الاثنين، 17 سبتمبر 2012

الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني يغوصُ في أعماق النفس الإنسانية بمشاعر وأحاسيس صادقة


image


 المغرب : نجوى الحساني التائب 
الفنان التشكيلي المغربي أحمد العمراني،من التجارب التشكيلية المُتميزة في التشكيل المغربي المُعاصر، والذي تبنى خطاباً بصرياً قوامه لُغة جمالية مُغايرة،باختياره لأسلوب متجدد منذ تواجده على الساحة التشكيلية، أثار به ردود فعل تحمل مشاعر الدهشة وتتوج بالإعجاب في فترة كان فيها الفن التشكيلي المغربي يمُر بمراحل التشكل والتبلور وإثبات الذات، كان العمراني يُعبر فيها عن الواقع بأسلوبه المُغاير وبلغة تقرب العلاقة بين عين المتلقي وبين المضمون، وكان يتكئ على أرضية صلبة أكاديمية جعلته يحدد الرؤيا لصنع ذلك الواقع الإبداعي بجمعه سبل التلاحم من خلال حالات التأمل والتحريض على تنشيط الذاكرة وتشكيل الحُلم الأزلي، بما يحمله من أمل مازال يراودنا كلما اصطدمنا بالواقع الصعب الحالي في الحياة. وإبداعاته تنبعُ من واقعنا الكبير مؤكداً فيها انتماءه الصادق ببيئته الأندلسية المغربية وعشقه لبنت غرناطة تطوان. والمرأة حاضرة بقوة في أعماله،لأنها تعطي قيمة عالية للحياة. كما جسد حركة 20 فبراير بمصداقية ومسؤولية،وبتقنية هلامية وضبابية، ويرى الفنان في كل إبداعاته نفسه كإنسان يعيش على هذه الأرض، له حساسية مرهقة وسريع التأثر بالواقع المُر.
 
فطغيان اللونين البُني والأزرق السماوي، يرجع على أن الفنان العمراني تعايش مع الموروث الأندلسي والصناعة التقليدية لتطوان، وبحث في طريقة صباغة الصناع التقليديون واختيارهم للألوان،التي يصبغون بها الخشب والمخطوطات والزجاج، باستعمالهم المواد الطبيعية كالرمان والزعفران ومواد أخرى....ساهم الفنان العمراني في الحركة التشكيلية المغربية في الخمسينات من القرن الماضي، ضمن أسماء تشكيلية مغربية أعطت ومازالت تعطي وتُمارس إبداعها لتحقيق الهدف الأهم والأسمى، هدف رقعة الفن التشكيلي المغربي،والأخذ به نحو المٌنافسة والتواجد العالمي إضافة إلى تأكيده محلياً والارتقاء بذائقته وتقريب مفاهيمه وأبعاده لمن يستحق أن يشاهده ويتفاعل معه،ومثلما يُعانق العاشق معشوقته الأبدية،عانق العمراني، لوحاته وفنه الذي كان ينبضُ بكل ما يحسه،عاش لأجل الرسم والفن التشكيلي بالذات لكي يجسد من خلال إبداعاته الرائعة، التي تشد مشاعر مشاهديها اهتم بمعاناة الإنسان وصراعه مع الحياة. رسم أجساد ووجوه هلامية بألوان باردة يطغى عليها لون التراب ولون السماء، الأرض والسماء. لقد وجد العمراني في الحداثة التعبيرية ملاذاً أمناً لمزاولة الرسم ومرتعاً خصباً لتفريغ شحناته الانفعالية على سطح اللوحة، وطريقاً مفتوحاً للبوح البصري المفتون بالتعبيرية التجريدية، ممعناً في تبيان البساطة الوصفية، لأكثر من نصف القرن،
 
والعمراني أحد رواد الفن التشكيلي المغربي، المؤثرين في الساحة التشكيلية العربية والعالمية،وأصحاب الرسالة الفنية السامية والراقية، وهو أستاذ وفنان مُميز مرموق، يقدم تجاربه إلى أعين الأجيال الجديدة بمستوى مُتألق ومُعاصر، وساهم في مسيرة الفن التشكيلي المغربي، تأسيساً ونتاج تجربة شخصية حقق بها أسلوباً جعله في مصاف الفنانين الرواد الكبار، واعتبار أن هذا الفن أو الّإبداع لا يزال يسكُن وجدانه، فمنذ أن أخذ في التعامل مع اللوحة وهو يضع في اعتباره المنطلقات الحقيقية التي يبني كل فنان صادق ملامح طريقه وتحديد مسار هدفه اعتماداً على مرجعيات عديدة منها الواقع البيئي والاجتماعي والثقافي، إضافة إلى امتلاكه للقدرة على إدراك ما وراء كل خطوة ينتقل من خلالها إلى محطة أكثر مُعاصرة، وتوازياُ مع ما يحدث في الفنون التشكيلية العالمية.يتمتعُ بحس راق في تعامله مع محيطه الإنساني، ومع ّإبداعه التشكيلي، يحمل في وجدانه إحساساً صادقاً حاملاً هماً ذاتياً وكونياً في آن واحد،درس ومارس فن الرسم منذ وقت مبكر " منتصف خمسينات القرن الماضي" ويصنف من رواد الفن التشكيلي المغربي ، وأحد رموزه، وهو من مؤسسي معرض الربيع،الذي داع صيته محلياً ووطنياً ودولياً،كما ساهم في مشروع " رأس الحنوت " وللعمراني مساهمات كثيرة على الساحة التشكيلية الدولية، وهو منذ سنة 1957 يعرض أعماله الفنية داخل الوطن وخارجه. وتوجد أعماله بإسبانيا،الشيلي، فرنسا،السودان، البرازيل،بلجيكا، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.والشكل الإنساني عند العمراني هو السمة الطاغية في مجمل إبداعاته الرائعة، وشخوصه هم من عايشهم وحمل سمات بعضهم، واهتم بمعاناة الإنسان وصراعه من أجل التغيير والحرية والاستقرار، ومن عامة الناس،حتى حين تشتط فرشاته وتغور بعيداً في الرسم التجريدي الحُر وبراعته في تقديم تفاصيل جديدة فنية، لكن حنينه يغلب دائماً لرسم حركات البشر وسكناتهم،إيماءاتهم الشاردة وهواجس الخوف في نُفوسهم،وكأنه ممثل يتعقب حركات الآخرين ويدونها بخطوط واضحة وغير منضبطة بسيل لوني منقاد نحو تخوم هلامية لسبر عالم البشر الخفي والمُستعصي الولوج بداخله. ومن هنا تكمن فرادته ليس على صعيد الرسم المغربي، بل على صعيد التشكيل العربي وجرأته كونه فناناً يغوصُ في أعماق السؤال الإنساني، ويفرد له اهتماماً خاصاً دون الوقوع في التزويق الشكلي، كأنه يعيشُ الهاجس اليومي بكل تجلياته، رغم أنه فناناً صامتاً وبعيداً عن الأضواء.لكنه يفضل الكلمة لإبداعاته الفنية المتكاملة في منظومة قوامها معالجة سطوح وانسجام في عائلة اللون والضوء والظل، محاطة بمصدرها النفسي ليطلق فيها العنان لأحاسيسه وانفعالاته وعواطفه، فالفنان العمراني، يتعامل مع مراحل متصلة ومتواصلة، لا يمكن أن يكتمل العمل في حال توقف إحداها ابتداءً من المؤثر الخارجي أي كان نوعه مروراً بالفكرة وصولاً إلى الأدوات مع ما يتبع الأداء من انفعالات التنفيذ ومواجهة اللوحة لما لتلك الانفعالات من أثر وتحكم بشكل مباشر في إنتاج العمل الفني الرائع الصادق الإحساس، وإنهائه الشكل الذي يؤهله لإمضاء الفنان التشكيلي المميز أحمد العمراني ومن ثم عرضه.
 
 
منقول من موقع النرد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق