممكن أن تسير في الإتجاه الطبيعي للنشأة السوية أو على العكس تماماً أن تسير عكس الطبيعة السوية للإنسان وما يجب أن يكون عليه فينشأ الإغتراب القهري للذات الذي يتحول في نهاية المطاف إلى إغتراب إرادي , فالفرق بين الإنسان والحيوان كما ذكرت في موضع سابق يكمن في أنه قادر على الإختيار بإستخدام عقله وقلبه , وبالتبعية عدم الركون إلى ذلك الجزء الحيواني بداخله النهم دائماً للفتك والسيطرة والإبادة والسرقة والإغتصاب .

أذن هل أنا مسير أم مخير , الجواب على هذا السؤال يكمن في السؤال التالي , كيف أكون حراً والله كتب من أنا ومن أكون ومن سأكون في المستقبل , أعتقد أن الجواب عند العلامة محمد عبده الذي قال بأن الله يعلم ذلك بعلمه المسبق , والعلم هنا كعلم القاضي الذي يعلم بأن الفرد إذا سلك هذا المسلك أو ذاك سينال الثواب أو العقاب , لكني سأتمادى قليلاً وأقول بأن الله يعلم بعلمه المسبق ما سأفعله وأختاره بكامل إرادتي فكتبه علي , وقد يسأل سائل لما أذن كتبه عليك ولم ينتظر حتى تفعله , أقول له بأن علم الله أزلي ومطلق ودقيق ولا يقبل الخطأ , وقد يسأل آخر كيف ذلك وهناك أمور تغير القدر مثل الدعاء , أقول له بأن الدعاء يكون لله \ المطلق أي أنه هو الوحيد القادر على مساعدة الإنسان وتغيير ماكتبه عليه , وهو أيضاً يعلم بعلمه الأزلي أن الإنسان سيدعوه في تلك اللحظة فيغير ماكتبه عليه , وقد يسأل آخر ولما كل هذا لما لم يكتبه عليه منذ البداية , أقول له لكي يعلم الإنسان أنه حر في الإختيار ما بين الحق والباطل وأنه حر في ان يسلك هذا الدرب أو ذاك حتى وأن كُتب عليه غير ذلك  في القدر في باديء الأمر ,  لكنه غير قادر على أن يفعل ذلك بمفرده لأنه ناقص ونسبي , لذا يحتاج إلى الله \ المطلق فهو الوحيد القادر على أن يغير ما كتبه عليه , وهنا يجب أن أنوه إلى نقطتين فرعيتين لكنهما مرتبطتين إرتباطاً وثيقاً بقضية المطلق والنسبي , فالإنسان يدرك الأمور عن طريق الحواس التي هي بطبيعة الحال ناقصة ونسبية في تكوينها , هذا مع الأخذ في الإعتبار عاملي الزمان والمكان , وهذا لا يعني أنني أويد النزعة اللاإدرية , وذلك لأن للإنسان قدرات عقلية وقلبية تعتمد على التفكير والحدس الذين لا يختلفان في آلياتهما مابين إنسان وآخر , كما أن هذه الآليات تجعل الإنسان يستطيع أن يعي ما هو خلف المادي والملموس , أي أن يعي المطلق , لكنه مع ذلك لا يصبح مطلقاً بأي حال من الأحوال , النقطة الثانية متعلقة بالتمييز بين كل من العقيدة والشريعة والمعجزات , فالإنسان كما قال محمد عبده يجب أن يثبت بعقله أن الله هو واجب الوجود – لأن تلك قضية تتعلق بعمق وصدق الإيمان – وسأضيف إليه القلب أيضاً , لكنه لا يجب أن يسأل في الأمور المتعلقة بالشريعة , كلما أصلي العصر أربع ركعات مثلاً , فالشريعة على ما اعتقد في أمور العبادات مرتبطة بالطريقة التي يحب ويرضى الله أن يُعبد بها , أما فيما يتعلق بالمعاملات فهي قائمة بصورة تحفظ حقوق الإنسان وتبعد الضرر عنه وتحمي حقوق الآخرين كالربا ومضاره الإقتصادية على سبيل المثال , وهنا أختلف مع محمد عبده فحين يختلف العقل مع النقل يجب أن أرجح كفة النقل لا العقل كما قال محمد عبده فهو يرى أنه يجب ترجيح كفة العقل حتى أستطيع أن أعي بعقلي المقصد الحقيقي للنقل , وهذا  لنفس السبب السابق الذي ذكرته في حديثي عن المطلق والنسبي والمعرفة المطلقة والمعرفة النسبية , ولكن لا يعني هذا بأن تصبح الضرورات لا تبيح المخظورات , أو عدم وقف تطبيق بعض الحدود في حالة عدم توفر الشروط اللازمة لتطبيقها , لأن هذه أمور شرعية أساساً ومستنبطة من الأصل ومرتبطة بحياة الناس الواقعية وما يعترضها من مشكلات , وهنا يجب أن أنتقل إلى نقطة أخرى في الشريعة وهي أن الإستنباط من الشريعة يكون بعد الإيمان بها , أي أنه إستنباط من أصولها , بعكس التفكير في العقيدة الذي هو تفكير في صحة الأصول من الأساس , أما فيما يتعلق بالمعجزات فإذا كنت أؤمن بأن الله هو المطلق الكامل فهو أذن قادر على أن يفعل ما لا أستطيع أنا أن أفعله فأنا ناقص ونسبي , وبذلك تكون المعجزة دليل عيني على قدرة الإله وعلى أنه هو واجب الوجود .

صحيح يجب على الإنسان أن يحقق الوجود الفعلي لماهيته بما يتناسب مع تلك الماهية " القدرات الوراثية ( الدنا ) والقدرات المكتسبة ( الحياة ) " وليس مع كل ماهو غير سوي يفرضه المجتمع عليه فهو ناتج عن فعل بشري مغترب إرادياً يؤدي في النهاية إلى الإغتراب القهري للذات , لذا لا بد أن تكون أحلام هذه الماهية أحلاماً غير مغتربة إرادياً من الأساس , وهنا تدخل الأخلاق إلى المعادلة بمشروعية هذه الأحلام المتوافقة مع الماهية ومشروعية السبيل إلى تحقيقها .

بالرغم من أن البشر يفكرون بطرق مختلفة وبطريقة تلقائية على حسب الموضوع الذي يفكرون فيه , سواء كان واقعياً أو علمياً أو ميتافيزيقياً أو شرعياً , إلا أن غاياتهم يجب أن تكون مشروعة , وكذلك الحال في السبيل إلى تحقيقها , فإذا كانت المشكلة واقعية على سبيل المثال , يجب عليهم أن يتبعوا المنطق البرجماتي بقاعدتيه المرتبطتين بالمعنى والصدق , ولكن هذا لا يعني أن يكون السبيل لحل المشكلة غير مشروع أخلاقياً , وإلا أصبحوا مغتربين إرادياً لا على مستوى إتباع المنطق السليم في قضية معينة ولكن على المستوى الأخلاقي الخاص بما يجب أن يؤمنوا به وأن يطبقوه في حياتهم الواقعية , بل ويصبح شغلهم الشاغل في هذه الحالة هو تحقيق أي غاية وبأي وسيلة كانت .

الحل أذن في الضبط الذاتي والإجتماعي , فقد فرق بعض الفلاسفة ومن بينهم برجسون بين القانون الطبعي والقانون الأخلاقي فالأول يقرر كما قال برجسون  والثاني يأمر , الأول لا يمكن التخلص منه بينما الثاني يمكن أن ينفذه الفرد أو لا ينفذه , الأول يكون من الذات بينما الثاني يكون من المجتمع , لذا لا بد أن يكون هناك ضبطاً ذاتياً بمعنى أن يكون الإنسان متوافقاً مع فطرته السوية وألا يغترب عنها , كما يجب أن يكون الضبط الإجتماعي متوافقاً مع هذه الفطرة وإلا أصيب الإنسان بالإغتراب القهري , بل ويؤثر في هذه الحالة عدم الإنصياع إلى القانون الأخلاقي , وهنا أتفق مع برجسون في أن الدين يستطيع أن يسد تلك الثغرة بين القانون الطبعي \ الأخلاقي والقانون الأخلاقي \ المجتمعي كما أحب أن أسميهما , " لأن الدين يمثل النظام العلوي الذي يتسم بالكمال والإنسجام بطريقة ذاتية تلقائية " (نعمت حافظ , الفكر التربوي وتطبيقاته ) .



" الهوية "

وسط تصاعد الغبار الكثيف يمكنك أن ترى النور فالحقيقة بداخلك لها عينان لا يغمضهما ذلك الغبار الذي يصول ويجول حين تغيب العدالة بداخلنا وداخل العالم الذي نعيش فيه لتلقى الحرية في نهاية المطاف على قارعة الطريق فلا حرية بدون عدالة ولا عدالة بلا حق ذلك الذي يستوجب ان يأخذ كل منا ماله وأن يعطي ما عليه وأن نعترف باننا جميعاً متساويين في حقنا في الحياة .

ولكن كيف يمكن أن نكون أحراراً أن لم نعرف من نكون وهنا يبرز سؤال الهوية ذلك السؤال الذي أصبح سهلاً وممتنعاً في آن سهل بالنسبة للعامة وممتنع بالنسبة للخاصة الذين أدخلونا في جدل لا طائل منه سوى ضياع الوقت والحلم بين طرفين أحدهما  يتسم بالأنغلاق والتطرف الفكري ويتحدث بأسم الدين والآخر يتسم بالإنفصال عن هوية المجتمع الحقيقية ويتحدث بأسم الحرية والمدنية   فالهوية السليمة هي التي تتفق مع الذات البشرية ( مع العقل والحدس العقلي والقلبي ) إلا ان بعض البشر يغتربون عن تلك الحقيقة وبالتبعية يظلون مختلفين وبالرغم من أن الخاصة هم من يكونون الأجدر على إكتشافها إلى أن الواقع يقول ان الفطرة السوية للعامة – نظراً لإغتراب بعض الخاصة - جعلتهم – حتى مع محاولة إجتزابهم يميناً أويساراً – هم الأجدر على رؤيتها بعين قادرة على أن تحمي مكونات الهوية الثقافية بطبقاتها الأركولوجية المختلفة من دون أن تتصارع أو أن يلغي أحدها الأخرى وهو ما يتنافى مع الطبيعة الجغرافية للذات البشرية .

ما هي الهوية ؟.. أعتقد ان الهوية تعني الإنتماء لكل ما يشكل ماهية الإنسان و الأمم المكتسبة " الحياة " لا الوراثية " الدنا " أي أنها لا تعني الإنتماء لكل ما هو فيزيولوجي كالجنس واللون لكنها تعني الإنتماء لكل ما هو مكتسب كاللغة والدين لأن كل ما هو فيزيولوجي لن يكون هوية إلا إذا كان هناك إغتراب في التفكير قائم على التمييز العنصري وهنا تصبح الهوية مغتربة وغير سوية بطبيعة الحال والأمر ينطبق أيضاً على كل ما هو متطرف وعنصري من جوانب الماهية المكتسبة والفرق بين ما هو فيزيولوجي وما هو مكتسب في ان كل ما هو فيزيولوجي أن أصبح هوية كان مغترباً في حين أن كل ماهو غير سوي فقط من الماهية المكتسبة أن أصبح هوية كان مغترباً مع الوضع في الإعتبار انه مغترب بطبيعة الحال حتى ولو لم يتحول إلى هوية .

أعتقد أيضاً أن هوية الأمم تتطور وتنضج لتأخذ بعض مكوناتها أبعاداً أعم وأشمل وأن هذا التطور والنضوج يتم بنفس الآلية التي تتكون بها الحضارة بمعنى أنها تبدأ بأيدولوجيا يؤمن بها الناس ومن ثم يبدأون في تطبيقها على أرض الواقع فتتكون ثقافة ( أي طريقة حياة ) وفي المرحلة النهائية تتكون الحضارة بشقيها المادي والمعنوي ( العلوم والفنون والآداب ) .

الأيدولوجيا والثقافة والحضارة أذن الممتدون عبر الزمان والمكان ( التاريخ والجغرافيا ) يمثلون روافد نمو ونضوج الهوية إلا أن الثقافة والحضارة تُعدان من إنعكاساتها وتطبيقاتها أيضاً كما تجدر الإشارة إلى ان الهوية لها طبقاتها الأركولوجية المختلفة التي قد تختلف في بعض مكوناتها من طبقة إلى اخرى لكنها تظل محتفظة ببعض المكونات الثقافية والحضارية بل وتطورها أيضاً من طبقة إلى أخرى فالهوية المصرية على سبيل المثال لها طبقاتها الأركولوجية الممتدة عبر التاريخ من فرعونية ومسيحية وإسلامية وعربية وبالرغم من إختفاء العقائد الفرعونية واللغة المصرية القديمة إلا أن العقيدتين المسيحية والإسلامية لا تزالان في حالة تجاور وتعايش لا تناحر وصراع كما أن المصريون جميعاً أصبحوا عرباً أيً كانت عقيدتهم الدينية هذا بالإضافة إلى ان بعض الجوانب الثقافية والحضارية الأخرى من كافة الطبقات الأركولوجية لاتزال موجودة حتى الان وهو ما ينشيء الخصوصية المصرية .

انا أذن مصري وعربي ومسلم وإنسان ولما يجب ان أكون أحدهم دون ان أكون الآخر فالإسلام جاء لكي يلغي العنصرية بكافة أشكالها  وذلك لأنها رسالة عالمية فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين رسالة لافرق فيها بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى والتقوى محلها القلب والقلب لا يعلمه إلا الله أذن لا فرق بين إنسان وإنسان خاصة وأن الدين يفرض على المؤمنين به أن يحترموا عقائد الاخرين وأن يؤمنوا بمبدئي التعارف والتعايش السلمي ما بين الأمم المختلفة وفقاً لما ورد في الذكر الحكيم " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم " كما انها لم تنفي أن يكون هناك قوميات ولكن جردتها من العنصرية القائمة على مبدأ الأثنية ورابطة الدم وغيرها من انواع العنصرية فالعربية ليست أثنية بالمعنى المفهوم لكلمة عربي  وأنما " العربي هو من تحدث العربية " كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أي من كانت ثقافته عربية فاللغة مفتاح للتفكير والأفكار هي من تصنع الثقافة أو بالأحرى  طريقة حياة الأمم المختلفة هذا بالإضافة إلى أن مكة كانت أحب بلاد الله إلى الله واحب بلاد الله إليه عليه الصلاة والسلام لأنها وطنه ولو أن أهلها أخرجوه منها ما خرج منها أبداً أذن الإسلام لم يلغي الوطنية أيضاً  فأين التعارض وأين الخلاف لكي نقيم الجدل من الأساس .

يجب أذن أن أردنا أن نصنع نهضة وتنوير حقيقي أن لا نغترب عن هويتنا المصرية والعربية والإسلامية بل ان تكون النهضة مستمدة منها  لا على طريقة كل من هو متشدد ومنغلق فكرياً ويتحدث بأسم الدين ولاعلى طريقة من هم منفصلين عن تلك الهوية بطبقاتها الأركولوجية المختلفة ويتحدثون بأسم الحرية والمدنية هذا بالإضافة إلا انه لكي يكون هناك سلام عالمي يجب أن يكون هناك تعارف وتعايش سلمي حقيقي قائم على العدالة والإنصاف بين الأمم المختلفة وأن تستمع الحكومات والخاصة أيضاً ولو لمرة واحدة في التاريخ إلى صوت العامة الذين أثبتوا انهم الأجدر على رؤية الحقيقة والأجدر على الحفاظ على الضمير الإنساني .



" التربية "

" حين تكون التمارين الجسدية إجبارية فهي لا تسبب الإضرار للجسم ولكن المعرفة حين تكتسب بالإكراه لا يمكن أن تبقى عالقة بالذهن "

أفلاطون " الجمهورية "

التربية هي الوسيلة التي من خلالها يصبح الفرد والمجتمع البشري في الحالة التي يجب أن يكونا عليها والتعليم هو تربية الأفراد والمجتمعات على إستخدام وتنمية ما تحمله الذاكرة البشرية من معارف من أجل الحفاظ على الوجود الإنساني وتطوره بالشكل الذي يجب ان يكون عليه هذا الوجود والتطورالتربية أذن تعلم مستدام والتعليم جزء لا يتجزء من التربية التي تسعى إلى أن تكون البشرية في أفضل أحوالها .

التربية أذن هي مفتاح الحفاظ على الوجود الإنساني برمته ولكن كيف يجب أن تكون أو لنقل ما هي الحالة التي يجب أن يكون عليها هذا الوجود الإنساني فالحشرات والحيوانات والطيور قادرة على الحفاظ على وجودها بشكل فطري لا يعتمد في الأساس على ذاكرة قادرة على نقل التراث الثقافي والعلمي من جيل إلى جيل إلا أن هذه الكائنات لها طبيعة آلية تتميز بالإنسجام التام مع الطبيعة الآلية للكون الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم وجود أي نوع من الإختلال في تلك العلاقة القائمة بينهما ولكن الإنسان له طبيعة مختلفة حيث ان له قلب وعقل يجعلانه قادر على الإختيار والإبتكار ولهذا الأخير اهمية قسوى لأنه بديل عن قدرته على التكيف والإنسجام بشكل آلي مع الطبيعة لذا كان يجب أن تكون للإنسان ذاكرة قادرة على نقل التراث الثقافي والعلمي بل وتطويره أيضاً لأنه لا يعد رفاهية بأي حال من الأحوال بل هو يمثل حجر الزاوية في قدرته على البقاء .

هناك ثلاث نقاط أساسية يجب أن تقوم عليها التربية أولها الخروج من حالة الإغتراب وتعني أن تكون التربية متماشية مع المسار الصحيح للطبيعة الإنسانية السوية وأن لا تسير عكس هذه الطبيعة وإلا أصيب الإنسان بالإغتراب القهري الذي سيؤدي في النهاية إلى الإغتراب الإرادي للذات وأن يعي الطلاب الفرق بين أساليب التفكير المختلفة والطرق المختلفة التي يجب أن يتبعوها في حال تعاملهم مع العلوم والفنون والآداب على إختلاف أنواعها  بل ومع الدين والحياة العملية هذا بالإضافة إلى طرق التطبيق السليمة أيضاً وهنا يجب أن أشير إلى نقطة قد تبدو فرعية إلا أنها في غاية الأهمية فالعلوم الطبيعية في مجملها والعلوم الإنسانية  أيضاً يشتركان في خصائص التفكير العلمي من تحديد المشكلة والملاحظة وجمع المعلومات وفرض الفروض وأختبارها والصول إلى مبدأ أو قاعدة إلا أنهم يختلفان في إختبارها فلا يمكن ان يكون إخضاع الإنسان للتجربة في بعض الأحيان التي تكون فيها خطورة عليه شيء أخلاقي لما قد يترتب عليها من كوارث لا يحمد عقباها لذا يجب الإعتماد على الطرق المختلفة الأخرى التي تتبعها العلوم الإنسانية على إختلاف انواعها وأنا هنا اتحدث فقط عن إخضاع الإنسان للتجريب في حالة وجود خطورة عليه إلا أن بعض هذه العلوم لا يمكن إخضاعها للتجريب من الأساس كالتاريخ على سبيل المثال كما أن العلوم الإنسانية أقل تجريدية من العلوم الطبيعية نظراً لإختلاف الأحوال الإنسانية بإختلاف ظروف الزمان والمكان والعوامل الكثيرة والمتشعبة والمركبة الأخرى حتى وأن بدت متشابهه في باديء الأمر إلا أن ذلك  لا يجب أن يوقف العلوم الإنسانية عن الوصول إلى مبدأ أو قاعدة وتطبيقها على عينة مشابه  بل يجب ان تظل هكذا حتى تكسرها نتيجة أخرى قادرة على إثبات مبدأ أو قاعدة جديدة كالعلوم الطبيعية  تماماً .

النقطة الثانية التي يجب أن تقوم عليها التربية هي القدرة على مقاومة حالة الإغتراب القهري والتي تنشأ في الصراع البشري فقط نتيجة لأعتداء الآخرين على ما يؤمن به الأفراد بل والأمم أيضاً وما يمتلكونه أما النقطة الثالثة فتعتمد على ان يعي الطلاب ان حل هذه المشكلة يكمن في الوصول إلى الحالة البنائية داخل المجتمع الواحد وإلى حالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة .

كيف يمكن تنفيذ هذه النقاط الثلاث أذن لكي تسير التربية في مسارها الصحيح أعتقد انه يجب أن تكون المناهج وطرق التدريس متوافقة مع النوع الذي تتعامل معه هذه المناهج وهذه الطرق بل ويجب ان يكون تطبيق ما تعلمه الطلاب يسير بشكل سليم أيضاً فمنهج النشاط على سبيل المثال قد يصلح للتعامل مع الحياة العملية والواقعية إلا أنه لا يصلح لكل الدراسات الإنسانية كما يجب أن لا يكون أي نوع من الدراسة إنسانية كانت أم علمية قائم على الطريقة التقليدية في الحفظ والتلقين هذا بالإضافة إلى تنمية كل جوانب الإنسان النفسية والإجتماعية وغيرها وفق الأسس العلمية السليمة إلا أن هذا كله يجب أن يكون في إطار حل مشكلتين رئيسيتين يتسببان بشكل قوي في النفور من التعليم الأولى هي أن الطلبة يتعلمون أشياء لا يحبونها في الأساس والثانية هي أننا في كثير من الأحيان نكون مجبرين على تعليمهم هذه الأشياء التي لا يحبونها لأنها رئيسية وأساسية في التعليم لذا وجب أن تكون وسائل وطرق التدريس متناسبة مع المرحلة العمرية  وأن يتعلم الطلبة ما يحبون وأن نعلمهم الأشياء الضرورية التي لا يحبونها بطريقة يحبونها وأعتقد ان أنسب شيء لهذا الأمر هو إتباع " مخروط الخبرة " لـ " إدجار ديل " فالركيزة الأساسية في المرحلة الإبتدائية يجب ان تكون قائمة على التعليم القائم على المحسوس بالعمل والتعليم باللعب وغيرها من الطرق والأساليب المناسبة والمشوقة للتعليم في هذه المرحلة العمرية وان تكون المناهج والطرق المختلفة التي ذكرتها من قبل  داخل هذا الإطار العام والأمر نفسه يجب ان يكون في المراحل التالية ومن ضمنها المرحلة الإعدادية التي يجب ان يزيد فيها على التعليم القائم على المحسوس بالعمل التعليم القائم على المحسوس بالملاحظة وفي المرحلة الثانوية يجب أن تضاف قمة المخروط المعتمدة على التعليم القائم على البصيرة المجردة ولكون هذه المرحلة هي مرحلة الإبداع وتمايز وظهور القدرات لدى الأفراد لذا يجب أن يكون هناك إهتمام كبير بهذه النقاط الأساسية ففي السنة الأولى يجب أن يكون التعليم عاماً كما في السنوات السابقة إلا انه بطبيعة الحال يجب أن يكون اكثر عمقاً ودقة وفي السنة الثانية  يجب أن يكون هناك تخصص فإلى جانب قسمي الأدبي والعلمي يجب أن يكون هناك أقسام أخرى خاصة بالفنون والآداب والرياضة  وفي السنة الثالثة يجب أن تنقسم هذه الأقسام بدورها إلى أقسام أكثر تخصصاً وان يكون هذا التحصص مؤهلاً لدخول الجامعة بمعنى أن يدرس الطالب المواد التي تؤهله لدخول المجال الذي يريد أما في مرحلة التعليم الجامعي فيجب ان يكون هناك توازن بين الدراسة الأكاديمية القائمة على المحاضرات وبين التعلم القائم على المحسوس بالعمل والملاحظة هذا بالإضافة إلى البحث العلمي والإبداع وفقاً لما تتطلبه الدراسات العلمية والإنسانية على إختلاف أنواعها ونفس الشيء يجب ان يكون في مرحلة الدراسات العليا إلا انه يجب أن يضاف إليها أيضاً حلقات النقاش كما يجب أن تكون السنة الأخيرة في كل مرحلة من المراحل السابقة  سنة إنتقالية تمهيدية للمرحلة التي تليها .

أما النقظة الثانية المتعلقة بمقاومة الإغتراب والوصول إلى حالة بنائية داخل المجتمع الواحد وحالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة فلن تتم إلا إذا اعتمدنا منذ المرحلة الإبتدائية وحتى إنتهاء التعليم الجامعي على " السيكودراما " بمعنى ان تكون هناك مادة أساسية للمسرح تعتمد في الأساس على مسرحيات كُتبت على هذه المباديء ليقوم الطلاب بمعايشة حالة الصراع هذه والوصول إلى الحل عن طريق التمثيل هذا بالإضافة إلى الدور المهم للإرشاد النفسي ومادتي التربية الوطنية والتربية الدولية اللتين يجب ان تكون هذه المباديء جزء أساسي فيهما وأن يكونا أساسيين أيضاً حتى إنتهاء التعليم الجامعي كما يجب ان يكون هناك تركيز كبيرفي مرحلة التعليم الأساسي  لجميع الطلاب على الرياضة والفنون والآداب واللغة القومية والتعاليم الدينية والمفاهيم المتعلقة بالمواطنة وحقوق الإنسان وإحترام حقوق الآخرين وغيرها من المفاهيم المهمة لبناء مجتمع بشري سوي ومتحضر .

ربما نحن الآن في حاجة إلى ان نخرج من كبوتنا كما خرجت أوروبا منذ قرون ربما نحن الان في حاجة إلى ان نعود إلى التاريخ من جديد وبطبيعة الحال لن يحدث هذا ولن يحدث تنوير حقيقي إلا إذا عدنا امة تعشق العلم والمعرفة والأبداع ليس فقط لأن بقائها مرتبط بهم ولكن أيضاً لأيمانها بأن الإنسان حيوان فضولي حالم ومبدع .



" الباتاتابو "

هناك الكثير من التابوهات التي وضعت للفن في عالمنا العربي وعلى وجه الخصوص في الشعر والتي تجعل المبدع في مفترق طرق فإما أن يسير في ركابها فيصبح فناناً وإما أن يكسر قواعدها فلا يكون جديراً بهذا اللقب لذا كان لزاماً علينا أن نعود إلى أصول الأشياء لنفهم ما هو الجمال وما هو الفن لكي نستطيع أن نفهم إن كانت هذه التابوهات حقيقية أم لا ونصل في نهاية الأمر إلى فنٍ حقيقي فنٍ حر .

أعتقد أننا نشعر ونعي الجمال عن طريق النفس والعقل فالنفس تستطيع أن تشعر بهذا الجمال والعقل يستطيع أن يعيه عن طريق الحدس المباشر إلا أن هناك قواعد يمكن أن توصف بالمنطقية للجمال فأي شيء جميل يتسم بخمسة أشياء أساسية أول هذه الأشياء هو التناسق الخارجي ولا اعني هنا السيمترية فالسيمترية تتسم بالتساوي ولكني أعني التناسق بمفهومه الأعم والأشمل فقد تكون اللوحة تجريدية مثلاً إلا أنها بالرغم من هذه الفوضى تظل تتسم بهذا التناسق فلا يمكن أن نجد لوحة ليس لها أبعاد ثابته تحافظ على وحدتها العضوية وهذا بالطبع ينطبق على الشعر وكل أنواع الفنون والطبيعة أيضاً فلا يمكن أن نجد قصيدة مترهلة أو مقطوعة موسيقية تتصف بهذه الصفة ولا يمكن أن نجد في الطبيعة ما هو مفتقد لهذه الأبعاد التي تحافظ على وحدتها العضوية .

ثاني هذه الأشياء هو الهارموني فلا يمكن أن نجد قصيدة أو مقطوعة موسيقية أو لوحة لا تتسم بالتناغم والتوافق الداخلي .

ثالث هذه الأشياء هو الإيقاع والإقاع موجود في كل شيء في الحياة ( 1 ) وبطبيعة الحال في كل أنواع الفنون حتى الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي يتسمان بهذه الصفة ويمكننا ان نجد ذلك في إيقاع الألوان في اللوحة ( 2 ) لكني اعتقد انه إيقاع من نوع خاص ويمكننا ان نسميه إعادة إكتشاف لإيقاعٍ حدث في لحظة معينة فإنسيابيت الألوان وتدرجها تعطي إيقاعاً من نوع آخر وهذا ينطبق أيضاً على الصورة الفوتوغرافية فأبعادها المختلفة تجعلك تشعر بهذا الإيقاع وخير مثال على ذلك أنك أن ألتقطت صورة فوتوغرافية لمجموعة من الأشخاص الذين يسيرون في خان الخليلي يمكنك أن تكتشف عمق الصورة وتدرج سير الأشخاص من الخلف إلى الأمام إيقاع حركتهم في تلك اللحظة بالذات وما يجعل هذا الإيقاع حياً هو النظرة الكلية لكل من اللوحة والصورة الفوتوغرافية التي تجعلك ترى هذا الإيقاع الذي حدث في لحظة معينة أثناء رسم اللوحة أو إلتقاط الصورة ولا يمكن أن تختفي هذه القواعد من الجمال والفن بأي حال من الأحوال حتى المدرسة الدادية التي أرادت أن تكسر كل قواعد المنطق والفن لم تستطع أن تكسر هذه القواعد .

رابع هذه الأشياء يكمن في الإبهار وهنا قد يقول البعض أن الشيء قد يكون مبهراً لكنه لا يكون جميلاً أقول لهم نعم ولكن لا يوجد شيء جميل ليس فيه ولو قدر ضئيل من الإبهار والإبهار لا يحدث بطبيعة الحال إلا لو كان هناك مفاجئة بمعنى أن يكون هذا الشيء الجميل كاسر لكل ما هو مألوف ومعتاد .

أما خامس هذه الشياء وآخرها فيكمن في أن الشيء الجميل يجب أن يكون من الأشياء التي لا تثير القبح والإشمئزاز بالنسبة للمتوسط العام من الناس فحتى أصحاب مدرسة جماليات القبح حين أرادوا ان يكسروا هذه القاعدة صنعوا من الشيء القبيح شيئاً جميلاً فلم يتركوه قبيحاً كما هو ولم يكسروا القواعد الخمسة سالفة الذكر .

هنا يجب أن نتسائل أن كانت هناك أشياء يتفق معظم الناس على أنها جميلة أعتقد أن هذه الأشياء موجودة والسبب في ذلك هو الوصول إلى درجة الكمال في النقاط الخمسة سالفة الذكر فكلما أقترب هذا الشيء من درجة الكمال كلما ذاد عدد الأشخاص الذين يرون هذا الشيء جميلاً وكلما أبتعد هذا الشيء عن درجة الكمال كلما قل عدد الأشخاص ولكن الوصول إلى درجة الكمال الفعلي لا يكون إلا في الطبيعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى والمثال على هذه الأشياء التي يمكن أن يتفق معظم الناس على إنها جميلة يمكن أن نجده في شلالات النياجرا والهرم الأكبر وعلى العكس تماماً يمكن أن نجد أشياءاً يتفق معظم الناس على أنها قبيحة كالبراز مثلاً ومع ذلك يظل الجمال نسبياً لأنه وإن أتفق معظم الناس على جمال وقبح شيء معين يظل هناك من لا يتفق على أن هذا الشيء جميلاً أو قبيحاً إلا أن هؤلاء يعدون شواذاً على القاعدة ولايمكن أن تلغى القاعدة بالشذوذ عنها فلكل قاعدة شواذ .

أما بالنسبة للفن فبالرغم من انه عملية إبداع وليس تلقياً للجمال كما يقول الفلاسفة جميعاً إلا انه لا يمكن أن يخرج على قواعد الجمال العامة وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو أنه من غاياته التي لا يمكن التخلي عنها الوصول إلى الجمال وهذا يجعلنا نتظرق إلى نقطة في غاية الأهمية وهي هل يمكن أن يكون الفن غاية في حد ذاته أم انه لا بد أن يتسم بالإلتزام أعتقد أنه لا يوجد فن غير ملتزم سواء كان هذا الإلتزام بطريقة واعية أو بصورة غير واعية حتى قصيدة النثر التي أتسمت بثلاث صفات أساسية وهي القصر والتوهج واللاغرضية لا يمكن أن تكون غير ملتزمة والدليل على ذلك أنك وأن تحدثت في اللازمان واللامكان وأنكفئت على ذاتك وتحدثت في كل ما هو يومي ومعاش لا يمكن أن تكون لا غرضياً فذاتك غير منفصلة عما يحيط بها وكل ماهو يومي ومعاش غير منفصل عما هو أعم أشمل لذلك أعتقد أنك سوف تكون ملتزماً في نهاية المطاف سواء كان ذلك بصورة واضحة وواعية أو بصورة غير واضحة وغير واعية .

الفن لا ينتج في حقيقة الأمر إلا بعد إكتمال ماهية الفنان بعنصريها ( الماهية الوراثية " الدنا " والماهية المكتسبة " الحياة " ) ثم بعد ذلك يجب أن يختار من بين الممكنات المتاحة له أو جميعها أن أمكن وأعني بها إمكانياته وقدراته الشخصية وليس ما يفرض عليه فما يفرض عليه يجب أن يقاوم من أجل تحقيق الوجود الفعلي لذاته على أرض الواقع .

هل يمكن أن يكون الفنان مغترباً لا أعتقد ذلك وأعني هنا الإغتراب عن الفن نفسه أو قواعده الأساسية لا الإغتراب الذاتي للفنان لأنه أن أغترب عن هذه القواعد الأساسية سوف يخرج من دائرة الفن كما أعتقد انه لا يمكن الإغتراب عن الإلتزام حتى وأن أراد الفنان ذلك لأنه كما ذكرت من قبل سوف يخرج في فنه سواء كان ذلك بطريقة واعية أو بصورة غير واعية .

هذه هي القواعد العامة للفن ولكن لكل فن قواعده العامة الخاصة به فالشعر على سبيل المثال يتفق مع هذه القواعد العامة إلا انه يزيد عليها عنصران في غاية الأهمية هما اللغة والموسيقى فلا يمكن ان تكتب قصيدة بدون لغة ولا يمكن ان تكون أيضاً بدون موسيقى  وقد يتسائل البعض لما لم أتحدث عن فنيات الشعر كالصورة الشعرية مثلاً وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو ان الصورة الشعرية قد لا تكون موجودة في بعض الأشكال الشعرية كالزجل على سبيل المثال والأمر نفسه في باقي فنيات الشعر التي قد تختلف من نوع إلى آخر ومن مبدع إلى آخر .

وبما اننا نتكلم عن موسيقى الشعر فيجب أن أتطرق إلى بعض الأمور المهمة الخاصة بها فقد كان الشعر في باديء الأمر يُكتب بطريقةٍ تلقائية ثم جاء الخليل أبن أحمد ووضع بحور الشعر العربي الخمسة عشر ووضع أحد تلاميذه البحر السادس عشر كما ان موسيقى الشعر كانت تختلف عند المصريين القدماء والرومان والأغريق وتختلف أيضاً مابين الشعوب والأجناس المختلفة في العصر الحديث وذلك لإختلاف اللغة والثقافة وأعتقد أيضاً لإختلاف الوعي بما يجب أن تكون عليه موسيقى الشعر ثم تطور الأمر وأصبح هناك ما يعرف بشعر التفعيلة وهو ما عرف خطئاً بالشعر الحر لأن الشعر الحر يعتمد على الإيقاع بمفهومه العام بدلاً عن الوزن وتساوق الأصوات بدلاً عن القافية ثم تطور الأمر بحيث أصبح يُكتب بطريقة تتداخل فيها الأوزان أو يتداخل الوزن مع النثر من دون ان يكون هناك خلل في الإيقاع العام للقصيدة أو وحدتها العضوية أما شعر التفعيلة فإنه يعتمد على التفعيلة الواحدة وليس البحر بصورته الكاملة وهذا ما يجعله بالطبع يختلف عن الشعر العمودي ثم ظهرت قصيدة النثر والكتابة عبر النوعية والقصيدة الإلكترونية بما تتضمنه من تفاعلية وغيرها من الأنواع ما أريد أن أقوله أن موسيقى الشعر أعم وأشمل من البحور العروضية المتعارف عليها والدليل على ذلك أن أي أذن بشرية تستطيع أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بتلقائية حتى وأن لم يكن المستمع شاعراً وقد يقول البعض أن الأذن البشرية العادية غير منضبطة على البحور الشعرية المتعارف عليها أقول لهم نعم إنها غير منضبطة عليها فقط وأنما أيضاً قادرة على أن تكتشف أي خلل في موسيقى الشعر بمفهومها العام والشامل سواء كان النص موزون أو به تداخل في الأوزان سواء كان نثر أو تفعيلة أو يدمج بين الأثنين .

الآن يجب أن ننتقل إلى نقطة أخرى وهي كيف يمكن ان نميز بين الفن الجيد والفن غير الجيد أعتقد أن الفن كلما أقترب من درجة الكمال في قواعد الفن العامة وقواعده العامة الخاصة به يكون أكثر رقياً من ذلك الذي يبتعد عن هذه القواعد وأعتقد ان هذا هو السبيل الوحيد للتفرقة بين ما هو جيد وما هو غير جيد في الفن والإبداع .

وبما ان هذه التابوهات التي وضعت للفن ليست حقيقية أعتقد انه يجب أن تكون هناك مدرسة في الفن تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وان كانت توجيهية في المقام الأول ولا تضع تكنيكاً محدداً يعتمد عليه الفنانون في إبداعهم لذا اعتقد انها يجب أن تسمى بـ " الباتاتابو " فالمقطع الأول من المصطلح لا يعني شيئاً إلا انه مأخوذ من ألفريد جاري الذي أراد ان يسخر من الميتافيزيقا فسمى مدرسته في الفن بالباتافيزيقا أما إقتران المقطع الثاني وهو كلمة تابو بالمقطع الأول فليس له سبب سوى أن يدل على ان الفن لا يوجد به محرمات او مقدسات وأن الفنان حر فيما يفعل ما دام لم يخرج على قواعد الفن العامة كما ان هذه المدرسة قد لا تكون الأسلوب الأمثل في الإبداع إلا إنها الأمثل من وجهت نظري لكي يعود الفن إلى نقائه وحريته .
تعتمد هذه المدرسة على القواعد الآتية :
1- أن تبدع كما تشاء ما دمت لم تخرج عن قواعد الفن العامة والقواعد العامة الخاصة بفنك .
2- أن لا يكون هناك تكنيكاً موحداً في إبداعك بشكل مقصود فقد تاتي بجديد وقد تتشابه مع بعض المدارس الموجودة ولكن بالطبع مع إختلاف الأيدولوجيا وإستخدام رمزية التكنيك المهم ان يكون ذلك بطبيعية وان تكون في حالة تجريب دائم .
3- يجب أن تكون ملتزماً بكل ما يتناسب مع طبيعة البشر النفسية والعقلية والدينية والأخلاقية وغيرها وإلا أصبحت مغترباً على المستوى الإنساني لا الفني كما يجب أن لا يفرض إلتزامك بأيدولوجيا معينه تكنيكاً موحداً في إبداعك .
4- لا يوجد منطق في الفن الفن هو الذي يصنع منطقه الخاص .
5- لا يعني الإبداع بطبيعية أن لا تكون واعياً بما تبدع ولما تبدع بل يجب أن يسير الوعي واللاوعي في خطين متوازيين لحظة الإبداع .

في النهاية يجب أن أقول ان هذه المدرسة لا ترفض أي شكل إبداعي كما انها لا ترفض أي مدرسة إبداعية لكنها تريد أن يعود الفن حراً كما كان لكي يعود الإنسان حراً كما كان .

( 1 ) : يرى الفيلسوف فؤاد ذكريا أن الإيقاع موجود في كل شيء في الحياة .
( 2 ) : يرلرى الشاعر عبد الرحمن تمام أن الإيقاع موجود حتى في اللوحات والصور الفوتوغرافية وأن ذلك يظهر بوضوح في إيقاع الألوان داخل اللوحة .