الاثنين، 11 أكتوبر 2010

قصة ( الرؤساء ) للكاتب ... ماريو بارجاس يوسا

10/10/2010 12:38:11 م
...
الرؤساء
1
كنا واقفين عندما انبري خابيير صائحا،‮ ‬قبل ان تنطلق الصفارة بثانية‮:‬
‮- ‬الصفارة‮!‬
انكسر التوتر بقوة،‮ ‬كانفجار،‮ ‬ووقف الدكتور آباسالو فاغراً‮ ‬فاه‮.. ‬اربدّ‮ ‬وجهه وهو يعتصر قبضة يده،‮ ‬وعندما استجمع قواه رفع احدي يديه فبدا وكأنه علي وشك إلقاء موعظة،‮ ‬وعندئذ دوت الصفارة حقا‮. ‬خرجنا نعدو في صخب وجنون يحثنا صوت أمايا الناعق كالغراب‮. ‬والذي كان يتقدمنا وهو يطيح بالحقائب‮.‬
كان الفناء يهتز من شدة الصياح‮.. ‬خرج قبلنا طلاب الصف الثالث والرابع،‮ ‬وكونوا في الفناء حلقة واسعة باتت تتحرك تحت الغبار،‮ ‬اما طلاب الصف الاول والثاني فقد دخلوا معنا في الوقت نفسه تقريبا،‮ ‬مرددين بحقد عبارات عدائية جديدة‮.‬
اتسعت الحلقة‮.. ‬وأصبح السخط عاما بين تلاميذ المرحلة المتوسطة‮ (‬القسم الابتدائي كان له فناء صغير من الفسيفساء الزرقاء في الجناح المقابل للمدرسة‮).‬
‮- ‬يريد أن يكدرنا هذا الجلف‮.‬
‮- ‬نعم‮. ‬تباً‮ ‬له‮..‬
لم يتحدث أحد عن الاختبارات النهائية،‮ ‬وأنذر تحديق الحدقات،‮ ‬والصخب،‮ ‬والهرج والمرج بحلول لحظة المواجهة مع المدير،‮ ‬فجأة،‮ ‬تخليت عن كبح جماح نفسي ورحت أجتاز المجموعات بحماس‮: ‬أيحطمنا ونصمت؟‮.. ‬لابد ان نفعل شيئاً‮ ‬لابد ان نفعل شيئاً‮«.‬
انتزعتني يد من حديد من منتصف الحلقة،‮ ‬وقال خابيير‮: ‬
‮- ‬لا‮ ‬،‮ ‬لا تتدخل أنت‮ ‬،‮ ‬سوف يطردونك،‮ ‬وتعلم ذلك‮.‬
‮- ‬لا شيء يهمني الآن،‮ ‬سيدفع ثمن كل ما فعله بي‮. ‬هذه هي فرصتي،‮ ‬ألا تري؟ فلنجعلهم يصطفون‮.‬
بدأنا نردد في الفناء بصوت خفيض،‮ ‬من أُذن إلي أُذن‮: »‬لنكوّن صفوفا‮« ‬لنصطف سريعا ودوي صوت رجادا القوي في هواء الصباح الخانق قائلا‮:‬
‮- ‬لنكوّن الصفوف‮!‬
هتف كثيرون في صوت واحد‮:‬
‮- ‬لنفعل‮ ! ‬لنفعل‮!‬
رأي الناظران‮: ‬جايردو وروميرو آنئذ في دهشة،‮ ‬أن الضوضاء بدأت تفتر فجأة،‮ ‬وأن الصفوف قد اصطفت قبل أن تنتهي الفسحة،‮ ‬كانا يستندان إلي الحائط بجانب حجرة المدرسين،‮ ‬في مواجهتنا،‮ ‬أخذا ينظران إلينا بتوتر،‮ ‬ثم تبادلا النظرات‮.. ‬وأثناء ذلك،‮ ‬ظهر عند الباب بعض المدرسين،‮ ‬كانوا أيضا مبهوتين‮.‬
اقترب منا الناظر جايردو وصاح في ارتباك‮:‬
‮- ‬اسمعوا‮  ! ‬ليس بعد‮..‬
وجاء من الخلف صوت يرد عليه قائلا‮:‬
‮- ‬اصمت‮ . ‬اصمت يا جايردو أيها المخنِِث‮!‬
شحب لون جايردو فاقتحم الصفوف بخطي واسعة وعلي وجهه أمارات الوعيد،‮ ‬ومن خلفه صاح كثيرون‮:‬
‮- ‬جايردو‮: ‬أيها المخنث‮!‬
‮- ‬قلت‮ - ‬لنمش ولنطف بالفناء‮.. ‬وليتقدمنا طلاب الصف الخامس‮.‬
بدأنا نمشي وكنا نضرب الأرض بقوة حتي آلمتنا ارجلنا وعند اللفة الثانية‮ - ‬وكنا قد كوّنا مثلثا تاما توافقت اضلاعه مع أبعاد الفناء‮ - ‬بدأت مع خابيير وريجادو وليون نقول‮:‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
ثم اصبح الصياح عاما،‮ ‬واندفع صوت شخص أكرهه،‮ ‬اسمه‮ »‬لو‮« ‬،‮ ‬يقول‮:‬
‮٠ ‬بصوت أقوي‮! ‬صيحوا‮!‬
وبسرعة ازداد الصوت قوة حتي اصابنا الصمم‮..‬
‮- ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮ ‬،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول،‮ ‬ال‮ - ‬جد‮ - ‬ول‮..‬
اختفي المدرسون بحذر بعدما اغلقوا خلفهم باب حجرة التدريس،‮ ‬وعندما مرّ‮ ‬طلاب الفصل الخامس عند الزاوية التي يبيع فيها تيوبالدو الفاكهة علي لوح خشبي،‮ ‬قال شيئا لم نسمعه،‮ ‬وكان يحرك يديه كما لو كان يشجعنا‮ ‬،‮ ‬فكرت وقلت في نفسي‮. ‬خنزير‮.‬
اشتد الصياح،‮ ‬غير ان ايقاع الحركة وصرخات التحفيز ما كانا كافيين ليخفيا فزعنا،‮ ‬كان ذلك الانتظار مرعبا،‮ ‬لماذا تأخروا في الخروج؟ وبذريعة التظاهر بالشجاعة ظللنا نردد العبارة،‮ ‬وبدأ بعضنا ينظر إلي بعض،‮ ‬ونسمع بين الحين والآخر ضحكات صغيرة مصطنعة‮. ‬كنت أقول لنفسي‮ »‬يجب الا افكر في شيء‮«.. »‬الآن لا‮«.. ‬اصبح الصراخ يشق علي‮ : ‬بح صوتي وبدأت حنجرتي تلتهب،‮ ‬فجأة،‮ ‬ودون ان أشعر،‮ ‬بدأت أنظر إلي السماء،‮ ‬أراقب طائرا من الجوارح كان يحلق بخفة فوق المدرسة،‮ ‬تحت قبة زرقاء شفيفة،‮ ‬ينيرها قرص الشمس الذي بدأ كشامة في أحد جانبيها،‮ ‬ثم نكست بسرعة رأسي‮.‬
ظهر فيروفينو،‮ ‬الصغير الأكمت‮ (❊) ‬عند نهاية الممر الممتد حتي فناء الفسحة‮.. ‬خطاه القصيرة المعوجة،‮ ‬كخطوات البط،‮ ‬قطعت الصمت‮ - ‬الذي خيم فجأة علي المكان وأدهشني‮ - ‬وهو يتقدم صوبنا السواد،‮ ‬استرادا يريد ان يتجسس علينا،‮ ‬رأي المدير علي بعد خطوات منه،‮ ‬فاختفي سريعا،‮ ‬وأغلق بيده الطفولية الباب‮).‬
وقف فيروفينو في مواجهتنا،‮ ‬تفقد جموع الطلاب الصامتين بهياج،‮ ‬تبعثرت الصفوف،‮ ‬فهرع البعض إلي دورات المياه،‮ ‬وأحاط آخرون،‮ ‬في يأس،‮ ‬مقصف تيوبالدو،‮ ‬بينما مكثت أنا وخابيير،‮ ‬وريجادو وليون دون حراك قلت‮:‬
‮- ‬لست خائفا‮.‬
بيد أن أحدا لم يسمعني لأنه في الوقت نفسه قال المدير‮: ‬
‮ - ‬أطلق الصفارة يا جايردو‮.‬
ومن جديد انتظمت الصفوف،‮ ‬ولكن ببطء في هذه المرة‮.. ‬لم يكن القيظ قد اشتد بعد،‮ ‬غير اننا كنا نعاني بعض النعاس من الملل‮. ‬وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮»‬لقد تعبوا‮.. ‬شيء سيئ‮«.‬
ثم صاح بصوته المتأجج‮ ‬غضبا‮..‬
‮- ‬إياكم والكلام‮!‬
أشاع البعض،‮ ‬تحذيره‮.. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لا‮.. ‬انتظر‮. ‬سيصبحون كالوحوش عندما يتكلم فيروفينو‮.‬
مرت لحظات من الصمت،‮ ‬والحذر المشوب بالخطر،‮ ‬قبل ان يرفع اي منا بصره إلي ذلك الرجل الصغير ذي الرداء الرمادي،‮ ‬والذي وقف ساكنا،‮ ‬شابكا يديه فوق بطنه،‮ ‬ضاما قدميه‮. ‬ثم أخذ يقول‮:‬
‮- ‬لا أريد أن أعرف من أثار هذا الشغب‮.‬
انه لممثل،‮ ‬نبرته،‮ ‬صوته المتأني الناعم‮. ‬كلماته شبه الودودة،‮ ‬انتصابه كتمثال،‮ ‬كل ذلك كان مدروسا بعناية،‮ ‬أكان يتدرب عليه بمفرده في مكتبه«؟
‮- ‬تصرفات كهذه هي خزي لكم،‮ ‬وللمدرسة ولي أنا شخصيا،‮ ‬أنصتوا لهذا جيدا،‮ ‬لقد كنت صبورا،‮ ‬صبورا جدا مع مثير هذه الفوضي،‮ ‬ولكن الامر وصل إلي أقصي حده الفاصل‮..‬
تساءلت في نفسني‮: ‬أيتحدث عني أنا أم عن‮ »‬لو«؟
مس لسان لهب لا نهائي ظهري ورقبتي وخدودي،‮ ‬في الوقت الذي أخذت فيه كل أعين طلاب المرحلة المتوسطة تتلفت حتي وجدتني‮.. »‬أكان‮« »‬لو‮« ‬ينظر إلي؟ هل كان يشعر بالحسد؟ هل كانت مجموعة‮ »‬بنات آوي‮« ‬تنظر إلي ؟ ربتت يد من الخلف علي ذعي مرتين تريد تشجيعي‮.. ‬وتكلم المدير باستفاضة عن الله،‮ ‬وعن النظام والقيم الروحانية العليا،‮ ‬وقال ان أبواب الادارة دائما مفتوحة وان الشجعان بحق لابد ان يواجهوا الموقف‮. ‬وكرر قائلا‮:‬
‮- ‬أن يكونوا قادرين علي المواجهة‮ - ‬أضحي الآن مستبدا،،‮ ‬
‮- ‬أي أن يتحدثوا وجها لوجه،‮ ‬أي يتحدثوا معي‮.‬
قلت بسرعة،‮ ‬لا تكن‮ ‬غبياً‮ ! ‬لا تكن‮ ‬غبيا‮!‬
غير ان رجادا كان قد رفع يده،‮ ‬في الوقت الذي خطا فيه خطوة إلي اليسار وخرج عن الصف،‮ ‬ارتسمت علي وجه فيروفينو،‮ ‬ابتسامة لطيفة،‮ ‬ما لبثت ان اختفت‮.. ‬وقال‮:‬
‮- ‬أسمعك يا رجادا‮!‬
‮- ‬وفيما كان رجادا يتكلم كانت كلماته تمده بالشجاعة،‮ ‬حتي انه في لحظة ما بدأ يحرك ذراعيه بصورة مؤثرة،‮ ‬وأكد أننا لسنا سيئين وأننا نحب المدرسة وأساتذتنا،‮ ‬وذكر أن الشباب مندفع،‮ ‬ثم اعتذر باسم الجميع،‮ ‬تلعثم بعد ذلك،‮ ‬بيد أنه واصل الحديث،‮ ‬ثم قال‮:‬
‮- ‬نحن نطلب منك سيدي المدير أن تضع جدول الاختبارات كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮.. ‬ثم صمت‮.. ‬كان مرتاعا‮.‬
قال فيروفينو‮:‬
‮-‬سجل ياجايردو،‮ ‬الطالب رجادا سيحضر للمذاكرة كل أيام الأسبوع القادم ويمكث حتي التاسعة مساء‮- ‬توقف عن الكلام قليلا‮- ‬والسبب سيدون في دفتره،‮ ‬ألا وهو التمرد علي النظام التربوي‮.‬
كسا السواد وجه رجادا وقال‮: ‬سيدي المدير‮...‬
وهمس خابيير قائلا‮:‬
‮-‬أري أن ذلك عدل،‮ ‬فهو سفيه‮.‬
2
اجتاز شعاع من أشعة الشمس الكوة القذرة وداعب جبهتي وعيني فزعزع سكينتي‮. ‬بيد أن قلبي كان قلقا بعض الشيء،‮ ‬وبين الحين والآخر كنت أحس بغصة‮. ‬ولم يتبق‮ ‬غير نصف الساعة علي موعد الخروج،‮ ‬وقد فتر قليلا نفاد صبر الفتية‮. ‬هل سيستجيبون علي الرغم من كل شيء؟
قال الاستاذ ثامبرانو‮: ‬اجلس يامونتس‮. ‬إنك لحمار‮!‬
أكد خابيير،‮ ‬الذي كان يجلس بجانبي،‮ ‬ذلك بقوله‮: »‬لا أحد يشك في ذلك،‮ ‬فهو حمار‮«.‬
هل وصلت الإشارة لكل الفصول؟ لم أكن أريد أن أشغل رأسي من جديد بافتراضات مشئومة‮. ‬بيد أنني رأيت‮ »‬لو‮« ‬جالسا علي بعد خطوات من حقيبتي،‮ ‬فأحسست بانزعاج وشك،‮ ‬لأنني كنت علي يقين من أن ما يجول بقرارة نفسي لم يكن الحصول علي جدول الاختبارات،‮ ‬ولا ما يتعلق بمسألة الشرف،‮ ‬وإنما هو الانتقام الشخصي‮. ‬فكيف لي أن أضيع هذه الفرصة السعيدة للانقضاض علي العدو وهو في هذه الغفوة؟
مد لي شخص كان يجلس بجانبي يده بورقة وقال‮: »‬خذ هذه من‮ »‬لو‮«.‬
‮»‬قبلت تولي القيادة معك ومع رجادا‮. ‬وقع‮ »‬لو‮« ‬علي الورقة مرتين‮. ‬وبين التوقيعين ظهر رمز كنا جميعا نحترمه‮: ‬حرف ال‮ ‬C‮. ‬بدا الحرف كبقعة حبر لم تحف بعد،‮ ‬وكان مكتوبا بخط كبير داخل دائرة سوداء‮. ‬نظرت إليه‮: ‬كان ذا جبهة وفم ضيقين،‮ ‬لوزي العينين،‮ ‬جلده‮ ‬غائر في خديه،‮ ‬ناتيء قوي الفك‮. ‬كان يرقبني في جدية‮. ‬تري هل كان يعتقد أن الموقف يتطلب منه أن يكون ودودا؟
أرسلت إليه بالاجابة في الورقة نفسها‮: »‬مع خابيير‮«. ‬قرأها بفتور ثم أومأ بالموافقة برأسه‮.‬
‮-‬خابيير‮. ‬قلت‮.‬
أجابني وقال‮: ‬أعلم‮. ‬حسن‮. ‬سنجعله يقضي وقتا سيئا‮.‬
كنت علي وشك أن أسأله‮: »‬المدير أم‮ »‬لو«؟ إلا أن صفارة الخروج ألهتني‮. ‬وعندئذ،‮ ‬اشتد الصياح فوق رءوسنا وامتزج بصوت حمل الحقائب‮. ‬صفر شخص بقوة‮- ‬ربما كان جبانا‮- ‬كمن يريد ان يشد الانتباه اليه‮. ‬قال رجادا وهو في الصف‮:‬
‮-‬هل الكل علي علم؟ إلي شارع البحر‮.‬
صاح أحدهم‮:‬
‮-‬يالك من حاذق‮! ‬فيروفينو نفسه علي علم بذلك‮.‬
خرجنا من الباب الخلفي بعد ربع ساعة من خروج القسم الابتدائي‮. ‬وإن كان البعض قد‮ ‬غادر المدرسة قبل ذلك،‮ ‬ووقف أغلب الطلبة في مجموعات علي قارعة الطريق يتناقشون،‮ ‬يهزرون ويدفع بعضهم بعضا‮. ‬قلت‮:‬
‮-‬لا أريد أن يمكث أحد هنا‮.‬
صاح‮ »‬لو‮« ‬بفخر‮:‬
‮-‬لتأت معي بنات آوي‮!‬
أحاط به عشرون فتي‮. ‬ثم أمرهم‮:‬
‮-‬إلي مالكون،‮ ‬جميعنا إلي هناك‮.‬
شبكنا أذرعنا فكونا خطا وصل بين الرصيفين‮. ‬وكنا نحن طلاب الصف الخامس في آخر المسيرة،‮ ‬ونجبر الطلاب الأقل تحمسا علي الإسراع بالوكز بالكوع‮.‬
حملت نسمة دافئة،‮ ‬عجزت عن تحريك أشجار الخروب الجافة وشعر رءوسنا،‮ ‬الرمال التي كانت تغطي أجزاء من أرض شارع البحر الحارقة،‮ ‬من جهة إلي أخري‮. ‬قد استجابوا لنا‮. ‬امتد أمامنا‮- ‬أنا و»لو‮« ‬وخابيير ورجادا‮- ‬نحن الذين استدبرنا السور والأرض الرملية التي تبدأ عند الضفة المقابلة لمجري النهر،‮ ‬جمع‮ ‬غفير متلاحم بطول المربع السكني‮- ‬وقد بدا الجمع رابط الجأش علي الرغم من سماع صيحات حادة بين الحين والأخر‮.‬
سأل خابيير‮:‬
‮-‬من الذي سيتكلم؟
‮-‬أنا‮. ‬قال‮ »‬لو‮« ‬وكان جاهزا ليقفز الي السور‮.‬
قلت‮: ‬
‮-‬لا‮. ‬تكلم أنت يا خابيير‮.‬
كبح‮ »‬لو‮« ‬زمام نفسه،‮ ‬ثم نظر إلي،‮ ‬بيد أنه لم يغضب‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮-‬سأفعل‮. ‬ثم رفع كتفيه وأضاف‮: ‬حسن‮!‬
تسلق خابيير السور‮. ‬ارتكز باحدي يديه علي شجرة جافة عوجاء،‮ ‬وبالأخري علي رقبتي‮. ‬استطعت،‮ ‬من بين رجليه اللتين كانتا ترتجفان قليلا ثم هدأتا عندما اكتسب صوته قوة ونبرة اقناع،‮ ‬أن ألمح المجري الجاف المتوهج،‮ ‬وفكرت في ذلك الوقت في‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي‮.‬
مجرد ثانية كانت كافية لكي يصل هو إلي مركز الصدارة فقد تولي هو الزعامة الآن‮. ‬اعجبوا به،‮ ‬به هو،‮ ‬هذا الفأر الصفراوي الصغير الذي جاء يتوسل الي،‮ ‬منذ ستة أشهر فقط،‮ ‬لكي أسمح له بالانضمام للجماعة‮. ‬وفي‮ ‬غفوة مني متناهية الصغر،‮ ‬ثم سيلان الدم بغزارة من‮ ‬‮(‬وجه صغير مضحك فتح باب حجرة المدرسين واطل منها‮.. ‬كان‮ ‬
وجهي ورقبتي،‮ ‬وعدم قدرتي علي تحريك يدي ورجلي تحت ضوء القمر،‮ ‬جعلوني‮ ‬غير قادر علي الرد علي لكماته‮. ‬قال لاهثا‮:‬
‮-‬لقد هزمتك‮. ‬أنا الآن الرئيس،‮ ‬كان هذا اتفقنا‮.‬
لم يتزحزح أي خيال من تلك الموجودة علي الرمال الناعمة‮. ‬أما الضفادع والجداجد فهي فقط التي تجاوبت مع‮ »‬لو‮« ‬الذي كان يسبني‮. ‬شرعت أصرخ وأنا ممدد علي الأرض الساخنة‮:‬
‮-‬سأنسحب من الجماعة‮. ‬وسأكون أخري أفضل بكثير‮. ‬وكنت أعلم،‮ ‬كما كان يعلم‮ »‬لو‮« ‬وبنات آوي،‮ ‬القابعون في الظل،‮ ‬أن هذا الكلام ليس صحيحا‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮-‬أنا ايضا سأنسحب‮.‬
ثم ساعدني علي النهوض ورجعنا للمدينة‮. ‬وفي طريق عودتنا عبر الشوارع الخالية،‮ ‬أخذت أنظف نفسي من الدم والدموع بمنديل خابيير‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮-‬تكلم أنت الآن‮.‬
‮-‬حسن‮. ‬قلت له،‮ ‬وصعدت إلي السور‮.‬
لم يكن للحوائط الخلفية ولا لأصدقائي أي ظل‮. ‬وكانت يداي رطبتين،‮ ‬وأرجعت هذا الي التوتر،‮ ‬ولكنه كان القيظ‮. ‬توسطت الشمس السماء،‮ ‬وبدأت تخنقنا‮. ‬لم تصل أعين أصدقائي إلي عيني‮: ‬كانوا ينظرون إلي الأرض وإلي ركبتي‮. ‬لزموا الصمت‮. ‬وكانت الشمس تحميني‮.‬
‮-‬سنطلب من المدير أن يضع جدول الامتحانات،‮ ‬كما كان يحدث في الأعوام السابقة‮. ‬وستتشكل اللجنة مني ومن رجادا وخابيير و»لو‮«. ‬المرحلة المتوسطة موافقة،‮ ‬أليس كذلك؟
وافقت الأغلبية بهز الرأس،‮ ‬وصاح البعض‮: »‬نعم،‮ ‬نعم‮«.‬
قلت‮: ‬إذن،‮ ‬سنذهب الآن‮. ‬وانتظرونا أنتم في ميدان مرينو‮. ‬شرعنا في المسير‮. ‬كانت بوابة المدرسة الرئيسية موصدة،‮ ‬فقرعنا الباب بشدة وسمعنا من خلفنا هسيسا يتزايد‮. ‬فتح الناظر جايردو الباب وقال‮:‬
‮-‬هل جننتم‮. ‬لا تفعلوا ذلك‮.‬
قاطعه‮ »‬لو‮« ‬وقال‮:‬
‮-‬لا تتدخل أنت،‮ ‬اتعتقد أن ذاك الجلف يخيفنا؟
‮-‬ادخلوا‮ - ‬رد جايردو‮- ‬فسوف نري‮.‬
3
بدأت عيناه الصغيرتان تتفحصنا‮. ‬أراد التظاهر بالهدوء وعدم الاكتراث،‮ ‬إلا أننا أدركنا أن ابتسامته كانت مصطنعة،‮ ‬وأن ما يغوص بداخل هذا الربعة هو خوف وكره‮. ‬كان يقطب ويفرج عن جبينه،‮ ‬يرتجف،‮ ‬ويتدفق العرق بغزارة من بين يديه الصغيرتين السوداوين،‮ ‬قال‮:‬
‮-‬هل تعلمون ماذا يدعي ذلك؟ يدعي تمردا وثورة‮. ‬هل تعتقدون اني سأخضع لنزوات العابثين أمثالكم؟ المشاكسة أسحقها‮...‬
أخذ يرفع ويخفض من صوته،‮ ‬وكنت أراه يحاول كبح زمام نفسه حتي لايصيح‮. ‬فقلت في نفسي‮: »‬لماذا لايثور مرة واحدة؟ جبان‮«.‬
توقف عن الكلام‮. ‬وتطايرت بقعة رمادية حول يديه عندما اتكأ علي زجاج المكتب‮. ‬فجأة دوي صوته،‮ ‬وباتت نبرته وخيمة‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬ومن سيتطرق منكم لموضوع الاختبارات مرة اخري فسوف يعاقب‮.‬
قبل أن نقوم أنا وخابيير بأية إشارة،‮ ‬ظهر لنا‮ »‬لو‮« ‬علي حقيقته‮. »‬لو‮« ‬صاحب الاعتداءات الليلية علي قري تابلادا،‮ ‬وصاحب المعارك ضد الثعالب في الكثبان‮.‬
‮-‬سيدي المدير‮...‬
لم أستدر للنظر إليه،‮ ‬فلابد ان عينيه الزائغتين كانتا تقذفان لهبا وشررا،‮ ‬تماما كما حدث عندما كنا نتعارك في مجري النهر الجاف،‮ ‬أما فمه،‮ ‬فلابد أن يكون مفتوحا يملؤه اللعاب،‮ ‬ومكشرا عن أنيابه الصفراوية‮.‬
‮-‬نحن لا نقبل أن تضرنا جميعا لأنك لاتريد أن تحدد موعدا للامتحانات‮. ‬لماذا تريد أن تحصل علي درجات سيئة؟ لماذا‮....‬؟
اقترب فيروفينو منه حتي لمسه تقريبا بجسده‮. ‬شحب وجه‮ »‬لو‮« ‬وأصابه الهلع،‮ ‬ولكنه أكمل كلامه‮:‬
‮-... ‬لقد تعبنا‮...‬
‮-‬اصمت‮!‬
رفع المدير ذراعيه وهو يعتصر شيئا في قبضته‮. ‬كرر كلامه بحنق وقال‮:‬
‮-‬اصمت ياحيوان‮! ‬كيف تجرؤ‮!‬
كان‮ »‬لو‮« ‬قد سكت،‮ ‬وظل يحملق إلي فيروفينو كما لو كان سينقض فجأة علي رقبته‮. ‬فكرت في نفسي وقلت‮: »‬كلبان‮: ‬متشابهان‮«.‬
‮-‬إذن،‮ ‬علمك هذا‮. ‬وأشار نحوي بإصبعه‮. ‬عضضت علي شفتي‮: ‬فجأة احسست ان خيطا من لعاب ساخن ينساب علي لساني،‮ ‬فهدأ ذلك من روعي‮.‬
صاح من جديد‮:‬
‮-‬اخرجوا‮! ‬اخرجوا من هنا‮! ‬ستدفعون ثمن هذا‮ ‬غاليا‮.‬
خرجنا‮. ‬وعلي طول المسافة بين الدرج الذي يربط مدرسة سان ميجيل بميدان ميرينو،‮ ‬احتشد جمع‮ ‬غفير لاهثا،‮ ‬دون حراك‮. ‬احتل زملاؤنا الحدائق الصغيرة والنافورة،‮ ‬بيد انهم كانوا حزاني صامتين‮. ‬ومن الغريب ان بين تلك الحشود التي‮ ‬غدت كبقعة فاتحة،‮ ‬ساكنة،‮ ‬كانت تلمح مستطيلات صغيرة بيضاء لم تطأها قدم‮.‬
بدت الرءوس متشابهة،‮ ‬متساوية كالتي تظهر في تشكيل العرض‮. ‬عبرنا الميدان‮. ‬ولم يستجوبنا أحد،‮ ‬انتحوا جانبا فاتحين لنا طريقا وهم يعضون الشفاه‮. ‬إلي أن وصلنا الي الشارع ظلوا في أماكنهم،‮ ‬ثم تبعونا بعد ذلك كمن يتبع اشارة لم يشر بها احد‮. ‬ساروا علي خطانا في‮ ‬غير ايقاع كما يحدث عند الذهاب للفصول‮.‬
رمضت الأرض،‮ ‬بدت كمرآة تذيبها الشمس‮. ‬فكرت‮: »‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟‮. ‬حكوا لي عن ليلة مقفرة،‮ ‬شديدة القيظ في هذا الشارع نفسه،‮ ‬ولكنني لم أصدق‮. ‬فقد قالت الصحف إن الشمس في بعض الأماكن تصيب الناس بالجنون وأحيانا تقتلهم‮. ‬سألت خابيير‮:‬
‮-‬خابيير،‮ ‬هل رأيت يوما أنه يمكن ان يقلي البيض في الطريق؟
هز رأسه مدهوشا،‮ ‬وقال‮:‬
‮-‬لا‮. ‬إنما حكوا لي عنه‮.‬
‮-‬هل يمكن أن يكون صحيحا؟
‮-‬ربما‮. ‬يمكن ان نقوم بالتجربة الآن‮- ‬الأرض تتوهج وكأنها مجمرة‮.‬
ظهر ألبرتو عند بوابة لارينا‮. ‬كان شعره الأصفر يلمع بروعة‮: ‬بدا من ذهب‮. ‬أشار بيده اليمني في رقة وبرقت عيناه الخضراوان ثم ابتسم‮. ‬أصابه الفضول ليعرف إلي أين يتجه هذا الجمع الغفير ذو الزي الموحد،‮ ‬الصامت في يوم ذي أوار‮.‬
صاح بي‮: ‬هل ستأتي لاحقا؟
‮- ‬لن أستطيع‮. ‬سأراك في المساء‮.‬
قال خابيير‮:‬
‮- ‬إنه عبيط،‮ ‬سكير‮.‬
رددت قائلا‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬إنه صديقي،‮ ‬فتي طيب‮.‬

4
قلت ل‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬وأنا أحاول أن تكون نبرتي معه لطيفة‮:‬
‮- ‬اتركني أتكلم يا‮ »‬لو‮«.‬
بيد أن أحدا لم يقو علي كبح جماحه‮. ‬كان واقفا علي السور،‮ ‬تحت فروع شجرة الخروب الجافة،‮ ‬حافظا توازنه بشكل مدهش،‮ ‬وجهه وجلده ذكراني بالعظاءة‮. ‬قال بفظاظة‮:‬
‮- ‬لا‮. ‬سوف أتحدث أنا‮.‬
بإيماءة إلي خابيير اقترب كلانا من‮ »‬لو‮« ‬وأمسكنا برجليه،‮ ‬بيد أنه استطاع التشبث بالشجرة في الوقت المناسب وأفلتت رجله اليمني من بين يدي‮. ‬دفعني بركلة قوية في كتفي بثلاث خبطات من الخلف‮. ‬رأيت خابيير،‮ ‬وهو يمسكه بسرعة من ركبتيه ويرفع وجهه ويرمقه بنظرة من عينين لفحتهما الشمس‮.‬
صرخات‮:‬
‮- ‬لاتضربه‮. ‬تمالك نفسه وهو يرتجف‮. ‬بدأ‮ »‬لو‮« ‬يصيح ويقول‮:‬
‮- ‬أتدرون ما قاله المدير؟ لقد سبنا،‮ ‬عاملنا كبهائم‮. ‬فهو لا يريد أن يحدد مواعيد الاختبارات حتي ينغص علينا حياتنا‮. ‬سيضر كل المدرسة ولايهمه شيء‮. ‬إنه‮...‬
اتخذنا المكان السابق نفسه،‮ ‬وبدأت الصفوف الملتوية في التمايل‮. ‬كان‮ ‬غالبية طلاب المرحلة المتوسطة مازالوا حاضرين‮. ‬وبسبب القيظ وكل ما قاله‮ »‬لو‮« ‬ازداد حنق التلاميذ،‮ ‬وأخذتهم الحمية‮.‬
‮- ‬نحن نعرف أنه يكرهنا‮. ‬لايوجد تفاهم بيننا‮. ‬منذ أن حضر إلي المدرسة وهي لم تعد كما كانت من قبل‮. ‬يسب ويضرب،‮ ‬بل أكثر من ذلك يريد أن يضرنا في الاختبارات‮.‬
قاطعه صوت حاد‮ ‬غير معروف وسأل‮:‬
‮- ‬ضرب من؟
‮- ‬ارتاب‮ »‬لو‮« ‬للحظة،‮ ‬ثم انفجر صائحا مرة أخري وقال بتحد‮:‬
‮- ‬ضرب من؟ أريبالوا تعال هنا ليري الجميع ظهرك‮.‬
خرج أربيالو من وسط الجموع التي بدأت تهمهم‮. ‬كان من فريق بنات آوي،‮ ‬كان شاحبا‮. ‬عندما وصل إلي المكان الذي يقف فيه‮ »‬لو‮«‬،‮ ‬كشف عن صدره وظهره‮. ‬وظهر علي ضلوعه علامة عريضة حمراء‮.‬
‮- ‬هذا هو فيروفينو‮!‬
قال‮ »‬لو‮« ‬ذلك،‮ ‬بينما كانت يده تشير إلي العلامة،‮ ‬وعيناه تتفحصان الوجوه القريبة الباهتة،‮ ‬في صخب أخذت هذه الأمواج المتلاطمة من البشر في الاقتراب منا،‮ ‬كانوا جميعا يسعون للاقتراب من أربيالو‮. ‬لم يستمع أحد ل‮ »‬لو‮« ‬ولا لخابيير ولا لرجادا الذين كانوا يطالبونهم بالهدوء،‮ ‬ولا لي وأنا أصرخ بهم‮: »‬لاتصدقوه‮! ‬هذا كذب‮«.‬
جرفني هذا المد البشري بعيدا عن السور وعن‮ »‬لو‮« ‬كنت أختنق ولكني استطعت أن أجد لنفسي مخرجا من بين هذه الجلبة‮. ‬حللت رباط عنقي وتنفست ببطء من فمي ورفعت يدي إلي أعلي،‮ ‬إلي أن أحسست أن قلبي بدأ يسترجع إيقاعه‮. ‬كان رجادا يقف بجانبي وسألني بنبرة حانقة‮:‬
‮- ‬متي حدث هذا لأربيالو؟
‮- ‬لم يحدث قط‮.‬
‮- ‬ماذا؟
حتي هو رابط الجأش دائما،‮ ‬قد تأثر بذلك‮. ‬ارتجفت خنابتا أنفه وقبض علي يده‮. ‬قلت‮:‬
‮- ‬لاشيء‮.. ‬لا أعلم متي حدث ذلك‮.‬
انتظر‮ »‬لو‮« ‬حتي هدأ قليلا هذا الهياج،‮ ‬ثم رفع صوته فوق أصوات الاحتجاجات المتناثرة وسأل وهو يصرخ ويهدد الطلاب بقبضة يده‮:‬
‮- ‬هل سيغلبنا فيروفينو؟ أسيغلبنا؟ أجيبوا‮!‬
اندفع صوت أكثر من خمسمائة طالب قائلين‮: ‬لا‮! ‬لا،‮ ‬لا‮!‬
ارتجف‮ »‬لو‮« ‬للمجهود الذي فرضه عليه صراخه وتمايل علي السور منتصرا‮.‬
‮- ‬إذ لايدخل أحد إلي المدرسة حتي يظهر جدول الاختبارات‮. ‬هذا عدل ومن حقنا،‮ ‬وسنمنع كذلك طلاب الابتدائي من الدخول‮.‬
ذاب صوته الأجش بين الصيحات‮. ‬ولم أر أمامي بين هذا الجمع الغفير،‮ ‬مرفوعي الأذرع الملوحين بمئات البيريهات في الهواء،‮ ‬طالبا واحدا كان‮ ‬غير مبال أو‮ ‬غير مكترث‮.‬
‮- ‬ماذا سنفعل؟
أراد خابيير أن يتظاهر بالهدوء،‮ ‬غير أن حدقتي عينيه كانتا تلمعان‮.‬
قلت‮:‬
‮- ‬حسن‮. »‬لو‮« ‬معه حق،‮ ‬فلنساعده‮.‬
جريت ناحية السور وتسلقته وقلت‮:‬
‮- ‬نبهوا علي طلاب الابتدائي أنه لن تكون هناك حصص هذا المساء‮. ‬يمكنكم أن تذهبوا الآن وليبق طلاب الفصل الرابع والخامس ليحيطوا بالمدرسة‮.‬
وأنهي‮ »‬لو‮« ‬كلامه مبتسما وقال‮:‬
‮- ‬وليبق كذلك بنات آوي‮.‬
5
قال خابيير‮:‬
‮- ‬أنا جائع‮.‬
كان القيظ قد هدأ‮. ‬وبينما نحن جالسون،‮ ‬علي المقعد الوحيد الصالح للجلوس في ميدان مرينو،‮ ‬سقطت علينا أشعة الشمس التي تسربت بيسر من بين بعض السحب الشفيفة التي ظهرت في السماء،‮ ‬غير أن العرق لم يعرف طريقه إلينا‮. ‬فرك ليون يديه وابتسم،‮ ‬كان متوترا‮.‬
قال أمايا‮:‬
‮- ‬لا ترتعد‮. ‬إنك أكبر من أن تخاف من فيروفينو‮.‬
‮- ‬حذار‮! ‬حذار يا أمايا‮! ‬قال ليون وقد احمر وجهه الذي بدأ ينبت به شعر ذقنه،‮ ‬والذي كان يشبه وجه القردة‮.‬
قال رجادا بهدوء‮:‬
‮- ‬لاتتعاركا‮. ‬لايوجد من هو خائف،‮ ‬لأن من يخاف ليس إلا أحمق‮.‬
رد خابيير‮:‬
‮- ‬أقترح أن نلف من الخلف‮.‬
طفنا حول المدرسة ونحن نسير في قلب الشارع‮. ‬كانت النوافذ العليا مواربة،‮ ‬لم نلحظ أحدا من خلفها،‮ ‬ولم نسمع كذلك أي صوت‮. ‬فقال خابيير‮:‬
‮- ‬إنهم يتناولون الآن طعام الغداء‮.‬
‮- ‬نعم،‮ ‬بالطبع‮.‬
علي الرصيف المقابل ظهر باب ساليسيانو الرئيسي‮.‬
ووقف المقيمون به علي السطح يراقبوننا،‮ ‬ومما لاشك فيه أنهم كانوا علي علم بما يحدث‮. ‬قال شخص باستهزاء‮:‬
‮- ‬يالهم من فتية شجعان‮!‬
سبهم خابيير‮. ‬أما الرد علينا فكان وابلا من التهديدات والبصاق الذي لم يصبنا‮. ‬ثم سمعنا بعض الضحكات فهمس خابيير‮: »‬إنهم يستشيطون‮ ‬غيظا‮«.‬
رأينا‮ »‬لو‮« ‬عند الناصية،‮ ‬يجلس وحيدا علي الرصيف،‮ ‬ينظر شاردا‮

جزء قصة الرؤساء التي صدرت عن المشروع القومي للترجمة

منقول من موقع جريدة أخبار الأدب‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق