الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

آلان باديو مدح الحب



‮ ‬ ت‮: ‬غادة الحلوانى

 ‬دراما الحب هي‮ ‬أكثر الخبرات حدة في الصراع بين الهوية والاختلاف

العدو هو الشخص الذي لن تدعم أي قرار‮ ‬يتخذه بشأن‮ ‬ من شؤونك

لابد من فصل الحب فصلاً‮ ‬تاماً‮ ‬عن السياسة،‮ ‬باعتباره مغامرة فردية في السؤال‮ ‬ عن الحقيقة حول الاختلاف

حبي للمسرح معقد جداً‮ ‬ويعود إلي زمن طويل‮. ‬لعله أكثر قوة من حبي‮ ‬للفلسفة

يجب أن‮ ‬يضع الفيلسوف في‮ ‬اعتباره أنه لا‮ ‬يختلف عن أي‮ ‬شخص آخر في‮ ‬مواجهة ظروف الحياة العديدة‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬إن حدث ونسي،‮ ‬سوف‮ ‬يذكره بقسوة التقليد المسرحي،‮ ‬خاصة الكوميدي‮ ‬منه،‮ ‬بهذه الحقيقة‮. ‬ففي‮ ‬نهاية المطاف‮ ‬يقدم التقليد المسرحي‮ ‬شخصية قديمة وهي‮ ‬الفيلسوف مغرما،‮ ‬الذي‮ ‬تتبخر كلية حكمته الرواقية وعدم ثقته الكاملة في‮ ‬الحب لحظة أن تكتسح امرأة فاتنة مدوخة الغرفة فتعصف به للأبد‮. ‬لقد أدركت هذا منذ زمن بعيد‮. ‬وطرحت أن الفيلسوف‮ ( ‬وتحت هذه الكلمة التي‮ ‬تضمن الحياد،‮ ‬أعني‮ ‬كذلك بديهيا،‮ ‬الفيلسوفة‮) ‬يجب أن‮ ‬يكون عالما بارعا وشاعرا هاو وناشطا‮  ‬سياسيا،‮ ‬بل وعليه أن‮ ‬يقبل حقيقة أن حقل الفكر ليس ممهورا أبدا أمام انقضاضات الحب‮. ‬العالم والفنان والناشط والحبيب،‮ ‬هذه هي‮ ‬الأدوار التي‮ ‬تقتضيها الفلسفة من ممارسها‮. ‬لقد أسميتهم‮  ‬الحالات الأربع للفلسفة‮. ‬ولهذا وافقت فورا حين دعاني‮ ‬نيقولا ترونج إلي‮  ‬عقد حوار عام معه‮  ‬عن الحب،‮ ‬ضمن سلسلة‮  " ‬مسرح الأفكار‮" ‬الذي‮ ‬ينظمها مع مهرجان افينيون‮. ‬بدا لي‮ ‬هذا المزج بين المسرح والجمهور والحوار والحب والفلسفة كوكتيل مُسكِر‮. ‬علاوة علي ذلك،‮ ‬كان من المقرر أن‮ ‬يعقد في‮ ‬14‮ ‬يوليو‮ ( ‬2008‮)‬،‮ ‬وأبهجني‮ ‬أن نحتفل بالحب‮- ‬هذه الطاقة الكوزموبوليتانية والملتبسة والجنسية التي‮ ‬تتخطي الحدود والوضع الاجتماعي‮ ‬معا عوضا عن أن نحتفل بالجيش والأمة والدولة‮. ‬تخايلنا قليلا‮: ‬يلعب نيقولا دور المحاور وأنا ألعب الدور الغامض لفيلسوف الحب،‮ ‬لقد عملنا جيدا معا ونجحنا‮. ‬وأقول بدون‮ ‬تردد‮:  ‬حققنا انتصارا عظيما‮.‬

الحب والسياسة

 ‬لماذا السياسة هي‮ ‬والدة الحب‮. ‬هل لأن السياسة تشمل الأحداث والاعلانات والولاءات كذلك؟

من وجهة نظري‮ ‬تشكل السياسة اجراء حقيقي،‮ ‬لكنه الاجراء الذي‮ ‬يتمركز حول الجمعي‮. ‬أعني‮ ‬أن الفعل السياسي‮ ‬يختبر حقيقة ما‮ ‬يقدر علي انجازه الجمعي‮. ‬علي سبيل المثال،‮ ‬هل تستطيع السياسة‮  ‬تحقيق المساواة؟ هل تستطيع أن تدمج ما هو لامتجانس/متغاير؟ هل تعتقد أنه لا‮ ‬يوجد إلا عالم واحد فقط؟ أشياء من هذا القبيل‮. ‬يمكن تصنيف السياسة في‮ ‬السؤال التالي‮: ‬ماذا‮ ‬يستطيع الأفراد عمله حين‮ ‬يلتقون،‮ ‬وينتظمون،‮ ‬ويفكرون ويقررون؟ في‮ ‬الحب،‮ ‬يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كانا،‮ ‬كشخصين،‮ ‬قادرين علي التعامل مع الاختلاف وجعله خلاقا‮. ‬في‮ ‬السياسة،‮ ‬يتعلق الأمر بمعرفة إذا كان عدد من الناس،‮ ‬كتلة من الناس في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬يمكنها الابداع علي قدم المساواة‮. ‬وكما توجد العائلة علي مستوي الحب لكي‮ ‬تمارس اجتماعيا تأثيره،‮ ‬فعلي مستوي السياسة توجد السلطة‮- ‬الدولة،‮ ‬لكي‮ ‬تقمع حماسه‮. ‬يوجد بين السياسي،‮ ‬باعتباره الجمعي‮ ‬الفكري‮-‬العملي‮ ‬وقضية السلطة أو الدولة باعتبارها‮  ‬تنظيم وادارة،‮ ‬العلاقة ذاتها الصعبة التي‮ ‬توجد بين قضية الحب باعتباره ابتكار بدائي‮ ‬لاثنين وبين العائلة باعتبارها النواة الأساسية للملكية والأنوية‮. ‬

أساسا،‮ ‬لو انك تلعب بكلمة‮ " ‬الدولة‮ (‬دال الدهر‮ : ‬انقلب من حال إلي حال‮)  ‬يمكن أن تعرّف العائلة بدولة/حالة الحب‮. ‬فعلي سبيل المثال،‮ ‬حين تشارك في‮ ‬حركة جماهيرية سياسية كبري تختبر التوتر الدال عينه بين السؤال عن‮ " ‬ما الذي‮ ‬يقدر عليه الجمعي؟‮" ‬والسؤال عن قوة الدولة وسلطتها‮. ‬النتيجة هي‮ ‬أن الدولة علي وشك‮  ‬خيانة الأمل السياسي‮ ‬تقريبا‮. ‬هل أنا بحاجة إلي أن أؤكد الأن علي أن العائلة دائما علي وشك‮  ‬خيانة الحب؟ تري أننا‮ ‬يجب طرح هذا السؤال‮. ‬في‮ ‬رأيي‮ ‬أن العائلة لا تتعامل إلا‮  ‬نقطة بعد نقطة وقرارا بعد قرار‮. ‬يوجد نقطة الاختراع الجنسي،‮ ‬ونقطة الطفل،‮ ‬ونقطة الرحلات،‮ ‬ونقطة العمل والأصدقاء وليالي‮ ‬السمر والاجازات،‮ ‬وأيا كان‮. ‬وقصر كل هذه النقاط‮  ‬علي عنصر إعلان الحب ليست مسألة سهلة‮. ‬بالمثل في‮ ‬السياسة،‮ ‬توجد نقاط لسلطة الدولة والجبهات السياسية والقوانين والبوليس وليس سهلا أبدا قصرها علي وجهة نظر سياسية مفتوحة ثورية تعتنق المساواة‮.‬

في‮ ‬الحالتين،‮ ‬لدينا إذن اجراءات نقطة بنقطة وتشكل قاعدة طرحي‮ ‬في‮ ‬مواجهة صديقي‮ ‬المتدين‮. ‬لا تخلط الاختبار مع النهاية‮. ‬فمن المحتمل ألا‮ ‬يتم ادراك السياسة بدون الدولة،‮ ‬لكن هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أن القوة هدفها‮. ‬هدفها هو أن تكتشف ما الذي‮ ‬يقدر عليه الجمعي،‮ ‬وليس القوة ذاتها‮. ‬بالمثل،‮ ‬الهدف في‮ ‬الحب هو اختبار العالم من وجهة نظر الاختلاف،‮ ‬نقطة بنقطة،‮ ‬وليس ضمان فقط انتاج النوع‮. ‬سوف‮ ‬يجد الأخلاقي‮ ‬المرتاب تبريرا لتشاؤمه في‮ ‬العائلة،‮ ‬بأنها دليل علي أن الحب في‮ ‬نهاية المطاف خدعة ببساطة لضمان انتاج النوع وخدعة المجتمع لضمان توارث الميزات‮. ‬لكني‮ ‬لن أقبل فرضيته‮. ‬كما لن أقبل وجهة نظر صديقي‮ ‬بيناروش بأن الخلق الرائع لقوة الاثنين التي‮ ‬يولدها الحب‮ ‬يرتبط بالانحناء أمام عظمة الواحد في‮ ‬النهاية

لماذا اذن لا تستطيع تصور‮ " ‬سياسة الحب‮" ‬كما رسم جاك لاكان خطوط‮ " ‬سياسة الصداقة‮"*‬؟

لا أعتقد أنك تستطيع خلط الحب مع السياسة‮. ‬في‮ ‬رأيي،‮ " ‬سياسة الحب‮" ‬تعبير بلا معني‮. ‬أعتقد أنه حين تبدأ في‮ ‬قول‮ " ‬أحبوا بعض‮"‬،‮ ‬قد‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا إلي نوع ما من الأخلاق،‮ ‬لكن لن‮ ‬يؤدي‮ ‬إلي أي‮ ‬نوع من السياسة‮. ‬أولا،‮ ‬في‮ ‬السياسة‮ ‬يوجد أفراد لا‮ ‬يستطيع أحد أن‮ ‬يحبها‮. ‬هذا لا‮ ‬يمكن انكاره‮. ‬لا‮ ‬يستطيع أي‮ ‬شخص أن‮ ‬يتوقع منا أن نحبهم‮.‬

إذن علي عكس الحب،‮ ‬تدور السياسة حول المواجهة بين الأعداء؟

حسنا،‮ ‬تعرف أنه،‮ ‬في‮ ‬الحب،‮ ‬مع الاختلاف المطلق الذي‮ ‬يوجد بين الفردين،‮ ‬احدي أكبر الاختلافات التي‮ ‬يستطيع المرء تخيلها،‮ ‬مع معطي أنه اختلاف لانهائي،‮ ‬يمكن للقاء،‮ ‬والإعلان والولاء أن‮ ‬يحولوا هذا الاختلاف إلي وجود ابداعي‮. ‬لاشيء من هذا القبيل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدث في‮ ‬السياسة بالنسبة للتناقضات الأساسية،‮ ‬وواقع أنه‮ ‬يوجد في‮ ‬الحقيقة أعداء معينين تعيينا واضحا‮. ‬إحدي القضايا المركزية في‮ ‬الفكر السياسي‮ ‬هي‮ ‬قضية الأعداء،‮ ‬ومن الصعب جدا التعامل معها اليوم؛ جزئيا بسبب الاطار الديموقراطي‮ ‬الذي‮ ‬نشتغل ضمنه‮. ‬إن القضية هي‮: ‬هل‮ ‬يوجد أعداء؟ أعني‮ ‬بهذا أعداء حقيقيون‮. ‬الشخص الذي‮ ‬تقبله،‮ ‬حزينا وممتعضا،‮ ‬الذي‮ ‬يصل إلي السلطة دوريا،‮ ‬لأن الكثير من الناس صوتوا له ليس هو العدو الحقيقي‮. ‬هذا الشخص‮ ‬يزعجك وجوده علي رأس الدولة لأنك كنت تفضل‮ ‬غريمه‮. ‬وسوف تنتظر دورك،‮ ‬خمس سنوات أو عشرة أو أكثر‮. ‬العدو‮: ‬هذا شيء آخر‮! ‬إنه الشخص الذي‮ ‬لن تدعم أي‮ ‬قرار‮ ‬يتخذه بشأن من شؤونك‮. ‬إذن،‮ ‬هل‮ ‬يوجد عدو حقيقي‮ ‬أم لا؟‮  ‬يجب أن‮ ‬يكون هذا السؤال نقطة انطلاقنا‮. ‬في‮ ‬السياسة،‮ ‬هذه قضية هامة للغاية واعتدنا أن ننحيها جانبا سريعا‮. ‬في‮ ‬الحب،‮ ‬تصبح قضية العدو‮ ‬غريبة كلية‮. ‬في‮ ‬الحب،‮ ‬قد تقابل عوائقا،‮ ‬قد تغمرك الدراما الداخلية،‮ ‬لكن في‮ ‬الحقيقة لا‮ ‬يوجد أعداء في‮ ‬الحب‮. ‬قد‮ ‬يعترض شخصا ما قائلا‮: ‬ماذا عن‮ ‬غريمي؟ الشخص الذي‮ ‬يفضلة حبيبي‮ ‬عليّ؟ حسنا،‮ ‬هذه مسألة مختلفة اختلافا كليا‮. ‬في‮ ‬السياسة،‮ ‬يصبح الصراع مع العدو هو الفعل‮. ‬يشكل العدو جزء من جوهر السياسة‮. ‬تعرّف السياسة الحقيقية عدوها الحقيقي‮. ‬من ناحية أخري،‮ ‬يظل الغريم خارجيا تماما،‮ ‬فهو ليس جزء من تعريف الحب‮. ‬في‮ ‬هذه النقطة اختلف جذريا مع هؤلاء الذين‮ ‬يعتقدون أن الغيرة عنصر مكون من عناصر الحب‮. ‬وأكثر من‮ ‬يجسد هذا تجسيدا عبقريا بروست،‮ ‬الذي‮ ‬يري الغيرة مكونا حقيقيا وحادا وشيطانيا في‮ ‬الذات المحبة‮. ‬أعتقد أن هذا الرأي‮ ‬ببساطة هو تنوع‮  ‬لأطروحة الأخلاقيين أصحاب مذهب الشك‮. ‬إن الغيرة طفيلي‮ ‬زائف‮ ‬يتغذي علي الحب ولا‮ ‬يساعد إطلاقا في‮ ‬تعريفه‮. ‬هل‮ ‬يجب علي كل حب تحديد‮ ‬غريم خارجي‮ ‬قبل أن‮ ‬يعلن عن نفسه،‮ ‬قبل أن‮ ‬يبدأ‮. ‬مستحيل‮! ‬العكس هو الحال‮: ‬إن الصعوبات الداخلية للحب،‮ ‬والتناقضات الداخلية لمشهد الاثنين‮ ‬يمكن أن تتبلور حول طرف ثالث،‮ ‬غريم،‮ ‬متخيلا أو حقيقيا‮. ‬إن الصعوبات التي‮ ‬ينطوي‮ ‬عليها الحب لا تنبت من وجود عدو تم تحديده‮. ‬هذه الصعوبات داخلية في‮ ‬سيرورته‮: ‬اللعبة المبدعة للاختلاف‮. ‬إنها الأنانية‮: ‬هي‮ ‬عدو الحب،‮ ‬وليست‮ ‬غريمه‮. ‬يمكن أن نقول‮: ‬إن عدو حبيبي‮ ‬الأساسي،‮ ‬الذي‮ ‬يجب أن أهزمه،‮ ‬ليس الآخر،‮ ‬بل نفسي،‮ ‬إن‮ " ‬نفسي‮" ‬التي‮ ‬تفضل الهوية علي الاختلاف،‮ ‬التي‮ ‬تفضل أن تضع عالمها في‮ ‬مواجهة العالم الذي‮ ‬تمت تنقيته وإعادة بناءه خلال منشور الاختلاف‮.‬

الحب‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون حربا أيضا‮...‬

لابد أن نضع في‮ ‬اعتبارنا أن اجراء الحب،‮ ‬مثل العديد من اجراءات الحقيقة،‮ ‬لايتصف بالسلام دائما‮. ‬يمكن أن‮ ‬يتشكل من شجارات عنيفة،‮ ‬ومعاناة أصيلة وانفصالات قد نتجاوزها وقد لانستطيع‮. ‬يجب أن ندرك أنها خبرة من أكثر الخبرات ألما في‮ ‬الحياة الشخصية لأي‮ ‬فرد‮! ‬لهذا‮ ‬يدعم بعض الناس دعائية‮ " ‬الضمان الشامل‮". ‬لقد ذكرت فعليا أن الناس تموت بسبب الحب‮. ‬يوجد موتي/صرعي الحب ومنتحري‮ ‬الحب‮. ‬في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬إن الحب،‮ ‬طبقا لمقياسه،‮ ‬ليس بالضرورة سلميا أكثر من السياسة الثورية‮. ‬إن الحقيقة ليست شيئا ما مشيد في‮ ‬حديقة ورود‮. ‬أبدا‮! ‬فللحب نظامه الخاص به الذي‮ ‬يحمل داخله التناقضات والعنف‮. ‬لكن الاختلاف،‮ ‬نصطدم به،‮ ‬في‮ ‬السياسة،‮ ‬مع قضية العدو،‮ ‬حقا،‮ ‬في‮ ‬حين أنه في‮ ‬الحب‮ ‬يصبح سؤال الدراما‮.  ‬الدراما الباطنية والداخلية التي‮ ‬لا تحدد حقا أي‮ ‬أعداء،‮ ‬لكنها تضع في‮ ‬بعض الأحيان دافع الهوية في‮ ‬صراع مع الاختلاف‮. ‬إن دراما الحب هي‮ ‬أكثر الخبرات حدة في‮ ‬الصراع بين الهوية والاختلاف‮.‬

ومع ذلك،‮ ‬أليس من الممكن أن نجمع الحب والسياسة معا بدون أن نقع في‮ ‬فخ المذهب الأخلاقي‮  ‬لسياسة الحب؟

يوجد مفهومان سياسيان أو فيلسفيان؛‮ ‬يمكن أن نقارنهما علي مستوي شكلي‮ ‬محض بالديالكتيك الموجود في‮ ‬الحب‮. ‬أولا،‮ ‬تشمل كلمة‮ " ‬شيوعية‮" ‬فكرة أن الجمعي‮ ‬قادر علي دمج كل الاختلافات التي‮ ‬توجد خارج مجال السياسة‮. ‬لايجب منع الناس عن المشاركة في‮ ‬العملية السياسية من النوع الشيوعي‮ ‬لأنهم هذا أو ذاك،‮ ‬أو لأنهم ولدوا هنا أو جاءوا من مكان آخر،‮ ‬أو‮ ‬يتحدثون هذه اللغة أو تلك،‮ ‬أو‮ ‬يحملون تلك الثقافة أو‮ ‬غيرها،‮ ‬علي النحو عينه الذي‮ ‬لا تمثل الهويات،‮ ‬داخلهم،‮ ‬عائقا أمام الحب‮. ‬إن الاختلاف السياسي‮ ‬مع العدو،‮ ‬فقط،‮ " ‬متناقض‮" ‬كما‮ ‬يقول ماركس‮. ‬وهذا ليس له معادل في‮ ‬اجراء الحب‮. ‬ثم لدينا كلمة‮ "‬الإخاء‮". ‬إن مصطلح‮" ‬الاخاء‮" ‬هو أكثر مصطلحات شعار الجمهورية‮ ‬غموضا‮. ‬يمكن أن نتناقش حول‮ " ‬الحرية‮"‬،‮ ‬لكننا نعرف ما هي‮. ‬ويمكن أن نقدم تعريفا دقيقا تماما عن ماذا تعني‮ " ‬المساواة"؟ لكن ماذا‮ ‬يعني‮ " ‬الإخاء"؟‮  ‬هذا‮ ‬يمس بلاشك قضية الاختلاف،‮ ‬ووجوده المشترك الودود في‮ ‬العملية السياسية بأن الحدود الأساسية هي‮ ‬مواجهة العدو‮. ‬وهذا مفهوم‮ ‬يمكن أن‮ ‬يغطيه مذهب العالمية؛ فلو أن الجمعي‮ ‬قادر حقا علي تحمل مسؤولية المساواة،‮ ‬هذا‮ ‬يعني‮ ‬أنه‮ ‬يمكن أن‮ ‬يدمج أكثر التباينات حدة،‮ ‬ويسيطر سيطرة صارمة علي‮  ‬قوة الهوية‮.‬

في‮ ‬بداية حوارنا،‮ ‬تحدثت عن المسيحية علي أنها‮ " ‬ديانة الحب‮". ‬فلنركز الآن علي تجسدات الحب في‮ ‬الايديولجيات العظيمة‮. ‬في‮ ‬رأيك،‮ ‬كيف تتدبر المسيحية القبض علي القوي‮ ‬غير العادية التي‮ ‬يتمتع بها الحب؟

في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬أعتقد أن البوذية مهدت تماما الطريق للمسيحية‮. ‬إن وجود الحب في‮ ‬العهد القديم دال،‮ ‬علي مستوي التشريعات والوصف علي السواء‮. ‬فأيا كان فحواها اللاهوتي‮ ‬فأغنية الحب التي‮ ‬هي‮ ‬نشيد الأناشيد واحدة من أكثر الاحتفاءات القوية بالحب التي‮ ‬كتبت علي مر الزمن‮. ‬المسيحية في‮ ‬حد ذاتها أفضل نموذج علي استخدام كثافة الحب نحو مفهوم ترانسندنتالية الكون‮. ‬تقول المسيحية‮: ‬لو احببتوا بعضكم،‮ ‬سيقترب هذا المجتمع المحب من الينبوع النهائي‮ ‬لكل الحب الذي‮ ‬هو ترانسندتالية إلهية‮  ‬في‮ ‬حد ذاته‮. ‬إنها تقدم فكرة أن قبول خبرة الحب،‮ ‬خبرة الآخر،‮ ‬النظرة التي‮ ‬تنبثق تجاه الآخر،‮ ‬تساهم إلي هذا الحب الأعلي الذي‮ ‬هو الحب الذي‮ ‬ندين به لله والحب الذي‮ ‬يضعه فينا الله علي السواء‮. ‬وبالطبع،‮ ‬هذه ضربة عبقرية‮! ‬دبرت المسيحية الامساك،‮ ‬باسم كنيستها‮- ‬تجسيدها للدولة‮-‬،‮ ‬بهذه القوة التي‮ ‬خولت لها،‮ ‬علي سبيل المثال،‮ ‬أن تحقق قبول الفرد للمعاناة باسم المصالح العليا للمجتمع وليس فقط باسم بقاء الفرد‮. ‬

فهمت المسيحية بامتياز أن الاحتمالية الظاهرية للحب تحمل عنصرا‮ ‬يحميه من اختصاره إلي هذه الاحتمالية‮. ‬لكن،‮ ‬وهذه هي‮ ‬المشكلة،‮ ‬يرفعه علي الفور إلي مستوي الترنسدنتالية‮. ‬هذا العنصر الكوني‮ ‬الذي‮ ‬أدركه كذلك في‮ ‬الحب أراه عنصرا باطنيا‮. ‬غير أن المسيحية تدبرت بطريقة ما كذلك أن ترفعه وأن تعيد تركيزه في‮ ‬قوة ترنسندنتالية‮. ‬إنها الحركة التي‮ ‬نجدها جزئيا عند أفلاطون،‮ ‬خلال فكرة الخير‮. ‬إنها الاستغلال الأول العبقري‮ ‬لقوة الحب والذي‮ ‬يجب الآن وضعه علي الأرض‮. ‬أعني‮ ‬أننا‮ ‬يجب أن نبين أن الحب‮ ‬يتمتع فعليا بقوة كلية،‮ ‬لكنه ببساطة تامة هو احتمالية أن نجرب خبرة توكيدية وابداعية وايجابية للاختلاف‮. ‬إنه الآخر،‮ ‬بلاشك،‮ ‬لكن بدون‮ " ‬الأخر‮- ‬القدير‮"‬،‮ ‬بدون‮ " ‬الآخر العظيم‮" ‬في‮ ‬الترنسندنتالية‮. ‬في‮ ‬التحليل الأخير،‮ ‬لا تتحدث الأديان عن الحب‮. ‬إنها تهتم فقط به باعتباره مصدر للكثافة،‮ ‬للحالة الشخصية التي‮ ‬يستطيع وحده فقط خلقها،‮ ‬وكل هذا بهدف توجيه هذه الكثافة إلي الإيمان والكنيسة من أجل وضع هذه الحالة الشخصية في‮ ‬مصلحة هيمنة الله‮. ‬إن النتيجة هي،‮ ‬علاوة علي ماسبق،‮ ‬أن المسيحية تقدم عوضا عن الحب النضالي‮ ‬الذي‮ ‬أمدحه هنا‮- ‬الابداع الأرضي‮ ‬لميلاد مختلف لعالم جديد،‮ ‬سعادة ننتزعها نقطة نقطة‮- ‬تقدم المسيحية حبا سلبيا وورعا وخاضعا‮. ‬إن الحب علي ركبتين راكعتين ليس حبا علي الإطلاق بقدر علمي،‮ ‬حتي ولو أنه‮ ‬يبعث عاطفة داخلنا تجعلنا نذعن لمن نحب‮.‬

لقد عملت مع انطوان فيتز،‮ ‬خاصة حين كان‮ ‬يجهز انتاجه الشهير خف ابليس لبول كلوديل‮. ‬هل التأمل الذي‮ ‬قدمه مؤلف استراحة الظهيرة الغارق تماما في‮ ‬المسيحية،‮ ‬لديه مايقوله اليوم للناس الذين لم‮ ‬يعودوا مسيحيين؟

كلوديل كاتب دراما عظيم عن الحب‮. ‬لقد كرس خف ابليس واستراحة الظهيرة كلية لمعالجة هذه الثيمة‮. ‬من ناحية أخري،‮ ‬ما الذي‮ ‬لدي كلوديل‮ ‬يثيرنا الآن لا‮ ‬يثيره مباشرة مجتمع القديسين وثواب العقود الخيرة والخلاص فيما بعد الحياة‮. ‬لا أستطيع إلا أن أفكر في‮ ‬نهاية استراحة الظهيرة‮: " ‬افترقنا،‮ ‬لكن لم نتوقف عن حمل بعضنا،‮ ‬هل‮ ‬يجب أن نحمل عبء أرواحنا الشقية؟‮" ‬لدي كلوديل حساسية،‮ ‬خاصة،‮ ‬تجاه فكرة أن الحب الحقيقي‮ ‬يتغلب علي المستحيل‮:" ‬أصبحنا بعيدين عن بعض،‮ ‬لكن لن نتوقف عن حمل بعضنا البعض‮"... ‬بوضوح تام،‮ ‬الحب ليس احتمالية،‮ ‬علي الأحري،‮ ‬هو تجاوز شيء ما‮ ‬يبدو مستحيلا‮. ‬شيء ما‮ ‬يوجد،‮ ‬لاسبب له،‮ ‬لم‮ ‬يقدم لك أبدا علي أنه احتمالية‮. ‬وهذا سبب آخر كذلك‮ ‬يوضح زيف دعاية الموقع الاكتروني‮ ‬ميتك للمواعيد الغرامية‮. ‬فهو‮ ‬يعمل بناء علي فرضية أنك تفحص كل الاحتمالات وتنتقي‮ ‬الأفضل لكي‮ ‬تستمتع بحب آمن‮. ‬لكن الواقع‮ ‬غير ذلك‮! ‬ليست مثل القصص التي‮ ‬يصطف الخاطبون طابورا‮. ‬إن تجاوز المستحيل‮ ‬يعني‮ ‬بداية الحب؛ وكلوديل شاعر المستحيل العظيم مع ثيمة المرأة المحرمة‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬يحمل الزهر لديه حظا سيئا إلي حد ما،‮ ‬بما أن المستحيل نسبي‮ ‬لأنه أرضي‮. ‬أعتقد أن لديه مشهدين من‮" ‬مشهد من اثنين‮" ‬بدلا من واحد‮. ‬الأول هو خبرة استحالة الحب علي الأرض‮. ‬الثاني‮ ‬حين‮ ‬يتآلف اثنان في‮ ‬عالم الايمان‮. ‬من الرائع أن تتابع آلياته الشعرية الرائعة التي‮ ‬يستخدمها ليغني‮ ‬المشهد الثاني‮ ‬انطلاقا من قوة الأول بلغة رائعة‮. ‬هذه هي‮ ‬المسيحية‮. ‬تقوم دعايتها بالقوة الأرضية للحب بقولها‮: " ‬نعم،‮ ‬توجد أشياء معينة مستحيلة بالرغم من هذه القوة،‮ ‬لكن لا داعي‮ ‬للقلق لأن ما هو مستحيل هنا في‮ ‬الأسفل،‮ ‬ليس كذلك بالضرورة فيما بعد الحياة‮." ‬دعائية أولية جدا لكنها مفحمة‮.‬

إن الرغبة في‮ ‬جلب الحب إلي الأرض،‮ ‬إلي الحركة من الترنسندنتالي‮ ‬إلي الباطني‮-  ‬رغبة مركزية في‮ ‬الشيوعية التاريخية‮. ‬كيف‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصبح إعادة تنشيط الفرضيات الشيوعية طريقا لإعادة ابتكار الحب؟

أشرت مبكرا لما أراه في‮ ‬هذه الاستخدامات السياسية لكلمة‮ " ‬حب‮"‬،‮ ‬وكيف‮ ‬يساء استخدامها كاستخدامات دينية‮. ‬من ناحية أخري،‮ ‬نتعامل هنا أيضا مع قوة ترانسدنتالية تفهم قوة الحب‮. ‬لم‮ ‬يعد الله بعد الآن،‮ ‬بل الحزب،‮ ‬وخلال الحزب،‮ ‬قائده الأعلي‮. ‬يلخص تعبير‮ " ‬عبادة الشخصية‮" ‬هذا النوع من الانتقال الجمعي‮ ‬للحب إلي شخصية سياسية‮. ‬وانضم الشعراء كذلك‮: ‬انظر إلي نشيد الأنشاد الذي‮ ‬نظمه اوراد لستالين؛ وترنيمات اراجون عن عودة موريس ثوريز إلي فرنسا بعد مرضه‮.... ‬إن ما‮ ‬يثير اهتمامي‮ ‬أكثر هوعبادة الحزب علي هذا النحو‮. ‬كذلك،‮ ‬نري أراجون قد أصابته الأعراض‮: " ‬أعاد حزبي‮ ‬ألوان فرنسا إلي‮"‬،‮ ‬إلخ‮. ‬نري الحب علي الفور ملطفا‮. ‬فالكلمات متشابهة جدا في‮ ‬مقدر لنا الرحيل و إلي إلزا تريولت‮.  ‬من اللافت للانتباه أن نري كيف أصبح الحزب الذي‮ ‬أعتقدنا أنه ببساطة أداة انتقالية لظهور الطبقات العاملة والشعبية فيتشيا هكذا‮. ‬لا أريد أن أهزأ من أي‮ ‬من هذا‮: ‬لقد كان عصر العاطفة السياسية الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكننا الاستمرار فيه،‮ ‬والذي‮ ‬يجب أن نراه الآن بعين نقدية،‮ ‬لكنه كان كثيفا وحصد الملايين ايمانا به‮. ‬ما‮ ‬يجب أن نقوله،‮ ‬بما أن الحب ثيمتنا،‮ ‬لايجب خلط الحب مع العاطفة السياسية‮. ‬إن المشكلة التي‮ ‬تواجهها السياسة هي‮ ‬سيطرة الكره وليس الحب‮. ‬والكره هو عاطفة تمتلك حتميا قضية العدو‮. ‬في‮ ‬كلمات أخري،‮ ‬في‮ ‬السياسة،‮ ‬حيث‮ ‬يوجد قضية العدو،‮ ‬يصبح الدور الوحيد للمنظمة،‮ ‬أيا كانت،‮ ‬هو السيطرة علي الكره وفعليا محو عواقبه‮. ‬هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أنها‮ ‬يجب أن‮ "‬تبشر بالحب‮" ‬لكن،‮ ‬وهذا هو التحدي‮ ‬الفكري‮ ‬العظيم،‮ ‬أن تعطي‮ ‬للعدو السياسي‮ ‬تعريفا أدق وأكثر تحديدا‮. ‬وليس،‮ ‬كما كان الحال خلال معظم القرن الماضي‮ ‬كله تقريبا التعريف الأكثر‮ ‬غموضا وهلهلة‮.‬

هل من الأفضل فصل الحب عن السياسة؟

جزء كبير من عمل المعاصر للفكر المعاصر فصل ما جمع معا خطأ‮. ‬بالطريقة ذاتها الذي‮ ‬يجب السيطرة علي تعريف العدو وتحديده وتقليصه إلي الحد الأدني،‮ ‬لابد من فصل الحب فصلا تاما عن السياسة،‮ ‬باعتباره مغامرة فردية في‮ ‬السؤال عن الحقيقة حول الاختلاف‮. ‬حين أتحدث عن الفرضية الشيوعية،‮ ‬فإنني‮ ‬ببساطة أقول مايلي‮: ‬الأشكال المستقبلية من سياسة التحرير‮ ‬يجب أن تنقش في‮ ‬احياء الفكرة الشيوعية وتوكيدها؛ فكرة عالم لا‮ ‬يستسلم أمام شهية الملكية الخاصة،‮ ‬عالم من الارتباط الحر والمساواة‮. ‬من أجل هذا الهدف،‮ ‬لدينا أدوات فلسفية جديدة وعدد معقول من الخبرات السياسية المحلية،‮ ‬التي‮ ‬شهدت تفكيرا متجددا‮. ‬في‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬يصبح الحب طيعا لاعادة ابتكاره أكثر مما لو أحاطه السُعر الرأسمالي‮. ‬ذلك أننا‮ ‬يجب أن نتيقن من أن كل ما هو ايثاري‮ ‬لن‮ ‬يشعر بالراحة في‮  ‬خضم هذا السعار‮. ‬والحب،‮ ‬مثل أي‮ ‬اجراء‮ ‬يبحث عن الحقيقة،‮  ‬أساسا ايثاري‮: ‬تكمن قيمته في‮  ‬ذاته وحدها وتتجاوز المصالح الآنية للطرفين‮. ‬إن معني كلمة‮ "‬شيوعية‮" ‬لا تتعلق مباشرة بالحب‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬تجلب الكلمة معها احتمالات جديدة للحب‮. ‬

يوجد بعد محتمل آخر لتجسيدات الحب في‮ ‬السياسة الشيوعية‮. ‬إنها القصص التي‮ ‬بنيت علي أساس الاضطرابات أو الحركات الاجتماعية‮. ‬تشدد‮ ‬غالبا علي هذا البعد،‮ ‬بما أنه،‮ ‬لوهلة،‮ ‬يسمح بانتهاك الحب ليتحالف مع الانتهاك السياسي‮. ‬ما خصوصية هذه القصص في‮ ‬الصراع؟

أحمل حساسية خاصة لهذا الوجه من الأشياء لأنني‮ ‬كرست جزء كبيرا من كتابتي‮ ‬كروائي‮ ‬وكاتب مسرحي‮ ‬إلي الموضوع‮. ‬في‮ ‬مسرحيتي‮ ‬الايشارب الأحمر،‮ ‬تهتم القصة أساسا بالحب بين أخ وأخت بعيدين عن بعض في‮ ‬كل تجسيدات الحركة السياسية الضخمة التي‮ ‬شملت حروب التحرير والاضرابات والتظاهرات‮... ‬في‮ ‬روايتي‮ ‬مبني هادئ هنا‮- ‬التي‮ ‬يتطابق إطارها الشكلي‮ ‬مع رواية البؤساء لهوجو‮- ‬يغلف التصوير الثوري‮  ‬حب العامل الشيعي‮ ‬أحمد ازماني‮ ‬لارهابية،‮ ‬اليزابيث كاثلي،‮ ‬ثم لطفلها سيمون الذي‮ ‬تبناه بعد موتها،‮ ‬من أجل كلود اوجاساوارا الشاعرة وابنة أحد الرجعيين البارزين‮. ‬في‮ ‬كل هذه اللحظات،‮ ‬لم تكن نيتي‮ ‬تسليط الضوء علي التماثل بين الحب والالتزام الثوري،‮ ‬بل علي الأصداء السرية التي‮ ‬تتولد في‮ ‬أكثر الخبرات الفردية حميمية،‮ ‬بين الكثافة التي‮ ‬تتطلبها الحياة حين نكون ملتزمين مائة بالمائة بفكرة معينة والكثافة المميزة نوعيا التي‮ ‬يولدها الصراع مع الاختلاف في‮ ‬الحب‮. ‬هذا‮ ‬يماثل أداتان موسيقيتان تختلفان كلية في‮ ‬النبرة وحجم الصوت،‮ ‬لكنهما‮ ‬يتقاربان تقاربا‮ ‬غامضا حين‮ ‬يوحد بينهما موسيقي‮ ‬عظيم في‮ ‬العمل ذاته‮. ‬اسمح لي‮ ‬بأن أبوح بسر،‮ ‬لقد نقشت في‮ ‬هذه الأعمال الأدبية تقييما لحياتي‮ ‬في‮ " ‬السنوات الحمراء‮" ‬بين مايو‮ ‬1968‮ ‬وثمانينات القرن الماضي‮. ‬هذه هي‮ ‬الفترة التي‮ ‬طورت أثناءها اعتقادا سياسيا بقيت مخلصا له ومعه اخلاصا عنيدا؛ احدي أسماءه المحتملة‮ " ‬الشيوعية‮". ‬لكنني‮ ‬حينئذ،‮ ‬وعلي قدم المساواة،‮ ‬بنيت حياتي‮ ‬حول سيرورات الحب التي‮ ‬كانت حاسمة‮. ‬ما جاء بعد ذل ك في‮ ‬السياق ذاته أضاءه هذا المصدر واستمراريته‮. ‬فكما ذكرت سابقا،‮ ‬لا‮ ‬يجب أن‮ ‬ينبذ المرء،‮ ‬خاصة،‮ ‬اعتناقه الحب والسياسة‮. ‬لقد كانت تلك اللحظة التي‮ ‬عثرت فيها حياتي‮ ‬علي الوتر الموسيقي،‮ ‬بين السياسة والحب،‮ ‬الذي‮ ‬خلق تناغم ايقاعها‮.‬

الحب والفن

أجده‮ ‬غريبا أنك تشير دائما إلي صمويل بيكيت عند‮ ‬الحديث عن الحب‮. ‬بالكاد أستطيع أن أقول أن أعمال بيكيت تركز علي السعادة‮. ‬كيف تعمل أعماله،‮ ‬الشهيرة‮  ‬بالعدمية والتشاؤم علي‮ " ‬مشهد من اثنين‮" ‬الذي‮ ‬هو الحب؟

كما قلت،‮ ‬يحتوي الأدب القليل عن الحب فيما‮ ‬يخص خبرة استمراريته خلال الزمن‮. ‬أمر‮ ‬يدعو للذهول‮. ‬فلنأخذ المسرح علي سبيل المثال‮. ‬لو شاهدت النصوص التي‮ ‬تعرض صراعات المحبين الشباب في‮ ‬مواجهة استبداد عالم العائلة‮- ‬وهو موضوع كلاسيكي‮ ‬تماما‮- ‬يمكن أن تعطيها كلها عنوان ماريفو الفرعي‮  ‬انتصار الحب‮. ‬تحت هذا النموذج،‮ ‬تحكي‮ ‬العديد من المسرحيات كيف أن هؤلاء الشباب،‮ ‬بمساعدة الخدم أو أي‮ ‬أشخاص أخري متواطئة معهم،‮ ‬يخدعون الآباء الطاعنين في‮ ‬السن،‮ ‬ويحققون في‮ ‬النهاية ما‮ ‬يريدون،‮ ‬وهو في‮ ‬الأساس الزواج‮. ‬إنه انتصار الحب،‮ ‬لكن ليس استمراريته‮. ‬هذا بالضبط ما‮ ‬يمكن أن تسميه حبكة اللقاء‮. ‬بنيت العديد من الأعمال الهامة والروايات العظيمة حول استحالة الحب،‮ ‬واختباره،‮ ‬وتراجيديته،‮ ‬وخفوته،‮ ‬وفراقه،‮ ‬ونهايته،‮ ‬إلخ‮. ‬لكن القليل منها‮ ‬يدور حول توكيد استمراريته‮. ‬يمكن أن نقول حتي أنه لم‮ ‬ينتج عن الحياة الزواجية‮  ‬أعمالا عظيما‮. ‬إنها الحقيقة التي‮ ‬لم تلهم كثيرا الفنانين‮. ‬والآن،‮ ‬نجد،‮ ‬تحديدا،‮ ‬لدي بيكيت الذي‮ ‬نقول عنه كاتب اليأس والمستحيل شيء ما شديد الخصوصية بصدد هذا الموضوع‮: ‬هو أيضا كاتب عناد الحب‮. ‬فلنأخذ علي سبيل المثال عمله أيتها الأيام الجميلة؛ قصة عن زوج عجوز‮. ‬لا نري سوي المرأة والرجل‮  ‬يزحفان خلف المشهد،‮ ‬وكل شيء بالٍ،‮ ‬وهي‮ ‬تغرق في‮ ‬التراب/الأرض،‮ ‬لكنها تقول‮: " ‬كم كانت أيام جميلة‮". ‬وتقول له هذا لأن‮  ‬الحب لازال موجودا‮. ‬الحب هو ذلك العنصر القوي‮ ‬والثابت الذي‮ ‬بني وجودها في‮ ‬مظهر كارثي‮. ‬والحب هو القوة الخفية لهذه الكارثة‮. ‬في‮ ‬نص قصير رائع بعنوان،‮ ‬كفي،‮ ‬يحكي‮ ‬بيكيت تجول زوج عجوز خلال ديكور جبلي‮ ‬وصحراوي‮ ‬في‮ ‬الوقت ذاته‮. ‬والقصة هي‮ ‬قصة حب،‮ ‬استمرارية هذا الزوج العجوز،‮ ‬ولا‮ ‬يخفي‮ ‬علي الإطلاق الحالة الكارثية لجسدهما،‮ ‬وأحادية نغمة وجودهما،‮ ‬والصعوبة المتنامية في‮ ‬ممارسة الجنس،‮ ‬إلخ‮. ‬يسرد النص كل هذا،‮ ‬لكنه‮ ‬يضع القصة ضمن اطار القوة الرائعة،‮ ‬في‮ ‬النهاية،‮ ‬للحب وعناد استمراريته الذي‮ ‬يشكله‮.‬

بما أنك تحدثت عن فن الدراما،‮ ‬أود أن أتوقف عند هذا الحب الخاص جدا الذي‮ ‬لم تتخل عنه منذ طفولتك‮: ‬حب المسرح‮. ‬قبل أن تكتب ثلاثية أحمد،‮ ‬التي‮ ‬تحولت إلي مسرحية معاصرة علي شاكلة سابين لموليير،‮ ‬أنت نفسك لعبت الدور الرئيس في‮ ‬مسرحية موليير‮  ‬في‮ ‬شبابك‮. ‬ما طبيعة هذا الحب الراسخ الذي‮ ‬تحمله للمسرح؟

حبي‮ ‬للمسرح معقد جدا ويعود إلي زمن طويل‮. ‬لعله أكثر قوة من حبي‮ ‬للفلسفة‮. ‬يأتي‮ ‬حبي‮ ‬للفسلفة لاحقا،‮ ‬ببطء‮  ‬وبصعوبة أعظم‮. ‬أعتقد أن ما أبهرني‮ ‬في‮ ‬المسرح،‮ ‬حين كنت شابا ومثلت،‮ ‬الشعور الذي‮ ‬انتابني‮ ‬فورا‮  ‬بأن جزء ما من اللغة والشعر مرتبطين بالجسد علي نحو لايمكن التعبير عنه تقريبا‮. ‬وربما كان المسرح في‮ ‬الأساس بالنسبة لي،‮ ‬استعارة لما قد‮ ‬يكون الحب فيما بعد،‮ ‬لأنه كان اللحظة التي‮ ‬تلاشت فيها الحدود بين الفكر والجسد علي نحو ما‮. ‬فهما مكشوفان لبعضهما بطريقة لا‮ ‬يمكن أن تقول معها‮: " ‬هذا جسد‮" ‬أو‮ " ‬هذه فكرة‮". ‬الاثنان ممتزجان،‮ ‬تحاصر اللغة الجسد،‮ ‬بالضبط مثلما تقول لشخص ما‮: " ‬أحبك‮"‬،‮ ‬إنك تقول ذلك لشخص ما علي قيد الحياة،‮ ‬يقف أمامك،‮ ‬لكنك تخاطب كذلك شيئا ما لايمكن اختصاره إلي هذا الحضور المادي‮ ‬البسيط،‮ ‬شيئا ما‮ ‬يتجاوزه ويتضمنه كلية،‮ ‬في‮ ‬الوقت ذاته‮. ‬هذا هو المسرح،‮ ‬في‮ ‬أصوله؛ إنه الفكرة في‮ ‬الجسد،‮ ‬إنه الفكرة في‮ ‬الجسد‮. ‬يمكن أن أكرر كلمة فكرة مرة أخري،‮ ‬بمعني آخر‮. ‬لأن المسرح،‮ ‬كما نعرف،‮ ‬يعني‮ ‬التكرار‮.  ‬يقول المخرج‮: " ‬فلنكرر المشهد مرة أخري‮". ‬لا تندمج الفكرة بسهولة في‮ ‬الجسد‮. ‬إنها مسألة معقدة‮: ‬علاقة الفكرة بالمكان مع الايماءات التمثيلية‮. ‬لابد أن تكون عفوية ومدروسة في‮ ‬الوقت ذاته‮. ‬هذا ما‮ ‬يحدث في‮ ‬الحب أيضا‮. ‬الرغبة قوة آنية،‮ ‬لكن الحب‮ ‬يتطلب فوق ذلك الاستئناف والرعاية‮. ‬يعرف الحب نظام التكرار‮. " ‬قل مرة ثانية أنك تحبني‮"‬،‮ ‬وكثير جدا‮: " ‬قلها أفضل من هذا‮". ‬وتبدأ دائما الرغبة مرة أخري‮.  ‬يمكن أن نسمع،‮ ‬أثناء الملاطفة،‮ ‬كما لو أن الحب‮ ‬يسكنها‮ " ‬زيدني‮....‬زيدني‮"‬؛ نقطة حيث‮ ‬يعزز الحاجة إلي الحركة اصرار الكلمة،‮ ‬والإعلان الجديد دائما‮.  ‬نحن نعرف تماما أن قضية أداء الحب في‮ ‬المسرح حاسمة،‮ ‬وتدور كلها تحديدا عن مسألة الإعلان‮. ‬ولأنه‮ ‬يوجد،‮ ‬كذلك،‮ ‬مسرح الحب هذا وأداء الحب والصدفة،‮ ‬القويان جدا،‮ ‬علي الأقل بالنسبة لي،‮ ‬أحمل هذا الحب للمسرح‮.‬

إنه كذلك الموقف الذي‮ ‬دعمه المسرحي‮ ‬انطوان فيتز،‮ ‬الذي‮ ‬أخرج عملك الأوبرالي‮ ‬الايشارب الأحمر‮ ‬،في‮ ‬1984،‮ ‬في‮ ‬مهرجان افنيون،‮ ‬ووضع موسيقاه جورج ابريس‮. ‬كتب‮: " ‬هذا ما أردت أن أقدمه مسرحيا دائما‮: ‬أن أعرض القوة العنيفة للأفكار،‮ ‬كيف تلوي‮ ‬الأجساد وتعذبها‮."‬‮ ‬هل تأخذ‮ ‬هذا المنهج في‮ ‬اعتبارك؟

بالتأكيد‮. ‬أنت تعرف،‮ ‬بيسوا،‮ ‬الشاعر البرتغالي‮ ‬يقول في‮ ‬مكان ما‮ " ‬الحب فكرة‮". ‬هذه جملة تنطوي‮ ‬علي المفارقة،‮ ‬ظاهريا،‮ ‬لأن الجميع‮ ‬يقول دائما أن الحب هو الجسد،‮ ‬هوالرغبة،‮ ‬هوالمشاعر،‮ ‬إنه أي‮ ‬شيء آخر سوي أن‮ ‬يكون العقل والفكرة‮. ‬وهو‮ ‬يقول‮ " ‬الحب فكرة‮". ‬أعتقد أنه محق‮. ‬أعتقد أن الحب فكرة وأن العلاقة بين تلك الفكرة والجسد علاقة فريدة تماما ويعلًّمها دائما كما‮ ‬يقول انطوان فيتز العنف الجامح‮. ‬نختبر هذا العنف في‮ ‬الحياة‮. ‬وحقيقي‮ ‬جدا أن الحب‮ ‬يمكن أن‮ ‬يلوي‮ ‬أجسادنا ويثير أقسي أنواع العذابات‮. ‬إن الحب كما‮ ‬يمكن أن نلاحظ،‮ ‬ليس نهرا طويلا هادئا‮. ‬لا نستطيع أن ننسي كلية العدد المرعب من قصص الحب التي‮ ‬أدت إلي الانتحار أو القتل‮. ‬إن الحب في‮ ‬المسرح ليس فقط ولا حتي،‮ ‬أساسا،‮ ‬فارس جنسي‮ ‬أو قصة رومانسية بريئة‮. ‬إنه تراجيديا ورفض وغضب كذلك‮. ‬إن العلاقة بين المسرح والحب هي‮ ‬كذلك علاقة اكتشاف للمتاهة التي‮ ‬تفصل الأفراد ووصف لهشاشة الجسر الذي‮ ‬يرميه الحب بين كيانين منعزلين‮. ‬لابد أن نعود دائما إلي هذا السؤال‮: ‬أي‮ ‬فكرة تتكشف ريحة وجيئة بين جسدين‮ ‬يمارسان الجنس؟ لابد أن نسأل كذلك،‮ ‬وهذا‮ ‬يتصل بسؤالك السابق،‮ ‬ما الذي‮ ‬كان سيقدمه المسرح لو أن الحب‮ ‬غير موجود؟ كان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحدث وقد فعل مطولا عن السياسة‮. ‬إذن،‮ ‬نستطيع أن نقول أن المسرح هو السياسة والحب و تقاطعهما عموما‮. ‬إن تقاطع السياسة والحب تعريف محتمل للتراجيديا‮. ‬لكن حب المسرح هو،‮ ‬بالضرورة،‮ ‬حب الحب كذلك،‮ ‬لأنه دون قصص الحب،‮ ‬وبدون الصراع من أجل تحرير الحب من قيود العائلة،‮ ‬فلن‮ ‬يضيف المسرح الكثير للحب‮. ‬إن الكوميديا الكلاسيكية مثل مسرحيات‮ ‬موليير تقول لنا أساسا كيف أن الشباب الذين تلاقوا صدفة‮ ‬يجب أن‮ ‬يقللوا من قيمة الزواج الذي‮ ‬رتبه لهم آبائهم‮. ‬أما الصراع الأكثر شيوعا،‮ ‬والأكثر توظيفا علي خشبة المسرح هو صراع حب الصدفة في‮ ‬مواجهة القانون العنيد‮. ‬أما الأكثر براعة فهو صراع الشباب الذي‮ ‬يدعمه البروليتاريا‮ ( ‬العبيد والخدم‮)‬،‮ ‬في‮ ‬مواجهة القديم/العجوز الذي‮ ‬يدعمه الكنيسة والدولة‮. ‬وسوف تقول الآن‮: ‬انتصر الحب،‮ ‬لم تعد الزواجات المرتبة موجودة‮: ‬الزوج هو ابداع نقي‮." ‬لكني‮ ‬لست متأكدا تماما‮. ‬الحرية،‮ ‬أي‮ ‬نوع من الحرية تماما؟ بأي‮ ‬ثمن؟ نعم،‮ ‬هذا سؤال حقيقي‮: ‬ما الثمن الذي‮ ‬دفعه الحب لكي‮ ‬تنتصر حريته الظاهرية؟‮ ‬

ألا‮ ‬يشمل حبك للمسرح كذلك حب الجمهور،‮ ‬والجماعي‮ ‬والتجمع،‮ ‬بما أنك عشت ذات‮ ‬يوم حياة الصحبة المسرحية وسط الممثلين والتقنيين؟ ألا‮ ‬يحمل المسرح الحب الذي‮ ‬ينتمي‮ ‬إلي نظام الأخوة؟

نعم،‮ ‬بالطبع،‮ ‬هذا الحب‮ ‬يوجد‮! ‬المسرح هو الجماعي،‮ ‬هو تعبير جمالي‮ ‬عن الأخوة‮. ‬لهذا أطرح‮  ‬أنه‮ ‬يوجد،‮ ‬بهذا المعني،‮ ‬شيء ما شيوعي‮ ‬في‮ ‬المسرح‮. ‬وأفهم من‮ " ‬شيوعي‮" ‬هنا‮  ‬كل صيرورة تجعل المشترك‮ ‬يسود علي الأنانية،‮ ‬العمل الجمعي‮ ‬علي المصلحة الذاتية الخاصة‮. ‬وإذ نحن نتكلم عنها‮ ‬يمكن أن نقول أن الحب شيوعي‮ ‬بهذا المعني،‮ ‬لو أن المرء‮ ‬يقبل،‮ ‬كما أفعل،‮ ‬أن الموضوع الحقيقي‮ ‬للحب،‮ ‬هو تحقق الزوج وليس الإشباع المحض للفردين الطرفين المكونين له‮. ‬ولايزال‮ ‬يوجد تعريف محتمل آخر للحب‮: ‬الحد الأدني من الشيوعية‮!‬

عودة للمسرح،‮ ‬يدهشني‮ ‬دائما حقيقة أن مجتمع جولة المسرح متقلقل‮. ‬إنني‮ ‬أفكر في‮ ‬الأوقات التعسة حين‮ ‬ينفصم هذا المجتمع‮: ‬كنت في‮ ‬جولة وعشنا معا لشهر،‮ ‬ثم فجأة كل‮ ‬يذهب في‮ ‬طريقه‮. ‬يحتوي‮ ‬المسرح علي خبرة الانفصام هذه‮. ‬تعيش لحظات حزينة عظيمة حين تنفصم الأخوة التي‮ ‬نمت في‮ ‬الأداء التمثيلي‮ ‬والمسرحي‮. " ‬هذا هو رقم جوالي‮. ‬فلنبقي علي اتصال‮. ‬تمام؟‮" ‬تألف هذا الطقس‮. ‬لكن‮ ‬،حقا،‮ ‬لن‮ ‬يتصل أحد‮. ‬إنها النهاية وكل‮ ‬يمضي‮ ‬في‮ ‬طريق مختلف‮. ‬وقضية الانفصام مهمة جدا في‮ ‬الحب بحيث‮ ‬يمكن أن نُعرّف الحب بصراع ناجح في‮ ‬مواجهة الانفصام‮. ‬مجتمع الحب كذلك متقلقلا وتحتاج كذلك أكثر بكثير من رقم الهاتف لتعزيزه وتطويره‮.‬

وكيف هو حب المسرح،‮ ‬من الداخل؛ بمعني من وجهة نظر الممثل الذي‮ ‬كنته‮ ‬يوما ولعلك ترغب أن تصبحه‮  ‬مرة أخري،‮ ‬تؤدي‮ ‬مرة أخري بعض المونولوجات من أحمد البارع أو أحمد الفيلسوف؟

إنه حب فريد‮ ‬يتطلب أن تتنازل عن جسدك فريسة للغة،‮ ‬فريسة للأفكار‮. ‬كما تعرف،‮ ‬كل فيلسوف هو ممثل،‮ ‬بغض النظر عن العداء الذي‮ ‬يشعر به تجاه الألعاب والمحاكاة‮. ‬نحن نتحدث جماهيريا منذ أيام أسلافنا اليونانيين العظماء‮. ‬في‮ ‬الفلسفة‮ ‬يوجد دائما عنصر تعرية الذات وهو البعد الشفهي‮ ‬للفلسفة الذي‮ ‬يقبض عليه الجسد،‮ ‬في‮ ‬فعل انتقالي‮. ‬هذه نقطة محل خلاف مع جاك دريدا الذي‮ ‬يحارب الشفاهة باسم المكتوب،‮ ‬بالرغم من أنه هو نفسه قدم آداءات رائعة‮. ‬انتقد الفلاسفة كثيرا لأنهم سحرة،‮ ‬وآسرون للناس بوسائل صناعية ويقودونهم إلي حقائق‮ ‬غير محببة‮  ‬بوسائل الاغراء‮. ‬

فصول من كتاب بالعنوان ذاته‮ ‬يصدر قريبا عن دار التنوير في مصر

 

منقول من موقع أخبار الأدب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق