السبت، 29 سبتمبر 2012

الجوانية.. عثمان أمين





 د.خالد حربي: مصر
 
الجوانية فلسفة أبدعها فيلسوف مصري عربي معاصر، هو عثمان أمين، ولد عام 1908، وتوفي عام 1978، وما بين الميلاد والوفاة حياة علمية مليئة بالبحث الشغوف، والدرس الدؤوب، والتأليف الماتع، والإبداع الأصيل.
قدم عثمان أمين للفكر العربي المعاصر إنتاجاً فكرياً غزيراً شمل معظم مراحل الفكر الفلسفي المتعارف عليها: اليونانية – الإسلامية (الوسطى)– الحديثة، فضلاً عن مرحلة مبكرة تخرج دائماً من هذا التصنيف الفكري الفلسفي العالمي، وهي مرحلة الحضارة المصرية القديمة، تلك التي أبدع عثمان أمين في بيان فضلها على الحضارات الأخرى.
ومنذ أن تناول عثمان أمين موضوعات تلك المراحل بالدرس، والتأليف، كان يدور في خلده البحث عن فلسفة جديدة، فلسفة توقظ أمة على حد قوله. والسؤال الأول الذي كان يشغله كثيراً ويؤرقه أحياناً هو: ألا توجد فلسفة حياة تجاوز الحدود الضيقة، حدود المذاهب المغلقة التي تدرس في الكتب والجامعات، فيمتد أثرها إلى الشعب وإلى الجماهير؟ وبعبارة أخرى: ألا توجد فلسفة تضع لنا مبادئ عاملة لتربية جدية، فتوقظ الشعور الوطني في أبناء الأمة، وتجعلهم يأبون حياة الضيم والمذلة، ويحققون حياة الحرية والكرامة؟.
وفي سبيل الاهتداء إلى إجابات على هذه التساؤلات، أمتد فكر عثمان أمين عبر تاريخ الفكر الفلسفى، لينتهي قائلاً:
المحاولات الفلسفية التي أقدمها اليوم إلى الجمهور الفلسفي في بلاد الشرق العربي قد تناولت موضوعات مختلفة، ومثلت اتجاهات متنوعة، وامتدت إلى فترات متباعدة. ولكني أستطيع أن أقول إنها جميعاً، على الرغم ما بينها من تفاوت ظاهر، قد ألف بينها إحساس واحد، وإلهام واحد، وغرض واحد: الابتهاج بطلب المعرفة والسعي إلى سبيل الحق، والاتجاه إلى قيم الروح. إنها إذن (الجوانية).
فما الجوانية؟ وما مفهومها؟ يجيب عثمان أمين بأنها عندي (فلسفة) وخير من هذا (طريقة في التفلسف)، ولا أقول إنها (مذهب) لأن المذهب شأنه أن يكون مغلقاً قد رُسمت حدوده مرة واحدة، وحُبست تأملاته في نطاق معين، بل هي تفلسف مفتوح على النفس وعلى الدنيا، متعرض لنفحات السماء في كل لحظة، وطريق مبسوط أمام الوعي ينتظر (السالكين) إلى يوم الدين. 
فالجوانية إذن فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية، بمعنى أن تنظر إلى (المخبر) ولا تقف عند (المظهر)، وأن تلتمس (الباطن) دون أن تقنع (بالظاهر) وأن تبحث عن (الداخل) بعد ملاحظة (الخارج)، وأن تلتفت دائماً إلى (المعنى) وإلى (الكيف) وإلى (القيمة) وإلى (الماهية) وإلى (الروح) من وراء (اللفظ)، و(الكم)، و(المشاهدة) و(العرض) و(العيان).
والطريق إلى ذلك كما يرى عثمان أمين، هو تقديم (الذات) على (الموضوع)، والفكر على الوجود، والإنسان على الأشياء، و(الرؤية) على (المعاينة) والتمييز بين الداخل والخارج، وبين الكيف والكم، وبين بصر العقل وبصر العين. وذلك ما عبر عنه الإمام علي -رضي الله عنه- في قوله (ليست الرؤية كالمعاينة مع الإبصار: فقد تكذّب العيون أهلها، ولا يغش العقل من استنصحه). وقد شرح الإمام محمد عبده هذه العبارة في تعليقه على (نهج البلاغة) فقال: (الرؤية: إعمال العقل في طلب الصواب، وهي أهدى إليه من المعاينة بالبصر: فإن البصر قد يكذّب صاحبه، فيريه العظيم البعيد صغيراً، وقد يريه المستقيم معوجاً كما في الماء. أما العقل فلا يغش من طلب نصيحته وليس العلن قاصراً على شهود المحسوس. 
يتضح من ذلك أن الجوانية عند عثمان أمين هي طريقة روحية تحاول سبر أغوار الباطن، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند الظاهر، وألا تقف عند حدود الكم والمشاهدة والعرض والعيان، بل تنطلق من هذه المعاني الظاهرة إلى المعنى، والكيف، والقيمة والماهية، أو بالأحرى إلى الروح. وهنا يأتي السؤال: ماذا تطلب الجوانية؟.
يجيب عثمان أمين بأن: الجوانية إذ تطلب الحقيقة فيما وراء الواقع لا تزعم لنفسها القدرة أو الرغبة في امتلاكها، لأن الحقيقة متى امتلكناها، أو خيل إلينا أننا امتلكناها، فقدت مشروعيتها في أن تكون حقيقة، أي أن تكون هذه القوة الروحية التي تستحث الإنسان على الابتكار المتجدد الواعي والسعي الموصول إلى ما ينبغي أن يكون. 
على أن الحقيقة إذا تحددت بحدود برانية أصبحت بذلك (واقعة) وجاز لها أن تكون (موقفاً) متجمداً في سلسلة من الواقعات، يحتاج إلى من يدافع عنه وينتصر له. والحقيقة لا تفتقر إلى دفاع من الخارج: إن آيتها وبرهانها كامنان فيها، وإنها (فكرة) تقوم في لب الوجود الواقع، وهي أشبه بأن تكون واقعة مثالية: ومتى لاحت للمرء على هذا النحو استطاع أن يستشف من ثنايا واقعه المثالي هذا، غاية أخرى أو مثلاً أعلى جديداً، يصبح -بدوره- مناطاً لسعي الإنسان الجواني. 
لكن إذا حاول الإنسان السعي نحو هذا المسعى الجواني الذي يدعو إليه عثمان أمين، أفلا يوجد نوع من المعرفة، أو نوع من الأدوات يساعد الإنسان في مسعاه هذا؟
يجيب عثمان أمين بأن: حياتنا الجوانية كالسيمفونية الموسيقية، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يفهم سيمفونية من مجرد الحديث عنها، بل يلزم أن يتعاطف معها، فكذلك لا نستطيع أن نسبر أغوار الحياة الجوانية، مهما استعنا بالأدوات العلمية، إلا بأن نحياها بأنفسنا وأن نتحمل مسؤولية معاناتها: فكما أن أحداً لا يستطيع أن يموت لنا فإن أحداً لا يستطيع أن يحيا أو أن يفكر لنا كما يقول هيدجر، وهذا التعاطف العقلي أو الجهد (الجواني) هو عندنا ضروري لكل بحث قويم ولكل ثقافة عميقة ولكل مسعى صادق، وبدونه يمتنع على الباحث أياً كانت قدرته أن ينفذ إلى الشخصية التي يريد أن يتعرض إليها أو أن يفهم الموضوع الذي يريد أن يعالجه فهماً كاملاً.
فالجوانية فلسفة تستند على تزكية الوعي الإنساني وممارسة الحرية النفسية، وتسعى إلى تعميق فهمنا للمقاصد والمعاني والقيم. وهى بهذا الاعتبار تمارس الوظيفة الفلسفية على الأصالة: التماس اللب والمبدأ والكيف والحق. إنها لا تقيس حياة الإنسان الفكرية والمعاملة بالمقاييس البرانية، مقاييس الكم التي تقاس بها المادة، كما أنها لا تقنع بمناهج التحليل والحساب والإحصاء: إن هذه إن يسّرت لنا أن نقف على الكم والمقدار، فإنها تعوقنا دون ريب على استكناه الفكر وسبر أغوار الكيف. 
وينظر عثمان أمين إلى الفلاسفة الروحيين كهداة حقيقيين للإنسانية، يدعوننا دائماً إلى الاعتقاد بأن للكون إلهاً لا متناهياً، واسع العلم والقدرة والرحمة، وأن العالم لا يتحرك مصادفة واعتباطاً، بل يسير كل شيء فيه إلى أحسن مما كان، ولا يمكن أن تكون خاتمة الدراما الإنسانية إلا استكمال السعادة مع تحقيق السلام. وبهذه النظريات المشرقة المتفائلة يمسح الفلاسفة على جراح نفوسنا، ويهدئون من ثائرة خواطرنا وكأنهم يدعوننا إلى أن نمد البصر إلى السماء ذات النجوم، فهنالك فوق ظلام القهر والشر والمادة تتلألأ معاني الحرية والحق والكمال، وتلك المعاني هي النجوم اللوامع التي تضيء للإنسانية حياتها.
وبالبحث عن الأسس والمبادئ التي قامت عليها الجوانية في كتابات عثمان أمين ، نراه يؤصّل معنى الجوانية في الفكر الإسلامي، وابتدأ بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فالصورة التي يرسمها القرآن والحديث لحياة الإنسان على الأرض صورة دقيقة رائعة، صورة مثالية وواقعية معاً. إنها صورة حياة ملؤها الجهود الموصولة للإصلاح الداخلي، أي: الإصلاح الروحي، والإصلاح الخارجي، أي الإصلاح المادي. وقوامها العمل لتزكية وعي الإنسان لذاته وصلاته بغيره وتحقيق رسالته على الأرض. وإصلاح النفس معناه: إصلاح العقيدة والتغيير الجواني أصعب جداً من التغيير البراني، لأن الأول منصب على تغيير الأخلاق والعقليات، في حين أن الثاني ينصب على تغيير المراسم والأشكال والنظم الخارجية، اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية.
والقرآن الكريم حافل بالآيات البينات المعبرة عن هذا النظر الجواني النافذ إلى جوهر الأشياء والأشخاص، والفرق الدقيق بين وجهين متعارضين في الفهم والسلوك: نراه يتحدث عن المعاني الأساسية في العقيدة الإسلامية، فينبغي على بعض المسلمين الاهتمام ببرانيتهم المتمثلة في وقوفهم في الفهم عند الأعراض الخارجية والمشاهد المحسوسة، ومن ثم ظهورهم بمظاهر الإيمان والبر والتقوى وأداء الفرائض، وينبههم إلى أن هداية الدين القويم لا تتحقق إلا باستشعار معانيه الصحيحة العميقة. فقوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (البقرة:177), وقوله سبحانه: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى (البقرة:263),  يفيد إنكار الفهم البرانى للبر والصدقة، وتأكيد معناها الجواني الأصيل. وقس على ذلك قوله جلّ وعلا: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات:14),  وقوله تبارك وتعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) (الحج:37).
إن آيات القرآن الكريم ظهرت لتخاطب قوم الرسول صلى الله عليه وسلم بلسانهم، وهو لسان عربي مبين، (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر:28). وهذا يقتضي أن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بلسانهم، أي بالأسلوب العربي الذي يفهمونه. وتتركز أساليب المعرفة في صنفين، الأول: وهو الأسلوب الغيبي بمستوياته من الوحي والإلهام، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الأسلوب الجواني. والأسلوب الآخر هو الأسلوب الفعلي بمختلف مستوياته من البصر والنظر والتفكير والعقل، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الأسلوب البراني. 
وقد عبر النبي العربي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى العميق في كثير من أحاديثه، فقال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (صحيح مسلم كتاب اللباس)، فالتقابل هنا واضح صريح بين المظهر والمخبر، وبين العرض والجوهر. وقوله صلى الله عليه وسلم: (كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب)، وقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة إلى أن يدع طعامه وشرابه) (صحيح البخارى كتاب اللباس)، وقوله: (الصوم جنة) إنما يفيد أن الصلاة على حقيقتها خليقة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن الصوم الصحيح هو الإمساك عن إيذاء الناس بالقول أو الفعل.
هذا فضلاً عن الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أشار لفظاً إلى الجوانية، حيث: (روى عن الحارس الهمداني، عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي، ما من عبد إلا وله جواني وبراني، بمعنى سريرة وعلانية، فمن أصلح جوانيه أصلح الله برانيه، ومن أفسد جوانيه أفسد الله برانيه. وما من أحد إلا وله صيت في أهل السماء، فإذا أحسن وضع الله له ذلك في الأرض، وإذا ساء صيته في السماء وضع له ذلك في الأرض).
ووضح أن معنى الكلمتين في الحديث المروي عن الإمام علي، يدل على معنى الباطن والظاهر، والداخل والخارج، والمستتر والمعلن في حياة كل إنسان. 
ومن روائع التمثيل للنظر الجواني قول النبي عليه الصلاة والسلام في استبعاد الفهم البراني لمعنى الحرية الإنسانية، والتنبيه إلى ضرورة تقييدها إذا كان في إطلاقها توقع الإضرار بالغير: (إن قوماً ركبوا في سفينة فاقتسموا، فصار لكل منهم موضع، فنقر أحدهم موضعه بفأسه، فقالوا له: ما تصنع قال: هو مكاني أصنع فيه ما شئت، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا).
ويؤكد عثمان أمين على أن المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية هو في آخر الأمر الإرادة الجازمة التي تقتضى مجاهدة النفس والسيطرة عليها وقمع شهواتها، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى, فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات:40-41). وقال: (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى, وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى,  ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى) (النجم:39-41). وقال جلّ وعلا: (لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام:127). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعاً لما جئت به). 
وتعريف النبي للمجاهد والمهاجر تعريف يشير إلى أهمية العنصر النفسي الجواني في تحقيق المعاني الدينية تحقيقاً صحيحاً، قال صلى الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه) وقال: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه). ولا ريب أن جهاد النفس -وهو جهاد جواني- أصعب من جهاد الغير، ولذلك سماه الرسول (الجهاد الأكبر): لأنه يقتضي عملاً دائباً وجهداً متواصلاً لمغالبة هوى النفس.
والقرآن يعتد أكبر اعتداد بالنية التي صدرت عنها الأفعال، ويلح على الإخلاص المصاحب لإقامة الشعائر، ويرى أن فعل الإنسان إذا ساورته شبهة باعث من بواعث العُجب أو الأنانية أو الرياء تجرد عن الحقيقة وأصبح مظهراً أو زيفاً، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11). وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (الأحزاب:5).
والنبي صلى الله عليه وسلم دائم الذكر والتنبيه على أن القيمة العليا إنما تكون للعنصر الجواني في الأفعال، وهو العنصر المتمثل في الإيمان والصدق، والإخلاص، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..) (صحيح البخارى كتاب النية).
وإن ضمير الإنسان ليشهد عليه وإن يكن موقفه أمام الناس سليماً. أما الرياء وإرضاء الناس فيسميه النبي بالشرك الأصغر.. فالقصد الحقيقي والنية الجوانية هما المحك الصادق للحكم على الأشخاص والأشياء، وهما معيار القيمة في الأقوال والأفعال. قال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) (الحج:37). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وفى ذلك وغيره مـن الكتاب والحديث مصداق لذلك المقياس الروحي الذي يتعارض مـع المقاييس الحسيـة القائمة على الكم والمقدار.
والأخلاق الإسلامية باتخاذها من رقابة الضمير أساساً لها قد جاوزت ملابسات الزمان والمكان، وسمت إلى منزلة أضحت فيها تشريعاً إنسانياً ورحمة شاملة لأولئك الذين فقدوا أساس الهداية، وضيقوا أسباب الوجود، فكانت حياتهم حياة برانية يعيشون على خلاف مع أنفسهم.
ولم يكتف عثمان أمين باستلهام واستشفاف معنى (الجوانية) من القرآن والسنة، بل تراه يبحث عنه، ويفرق بين (الجوانية) و(البرانية) لدى الصحابة والتابعين، والفقهاء، والطوائف الإسلامية، والمفكرين الإسلاميين بصفة عامة. ويمكن الوقوف على مؤيدات ذلك فيما يلي:
شهد شاهد عند عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فقال له عمر: (ائتني بمن يعرفك، فأتاه برجل فأثنى عليه خيراً، فقال له عمر: أأنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: (فكنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا، قال: أظنك رأيته قائماً في المسجد يهمهم بالقرآن، يخفض رأسه طوراً، ويرفعه آخر. قال: نعم، قال عمر: (اذهب فلست تعرفه، ثم قال للشاهد: اذهب فأتني بمن يعرفك).
ومغزى هذه الواقعة جلي لا خفاء فيه: أن هناك فرقاً كبيراً بين البراني والجواني لأن حركات النفس شيء غير حركات الجوارح، فالوقوف في المعرفة عند ملاحظة الظاهر مرادف للجهل ومؤد إلى الخطأ في كثير من الأحيان.
وصور أخرى للبرانية المتمثلة في التصرفات الآلية والتقييد بالحرفية: مرض صديق لحامد بن العباس، فبعث ابنه إليه يعوده وأوصاه: يا بني إذا دخلت فاجلس في أرفع المواضع، وقل للمريض: ما تشكو؟. فإذا قال كذا وكذا، فقل له سليم إن شاء الله، ثم سله: من يعودك من الأطباء؟ فإذا قال: فلان، فقل ميمون، ثم سله: ما غذاؤك؟ فإذا قال: كذا وكذا، فقل: طعام محمود. فذهب، ولما دخل على العليل رأى بين يديه منارة، فجلس عليها لارتفاعها، فوقعت على صدر العليل، فأوجعته، ثم قال للمريض: ما تشكو؟ فقال: أشكو علة الموت، فقال: سليم إن شاء الله، ثم سأله: ومن يجيئك من الأطباء؟ قال: ملك الموت. فقال: مبارك ميمون، فما غذاؤك؟ قال: سم الموت، قال طعام طيب محمود.
واضح أن مثل هذه الصورة (برانية صارخة) تأتي من تمسك صاحبها بالحرفية، وعدم الخروج عن النص، مهما تراءى له من تغير في الموقف، وتلك صورة برانية تشير وتؤكد إلى أن نقيضها لابد وأن يكون (جوانية).
ويبين إمام التابعين الحسن البصري أن حقيقة الإيمان (جوانية)، ولا يصيبها المرء حتى يفتش وينقي ما بداخله، فلا يعيب الناس بعيب هو فيه، (فيا بن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتصلحه، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيباً إلا وجدت عيباً آخر لم تصلحه، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك).
ويظهر معنى (الجوانية) كثيراً في نصائح البصري، وخاصة المتعلقة منها بالقلوب والأنفس، ومنها قوله: حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة، وإنها تنازع إلى شر غاية، وإنكم إن لم تقاربوها لم تبق من أعمالكم شيئاً فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت، فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم، وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته. وقال: إن النفس أمارة بالسوء، فإن عصتك في الطاعة فاعصها أنت في المعصية.
ويروى عن الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه- أنه كان يوماً في حلقة الدرس بين تلاميذه، وكان من عادته أن يجلس بينهم جلسة (مريحة) باسطاً رجليه، لأنه لم يكن يستطيع أن يثنيهما من مرض أو من إعياء، فدخل عليه في درسه ذات يوم رجل مهيب الطلعة، أبيض اللحية، كبير القامة، فضم أبو حنيفة رجليه حين وقع بصره عليه، وواصل درسه لتلاميذه -وكان الدرس في موعد صلاة الصبح. فما كان من الشيخ الوقور إلا أن قاطع أبا حنيفة سائلاً: (ولكن ما العمل إذا طلعت الشمس قبل الفجر) ؟. فكان جواب أبي حنيفة جواباً جوانياً حاسماً، إذ قال: (العمل أن أبا حنيفة يبسط رجليه ويحمد الله)! ودلالة هذا الجواب واضحة: فإن أبا حنيفة حين عرف حقيقة الرجل، أي حين اطلع على جوانيه من سؤاله، لم يخدع ببرانيه، فأعفى نفسه من احترامه.
إن مثل هذه الصورة إنما توضح بجلاء أن الجوانية تبرز عدم الانخداع بالمظهر الخارجي، وأن الحكم على الإنسان لابد وأن ينبع من محاولة التعرف عما يدور بداخله أو كما قال عمر بن الخطاب: تكلم حتى أعرفك.
ويذهب عثمان أمين إلى أن الفرق بين ما أسماه (البراني) و(الجواني) قد جلاه الغزالي من قبل بتحليل نفسي دقيق وبيان فلسفي عميق يندر أن تجد في أي أدب من آداب العالم قديمة وحديثة ما يقاربه في اللطافة والدقة والغزارة. نراه في (معارج القدس) يشير إلى شدة الاختلاف بين مقاييس الأبدي ومقاييس الزماني، أو بُعد الهوة بين المعرفة المكانية البرانية وبين المعرفة الكشفية الجوانية، فيقول: (وكيف يقاس الدوام الأبدي بدوام المتغير الفاسد؟ وكذلك شدة الوصول: فكيف يكون ما وصوله بملاقاة السطوح والأجسام بالقياس إلى ما وصوله بالسريان في جوهر الشيء، كأنه هو بلا انفصال، إذا العقل والمعقول واحد وقريب من الواحد). ونراه كذلك في (مشكاه الأنوار) يوازن بين عين البصر وعين الروح، فيقول بأن البصر لا يدرك ذاته، ولكن الروح مدركة لذاتها. والبصر لا يرى البعيد كما يرى القريب أو لا يرى من وراء حجاب، في حين أن الروح تكشف حقائق الأشياء وترفع عنها الحجاب، والبصر إنما يدرك في الأشياء ما ظهر منها والروح تدرك كنهها وحقيقتها، والبصر لا يرى إلا جزءاً يسيراً من الوجود، في حين أن الروح هي الوجود بأسره.
والقلب موضع نظر رب العالمين، فيا عجباً لمن يهتم بالوجه الذي هو منظر الخلق، فيغسله وينظفه من الأقذار والأدناس، ويزينه بما أمكنه، لئلا يطلع عليه مخلوق على عيب، ولا يهتم بالقلب الذي هو محل نظر رب العالمين، فيطيبه ويزينه كيلا يطلع الرب جلّ ذكره على دنس وشين وآفة وعيب، بل يهمله بفضائح وأقذار وقبائح، لو اطلع الخلق على واحد منها لهجروه، وتبرؤوا منه وطردوه.
والتقوى صفة القلب، فيجب أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من حركات الجوارح، وأن تكون النية من جملتها أفضل لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته له. والغرض من الأعمال بالجوارح أن يعوّد القلب إرادة الخير ويتأكد فيه الميل إليه ليفرغ من شهواته الدنيا ويكب على الذكر والفكر، فالمطلوب من الطاعات كلها هو تغيير القلوب، فلا تظن أن في وضع الجبهة على الأرض غرضاً من حيث إنه جمع بين الجبهة والأرض، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب، فإن من يجد في نفسه تواضعاً واستكان بأعضائه وصورها بصورة التواضع، تأكد تواضعه، ومن وجد في قلبه رقة على يتيم فإذا مسح رأسه وقبله، تأكدت الرقة في قلبه، ولهذا لم يكن العمل بغير نية مفيد أصلاً، لأن من يمسح رأس يتيم وهو غافل بقلبه، لم ينتشر من أعضائه أثر إلى قلبه لتأكيد الرقة. وكذلك من يسجد غافلاً وهو مشغول الهم بأعراض الدنيا، لم ينشر من جبهته ووضعها على الأرض أثر إلى قلبه يتأكد به التواضع، فكان وجود ذلك كعدمه، وما ساوى وجوده عدمه بالإضافة إلى الغرض المطلوب منه يسمى باطلاً، فيقال العبادة بغير نية باطلة.
رأى عثمان أمين مع الغزالي: أن القلب ملك مطاع ورئيس متبع والأعضاء كلها له تبع، فإذا صلح المتبوع، صلح التابع، وإذا استقام الملك، استقامت الرعية، بيّن ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب) خزانة كل جوهر لعقد نفيس، وكل معنى خطير، أولها العقل، وأجلها معرفة رب العالمين، ثم النية الصالحة في الطاعات، ثم أنواع العلوم والحكم التي هي شرف العبد، وسائر الأخلاق الشريفة والخصال التي بها تفاضل الرجال.
وكذلك تبصرة الإنسان بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة تخف عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف نفسه فله أربع طرق عند الغزالي: الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته، وهذا شأن المريد مع شيخه والتلميذ مع أستاذه، فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه وطريق علاجها. الثانية: أن يطلب صديقاً بصيراً متديناً فينصبه رقيباً على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله، فما كره من أخلاقه وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه عليها، فكهذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين، فكان عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي، وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فلما قدم عليه قال: ما الذي بلغك عني مما تكرهه، فاستعفى، فألح عليه، فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة، وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل، قال وهل بلغك غير هذا؟ قال لا، فقال: أما هذان فقد كفيتهما. وكان يسأل حذيفة قائلاً له: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المنافقين، فهل ترى علىّ شيئاً من آثار النفاق، فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه. الطريق الثالثة: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدئ، ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفي عنه عيوبه، إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقوله على الحسد، ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه، فإن مساوئه لابد وأن تنتشر على ألسنتهم. الطريق الرابعة: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذموماً فيها بين الخلق، فليطالب نفسه به وينسبه إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أن الطبائع متقاربة في اتباع الهوى، فما يتصف به واحد من الأقران، لا ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه من غيره.
وهذه الطرق الأربع إن تأملها الإنسان بعين الاعتبار، انفتحت بصيرته، وانكشفت له علل القلوب وأمراضها وأدويتها بنور العلم واليقين (الجواني). 
وكأن بعثمان أمين يجد في الغزالي ضالته فيما يحاول الكشف عنه من الفرق بين (البراني) و(الجواني) وشتان بين مقاييس هذا، وذاك، وما أوسع الهوة التي تفصل بين المعرفة البرانية التي تتعلق وترتبط بالمكان، وبين المعرفة الكشفية الجوانية، تلك التي ليس لها محل إلا القلب.
يتضح من كل ما سبق أن جوانية عثمان أمين فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية، فتلتمس (الباطن) دون أن تقنع (بالظاهر)، وتبحث عن (الداخل) بعد ملاحظة (الخارج). والطريق إلى ذلك هي تقديم (الذات) على (الموضوع) والفكر على الوجود، والإنسان على الأشياء، والرؤية على المعاينة. وعليه فإن الجوانية تطلب الحقيقة فيما وراء الواقع بقوة روحية تستحث الإنسان على الابتكار المتجدد الواعي والسعي الموصول إلى ما ينبغي أن يكون، مستندة على تزكية الوعي الإنساني، وساعية إلى تعميق فهمنا للمقاصد والمعاني والقيم، وتضع لنا مبادئ عاملة لتربية جدية، فتوقظ الشعور الوطني في أبناء الأمة.

  منقول من موقع المجلة العربية

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

مختارات ... محمد الماغوط


عكازك الذي تتكئ عليه‏
يوجع الإسفلت‏
فـ«الآن في الساعة الثالثة من هذا القرن‏
لم يعد ثمة مايفصل جثث الموتى‏
عن أحذية المارة»
*****
ياعتبتي السمراء المشوهة،
لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي
ماتوا على مداخل القرى
وأصابعهم مفروشة
كالشوك في الريح
لكني سأعود ذات ليلة
ومن غلاصيمي
يفور دم النرجس والياسمين..
*****
مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه
*****
نحن الجائعون أمام حقولنا..
المرتبكين أمام أطفالنا...
المطأطئين أمام اعلامنا..
الوافدين أمام سفاارتنا..
نحن.......الذي لا وزن لهم إلا في الطائرات
نحن وبر السجادة البشرية التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقه ...
ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج ؟
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،
أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،
************
إن تسكنَ وجهكَ موجةٌ
لا تعترف بذنوبها.
أن تدخلَ ثوبَ التشرد،
فيكون تيفالاً لسهرةٍ لكَ في أعالي
البوستر.
أن تستمعَ للوردّ ناطقاً رسمياً
باسم الحرائقِ.
أن تحتسيّ حياتكَ كأساً مع العواصم
والمقاماتِ والقرابين.
أن تجتهدَ
فتصبح حرفاً يمشي
بقوائم المثنى الثلاث الرباع
لتوبيخ التاريخ.
فذاك ما يفسد الأصواتَ في الأجراس.
**
[[ما يؤنسكَ حقاً.. إشاراتُ المرور. فكن على درّاجتك. هناك في الأبد.]]
******************
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،
أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،
***************
منقول من موقع أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي

الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني يغوصُ في أعماق النفس الإنسانية بمشاعر وأحاسيس صادقة


image


 المغرب : نجوى الحساني التائب 
الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني،من التجارب التشكيلية المُتميزة في التشكيل المغربي المُعاصر، والذي تبنى خطاباً بصرياً قوامه لُغة جمالية مُغايرة،باختياره لأسلوب متجدد منذ تواجده على الساحة التشكيلية، أثار به ردود فعل تحمل مشاعر الدهشة وتتوج بالإعجاب في فترة كان فيها الفن التشكيلي المغربي يمُر بمراحل التشكل والتبلور وإثبات الذات، كان العمراني يُعبر فيها عن الواقع بأسلوبه المُغاير وبلغة تقرب العلاقة بين عين المتلقي وبين المضمون، وكان يتكئ على أرضية صلبة أكاديمية جعلته يحدد الرؤيا لصنع ذلك الواقع الإبداعي بجمعه سبل التلاحم من خلال حالات التأمل والتحريض على تنشيط الذاكرة وتشكيل الحُلم الأزلي، بما يحمله من أمل مازال يراودنا كلما اصطدمنا بالواقع الصعب الحالي في الحياة. وإبداعاته تنبعُ من واقعنا الكبير مؤكداً فيها انتماءه الصادق ببيئته الأندلسية المغربية وعشقه لبنت غرناطة تطوان. والمرأة حاضرة بقوة في أعماله،لأنها تعطي قيمة عالية للحياة. كما جسد حركة 20 فبراير بمصداقية ومسؤولية،وبتقنية هلامية وضبابية، ويرى الفنان في كل إبداعاته نفسه كإنسان يعيش على هذه الأرض، له حساسية مرهقة وسريع التأثر بالواقع المُر.
 
فطغيان اللونين البُني والأزرق السماوي، يرجع على أن الفنان العمراني تعايش مع الموروث الأندلسي والصناعة التقليدية لتطوان، وبحث في طريقة صباغة الصناع التقليديون واختيارهم للألوان،التي يصبغون بها الخشب والمخطوطات والزجاج، باستعمالهم المواد الطبيعية كالرمان والزعفران ومواد أخرى....ساهم الفنان العمراني في الحركة التشكيلية المغربية في الخمسينات من القرن الماضي، ضمن أسماء تشكيلية مغربية أعطت ومازالت تعطي وتُمارس إبداعها لتحقيق الهدف الأهم والأسمى، هدف رقعة الفن التشكيلي المغربي،والأخذ به نحو المٌنافسة والتواجد العالمي إضافة إلى تأكيده محلياً والارتقاء بذائقته وتقريب مفاهيمه وأبعاده لمن يستحق أن يشاهده ويتفاعل معه،ومثلما يُعانق العاشق معشوقته الأبدية،عانق العمراني، لوحاته وفنه الذي كان ينبضُ بكل ما يحسه،عاش لأجل الرسم والفن التشكيلي بالذات لكي يجسد من خلال إبداعاته الرائعة، التي تشد مشاعر مشاهديها اهتم بمعاناة الإنسان وصراعه مع الحياة. رسم أجساد ووجوه هلامية بألوان باردة يطغى عليها لون التراب ولون السماء، الأرض والسماء. لقد وجد العمراني في الحداثة التعبيرية ملاذاً أمناً لمزاولة الرسم ومرتعاً خصباً لتفريغ شحناته الانفعالية على سطح اللوحة، وطريقاً مفتوحاً للبوح البصري المفتون بالتعبيرية التجريدية، ممعناً في تبيان البساطة الوصفية، لأكثر من نصف القرن،
 
والعمراني أحد رواد الفن التشكيلي المغربي، المؤثرين في الساحة التشكيلية العربية والعالمية،وأصحاب الرسالة الفنية السامية والراقية، وهو أستاذ وفنان مُميز مرموق، يقدم تجاربه إلى أعين الأجيال الجديدة بمستوى مُتألق ومُعاصر، وساهم في مسيرة الفن التشكيلي المغربي، تأسيساً ونتاج تجربة شخصية حقق بها أسلوباً جعله في مصاف الفنانين الرواد الكبار، واعتبار أن هذا الفن أو الّإبداع لا يزال يسكُن وجدانه، فمنذ أن أخذ في التعامل مع اللوحة وهو يضع في اعتباره المنطلقات الحقيقية التي يبني كل فنان صادق ملامح طريقه وتحديد مسار هدفه اعتماداً على مرجعيات عديدة منها الواقع البيئي والاجتماعي والثقافي، إضافة إلى امتلاكه للقدرة على إدراك ما وراء كل خطوة ينتقل من خلالها إلى محطة أكثر مُعاصرة، وتوازياُ مع ما يحدث في الفنون التشكيلية العالمية.يتمتعُ بحس راق في تعامله مع محيطه الإنساني، ومع ّإبداعه التشكيلي، يحمل في وجدانه إحساساً صادقاً حاملاً هماً ذاتياً وكونياً في آن واحد،درس ومارس فن الرسم منذ وقت مبكر " منتصف خمسينات القرن الماضي" ويصنف من رواد الفن التشكيلي المغربي ، وأحد رموزه، وهو من مؤسسي معرض الربيع،الذي داع صيته محلياً ووطنياً ودولياً،كما ساهم في مشروع " رأس الحنوت " وللعمراني مساهمات كثيرة على الساحة التشكيلية الدولية، وهو منذ سنة 1957 يعرض أعماله الفنية داخل الوطن وخارجه. وتوجد أعماله بإسبانيا،الشيلي، فرنسا،السودان، البرازيل،بلجيكا، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.والشكل الإنساني عند العمراني هو السمة الطاغية في مجمل إبداعاته الرائعة، وشخوصه هم من عايشهم وحمل سمات بعضهم، واهتم بمعاناة الإنسان وصراعه من أجل التغيير والحرية والاستقرار، ومن عامة الناس،حتى حين تشتط فرشاته وتغور بعيداً في الرسم التجريدي الحُر وبراعته في تقديم تفاصيل جديدة فنية، لكن حنينه يغلب دائماً لرسم حركات البشر وسكناتهم،إيماءاتهم الشاردة وهواجس الخوف في نُفوسهم،وكأنه ممثل يتعقب حركات الآخرين ويدونها بخطوط واضحة وغير منضبطة بسيل لوني منقاد نحو تخوم هلامية لسبر عالم البشر الخفي والمُستعصي الولوج بداخله. ومن هنا تكمن فرادته ليس على صعيد الرسم المغربي، بل على صعيد التشكيل العربي وجرأته كونه فناناً يغوصُ في أعماق السؤال الإنساني، ويفرد له اهتماماً خاصاً دون الوقوع في التزويق الشكلي، كأنه يعيشُ الهاجس اليومي بكل تجلياته، رغم أنه فناناً صامتاً وبعيداً عن الأضواء.لكنه يفضل الكلمة لإبداعاته الفنية المتكاملة في منظومة قوامها معالجة سطوح وانسجام في عائلة اللون والضوء والظل، محاطة بمصدرها النفسي ليطلق فيها العنان لأحاسيسه وانفعالاته وعواطفه، فالفنان العمراني، يتعامل مع مراحل متصلة ومتواصلة، لا يمكن أن يكتمل العمل في حال توقف إحداها ابتداءً من المؤثر الخارجي أي كان نوعه مروراً بالفكرة وصولاً إلى الأدوات مع ما يتبع الأداء من انفعالات التنفيذ ومواجهة اللوحة لما لتلك الانفعالات من أثر وتحكم بشكل مباشر في إنتاج العمل الفني الرائع الصادق الإحساس، وإنهائه الشكل الذي يؤهله لإمضاء الفنان التشكيلي المميز أحمد العمراني ومن ثم عرضه.
 
 
منقول من موقع النرد

"رؤى متعددة " في " تداعيات في المطلق " لـ محمد علي سلامة : سمير محسن


image سمير محسن

القارئ لهذه المجموعة النثرية التي احتوتها كتابات محمد علي سلامه ؛ يجد نفسه في حيرة نظراً للطريقة التي عالجت كتابة النص, حيث الاختلاف الملحوظ في تركيب الجملة والشكل الفجائي المتكرر في بداية الفقرات إضافة إلى الصور اللا نهائية التي تزدحم بها جميع المقاطع تقريباً وهذا ما تحقق في (الإهداء ص5) حيث يقول "إلى النمل والفقاعات في العدم – إلى لا شيء في تخصصي – إلى الفشل العظيم – إلى الإهداء ذاته – إلى كل الخونة .. تحياتي " ونجده كذلك في (ليست بداية ص10) يقول"هي أحداث - - لم تعد أحدثاً وفقط – عليك لا المخاوف- - قاتل بشراسة – لن يحدث  شيء – الفكرة أن تحدث تماماً – الفكرة أن تجد ما يأخذك للبعيد" هذا البعد في المسافة بين خيال الكاتب واتضاح الرؤيا ؛ تظهر أشياء لم تكن مدركة من قبل , فيشتعل الفكر ويقدح العقل زناده لمعرفة هذه النتوءات الجديدة حيث يقول في ( مسقط في الحارة) " هنا - - ما بين النهاية والبداية مسافة في نقطة ضوء حدث للسقوط – أحد الذين ماتوا منذ القدم كان أنا –بلا مفارنة أقف في موقف ثبات لأعيد الرؤى"الخ.
محمد علي سلامة  
وفي رؤيا أخرى تمرد محمد علي سلامه على شكل الجملة ففتتها إلى أجزاء تتماشى مع تفتته النفسي المستمر , وهذا ما اتضح في ( المقطع رقم 12 ص22) حيث يقول " حائط ثانٍ أناس تجريديون" وفي ( المقطع 13) يقول "لا أحد يصالحه شكله – العالم غير مكتمل – كما أنا ص23" وفي (المقطع 14 ص 23) يقول" كلنا جميعاً – إلا أنا  وحدي – بين صراع قابل للمغادرة – قصة منضبطة تماماً في العقل ", وقد كثرت مثل هذه العبارات الفجائية في هذه المجموعة من "تداعيات في المطلق" منذ البداية بما فيه الكفاية لإحداث الربكة لدي المتلقي لما تتمتع به من تأثير على نفسيته أولاً ثم بسبب هذا النوع من الكتابة ثانية- حيث المقاطع غير المألوفة والرؤيا الأحادية للعالم والتي توحي بأنها رؤية شاملة لكون مفتت ونفس متماسكة متهرئة – الضدان في نفس الآن , فقد استطاع محمد علي سلامه أن يجد له مساحة للاختلاف والدهشة – وليعترض فهو ماض فيما هو فيه حيث إن الأشياء بداخله ليست نفس الأشياء التي يحتضنها الكون حولنا , وأن الخيال الذي يتصوره البعض في القصائد الشعرية ليس نفس الخيال الذي جاء به كاتبنا , حيث إن الكلمة هي نفسها الصورة وتحتل مكان الجملة في مناطق كثيرة ,أو هو اعتاد تفتيتها لإعادة صياغتها من جديد على أطر ونظريات لا توجد إلا في قاموسه الشخصي أو الذاتي ويتضح ذلك في "كامل اختلاط المعالم بالأمر – أنا عند صديقي دائماً – لا أفكر في مثل هذه الأشياء ص25´وكذلك في " عرفتك – هو لا أنت – والعدالة ترسو – الخوف مراراً من الوجود تدافع الرايتين – النهاية بين قدرة وانتهاء ص25"وكذلك في " يا أبي ادفعني بصمت من عذاب مؤجل – متى ؟ - حين ودعت شهية النور ص25" وغيرها الكثير – فكم هو جميل هذا اللون من التجريب الناجح والفلسفة الجديدة في الكتابة الأدبية , فقد خرجت هذه الكلمات عن مواقعها شامخة محلقة بمفردها من جديد هذه المجهولة أو المتعمد تنكيرها كي تزداد قوة واتساعاً في الأفق وفي ميزانها الداخلي , فوقفت حائلاً بين الشك واليقين – حيث يعمد إلى إحلال أو تبديل أماكن الأفعال والمبتدأ والخبر – وتقديم المفعول به على الفاعل – بشكل يحدث الربكة لدي القارئ وخاصة الأكاديمي -, ولكن للإبداع والفنون شئون, وكما قيل الفنون جنون.

ويتجلى قمة هذا الجنون في "بعد عدة شهور – سوف أعرف النتيجة الكاملة  - سوف أؤكد على أهمية أحداثي المرعبة – إنني في النهاية – النهاية كلها – أقصد النهاية – النهاية فقط أيها الحمقى. ص24" كم هو ممتع هذا الإصرار على تلك النهاية الفريدة من نوعها التي تكررت أربعة مرات دون ملل ,وعلى العكس تكاد تشعر بمتعة شديدة لهذا التكرار ,إنها الحالة النفسية والدراما العالية والصياغة المختلفة لحد الجنون – جنون الاستمتاع, فكم كان هذا المقطع معبراً محلقاً ومليئاً بالصور , سريعاً في نقل حالة الكاتب للمتلقي بشكل لا يستطيع أحد أن يصوغه إلا محمد علي سلامة ,وقد كثرت مثل هذه الفقرات في مقاطع عديدة حيث يقول" أبناء قريتنا الأعزاء – الآن سأقولها بصدق – وأترك لكم موروث شاعر قد سجن بفعل آبائكم – إني راحل - - سأحاول دفنكم جميعاً – كي ما أبحث عني ص27"وفي ص29 يقول" ليعلم العالم - - إن كان هناك شخص اسمه أنا؟ ليعلموا جميعاً القصة الكاملة - - أنا بين الارتقاء - - النزول – معاد مرات منذ ما قبل نيتشه حتى الآن والنهايات القادمة " وكذلك في ص30 يقول" قدري صنعته – بين دموع وعذابات – بين اختلاف وعدم اختلاف – بين شجار وهدوء – لكني لا أفهم هذا الأمر مع فهمي الكامل " أي متعة هذه التي يحدثها هذا الكاتب في هذه النثريات التي خرجت عن المألوف من النثر , وصُيغت بلون الكاتب بكل هذا الطنين والأنين – وعشق للكلمة والاختلاف في امتطاء صهوة الخيال المجرد عن المعهود من الصور المركبة التي ترهق ما يكتب إضافة للمضاف والمضاف إليه والأفعال المصطنعة , هذا التجريد الذي وصم هذه الكتابات ؛ أطلقها بمقذوف لم تصنعه الأيدي بعد وسوف يعرف البشر لاحقاً بعد إمعان النظر فيما أبدعه هذا الكاتب محمد علي سلامه ,الذي اختصر المسافات وأوسع الفجوة بين المخلوقات وأرجح العقل لإعادة تكوينه من جديد ويتجلى ذلك في"كتبت الموت على دفاتر منثورة – خرجت = قلت – أنتم – ما أنا سوى مناضل في جماد الواقع – الأرض والمحتل – سيداتي – لا خوف – لا شيء يشبه اندثار أقنعة المساء المترامي ص326" علماً بأنه استخدم كلمة فقط كثيراً جداً وهي من الممجوج في الأدب إلا أنها كانت لازمة لدية " فقط - - الحضور – الواجب – التحدي – التخبط - الثورة العارمة  ص308" وعلى العموم ,فنحن أمام تجربة فريدة من نوعها – أخرجت كتابة النثر من موقعه المعترف به إلى موقع مختلف تماماً يحتاج إلى إعادة بناء واعتراف  جديد- لمولود سليم قوي ينذر بالكثير في المستقبل. 
    
 
سمير محسن ــ شاعر وناقد مصري من مدينة  العريش.

تداعيات في المطلق الصادر عن مؤسسة النرد للثقافة والفنون 2011ـــ 2012

منقول من موقع النرد

الأحد، 16 سبتمبر 2012

صبرا وشاتيلا ... محمود درويش


                                   كم مرة ً ستسافرون
                                  وإلى متى ستسافرون
                                      و لأي حلم؟
                                  وإذا رجعتم ذات يوم                                 

                                  فلأي منفىً ترجعون

مجزرة صبرا وشاتيلا






لوحة "صبرا وشاتيلا" بمتحف تايت اللندني

 
ضم متحف "تايت موديرن" الشهير في لندن لوحة "صبرا وشاتيلا" للفنان العراقي ضياء العزاوي إلى مجموعته الدائمة، وستعرض اللوحة مع مجموعة من أعمال كبار الفنانين العالميين أمثال بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وجورج براك وخوان ميرو وغيرهم.
كما سيستقبل المتحف في العاشر من الشهر الحالي الفنان العراقي لإجراء حوار معه سيتركز دون شك على لوحته التي استوحاها من المجزرة التي وقعت عام ١٩٨٢ وذهب ضحيتها مئات الفلسطينيين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا ببيروت.
واللوحة المذكورة متعددة المصاريع وبحجم 7.5 أمتار طولا و3 أمتار عرضا، وقد أنجزها الفنان العراقي بالحبر الصيني على ورق ملصق على قطعة قماش في اليوم التالي من وقوع المجزرة كصرخة غضب على هذا الحدث المروع.
وعن ظروف إنجاز هذا العمل، يقول العزاوي "لم يكن بين يدي آنذاك سوى لفافة كبيرة من الورق. ومن دون تحضير أو تخطيط مسبق، قفزت فكرة اللوحة إلى رأسي. وقد حاولت فيها استعادة تجربتي الخاصة داخل هذا المخيم في بداية السبعينيات، بغرفه الصغيرة وأزقّته الضيقة".
ويجسّد هذا العمل المجزرة المروعة من خلال سلسلة مشاهد مقطعة جمعت لخلق سردية تشهد على عنف الحرب ودمويتها. ويطغى على فضاء اللوحة صراخ صامت وأياد ممدودة بيأس وأشلاء بشرية مرسومة بخطوط سوداء قاتمة ملطخة في بعض الأماكن باللون الأحمر الذي يرمز إلى الدم المستباح.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه اللوحة -التي تذكّرنا في طريقة تشكيلها بلوحة بيكاسو "غرنيكا"- لم تعرض سوى مرة واحدة في العالم العربي عام ١٩٨٣ في الكويت، ثم عام ٢٠٠٣ في مدينة إكس أن بروفانس الفرنسية ضمن تظاهرة لتكريم الشاعر الفلسطيني محمود درويش وبحضوره.
ولا تعد "صبرا وشاتيلا" العمل الوحيد حول موضوع الحرب للعزاوي، الذي يعد أحد أكثر فناني جيله التزاما بكشف مآسي أمتنا العربية الناتجة عن الاضطرابات السياسية. فمنذ بداية السبعينيات، استكشف معاناة الفلسطينيين بلوحات مختلفة، كلوحة "شهادة على عصرنا" (١٩٧٢) التي استوحاها من أحداث "أيلول الأسود" في الأردن، وسلسلة اللوحات والرسوم التي أنجزها عام ١٩٧٦ حول معارك مخيم تل الزعتر في بيروت.
أما لوحة "روح مجروحة.. نبع ألم" (٢٠١٠) ولوحة "مرثية لمدينتي المحاصرة" (٢٠١١) فاستوحاهما من حرب العراق الأخيرة. ويعد العزاوي المولود عام 1939 بالعراق من أبرز التشكيليين العرب المعاصرين، هاجر منذ منتصف السبعينيات إلى أوروبا حيث يقيم حاليا، وشارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية.

السبت، 15 سبتمبر 2012

يقدم رسائل واضحة لكل الطبقات ... الجرافيتي "فن الغضب والشوارع" ... هيثم عبد الشافي




القاهرة - هيثم عبد الشافي:
1/1









بين زحام شوارع القاهرة وصمت وجوه المارة وصوت الشيخ “سيد درويش” الذي استحوذ على ذاكرة هاتف “فرعون”، يقسم الأخير الأدوار بحرفية شديدة في انتظار مولود جديد ينتمي إلى فصيل اللون والحرف، ينسب في الأخير إلى كيان الثورة المصرية “أباً وأماً” .


“فرعون” رفض ذكر اسمه كاملاً أو أن ننشر له صورة تكشف ملامح وجهه كاملة واكتفى باسمه المستعار لأنه يعشقه على حد تعبيره، هذا على المستوى الشخصي، أما في سياق العمل الجماعي ورسم جداريات “الجرافيتي” فيرى أن استخدام اسم مستعار لكل فرد في المجموعة يحتوي على شيء من إنكار الذات لا أكثر ولا أقل، وليس خوفاً من مطاردات الجهات الأمنية كما يزعم البعض .


فرّق “فرعون” في بداية حديثه بين مصطلح “الجرفيتي” و”الجرافيتي” . . فالأول الذي يعني الجاذبية يختلف تماماً عن فن “الجرافيتي”، وهو في الأصل يعني الخدش وتستخدم فيه الأحرف أو الرسوم وينفذ عادة في الأماكن العامة بغرض الاحتجاج الشعبي، ويعد بديلاً فعالاً يغني عن الهتافات والمسيرات الثورية .


يواصل “فرعون” حديثه وبيده آلة الطلاء لتحضير الجدار للعمل، وتسليم الحائط نظيفاً لأصابع “بيبو” متخصص الرسم أو ال”فري هاند” في الوقت المحدد .


كل شيء هنا مرتب ومتفق عليه قبل يوم أو اثنين من الآن على الأقل، ووفقاً لكل جديد يطرأ على مسار الثورة، هذا كله بعيداً عن الهواتف المحمولة بسبب المراقبة الشديدة عليها، فقط يستخدمون وسيلة التواصل العبقرية موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عبر صفحة سرية لا يعلمها أحد خارج أفراد المجموعة، أكد ذلك “فرعون” بعد انتهائه من تنظيف جزء يسمح له في وقت الراحة بتناول كوب من الشاي وتناثر بعض الجمل المتقطعة عن أصل فن الجرافيتي وبداية ظهوره في الشارع المصري داخل محطات مترو القاهرة، حيث انتشرت أكثر من جدارية شهيرة بين محطتي “جامعة القاهرة والجيزة” في الفترة من العام 2005 إلى 2006 .


وكانت المدارس الحكومية هي المحطة الثانية للجرافيتي وانتشاره بين طلاب “الابتدائي  الإعدادي  الثانوي” عن طريق الكتابة والرسم على أسوار هذه المدارس، فتندرج مثلاً جملة “مدرستي جميلة نظيفة” مع رسم سريع لتمرين رياضي تحت مصطلح “الجرافيتي” أو التعبير السريع وتوصيل الرسائل اليومية للطلاب .


أما عن النشأة الأولى وموطن فن “الجرافيتي” وفقاً لقراءات “فرعون” فكانت حقيقته هناك لدى إنسان الغابة أو الإنسان الحجري، عن طريق تسجيل يومياته والأحداث الفارقة في حياته ومجتمعه البدائي “كالصيد، والموت، ولحظة الميلاد . . الخ”، إلى أن انتقل إلى الفراعنة “القدماء المصريين” وانتشاره على جدران المعابد والمقابر لتسجيل كل كبيرة وصغيرة في حياة الأسر الفرعونية، إضافة إلى إنجازاتهم وحروبهم .


رسائل سريعة


في هذه اللحظة ينتهي “فرعون” من تنظيف الجدار ليأتي بيبو “19 عاماً” وهو متخصص في الرسم على الجدار مباشرة أو ال”فري هاند” الذي يستغرق 7 ساعات للجدارية الواحدة، مؤكداً أن التمويل المادي لإنجاز جداريات “الجرافيتي” يأتي ذاتياً من داخل المجموعة .


أشار “بيبو” إلى نوع آخر من الجرافيتي، وهو تقنية الصباغة التفريغية أو “الاستنسيل” غالباً يستخدم فيه بخاخ البوية لرش الوجه المفرغ، وأيضاً يمكن استخدامه للتوقيع، وهناك قلم البوية الذي يستخدم للتوقيع لكن لا يمكن استخدامه في الرسم .


أظهر “بيبو” أغطية مختلفة خاصة للتحكم في مساحة الرش وشكل البقعة عندما تستخدم لكتابة عبارات معينة .


رسام ال”فري هاند” نفى تماماً أي علاقة بين الفن التشكيلي وفن الجرافيتي، الذي وصفه بالفن الشعبي أو فن الشارع، موضحاً الفارق الأهم بينهما، وهو الرسائل الواضحة المباشرة التي يرسلها الجرافيتي إلى جميع الطبقات ولا يقتصر على شريحة بعينها على عكس الفن التشكيلي وصعوبة قراءته إلا من متخصصين أو فنانين تشكيليين .


أما “أحمد” (16 عاماً) فهو قادم جديد إلى شارع “محمد محمود” يطلب من المجموعة التدريب لأنه يجيد رسم الاسكتشات، ويبرر مجيئه بأنه لديه فكر واسع من خلاله يستطيع توصيل الرسائل السريعة إلى الشارع المصري عبر رسوم الجرافيتي، ويبدأ بالفعل في مساعدتهم بتفريغ وجه متبق على الطاولة الخشبية بعد أن أتمه، وقد اختارت له المجموعة “كيم” اسماً مستعاراً بديلاً لأحمد .


“أشرقت” وهذا ليس اسمها بالتأكيد، فتاة تكبره بعام وصلت إلى مجموعة “فرعون” في 23 يناير الماضي لتصبح متخصصة في “الاستنسيل” ورش ال”سبراي” بعد تفريغ الوجوه .


تشرح فكرة الجدارية الجديدة وهي عبارة عن جدارية صامتة من دون أي عبارات يظهر بها وجهان بارزان من الاستنسيل لمرشحي رئاسة الجمهورية الفريق “أحمد شفيق” والدكتور “محمد مرسي” .


تخريب وتشويه


تقول “أشرقت”: إن سبب اختيار المجموعة شارع “محمد محمود” جاء بعد أن تم القبض عليهم أكثر من مرة بتهمة تخريب وتشويه الممتلكات العامة أو قلب نظام الحكم، فتم تخصيص جدران الشارع للجرافيتي بعيداً عن الميدان والمنشآت الحكومية .


وعن انكار الذات في عملية التوقيع بعد إتمام الجدارية أوضحت أشرقت “17 عاماً” أن كل ما في الأمر وإلى جانب إنكار الذات أن التوقيع يأتي من جرافيتيين جدد يعلنون عن أنفسهم بغرض الشهرة، أما مجموعتنا فقد أتمت نحو 18 جدارية و200 استنسيل مفرغ من بداية الثورة حتى وقتنا هذا، مؤكدة أن دورهم في الثورة يتجدد يومياً مع تطور الأحداث .


حكاية الجرافيتي


“أرض أرض . . حكاية ثورة الجرافيتي” كتاب توثيقي يقع في 235 صفحة، ويتناول في صفحات قليلة حكاية الجرافيتي في مصر، ثم يعقبه ب200 صورة كنماذج لهذا الفن .


حركة فن الجرافيتي الحقيقية في مصر ولدت مع الثورة، إذ قبل ذلك التاريخ لم يكن هناك وجود حقيقي لفن الجرافيتي في مصر، هذا ما يشير إليه شريف عبد المجيد  مؤلف الكتاب  على الرغم من أن الفراعنة كانوا أول من رسموا على الجدران وكتبوا عليها .


“عبد المجيد” قال من باب التعريف إن كلمة “الجرافيتي” أصلها “جرافيتو”، وتعني الخدش، وهو فن الشارع الموجه لوعي المشاهد أو المتلقي العادي والبسيط بغرض الهروب به من تأثير العولمة والخطاب الرسمي في وسائل الإعلام التقليدية .


واصل “عبد المجيد” تصحيحه لمعلومة بداية ظهور “الجرافيتي” الذي بدأ في إنجلترا على يد الفنان الإنجليزي “بانكسي”، وهو اسم مستعار أيضاً، ثم انتقل بعد ذلك إلى أمريكا في أواخر عام 1960م واستخدم شكلاً من أشكال التعبير لدى الفرق الهامشية، حيث شوهدت حركة معاصرة للكتابة على الجدران نشأت من خلال عقول الناشطين السياسيين وأعضاء عصابات للتعبير عن شعورهم ولفت انتباه الجهات الإعلامية .


ومن نيويورك إلى باريس عام 1968 عاود الجرافيتي الظهور مع حركة الطلاب .


ظهر الكتاب الأول عن الجرافيتي في المملكة العربية السعودية في منطقة الطائف، بغرض شرح طرائق تعلم فن الجرافيتي، ولم يكتب له النجاح، أما الثاني فكان مترجماً في لبنان وعوقب مترجمه بالحبس .

منقول من موقع دار الخليج - الخليج الثقافي

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

لكل من يريد أن ينسى أو يتناسى



                          


        
                        قولناها زمان للمستبد
                          الحرية جاية لابد
                         liberta كانت مكتوبة
                       يا حكومة بكرة هاتعرفي
                        بأدين الشعب هاتنضفي
                          والآية الليلة مقلوبة
                         قالوا الشغب فى دمنا
                          وازاى بنطلب حقنا
                    يا نظام غبى افهم بقى مطلبي
                             حرية حرية
                             حرية حرية
                   ما الموت خلاص مابقتش أخاف
                       وسط أرهابك قلبى شاف
                       الشمس هتطلع من جديد
                       أسرق أمان خرب بيوت
                     دا كان زمان وقت السكوت
                       الحلم خلاص مش بعيد
                        قال النظام أيه العمل
                         كده النهاية بتكتمل
                أفهم بقى أرحل بقى سقط الطاغوط
                             حرية حرية  
                             حرية حرية
 

الخميس، 6 سبتمبر 2012

مواصفات الأمراض المستعصية المشتركة عند الدكتاتوريين الجدد

مواصفات الأمراض المستعصية المشتركة عند الدكتاتوريين الجدد: جنون العظمة، البارانويا، الفصام، الفساد، العبث، التوترات العصبية والهرمونات المضطربة
ظاهرة الدكتاتوريين شكلت مادة دسمة للباحثين وتطرح اسئلة على كتاب كثيرين ومراكز ابحاث ومعاهد جامعية لا سيما في الاشهر التي تلت حلول الربيع العربي مع الاطاحة بمجموعة من الدكتاتورين العرب. ظاهرة ما عاد بالإمكان الوقوف معها على الحياد على نحو ما عبرت عنه "The Econimist" او صحف ومجلات غريبة عديدة، افردت ملفات كثيرة في محاولة الاجابة عما يوفر لتلك الظاهرة اسباب الحضور والبقاء حتى بعد وفاة اصحابها وتحديد الاطار العام الذي يدفع الناس لقبول الذل والهوان والفساد ثم الاسباب التي تدفع بالناس ذاتها إلى التمرد وتجاوز الخوف والايمان الجديد بضرورة مقاومة الاستبداد وتغيير الاحوال. هذا إلى حد دفع مؤرخين ومنهم روجر اوين في جامعة "هارفرد" إلى عنونة كتاب له "صعود وسقوط الرؤساء العرب مدى الحياة".كان هذا بعد موجة الثورات العربية التي بدأت في كانون الاول 2010.
الصحف والمجلات الغربية تسلط اضواء كاشفة على الانظمة الاستبدادية قديمها وجديدها وعلى ميراثها الذي يقتصر على الفساد والدموع والدماء وعقدة التاريخ والجغرافيا والاجتماع. ومن تقارير صادمة احيانا وقاسية في مجتمعات متمزقة وأغلبيات صامتة تخاف من النظام وتخاف أكثر مما سيليه.الاستنتاج الاولي ان حكم الدكتاتوريين الجدد في نهاياته لاسيما مع موجة الثورات العربية التي تكتسح الشرق الاوسط مقارنة لزلازل سياسية حدثت في اوروبا العام 1848 وكما الحال في شرق اوروبا والاتحاد السوفياتي العام 1989. اذ ان الاحباط حيال النظم السياسية المغلقة والفاسدة والبعيدة في الاستجابة لمتطلبات شعوبها قد افضى على عمليات تمرد على السلطة وسقوط النظم الدكتاتورية.على الرغم من ان هذه النظم تبدو غالباً مستعصية على الاهتزاز وتكرس استراتيجية كثيرة تستخدمها للبقاء وعوامل ضرورية مساعدة من سلطات شخصية على حساب المؤسسات الرسمية وايديولوجيات تبنيها لا هدف لها الا الحفاظ على السلطة الشخصية مع الاحتفاظ ببعض الجوانب الشكلية من الديموقراطية والاصلاح مع السيطرة على الانتخابات والاحزاب السياسية مع احتكار المساعدة والاستثمار الاجنبيين.

التقديم والترجمة: يقظان التقي
مجلة "لونوفيل اوبزرفاتور" الفرنسية خصصت في عددها الاخير تحقيقاً حول "المرضى الكبار الذين يحكمون" وحول نسيج الدكتاتوريين وتصرفاتهم وقصصهم وفسادهم يعيشون ويستمرون على الفوضى والاذلال والاحباط عند الناس قبل ان ينقادوا إلى القتل والجنون ومع ذلك مازالوا يملكون اسباب بقائهم واستمراريتهم إلى اليوم حيث لا يولد المرء دكتاتوراً، بل يصير دكتاتوراً. والهيمنة تغري اولاً المجانين او اصحاب الميول إلى التطرف، ومنها إذا أصيب المرء بالتطرف فقد اسمه الحقيقي وصار اسماً آخر. اذاً التطرف هو الطريق الاساس نحو هذا الجنون العنفي الذي يبدأ عادة بإنجازات كثيرة ومن ثم في المرحلة الثانية الخروج إلى الاحتراق.
والامثال كثيرة من مثل موسوليني رجل المسرح، ورسام الكاريكاتير كيف صار معجباً بالفاشية. والذهاب إلى جنوب روما ومنها إلى شواطئ "سابوديا" حيث موراثيا وبازولين بنوا فيلاتهم مروراً بالقرى والاحياء المنتشرة في المنطقة من سنوات الثلاثينات وحيث مات الكثير من الناس من مرض الملاريا.(...) وقريباً من مثال آخر هو صدام حسين الذي دأب على تعذيب شعبه وارتكاب المجازر والقيام بالحروب العبثية، الرجل القوي في العراق منذ بداية السبعينات والذي قام بالمقابل بثورات مهمة صناعية وزراعية وثقافية على صعيد المصانع والطرقات والجسور وبدخل قومي فردي شهري بحدود 2000 دولار، مما سمح ببروز طبقة متوسطة وتدشين بحيرات بطول 60 كلم في قلب الصحراء. انه هو صدام حسين نفسه المدرسة الثقافية العراقية، والهندسة والعمارة والرسم والنحت والموسيقى والمتحف الوطني لحفظ تراث تاريخ بلاد ما بين النهرين وهو الحاكم العنيف جداً لشعبه والسخرية التاريخية الكبيرة حيث الاله الجديد يصير صدام حسين نفسه الدكتاتور الفاسد.

كيف تصبح دكتاتوراً؟
ليس الأمر بالسهل سلوك الاتجاه ليكون المرء سلطوياً ليس بمعنى ان تستعرض حضوراً كلا، كيف تصير دكتاتورياً حقيقياً أي "الرجل الذي يتكلم"، الذي يملكه التعذيب ويقتل الأذكياء والمثقفين، ويقلص حضور الشعب إلى شبه العدم.الجنون بالتأكيد يحتاج إلى شروحات كبيرة يملك جاذبيتها، جنون العظمة، علم النفس، بارانويا، فقدان التوازن، علم الأعصاب، علم الهرمونات المضطربة.. كلها أمراض تحكمنا بالنهاية.انظروا هتلر، انظروا إلى عينيه المتقدتين المجنونتين، صوته، شاربيه، يتحرك مثل برغشة سوداء.. القذافي البدوني مثل ديك الحبش المنتفخ وماوتسي تونغ خلف قناع من الهدوء.الدكتاتور جوزف ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي الذي حكم من عام 1922 وحتى العام 1953 وهو الذي لقب بأبي "الأفراح الانسانية" و"نابغة الاناني"، أمضى عمره مع آلاف التماثيل التي صنعت له والتي تم تدميرها وتخريبها في الفترة المناهضة الستالينية وكان على علاقة حميمة بالقصور والمشروبات الروحية والسجائر.
الدكتاتور محمد رضا بهلوي الذي حكم ايران من عام 1941 وحتى عام 1979 والذي لقب نفسه بـ "ملك الملوك" وابن الجنس الاري" الذي صرف باحتفالية 2500 عام على الملكية مئة مليون دولار كان ذلك العام 1971 حيث كان اهالي القرى يعيشون في اسوأ درجة من الفقر...

عيدي أمين
عيدي أمين رئيس جمهورية اوغندا السابق الذي حكم من عام 1971 وحتى عام 1979 وقد صرف ملايين الدولارات على حياته الارستقراطية وكان يملك 30 خليلة في قصره إلى زوجاته الخمس...الدكتاتور كيم جونغ - ابن زعيم كوريا الشمالية، الذي يلقب بـ "القائد الفريد" وهو نجل كيم ايل - سونع رئيس كوريا الشمالية.
الدكتاتور فرديناند ماركسوس الرئيس الاسبق للفيليبين من عام 1965 وحتى العام 1985 قام بتحويل مليارات الدولارات من الخزينة ليسجلها باسمه لدى البنوك الأجنبية أما زوجته ايملدا فكانت مبذرة إلى حد يصعب فهمه وكانت تملك 888 حقيبة نسائية بالإضافة إلى الف و60 زوج حذاء.

الدكتاتور صدام حسين الذي حكم العراق منذ العام 1979 وحتى العام 2003 كان يملك حماما من الذهب ويملك أكثر من الف و200 سيارة فاخرة.
الدكتاتور موبوتو الرئيس السابق للكونغو قدرت ثروته بحدود 5 مليار دولار ما يعادل قيمة القروض الدولية على الكونغو. وكان مولعاً بالقصور والمشروبات الكحولية والزوارق الترفيهية وزوجية بابي لادوا كانت تملك اكثر من الف طقم من الثياب.
الدكتاتور سوهارتو رئيس جمهورية اندونيسيا والذي حكم عام 1965 إلى العام 1998 وقبل أن يرتقي إلى هذه المسؤولية كان يعمل لدى احد البنوك وكان أكبر زعيم مختلس في تاريخ بلده وقدرت صحيفة "تايم الاسيوية" في العام 1999 ثروته بأنها تبلغ 15 مليار دولار.

تشاوشيسكو
تشاوشيسكو رئيس جمهورية رومانيا الأسبق من عام 1967 حتى العام 1968 وعلى الرغم من انه كان يتقاضى مرتب شهري بحدود ثلاثة الاف دولار فقد تمكن من شراء اكثر من 15 قصرا ومجموعة سيارات وزوارق وثياب وبنى قصرا على حساب تخريب مئات الالاف من منازل القرويين.وفي الوقت الذي كانت تعيش فيه شعوب هؤلاء الحكام العذاب والفقر والحاجة، كان ابناءهم ونساؤهم يتنازعون في صرف أموالهم غير الشرعية.التركيبةالدكتاتور هو نتيجة خطأ في الجنات الوراثية (DNA) ومرض غير مرئي في التصوير الجيني او شكل من أشكال الانطواء او التوحد او نتيجة فقدان عاطفة الامر مثل حالة ايفان الرهيب تتجه وفاة الوالدين وبشكل رهيب وحياة طفل مجنح، شبه ملاك تعيش حالة الخوف من الاغتيال، يعذب العصافير ويرميها من الجدران العالية او كيم ايل يونغ، رمز رجل القصر الدموي (...) وباستثناء هؤلاء الدكتاتوريين المعاصرين تبرز ظاهرة جمال عبد الناصر المختلفة تماماً. المطربة الكبيرة كوكب الشرق أم كلثوم غنت لناصر الكبير الذي حظي بإعجاب ضخم من الشعب المصري والعربي قاطبة وانجز مشروعاته الثلاثة الكبيرة في بناء الجيش والسد العالي والاصلاح الزراعي ما تزال الانجازات الثلاثة الأخيرة المتوارثة إلى الان من القيادة المصرية الحديثة. ظاهرة ثانية هي ظاهرة كمال أتاتورك "أبو الاتراك" الامبراطور العلماني ونموذج التحديث التركي وفرض قواعده على المجتمع التركي. فيديل كاسترو نموذج دكتاتوري آخر، وأنجز بلحيته الطويلة/الثورية وسيجاره الذي ثار من اجل البؤساء والفقراء في كوبا بوجه العالم الرأسمالي.. كل هؤلاء بشكل وآخر بطاركة قدموا حياتهم في الصراع الكبير من اجل "الاستقلال والحرية وقدموا انفسهم كأبطال تحرير حقيقيين وأحبتهم شعوبهم حباً أعمى.
الدكتاتوريون تغذوا من إحباط شعوبهم
الدكتاتور بداية هو مرجع وملاذ. المانيا في العام 1930 كانت مشبعة بالذل من خسارة الحرب في العام 1916 وأتت النجدة من هتلر في محاولة ملأ الفراغ والاحباط وانعدام الثقة.. الدكتاتور يظهر اذا، هو الذي يتكلم، الرجل القوي، الأقوى من الجميع. هو الذي يجسد النظام هو الذي يقول الخير أو الشر، يهدأ الشارع، يجسد الحلم والجنون يسود (...) كل الدكتاتوريين هم جماعة مقصومة منتهكة الحياة العادية ومتأكدة ان العالم يريد الموت وإذا ما ارتكبوا الجرائم فهذا يجعل منهم مختلفين وأقوياء. ولكن بالسر، فالدكتاتوريون يرتجفون مثل أوراق الشجر. الكل يجري حولهم، القوى الظلامية تصارع بعضها البعض. ستالين كان مهووساً بفكرة الخيانة. فيديل كاسترو تصدى لمجموعة كبيرة من الاغتيالات. أتاتورك تعرّض للخيانة. حافظ الأسد تمكن من بناء نظام ميكافيلي، الكل في خدمته. الكل يجري في خدمته تحت ستار مجتمع ممزق عميقاً في ظل صراع مرير، صراع انفصل فيه الأخ عن أخيه. مستاء من الحياة اليومية الباهتة. الكل يعملون في ذلك القطاع العام الضخم ولا يتقاضون سوى أجور زهيدة.
الأسد وابنه بشار
حكم الأسد الأب كما ابنه بشار الأسد بقبضة حديد مبنية على منطق مليء بالأخطاء. أولاً فهو يخلق بين فشل أحد تطبيقات النظام الديموقراطي بطريقة وتطبيقات خاطئة. فهو يعتبر أن الحاكم الدكتاتوري أقدر من الحاكم المنتخب بطريقة ديمقراطية وأقدر على اتخاذ القرارات الإصلاحية اللازمة على الرغم من كونها صعبة وغير محببة لعامة الشعب. فقط القرارات محببة لأن من اتخذ القرار هو حاكم مستعبد.نظام الأسد دكتاتوري بما يفوق خيال الناس ولأنه كان وحشياً جداً جاءت عملية خلعِه من الحكم صعبة جداً.اللافت أن الدكتاتوريين هؤلاء حققوا نتائج انتخابية عالية جداً بنسبة 99% من الأصوات. وفي مناطق قريبة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك انتخب بنسبة 88,6%، عبدالعزيز بوتفليقة أعيد انتخابه في الجزائر للمرة الثالثة على التوالي بنسبة اقتراع بلغت 90,2%، بول غوغان في رواندا (93%)، اسماعيل عمر غولي فاز كمرشح وحيد في (Dijiboutien) شبه أصوات بلغت (100%).
بشار الأسد ابن حافظ الأسد فاز في دورة الانتخابات الأخيرة بنسبة اقتراع بلغت 97,6% ولم يترك لخصومه سوى 2,4% من الأصوات! وفيما اعتبره نضجاً كبيراً في العملية السياسية في سوريا وألق الديموقراطية فيها".

حياتهم العاطفية
أما الحياة العاطفية للدكتاتوريين فهي مضطربة وتظهر حتى أن الأشياء المخيفة هم أيضاً كائنات تستحق الضعف والعطف والحنان هتلر وستالين أمضيا كثيراً من الوقت مع العشيقات أكثر من مراجعة النصوص السياسية. ديان دوكري زوجة أسامة ابن لادن وصفت أسامة بغول من النعومة كأنك أمام غزال صغير في الصحراء. عشيقة فيديل كاسترو الألمانية ماريتا لورينز تحدثت عن كاسترو الرومنطيقي والطفل الكبير الذي يحب اللعب على سجادة الصالون مع نماذج مختلفة من السيارات(...). لكن لماذا نتحملهم؟ يجيب ايتيان دولا بوتيي العام 1576 "لأن هذا ما يديرونه لمصالحهم".وما على الشعوب إلا أن ننتظر انبلاج فجر الحرية والرغبة بالحرية تعطي قوة الثورة. بعض الآخرين ينشقون صامتين. الدكتاتوريون يصيرون أمراً ممكناً لأن عندنا جميعاً مضطهدين لأنفسنا. وبانتظار أزمة اقتصادية حادة، أو ضعف الأسواق، أو ضعف شرعية النظام أو التدخل الخارجي أو الخوف من الخارج أو قوى غير مرئية أو الفوضى.. نعم الفوضى! إذاً يظهر الدكتاتور "هو الذي يتكلم". قوي. هذا يحدث الخوف، كلا؟
لكنه أرخبيل لا ينتهي: دكتاتور ودكتاتور، في بيلاروسيا على أبواب أوروبا، في زيمبابوي، في سوازيلند، في تركمانستان وأيضاً في سوريا.

في بيلاروسيا آخر الدكتاتوريين في أوروبا ألكسندر لوكاشينكو منذ العام 1994 يحكم بيلاروسيا بمساعدة موسكو التي تغذي بيلاروسيا بالغاز. في زيمبابوي وعلى مدى 32 عاماً يحكم روبرت موكايا (88 عاماً) كبطل تحرير سابق..ليس بعيداً عن زيمبابوي يحكم ميسواتي الثالث (43 عاماً) غارقاً في الثراء والقلادات الذهبية وشراء السيارات والبذخ والفساد والنساء.
في سوريا ورث بشار الأسد السلطة عن والده حافظ الأسد منذ العام 2000 كنظام دكتاتوري دموي بامتياز ولأن الدم يرث الدم بلغت حصيلة القتلى في الثورة السورية منذ حادثة تعذيب أطفال درعا نحو 25 ألف قتيل إلى الآن.بدوره، سابرامرات نيازوف أب التركمان يمسك بلده بيد من حديد، طبيب الأسنان السابق يقود الجمهورية السوفياتية السابق وأعيد انتخابه بنسبة 97,14% ولا يخفي ولعه بالمسرح والسينما والأوبرا.بالتأكيد تقلّص عدد الطغاة مثل هتلر وستالين وبول بوت وبنوشيه والخميني وغيرهم من أسماء تعزز مقولة "الدكتاتورية تدور حول الدكتاتور" وفي منطق مليء بالأخطاء عن صورة القائد المزخرفة كبطل تحرير أو الغموض والقوة في أروقة القصور الرئاسية. لكن الدكتاتوريات لا تحكم بنفسها، وتحتاج إلى تضافر الجهود لإدارة شؤون البلاد والمحافظة على النظام وحماية حدود الدولة وإدارة الاقتصاد.. وهذه أمور ليست سهلة على الدكتاتور كما هي للقائد المنتخب بطريقة ديموقراطية أو "الدكتاتورية المثالية" سواء في أروقة الكرملين أو في فيلا بن علي الساحلية أو القذافي في باب العزيزة المحطم أو جمهورية موبوتو سيسيكو من مجاميع دوفاليه (هايتي) أو الجماعات العشائرية أو سلوبودان ميلوسيفيتش في صربيا أو إدوار شيفرنادزه (جورجيا).. كل هذه الأنظمة تبدو مع مرور الوقت أكثر فأكثر بقايا غير مأسوف عليها من القرن العشرين ومؤشراً لما يمكن أن يحمله المستقبل للإنسانية.يقول ألكسيس دي توكفيل معلقاً على الثورة الفرنسية: "إن أخطر وقت تمر به الحكومات السيئة عندما تبدأ عملية إجراء الإصلاحات". ما كان صحيحاً في القرن الثامن عشر قد يكون صحيحاً في القرن الواحد والعشرين.هل سيؤمن الكوريون الشماليون فعلاً بعد اليوم أن كيم يونغ ايل يمكنه تغيير الجو كيفما يشاء؟ هل سيؤمن الليبيون بعد القذافي أن الكتاب الأخضر كان كتاباً سياسياً وفلسفياً عبقرياً؟ هل سيؤمن التركمان أن كتاب سابرامرات نيازوف هو كتاب مقدّس؟ تعزيز الانضباط داخل المجتمع صار أمراً صعباً، المعتقدات الشخصية لم تعد ذات طبيعة استراتيجية كما أيام ستالين. تغيّرت الوظيفة السياسية، لم تعد تحتاج لدكتاتور لإتمامها.الدكتاتورية في سبيلها إلى الزوال لكن السؤال ما الذي سيفعله العالم الليبرالي الغربي في ربيع ديموقراطي غربي لدعم الديموقراطية في العالم العربي. هذا ليس كل شيء: "الحكام الدكتاتوريون سيسقطون في بعض الأحيان على الرغم من المساعدات الأميركية وليس بسببها".

عن جريدة المستقبل .
 

منقول من موقع ألف

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

مشروع محمد البساطي : د. صالح الرزوق



image




بعد عام 1960 أصبح بمقدورك أن تختزل القصة في مصر بواحد من إثنين: جمال الغيطاني و يوسف القعيد. لقد تعايش كلاهما بطريقة دكتور جيكل و مستر هايد. حيثما حضر الأول على الثاني أن يغيب. و ربما كان الاتفاق أن يستحوذ الغيطاني على الدائرة المدينية، و لكن ببلاغة مملوكية مدعومة برؤيا منفتحة على التجريب و التحديث، و أن يحتل القعيد المركز الأول في ما تبقى من مساحة. عالم الغبار و التراب. لتقديم شهادة على أفول أخلاقيات كانت مشرقة. 

و من بينهما استطاع محمد البساطي مؤلف ( دق الطبول ) ، و الأهم من ذلك ( ساعة مغرب ) و ( غرف للإيجار ) أن يعبر فوق خط رفيع خاص به، يتحكم به البؤس و القسوة. حتى أصبح من الممكن أن نقول إنه مؤلف البؤساء بنسختها المصرية.

بدأت علاقتي بشكل جدي مع محمد البساطي في عام 2001 خلال طريق العودة من القاهرة إلى دمشق مرورا بسيناء. خلال هذا الطريق الطويل في البر و البحر قرأت له ما في الجعبة من أعمال جديدة .

و لم يكن هذا التواصل المعرفي هو الأول. فقد قرأت له في الثمانينات أعماله الأولى التي تعكس كل سمات العقد السادس، و هو القوس الذي بدأ مع ثورة الضباط الأحرار و الجمهورية الأولى وصولا إلى مشكلة العدوان الثلاثي.. و الذي ركز كتابه على معاناة أبناء الريف مع الطبيعة البشرية و الطبيعة المادية القاسية التي تأخذ منهم الكثير و لا تترك لهم غير الفتات. و من أهم تلك الأمثلة أعماله الدافئة الصغيرة كالمقهى الزجاجي و الأيام الصعبة و غير ذلك.
**
لقد اختار البساطي الجهاد ضد مأساة الواقع الخانق، و بكل المستويات فصارع اللغة و مفرداتها أو المعاني و مضامينها، و صنع لنا بانوراما عن شقاء مزدوج: يمكن اختصاره في الكشف عن مكامن الفجور الاجتماعي و الأخطاء المعرفية الناجمة عن خطأ في الحضارة.

لقد احترق بؤساء البساطي بنيرانهم، و لم يكونوا بحاجة إلى عدو ليناضلوا ضده. كان الموضوع لديهم ضد الذات، لذلك لم يتورعوا عن الصدام مع الأشباه. و هذا يعني أنهم كانوا يقاتلون العادات البالية و الجهل و الظلم و الإصرار على العنف كأسلوب للتطهير من خلال التشبث بها. فتصعيد الأخطاء أول خطوة للتصحيح.
لا شك أن مشروع البساطي هو إقامة " ماكوندو " له وحده، و على طريقة ماركيز، حيث أن الواقع يطير عاليا إلى حدود الخيال. فعلى ما يبدو المبالغة مع الشقاء فن واقع عالم – ثالثي بامتياز. و من هذه الحقيقة ولدت روايته الدافئة ( الخالدية ).

و فيها كانت أخيلته واقعية بمحتواها، و من غير صور فانتازية، و ابتعدت عن  القطاع اللاشعوري من النفس البشرية ، و أسرفت في تعرية ما يساعدنا ضوء النهار على اكتشافه من منغصات أو بلوى.
و هنا كانت طبيعة العلاقة بين الإنسان و الواقع شاقة ، و كل طرف يحاول أن يفرض مفاهيمه الخاصة عن معنى الحياة الغامضة و المتورطة. فالإنسان يجهل أقداره و ماضيه، و الواقع جدلي بخصوماته و شكاياته و غير تاريخي بتوقفه عند لحظة ثابتة من التخلف و الجمود. 

و دعم ذلك حوار نصفه بالعامية تقف من ورائه قدرة على محادثة تستعين بالصور، و تتطابق فيها اللغة مع موضوعاتها، و تؤسس لنوع من العبث ضد الوجود. 

و كان القانون عند محمد البساطي من غير مرجعية، و مرشحا إلى نوع من النشاط المتآمر ضد الإنسان البسيط . و كان مبهما و ظلاميا، و الظلام هنا يعني كما قال في إحدى لقاءاته: هو المرادف للصور القاسية  عن مجتمع مقهور و سجين.

إن مغامرة البساطي مع النص و الأفكار تقترح دائما سياقا مصموتا عنه. و في ضوء ذلك يمكن أن نفهم لماذا يؤكد على النهاية المفتوحة و لا يسدل الستار، و لم الزمن لديه  ليس حدسا و لكنه ظاهرة بطيئة، و لماذا يركز على إيديولوجيا غنية بالأسماء و النعوت و ليس على الأفعال و الأحداث. 

من أهم أعماله الأخرى : جوع ، فردوس، صخب البحيرة، الشرطي يلهو قليلا و سوى ذلك....
 
 
 
تموز 2012
 
 د. صالح الرزوق - سوريا
salehrazzouk@hotmail.com
 
منقول من موقع مجلة النرد