الثلاثاء، 15 يوليو 2014


" القناع persona "

كان اليونانيون يرتدون الأقنعة في العروض المسرحية لكي تعبر عن الشخصيات التي يؤدونها وكأن وجوههم غير قادرة على ذلك مع أننا – بني البشر – كما رأى يونج فيما بعد نرتدي أقنعة عدة تتفق وبشكل قوي مع كل الأدوار الإجتماعية التي نلعبها وبغض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع هذا إلا أن الحقيقة الواضحة والجلية أن وجوهنا قادرة على أن تصبح أقنعة تتلون كالحرباء بين لحظة وأخرى والأسئلة المهمة هنا لما نرتدي تلك الأقنعة ؟.. وما الذي نخفيه بإرتداءها ؟.. ولما نخشى أن تظهر وجوهنا الحقيقية في العلن ؟ .

الرمز :

ذكرت في مقال سابق أن العقل مرآة رمزية للعالم مليئة بالحروف والأرقام فهو يحاول وبشكل حثيث أن يفهم هذا الكون الذي يحمل مثيرات كثيرة ومعقدة ومبعثرة وأن يجمعها في نسق يحوي رؤيته المعرفية عما يحيط به  وكل ما عليه فعله هو أن يضع المنطق السليم في مكانه السليم على حسب القضية التي يفكر فيها الرمز أذن فكرة عقلية تحمل تصوراً ما حتى وأن كنا نحن من نبتدعه بناءاً على تصورات سابقة - فالعلاقة هنا ديناميكية - كالأفعال غير اللفظية في المجتمع والفنون التشكيلية على سبيل المثال لا الحصر ففي النهاية يتم التعبير عن الرموز والدلالات التي ترمز إليها بصورة لفظية تعبر عن أفكار تحمل دلالات معينة .

هنا يبرز السؤال التالي هل هناك حقيقة منفصلة عن إدراكنا أم أن الحقيقة هي مجرد رؤيتنا للعالم الذي يحيط بنا وأنها ليست موجودة من الأساس كما ترى البنيوية وما بعدها والتوجهات العديدة في فترة ما بعد الحداثة ؟.. أعتقد أنه حتى وأن كنا لا نستطيع أن نعي الحقيقة بشكل كامل أو أن ندرك كافة أبعادها في قضية ما لا يعني بأي حال من الأحوال انها غير موجودة أو أنها غير منفصلة عن أدراكنا فالكون لا يمكن ان لا يكون نسقاً واحداً – حتى وأن أحتوى على مجموعة من الأنساق النسبية التي يكمل كل منها الآخر – وإلا أختل توازنه وبالتبعية أنهار أو لنقل لم يكن لُيبنى من الأساس وفي هذه الحالة تصبح الحقيقة = العدم .

والأمر هو هو بالنسبة لحياتنا الإجتماعية فلو لم تكن هناك معاير للتتميز بين الصواب والخطأ وبالتبعية قيم ومباديء ثابته لتحول المجتمع إلى مجرد غابة يحكمها الأقوياء ويفعل كل فرد فيه ما يشاء وكيف شاء وفي الوقت الذي يريده – وأنا هنا أتحدث عن حقيقة القيم والمباديء لا الحياة الإجتماعية المختلة نتيجة للإغتراب عن هذه القيم والمباديء – هذا بالإضافة إلى أنه أن لم يكن هناك حقيقة في الدين والأيدولوجيات - الرؤية الحقيقية للوجود وخالقه - فمن سيعاقب على ماذا أذن في الحياة الآخرة والعقاب ضروري لإستقامة الحياة على الأرض من الأساس فالمرء يدرك أنه حتى وأن أفلت من عقاب الدنيا فلن يفلت من عقاب الآخرة  وهنا أيضاً تصبح الحقيقة أما ان تكون أو لا تكون وبالتبعية = العدم وهذا لا يعني أنه ليس هناك ضرورة للتعايش والتعارف بين الأمم المختلفة – حتى وأن كان لأحدهم تصور حقيقي والآخر غير حقيقي عن الحقيقة - وهي قيمة أيضاً تخلينا عنها فدخلنا في دوائر لا متناهية من الصراع وأن لا يدعي أحد إحتكارها بل كل ما عليه فعله أن يقدم البراهين اللازمة لوصول البشرية إليها لكن هذا  لا يعني أيضاّ أن للحقيقة قلوب عدة فللحقيقة قلب واحد ووجوه عدة توصل إلى ذلك القلب .

فالحقيقة أذن لا يمكن أن تكون نسبية فلا نسبية في المشترك الإنساني وهي جزء محوري فيه وضروريُ للتمييز بين الصواب والخطأ الحق والباطل الوجود والعدم الخير والشر مان نحن عليه وما يجب أن نكونه فالنسبية لا تكون إلا فيما هو مختلف بين البشر كالرغبات والميول والقدرات الخاصة وبعض المظاهر الثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية المختلفة .

الرمز \ القناع :

للرموز صور ظاهرة وصور خفية تقف وراء  " الأقنعة " إلا أن هذه الرموز الخفية – والتي لا تكون إلا في الحياة البشرية بطبيعة الحال – هي المعبرة بشكل قوي عن الإغتراب البشري لأنها ببساطة  تنبع من رغبة ملحة في إخفاء شر كامن في النفس البشرية للوصول لأغراض تشبع أهوائنا الجشعة بصورة مقبولة إجتماعياً .

ولكن ما الداعي إلى ذلك أعتقد ان السر يكمن في ان البشرية قد تخلصت من الإغتراب عن القيم والمباديء الإنسانية– بصورة نظرية بطبيعة الحال– ولو بقدر معين كما انها على مدار تاريخها لم تتخلى عن قيم ومباديء راسخة لا يمكن أن يخرج عنها أي في فرد في المجتمع مع إستمرار النفس البشرية على حالها فمنا من يسعى إلى ان يصبح من الملائكة ومنا من هو أستاذ للشياطين إلا أن الأخير يسعى ولا زال دائماً إلى أن يكون مقبولاً إجتماعياً تجنباً للنبز والصراع الإجتماعيين وبالتبعية فأن الحكومات تتبع نفس الآلية فالديكتاتور في العصور الوسطى يدعي بأنه يحكم بامر الله والديكتاتور في العصر الحديث يدعي بأنه حاكم ديمقراطي يحترم الدستور والقانون وجاء بإنتخابات حرة ونزيهة وهنا يبرز العقد الإجتماعي الخفي .

العقد الإجتماعي الخفي ما بين أرسطو وبريخت :

ذكرت في مقال سابق أن الوعي الجمعي قادر على إدراك الحقيقة لا أبعادها – معرفة الأسباب والنتائج – مما يجعله عرضة للتلاعب والتضليل من قبل السلطة فالشعب يدرك بان هذا الحاكم ديكتاتوراً لكنه لا يعرف الأسباب التي أدت إلى ذلك وكيفية التخلص منه الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى أن يكون عرضة لتضليل أسطورتي إنهيار الدولة وبالتبعية عدم توفر الامن والخبز أو لنقل إنتفاء الوجود الإنساني من الأساس والمنقذ من الإنهيار " الحاكم \ النظام " هاتين الأسطورتين اللتين تضمنان وجود النظام وإستمراريته وأن الحل يكمن في الوصول إلى وعي جمعي ناقد قادر على معرفة الأسباب والنتائج لكي ينال الحرية والأمن والخبز .

هنا تبرز ما هية الأقنعة فالقناع لا يكون مقنعاً للشعب ولا يكون الحاكم ممثلاً على مسرح أرسطي قديم كما أننا وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نكشف الشر الكامن ورائها بصورة كاملة لعدم قدرة الوعي الجمعي على إدراك أبعاد الحقيقة – الاسباب والنتائج – وبالتبعية لا يستطيع بريخت أن يكسر الحاجز الرابع " الوهم " وان يُخرج الناس ولو بين الحين والآخر من تاثير الدراما المميت فالأقنعة هنا شفافة لكنها لا تزال تخفي بعض الحقيقة وللاسف الشديد الجزء الأسوء منها .


هنا فقط يبرز العقد الإجتماعي الخفي " الحقيقي " بين الحاكم والمحكومين فلكي أنال الأمن والخبز علي أن اتخلى عن حريتي وأن أسعى بكل قوة إلى عدم زحزحت اركان النظام القائم ونظراً لأني لم أصل إلى مرحلة الوعي الناقد التي ترى أنه بدون الحرية لا يمكن أن أضمن الحصول على الأمن والخبز لأني في هذه الحالة ساكون تحت سطوة وسيطرة من يعطيهما لي وبطبيعة الحال يكون قادراً على منعهما في أي وقت نظراً لأني لم أصل إلى هذه المرحلة من الوعي سأظل في منطقة البرزخ بين إدراك الحقيقة الكاملة وعدم إدراكها وستظل المصلحة هي الحاكمة للحياة البشرية بين طرفين مغتربين تلك العلاقات الإنسانية المشوهة التي تبدأ بالعلاقات المتعددة بين الأفراد مروراً بالحاكم والمحكومين وتنتهي بالعلاقات الدولية في قريتنا الصغيرة .
الإغتراب أذن هو السمة المميزة لتاريخ البشرية فلكي نفعل ما نهوى وما نشاء علينا أن نغترب عن الحقيقة ولكي نغترب عن الحقيقة علينا أن نستبدلها بميثولوجيا ننسج خيوطها بايدينا – وهي نسق عقائدي يتصف بصفتين الخيال الأبستمولوجي ( الوهم المعرفي ) المرتبط بالإغتراب عن أصول وآليات وحقيقة المعرفة وإضافة قدرات غير حقيقية وخارقة لشخص ما أو شيء ما " 1 " – لكي نبني حقيقة مغايرة تتفق مع رغباتنا واهوائنا ولكي تصبح تلك الميثولوجيا أسلوب حياة علينا أن نرتدي أقنعة توحي بانها الحقيقة المطلقة لكي نفهم المجتمعات البشرية أذن علينا ان نكتشف مقدار إغترابها ولكي نكتشف مقدار إغترابها علينا ان نبحث بدقة متناهية عن الميثولوجيا والأقنعة .

" 1 " أنظر مقال ميثولوجيا القرن الواحد والعشرين .













الأحد، 8 يونيو 2014

روجيه غارودي .. روح وغبار



د. شاكر نوري


عندما طلبت مني مجلة «الدوحة» الغرّاء الكتابة عن الفيلسوف الراحل روجيه غارودي(1913 - 2012) في ذكرى وفاته الثانية، ترددت كثيراً لأنني في الواقع احترت من أية زاوية أتناوله بعد أن أصدرت عنه كتابين ومجموعة من المقالات، وتابعت بنفسي محاكمته وسجلت تفاصيلها. وكانت لي به صداقة خاصة دامت أكثر من عشرين عاماً في باريس. وسافرنا سوية إلى بغداد.

لكنني وجدت من المناسب أن أعود إلى سيرته الذاتية أو بالأحرى إلى مذكراته المعنونة (طوافي وحيداً حول القرن)، الذي لم يترجم بعد إلى اللغة العربية حسب علمي. ومن الطريف أنه نُشر في بيروت من قبل دار الفهرست (1999). لا زلت أتذكر ما قاله لي في مكتبته الكائنة في السرداب السفلي من منزله عندما أهداني إياه. «ينقص المذكرات ما عانيته من محاكمتي، ولكنك تعرف التفاصيل يمكنك أن تكمل الفصل الأخير من حياتي لأنك شهدت بنفسك ما حلّ بي».

من العجيب، إنه يتحدث عن الحياة والموت في تشابكهما العظيم، لا يتردد من الحديث عن رحيله عن هذه الأرض قائلاً: «كثيراً ما كنت أحلم بموت بدون نعش أو قبو، بل أغور في الأرض، وأرتدي معطفاً كونياً، ينسج الحياة من حولي». ثم يستشهد بقول شاعر المقاومة الفرنسي بول ايلوار «لأنني روح وغبار، سأحيا في جذور حبيبات القمح الخضراء». تحدث غارودي في هذا الكتاب الحميمي الهام عن تداخل الخاص بالعام. ينتقل من السنوات الأولى لتلقيه التربية والتعليم، من عام 1918 إلى عام 1945، وكذلك عن الحب، الفروقات بين ماركس وكيركيجارد، الحب في زمن التعذيب أثناء الحرب العالمية الثانية، المنفى والموت، حرب الجزائر، تحرير باريس، علاقته بالحزب الشيوعي، سنواته الأربع عشرة في البرلمان، ولقائه بكبار الكتّاب والشعراء أمثال نيرودا وايلوار وباشلار، أستاذه، وسارتر، والحوار المسيحي الماركسي، والتغييرات التي طرأت على فكره وحياته، وكذلك الفصل الأخير من حياته واعتناقه الإسلام.

كانت التحولات لحظات عصيبة في حياته، لكنها لم تخل من الجانب الأدبي الحالم، وغارودي قبل أن يكون مفكراً وفيلسوفاً، فهو أديب كتب عن معظم الكتّاب والشعراء الفرنسيين والعالميين بروح أدبية صافية. ونجد شذرات من هذا الأدب في سيرته الذاتية، فهو يفرد صفحات كاملة لقصة حبه ولقاءاته مع النساء، ويمكن أن أقتطف ما يقوله بإيجاز: «الحب هو أول خروج من الذات. الحب يعلمنا التضحية، وهي القانون الشامل للحياة. ليس الحب لحظة في الحياة، بل اكتشاف الحواس والأحاسيس. الحب في كل كائن هو الفعل الذي يبدع. وهذا الحب بالنسبة لي كالبحر». هذا ما كتبه في خاتمة الكتاب.

ثم يفرد غارودي فصلاً كاملاً عن الإسلام وكيف اعتنقه، قائلاً: «كثيراً ما يتردّد على أسماعي: لماذا اخترت اعتناق الإسلام؟ مثلما حصل لي مع الماركسية تعرفت على الإسلام من خلال الكتب قبل أن أصبح مؤمناً. في الحقيقة، لم يكن لقائي الأول مع الإسلام في إطار المعرفة بقدر ما كان في إطار الوجود: أثناء نفيي إلى الصحراء (أُلقي القبض علي في سبتمبر عام 1940 في الوقت الذي لم يكن النفي والإبعاد معروفاً في ألمانيا)، وفي معسكر التعذيب في «الجلفة» نظّمت مع بعض الرفاق عصياناً من أجل الترحيب بمجموعة قديمة من الألوية الدولية (تم نقلهم من معسكر «القل» لينضموا إلى معسكر «الجلفة»). وقد قام القائد الفرنسي للمعسكر بإعطاء أوامره بإطلاق النار علينا، كانت فرقة الإعدام تتألف من المناوشين الجزائريين، وكانوا ينتمون إلى طائفة مسلمة تنحدر من الجنوب، يعرفون بـ «العباد» أي «متطهري الإسلام»، قاموا بتنفيذ جميع الأوامر باستثناء أوامر إطلاق النار علينا أو حتى ضربنا بإيعاز من القائد الغاضب، وعرفت السبب فيما بعد، إذ إن تنفيذ إطلاق النار علينا كان يتناقض مع شرف أولئك المحاربين المؤمنين، حيث إن الرجل المسلّح لا يسمح لنفسه بإطلاق النار على رجل غير مسلّح. ومنذ إطلاق سراحي في الجزائر، عكفت على دراسة الثقافة التي تجسّد هذا المبدأ وهذا السلوك. لم يكن اعتنائي بالإسلام كثقافة فقط، بل كإيمان».

لم يتعرض مفكر وفيلسوف وكاتب فرنسي كما تعرض له روجيه غارودي من اضطهاد فكري سواء من اليساريين أو اليمينيين، لأنه في واقع الأمر زعزع المفاهيم السائدة التي تراكمت منذ عهود الهيمنة الكولونيالية. فقبل أن ينتقد إسرائيل، كانت دور النشر الفرنسية قد نشرت له ما يزيد على أربعين كتاباً، ولكنه بعد ذلك أصبح ينشر كتبه على حسابه الخاص. وكتابه «الأساطير المؤسسة للصهيونية» كلفه محاكمة مدوية عام 1998، حكمت عليه بدفع غرامة مالية مع سجن بدون توقيف، لأنه انتقد إسرائيل وشكك في المحرقة اليهودية، وهذا ما لا يُسمح به في فرنسا. من ناحية أخرى، إن اعتناقه للأسلام هو الآخر أربك جميع الأطراف ولم يجد أي فهم له من أي طرف من الأطراف لأن الجميع خاضع للمفاهيم السائدة ولا يريد التغيير، الذي ظل هاجس غارودي على مرّ سنوات حياته. وليس أبلغ مما قاله لي في إحدى حواراتنا:«وجدت أن الحضارة الغربية قد بُنيت على فهم خاطئ للإنسان، وأنه عبر حياتي، كنت أبحث عن معنى معين لم أجده إلا في الإسلام».

وفي الحقيقة، لم يلق سوى الفهم المحدود من قبل أصدقائه، على سبيل المثال، المحامي والمفكر الراحل جاك فيرجيس قال فيه: «في الندوة التي جمعتني مع البروفيسور روجيه غارودي في دمشق سمعته يتحدث ويهاجم الرأسمالية منذ كان شيوعياً، وكلانا كان لديه نفس الهدف، وهو أن يدعم العدالة. وكلانا كان ضدّ التركيز على الثروة، لأنّ الاهتمام بجمع الثروة ليس بعدل. لقد اتّبع غارودي المبدأ الماركسي الذي يسعى لتحطيم الملكيّة، في حين أنّني كنتُ أعتبر الملكيّة مفتاحاً للحريّة. لكن كلانا كان يرى أن الملكيّة تؤدّي في النهاية إلى الظلم وعدم انتشار العدل، وكلانا كان يدعو إلى نظام يدعو إلى إنتاج وإعطاء العدالة للجميع.. لذلك وجدنا أنّ الإسلام هو الحلّ الوحيد(...)وأنا كمحام كنتُ أسعى إلى مبادئ ليست من وضع البشر..».

سيرة ذاتية مدهشة حقاً، فهو شاهد على قرن بكامله لا تفوته التفاصيل، كتب ذلك بعشق خاص للأحداث. وهو لم يكتب إلا عن التجارب التي عاشها. عبر هذه الصفحات يتحدث غارودي عن لقاءاته، من ستالين إلى عبد الناصر، ومن شارل ديغول إلى فيدل كاسترو، ومن باشلار إلى جان بول سارتر، ومن بابلو نيرودا إلى بيكاسو.

وهو يؤكد في مقدمته بأن «هذا الكتاب ليس كتاب اعترافات ولا كتاب وصيّة ولا توديع للحياة». وفي الحقيقة، فهو يشبه دليلاً إلى العصر الذي عاشته البشرية، ينهل منه الروائيون والكتّاب والشعراء والسياسيون والباحثون، لأنه يقدم عصارة ما عاشه بكل حلوه ومره، وخاصة عبر تياراته الفكرية الأساسية: الرأسمالية والشيوعية والمسيحية والإسلامية التي طبعت العصر وكل العصور بطابعها، والمهم في سيرة غارودي أنه كان أحد أبطالها، ليس بالضرورة المنتصرون الآنيون، بل الخالدون.
 
منقول من مجلة الدوحة الثقافية

الجمعة، 2 مايو 2014

»" في أغسطس نلتقي‮ "..‬ رواية جديدة‮ ‬غير مكتملة لماركيز‮ ‬



أكد كلاوديو لوبيث مدير دار بنجوين راندام هاوس للنشر،‮ ‬المعنية بنشر أعمال ماركيز أنه بصدد نشر رواية لم يسبق نشرها لجابو،‮ ‬مشيرا في الوقت نفسه إلي أن الرواية‮ ‬غير مكتملة وأن القرار النهائي بشأن نشرها هو أمر يخص ورثة الأديب الكولومبي‮..‬وقال لوبيث في حوار صحفي‮ :"‬هناك بالفعل رواية ولدي المسودة ولكنها رواية‮ ‬غير مكتملة ولذلك لم يتم نشرها‮..‬انها مكتملة بنسبة‮ ‬85٪‮ ‬ولكن نهايتها مفتوحة لحد كبير وهو لم ينهها‮".‬وأضاف‮ "‬اعتقد أنها ستري النور ان عاجلا أم آجلا‮ ..‬انها تستحق ذلك ولكن كرواية‮ ‬غير مكتملة‮". ‬وأكد الناشر في ذات الوقت أن القرار النهائي يعود لورثة ماركيز،‮ ‬مشيرا إلي أنه ليس هناك مزيد من المادة الأدبية التي لم تنشر للأديب الكولومبي‮.‬

‮"‬عادت للجزيرة يوم الجمعة السادس عشر من أغسطس في العبارة التي وصلت في الثانية ظهرا‮..‬كانت ترتدي قميصا ذا مربعات صغيرة وبنطلوناً‮ ‬جينز وحذاء بسيطا بدون كعب وبدون جوارب‮..‬لم تكن تحمل من أمتعة سوي مظلة وحقيبة بحر.بدا صف سيارات التاكسي بجوار الرصيف كأنه نموذج قديم متآكل بفعل البارود.استقبلها السائق بتحية صديق قديم واصطحبها عبر قرية السكان الأصليين ذات المنازل المبنية من الخوص المعشق بأسقف من سعف النخيل،‮ ‬والشوارع المفروشة برمال بيضاء مطلة علي بحر متأجج.كان عليه أن يقوم بالعديد من المناورات ليتفادي الخنازير الهائجة والأطفال العرايا الذين يتسلون بأداء حركات مصارعي الثيران‮. ‬في نهاية القرية دلفا في طريق يحفه النخيل يقود إلي الشواطي والفنادق السياحية الواقعة بين البحر المفتوح وبحيرة مغلقة تسكنها طيور البلشون الزرقاء.أخيرا توقفا أمام الفندق الأقدم والأكثر حقارة.كان الحاجب ينتظرها حاملا مفاتيح الحجرة الوحيدة في الطابق الثاني التي تطل علي البحيرة.صعدت الدرج في أربع قفزات ودلفت إلي الحجرة الفقيرة المعبأة برائحة المبيد الحشري والمشغولة تماما تقريبا بذلك الفراش المعد للازواج.أخرجت من حقيبتها علبة جلدية وكتابا سميكا يحمل بين صفحاته فتاحة خطابات من العاج وضعته علي الطاولة المجاورة للفراش‮ ..‬وأخرجت كذلك قميص نوم من الحرير وضعته تحت الوسادة.أخرجت منديلا من الحرير يحمل صورا مطبوعة لطيور استوائية وقميصا أبيض قصير الاكمام وحذاء تنس مستخدما وحملت كل ذلك معها إلي الحمام مع العلبة الجلدية‮.‬
قبل أن تستحم خلعت القميص ذا المربعات وخاتم الزواج والساعة ذات الطابع الرجالي التي كانت تضعها في يدها اليمني وأخذت ترش وجهها بالماء لتزيل‮ ‬غبار السفر وتطرد نوم القيلولة.عندما انتهت من تجفيف وجهها راحت تنظر في المرآة متفحصة نهديها المدورين المشدودين علي الرغم من ولادتين سابقتين،‮ ‬ومع أنها تجاوزت العقد الخامس من العمر‮..‬شدت وجنتيها بأطراف أناملها للخلف لاستعادة مظهرها في شبابها وشاهدت وجهها بهاتين العينين المسحوبتين والانف المفلطح والشفتين الدقيقتين‮ .‬تغاضت عن التجاعيد الاولي التي بدأت تظهرعلي جيدها ولا مفر منها،‮ ‬وأظهرت أسنانها المستوية التي فرشتها جيدا بعد الافطار الذي تناولته في العبارة‮ .‬حكت ابطيها اللذين ازالت الشعر عنهما حديثا بمزيل العرق وارتدت القميص القطني الناعم الذي نقشت الحروف‮  ‬AMB‮ ‬يدويا اعلي جيبه.مشطت شعرها الهندي الطويل الذي يغطي كتفيها وربطته للخلف بالمنديل المنقوش بصور الطيور.وأخيرا رطبت شفتيها بإصبع المرطب ثم بللت طرف اصبعها بلسانها ومسحت حاجبيها المرسومين ثم أضفت رشة من عطرها الثقيل خلف اذنيها وألقت نظرة أخيرة في المرآة بوجه أم في خريف العمر‮..‬هذه البشرة التي لا تبدو عليها أية آثار لمواد التجميل تشع بلونها الطبيعي والعينان العسليتان الغارقتان بين الاجفان البرتغالية لا يكشفان عن سن‮. ‬حاسبت نفسها بعمق وبلا رحمة ووجدت نفسها علي ما يرام بقدر ما كانت تشعر.فقط عندما وضعت خاتم الزواج والساعة تنبهت إلي أنها كانت متأخرة:بقيت ست دقائق علي الخامسة‮.‬غير انها منحت نفسها دقيقة من الحنين لتأمل طيور البلشون التي وقفت بلا حراك وسط أبخرة البحيرة المتأججة.أنبأتها كتل السحب السوداء المتراكمة علي جانب البحر بضرورة حمل المظلة‮..‬
كان التاكسي ينتظرها تحت أشجار الموز قبالة مدخل الفندق.مضت في الطريق المحفوف بالنخيل حتي وصلت إلي منطقة لا تقع بها أي فنادق حيث يوجد سوق شعبي في الهواء الطلق،‮ ‬وتوقفت عند أحد دكاكين الزهور.ثمة عجوز زنجية كانت تأخذ القيلولة علي مقعد بحر استيقظت فجأة وتعرفت علي السيدة الجالسة في المقعد الخلفي للسيارة وأعطتها،‮ ‬وسط ضحكات وثرثرة فارغة فرع من زهور الجلاديولس احتفظت لها به منذ الصباح‮. ‬بعد بضعة أمتار انحرف التاكسي في طريق‮ ‬غير ممهد يصعد إلي تل من الاحجار المتراصة‮ .‬وعبر الهواء المعبأ بالحرارة كان يمكن رؤية اليخوت الفاخرة تقف بمحاذاة الرصيف السياحي والعبارة التي توشك علي المغادرة بينما يلوح منظر المدينة عن بعد وسط الضباب والكاريبي المفتوح‮.‬
علي قمة التل تقبع مقابر الفقراء البائسة‮..‬دفعت البوابة التي يعلوها الصدأ بلا أدني جهد ثم دلفت حاملة فرع الزهور وسارت في الطريق الذي تحيطه القبور التي تغطيها النباتات المتسلقة حيث تتناثر حطام توابيت وعظام فحمتها الشمس.بدت القبور جميعها متشابهة في تلك المقابر المهجورة التي تتوسطها شجرة سيبا ذات أفرع ضخمة.كانت الحجارة المدببة تلحق الضرر بالحذاء الكاوتشوك الملتهب أصلا بفعل الشمس الحارقة التي تتسلل عبر نسيج المظلة.ثمة سحلية اجوانا ظهرت أمامها فجأة من بين الاشجار فتوقفت ونظرت إليها لبرهة قبل أن تفر بسرعة‮.‬
كانت قد انتهت من تنظيف ثلاثة شواهد وأصابها الارهاق وراحت تتصبب عرقا عندما نجحت أخيرا في التعرف علي ذلك الشاهد الرخامي المائل للاصفرار الذي يحمل اسم والدتها وتاريخ وفاتها قبل تسعة وعشرين عاما‮..‬كانت قد اعتادت أن تروي لها كافة الاخبار،‮ ‬فقد أخبرتها مثلا بجميع التفاصيل السرية لكي تساعدها علي اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان عليها أن تقبل الزواج أم لا واعتقدت أن الرد جاءها بعد أيام قليلة في صورة حلم بدا لها حكيما ولا يحتمل الخطأ.وتكرر الأمر ذاته عندما ظل ابنها بين الحياة والموت لاسبوعين بعد ان تعرض لحادث سير‮ ‬غير أنها اعتقدت انها تلقت الرد هذه المرة ليس في صورة حلم بل عبر محادثة بالصدفة البحتة مع سيدة اقتربت منها في السوق بدون أي مبرر‮..‬لم تكن ممن يؤمنون بالخرافات‮ ‬غير أنه كان لديها هذه الثقة المستندة إلي المنطق في أن هذا التناسخ الكامل بينها وبين والدتها مستمر حتي بعد وفاة الوالدة.وهكذا فقد طرحت عليها كافة الاسئلة التي جمعتها علي مدار العام ووضعت الزهورعلي القبروهي واثقة تماما في أنها ستتلقي الرد في أقرب وقت ممكن‮.‬
المهمة اكتملت:لقد اعتادت تكرار هذه الرحلة طيلة ثمانية وعشرين عاما متتالية في السادس عشر من شهر أغسطس من كل عام في نفس الوقت وفي نفس الحجرة بذات الفندق ومع نفس التاكسي ومن بائعة الزهور ذاتها تحت نفس الشمس الملتهبة في تلك المقابر الخاصة بالسكان الاصليين لتضع فرع الجلاديولس علي قبر والدتها‮..‬ومنذ هذه اللحظة لم يعج لديها ما تفعله حتي التاسعة من صباح اليوم التالي،‮ ‬وهو الموعد المحدد لمغادرة العبارة في رحلة العودة‮.‬
كانت تدعي انّا مجدالينا باخ،‮ ‬وكانت قد أكلمت عامها الثاني والخمسين من العمر والثالث والعشرين في زيجة تسير علي نحو طيب من رجل يحبها تزوجته قبل أن تتم تعليمها وهي عذراء بدون أية علاقات عاطفية سابقة‮..‬أما والدها فهو استاذ للموسيقي لا يزال وهو في الثانية والثمانين من العمر يشغل منصب مديرمعهد الموسيقي البلدي.وكانت والدتها معلمة نابهة للمرحلة الابتدائية ولم ترغب حتي آخر أنفاسها في أن تكون‮ ‬غير ذلك علي الرغم من مميزاتها الكثيرة‮.‬
ورثت أنا ماجدالينا عن والدتها جمال العينين المائلتين للصفرة وفضيلة قلة الكلام والذكاء الذي يمنحها القدرة علي اخفاء قوة شخصيتها.كانت والدتها قد أعربت عن رغبتها في أن تدفن في الجزيرة قبل وفاتها بثلاثة أيام.وكانت أنا ماجدلينا ترغب في أن ترافقها منذ الرحلة الاولي‮ ‬غير أن أحدا لم يتحمس فهي ذاتها لم تكن واثقة في قدرتها علي التغلب علي الشعور بالضيق.وعلي الرغم من ذلك فإنه في الذكري السنوية الاولي اصطحبها جدها للجزيرة لوضع الشاهد الرخامي علي مقبرة الام.شعرت بالفزع خلال الرحلة التي قطعتها في قارب بموتور والتي استغرقت قرابة الاربع ساعات وسط بحر لم يشهد لحظة من الهدوء‮..‬اعجبتها كثيرا تلك الشواطئ ذات الرمال الذهبية التي تجاور الغابة البكر وتلك الضوضاء الهادرة التي تحدثها الطيور والتحليق المبهر لطيور البلشون علي ضفاف البحيرة المغلقة‮.‬غير أنها شعرت بالحزن الشديد تجاه البؤس الذي تعانيه القرية التي يتعين علي أهلها أن يناموا في العراء في شباك النوم المعلقة بين نخيل جوز الهند،‮ ‬وهذا العدد الكبير من الصيادين الزنوج مبتوري الاذرع بسبب الانفجار المبكر لاصابع الديناميت.إلا أنها علي الرغم من كل ذلك فقد تفهمت رغبة والدتها عندما شاهدت بهاء العالم من القمة التي تقع عليها المقابر‮..‬عندئذ فقط اخذت علي نفسها ذلك العهد بأن تضع فرع الزهور علي قبر والدتها طوال حياتها‮.‬
أغسطس هو الشهر الأكثر حرارة خلال العام العام كما أنه الأغزر أمطارا،‮ ‬غير أنها كانت تنظر للأمر باعتباره التزاما شخصيا ينبغي عليها الوفاء به دون تأخير‮..‬ودائما بمفردها.وكان هذا هو الشرط الوحيد الذي فرضته علي زوجها قبل الزواج،‮ ‬وكان هو من الذكاء أن اعترف بأنه أمر خارج عن سلطته‮..‬وهكذا فقد تابعت أنا ماجدالينا تزايد الممرات الزجاجية التي تقيمها الفنادق السياحية،‮ ‬كما مرت بالتطور الذي شهدته الزوارق إلي اللنشات ذات المحرك وصولا إلي العبارت،‮ ‬وعلي هذا فقد كان لديها من الدوافع ما يشعرها بأنها أقدم سكان القرية‮.‬
عندما عادت إلي الفندق في تلك الظهيرة تمددت علي السرير بملابسها الداخلية فقط واستأنفت قراءة الكتاب الذي بدأت فيه خلال الرحلة.كانت رواية دراكولا الاصلية لبرام استوكر.كانت دوما قارئة ممتازة وكان أكثر ما يعجبها وتقرأه بنهم هي الروايات القصيرة من أي نوع مثل لاثاريو دي تورمس والعجوز والبحر والغريب وغيرها.ولكنها خلال الاعوام الاخيرة بعدما تجاوزت الخمسين أصبحت مولعة بروايات ما وراء الطبيعة‮.‬
أبهرتها دراكولا منذ البداية بيد أنها في ذلك المساء استسلمت للهديرالمتصل للمروحة المعلقة في السقف واستغرقت في النوم محتفظة بالكتاب فوق صدرها‮. ‬استيقظت بعد ساعتين فوجدت نفسها محاطة بالظلام وهي تتصبب عرقا وتشعر بجوع شديد وقد تعكر مزاجها.لم تكن هذه حالة استثنائية في روتينها خلال هذه السنوات.كانت حانة الفندق تظل مفتوحة حتي العاشرة مساء وكثيرا ما نزلت إليها لتتناول شيئا من الطعام قبل أن تنام.لاحظت أن هناك عددا من الزبائن يفوق المعتاد في مثل هذا الوقت وخيل إليها أن النادل قد تغير.طلبت ساندوتشا من اللحم المقدد والجبن مع الخبز المحمص وقهوة باللبن.لاحظت أنها كانت محاطة بعدد من الزبائن يماثل تلك الاوقات التي كان فيها الفندق الوحيد في المنطقة.ثمة طفلة سمراء كانت تغني بضع اغنيات بوليرو من الرائجة في ذلك الوقت،‮ ‬بينما يصاحبها أجوستين روميرو بالعزف علي بيانو ذي اوتار افقية‮ .‬
شعرت بالاكتئاب وأثقلها شعور بالمهانة لكونها تتناول طعامها وحيدة،‮ ‬لكنها كانت مرتاحة للموسيقي التي كانت ناعمة وحنونة كما أن الطفلة كانت تجيد الغناء‮..‬عندما عادت إلي طبيعتها لم يكن تبقي في الحانة سوي ثلاثة أزواج علي موائد متفرقة،‮ ‬وأمامها مباشرة كان يقف رجل مختلف لم تكت قد شاهدته يدخل للمكان.كان يرتدي ملابس من الكتان الابيض كتلك المنتشرة في زمن والدها وله شعر لامع وشارب جندي ذي طرفين مدببين.كانت المائدة التي يجلس عليها تحمل زجاجة من العرق وكأسا مملوءا حتي منتصفه‮ ‬،‮ ‬بينما كان هو يبدو وحيدا في العالم‮.‬
بدأ البيانو يعزف ضوء القمر لديبوسي في إيقاع يتلائم مع رقصات البوليرو وشدت الطفلة السمراء في حب.تأثرت أنا ماجدالينا بالموسيقي فطلبت كأسا من الجن بالصودا والثلج،‮ ‬وهو المشروب الروحي الوحيد الذي تسمح لنفسها به بين الحين والحين ويمكنها احتماله.اعتادت أن تستمتع بشربه علي رشفات مع زوجها الخبير في الشراب الذي كان يعاملها بأدب ولطف عشيق سري‮.‬
تغير العالم تماما بعد الرشفة الاولي وشعرت بأنها أصبحت علي ما يرام وبأنها سعيدة وجريئة وقادرة علي فعل اي شيء،‮ ‬وأشعرها ذلك الخليط السحري بين الموسيقي والكحول بأنها ازدادت جمالا.كانت تعتقد أن الرجل علي المائدة المقابلة لم ينظر إليها لكنها عندما أعادت النظر إليه بعد الرشفة الاولي من الجن فوجئت بأنه ينظر إليها‮..‬اصطبغ‮ ‬وجهه بالحمرة أما هي فعلي العكس تماما إذ ركزت بصرها عليه بينما راح هو ينظر للساعة في صبر نافد ثم نظر للباب وصب لنفسه كأسا آخر بارتباك بعدما أدرك أنها كانت تنظر إليه بلا هوادة‮...‬عندئذ بادلها النظر فابتسمت بدون تحفظ بينما حياها هو بهزة خفيفة برأسه وحينها قامت متوجهة إلي مائدته وباغتته بوخزة في كتفه‮ .‬
هل يمكنني أن أدعوك إلي شراب؟
هذا يشرفني‮.‬
يكفيني أن تقول إنه يسعدك‮.‬
قبل أن يجيب كانت قد جلست إلي المائدة وصبت الشراب في كأسه ثم في كأسها.وكانت تفعل ذلك بتمكن وأسلوب رفيع جعله لا يجرؤ علي أخذ الزجاجة منها ليمنعها من الصب‮.‬
في صحتك
رد بالمثل وقام كلاهما بتجرع الشراب دفعة واحدة.شعر بالاختناق وراح يسعل وقد ارتج جسده كله وسالت دموعه بغزارة‮. ‬أخرج منديله المعطر باللافندر ونظر إليها عبر دموعه المنسالة.لاذ كلاهما بالصمت لبرهة حتي انتهي من تجفيف وجهه واستعاد صوته‮. ‬تجرأت وسألته‮ :‬
امتأكد أن أحدا لن يحضر؟
قال بلا وعي‮- ‬الأمر كان يتعلق بلقاء عمل ولكنه لن يحضر‮.‬
سألته في دهشة محسوبة‮: ‬
لقاء عمل؟
ها أنا لم يعد لدي ما أفعله‮.‬
انهت الحديث في وقاحة ليست من طبيعتها ولكنها محسوبة جيدا‮.‬
سيتم الأمر في منزلك‮.‬
واصلت سيطرتها علي الوضع عبر لمساتها الرقيقة وحاولت أن تحزر سنة فأخطأته بعام إضافي:ستة وأربعون.حاولت كذلك أن تحزر جنسيته عبر لهجته إلا أنها أخطأت في ثلاث محاولات.ثم حاولت أن تحذر مهنته فسارع بالقول إنه مهندس مدني لكنها شكت في أنه يخدعها لإخفاء الحقيقة‮..‬
تحدثا عن وقاحة تحويل مقطوعة مقدسة لديبوسي لموسيقي لرقصة البوليرو‮ ‬غير أنه لم يكن قد لاحظ ذلك.تنبه إلي أنها تعرف الكثير عن الموسيقي بلا أدني شك أما هو فلم تكن معرفته تتعدي الدانوب الازرق.أخبرته بأنها تقرأ دراكولا بينما كان هو قد قرأها في طفولته في نسخة مبسطة للاطفال ولا يزال مبهورا بفكرة وصول الكونت إلي لندن متحولا إلي كلب.بعد الرشفة الثانية شعرت بأن العرق يختلط مع الجن في مكان ما من القلب وكان يتعين عليها أن تركز جيدا حتي لا تفقد اتزانها‮..‬انتهت الموسيقي في الساعة الحادية عشرة وكانت الحانة تنتظر انصرافهما لكي تغلق أبوابها‮.‬
في تلك اللحظة شعرت أنها تعرفه كما لو كانت تعيش معه منذ الأزل.كانت تعرف أنه نظيف ومهندم وله يدان نظيفتان مع أظافر تبدو وكأنها مطلية بشكل طبيعي.لاحظت ارتباكه أمام عينيها الواسعتين اللتين لم ترفعهما عن عينيه وأنه كان رجلا طيبا وجبانا.شعرت بالقوة الكافية التي مكنتها من أن تمنحه قبلة لم تخطر له باله ولا في أحلامه طوال حياته.سألته دون مواربة‮:‬
أنصعد؟
أجاب في خجل‮ ‬غامض‮:‬
لكني لا أسكن هنا‮.‬
لكنها لم تمهله أن ينهي عبارته‮ .‬قامت وهزت رأسها قليلا لتطرد آثار المشروب بينما تشع عيناها المتألقتان‮:‬
سأصعد أولا بينما تدفع الحساب‮..‬غرفة‮ ‬203‮ ‬بالطابق الثاني يمين السلم‮..‬لا تقرع الباب ادفعه فقط‮..‬
صعدت‮ ‬غرفتها تغمرها حالة من الشهوة لم تشعر بها منذ آخر لياليها كعذراء.أدارت مروحة السقف ولكنها لم تشعل الضوء.تعرت في الظلام‮  ‬وتركت الملابس ملقاة علي الارض في صف ممتد من الباب وحتي الحمام‮.. ‬عندما أشعلت المصباح كان عليها ان تغلق عينيها وتتنفس بعمق في محاولة لتنظيم أنفاسها والتحكم في الرجفة التي اصابت يديها.اغتسلت بسرعة‮ ..‬فرجها‮ ‬،ابطيها وأصابع قدميها التي كانت تحمل اثار خطوط الحذاء،‮ ‬ذلك أنه علي الرغم من العرق الغزير طوال اليوم فإنها لم تفكر في الاستحمام حتي موعد النوم‮..‬لم يكن لديها وقت لتفرش‮  ‬أسنانها فوضعت قطعة من المعجون علي طرف لسانها وعادت إلي الحجرة المضاءة بنور المصاح الخافت‮.‬
لم تنتظر ضيفها ليدفع الباب‮ ‬،‮ ‬بل فتحته هي من الداخل بمجرد أن أحست بوصوله فأصابه الفزع‮ :‬يا أمي‮..‬
لكنها لم تعطه المزيد من الوقت‮..‬خلعت الجاكت وربطة العنق والقميص وكانت تلقي كل ذلك علي الأرض.وبينما كانت تفعل كل ذلك كان جو الحجرة يعبأ برائحة اللافندر القوية‮.‬
حاول أن يساعدها في البداية ولكنها منعته بوقاحة‮ .‬وعندما أصبح نصفه العلوي عاريا أجلسته علي السرير وجلست علي الأرض لتخلع حذاءه وجوربه‮.‬
أما هو فقد فك الحزام فأصبح من السهل أن تجذب البنطال بدون أن يلتفت أي منهما لصليل المفاتيح وأصوات العملات المعدنية التي سقطت من الجيب‮...  ‬سلم تترك له زمام المبادرة‮ ..‬
امتطته وراحت تنهشه دون أي تفكير فيه حتي‮ ‬غرقا سويا في العرق‮..‬ظلت فوقه تكافح أولي وخزات الضمير وسط العرق وضوضاء مروحة السقف حتي تنبهت إلي أنه لم يكن يتنفس جيدا‮..‬
عندئذ نزلت عنه واستلقت بجواره‮ .‬ظل هو بلا حراك لبرهة حتي استعاد انفاسه وسألها‮:‬
لماذا أنا؟
لأنك بدوت لي رجلا‮..‬
الوجود مع سيدة مثلك شرف لي‮..‬
آه شرف‮..‬ألم يكن ممتعا؟
لم يجب وظلا ممددين سويا وسط ضجيج الليل‮ ..‬كانت الغرفة‮ ‬غارقة في عتمة البحيرة وكان من الممكن سماع خفقات أجنحة قريبة.سأل‮: ‬ما هذا؟
حدثته عن عادات البلشون في الليل‮ .‬وبعد ساعة بدت طويلة من الهمسات الخافتة،‮ ‬بدأت تستكشفه بأصابعها من صدره وحتي أسفل بطنه.ثم استكشفته كذلك بقدمها بطول ساقيه اللتين وجدتهما مغطاتين بزغب مجعد ذكرها بحشائش أبريل.بعد ذلك بدأت تستثيره بالقبلات الناعمة في اذنيه وعنقه ثم تبادلا للمرة الاولي قبلة في الفم‮.‬
عندئذ تحول هو إلي عشيق لطيف أوصلها بدون تعجل إلي أقصي درجات الشهوة.شعرت بالدهشة لأن تتمكن يدان مبتدئتان قادرتان علي الاتيان بكل ذلك ولكنه عندما حاول اثارتها بالطرق المتعارف عليها قاومت خشية أن تفسد فلتة المرة الاولي‮..‬ومع ذلك فقد دفعها بقوة وأجبرها علي الخضوع لذوقه وأسلوبه‮..‬وقد فعلت ذلك عن طيب خاطر‮..‬
بعد أن انتهيا من المرتين أيقظها دور رعد هزت الارجاء وفتحت الرياح القوية مزلاج النافذة.سارعت لاغلاقها وشاهدت عبر ضوء مفاجئ لضربة برق البحيرة الهائجة والقمر يلمع في الافق والبلشون الازرق يحرك جناحيه وسط العاصفة‮.‬
في طريقها للفراش تعثرت في ملابسهما الملقاة علي الأرض.تركت ملابسها لتلتقطها فيما بعد وقامت بتعليق الجاكت الخاص به علي ظهر المقعد وفوقه القميص وربطة العنق ثم طوت البنطال في دقة ووضعت فوقه المفتاح والمطواة والنقود التي كانت قد سقطت من الجيب.أصبح الهواء في الحجرة منعشا بفعل العاصفة ولذلك فقد ارتدت قميص النوم الوردي المصنوع من الحرير شديد النعومة‮ .‬كان الرجل نائما وقد باعد بين ساقيه وبدا لها كأنه يتيم ضخم فلم تستطع مقاومة دفعة مفاجئة من الشهوة.استلقت خلفه واحتضنته من وسطه إلا أنه أطلق شهقة وبدأ يشخر‮.‬
غفلت لبرهة واستيقظت وسط ضوضاء المروحة الكهربائية عندما راح ضوء النهار وغرقت الحجرة في ذلك الضي الفسفوري الاخضر للبحيرة.كان الرجل يواصل شخيره في صفير متصل‮. ‬وبدأت هي تداعب ظهره بأطراف أناملها‮ .‬توقف عن الشخير بقفزة مفاجئة وبدأت‮ ‬غريزته تصحو من جديد.تركته للحظة وخلعت قميص النوم في حركة واحدة ولكنها عندما عادت إليه كانت كل حيلها بلا فائدة إذ أدركت أنه كان يصطنع النوم ليفلت من المرة الثالثة.وعندئذ ابتعدت إلي الطرف الاخر من الفراش وارتدت قميص النوم مجددا واستغرقت في النوم‮.‬
أيقظتها ساعتها البيولوجية في الصباح‮..‬ظلت مستلقية لبرهة مغلقة العينين دون أن تجرؤ بالاعتراف بالالم الذي يخز صدغيها ولا الرائحة الكريهة التي تنطلق من فمها منذرة بأمر مجهول ينتظرها في حياتها الحقيقية‮..‬تنبهت إلي أن ضوء الصباح قد طلع وأن الحجرة قد أصبحت مضاءة بفعل الفجر الذي بزغ‮ ‬في البحيرة‮.‬
وفجأة‮ ‬،‮ ‬وكقبضة الموت،‮ ‬استيقظ ضميرها بوحشية علي حقيقة أنها للمرة الاولي في حياتها زنت ونامت مع رجل‮ ‬غير زوجها‮ ..‬عادت تنظر اليه مرتاعة ولكنه لم يكن هناك‮..‬لم يكن موجودا كذلك في الحمام‮..‬أضاءت الانوار كلها واكتشفت أن ملابسه لم تكن موجودة كذلك‮ ..‬فقط ملابسها هي كانت هناك لكنها لم تكن ملقاة علي الارض كما تركتها،‮ ‬بل مكوية بعناية وموضوعة علي الكرسي.حتي تلك اللحظة لم تكن قد انتبهت إلي أنها لا تعرف عنه شيئا‮..‬ولا حتي اسمه‮ ..‬كل ما بقي لها من تلك الليلة المجنونة هو راحة اللافندر القوية.فقط عندما تناولت الكتاب الموضوع علي المائدة المجاورة للسرير لضبه في الحقيبة اكتشفت أنه قد وضع بين صفحاته ورقة بعشرين دولارا‮.‬


منقول من أخبار الأدب

الخميس، 1 مايو 2014

ميثولوجيا القرن الواحد والعشرين




لم تتخلى البشرية عن الميثولوجيا في يوم من الأيام فهي مرآة طبيعية لوجوهنا المغتربة لرغبتنا الجامحة في أن نسير عكس الحقيقة وأن بني وهمنا الذي نريد أن نسجن بداخله عسى أن نحصل على السلام النفسي وتنام أعيننا ملؤ الجفون تلك الرغبة التي لن نحصل عليها أبداً لأننا جعلنا من الإنسان كائن ميثولوجي بدلاً من أن يكون كائن ميتافيزيقي - كما يقول شوبنهاور – وأسمحوا لي أن أضيف وفيزيقيٌ في آن .



الميثولوجيا في مقابل الميتافيزيقا :



تختلف الميثولوجيا عن الميتافيزيقا إختلاف جذري فالأولى لها صفتان أساسيتان هما الوهم و الخيال الأبستمولوجي ( الوهم المعرفي ) المرتبط بالإغتراب عن أصول وآليات وحقيقة المعرفة البشرية والصفة الثانية هي إضافة قدرات غير حقيقية وخارقة لشخص ما أو شيء ما في حين تتصف الثانية ( الميتافيزيقا ) بالحقيقة المعرفية وتطابق القدرة مع الفعل هو أذن إختلاف جذري بين الوجود والعدم أو لنقل بين ما هو موجود بالفعل وما هو موجود بالوهم – لأننا نجد مظاهر ثقافية وحضارية تُبنى على أسس أيدولوجية وهمية – الميثولوجيا أذن هي حالة إغتراب عن الميتافيزيقا تسمح للإنسان بالخروج عن قواعدها وسلطانها لكي يكون قادراً على فعل ما يهوى وما يشاء بدلاً من أن يفعل ما يجب أن يكون .



هو أذن صراع دائم بين الميثولوجيا والميتافيزيقا مرت فيه البشرية بثلاث مراحل رئيسية الأولى هي مرحلة إستبدال الميتافيزيقا بالميثولوجيا البدائية ( القصصية ) حيث أستبدل الإنسان الإله بالآلهه وبنى نسق عقدي ملحمي مشوه وخيالي والمرحلة الثانية هي مرحلة تشويه الميتافيزيقا بإدخال معتقدات ميثولوجية إليها حيث قام الإنسان بتشويه الدين لخدمة اغراض سياسية وإقتصادية وإجتماعية وغيرها كما حدث في العصور الوسطى الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نقطة الصراع بين القاهر والمقهور العلم والدين السلطة والشعب وبطبيعة الحال التحول إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة قتل الميتافيزيقا وإستبدالها بالإنسان \ الإله .



هنا أستُبدل الدين بالأخلاق الوضعية وتخطى العلم قدراته ليصبح سيد الموقف وحل الإنسان محل الإله إلا أن الأمم المختلفة لا تتساوى في تلك المراحل فالشعوب العربية على سبيل المثال لا تزال في مرحلة تشويه الميتافيزيقا والسؤال الأهم هنا ما الداعي إلى قتل الميتافيزيقا أو قتل الفيزيقا من الأساس فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية ولا ينشأ الصراع بينهما إلا في حالة تشويه أحدهما أو كلاهما الأمر الذي يؤدي إلى فقدهما لخصائصهما الحقيقية ويجعل حالة التكامل بينهما مستحيلة أو شبه مستحيلة .



كما أن الدين والواقع والإنسان ثلاثية يجب أن تكون مكوناً واحداً لا إنقسام فيه ولا تضاد فالدين يجب أن يكون متوافقاً مع الفطرة السوية للإنسان تلك التي تلبي إحتياجاته النفسية والروحية والجسدية بصورة صحيحة وسوية لكي لا يركن إلى ذلك الجزء الحيواني بداخله ولكي ينال السعادة في الدنيا والآخرة وإلا فلمن يكون الدين كما ان الواقع يجب أن يكون مرآة لإيمان الإنسان بالدين وتطبيقاً له في الحياة  إلا ان التاريخ ينبأنا بغير ذلك لا لأن الدين لا يتناسب مع الفطرة البشرية ولكن لأن الإنسان أغترب عنها ليصبح حيوان مفترس قادر على تشويه الدين ورسم واقع مآساوي ومظلم في آن هي أذن معضلة تاريخية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض حديثة بفعل الإغتراب المستمر لبني البشر .

ولكي تكون ثلاثية الدين والإنسان والواقع مكوناً واحداً لا إنقسام فيه ولا تناقض يجب علينا أن نقضي أولاً أو على الأقل أن نقلل من حالة الإغتراب الإنساني لأنه وحده القادر على تشويه الدين لكي يتناسب مع مايهوى الإنسان ومايشاء وبالتبعية رسم واقع مظلم ومأساوي كما ذكرت من قبل وفي ظل الوضع الراهن وظهور أشكال مختلفة من الكهنوت المقنع في عالمنا العربي والإسلامي وجب علينا ان أردنا أن نتحرر منه ومن كل أشكال العبودية الثقافية  ان نعود إلى التمييز بين الأصول والفروع الثوابت والمتغيرات المتن ومساحة الهامش التي يجب ان نتحرك فيها جميعاً كما يجب أن يفتح باب الإجتهاد بشكل جدي من جديد سواء بدأ من حيث أنتهى الاخرون  بما يتناسب مع أوضاع العصر أو بدأ من الأصول أي من القرآن والسنة كما يجب الفصل بين كل ما هو إجتماعي وماهو ديني نظرلصبغ العادات مع مرور الأيام بصبغة مقدسة مما يجعلها تحفظ في الذاكرة الشعبية بتلك الصبغة الدينية هذا بالإضافة إلى  أن التربية الدينية يجب أن تندمج مع الواقع ومشكلاته وأن تنتقل حتى على مستوى العقيدة من مرحلة إدراك الحقيقة إلى مرحلة إدراك أبعادها – أي إدراك الأسباب والنتائج  -  الأمر الذي سيؤدي إلى تربية وعي جمعي ناقد قادر على التحليل ومعالجة المشكلات بصورة لا ينفصل فيها ماهو ديني عن ماهو إنساني وواقعي وأخيراً يجب أن تنتقل تلك الرؤية إلى ديانات ومذاهب مختلفة وان تعمل على تنمية فكرة التعايش المشترك والسلام الإجتماعي والعالمي لكي تصل المجتمعات إلى حالة بنائية داخل المجتمع الواحد – أي حالة تعتمد على التكامل لا الصراع – والأمم إلى حالة من التعارف والتعايش السلمي كما ان تلك الرؤية لا يجب أن تكون لها قواعد ثابته اللهم إلا الحفاظ على الأصول والسعي من أجل إلغاء حالة الإغتراب الإنساني لكي لا تفقد ديناميتها وقدرتها على تحقيق مقاصدها بأختلاف الأزمنة والأمكنة .



فلسفة السلطة في مقابل إغتراب السلطة :



السلطة كما قال كثير من الفلاسفة هي نتاج تنازل الشعب عن بعض حقوقه للحكومة عن طريق إبرام عقد إجتماعي معها يُسمحُ لها بمقتضاه بإدارة شؤون الدولة نيابة عن الشعب هي أذن ضرورية ومنطقية في آن ولكن متى تكون السلطة مغتربة.. ؟ تكون السلطة مغربة إرادياً حينما لا تبنى على أيدولوجيا سليمة ( أي لا تتوافق مع المنطق والحدس السليميين أو بعبارة أخرى مع الفطرة البشرية هذا بالإضافة إلى هوية المجتمع الخاصة ) أو عندما لا تطبق تلك الأيدولوجيا على أرض الواقع وفي كلتا الحالتين ينشأ الصراع داخل المجتمع.. فالفطرة البشرية لا تقبل الظلم والقهر والقمع لا تقبل الفقر والإحتكار والتحكم ولا ترضى إلا بالمساواة والعدالة والحرية  هذا بالإضافة إلى التفرد أيضاً فيما يتعلق بهويتها الخاصة .



إلا ان السلطة لم تتخلى عن إغترابها إلا في حالات قليلة من تاريخ البشرية فالإنسان مر بحكم الإله ( الفرعون والإمبراطور وغيرهما ) ثم الحكم بأمر الإله في العصور الوسطى وفي المرحلة النهائية أنتقل إلى حكم الإنسان \ الإله في العصر الحديث هي أذن صورة ميثولوجية وهمية تتيح للسلطة فعل ما تشاء عن طريق السيطرة على الوعي الجمعي وللإنسان فعل ما يشاء ولكن لأننا كائنات ميتافيزيقية بطبعها علينا إستبدال الميتافيزيقا بصور مختلفة للميثولوجيا .

  



ثقافة الـ 0 في مقابل ثقافة الـ



الثورة هي " القضاء على حالة الإغتراب الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للأمم  " تلك الحالة التي تجعل مغترباً إرادياً وآخر قهرياً ( ظالماً ومظلوماً ) في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة في معادلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية مغلوطة الأمر الذي يؤدي إلى محاولة تغيير تلك المعادلة من أجل بناء نظام جديد سوي وعقلاني .



ذكرت من قبل أن التاريخ يسير بشكل دائري يتمثل في دائرتين تسيران بإتجاهين متعاكسين الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين أمتين ثم إنتصار أحدهما على الآخرى ثم مرحلة القوة والضعف والعودة إلى الصراع من جديد في حين تبدأ الثانية بمرحلة الصراع ثم الهزيمة ثم الضعف ثم مرحلة إفاقة إحدى الأمم والعودة إلى الصراع من جديد هذا الشكل الدائري للصراع يتسم به التاريخ بشكل عام وتاريخ الأمم المختلفة بشكل خاص وذكرت أن الحل يكمن في الوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة وحالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة وتلك هي وظيفة الثورات .



نعم فالثورات تدخل في دائرة الصراع لكي تصل إلى هاتين الحالتين في حين تحاول السلطة أن تقف عند مرحلة القوة وهي مرحلة الصفر أو العدم ( اللاشيء ) وسأحاول ان أشرح هذا بشيء من التفصيل فالثورة قبل أي شيء تكون ثورة معرفية ( فكرية ) لأنه بالرغم من ان العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية إلا أن الفكر يظل سابق على المادة – وأتحدث هنا عن علاقة الإنسان بالإنسان فقط – لأنه سابق على الفعل البشري المنشيء للمادة \ الواقع من الأساس .



السؤال الأهم هنا كيف يكون الصراع بين الثورة والسلطة.. ؟ أعتقد ان الصراع يكون عن طريق فرض حالة من " الحركة السالبة للثقافة " من قبل السلطة وإيجاد " حركة موجبة للثقافة " من قبل الثورة الأولى تتميز بشيئين الحركة السالبة أي حركة إلى الوراء ( عكس عقارب الساعة ) والهدم لبنى " الحركة الموجبة للثقافة " وهي حركة مغتربة عن العصر والتطور الطبيعي للثقافة البشرية وثقافات الأمم الخاصة وينتهجها كل من السلطة ومن والاها والأطراف الأخرى التي تريد أن تصل إلى السلطة ولكن مع الحفاظ على خصائصها " السيئة " كما هي أو بمعنى آخر الأطراف التي لا يشغلها التغيير في حد ذاته بل تغيير السلطة بسلطة أخرى والطرفان يحاولان أن يفرضا حالة من الحركة السالبة للثقافة لكي يحافظوا على مصالحهم ويمنعوا أي تغيير حقيقي في المجتمع .



والثانية تتميز بثلاثة أشياء الديناميكية ( الحركة التفاعلية ) والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل وإذا إستطاعت السلطة السيطرة على الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة  المجتمع تسيرإلى الوراء حتى يصل إلى ثقافة الصفر وهي ثقافة تتميز بشيئين الإستاتيكية ( أي ثبات النظام ) والدوجما ( الإنغلاق الفكري ) وهي ثقافة عدم أو لا شيء إلا أنها وفي نفس الوقت تضفي على الواقع قيم مطلقة كالصفر الذي لا يساوي شيئاً إلا انه له قيمة رياضية مطلقة .



وبالفعل تحاول السلطة أن تفعل ذلك عن طريق فرض أسطورتين أساسيتين الأولى هي أسطورة الفناء عن طريق إيهام الوعي الجمعي بأن الثورة هي مجرد فعل فوضوي سيؤدي في نهاية المطاف إلى فناء الدولة التي لن تستطيع تلبية حاجات البشر الأساسية من مأكل وأمن ومأوى وهي الحاجات الأساسية للوجود البشري في حد ذاته والثانية هي أسطورة المنقذ من الفناء ( النظام أو الفرد أو الدولة ) وبغض النظر عن ماهيته يظل هذا المنقذ بطلاً أسطورياً نصنعه ليتحكم بنا .



أما إذا إستطاعت الثورة إقناع الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة المجتمع تسير إلى الأمام حتى تترسخ مبادئها في عقله ووجدانه  وهنا ينتقل المجتمع إلى ثقافة الفاي ( المالانهاية ) التي تتميز بالديناميكية والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل فالثورة لا تتوقف – وأنا هنا لا أعني الإحتجاج وأن كان مهماً حتى تتحقق مطالب الثورة – ولكن أعني التطور المستمر للمنظومة المعرفية للمجتمع التي تجعل كل ما هو متغير في حالة تطور مستمرمع الحفاظ على ما هو ثابت بالطبع .



العلم في مقابل الميتافيزيقا :



الثورة معرفية في الأساس والمعرفة أشمل من العلم لأنها لا تقتصر فقط عليه وتُبنى على معتقدات فكرية حقيقية راسخة ورصينة فالثقافة العلمية على سبيل المثال تعتمد على أذهان تفكر بطريقة تفكيرعلمي تلك التي كانت ولازالت ضرورية لبناء المعرفة العلمية من الأساس وكما ذكرت من قبل نحن من نجعل الميتافيزيقا والفيزيقا العلم والدين المادي والملموس واللامرئي في حالة صراع لا تكامل لخدمة أغراض أخرى لها أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية المختلفة .





هناك من يرى أن التطور المعرفي يتسم بالتراكم والإتصال وهناك من يرى مثل ميشيل فوكو أن التطور المعرفي للبشرية يأتي من القطيعة لا الإتصال ويُقصد بالقطيعة هنا القطيعة المعرفية عما هو سائد في المجتمع في عصر معين هذا بالإضافة إلى أن المعرفة - حتى من منظورها التاريخي - متغيرة وفقاً لرؤى العصر الذي تُبنى فيه وأعتقد أن التطور المعرفي يتسم بالصفتين في آن بمعنى أنها تكون قطيعة معرفية عما هو سائد في المجتمع لكنها تظل تراكمية إذا نظرنا إلى التاريخ المعرفي للبشرية ككل فنسبية أينشتاين كسرت كل ما هو متعارف عليه وسائد لقوانين نيوتن وهذا أدى بطبيعة الحال إلى صراع شديد بين من يمتلكون عقل دوجمائي ومن يمتلكون عقل ديناميكي منفتح إلا أن النظريتان الان في حالة تكامل لا صراع فأينشتين لم يقضي على قوانين نيوتن بل وضعها في مكانها الصحيح وأضاف إلى المعرفة العلمية بصمته بطبيعة الحال .



العلم أيضاً في صراعه مع الميتافيزيقا مر بثلاثة مراحل الأولى هي مرحلة إستبدال العلم والميتافيزيقا بالميثولوجيا وهنا أتفق مع كانت في أنها كانت مرحلة لا علمية في الأساس وتعتمد على التفكير الأسطوري الخيالي والثانية كان فيها العلم خادماً للميتافيزيقا المشوهه والثالثة هي مرحلة العلم \ الميثولوجيا حيث حل العلم محل الميتافيزيقا وبالتبعية أصبح أسطورياً لأنه حل محل الإله وبطبيعة الحال أتصف بصفتي الوهم الأبستمولوجي وإضافة قدرات غير حقيقية وخارقة له إلا أن الخطير هنا هو توهم الإنسان القدرة المطلقة ومنها القدرة على الخلق مما جعله يحاول أن يشييء الإنسان ويؤنسن الشيء وبدلاً من أن يستخدم العلم في التوافق والتكيف مع الطبيعة وحل مشاكله المختلفة أصبح شغله الشاغل هو التحكم في الحياة نفسها الأمر الذي أدى إلى سقوطه في شرك الميثولوجيا والإغتراب .

الخميس، 17 أبريل 2014

غابرييل غارسيا مركيز


 رحل من عرف أن للإنسان أجنحة لا ترى فجعل الواقع سحرياً وسحر الخيال واقعاً يمشي على قديمن

«عظام الصدي‮».. قصة لصمويل بيكيت تنشر بعد رفضها من‮08 ‬سنة



داليا آلبيرج ت‮:‬‮ ‬أمير زكى

القصة الملغزة بعنوان‮ "‬عظام الصدي‮" ‬كان من المفترض أصلا أن تصبح القصة الأخيرة في المجموعة القصصية‮ "‬وخزات أكثر منها ركلات‮"‬،‮ ‬المجموعة المكونة من قصص متصلة ونشرت عام‮ ‬1934‭.‬‮ ‬ولكن الناشر في هذا الوقت،‮ ‬تشارلز برينتس بدار شاتو وويندوس،‮ ‬رفض الحكاية لأنها صعبة وغريبة جدا‮. ‬أبلغ‮ ‬برينتس الخبر لبيكيت في خطاب فظ‮: "‬إنها كابوس‮.. ‬إنها أغاظتني‮... ‬أنا متأكد أن عظام الصدي ستجعل الكتاب يفقد العديد من القراء‮. ‬سيضطرب الناس ويتحيرون ويرتبكون‮. ‬ولن يتحمسوا لتحليل الاضطراب‮". ‬مضيفا‮: "‬أنا أكره قول هذا‮".‬

القصة المكونة من‮ ‬13‭,‬500‮ ‬كلمة لم تُضَمَّن في المجموعة المنشورة وظلت مختبئة من ساعتها في الأراشيف الأمريكية،‮ ‬متلقية اهتماما محدودا من دارسي بيكيت‮. ‬نشر دار‮ "‬فيبر آند فيبر‮" ‬لها في‮ ‬17‮ ‬أبريل سيكون حدثا كبيرا للمعجبين بالكاتب الأيرلندي ومؤلف‮ "‬في انتظار جودو‮"‬،‮ ‬الذي مات عام‮ ‬1989‭.‬‮ ‬فاز بيكيت بجائزة نوبل في الأدب عام‮ ‬1968‮ ‬وألهم أدباء عظاما آخرين مثل هارولد بنتر‮.‬

حرر الطبعة الأخيرة من المجموعة د‮. ‬مارك نيكسون،‮ ‬القاريء بالأدب الحديث بجامعة ريدينج،‮ ‬وهو أيضا مدير مؤسسة بيكيت العالمية،‮ ‬هو رئيس مجتمع صمويل بيكيت ونشر بشكل واسع عن أعمال بيكيت‮. ‬كتب نيكسون في المقدمة‮: "‬الاعتبار الأدبي لعظام الصدي واضح‮: ‬وبالإضافة إلي ذلك هي وثيقة مهمة‮".‬

كان برينتس ناشرا يصعب إرضاؤه‮. ‬عام‮ ‬1932‮ ‬رفض أيضا عمل بيكيت السردي الأساسي الأول وهو روايته‮: "‬حلم جميل لنساء عاديات‮" ‬كـ‮ "‬شي‮ ‬غريب‮" ‬علي الرغم من أنه اعترف لاحقا بأن‮ "‬ربما كنت علي خطأ‮". ‬شعر أن المشكلة هي أنه‮ "‬لم يفهم نصفها‮". ‬حتي نشرت بعد وفاة بيكيت عام‮ ‬1992

عندما تلقي برينتيس المسودة لمجموعة‮ "‬وخزات أكثر منها ركلات‮" ‬في سبتمبر‮ ‬1933،‮ ‬طلب من بيكيت أن يزيد حجمها بإضافة قصة أخري‮: "‬10‭,‬000‮ ‬كلمة أخري أو حتي‮ ‬15‭,‬000‮ ‬لهذا الغرض،‮ ‬وأنا متأكد أن هذا سيساعد الكتاب‮". ‬ولكن برفضه لعظام الصدي،‮ ‬نشر المجموعة بعد عدة أشهر بـ‮ ‬10‮ ‬قصص وليس‮ ‬11

القصة المرفوضة تحتوي علي بطل القصة التاسعة،‮ ‬الأصفر‮. ‬في‮ "‬الأصفر‮" ‬الشخصية الرئيسية،‮ ‬بيلاكوا،‮ ‬يموت بعد إجراء جراحة في المستشفي‮. ‬في‮ "‬عظام الصدي‮" ‬يواجه بيلاكوا ما بعد الموت.في ديسمر عام‮ ‬1933،‮ ‬كتب بيكيت لصديق أن رفض القصة‮ "‬التي وضعت فيها كل ما أعرفه والكثير مما أنا مهتم به بشكل كبير،‮ ‬أحبطني بعمق‮".‬

يعتقد نيكسون أن فشل القصة دفع بيكيت ليكتب قصيدة بالاسم نفسه،‮ ‬ليستخدم العنوان مجددا في مجموعته الشعرية الأولي‮ "‬عظام الصدي ورواسب أخري‮"‬،‮ ‬التي نشرت عام‮ ‬1935‭.‬

يكتب في المقدمة أنه بالقراءة الأولي لقصة‮ "‬عظام الصدي‮" ‬لا يمكن للمرء سوي أن يتعاطف مع قرار برينتس،‮ ‬لأن القصة‮ "‬صعبة وغامضة في بعض الأحيان‮" ‬مضيفا‮ "‬ولكن إن كانت القصة جامحة وغير منظمةـ فهي كذلك بشكل رائع‮... ‬عظام الصدي بلا شك دالة بشكل مكثف،‮ ‬جويسية أكثر من أي عمل مبكر آخر بيكيت؛ سواء في المستوي السردي أو البناء،‮ ‬انها تستخدم مساحة من المواد،‮ ‬من العلوم إلي الفلسفة إلي الدين إلي الأدب‮... ‬وتمزج الحكايات الخيالية بالأحلام القوطية بالأساطير الكلاسيكية،‮ ‬عظام الصدي في أجزاء منها قصة رائعة ممتلئة بالعمالقة والمنازل الشجرية ونباتات اللفاح والنعام وعوش الغراب،‮ ‬تميل إلي تقليد القصص الشعبية كما اشتهرت علي يدي ييتس والأخوين جريم‮".‬

سئل نيكسون لم استغرق هذا الوقت الطويل قبل نشر القصة،‮ ‬فأجاب لجريدة الأوبزرفر‮: "‬أثناء حياته،‮ ‬كان بيكيت أقرب للسلبية تجاه معظم أعماله التي كتبت في الثلاثينيات،‮ ‬وكان متحفظا تجاه السماح بإعادة نشر النصوص التي نشرت في هذا العقد‮... ‬لم نكن لننشر هذا النص لو كان ببساطة قد تجاهلها أثناء عملية الكتابة‮. ‬أراد بيكيت بشكل واضح أن ينشر النص،‮ ‬وهذا هو سبب أنه كتبه وقدمه لدار شاتو،‮ ‬ليكون تحت تصرفهم‮". ‬إدوارد بيكيت ابن أخ الكاتب والقيم علي أعماله صرح للأوبزرفر‮: "‬هذا نص مهم جدا،‮ ‬أمر طيب أن يصير متاحا بعد وقت طويل‮".‬

عن الجارديان

منقول من موقع أخبار الأدب

الاثنين، 17 مارس 2014

ثمة أحدٌ نائمٌ في داخلي..مختارات من أليخاندرا بيثارنيك



ترجمة وتقديم - كاميران حاج محمود

أليخاندرا بيثارنيك إحدى الشاعرات البارزات في اللغة الإسبانيّة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. اتّسم شعرها بالسوداويّة، وبحضورٍ طاغٍ للخوف والعُزلة والموت، محُاذِياً اضطراب شخصيّتها الذي تفاقم ليتحوّل إلى كآبةٍ عميقةٍ ألمّتْ بها لاحقاً. ولا تُخفي النبرةُ الفريدةُ في شعرها، تشرُّبها العميق للتحوّلات التي حملتها حركة الأدب والفنّ الطليعيّ آنذاك. ولعلّ تأثرها المبكّر بالسرياليّة شكّل أوضح ملامح القصيدة عندها، وخصوصاً بعد انتقالها إلى باريس والتقائها بمجموعة من الأدباء والفنانين المُؤثِّرين، تعرّفت إليهم هناك، وانعقدت بينهم الصداقات أمثال أوكتابيو باث، وخوليو كورتاثر، وسواهما ممن ساعدوها على الدخول إلى المناخ الثقافي المُتّقد في ذلك الوقت.

لا تخفى الهواجس في شعرها، بيأسها واضطرابات ماضيها، فيما الهوسُ باللغة يقودُ إلى البحث المستمرّ عن صوتٍ ذاتيٍّ، تراهُ مفقوداً على الدوام. تبدو قصيدتُها كَيَدٍ تُزيحُ غلالةً رقيقة عن نافذةٍ تقعُ في الداخل، خلفها تتوارى رغبةُ بيثارنيك المُلحّة في إذابة الشعر والحياة، أحدهما في الآخر.

ولدت بيثارنيك في بوينس آيرس عام 1936 لعائلة مهاجرة تنحدر من أصولٍ يهوديّة روسيّة، ودرست الأدب في جامعة العاصمة الأرجنتينية. نشرت أعمالها المبكّرة في ثلاثة دواوين في خمسينيات القرن الماضي، تجلّى فيها تأثّرها بالشاعر الفرنسي آرتور رامبو. عام 1960 سافرت إلى باريس حيث درست الأدب الفرنسي في السوربون، وتعاونت مع عددٍ من الصحف والمجلّات الثقافيّة، نشرت فيها قصائدها وترجماتها لأدباء فرنسيّين كأنطونان آرتو، وهنري ميشو، وإيف بونفوا وغيرهم. سنة 1964 عادت بيثارنك إلى الأرجنتين بشهرةٍ كبيرةٍ وجوائز أدبيّةٍ عدّة، حيث نشرت أعمالاً جديدة اعتُبِرت الأهمّ في نتاجها الأدبي، كاشفةً عن نُضج شعرها وخصوصيّته مثل: «الأشغال والليالي (1965)»، و«استخراج حجارة الجنون (1968)»، و«الجحيم الموسيقيّ (1971)». بجرعةٍ زائدةٍ من الأدوية أنهتْ بيثارنيك حياتها سنة 1972.

أنا...



جناحَايَ؟

تُويجَان مُتعفّنان

عقلي؟

كؤوسٌ صغيرةٌ من نبيذٍ لاذِع

حياتي؟

فراغٌ مَدروسٌ بعِنايَة

جسدي؟

شَق ٌفي كُرسيٍّ

تردُّدِي؟

صَنجٌ طُفوليٌّ

وجهي؟

صِفرٌ مُتَخَفٍّ

عينايَ؟

آه! قِطعَتانِ مِنَ اللانهاية



الزمن



لا أعرفُ عن الطفولةِ

سِوى أنهّا خوفٌ مُضيءٌ

ويدٌ تجرُّني

نحوَ ضِفّتي الأُخرى.

طُفولَتي وعَبقُها

من مُلاطَفةِ عُصفور.

أزرق



كبرتْ يدايَ بالموسيقى

وراءَ الأزهار

لكنْ الآن،

لماذا أقْتفيكَ أيُّها الليلُ؟

لماذا أخلدُ إلى النومِ مع مَوتاك؟



من هذه الضفّة



لا أزالُ حينَ يلمعُ عاشقي

كنجمٍ غاضبٍ في دَمي

أنهضُ من جُثّتي،

وحذرةً كيلا أطأَ ابتسامَتي الميّتة

أذهبُ إلى لقَاءِ الشمس.

من ضفةِ الحنينِ هذِه

كلُّ شيءٍ يبدو ملاكاً.

الموسيقى صديقةُ الريحِ

صديقة الأزهارِ

صديقات المطرِ

صديق الموت.

***

قفزتُ مِنّي إلى الفجر.

تركتُ جسدي لِصقَ النّورِ

وأنشدتُ حُزنَ ما يُولَد

***

بقميصِها المُشتعلِ تَقفِزُ

من نجمةٍ إلى نجمة.

من ظلٍّ إلى ظلّ.

تمُوتُ من موتٍ بعيد

تلكَ، مَنْ تعشقُ الرّيح.

***

الآن

في هذه الساعةِ الوادِعة

نجلسُ، أنا والمرأةُ التي كنتُ

على عَتبةِ نظرَتي

***

أن أقولَ بكلماتٍ من هذا العالم

إنّ زورقاً انطلقَ مِنّي حاملاً إيّاي

***

القصيدةُ التي لا أبوحُ بها،

التي لا أستحِقُّها.

على دربِ المرآةِ

خوفُ أنْ أكونَ اثنتين:

ثمّةَ أحدٌ نائمٌ في داخلي

يأكلُني ويشربُني.

***

كقصيدةٍ تُدركُ

صمتَ الأشياء

أنتَ تتكلّمُ كيلا تراني

***

حينما أرى العُيونَ

التي وُشِمتْ في عينيَّ

***

في الليل

مرآةُ الصغيرةِ الميّتة

مرآةٌ مِن رُفات

***

أنتَ مَنْ يختارُ مَوضعَ الجُرح

حيثُ ننطقُ صمتَنا.

أنتَ مَنْ يجعلُ حياتي

هذا الاحتفالَ شديدَ النّقاء.



ظلُّ الأيّام الآتية



غداً

عندَ الفجرِ سيَكسُونَني بالرّمادِ

وسيملؤون فَمي بالأزهار.

سأتعلّمُ أن أنامَ

في ذاكرةِ جدارٍ،

في تنفُّسِ

حيوانٍ يحلُم.

***

ولكنّي أُريدُ أن أنظرَ إليك

إلى أن يبتعدَ وجهُك عن خَوفي

كما يبتعدُ طائرٌ عن حافّةِ الليلِ الحادّة.

***

فجأةً، كطفلةٍ من طباشيرَ ورديّةٍ على جدارٍ

رسمٌ قديمٌ محَاهُ المطرُ.

 ***

للّيل شكلُ صرخةِ ذئب.



مُقاربات



وأنا أُعانقُ ظلّك في حُلمٍ

كانت عِظامي تتقوّسُ مِثل أزهارٍ

***

خطواتٌ في ضبابِ

حديقةِ الليْلَك

القلبُ يرجِعُ

إلى نورهِ الأسود

***

تتمنّى لو تعيشُ أبداً

كشيءٍ منسيٍّ في يدِ ميّتٍ

***

أغنياتٌ غامضةٌ

من بلدٍ مّا جرفتْهُ الأمطارُ

أغنياتُ قارِعي الأجراسِ

ذكرياتُ الليلةِ التي أحبّها رجلٌ ما



إذا البحرُ من أجلِ قيثارةٍ

أغرقَ ملائكةً ساخطةً في الرّيح

***

عصافيرٌ مُغبرّةٌ

دماءٌ قديمةٌ على أجنحتِها

أزهارٌ معدنيّةٌ منسيّة

بيوتُ العنكبوتِ عاشقة الفضاء

حيثُ يعيشُ الزمنُ الذي يمضي

***

قلب المطرِ حلَلْتُ وِثاقه

أغنياتٌ شعبيّةٌ

أطعمتْ صمتي.

***

الليلُ موشومٌ على عِظامي.

الليلُ والعَدم.

***

ثمِلةٌ بصمتِ

الحدائقِ المهجورة

ذاكرتي تنفتِحُ وتنغلِق

كبابٍ في مهبِّ الرّيح
 
منقول من مجلة الدوحة الثقافية

الثلاثاء، 25 فبراير 2014



 



" الشاعر لا يلطخ يديه بالسياسة 
لكن روحه مطعونة بكل حرية "

أنسي الحاج

الأحد، 2 فبراير 2014

من المتحف الإسلامي ودار الكتب مشاهد حية للخراب



أسامة فاروق

في جهادهم لنصرة الإسلام دمر المجاهدون المكان الذي‮ ‬يضم أكبر وأهم وأندر ما تبقي من التراث الإسلامي‮..‬عبث،‮ ‬يقابله لامبالاة شعبية وتصريحات رسمية لاتقل عبثية،‮ ‬المسئولون الذين ربما اكتشفوا بالصدفه الكارثة التي لحقت بمتحف الفن الإسلامي ودار الكتب جراء التفجير الذي استهدف مديرية أمن القاهرة الأسبوع الماضي تركزت تصريحاتهم حول الأموال التي سبق وصرفت علي المبني،‮ ‬وعلي المجهودات الخارقة التي سيقمون بها لاعادة تجميع المبلغ‮! ‬أي مبلغ‮ ‬هذا الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعيد مشكوات السلطان حسن،‮ ‬أو محراب رقية أو الوثائق التي دمرها التفجير الغشيم؟
ماحدث كارثة حقيقية للأسف شغلت العالم أكثر مما شغلتنا،‮ ‬تعيد المبني إلي نقطة الصفر وربما أبعد قليلا بعد رحلة علاج استمرت لأكثر من عشرات سنوات،‮ ‬تعود الآثار والوثائق الفريدة الي ظلمات المخازن مجددا بعد فترة عرض قصيرة لم‮ ‬يزها خلالها أحد تقريبا،‮ ‬فمن سيلتفت إلي التاريخ في الوقت الذي‮ ‬يفجر فيه الحاضر والمستقبل‮.‬
الغريب أنه عندما تم التفكير في إنشاء متحف الفن الإسلامي ودار الكتب كانت الفكرة الأساسية هي أن‮ ‬يكمل المبني صورة العمارة الإسلامية في القاهرة،‮ ‬اختير مكانه وسط القاهرة القديمة ليحقق هذا الغرض،‮ ‬المنقول‮ ‬يكمل الثابت فتعرض الحضارة الإسلامية كاملة من كل العالم الإسلامي ثم في مصر،‮ ‬وطريقة العرض كانت توضح ذلك،‮ ‬خاصة وأن الفن الاسلامي بالتحديد‮ ‬غير منفصل،‮ ‬فهو عبارة عن حقب تكمل بعضها وطرز معمارية وفنيه تتطور وتنتقي من بعضها،‮ ‬والان أصبح مكانة المميز سببا في دماره‮.‬
أكثر من مائة عام مرت عليه وهو ثابت في مكانة ويتغير العالم من حوله،‮ ‬تغير نظام الحكم،‮ ‬وتتابعت حكومات،‮ ‬وتغيرت أزياء وأنماط ووسائل المواصلات،‮ ‬وحده ظل الثابت الوحيد الذي لا‮ ‬يتغير،‮ ‬حتي ضاقت الدنيا من حوله،‮ ‬وزاحمته في مقره الذي كان بعيدا في‮ ‬يوم ما‮..‬ليته ظل في عزلته،‮ ‬فالعزلة بالتأكيد أفضل من الخراب‮.‬
نستعرض هنا مشاهد حيه للخراب الذي أصاب المبني ومايضمه من تراث نادر،‮ ‬نذكر بتاريخه وما‮ ‬يحويه من كنوز لاتقدر بثمن‮. ‬


من الحاكم لباب الخلق
 
 
الوجهة الرئيسية للمتحف الإسلامى فى الأربعينيات‮ ‬من القرن الماضى
ترجع فكرة متحف الفن الإسلامي إلي عام‮ ‬1869‮ ‬حين اقترح المهندس‮ "‬سالزمان‮" ‬علي الخديو إسماعيل إنشاء متحف للآثار الإسلامية‮ ‬يضم ما تيسر من تحف وآثار،‮ ‬غير أن هذه الفكرة ظلت معطلة حتي عهد الخديو توفيق،‮ ‬وحتي صدر عام‮ ‬1880‮ ‬مرسوم بتكليف وزارة الأوقاف بتخصيص مكان للمتحف الوليد‮.‬
لكن الحكاية بدأت قبل ذلك بكثير حين رأي مثقفو أوروبا المهتمون بالدراسات الشرقية مدي ما وصلت إليه حالة الآثار الإسلامية في مصر من تدهور شديد وإهمال،‮ ‬علي عكس الآثار الفرعونية التي كانت تحظي باهتمام العالم كله في ذلك الوقت من القرن التاسع عشر،‮ ‬وقتها اقترح‮ "‬جابرييل شارمز‮" ‬أحد أهم الكتاب الفرنسيين إنشاء لجنة لحفظ الآثار الإسلامية في مصر،‮ ‬علي‮ ‬غرار لجنة تأسست في باريس سنة‮ ‬1837‮ ‬لحفظ وحماية الآثار التاريخية وإحياء الطراز المعماري القوطي‮.‬
وكان من نتائج نشر كتاب‮ "‬وصف مصر‮" ‬أن قدم إلي مصر كثير من علماء الآثار المبهورين بالآثار الإسلامية،‮ ‬وشاهدوا وكتبوا عن تلك الآثار،‮ ‬ورسموها أيضا ومنهم‮ "‬بريس دافن‮"‬،‮ ‬و"باسكال كوست‮"‬،‮ ‬و"بورجوان‮"‬،‮ ‬كما ألف عالم الآثار‮ "‬أوين جونز‮" ‬كتابه النادر عن قواعد الزخرفة الإسلامية‮. ‬وكان حصيلة ما أنجزوه من كتب مصورة تسجيلا لحالة الآثار في القاهرة قبل حركة الترميم والتجديد التي بدأت سنه‮ ‬1882‭.‬
وبعد نشر هذه الكتب وغيرها في أوروبا كان لابد أن تؤتي ثمارها،‮ ‬فنشأت في باريس‮ "‬جماعة محبي الفن الإسلامي‮"‬،‮ ‬ووفد آلاف السياح إلي مصر،‮ ‬وكان من بينهم مغامرون ولصوص نهبوا الكثير من التحف الإسلامية والعناصر المعمارية وباعوها إلي متاحف أوروبا وأصحاب المجموعات الخاصة وتجار الآثار‮.‬
ونتيجة للنهب الذي حدث للآثار الإسلامية،‮ ‬استأنف الكاتب الفرنسي‮ "‬جابرييل شارمز‮" ‬دعوته إلي ضرورة إنشاء لجنة لحفظ الآثار العربية في مصر وحمايتها من السلب،‮ ‬وحث جابرييل علماء الآثار في أوروبا عن طريق كتاباته اليومية في صحف باريس علي أن‮ ‬يتحركوا لتحقيق ذلك،‮ ‬وكتب أن حكام مصر لم‮ ‬يهتموا علي الإطلاق بعمل أي شيء لترميم وحماية الآثار الإسلامية،‮ ‬رغم أنهم ــ من جهة أخري‮- ‬قاموا ببناء العديد من القصور الملكية الفخمة في القاهرة والإسكندرية،‮ ‬ولم‮ ‬يتوقف عن نضاله حتي أسفرت جهوده واستجاب الخديو توفيق،‮ ‬وفي‮ ‬18‮ ‬ديسمبر سنة‮ ‬1881‮ ‬أصدر الخديو أمرا عاليا بتشكيل لجنة حفظ الآثار العربية برئاسة محمد زكي باشا ناظر الأوقاف والمعارف العمومية،‮ ‬وكان الأعضاء المصريون في اللجنة سبعة فقط من بينهم محمود سامي البارودي وزير الحربية،‮ ‬ومصطفي فهمي باشا وزير الخارجية،‮ ‬واتخذت اللجنة الرواق الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله مقرا لها‮.‬
عقدت لجنة حفظ الآثار العربية أول اجتماعاتها في فبراير‮ ‬1882‮ ‬وأعلنت عن أربع مهام أساسية تعمل اللجنة علي تحقيقها‮: ‬إجراء اللازم لجرد وحصر الآثار العربية القديمة،‮ ‬وملاحظة صيانة تلك الآثار وحفظها من التلف،‮ ‬والنظر في الرسومات والتصميمات التي تُعمل عن المرمّات اللازمة لهذه الآثار،‮ ‬وأخيرا إجراء حفظ جميع الأشغال التي تنجزها اللجنة في أرشيف نظارة الأوقاف،‮ ‬ونقل القطع التي تتخلف عن العمائر التي تم ترميمها إلي الأنتيكخانة‮.‬
ولما امتلأ الرواق الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله بالتحف والعناصر الأثرية التي تنقلها اللجنة من المباني القديمة،‮ ‬والتي وصلت وقتها إلي تسعمائة تحفة،‮ ‬لم‮ ‬يعد المكان‮ ‬يتسع للمزيد،‮ ‬فسعت اللجنة لدي نظارة الأوقاف لبناء مقر جديد لدار الآثار العربية بصحن الجامع‮ ‬يتسع للعدد المتزايد من التحف الأثرية،‮ ‬خاصة بعد أن رفض علي باشا مبارك وزير المعارف العمومية وقتها تخصيص مبني خال في وزارته لنقل مقتنيات المتحف المتزايدة إليه،‮ ‬وبالفعل تم تشييد مبني في صحن الجامع ونقلت التحف إليه سنة‮ ‬1884
وبامتلاء هذا المبني بصحن جامع الحاكم طلبت لجنة حفظ الآثار العربية من نظارة الأوقاف إنشاء مبني أكبر‮ ‬يتسع لعدد التحف الأثرية الذي‮ ‬يزداد بصفة مضطردة،‮ ‬وفي‮ ‬1899‮ ‬وضعت أساسات المبني الحالي في باب الخلق علي الضفة الغربية للخليج المصري الذي تم ردمه في السنة نفسها‮. ‬وصمم المبني مهندس معماري ايطالي اسمه‮ "‬ألفونسو مانيسكالو‮" ‬وبناه من طابقين علي الطراز المملوكي المتطور،‮ ‬واكتمل البناء سنة‮ ‬1902‮ ‬وخصص الطابق الثاني من المبني ليكون مقرا لدار الكتب الخديوية‮ "‬المصرية بعد ذلك‮" ‬أما الطابق الأرضي فقد أصبح مقرا لدار الآثار العربية‮. ‬وفي السنة نفسها بدأ نقل التحف الأثرية من مبني الحاكم بأمر الله إلي المبني‮ ‬الجديد في باب الخلق‮.‬
 
 المجموعة الفريدة
 
كان الانتقال إلي المبني الجديد بمثابة بداية لعصر جديد في أساليب عرض الآثار في مصر،‮ ‬فقد قام ماكس هرتس مدير الدار بتصنيف التحف وعرضها حسب مادتها وزخارفها‮. ‬كما أن الانتقال‮ ‬يعتبر البداية الحقيقية لتكوين مجموعة المتحف فقد أقبلت الأسر الثرية والأمراء من أصحاب المجموعات الأثرية الخاصة علي إهداء التحف للدار،‮ ‬فبمناسبة الانتقال إلي المتحف الجديد وافتتاحه في ديسمبر‮ ‬1903‮ ‬قامت أمينة هانم والدة الخديو عباس حلمي الثاني بإهداء مجموعاتها الخاصة من التحف إلي المتحف،‮ ‬وكانت أولي الإهداءات المهمة،‮ ‬وبعدها توالت الاهداءات،‮ ‬فقام الأمير‮ ‬يوسف كمال بالأمر نفسه،‮ ‬وكذلك كريمة‮ ‬يعقوب أرتين باشا والذي كان عضوا في لجنة حفظ الآثار،‮ ‬ثم الملك فؤاد الذي قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات،‮ ‬والأختام،‮ ‬والأمير محمد علي،‮ ‬والأمير‮ ‬يوسف كمال،‮ ‬والأمير كمال الدين حسين،‮ ‬وعلي باشا إبراهيم الذي زود المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيراني والتركي والخزف والزجاج العثماني‮.‬
وكانت هذه الاهداءات مهمة للغاية لأنها أدت إلي إثراء مجموعات المتحف وتنوعها،‮ ‬
‮ ‬ولاسيما أنه حتي سنة‮ ‬1910‮ ‬لم تكن الحكومة تخصص أي اعتمادات مالية لدار الآثار العربية لشراء التحف،‮ ‬فكانت الدار تعتمد علي ما‮ ‬يصلها من لجنة حفظ الآثار العربية منقولا من المباني الأثرية القديمة‮. ‬لكن وابتداء من‮ ‬1926‮ ‬بدأت الحكومة في تخصيص اعتمادات مالية لدار الآثار العربية لشراء التحف،‮ ‬وبحلول عام‮ ‬1935‮ ‬ارتفع عدد التحف المسجلة إلي‮ ‬12895‮ ‬وفي السنة نفسها اتخذت الحكومة قرارا بنقل مجموعة التحف الأثرية التي ترجع إلي العصر العثماني وعرضها في مبني حكومي بشارع الإنشاء في حي السيدة زينب،‮ ‬فصار هذا المبني ملحقا لدار الآثار العربية،‮ ‬ولكن بعد عشر سنوات قررت الحكومة إعادة الآثار العثمانية إلي مكانها الأصلي بالمتحف لعدم نجاح تجربة عرضها في مبني منفرد،‮ ‬وبعدها توسعت الدار في شراء التحف من التجار وأصحاب المجموعات الخاصة فاشتري المتحف مجموعة المستشرق رالف هراري من التحف المعدنية بمبلغ‮ ‬25‮ ‬ألف جنيه،‮ ‬وأيضا مجموعة الطبيب المصري علي باشا إبراهيم وكانت من السجاد والخزف بمبلغ‮ ‬115‮ ‬ألف جنية،‮ ‬وبحلول عام‮ ‬1952‮ ‬ارتفع عدد التحف المسجلة إلي‮ ‬16324‮ ‬تحفة‮.‬
ومع استمرار تزويد المتحف بالتحف الأثرية عن طريق الحفائر،‮ ‬والشراء،‮ ‬والإهداء،‮ ‬وغيرها من المصادر اتسع مجال مجموعات المتحف،‮ ‬وصارت تغطي كل فروع الفن الإسلامي وتطوره منذ صدر الإسلام في القرن السابع الميلادي وحتي منتصف القرن التاسع عشر،‮ ‬كما أصبحت جغرافيا تغطي نتاج مساحات شاسعة من الأرض تمتد من الأندلس في الغرب إلي وسط آسيا في الشرق،‮ ‬ومن شبه جزيرة الأناضول شمالا إلي جنوب شبه الجزيرة العربية جنوبا،‮ ‬ولهذا السبب واعترافا بدور البلاد الإسلامية‮ ‬غير العربية في تطوير الفن الإسلامي وتنوع أشكاله وزخارفه،‮ ‬قامت الحكومة بتغيير اسم المتحف رسميا في أواخر عام‮ ‬1951‮ ‬من‮ "‬دار الآثار العربية‮" ‬إلي‮ "‬متحف الفن الإسلامي‮" ‬الأكثر شمولا ودلالة‮.‬
وفيما بين عامي‮ ‬1960‮ ‬و‮ ‬2003‮ ‬سجلت مجموعة المتحف ارتفاعا هائلا‮ ‬غير مسبوق،‮ ‬فقد ارتفع عدد التحف المسجلة إلي أكثر من‮ ‬مائة ألف قطعة أثرية‮.‬
 
 كنوز المتحف
 
 
إبريق مروان
المتابع للمتحف علي امتداد تاريخه سيجد انه حظي بهذه المكانة نتيجة للنمو الهائل في مجموعته المتحفية،‮ ‬وقطعا فتخطيط المتحف‮ ‬يشي بأنه‮ ‬يتسع لهذا العدد الكبير من القطع التي كانت تعرض في‮ ‬24‮ ‬قاعة،‮ ‬ويتسع لها مخزنه الكبير،‮ ‬فالمتحف‮ ‬يضم مجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي كانت تستخدم في العصور الإسلامية المزدهرة،‮ ‬بالإضافة إلي أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة،‮ ‬وأدوات قياس الزمن مثل الساعات الرملية،‮ ‬ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا،‮ ‬ومجموعة الخزف المصري والفخار من حفائر الفسطاط،‮ ‬والخزف ذي البريق المعدني الفاطمي،‮ ‬ومجموعة من أعظم ما أنتج الفنان المسلم من أخشاب من العصر الأموي،‮ ‬حيث‮ ‬يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر،‮ ‬ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلي عام‮ ‬212‮ ‬هـ‮. ‬
بالمتحف أيضا مجموعة مهمة من الخشب الذي أنتج في العصر العباسي،‮ ‬وأيضا في العصر الطولوني الذي‮ ‬يتميز بزخارفه التي تسمي‮ "‬طراز سامراء‮" ‬وهو الذي انتشر وتطور في العراق،‮ ‬ويستخدم الحفر المائل أو المشطوف لتنفيذ العناصر الزخرفية علي الخشب أو الجص وغيرها‮. ‬وتأتي أهمية التحف الخشبية التي‮ ‬يضمها المتحف من كونها تمثل تطور زخارف سامراء،‮ ‬وهي تحف نادرة،‮ ‬لم‮ ‬يعثر علي مثيلها في سامراء العراق نفسها‮. ‬
ومن أهم مقتنيات المتحف من أخشاب العصر الفاطمي‮: ‬محراب الجامع الأزهر وأمر بصنعه الحاكم بأمر الله،‮ ‬ومحراب السيدة نفسيه ويرجع إلي عصر الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله،‮ ‬ومحراب مشهد السيدة رقية وهو من أجمل المحاريب إذ‮ ‬يحتوي علي زخارف نباتية وهندسية‮ ‬غاية في الدقة،‮ ‬وهناك أيضا تابوت من الخشب من مسجد الحسين له أربعة جوانب حافلة بالحشوات متعددة الأشكال،‮ ‬بداخلها زخارف نباتية مورقة ومتشابكة وتحيط به كتابات بالخط الكوفي والخط اللين علي أرضية نباتية،‮ ‬تحف بها كتابات معظمها آيات قرآنية بعضها‮ ‬يشير إلي آل البيت‮.‬
ومن المعادن‮ ‬يوجد في المتحف مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلي بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان،‮ ‬ومن أندر ما‮ ‬يضمه المتحف من التحف المعدنية ما‮ ‬يعرف بإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين،‮ ‬ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي،‮ ‬وهو مصنوع من البرونز ويبلغ‮ ‬ارتفاعه‮ ‬41‮ ‬سم وقطره‮ ‬28سم،‮ ‬عثر عليه في أبي صير قرب الفيوم،‮ ‬وهناك أيضا دينار من الذهب مؤرخ بعام‮ ‬77‮ ‬هجرية؛ وترجع أهميته إلي كونه أقدم دينار إسلامي تم العثور عليه إلي الآن،‮ ‬بالإضافة إلي مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامي الأموي والعباسي ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثماني وأسرة محمد علي‮. ‬
يعتبر قسم المسكوكات هو أكبر أقسام المتحف علي الإطلاق وتضم مجموعة المتحف‮ ‬48‮ ‬ألف مسكوكة منها‮ ‬38‮ ‬ألف دينار من الذهب الخالص وتحمل كلها دلالات سياسية واقتصادية وفنية مختلفة،‮ ‬فمثلا الدنانير والدراهم وقت الأزمات كان‮ ‬يكتب عليها‮ "‬والذين‮ ‬يكنزون الذهب والفضة ولا‮ ‬ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‮"!‬
كذلك فبالمتحف‮ ‬20‮ ‬ألف تحفة خزفية لامثيل لها،‮ ‬حتي في الدول المشهورة بصناعة الخزف‮. ‬وأكثر من ستة آلاف تحفه زجاجية‮ ‬يقتنيها المتحف الإسلامي،‮ ‬أهمها مجموعة السلطان حسن‮.‬
‮ ‬كما‮ ‬يضم المتحف مجموعة هائلة من شواهد القبور،‮ ‬تزيد علي ثلاثة آلاف شاهد،‮ ‬عليها نصوص بالخط الكوفي البارز أو الغائر،‮ ‬أقدمها علي الإطلاق شاهد قبر مؤرخ بعام‮ ‬31هـ،‮ ‬ومن المخطوطات النادرة التي‮ ‬يضمها المتحف،‮ ‬مجموعة نادرة من المصاحف أقدمها مكتوب بالخط الكوفي ويرجع إلي القرن الثاني الهجري،‮ ‬وآخر من العصر الأموي مكتوب علي‮ "‬رَقّ‮ ‬الغزال‮". ‬ولعل مجموعة أوراق البردي التي أهداها الدكتور هنري أمين عوض والتي تبلغ‮ ‬حوالي‮ ‬240‮ ‬قطعة من أهم المخطوطات التي تضم كتابات تاريخية ورسائل متنوعة للمعاملات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الإسلامي علي مر العصور‮. ‬كما‮ ‬يقتني المتحف مجموعة من المخطوطات المصورة في الطب والأعشاب والهندسة والتاريخ والملاحم والشعر‮. ‬
كما‮ ‬يضم مجموعات قيمة من السجاجيد التركية والإيرانية من الصوف والحرير ترجع إلي الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية في فترة القرون الوسطي الميلادية؛ وهي من صنع أصفهان وتبريز بإيران وأخري من صناعة آسيا الصغري،‮ ‬حتي إن مجموعة المتحف من السجاجيد تعتبر من أغني المجموعات العالمية،‮ ‬وبصفة خاصة مجموعة د.علي باشا إبراهيم،‮ ‬لتنوعها الهائل‮..‬حيث اشتملت علي السجاد التركي والإيراني وسجاجيد الأناضول والقوقاز،‮ ‬ومن خلالها‮ ‬يمكن القيام بدراسة توضح مميزات طرز السجاد وطرق صناعتها‮ ‬وأساليب زخرفتها من بلد لآخر في العصور الإسلامية المختلفة‮.‬
أما مجموعة المتحف من الخزف فهي من أغني المجموعات في العالم،‮ ‬لأنها تشتمل علي تحف متنوعة من الخزف المصري والإيراني،‮ ‬وبلاد ما وراء النهر،‮ ‬واسيا الصغري والعراق والأندلس،‮ ‬وتعتبر مجموعة فريدة في تنوعها وفي تقديمها للطرز الفنية المختلفة،‮ ‬بالإضافة إلي خزف البورسلين والسيلادون الصيني‮.‬
وكان من أهم المجموعات الأثرية الكاملة التي اقتناها المتحف في تاريخه‮: ‬كنز من‮ ‬العملات النقدية الذهبية‮ "‬دنانير‮" ‬بلغ‮ ‬عددها‮ ‬3611‮ ‬قطعة،‮ ‬عثر عليها محفوظة في جرتين من الفخار وجدتا مطمورتين تحت عتب بيت‮ "‬زينب خاتون‮"‬،‮ ‬وفي عام‮ ‬1992‮ ‬اقتني المتحف كنزا ثانيا من دنانير الذهب‮ ‬يتألف من‮ ‬701‮ ‬دينار وقد عثر عليه بالصدفة أثناء إزالة أعمال ردم في أطلال بيت قديم بدرب القزازين في حي السيدة زينب‮. ‬وبشكل عام‮ ‬يمكن القول إن المتحف‮ ‬يضم أغني وأندر مجموعات الفن الإسلامي‮ ‬في العالم‮.
 
 
بعد ست سنوات من الافتتاح‮:‬
كنوز دار الكتب تعود إلي المخازن


طارق الطاهر
لم تمر أكثر من ست سنوات علي إعادة افتتاح مبني دار الكتب العريق بباب الخلق،‮ ‬الذي تكلف ملايين‮.. ‬فقد سبق أن خضعت الدار العريقة لترميمات،‮ ‬استمرت لسنوات،‮ ‬لتتحول بعد ذلك لتكون متحفا لأندر المخطوطات،‮ ‬وتم نقل الكتب والمراجع الأخري لدار الكتب بكورنيش النيل،‮ ‬كما احتضن المبني بباب الخلق منذ ما‮ ‬يقرب من العامين معرض الزعيم الراحل جمال عبد الناصر،‮ ‬وضم مقتنياته الشخصية وكتاباته،‮ ‬ولم‮ ‬يقع لفتارين العرض التي تحتويه أي سوء‮.‬
دار الكتب بباب الخلق افتتحت عام‮ ‬1904،‮ ‬وكانت المكان الذي ارتبط به كبار المثقفين والأدباء،‮ ‬كما ترأسها نخبة من المفكرين،‮ ‬واستمرت تؤدي دورها باعتبارها‮ " ‬المكتبة الوطنية‮" ‬حتي أغلقت أبوابها في عام‮ ‬2004،‮ ‬لتبدأ عملية ترميم شامل لهذا المبني التاريخي،‮ ‬وبعد الانتهاء منه،‮ ‬تم افتتاحه مجددا في‮ ‬2007،‮ ‬واختصرت مهام وظيفته ليكون متحفا لأندر المخطوطات في مختلف المجالات،‮ ‬ولكن بعد هذا الحادث الإجرامي،‮ ‬ستغلق الدار أبوابها مرة أخري،‮ ‬وربما‮ ‬يستمر ذلك لسنوات،‮ ‬فالمبلغ‮ ‬المبدئي لإعادة الترميم‮ ‬يبلغ‮ ‬50‮ ‬مليون جنيه،‮ ‬حسب تصريحات د‮. ‬صابرعرب وزير الثقافة،‮ ‬كما تم نقل محتويات الدار،‮ ‬حتي‮ ‬يتم الترميم‮.‬
هذا المبني،‮ ‬الذي‮ ‬يجرد اليوم من محتوياته،‮ ‬يضم مجموعة كبيرة من المصاحف المملوكية،‮ ‬التي جئ بها من المساجد والمدارس،‮ ‬التي أنشأها‮  ‬المماليك،‮ ‬ومن هذه المصاحف جزء من مصحف منسوب للخطاط أبو علي محمد بن مقلة،‮ ‬وفرغ‮ ‬من كتابته عام‮ ‬308هـ،‮ ‬وهو مجلد مخطوط بقلم نسخ والغلاف مطرز بالذهب،‮ ‬فضلا عن مجموعة من المخطوطات في العلوم الدينية منها‮: " ‬الجامع في الحديث النبوي‮" ‬لأبي محمد بن عبد الله،‮ ‬الذي توفي‮ ‬197هـ‮ ‬،‮ ‬وهو مرتب علي طريقة المحدثين والفقهاء،‮ ‬ويشتمل علي كتاب الأنساب،‮ ‬وكتاب الصمت،‮ ‬وكتاب الختم،‮ ‬وهو‮ ‬يعد الكتاب العربي الوحيد الذي وصل إلينا علي البردي،‮ ‬وكشف عنه عام‮ ‬1922‮ ‬في حفائر كان‮ ‬يجريها المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة في إدفو بصعيد مصر،‮ ‬وفي الأدب نجد مجموعة من المصادر الهامة منها‮: ‬مقامات الحريري التي تعود لعام‮ ‬516‮ ‬هـ،‮ ‬وكتاب الأغاني،‮ ‬للأصفهاني،‮ ‬المتوفي‮ ‬356‮ ‬هـ،‮ ‬ويعد من أحد أهم مصادر الأدب العربي المبكر،‮ ‬والموجود ثلاثة أجزاء من نسخه بأول كل منها منمنمة نادرة ملونة بماء الذهب واللازورد والحمرة،‮ ‬وفي مجال الجغرافيا نجد‮ " ‬عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني،‮ ‬المتوفي‮ ‬682‮ ‬هـ،‮ ‬وهو كتاب من قسمين،‮ ‬الأول‮ ‬يتناول الحديث علي الأجرام السماوية وسكان ذلك العالم أي الملائكة،‮ ‬والثاني‮ ‬يتناول الأرض وظواهرها،‮ ‬كما توجد في هذه الدار‮- ‬قبل التدمير‮- ‬النسخ الأصلية من كليلة ودمنة،‮ ‬والشاهنامة‮. ‬
ومن جهة أخري،‮ ‬ولتوثيق ما فعله الحادث الإجرامي بمقتنيات الدار،‮ ‬أقامت وزارة الثقافة مساء الأربعاء الماضي معرضا توثيقيا،‮ ‬يضم‮ ‬25‮ ‬لوحة تبين المبني قبل وبعد الدمار‮.‬


بعضها‮ ‬يعود للقرن الحادي عشر الهجري‮:‬
المخطوطات المدمرة


كل الديكورات الداخلية دمرت‮ ‬
شوه العمل الإرهابي الغاشم الذي استهدف مديرية أمن القاهرة وامتدت آثاره علي دار الكتب العريقة بباب الخلق مجموعة من المخطوطات وأوراق البردي،‮ ‬وبالتحديد سبع مخطوطات بعضها‮ ‬غير معروف تاريخ نسخه،‮ ‬مما‮ ‬يدل علي قدمه الشديد،‮ ‬وبعضها‮ ‬يعود للقرون الحادي عشر‮ ‬،‮ ‬الثاني عشر،‮ ‬والثالث عشر الهجري،‮ ‬ومن هذه المخطوطات‮ »‬الجزء الثاني من كتاب الشفاء‮« ‬لابن سينا،‮ ‬و»المنصوري في الطب‮« ‬لابن الرازي،‮ »‬منهاج الدكان‮« ‬للكوهين العطار،‮ »‬ريحانة الروح في رسم الساعات علي مستوي السطوح‮« ‬لابن معروف تقي الدين محمد،‮ ‬والذي تسبب فتح صنابير المياه في دمار الكتاب،‮ ‬بالاضافة لـ‮ : »‬روزنامة فلكية‮« »‬تحفةالموازين‮« ‬لمحمد الطاهر بن حسن الشاطبي،‮ »‬مجموعة تصاوير فارسية وهندية وتركية‮«.‬
أما البرديات فتسبب البلل المائي الشديد في فقد‮ ‬50٪‮ ‬من بردية‮ »‬وثيقة عنق جارية‮« ‬لإبراهيم علي وتعود لعام‮ ‬393‮ ‬هجرية،‮ ‬وجار التعامل معها الآن علي أمل انقاذها،‮ ‬أما بردية‮ »‬أمر توليه الخلافة في العصر العباسي‮« ‬فقد تسبب البلل المائي في تحويلها لكتلة واحدة،‮ ‬وجار الآن محاولة انقاذها‮.‬
‮»‬أخبار الأدب‮« ‬تنشر معلومات وافية عن هذه المخطوطات والبرديات من واقع سجلات دار الكتب‮.‬
قسم الطبيعيات من كتاب الشفاء
المؤلف‮ : ‬ابن سيناء شرف الملك الحسين بن‮ ‬عبدالله‮ (‬ت‮. ‬سنة‮ ‬428هـ‮ / ‬1037م‮)‬
اللغة‮ :  ‬العربية
مكان وتاريخ النسخ‮ ‬‮: ‬غير مستدل
كتاب الشفاء من أهم مؤلفات ابن سيناء وأشهرها علي الإطلاق والذي قدم من خلاله مزجا للفلسفة الأفلاطونية والأرسطية والفقه الإسلامي‮. ‬قسم هذا الكتاب علي أربعة أقسام كبري وهي‮ : ‬المنطق،‮ ‬والطبيعيات،‮ ‬والرياضيات،‮ ‬والإلهيات،‮ ‬وقسم كل قسم إلي فنون،‮ ‬والفنون إلي مقالات ثم فصول‮. ‬ويتناول هذا الجزء الثاني المتعلق بالعلوم الطبيعية الكثير من الحيوانات والمخلوقات الأخري،‮ ‬بما في ذلك الدراسة المعروضة هنا حول العقارب،‮ ‬مع طرق المداواة من لدغة العقرب‮.‬
المنصوري في الطب‮ ‬
المؤلف‮ : ‬الرازي أبوبكر محمد بن زكريا‮ (‬ت‮. ‬سنة‮ ‬313هـ‮ / ‬925م‮) ‬
اللغة‮ : ‬العربية
تاريخ النسخ‮ : ‬القرن الحادي عشر الهجري‮/ ‬السابع عشر الميلادي
ألف الرازي ما‮ ‬يفوق المائتي كتاب في الطب والفلسفة والكيمياء وفروع المعرفة الأخري‮. ‬وينسب له عدد من الابتكارات في مجال الجراحة،‮ ‬وترجمت العديد من مؤلفاته إلي اللاتينية وظلت المرجع الأول للجامعات الأوروبية حتي القرن الحادي عشر الهجري‮ / ‬السابع عشر الميلادي‮. ‬يصف هذا الكتاب أعراض وطرق علاج الأمراض البدنية والنفسية والعقلية‮.‬
ريحانة الروح في رسم الساعات علي مستوي السطوح
المؤلف‮ : ‬ابن معروف،‮ ‬تقي الدين محمد‮. (‬ت‮. ‬سنة‮ ‬975هـ‮ / ‬1585م‮)‬
الكاتب‮ : ‬بخط المؤلف
اللغة‮ : ‬العربية
مكان وتاريخ النسخ‮ ‬‮: ‬القاهرة تقديرا،‮ ‬سنة‮ ‬975هـ‮ / ‬1567م
هذا المخطوط من أشهر مؤلفات ابن معروف‮ «‬ابن الأمير ناصر الدين خمارتكين‮»‬،
الراصد الذي عمل في خدمة علي باشا الوالي،‮ ‬ثم عينه السلطان سليمان الأول كبير الفلكيين بالبلاط الملكي سنة‮ ‬956هـ‮ / ‬1549م‮. ‬والكتاب‮ ‬يتناول رسم المزاولة الشمسية علي سطوح الرخام ومعالمها،‮ ‬ويوضح الرسم الوارد بأعلي اليمين مثالا علي هذه المزولة والتي صممت في إسطنبول‮. ‬وحقق هذا النمط علي وجه التحديد من المزولة الشمسية إنجازات علمية كبيرة،‮ ‬مما جعل هذا الكتاب موضع اهتمام بعض العلماء اللاحقين والذين ترجموه إلي لغات عدة‮.‬
المخطوطات‮  ‬روزنامه فلكية
اللغة‮ : ‬تركية
مكان وتاريخ النسخ‮ : ‬القاهرة،‮ ‬نسخ هذا الجزء سنة‮ ‬1197‮ ‬هـ‮ / ‬1784م
مخطوط مكون من عدة رسائل مختلفة،‮ ‬معظمها متعلقة بعلم الفلك والبروج وعلم الميقات‮. ‬كما‮ ‬يحتوي علي العديد من الجداول والصور التوضيحية لدراسات مختلفة متعلقة بموقع الكعبة وعلاقتها باتجاهات البوصلة والرياح‮. ‬وتعرض الرسوم التوضيحية الواردة هنا برجي الحوت والدلو،‮ ‬بجانب أشكال بشرية وحيوانية أخري تشير للأجرام السماوية مستقاة من مصادر تنتمي لحضارات شرقية وغربية قديمة‮.‬
تحفة الموازين لمن أراد الرياسة في الهندسة من أهل القوانين‮ ‬
المؤلف‮ : ‬التونسي محمد الطاهر بن حسن الشاطئ الحنفي
اللغة‮ : ‬العربية‮ ‬
مكان وتاريخ النسخ‮ : ‬تونس،‮ ‬القرن الثالث عشر الهجري‮/ ‬التاسع عشر الميلادي تقديرا ألفه الشاطئ في عام‮ ‬1275هـ‮ / ‬1858م،‮ ‬حينما كان أبوالمحاسن محمد صادق باشا حاكما لتونس‮. ‬استهل المؤلف كتابه بمقدمة وعظية عن أهمية الجهاد وأهمية تطوير الجيوش،‮ ‬ثم وصف فيه أحدث التقنيات الحربية التي شهدها عصره‮. ‬ويتخلل هذه النسخة العديد من الرسومات الهندسية التي تظهر التكتيكات الحربية،‮ ‬والخطط الدفاعية،‮ ‬والأسلحة مثل التحصين الموجود علي اليسار والذي‮ ‬يبرز صفين من المدافع‮.‬
مجموعة تصاوير فارسية وهندية وتركية
الرسام‮ : ‬فنانون مختلفون
مكان وتاريخ النسخ‮ : ‬إيران والهند،‮ ‬وتركيا‮. ‬القرن الثاني عشر الهجري‮ / ‬الثامن عشر الميلادي
مجموعة من الصور الملونة‮ ‬يبلغ‮ ‬عددها ستا وثلاثين صورة،‮ ‬يوجد علي بعضها كتابات من أشعار فارسية،‮ ‬رسمها مجموعة متنوعة من الفنانين والرسامين‮. ‬يصور المشهد علي اليمين السفن الأوروبية والتركية المبحرة التي ربما تتحرك في مضيق البوسفور‮. ‬اللوحة علي اليسار هي تصوير بارع التنفيذ لسفينة هولندية،‮ ‬تحمل توقيع الفنان سراج ديدي‮.‬
برديات‮ ‬
وثيقة عتق جارية‮ ‬
الكاتب‮ : ‬إبراهيم علي
اللغة‮ : ‬العربية
مكان وتاريخ الكتابة‮ : ‬مصر،‮ ‬آخر شهر رمضان سنة‮ ‬393هـ‮/ ‬1002م
ويتناول نصها عتق رقبة جارية اسمها بالعربية صفراء وبالقبطية دجاشة بنت أرينه،‮ ‬كانت ملك السيدة اسطورهيوه ابنة سرجه بن ابليده‮. ‬كتبها إبراهيم علي بخطه،‮ ‬وبدأ الخطاب بالبسملة وختم بتوقيع الشهود‮.‬

منقول من اخبار الأدب