الاثنين، 1 أكتوبر 2012

هكذا أنقذ رع البشرية


 

عرف المصريون أنواعاً مختلفة من الأدب. ففي مصر القديمة، تحدث الأدب الجنائزي عما يتوقع المتوفى أن يجده خلال رحلته في العالم الآخر. أما الأقباط والمسلمون، فقد اهتموا بصفة خاصة بالأدب الديني. فكانت القصص والسير الذاتية والأساطير والأشعار والقصص الشعبية تحكى للتسلية وأحياناًُ كانت تستخدم في توصيل رسالة دينية معينة.
روى قدماء المصريين القصص للتسلية، وكذلك لإيصال مضمون وجوهر رسالة أو حكمة أخلاقية. ورواية القصص في مصر تعد في مثل قدم الحضارة ذاتها. 

(  القصص والسير والأساطير المصرية القديمة )

 ومع ذلك، فإن أقدم قصة مكتوبة مؤكدة التاريخ، باقية من مصر القديمة، ترجع إلى عصر الدولة الوسطى؛ وقد ألفت باللغة المصرية القديمة لمصر الوسطى، التي كانت اللغة الكلاسيكية للعصر. 

 والأعمال التي بقيت من مصر القديمة أقل كثيرا من تلك التي عرفها قدماء المصريين أنفسهم؛ لأن معظم السير الأدبية كانت عادة شفهية محكية، ولم تدون أبدا. 

 وإحدى أقدم الحكايات، وأفضلها وأحبها لدى المصريين، قصة سنوحي؛ التي حفظت في ست برديات ونحو خمس وعشرين أوستراكا (أو كسارة فخارية). وقد كتبت القصة في صورة سيرة لعضو في البلاط فر من مصر إلى غرب آسيا لدى وفاة الملك أمنمحات الأول؛ لأسباب لم يبح سنوحي نفسه بها. وبعد سنين عديدة في المشرق أحس سنوحي بالحنين إلى الوطن؛ فكتب رسائل طويلة سائلا العفو والمغفرة من الملك سنوسرت الأول الذي سمح لسنوحي بالعودة واتخاذ موقعه في البلاط الملكي. 

 وكانت السيرة الذاتية أقدم شكل في الأدب المصري، وهناك الكثير من الأمثلة التي تتمتع بالجودة العالية. ومن تلك، السيرة الذاتية للمسئول "ويني"؛ والتي جاءت من مصلى مقبرته في أبيدوس. ولقد امتدت خدمة "ويني" من عهد الملك تيتي إلى عهد الملك "مرنرع"، وبالغ "ويني" كثيرا في ادعاء علاقته الوثيقة بسيده بيبي الأول الذي عينه لكي يستقصي مدى تورط الملكة وريت-يامتيس في مؤامرة ضده. 

 ويعد كتاب "بقرة السماء" أو "فناء البشرية" الذي دون في أواخر الأسرة الثامنة عشرة على المقصورة الذهبية للملك توت عنخ آمون؛ مثالا للقصة الأسطورية في الأدب المصري القديم. وتصف القصة كيف أن رب الشمس رع قد واجه عصيانا من بني البشر، فأرسل عينه "حتحور"، وفي نسخة متأخرة "سخمت"، إلى الأرض في شكل لبؤة؛ مضت تبتلع الرجال. ثم استدعاها رع، ولكنها امتنعت عن العودة؛ فكان عليه أن يخدعها. ففي إحدى الليالي قام بخلق جعة حمراء لها مظهر دم الإنسان؛ فشربتها سخمت عن آخرها، حتى الثمالة. وبهذه الطريقة، تمكن رع من إنقاذ البشرية. 

 ويقدم الأدب المصري القديم أيضا أمثلة لما يمكن تسميته بقصص الخيال أو القصص الشعبي؛ مثل: "حكاية الأخوين" ، و"الأمير وأقداره"، أو في فترة متأخرة: قصة "سيتني خامواس" ابن رمسيس الثاني. 

 وهذه قصة تصف كيف أن "سيتني خامواس" كان مولعا بالنصوص السحرية من العصور الماضية؛ فقابل شبح ساحر مات منذ زمن بعيد، بمقبرته في سقارة. وفي قصة داخل قصة، وقف على حلقة من حياة ذلك الساحر.



 ( تطور الأدب القبطي )


تأثر الأدب القبطي بتأثيرات يونانية وخاصة في الإسكندرية، التي انتشرت فيها الثقافة الهلينية، حتى اضطر كثير من الآباء إلى الكتابة باللغة اليونانية المنتشرة في العالم وقتذاك. وترجمت كتاباتهم إلى القبطية. 


 ومن أمثلة الأدب القبطي الصميم كتابات الأنبا انطونيوس، والأنبا باخوميوس، اللذين لم يعرفا غير القبطية، وخطب ومواعظ الأنبا شنوده الذي لم يشأ أن يكتب غير القبطية. وقد كان الأنبا شنودة زعيما شعبيا، يكلم الأقباط المضطهدين على يد حكامهم بلغتهم القبطية لا باللغة اليونانية لغة الحكام. 

 وهذا الأدب القبطي الصميم كان له مركزان هما، وادي النطرون للهجة البحيرية، والدير الأبيض والأديرة الباخومية بالصعيد للهجة الصعيدية. وهكذا نرى أن أديرة الرهبان كانت معاقل للأدب القبطي الصميم بلهجتيه الأساسيتين. 

وفي بعض المخطوطات القبطية سميت اللغة القبطية لغة أهل الجبال. ولعل المقصود بذلك الصعيد لارتفاعه وأديرة الرهبان لوجودها في الجبال. وقد تولى الأنبا شنودة رئاسة الدير الأبيض سنة ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ميلادية. الذي أضحى مركزا للأدب الصعيدي. وفيه أصبحت اللهجة الصعيدية هي اللغة الأدبية للكنيسة القبطية في عصرها الذهبي. 


 وأمام هذه النهضة الأدبية التي تزعمها الأنبا شنوده أخذت اليونانية تتقهقر وتتراجع بمقدار النمو المطرد الذي انتشرت به المسيحية بين الريفيين، وبعدول الناس إلى استخدام اللغة القبطية كلغة أدبية، وبازدياد عدد الأقباط وشعورهم بكيانهم وقوميتهم. 

 وعندما فتح العرب مصر كانت اللهجة الصعيدية هي لغة الأدب القبطي عامة. وكل نهوض بعد ذلك للهجة البحيرية كان على أساس ترجمة الآداب الصعيدية، التي أصبحت ظاهرة في القرون الستة الأولى للمسيحية.

 ( الأشعار والابصاليات القبطية )


لم يصل إلينا شعر كتبه الأقباط فى الأغراض الدنيوية المختلفة إذ كان النسك السائد فى تلك العصور الأولى للمسيحية يحول دون ذلك. 


 فقد اتجهوا فى المدح إلى الملائكة والعذراء مريم والأنبياء والقديسين والشهداء فى نظم يعرف باسم الذكصولوجيات وهى كلمة معناها "تمجيد". وقد جمع "ديلاسى اوليرى" الكثير منها سنة 1924 فى كتابه المسمى coptic Hymns. أما مدح العذراء مريم فلكثرته اختص به تقريبا باب اسماه الثيئودوكيات. 

 وقد نشر "اوليرى" سنة 1923م كتابه المسمى The Coptic Theotokia جمع فيه الكثير من المقطوعات الشعرية القبطية التى عثر عليها فى دير القديس مقاريوس والمكتبة الأهلية بباريس والمتحف البريطانى بلندن. كما ذكر أن هذا النوع من النظم كان مستحبا لدى الشعراء الأقباط حيث وجدوا فيه الفرصة لإظهار مواهبهم. 

 كما ذكر "اليكسس مالون" أن هذه الثيئودوكيات لها مكانة عظمى فى الآداب القبطية. وقد كان القصص من بين الأغراض التى طرقها الشعراء الأقباط أيضاً. 

 ومن اشهر القصص العشرية قصة ارشيليديس الراهب الذى رفض مقابلة أمه وفاء لنذر قطعه على نفسه ألا يرى امرأة. وهى قصيدة طويلة جدا على شكل حوار تظهر فيه براعة التمثيل وقوة التأثر، والقصيدة تمس ناحية حساسة من المشاعر الإنسانية. 

 ثم هناك الأشعار الكنسية وهى صلوات أو تأملات مأخوذة من المزامير أو الإنجيل وتسمى ابصاليات (وهى مأخوذة من الكلمة القبطية بصالموسى بمعنى مزمور) والبعض الآخر تسمى الهوسات (وهى مأخوذة من الكلمة القبطية هوس بمعنى تسبيح). 

 وقد اختصوا كل يوم بتسبيحة خاصة منظومة وملحنة بلحن خاص، وتوجد غالبية هذه القطع الشعرية فى كتابين هما الابصلمودية السنوية والابصلمودية الكيهكية.

 لقد كان الإسلام هو اهتمام المسلمين الأول في القرن الأول للهجرة. 

 ومع انتشار الإسلام ورسوخ الدواوين بدأ المسلمون في التركيز على مختلف فروع الدراسة العملية، فالعلوم الثقافية مثل التاريخ والفلسفة كانت من بين العلوم الأولى التي درسها المسلمون، ولقد مرت الكتابة التاريخية بعدة مراحل فقد كانت عن طريق الرواية الشفهية وعرف هؤلاء بالإخباريين. 

 وبعد ذلك نشأ جيل جديد من المؤرخين عرفوا باسم كتاب السير وأخبار الفتوح، ولقد كانوا مهتمين بالكتابة حول حياة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). 

 ولقد بلغت الكتابة الإسلامية أوجها في القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي فيما بدأ التخصص الإقليمي. 

 ففي مصر كتب عبدالرحمن بن عبدالحكم "فتوح مصر وأخبارها" وقام بالمحاولة الأولى لكتابة تاريخ وطني لمصر مستخلصاً من التاريخ الإسلامي العام، وبلغت هذه المدرسة أوج ازدهارها في القرن الثامن الهجري / 14 م مع نشوء مدرسة الموسوعات المصرية مثل النويري الذي كتب "نهاية الإرب في فنون الأدب". 

 ومن بين الموضوعات التي برع فيها المسلمون الطب والصيدلة حيث اشتهر بهما الأطباء المصريون. 

 فالطبيب المصري علي بن رضوان عرف بكتابه الشهير "دفع مضار الأبدان بأرض مصر" كما كان له مساجلات علمية مع الطبيب البغدادي الشهير ابن بطلان. 

 وتحتوي دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة على العديد من المخطوطات الطبية التي تعكس تميز المسلمين في الطب، كما تأسست في مصر مدرسة شهيرة في نسخ المراجع الطبية للأمهات، كما كتب العلماء المسلمون في الفلك، الرياضيات، الهندسة، الكيمياء، والطبيعيات وفي مختلف فروع المعرفة الأخرى.

( الإنتاج الأدبي في مصر الإسلامية )

تركزت الحركة الأدبية في كافة البلاد الإسلامية في بواكير الفترة الإسلامية الأولى حول النواحي الدينية، وكانت العلوم الأدبية والفلسفية ضعيفة الشأن في هذه الفترة المبكرة. 

 واشتهرت مصر في هذه الفترة المبكرة بالفقهاء والمحدثين، أمثال يزيد بن حبيب المصري، وعبد الله بن لهيعة، والليث بن سعد، والإمام الشافعي، وعثمان بن سعيد القبطي، الذي عرف باسم "ورش"، وكان رئيس القراء بالديار المصرية وتوفي في عام 197 هـ (812 ميلادى). 

 وبمرور الوقت بدأت الحركة الأدبية في الازدهار ابتداءً من القرن الثالث وحتى التاسع الهجرى (التاسع الميلادى حتى الخامس عشر). ويؤرخ لهذا الازدهار بظهور نفر من المؤرخين الوطنيين المصريين شرعوا في كتابة تاريخ مصر، والذي كان معروفاً حتى ذلك الوقت عن طريق الحفظ والرواية الشفهية فقط. وأول هؤلاء المؤرخين الوطنيين عبد الرحمن بن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر وأخبارها. وتدلنا الأخبار والمعلومات التي وصلت من كتاب بن زولاق أخبار سيبويه المصري عن مدى ازدهار الحركة الأدبية في الفسطاط في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. 

 ولقد كان سيبويه المصري هذا بارعاً في النحو وخواص اللغة، وكانت له أخبار أدبية ونوادر كثيرة، حرص المؤرخ بن زولاق على جمعها في كتاب خاص بهذا الأديب دارت أحداثه في الفسطاط.


مجموعة مقالات منقولة من موقع مصر الخالدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق