الخميس، 1 مايو 2014

ميثولوجيا القرن الواحد والعشرين




لم تتخلى البشرية عن الميثولوجيا في يوم من الأيام فهي مرآة طبيعية لوجوهنا المغتربة لرغبتنا الجامحة في أن نسير عكس الحقيقة وأن بني وهمنا الذي نريد أن نسجن بداخله عسى أن نحصل على السلام النفسي وتنام أعيننا ملؤ الجفون تلك الرغبة التي لن نحصل عليها أبداً لأننا جعلنا من الإنسان كائن ميثولوجي بدلاً من أن يكون كائن ميتافيزيقي - كما يقول شوبنهاور – وأسمحوا لي أن أضيف وفيزيقيٌ في آن .



الميثولوجيا في مقابل الميتافيزيقا :



تختلف الميثولوجيا عن الميتافيزيقا إختلاف جذري فالأولى لها صفتان أساسيتان هما الوهم و الخيال الأبستمولوجي ( الوهم المعرفي ) المرتبط بالإغتراب عن أصول وآليات وحقيقة المعرفة البشرية والصفة الثانية هي إضافة قدرات غير حقيقية وخارقة لشخص ما أو شيء ما في حين تتصف الثانية ( الميتافيزيقا ) بالحقيقة المعرفية وتطابق القدرة مع الفعل هو أذن إختلاف جذري بين الوجود والعدم أو لنقل بين ما هو موجود بالفعل وما هو موجود بالوهم – لأننا نجد مظاهر ثقافية وحضارية تُبنى على أسس أيدولوجية وهمية – الميثولوجيا أذن هي حالة إغتراب عن الميتافيزيقا تسمح للإنسان بالخروج عن قواعدها وسلطانها لكي يكون قادراً على فعل ما يهوى وما يشاء بدلاً من أن يفعل ما يجب أن يكون .



هو أذن صراع دائم بين الميثولوجيا والميتافيزيقا مرت فيه البشرية بثلاث مراحل رئيسية الأولى هي مرحلة إستبدال الميتافيزيقا بالميثولوجيا البدائية ( القصصية ) حيث أستبدل الإنسان الإله بالآلهه وبنى نسق عقدي ملحمي مشوه وخيالي والمرحلة الثانية هي مرحلة تشويه الميتافيزيقا بإدخال معتقدات ميثولوجية إليها حيث قام الإنسان بتشويه الدين لخدمة اغراض سياسية وإقتصادية وإجتماعية وغيرها كما حدث في العصور الوسطى الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نقطة الصراع بين القاهر والمقهور العلم والدين السلطة والشعب وبطبيعة الحال التحول إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة قتل الميتافيزيقا وإستبدالها بالإنسان \ الإله .



هنا أستُبدل الدين بالأخلاق الوضعية وتخطى العلم قدراته ليصبح سيد الموقف وحل الإنسان محل الإله إلا أن الأمم المختلفة لا تتساوى في تلك المراحل فالشعوب العربية على سبيل المثال لا تزال في مرحلة تشويه الميتافيزيقا والسؤال الأهم هنا ما الداعي إلى قتل الميتافيزيقا أو قتل الفيزيقا من الأساس فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية ولا ينشأ الصراع بينهما إلا في حالة تشويه أحدهما أو كلاهما الأمر الذي يؤدي إلى فقدهما لخصائصهما الحقيقية ويجعل حالة التكامل بينهما مستحيلة أو شبه مستحيلة .



كما أن الدين والواقع والإنسان ثلاثية يجب أن تكون مكوناً واحداً لا إنقسام فيه ولا تضاد فالدين يجب أن يكون متوافقاً مع الفطرة السوية للإنسان تلك التي تلبي إحتياجاته النفسية والروحية والجسدية بصورة صحيحة وسوية لكي لا يركن إلى ذلك الجزء الحيواني بداخله ولكي ينال السعادة في الدنيا والآخرة وإلا فلمن يكون الدين كما ان الواقع يجب أن يكون مرآة لإيمان الإنسان بالدين وتطبيقاً له في الحياة  إلا ان التاريخ ينبأنا بغير ذلك لا لأن الدين لا يتناسب مع الفطرة البشرية ولكن لأن الإنسان أغترب عنها ليصبح حيوان مفترس قادر على تشويه الدين ورسم واقع مآساوي ومظلم في آن هي أذن معضلة تاريخية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض حديثة بفعل الإغتراب المستمر لبني البشر .

ولكي تكون ثلاثية الدين والإنسان والواقع مكوناً واحداً لا إنقسام فيه ولا تناقض يجب علينا أن نقضي أولاً أو على الأقل أن نقلل من حالة الإغتراب الإنساني لأنه وحده القادر على تشويه الدين لكي يتناسب مع مايهوى الإنسان ومايشاء وبالتبعية رسم واقع مظلم ومأساوي كما ذكرت من قبل وفي ظل الوضع الراهن وظهور أشكال مختلفة من الكهنوت المقنع في عالمنا العربي والإسلامي وجب علينا ان أردنا أن نتحرر منه ومن كل أشكال العبودية الثقافية  ان نعود إلى التمييز بين الأصول والفروع الثوابت والمتغيرات المتن ومساحة الهامش التي يجب ان نتحرك فيها جميعاً كما يجب أن يفتح باب الإجتهاد بشكل جدي من جديد سواء بدأ من حيث أنتهى الاخرون  بما يتناسب مع أوضاع العصر أو بدأ من الأصول أي من القرآن والسنة كما يجب الفصل بين كل ما هو إجتماعي وماهو ديني نظرلصبغ العادات مع مرور الأيام بصبغة مقدسة مما يجعلها تحفظ في الذاكرة الشعبية بتلك الصبغة الدينية هذا بالإضافة إلى  أن التربية الدينية يجب أن تندمج مع الواقع ومشكلاته وأن تنتقل حتى على مستوى العقيدة من مرحلة إدراك الحقيقة إلى مرحلة إدراك أبعادها – أي إدراك الأسباب والنتائج  -  الأمر الذي سيؤدي إلى تربية وعي جمعي ناقد قادر على التحليل ومعالجة المشكلات بصورة لا ينفصل فيها ماهو ديني عن ماهو إنساني وواقعي وأخيراً يجب أن تنتقل تلك الرؤية إلى ديانات ومذاهب مختلفة وان تعمل على تنمية فكرة التعايش المشترك والسلام الإجتماعي والعالمي لكي تصل المجتمعات إلى حالة بنائية داخل المجتمع الواحد – أي حالة تعتمد على التكامل لا الصراع – والأمم إلى حالة من التعارف والتعايش السلمي كما ان تلك الرؤية لا يجب أن تكون لها قواعد ثابته اللهم إلا الحفاظ على الأصول والسعي من أجل إلغاء حالة الإغتراب الإنساني لكي لا تفقد ديناميتها وقدرتها على تحقيق مقاصدها بأختلاف الأزمنة والأمكنة .



فلسفة السلطة في مقابل إغتراب السلطة :



السلطة كما قال كثير من الفلاسفة هي نتاج تنازل الشعب عن بعض حقوقه للحكومة عن طريق إبرام عقد إجتماعي معها يُسمحُ لها بمقتضاه بإدارة شؤون الدولة نيابة عن الشعب هي أذن ضرورية ومنطقية في آن ولكن متى تكون السلطة مغتربة.. ؟ تكون السلطة مغربة إرادياً حينما لا تبنى على أيدولوجيا سليمة ( أي لا تتوافق مع المنطق والحدس السليميين أو بعبارة أخرى مع الفطرة البشرية هذا بالإضافة إلى هوية المجتمع الخاصة ) أو عندما لا تطبق تلك الأيدولوجيا على أرض الواقع وفي كلتا الحالتين ينشأ الصراع داخل المجتمع.. فالفطرة البشرية لا تقبل الظلم والقهر والقمع لا تقبل الفقر والإحتكار والتحكم ولا ترضى إلا بالمساواة والعدالة والحرية  هذا بالإضافة إلى التفرد أيضاً فيما يتعلق بهويتها الخاصة .



إلا ان السلطة لم تتخلى عن إغترابها إلا في حالات قليلة من تاريخ البشرية فالإنسان مر بحكم الإله ( الفرعون والإمبراطور وغيرهما ) ثم الحكم بأمر الإله في العصور الوسطى وفي المرحلة النهائية أنتقل إلى حكم الإنسان \ الإله في العصر الحديث هي أذن صورة ميثولوجية وهمية تتيح للسلطة فعل ما تشاء عن طريق السيطرة على الوعي الجمعي وللإنسان فعل ما يشاء ولكن لأننا كائنات ميتافيزيقية بطبعها علينا إستبدال الميتافيزيقا بصور مختلفة للميثولوجيا .

  



ثقافة الـ 0 في مقابل ثقافة الـ



الثورة هي " القضاء على حالة الإغتراب الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للأمم  " تلك الحالة التي تجعل مغترباً إرادياً وآخر قهرياً ( ظالماً ومظلوماً ) في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة في معادلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية مغلوطة الأمر الذي يؤدي إلى محاولة تغيير تلك المعادلة من أجل بناء نظام جديد سوي وعقلاني .



ذكرت من قبل أن التاريخ يسير بشكل دائري يتمثل في دائرتين تسيران بإتجاهين متعاكسين الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين أمتين ثم إنتصار أحدهما على الآخرى ثم مرحلة القوة والضعف والعودة إلى الصراع من جديد في حين تبدأ الثانية بمرحلة الصراع ثم الهزيمة ثم الضعف ثم مرحلة إفاقة إحدى الأمم والعودة إلى الصراع من جديد هذا الشكل الدائري للصراع يتسم به التاريخ بشكل عام وتاريخ الأمم المختلفة بشكل خاص وذكرت أن الحل يكمن في الوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة وحالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة وتلك هي وظيفة الثورات .



نعم فالثورات تدخل في دائرة الصراع لكي تصل إلى هاتين الحالتين في حين تحاول السلطة أن تقف عند مرحلة القوة وهي مرحلة الصفر أو العدم ( اللاشيء ) وسأحاول ان أشرح هذا بشيء من التفصيل فالثورة قبل أي شيء تكون ثورة معرفية ( فكرية ) لأنه بالرغم من ان العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية إلا أن الفكر يظل سابق على المادة – وأتحدث هنا عن علاقة الإنسان بالإنسان فقط – لأنه سابق على الفعل البشري المنشيء للمادة \ الواقع من الأساس .



السؤال الأهم هنا كيف يكون الصراع بين الثورة والسلطة.. ؟ أعتقد ان الصراع يكون عن طريق فرض حالة من " الحركة السالبة للثقافة " من قبل السلطة وإيجاد " حركة موجبة للثقافة " من قبل الثورة الأولى تتميز بشيئين الحركة السالبة أي حركة إلى الوراء ( عكس عقارب الساعة ) والهدم لبنى " الحركة الموجبة للثقافة " وهي حركة مغتربة عن العصر والتطور الطبيعي للثقافة البشرية وثقافات الأمم الخاصة وينتهجها كل من السلطة ومن والاها والأطراف الأخرى التي تريد أن تصل إلى السلطة ولكن مع الحفاظ على خصائصها " السيئة " كما هي أو بمعنى آخر الأطراف التي لا يشغلها التغيير في حد ذاته بل تغيير السلطة بسلطة أخرى والطرفان يحاولان أن يفرضا حالة من الحركة السالبة للثقافة لكي يحافظوا على مصالحهم ويمنعوا أي تغيير حقيقي في المجتمع .



والثانية تتميز بثلاثة أشياء الديناميكية ( الحركة التفاعلية ) والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل وإذا إستطاعت السلطة السيطرة على الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة  المجتمع تسيرإلى الوراء حتى يصل إلى ثقافة الصفر وهي ثقافة تتميز بشيئين الإستاتيكية ( أي ثبات النظام ) والدوجما ( الإنغلاق الفكري ) وهي ثقافة عدم أو لا شيء إلا أنها وفي نفس الوقت تضفي على الواقع قيم مطلقة كالصفر الذي لا يساوي شيئاً إلا انه له قيمة رياضية مطلقة .



وبالفعل تحاول السلطة أن تفعل ذلك عن طريق فرض أسطورتين أساسيتين الأولى هي أسطورة الفناء عن طريق إيهام الوعي الجمعي بأن الثورة هي مجرد فعل فوضوي سيؤدي في نهاية المطاف إلى فناء الدولة التي لن تستطيع تلبية حاجات البشر الأساسية من مأكل وأمن ومأوى وهي الحاجات الأساسية للوجود البشري في حد ذاته والثانية هي أسطورة المنقذ من الفناء ( النظام أو الفرد أو الدولة ) وبغض النظر عن ماهيته يظل هذا المنقذ بطلاً أسطورياً نصنعه ليتحكم بنا .



أما إذا إستطاعت الثورة إقناع الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة المجتمع تسير إلى الأمام حتى تترسخ مبادئها في عقله ووجدانه  وهنا ينتقل المجتمع إلى ثقافة الفاي ( المالانهاية ) التي تتميز بالديناميكية والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل فالثورة لا تتوقف – وأنا هنا لا أعني الإحتجاج وأن كان مهماً حتى تتحقق مطالب الثورة – ولكن أعني التطور المستمر للمنظومة المعرفية للمجتمع التي تجعل كل ما هو متغير في حالة تطور مستمرمع الحفاظ على ما هو ثابت بالطبع .



العلم في مقابل الميتافيزيقا :



الثورة معرفية في الأساس والمعرفة أشمل من العلم لأنها لا تقتصر فقط عليه وتُبنى على معتقدات فكرية حقيقية راسخة ورصينة فالثقافة العلمية على سبيل المثال تعتمد على أذهان تفكر بطريقة تفكيرعلمي تلك التي كانت ولازالت ضرورية لبناء المعرفة العلمية من الأساس وكما ذكرت من قبل نحن من نجعل الميتافيزيقا والفيزيقا العلم والدين المادي والملموس واللامرئي في حالة صراع لا تكامل لخدمة أغراض أخرى لها أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية المختلفة .





هناك من يرى أن التطور المعرفي يتسم بالتراكم والإتصال وهناك من يرى مثل ميشيل فوكو أن التطور المعرفي للبشرية يأتي من القطيعة لا الإتصال ويُقصد بالقطيعة هنا القطيعة المعرفية عما هو سائد في المجتمع في عصر معين هذا بالإضافة إلى أن المعرفة - حتى من منظورها التاريخي - متغيرة وفقاً لرؤى العصر الذي تُبنى فيه وأعتقد أن التطور المعرفي يتسم بالصفتين في آن بمعنى أنها تكون قطيعة معرفية عما هو سائد في المجتمع لكنها تظل تراكمية إذا نظرنا إلى التاريخ المعرفي للبشرية ككل فنسبية أينشتاين كسرت كل ما هو متعارف عليه وسائد لقوانين نيوتن وهذا أدى بطبيعة الحال إلى صراع شديد بين من يمتلكون عقل دوجمائي ومن يمتلكون عقل ديناميكي منفتح إلا أن النظريتان الان في حالة تكامل لا صراع فأينشتين لم يقضي على قوانين نيوتن بل وضعها في مكانها الصحيح وأضاف إلى المعرفة العلمية بصمته بطبيعة الحال .



العلم أيضاً في صراعه مع الميتافيزيقا مر بثلاثة مراحل الأولى هي مرحلة إستبدال العلم والميتافيزيقا بالميثولوجيا وهنا أتفق مع كانت في أنها كانت مرحلة لا علمية في الأساس وتعتمد على التفكير الأسطوري الخيالي والثانية كان فيها العلم خادماً للميتافيزيقا المشوهه والثالثة هي مرحلة العلم \ الميثولوجيا حيث حل العلم محل الميتافيزيقا وبالتبعية أصبح أسطورياً لأنه حل محل الإله وبطبيعة الحال أتصف بصفتي الوهم الأبستمولوجي وإضافة قدرات غير حقيقية وخارقة له إلا أن الخطير هنا هو توهم الإنسان القدرة المطلقة ومنها القدرة على الخلق مما جعله يحاول أن يشييء الإنسان ويؤنسن الشيء وبدلاً من أن يستخدم العلم في التوافق والتكيف مع الطبيعة وحل مشاكله المختلفة أصبح شغله الشاغل هو التحكم في الحياة نفسها الأمر الذي أدى إلى سقوطه في شرك الميثولوجيا والإغتراب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق