السبت، 30 نوفمبر 2013

بورتريه " إرفين شرودنغر".. النمساوي الإيرلندي الذي فتح الباب لاكتشاف سر الجينات


 
 
احتفت النمسا والأوساط العلمية بشكل عام، في شهر أغسطس الماضي بذكرى وفاة  عالم الفيزياء النمساوي إرفين شرودنغر، الذي طوّر عدداً من النتائج الأساسية في مجال نظرية الكم، شكلت الأساس لميكانيكا الموجات: صاغ معادلة الموجة، ومعادلة شرودنغر الثابتة والمعتمدة على الزمن والكشف عن هوية تطوره من الشكلية والميكانيكا المصفوفة، فيما اقترح «شرودنغر» التفسير الأصلي أو الترجمة الأصلية من المعنى المادي للوظيفة الموجي.
وفي السنوات اللاحقة قام بانتقاد تفسير «كوبنهاجن» لميكانيكا الكم التقليدية مراراً وتكراراً، وعلى سبيل المثال: قام باستخدام مفارقة ما عرف آنذاك باسم قط شرودنغر. وبالإضافة إلى ذلك، ألّف العديد من الأعمال في مختلف مجالات الفيزياء: الميكانيكا الإحصائية والديناميكا الحرارية والفيزياء من العوازل، ونظرية اللون، الديناميكا الكهربائية، النسبية العامة، وعلم الكونيات، وقدم عدة محاولات لبناء نظرية الحقل الموحد.
السنوات الأولى من حياته
ولد «شرودنغر» في فيينا في عام 1887، في النمسا، لأبوين هما رودولف شرودنغر الذي كان يعمل في مجال إنتاج الضماد المشمع، وهو في الأساس عالم في مجال النباتات، و«جورجين إميليا بريندا»، وهي نصف نمساوية ونصف إنجليزية الأصل ابنة «الكسندر باور»، الذي كان أستاذاً للكيمياء، بجامعة فيينا التقنية، وقد كان إرفين هو الابن الوحيد الذي أنجبته.
وبسبب أصول والدته  البريطانية استطاع إرفين شرودنغر أن يتعلم اللغة الإنجليزية خارج المدرسة، تحت إشراف جدته بريطانية الأصل. وفيما بين عامي 1906 و1910 درس في فيينا على يد «فرانز إكسنر» الذي عاش من (1849 وحتى 1926)، و«فيدريك هازينور» الذي عاش منذ (1874 وحتى 1915).
أدار أيضاً العمل التجريبي مع «كارل ويلهيلم فريتز كولراوش».
وقد توقفت مسيرته العملية مثل أغلب أبناء جيله في أوربا آنذاك، حين شارك في الحرب بين عامي 1914 و1918، حيث عمل كضابط في سلاح المدفعية بالقلاع النمساوية في كل من مدن: جوريزيا، ديونو، سيستيانا، بورسيكو وفيينا.
لكنه سرعان ما عاد لحياته العلمية في عام 1920حيث أصبح مساعداً «لماكس ويين»، وفي سبتمبر 1920 حصل على وظيفة أستاذ استثنائي أو بروفيسور استثنائي وهو ما يعادل منصب (أستاذ مشارك) بالولايات المتحدة، في جامعة شتوتغارت.
وفي عام 1921، انتقل إلى جامعة زيوريخ، وقد نجح «ماكس بلانك» في جامعة فريدريش ويلهلم في برلين عام 1927.
ومع ذلك ففي عام 1933، قرر «شرودنغر» مغادرة ألمانيا، بسبب كراهيته للنازية والنازيين، ومعاداتهم للسامية، وبعدها أصبح زميلاً في كلية المجدلية في جامعة أكسفورد. بعد فترة وجيزة من وصوله، حصل على جائزة نوبل مناصفة مع العالم «بول ديراك».
وبالرغم من الجائزة المرموقة فإن عمله في جامعة أكسفورد لم يسر على النحو المأمول؛ حيث إن الترتيبات المحلية كانت غير تقليدية له، وتقاسم العيش مع أرباع المصابين مع امرأتين وقطته، و لم يتمكن من قبول «ميلتون»، أما في عام 1934، حاضر شرودنغر في جامعة برينستون، وتم عرض وظيفة دائمة عليه هناك، ولكن لم يقبل ذلك.
«إرفين شرودنغر» كعالم شاب
في عام 1939، بعد أحداث الضم، وكان لدى «شرودنغر» مشاكل بسبب فراره من ألمانيا في عام 1933 ومعارضته المعروفة للنازية، مما دعاه لإصدار بيان أنكر فيه معارضته للنازية. لكنه فيما بعد أعرب عن أسفه للقيام بذلك واعتذر شخصياً لمجتمع العلماء العالمي، بل وأبلغ اعتذاره الشخصي لآلبرت «آينشتاين»، ورغم ذلك، فقد بدا موقفه غير مقنع للإدارة الجامعية آنذاك، فقررت إعفاءه من وظيفته لعدم موثوقيته السياسية. وقد أدت تلك المرحلة من حياته إلى أن يعايش العديد من المتاعب والمضايقات، كما أنه تلقى تعليمات سياسية بعدم مغادرة البلاد، لكنه وزوجته نجحا في الفرار إلى إيطاليا، ومن هناك ذهب إلى زيارة عدة مناصب في أكسفورد وجامعة غنت.
وفي العام نفسه حصل على دعوة شخصية من تاوسيتش (حاكم) إيرلندا، «ايمون دي فاليرا»، ليقيم في إيرلندا ليوافق على المساعدة في إنشاء معهد للدراسات والأبحاث المتقدمة في دبلن، وفيما بعد انتقل إلى كلونتارف، دبلن، وأصبح مدير مدرسة للفيزياء النظرية في عام 1940 وظل هناك لمدة 17 عاماً، وأصبح مواطناً إيرلندياً متجنساً في عام 1948، لكنه أبقى على جنسيته النمساوية. وكتب نحو 50 مقالاً ومزيداً من المنشورات حول مواضيع مختلفة، بما في ذلك استكشافاته من نظرية الحقل الموحد.
أما في عام 1944، فألّف كتابه «ما هي الحياة؟»، والذي يحتوي على مناقشة «غير الكونيات» ومفهوم الجزيء المعقد مع الشفرة الوراثية للكائنات الحية، وفقاً لمذكرات «جيمس واطسون»، والحمض النووي، سر الحياة، وقد أوحى كتاب «شرودنغر» لواطسون بالإلهام للبحث عن الجينات، مما أدى إلى اكتشاف بنية الحمض النووي الحلزوني المزدوج في عام 1953، وبالمثل «فرانسيس كريك»، في كتابه عن السيرة الذاتية له، وكتاب ما هو جنون السعي؟ وصف كيف كان متأثراً بمضاربات شرودنغر حول الكيفية التي يمكن أن يتم بها تخزين المعلومات الجينية في جزيئات.
نظرية الكم القديمة
لقد أصبح «شرودنغر» أكثر اطلاعاً على أفكار نظرية الكم في السنوات الأولى من حياته المهنية، والتي طورت من خلال أعمال «ماكس بلانك»، و«ألبرت آينشتاين»، و«نيلز بوهر»، و«أرنولد سمرفيلد»، وغيرهم، وقد ساعدته هذه المعرفة في العمل على بعض المشكلات في الفيزياء الإحصائية، ولكن العالم النمساوي في ذلك الوقت لم يكن مستعداً بعد للتخلي عن الطرق التقليدية في الفيزياء الكلاسيكية.
كانت المنشورات الأولى لشرودنغر حول النظرية الذرية ونظرية الأطياف التي بدأت تنتشر وتظهر منذ بداية عام 1920، وذلك بعد معرفته الشخصية مع «سمرفيلد» و«ولفجانج باولي» وانتقاله إلى ألمانيا. في يناير عام 1921، أنهى «شرودنغر» مقالته الأولى حول هذا الموضوع، حول إطار تأثير «بوهر-سمرفيلد» من تفاعل الإلكترونات على بعض الملامح من الأطياف من الفلزات القلوية والتي كانت ذات أهمية خاصة بالنسبة له حيث كانت مقدمة من الاعتبارات النسبية في نظرية الكم.
وفي خريف 1922 قام بتحليل مدارات الإلكترون في الذرة من وجهة النظر الهندسية، وذلك باستخدام الأساليب التي وضعها عالم الرياضيات «هيرمان ويل» فيما بين عام (1885 وحتى 1955).
وقد أوضح هذا العمل مدى ترابط مدارات الكم مع بعض الخصائص الهندسية، والتي كانت خطوة مهمة في توقع بعض الميزات لميكانيكا الموجة في وقت سابق من العام نفسه ابتكر معادلة شرودنغر لتأثير دوبلر النسبية لخطوط الطيف، استناداً إلى فرضية كمية أو حصة الضوء واعتبارات الطاقة والزخم.
اختراع أو ابتكار ميكانيكا الموجة
في يناير عام 1926، نشر «شرودنغر» مقاله عن حوليات الفيزياء، التكميم «كمشكلة معامل التحول الخطي» على الميكانيكا الموجية، مقدماً للعالم ما يعرف الآن باسم «معادلة شرودنغر»، ففي هذه الورقة قد أعطى «الاشتقاق» من معادلة الموجة للأنظمة المستقلة الوقت وأظهر أنه يعطي التقييم الصحيح للطاقة للهيدروجين مثل القنبلة الذرية، وقد تم الاحتفال عالمياً بهذا العمل باعتباره واحداً من أهم إنجازات القرن العشرين الذي خلق ثورة في ميكانيكا الكم، بل في جميع فروع الفيزياء والكيمياء. وقد ألحقها بورقة ثانية بعد أربعة أسابيع فقط والتي قدمت حلاً لمذبذب الكم التوافقي، الدوار الثابت في الماكينة الكهربائية، ومشاكل الجزيء ثنائي الذرة، وقدم الاشتقاق الجديد لمعادلة شرودنغر وقدم الورقة الثالثة في مايو والتي أظهرت المساواة في معادلة نهجه مع معادلة «هايزنبرغ» والتي قدمت الحل أو العلاج لمشكلة تأثير ستارك الصلب، وبعدها أظهرت الورقة الرابعة التي تعد الأبرز في هذه السلسلة كيفية التعامل مع مشاكل تغييرات النظام مع مرور الوقت، كما هي الحال في مشاكل الانتشار أو التسريب، وقد اعتبرت هذه الأوراق الإنجازات المركزية، وقد اعترف بها مرة واحدة لأهميتها الكبيرة كإرث لمجتمع الفيزياء.
ومن المعروف حتى يومنا هذا أن شرودنغر هو والد فيزياء الكم، وقد سميت حفرة شرودنغر الضخمة، على الجانب الآخر من القمر من بعده تمجيداً لاسمه، وتم تأسيس معهد «إروين شرودنغر» الدولي للفيزياء الرياضية في فيينا في عام 1993.
وأطلق اسمه على مبنى بأكمله في جامعة ليميريك، في ليميريك، إيرلندا.

منقول من مجلة العربي العلمي




















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق