الاثنين، 17 سبتمبر 2012

"رؤى متعددة " في " تداعيات في المطلق " لـ محمد علي سلامة : سمير محسن


image سمير محسن

القارئ لهذه المجموعة النثرية التي احتوتها كتابات محمد علي سلامه ؛ يجد نفسه في حيرة نظراً للطريقة التي عالجت كتابة النص, حيث الاختلاف الملحوظ في تركيب الجملة والشكل الفجائي المتكرر في بداية الفقرات إضافة إلى الصور اللا نهائية التي تزدحم بها جميع المقاطع تقريباً وهذا ما تحقق في (الإهداء ص5) حيث يقول "إلى النمل والفقاعات في العدم – إلى لا شيء في تخصصي – إلى الفشل العظيم – إلى الإهداء ذاته – إلى كل الخونة .. تحياتي " ونجده كذلك في (ليست بداية ص10) يقول"هي أحداث - - لم تعد أحدثاً وفقط – عليك لا المخاوف- - قاتل بشراسة – لن يحدث  شيء – الفكرة أن تحدث تماماً – الفكرة أن تجد ما يأخذك للبعيد" هذا البعد في المسافة بين خيال الكاتب واتضاح الرؤيا ؛ تظهر أشياء لم تكن مدركة من قبل , فيشتعل الفكر ويقدح العقل زناده لمعرفة هذه النتوءات الجديدة حيث يقول في ( مسقط في الحارة) " هنا - - ما بين النهاية والبداية مسافة في نقطة ضوء حدث للسقوط – أحد الذين ماتوا منذ القدم كان أنا –بلا مفارنة أقف في موقف ثبات لأعيد الرؤى"الخ.
محمد علي سلامة  
وفي رؤيا أخرى تمرد محمد علي سلامه على شكل الجملة ففتتها إلى أجزاء تتماشى مع تفتته النفسي المستمر , وهذا ما اتضح في ( المقطع رقم 12 ص22) حيث يقول " حائط ثانٍ أناس تجريديون" وفي ( المقطع 13) يقول "لا أحد يصالحه شكله – العالم غير مكتمل – كما أنا ص23" وفي (المقطع 14 ص 23) يقول" كلنا جميعاً – إلا أنا  وحدي – بين صراع قابل للمغادرة – قصة منضبطة تماماً في العقل ", وقد كثرت مثل هذه العبارات الفجائية في هذه المجموعة من "تداعيات في المطلق" منذ البداية بما فيه الكفاية لإحداث الربكة لدي المتلقي لما تتمتع به من تأثير على نفسيته أولاً ثم بسبب هذا النوع من الكتابة ثانية- حيث المقاطع غير المألوفة والرؤيا الأحادية للعالم والتي توحي بأنها رؤية شاملة لكون مفتت ونفس متماسكة متهرئة – الضدان في نفس الآن , فقد استطاع محمد علي سلامه أن يجد له مساحة للاختلاف والدهشة – وليعترض فهو ماض فيما هو فيه حيث إن الأشياء بداخله ليست نفس الأشياء التي يحتضنها الكون حولنا , وأن الخيال الذي يتصوره البعض في القصائد الشعرية ليس نفس الخيال الذي جاء به كاتبنا , حيث إن الكلمة هي نفسها الصورة وتحتل مكان الجملة في مناطق كثيرة ,أو هو اعتاد تفتيتها لإعادة صياغتها من جديد على أطر ونظريات لا توجد إلا في قاموسه الشخصي أو الذاتي ويتضح ذلك في "كامل اختلاط المعالم بالأمر – أنا عند صديقي دائماً – لا أفكر في مثل هذه الأشياء ص25´وكذلك في " عرفتك – هو لا أنت – والعدالة ترسو – الخوف مراراً من الوجود تدافع الرايتين – النهاية بين قدرة وانتهاء ص25"وكذلك في " يا أبي ادفعني بصمت من عذاب مؤجل – متى ؟ - حين ودعت شهية النور ص25" وغيرها الكثير – فكم هو جميل هذا اللون من التجريب الناجح والفلسفة الجديدة في الكتابة الأدبية , فقد خرجت هذه الكلمات عن مواقعها شامخة محلقة بمفردها من جديد هذه المجهولة أو المتعمد تنكيرها كي تزداد قوة واتساعاً في الأفق وفي ميزانها الداخلي , فوقفت حائلاً بين الشك واليقين – حيث يعمد إلى إحلال أو تبديل أماكن الأفعال والمبتدأ والخبر – وتقديم المفعول به على الفاعل – بشكل يحدث الربكة لدي القارئ وخاصة الأكاديمي -, ولكن للإبداع والفنون شئون, وكما قيل الفنون جنون.

ويتجلى قمة هذا الجنون في "بعد عدة شهور – سوف أعرف النتيجة الكاملة  - سوف أؤكد على أهمية أحداثي المرعبة – إنني في النهاية – النهاية كلها – أقصد النهاية – النهاية فقط أيها الحمقى. ص24" كم هو ممتع هذا الإصرار على تلك النهاية الفريدة من نوعها التي تكررت أربعة مرات دون ملل ,وعلى العكس تكاد تشعر بمتعة شديدة لهذا التكرار ,إنها الحالة النفسية والدراما العالية والصياغة المختلفة لحد الجنون – جنون الاستمتاع, فكم كان هذا المقطع معبراً محلقاً ومليئاً بالصور , سريعاً في نقل حالة الكاتب للمتلقي بشكل لا يستطيع أحد أن يصوغه إلا محمد علي سلامة ,وقد كثرت مثل هذه الفقرات في مقاطع عديدة حيث يقول" أبناء قريتنا الأعزاء – الآن سأقولها بصدق – وأترك لكم موروث شاعر قد سجن بفعل آبائكم – إني راحل - - سأحاول دفنكم جميعاً – كي ما أبحث عني ص27"وفي ص29 يقول" ليعلم العالم - - إن كان هناك شخص اسمه أنا؟ ليعلموا جميعاً القصة الكاملة - - أنا بين الارتقاء - - النزول – معاد مرات منذ ما قبل نيتشه حتى الآن والنهايات القادمة " وكذلك في ص30 يقول" قدري صنعته – بين دموع وعذابات – بين اختلاف وعدم اختلاف – بين شجار وهدوء – لكني لا أفهم هذا الأمر مع فهمي الكامل " أي متعة هذه التي يحدثها هذا الكاتب في هذه النثريات التي خرجت عن المألوف من النثر , وصُيغت بلون الكاتب بكل هذا الطنين والأنين – وعشق للكلمة والاختلاف في امتطاء صهوة الخيال المجرد عن المعهود من الصور المركبة التي ترهق ما يكتب إضافة للمضاف والمضاف إليه والأفعال المصطنعة , هذا التجريد الذي وصم هذه الكتابات ؛ أطلقها بمقذوف لم تصنعه الأيدي بعد وسوف يعرف البشر لاحقاً بعد إمعان النظر فيما أبدعه هذا الكاتب محمد علي سلامه ,الذي اختصر المسافات وأوسع الفجوة بين المخلوقات وأرجح العقل لإعادة تكوينه من جديد ويتجلى ذلك في"كتبت الموت على دفاتر منثورة – خرجت = قلت – أنتم – ما أنا سوى مناضل في جماد الواقع – الأرض والمحتل – سيداتي – لا خوف – لا شيء يشبه اندثار أقنعة المساء المترامي ص326" علماً بأنه استخدم كلمة فقط كثيراً جداً وهي من الممجوج في الأدب إلا أنها كانت لازمة لدية " فقط - - الحضور – الواجب – التحدي – التخبط - الثورة العارمة  ص308" وعلى العموم ,فنحن أمام تجربة فريدة من نوعها – أخرجت كتابة النثر من موقعه المعترف به إلى موقع مختلف تماماً يحتاج إلى إعادة بناء واعتراف  جديد- لمولود سليم قوي ينذر بالكثير في المستقبل. 
    
 
سمير محسن ــ شاعر وناقد مصري من مدينة  العريش.

تداعيات في المطلق الصادر عن مؤسسة النرد للثقافة والفنون 2011ـــ 2012

منقول من موقع النرد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق