الأحد، 11 أغسطس 2013

العالم‮ ‬يحتفل بمائة عام علي ميلاده‮ ‬ آلبير قصيري‮ : ‬الرجل الحر في حوار عن المرأة والحب والقاهرة والكتابة.. حوار‮: ‬ميشال ميترانى ‮ ‬ترجمة‮ : ‬أحمد عثمان



في الثانية والتسعين من عمره،‮ ‬التزم بجمل مثل‮ : "‬أحب،‮ ‬بعد أن‮ ‬يقرأني الناس،‮ ‬أن لا‮ ‬يذهبوا إلي أعمالهم في الغد‮". ‬تمتلك كتب آلبير قصيري،‮ ‬الأديب المصري المقيم في باريس منذ‮ ‬1945،‮ ‬في الغرفة‮ ‬58‮ ‬بفندق‮ "‬لا لويزيان‮"‬،‮ ‬جاذبية منفتحة وحكمة معدية،‮ ‬وتحمل نظرة حية ودقيقة عن العالم الذي‮ ‬يجعل القارئ‮ ‬يتساءل عنه‮. ‬هو ذا،‮ ‬من بين حجج عدة،‮ ‬يتبدي لماذا جمعت دار النشر‮ (‬دويل لوزفيلد‮) ‬أعمال هذا الكاتب الحر الكاملة مما جعله حدثا أدبيا كبيرا‮. ‬والمناسبة هي العودة إلي أحد أهم الأدباء الأخاذين في المشهد الأدبي الفرنسي المعاصر‮. ‬

‮   ‬المكتب،‮ ‬لم‮ ‬يعرفه آلبير قصيري أبدا‮. ‬ولد في القاهرة عام‮ ‬1913،‮ ‬لعائلة من ملاك الأراضي الصغار‮. ‬درس في مدارس كاثوليكية وفي سن العاشرة،‮ ‬بدأ الكتابة،‮ ‬قبل أن‮ ‬يتجه إلي الدراسة بالليسيه الفرنسية‮. ‬في السابعة عشرة من عمره،‮ ‬غطس في قراءة بلزاك بشغف كبير،‮ ‬وعندما بلغ‮ ‬مونبارناس كانت لديه الرغبة في اكتشاف هذا الحي الشهير‮.‬
في‮ ‬1941،‮ ‬صدرت بالعربية والفرنسية في آن معا مجموعته القصصية الأولي‮ "‬الناس الذين نساهم الرب‮"‬،‮ ‬ثم قدم هنري ميلر الطبعة الإنجليزية‮ : "‬لم‮ ‬يكتب أي كاتب حي بهذه الحدة والقسوة عن حياة الذين‮ ‬يشكلون القاعدة العريضة من الجماهير‮...".    ‬خلال الحرب،‮ ‬عمل قصيري رئيسا للخدم علي باخرة تعمل بين نيويورك وبور سعيد‮. ‬في الميناء،‮ ‬كتب أولي رواياته‮ : "‬منزل الموت المؤكد‮"‬،‮ ‬قبل أن‮ ‬يستقر نهائيا في فرنسا،‮ ‬في هذه الغرفة الكائنة في شارع السين والتي لم‮ ‬يزل قاطنها حتي اليوم‮. "‬فكر العالم كله‮ ‬يوجد‮ ‬ في هذا الحي‮"‬،‮ ‬هكذا أعرب قصيري عن حنينه‮. ‬هو،‮ ‬من لم‮ ‬يعمل أبدا بالمعني المألوف للكلمة والذي أمضي عشر سنوات لكي‮ ‬يكتب كتابا،‮ ‬عاش الحيل في باريس الأسطورية حيث كان مالكو المعارض الفنية‮ ‬يهدونه أحيانا لوحة فيبيعها لكي‮ ‬يسدد إيجار‮ ‬غرفته‮. ‬في‮ (‬مقهي‮) ‬فلور،‮ ‬عنده حساب مفتوح‮. ‬كان كأصدقائه،‮ ‬آلبير كامو وروجيه نيميه أو لورنس داريل ضمانة مؤكدة كضمانة المصرفي‮. ‬يا للزمن‮ !‬
‮   ‬كما شخصيات رواياته التي‮ ‬ينصهر معها‮  "‬هذه الشخصيات حياتي،‮ ‬ذريعة لحكي ما أفكر فيه عن هذا العالم‮"  ‬لم‮ ‬يرض قصيري بأي عقبة تهدد حريته،‮ ‬مؤكدا نصف جاد‮ "‬أنا حي لأنني لم أتزوج أبدا،‮ ‬وليس لدي أبناء،‮ ‬خادمة،‮ ‬سيارة ولا فاتورة كهرباء‮. ‬يكفيني أن أحيا‮".    ‬شخصيات رواياته،‮ ‬أطفال من قاع المجتمع القاهري أو شحاذون رائعون،‮ ‬بشائر هذه الفلسفة الحاذقة والمعقدة التي لا‮ ‬يكشف صاحبها عنها بسهولة‮. ‬مثله مثل جوهر،‮ ‬المعلم في‮ "‬شحاذون ومتكبرون‮"‬،‮ ‬يشير إلي الفقر‮ "‬إذ أننا نعلم الحياة بدون أن نعيشها هي جريمة الجهل المكروه للغاية‮". ‬يمسك المعلم حساب منزل للدعارة ويكتب خطابات العاهرات قبل أن‮ ‬يقوده مصيره،‮ ‬تحت تأثير الحشيش،‮ ‬إلي الجريمة‮. ‬حتي النظرة اللاذعة‮  ‬أحيانا المنذرة‮  ‬في‮ "‬بيت الموت المؤكد‮"‬،‮ ‬حيث انتهي سكان المنزل‮ ‬غير الصحي إلي الاطمئنان علي أنفسهم بينما هم متأكدون أن منزلهم سينهار‮ .‬
وبمناسبة‮ ‬100‮ ‬عام علي ميلاده الذي‮ ‬يحتفل به العالم ننشر هنا ترجمة للفصل الثالث من كتاب‮ : ‬ميشال ميتراني،‮ ‬حوار مع آلبير‮ ‬قصيري،‮ ‬مطبوعات جويل روزفيلد،‮ ‬باريس‮.‬






‮ ‬آلبير قصيري،‮ ‬كتاب كل عشرة أعوام،‮ ‬ايقاعك لإنضاج الحكاية‮. ‬هل ستعمل علي نشر‮ "‬لصوص صغار ولصوص كبار‮" ‬؟
‮  ‬لم أعرف أبدا متي أنتهي من كتابة أي كتاب‮. ‬يجب أن أقول أنني لست متعجلا بما أنني أكتب نفس الكتاب‮.‬
‮  ‬الم‮ ‬ينتج كبار الأدباء سوي عمل واحدب،‮ ‬كما قال مارسيل بروست ذات مرة‮.‬
‮  ‬بيد أن معظم الكتاب‮ ‬يعرفونها جيدا‮... ‬أقول في كل كتبي ما لدي‮.‬
‮  ‬نعم،‮ ‬يستحق كلامك أن‮ ‬يكون قابلا للتأويل بالنسبة للقراء الذين‮ ‬يحبون كتبك وينتظرون كتابك القادم‮.‬
‮  ‬لديك الحظ أنك تمتلك سبعة كتب لي‮. ‬اذا كنت كتبت ثلاثين،‮ ‬كنت ستكون في حالة مزرية‮...‬
‮  ‬دراسة ضخمة لموريس بلانشو،‮ ‬معنونة‮ "‬الحوار اللا نهائي‮"‬،‮ ‬كما تعرف‮... ‬علي وجه العموم،‮ ‬بما أن هناك فاصلا زمنيا‮ ‬يقارب العشر سنين‮ -  ‬تقترب اللفظة من نهايتها‮  ‬يفصل بين ظهور كتبك‮  ‬كإحصائية‮ -‬،‮ ‬لماذا تظل وقتا طويلا في الكتابة ؟
‮  ‬لأنني أعمل‮... ‬لتفترض خمسة عشر‮ ‬يوما متتابعة،‮ ‬ثم أبقي شهرا بدون كتابة‮. ‬يتأتي أن أبقي ثلاثة أشهر بدون أن أفعل شيئا،‮ ‬قبل أن أعاود الكتابة‮. ‬الكتابة صبر طويل‮.‬
‮  ‬اذأ،‮ ‬لا تكتب منهجيا كل‮ ‬يوم،‮ ‬كما‮ ‬يفعل بعض الكتاب ؟
‮  ‬بالطبع لا‮ !‬
‮  ‬كل نهار في العاشرة صباحا‮...‬
‮  ‬أنهض متأخرا‮. ‬أحتسي قهوة‮. ‬تلزمني ساعتين حتي أبدأ العمل‮.‬
‮  ‬كيف تحافظ حياتك اليومية علي رابطة مع مصر،‮ ‬التي تلقح نتاجك ؟
‮  ‬قلت لك أنني لم أغادر مصر،‮ ‬أي أنني أحيا دوما نفس المناخ‮.‬
‮  ‬تحيا في باريس،‮ ‬ولا تقرأ‮ "‬الأهرام‮" ‬كل صباح،‮ ‬حتي تكون مطلعا علي ما‮ ‬يجري‮.‬
‮  ‬نعم‮... ‬لا أشتري‮ "‬الأهرام‮". ‬في تناقص،‮ ‬أقرأ بالعربية،‮ ‬لأنه علي مدي خمسين عاما في باريس،‮ ‬أصبح الأمر صعبا‮. ‬أنا خجل‮. ‬مع من سأتحدث العربية ؟ حتي عندما‮ ‬يأتي إخوتي الي باريس،‮ ‬نتبادل الأحاديث بالفرنسية‮. ‬أصدقائي المصريون الذين‮ ‬يأتون،‮ ‬يتحدثون الفرنسية‮. ‬آخر الأمر،‮ ‬ينسي المرء لغته علي مدي عدد من السنوات‮.‬
‮ - ‬ومع ذلك،‮ ‬اندهشت،‮ ‬حتي بعد العدوان الفرنسي‮-‬البريطاني الغبي علي السويس،‮ ‬من عدد المصريين الذين استمروا في الكلام بالفرنسية في حياتهم العادية‮. ‬Comment ca va؟‮... ‬كيف الحال ؟ كما‮ ‬يقولون في محادثاتهم الهاتفية،‮ ‬التي‮ ‬يجرونها بالعربية والفرنسية،‮ ‬بلا تمييز‮...‬
‮  ‬نعم‮. ‬من قبل،‮ ‬كان هناك الكثير ممن‮ ‬يتحدثون الفرنسية‮. ‬الآن،‮ ‬لا توجد سوي فتيات العائلات المرموقة لأنهن درسن في مدارس الارساليات،‮ ‬لدي‮ (‬مدراس‮) ‬الأخوات‮... ‬لا أعرف أية مدرسة‮.‬
‮  ‬يجب أن‮ ‬يعمل المصريون،‮ ‬ولذا‮ ‬يتعلمون الانجليزية‮.‬
‮  ‬حتي أسماء الشوارع كانت بالفرنسية‮.‬
‮  ‬الحواسيب آمريكية‮...‬
‮  ‬نعم‮... ‬الحواسيب‮... ‬حتي اليوم،‮ ‬لا أعرف فيم تختص‮. ‬لا تثير اهتمامي‮. ‬سمعتهم‮ ‬يتحدثون عن‮ "‬المينيتل‮" (‬2‮)‬،‮ ‬غير أنني لا أعرفه،‮ ‬ولا أريد أن أعرفه‮. ‬بالنسبة لي،‮ ‬يكفيني قلم رصاص وورقة،‮ ‬وهو كل ما أحتاجه للكتابة‮. ‬غير أنني لا أكتب‮... ‬الا اذا كان عندي شئ جديد لقوله،‮ ‬واذا لم أجده،‮ ‬لا أكتب‮. ‬اذا كان لعدم قول أي شئ‮... ‬ربما بسبب التعب عديم الفائدة،‮ ‬وبالتالي لدي كل الوقت‮ !...‬
‮  ‬شخصياتك عربية وتتحدث بالفرنسية‮.‬
‮  ‬لا،‮ ‬أترجم كلامهم الي الفرنسية‮. ‬لا أستخدم تعبيرا باريسيا خالصا،‮ ‬علي سبيل المثال‮... ‬الكاتب الفرنسي الذي‮ ‬يكتب عن باريس لديه حرية أكبر‮. ‬يقول‮ : ‬عبرت الشخصية شارع سان-جاك ودخلت الي مكتبة‮...‬
‮  ‬لكي تنمي الموقف،‮ ‬هل تفكر بالعربية أم بالفرنسية ؟
‮  ‬لا،‮ ‬أفكر بالعربية،‮ ‬أي أمنح جملتي محيطا،‮ ‬ليس محيطا باريسيا أو،‮ ‬لنقل،‮ ‬غربيا‮. ‬بالنسبة للحوارات أو الأجوبة،‮ ‬أفكر بالعربية‮. ‬غير أن أسلوبي،‮ ‬في نفس الوقت،‮ ‬يأخذ شكلا آخر اذا كتبت حول باريس أو أي شئ آخر‮. ‬لئلا أعطي الانطباع بأن فرنسيا‮ ‬يكتب عن مصر‮...‬
‮  ‬دوما،‮ ‬تكتب،‮ ‬مباشرة،‮ ‬بالفرنسية‮.‬
‮   ‬نعم‮. ‬ولكن هناك دوما،‮ ‬في عقلي،‮ ‬المناخ العربي،‮ ‬طريقة الكلام‮. ‬تعرف حتي ان قال أحد لك‮ "‬صباح الخير‮"‬،‮ ‬تشعر أن شيئا خلفها‮. ‬أنه ليس دائما‮ "‬صباح الخير‮" ‬علي الطريقة الأوروبية،‮ ‬أي الذي لا‮ ‬يعني أي شئ‮. ‬وهذا السلام،‮ ‬يستلزم أن أرده‮.‬
‮  ‬في المعني‮ : ‬هل تعرف مع من تتحدث ؟
‮   ‬في مصر،‮ ‬يتبقي هذا أكثر شعبية،‮ ‬بدون طيف البورجوازي الصغير‮.‬
‮  ‬هل تمثل الكتابة بالفرنسية ضغطا خاصا ؟
‮  ‬بالتأكيد‮. ‬يلزمني أن أجد الأسلوب اللازم‮. ‬غير أنني أجده سريعا‮. ‬مثلما لاحظت،‮ ‬منذ كتبي الأولي‮. ‬لأن هناك شكل الذهن الشرقي،‮ ‬أخيرا‮... ‬المصري بالأخص‮. ‬هناك دوما شئ من الدعابة‮. ‬بخصوص التحية علي وجه الدقة،‮ ‬هناك الصداقة،‮ ‬طريقة للسخرية منه‮. ‬هناك دوما شئ ما‮.‬
‮  ‬هل تستطيع دوما أن تحكي مسعي اعداد الكتاب ؟
‮ ‬في‮ ‬غالب الأحايين،‮ ‬سؤال‮ ‬يطرحه القراء،‮ ‬الذين لا‮ ‬يعرفون الكتابة‮ (‬أو لا تمتلكهم الرغبة‮)‬،‮ ‬وانما‮ ‬يحبون القراءة‮.‬
‮  ‬لكل كاتب طريقته في الكتابة‮.‬
‮  ‬وطريقتك ؟
‮  ‬بعض الكتاب‮ ‬يكتب مباشرة ويقول لكم‮ : ‬أكتب خمس صفحات‮ ‬يوميا،‮ ‬وهذا‮ ‬يتبدي لي‮ ‬غريبا‮. ‬لا‮ ‬يكتب،‮ ‬بالضبط‮ ‬يحرر نصا ما‮. ‬أنا أكتب جملة‮. ‬فقط،‮ ‬أتفحصها عشرين مرة كي أضيف شيئا ما فيها‮.‬
‮  ‬كيف تولد فكرة الكتاب ؟
‮  ‬أنها عملية تحضير طويلة،‮ ‬ولهذا أخذ كثيرا من الوقت لكتابتها‮. ‬بداية،‮ ‬لأنني لست متعجلا‮. ‬ليس لدي أي طموح‮.‬
‮  ‬ألا‮ ‬يتأتي هذا البطء من رفضك للتغيير،‮ ‬للجدول ؟ هل من الممكن أن‮ ‬يتغير كاتب ما حينما‮ ‬يحتوي نتاجه علي نفس الصور-القوي ؟
‮  ‬لست روائيا‮. ‬يكتب الروائي كتابا‮ ‬يدور في باريس،‮ ‬في افريقيا،‮ ‬في أي مكان في العالم،‮ ‬وبأي حكاية‮. ‬قسرا،‮ ‬يغير الجدول،‮ ‬بينما أنا أعمل دائما علي نفس الشئ‮.‬
‮  ‬بطريقة ما،‮ ‬أ لا تغترف،‮ ‬في كل مرة،‮ ‬من مادة محدودة وثابتة ؟ لا أشير فقط الي وفائك الاقصائي لمصر‮.‬
‮  ‬نفس الفكرة موجودة في جميع كتبي،‮ ‬أعمل عليها بصورة مختلفة‮. ‬الكاتب الحقيقي‮ ‬يتصرف بالمادة المحدودة التي تمثل وجهة نظره للعالم‮.‬





‮ ‬من أين تأتي شخصياتك ؟ هل لها بطاقة وصفية مشتركة ؟
‮  ‬إنها شخصيات عرفتها في مصر،‮ ‬تمثل جزءاً‮ ‬من هذا التصور عن العالم‮. ‬أستطيع،‮ ‬بعد خمسين عاما،‮ ‬أن أكتب كتابا،‮ ‬بتفصيلة،‮ ‬بصفة للشخص الذي قابلته في شبابي‮. ‬وبدون أن أدون ملاحظات،‮ ‬لست في حاجة الي ملاحظات‮.‬
‮  ‬ذاكرة الكاتب انتقائية،‮ ‬كما قال جوليان جراك،‮ ‬تتعامل مع المخزون،‮ ‬ولكنها لا تحدد موضوع الكتاب ولا حبكته‮. ‬ما دور الحبكة في رواياتك ؟
‮  ‬الحبكة‮... ‬بالتأكيد،‮ ‬من الواجب أن أجد حبكة فريدة،‮ ‬لأن شخصياتي فريدة،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تحدث معها حكاية تافهة‮... ‬عن سيد متزوج‮ ‬يحب امرأة أخري،‮ ‬وهكذا‮. ‬بالتالي،‮ ‬أبتكر لها حكاية‮. ‬ولكن الشخصيات هي التي تثير اهتمامي علي وجه الخصوص،‮ ‬وما سيقولونه‮. ‬لأنه،‮ ‬بعد كل شئ،‮ ‬يعبرون عن فكري‮. ‬فضلا عن ذلك،‮ ‬لا أعتقد أن القارئ‮ ‬ينشغل بالحبكة،‮ ‬وانما بالشخصيات‮. ‬تعرف أن الناس الذين‮ ‬يأتون لرؤيتي،‮ ‬والشباب بالأخص،‮ ‬لم‮ ‬يقولوا لي أبدا‮ : ‬كتبت رواية جميلة‮. ‬أنهم مفتونون بالشخصيات وبما تعبر عنه‮...‬
‮ -... ‬بأسلوبك الخاص‮. ‬جملك المرصعة بدقة تنتج صورا قوية،‮ ‬عنيفة دوما‮. ‬بطريقة تقنية خالصة،‮ ‬تستعمل دوما الصفات‮. ‬أنت سخي في استعمال الصفات‮.‬
‮  ‬لأنه،‮ ‬أيضا،‮ ‬أسلوب اللغة العربية‮.‬
‮  ‬من الصحيح أن هذه الصفات المباشرة للغاية لا توفر الحالة ولا الشخصيات النضرة‮. ‬هذه الصفات تمحو كل التباس‮.‬
‮  ‬من اللازم أن تحتوي كل جملة علي النقد بينما أقوم بالوصف‮. ‬اذا تكلمت عن مصباح،‮ ‬أقول عمن‮ ‬يملكه‮. ‬أقول‮ : ‬مصباح الحكومة‮...‬
‮  ‬في‮ "‬طموح في الصحراء‮"‬،‮ ‬بينت هيكل الدريك‮ (‬4‮) ‬صدئا بأكمله،‮ ‬أي أن الشركات النفطية أخفقت في عملها‮...‬
‮  ‬يخدم الأطفال الذين‮ ‬يلهون‮. ‬يتسلقونه‮. ‬يجب أن‮ ‬يؤدي الديكور دورا‮. ‬لا أكتب روايات لكي أصف مدينة أو منظرا،‮ ‬هذا لا أهمية له‮.‬
‮  ‬لا تتردد أبدا عن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية،‮ ‬الوغد وغد،‮ ‬وحتي الدنيء‮...‬
‮  ‬نعم‮ ! ‬أحب الأوغاد،‮ ‬أنهم من‮ ‬يمنحون الحياة بعض الملح‮.‬






‮  ‬الأوساخ هم من‮ ‬يقتلون كل فرحة حولهم،‮ ‬كما قلت علي لسان هيكل‮. ‬وبالتالي،‮ ‬من هم الأوساخ،‮ ‬بالنسبة اليك ؟
‮  ‬أنه الفرد الذي‮ ‬يستفيد من هذا المجتمع الذي نحيا فيه‮.‬
‮  ‬محتال‮... ‬هل هذا الاحتيال الذي تعريه منهجيا عاما ؟
‮  ‬الاحتيال‮ ‬يحيا منذ قرون وقرون‮.‬
‮  ‬ما هو شكله الأكثر مقتا ؟
‮  ‬الطغيان‮. ‬غير أن الطغاة،‮ ‬دوما،‮ ‬موجودون‮. ‬يوجدون دوما‮.‬
‮  ‬وبالتالي،‮ ‬بدون أدني شك،‮ ‬من العبث محاربتهم،‮ ‬لا‮ ‬يثيرون الضحك‮ ! ‬اذا كنت فهمت جيدا،‮ ‬هؤلاء الطغاة‮ ‬يجب النظر اليهم علي اعتبار أنهم دمي متحركة،‮ ‬وكل طغيان أداة سخرية‮. ‬يلهو البطل القصيري بها،‮ ‬ويريد أن‮ ‬يخلدهم لكي‮ ‬يسخر منهم‮. ‬للاحتيال مستقبل مشرق‮...‬
‮  ‬أنه دائم بما أن الأثرياء نصوا عليه،‮ ‬وكذا الناس الذين لهم مكانة ما‮.‬
‮  ‬هل من الممكن أن تعرفه ؟
‮  ‬أنه موجود في كل مكان‮ ! ‬فقط،‮ ‬هذا لا‮ ‬يعني ألا نحب الحياة‮. ‬الحياة رائعة‮. ‬من اللازم التوفر علي صفة ما،‮ ‬أن‮ ‬يكون المرء ذكيا لكي‮ ‬يخرج منه،‮ ‬ويلاحظ كل هذا الاحتيال بفرح،‮ ‬أي تناوله بسخرية،‮ ‬دوما‮...‬
‮  ‬متي تحتفي بالحياة،‮ ‬تحدد الأخوية للذوات‮.‬
‮  ‬الأخوة بين الناس الذين‮ ‬يتلاقون،‮ ‬لأنهم من نفس العائلة‮.‬
‮ - ‬غير أن هذه الأخوية لم تعد موجودة‮... ‬مثل قصة حب بين‮ "‬خبراء‮".‬
‮  ‬نعم،‮ ‬إنها ذوات تتلاقي،‮ ‬وليس جميع الذوات‮. ‬لا‮ ‬يعرف الناس سوي الحب بين رجل وامرأة،‮ ‬الذي‮ ‬يعتبر صورة من صور الحب‮. ‬تفكر شخصياتي في نفس الشئ،‮ ‬هم أنفسهم ضاعوا وسط هذا الاحتيال،‮ ‬وبالتالي تعارفوا‮. ‬مثل أناس تائهين في الصحراء،‮ ‬وبالتالي هناك أخوة بينهم‮.‬
‮  ‬بين مدحت وتيمور،‮ ‬هيكل وكريم،‮ ‬سامنتار وشعث‮... ‬بالتأكيد‮.‬
‮  ‬تبادلوا الاختيار‮.‬
‮  ‬إنها هبة الذات أيضا‮.‬
‮  ‬عرفت آلاف الأفراد،‮ ‬ولم أختر سوي أربعة أو خمسة منهم طوال حياتي‮. ‬لقاء أحد أفراد العائلة‮ ‬يماثلك‮ (‬أتكلم عن العائلة الفكرية‮) ‬شئ نادر‮.‬
‮  ‬تفترض هذه الأخوية،‮ ‬هذا‮ "‬الكمال‮"‬،‮ ‬فن العيش المشترك‮.‬

‮   ‬نعم‮...‬
‮  ‬وما هو فن العيش ؟
‮   ‬أن تتخلي عن كل ما علموك اياه،‮ ‬عن كل القيم،‮ ‬عن الدوغمائيات‮. ‬وهذا ما قلته من قبل،‮ ‬أي أن‮ ‬يقوم المرء بثورته‮.‬
‮  ‬هل قمت بثورتك ؟
‮   ‬أوه‮ ! ‬وأنا شاب‮ ! ‬غير أن كان الحظ رفيقي،‮ ‬كان لدي إخوة أكبر مني،‮ ‬من المثقفين،‮ ‬وقرأت،‮ ‬في السن التي‮ ‬يقرأ أطفال اليوم فيها الرسوم المتحركة،‮ ‬كل الكلاسيكيات الفرنسية‮.‬
‮  ‬ما الذي‮ ‬يميز فن العيش لدي الشخصيات التي ابتدعتها ؟
‮ ‬في بادئ الأمر،‮ ‬انعدام الطموح‮. ‬الطموح‮ ‬يقتل الناس‮. ‬وأيضا هذا الاندفاع نحو مجتمع الاستهلاك‮. ‬أنا،‮ ‬حينما أتابع الاعلانات في التلفاز،‮ ‬أقول في نفسي‮ : ‬يستطيعون أن‮ ‬يقوموا بهذا أمامي لسنوات،‮ ‬لن أشتري شيئا مما‮ ‬يعرضونه‮. ‬لم أتمن أبدا سيارة جميلة،‮ ‬لم أتمن شيئا آخر سوي أن أكون نفسي‮. ‬أستطيع أن أمشي في الشوارع ويداي في جيبي،‮ ‬وأشعر بكوني أميرا‮.‬
‮  ‬هذا الأسلوب الحياتي صاغ‮ ‬شخصيات نتاجك‮. ‬يعيشون علي الهامش،‮ ‬ويجابهون بالسخرية الصفة القمعية لمجتمع‮ ‬يعدد نظامه التنافرات،‮ ‬يعقدها طوعا‮  "‬خلله الوظيفي‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يقال اليوم‮  ‬لكي‮ ‬يحتال بصورة فضلي علي الناس‮. ‬شخصياتك تحب الحياة الطبيعية،‮ ‬خارج كل ابتذال‮ ‬يحقق العنف‮. ‬يتصرفون كأمراء علي خشبة الحياة،‮ ‬أيا كانت،‮ ‬وعلي وجه الخصوص حسبما‮ ‬يختارون أن‮ ‬يعيشوها‮.‬
‮  ‬هو ذا،‮ ‬الأرستقراطية الحقيقية،‮ ‬هي تلك المتحررة من هذا العالم الاستهلاكي،‮ ‬من العنف ومن الاحتيال‮.‬
‮  ‬لشخصياتك رقة خاصة ؟
‮  ‬ولكن هذا‮ ‬يمنحنك،‮ ‬طبيعيا،‮ ‬رقة خاصة‮.‬
‮  ‬لا‮ ‬يكرهون‮.‬
‮  ‬لا‮ ‬يكرهون،‮ ‬بما أنهم لا‮ ‬يملكون أي طموح‮. ‬كالعادة،‮ ‬الطموح‮ ‬يكره الطموحين الآخرين مثله،‮ ‬الذين‮ ‬يريدون أن‮ ‬يبلغوا نفس المكانة‮.‬
‮  ‬أنه التحرر من ثروات هذا العالم الذي تمتدحه‮...‬
‮  ‬من الثروات،‮ ‬ولكن ليس من الحياة‮. ‬لا تستطيع امتلاك الثروات أن ترضي انسانا ذكيا،‮ ‬فهم العالم الذي‮ ‬يحياه‮. ‬لأن الذكاء،‮ ‬يعني فهم العالم الذي نحياه‮ ! ‬فهمه كثير من الناس،‮ ‬ولكن من،‮ ‬لئلا‮ ‬يفقد مكانه،‮ ‬أو أمام مديرهم،‮ ‬يستمرون في الكذب،‮ ‬في العيش في هذه الكذبة‮. ‬اذا لم‮ ‬يكن لديك مدير،‮ ‬اذا لم‮ ‬يكن لديك أي دين لأي شخص،‮ ‬لست في حاجة الي العيش في الكذبة‮.‬
‮  ‬لا تعمل شخصياتك،‮ ‬لا تتبع أحدا‮. ‬أنها أحرارمن خلال تحررها من كافة القيود والعمل‮.‬
‮  ‬نعم‮. ‬هو ذا بالضبط‮.‬
‮  ‬بيد أن هذه المسافة،‮ ‬أ لا تفضي الي نوع من الأنانية،‮ ‬الي أريحية تحديدية،‮ ‬الي اختزال الحنو،‮ ‬حتي،‮ ‬أقول‮... ‬أين‮ ‬يتموضع هذا الحنو الانساني في هذا التحرر ؟
‮  ‬ولكن بالضبط،‮ ‬هذا التحرر‮ ‬يمنح الامكانية للمرء بأن‮ ‬يكون سخيا،‮ ‬بما أنه،‮ ‬كما قلت من قبل،‮ ‬لا‮ ‬يوجد سوي الطموحين من‮ ‬يكرهون‮.‬
‮  ‬هل من الممكن أن‮ ‬يكون الحنو انتقائيا ؟
‮  ‬أنه انتقائي لأن المرء لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يحب سوي من‮ ‬يشبهه‮.‬
‮  ‬حينما أقول أنه انتقائي،‮ ‬بمعني أنه خارج العائلة الشرعية‮. ‬ينتخب المرء أصدقاءه،‮ ‬يختار من‮ ‬يحبه‮.‬
‮  ‬شعرت بهذا لما كنت شابا،‮ ‬لأن،‮ ‬كما قلت في سياق حوارنا،‮ ‬والدي لم‮ ‬يعمل أبدا وبالتالي لم أشعر بأي ثقل‮. ‬تعرف،‮ ‬في العائلات التي‮ ‬يستلزم أن‮ ‬يعمل الأب لكسب المال،‮ ‬أن‮ ‬يجلب المال للبيت،‮ ‬وبالتالي،‮ ‬هناك شئ من السلطة‮. ‬لم‮ ‬يكن لأبي أية سلطة علينا‮. ‬لم‮ ‬يقل أبدا‮ : ‬عليك أن تفعل هذا أو ذاك‮. ‬ليس الآباء من‮ ‬يستطيعون تربية الأطفال‮.‬
‮  ‬أ لم تر أبدا الي أن المجتمعات من الممكن أن تتقدم ؟
‮  ‬التقدم الروحي،‮ ‬نعم‮ ! ‬ليس بالمعني الديني‮. ‬الروحي،‮ ‬أي في الروح‮. ‬صعب للغاية،‮ ‬ولذا لم تتقدم الانسانية قيد أنملة منذ آلاف الأعوام‮. ‬نراه اليوم في كل مكان بالعالم‮ : ‬الناس تتكاره،‮ ‬يصنعون الحروب،‮ ‬يتقاتلون‮.‬
‮  ‬ولكن كيف تستطيع المجتمعات أن تصلح من شأنها بدون التقدم التقني،‮ ‬المادي ؟
‮  ‬دوما،‮ ‬في الاحتيال،‮ ‬أي‮ ‬يدفع الفقراء ثمن هذا التقدم‮.‬
وبالتالي،‮ ‬بقدر ما‮ ‬يتبقي من فقراء‮...‬
‮  ‬لا أقول إن العالم لا‮ ‬يجب أن‮ ‬يتطور عبر التقدم‮. ‬لست ضد هذا العالم‮. ‬أتخلص منه بلباقة وذا كل شئ‮. ‬هناك كثيرون مثلي‮.‬
‮  ‬مثل شخصيات كتبك ؟
‮  ‬نعم‮. ‬ومثل كثير من الناس،‮ ‬الشباب بالأخص،‮ ‬الذين قرأوني‮. ‬ولكن العالم‮ ‬يستمر كما‮ ‬يريد‮. ‬لست ضد أي شئ‮. ‬يستمر هؤلاء،‮ ‬ويفعلون ما‮ ‬يحلو لهم‮. ‬غير أن لا رابط بيني وبينهم‮.‬
‮  ‬تتحدث في معظم الأحيان عن الدعابة،‮ ‬عن هذه الدعابة الخالدة التي تهيمن علي وجود الانسان المصري،‮ ‬يتبدي بالمثل أن التهكم والسخرية أمر قصيري خالص‮.‬
‮  ‬لا‮. ‬كذلك الشعب المصري‮. ‬يسخر من نفسه أيضا‮. ‬تعرف،‮ ‬في مصر،‮ ‬كل‮ ‬يوم،‮ ‬هناك حكاية‮ ‬غريبة،‮ ‬لا نعرف من أبدعها،‮ ‬عن الأحوال الراهنة‮. ‬ولا أحد‮ ‬يتضايق‮.‬
‮  ‬ولكن هناك معني للسخرية‮ ‬ينتمي اليك ؟
‮  ‬نما من محيطي‮.‬
‮  ‬وجهة نظرك تنمي هذه السخرية‮...‬
‮  ‬في مصر،‮ ‬أنا،‮ ‬كنت ألهو طوال اليوم برفقة أصدقائي‮. ‬إنها الطريقة الوحيدة لفهم الحياة‮. ‬علي أي حال،‮ ‬بالنسبة لي ولكثير من الناس‮. ‬في مصر،‮ ‬كنت محاطا بكثير من الناس الذين‮ ‬يفكرون مثلي‮. ‬لم أبدع هذه السخرية‮.‬
‮  ‬أخيرا،‮ ‬بالمثل،‮ ‬في نتاجك،‮ ‬هناك تطور‮. ‬رأيناه،‮ ‬يقدم كتاباك الأولان وقائع تشهد علي الشعب المصري ذ‮   .     ‬ي بؤسهم الفظيع‮. ‬في كتبك التالية،‮ ‬تنمي صفات الشخصيات،‮ ‬تتأكد أكثر فأكثر‮. ‬شخصيات رئيسية،‮ ‬تبرز،‮ ‬شيئا بعد شئ،‮ ‬البطل القصيري الذي‮ ‬يتكلم دوما علي لسانك‮. ‬لا‮ ‬يمكن أن نكتفي،‮ ‬حتي وان كان أرستقراطيا‮  ‬بالنسبة لك‮  ‬استحضاره،‮ ‬بأطروحتك عن كون هذه الشخصيات تنتج نماذج مجهزة سلفا،‮ ‬تمت مقابلتها في شبابك‮. ‬السخرية المكشوفة البصيرة لرفيق من ابداعك‮. ‬جوهر،‮ ‬أبدعته‮. ‬هيكل،‮ ‬سامنتار،‮ ‬شخصيتان مبتكرتان،‮ ‬حسبما نماذج بعيدة بدون شك‮. ‬ولكن فيهم،‮ ‬هناك روح المبدع،‮ ‬النظرة،‮ ‬مهارة الكاتب،‮ ‬آلبير قصيري‮.‬
‮  ‬نعم،‮ ‬ولكن‮... ‬بالتأكيد،‮ ‬هناك المهارة،‮ ‬بما أنني الكاتب الذي‮ ‬يكتب‮... ‬الذي‮ ‬يصف هذه الشخصيات‮. ‬هناك الأسلوب،‮ ‬هناك شئ من المغالاة أيضا،‮ ‬لأنني روائي،‮ ‬بقدر ما ان التاريخ لا‮ ‬يثير اهتمامي‮. ‬هذا هو كل شئ‮.‬
‮  ‬أهذا هو كل شئ ؟
‮  ‬ولكنني لا أخرج من عالمي،‮ ‬وهذا العالم،‮ ‬عشته‮. ‬وأصفه،‮ ‬بالتأكيد،‮ ‬بطريقة الروائي‮.‬
‮  ‬تعيد ابداعه‮.‬
‮  ‬في رواية‮ "‬تنابلة الوادي الخصيب‮"‬،‮ ‬كانت عائلتي التي وصفتها،‮ ‬وانما‮ ‬غيرت أحوالها بالطبع‮.‬
‮  ‬اذاً،‮ ‬هل تعيد ابداع هذا العالم ؟
‮  ‬نعم‮.‬
‮  ‬قبلته‮.‬
‮  ‬ولكنني أعيد ابداعه بكل تأكيد،‮ ‬بما أنني كاتب‮ !‬
‮  ‬ألا تمتلك ارادة،‮ ‬دوما عبر الدعابة والسخرية،‮ ‬طرد المثير للشجن،‮ ‬الايمان الزائف،‮ ‬وما شابه‮  ‬آخيرا،‮ ‬المشاعر الصريحة المتعلقة بالقيم الهابطة لمجتمع مؤسس علي النفاق ؟
‮  ‬هذه المشاعر الانسانية،‮ ‬حذار‮ ! ‬مم ولدت ؟ ولدت من دوغمائيات نتعلمها،‮ ‬من قيم نتعلمها منذ قرون،‮ ‬وتجعل الانسان تابعا لهذه الدوغمائيات‮. ‬اذا تخلصت منها،‮ ‬سيعم صفاء استثنائي‮ ‬الحياة‮. ‬اذا،‮ ‬تري أن الأمر بسيط للغاية‮. ‬لست كاتبا معقدا‮. ‬لايمكن أن‮ ‬يقول أحد ما علي هذا‮. ‬ولذا،‮ ‬بسبب هذه البساطة،‮ ‬لا‮ ‬يفكر أحد في أن الأمر عميق،‮ ‬لأن،‮ ‬كما تعرف،‮ ‬بالنسبة للنقد‮... ‬كلما كان الكتاب‮ ‬غير مفهوم،‮ ‬كان عميقا‮.‬




‮  ‬في هذا الفن،‮ ‬فن الحياة،‮ ‬أية مكانة تحتلها المرأة ؟ لم تتحدث عنها أبدا‮.‬
‮  ‬ولكن المرأة تحتل المكان‮... ‬الأكبر والمتميز‮.‬
‮  ‬ولكن ليس في هذه الأخوة،‮ ‬دوما بين الرجال‮.‬
‮  ‬بلي‮. ‬ولكن‮... ‬دوما هن شابات صغيرات السن‮. ‬لا أستطيع أن أقيم علاقة مع امرأة بالغة،‮ ‬أي امرأة،‮ ‬ما تسمي امرأة‮. ‬يلزمني أن أمتلك أفكارا مبطنة عنها‮.‬
‮  ‬للحكم عليها ؟
‮ ‬‮ ‬نعم‮. ‬بينما فتاة صغيرة السن،‮ ‬لا أحكم عليها‮. ‬شرحت هذا من قبل‮.‬
‮  ‬في آخر الأمر،‮ ‬هل تعبر شخصياتك دوما عن أفكارك في كتبك،‮ ‬دائما‮ ‬
‮ ‬نعم،‮ ‬أيضا،‮ ‬إنه الشرق‮.‬
‮  ‬نعم،‮ ‬أفكر في الكاتب المصري،‮ ‬توفيق الحكيم‮ (‬5‮)‬،‮ ‬الذي أطلق عليه‮ "‬عدو المرأة‮"...‬
‮  ‬أطلقوا عليه هذا المسمي لأنه انصرف الي مداعبات بدون سوء نية‮. ‬وأنا أيضا،‮ ‬في كتبي،‮ ‬أسخر نوعا ما من المرأة‮. ‬المرأة،‮ ‬وليس الفتيات صغيرات السن‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬لدي قارئات تقرأني‮...‬
‮  ‬ولكنك تمتلك شيئا كبيرا من التسامح مع الممالقين،‮ ‬أخيرا شخصياتك تحترم الممالقين،‮ ‬العاهرات‮. ‬وهن كثيرات في كتبك‮.‬
‮  ‬غير أنهن جديرات بالاحترام،‮ ‬في كل مكان بالعالم،‮ ‬وليس من قبل شخصيات كتبي فقط‮. ‬هذا‮ ‬يمثل جزءاً‮ ‬من العالم‮.‬
‮  ‬والأطفال ؟
‮   ‬نعم‮... ‬أعشق الأطفال،‮ ‬وكما قال لوي كارول‮ : "‬أحب كل الأطفال،‮ ‬ماعدا الأولاد‮". ‬لأن الأولاد،‮ ‬أراهم أصبحوا رجالا‮. ‬سوف أعترف لك‮ : ‬أحببت أن تكون لي بنات‮. ‬لم أنجب أطفالا،‮ ‬اذ خفت أن‮ ‬يكون لي أولاد‮. ‬اذا كنت أنجبت بنتا،‮ ‬لأحببت أن تظل طفلة‮...‬
‮  ‬أحتفظ بصورة هذا الطفل،‮ ‬العاري دوما،‮ ‬الذي‮ ‬يجوب نتاجك والريف المصري‮. ‬غريزته الحيوية تجعله‮ ‬يري في بعض الأحايين الحقيقة قبل والديه،‮ ‬قبل البالغين ؟ ما الدور الذي‮ ‬يؤديه في نتاجك ؟
‮   ‬يؤدي دورا في المشهد،‮ ‬لأنه موجود في هذا المشهد،‮ ‬ولكن هذا الطفل،‮ ‬ذكي للغاية،‮ ‬لأنه في الشارع،‮ ‬وفي الشارع نتعلم أن نحيا‮.‬
‮ - ‬الطفل ممثل أكثر عما قلته‮ : ‬عنصر بسيط مصور في المشهد‮. ‬أفكر في هذا الطفل الذي‮ ‬يشتري البرسيم بينما لا‮ ‬يمتلك خروفا،‮ ‬في‮ "‬أناس نسيهم الرب‮". ‬وفي طفل آخر،‮ ‬طفل العربجي عبد الله في‮ "‬بيت الموت المؤكد‮"‬،‮ ‬الذي‮ ‬ينتقد أباه بقسوة‮. ‬والطفل الذي‮ ‬يصطاد بالمقلاع في‮ "‬تنابلة الوادي الخصيب‮"...‬
‮   ‬نعم،‮ ‬ولكنهم بالضبط أبناء الشعب،‮ ‬وأنا،‮ ‬عندما أتكلم عن الأولاد،‮ ‬يتعلق الأمر بأولاد البورجوازية‮. ‬هؤلاء أطفال الشعب،‮ ‬لا أراهم قد أصبحوا من الطغاة ومن الوزراء‮...‬
‮  ‬ولا من الظالمين‮...‬
‮   ‬حضرت تصوير فيلم في مصر،‮ ‬مأخوذ عن‮ "‬شحاذون ومتعجرفون‮". ‬كان هناك أطفال صغار‮ ‬يمثلون في الفيلم‮.  ‬وقت الغداء،‮ ‬نسي وجود أحد الأطفال‮. ‬لم‮ ‬يحضروه معهم‮. ‬منحته بعض المال لكي‮ ‬يشتري شيئا‮ ‬يأكله،‮ ‬فلافل أو كما‮ ‬يريد‮. ‬لم‮ ‬يكن عمره‮ ‬يتعدي الخامسة‮. ‬ذهب،‮ ‬ولما عاد أحضر لي قطعة شيكولاته لكي‮ ‬يشكرني لأنني منحته بعض القروش‮. ‬في الخامسة من عمره‮ ! ‬حينما‮ ‬يحيا المرء في الشارع،‮ ‬يتعلم أن‮ ‬يكون كريما‮. ‬الشعب المصري شعب كريم‮. ‬بالبداهة،‮ ‬أتكلم عن الشعب المصري‮.‬
‮  ‬آلبير قصيري،‮ ‬تمدح دوما البطالة والكسل‮. ‬عن شخص كسول،‮ ‬كتبت سبعة كتب،‮ ‬سيناريوهات‮(‬6‮)... ‬هل عملت‮...‬
‮   ‬حسب وجهة نظري،‮ ‬لم‮ ‬يكن هذا من قبيل العمل‮. ‬لم أبحث عن كسب المال،‮ ‬والا كنت عملت شيئا آخر‮ ‬غير الكتابة‮. ‬بالتالي،‮ ‬هذا لا‮ ‬ينتمي الي فكري‮. ‬بعد ذاك،‮ ‬الكلمة‮ "‬كسل‮" ‬ينظر اليها سيئا في الدول الغربية،‮ ‬لأن الكسل،‮ ‬في هذه الدول،‮ ‬يعني الي حد ما الغباء،‮ ‬وليس هذا المقصود تماما‮. ‬بالنسبة لي،‮ ‬الكسل نوع من البطالة‮. ‬لا بد منه للتأمل‮. ‬لهذا نجد،‮ ‬في الشرق،‮ ‬الأنبياء والحكماء‮.‬
‮  ‬ألا‮ ‬يقابل أي نشاط،‮ ‬أيا كان نوعه،‮ ‬الكسل ؟
‮   ‬ليس نشاط الذهن،‮ ‬النشاط اليدوي أو التجاري‮.‬
‮  ‬ماذا‮ ‬يمثل العالم أو الباحث ؟ شخص‮ ‬يعمل ؟
‮   ‬يعمل ما‮ ‬يعجبه‮. ‬هناك اختلاف كبير‮. ‬تعمل في مصنع،‮ ‬ليس لمتعتك‮. ‬أو بالتالي،‮ ‬أنت مخبول بأنه‮ ‬يمثل طريقتك في العيش‮.‬
‮  ‬صفحة بيضاء،‮ ‬من الصعب ملؤها‮...‬
‮   ‬هذا‮ ‬يتعلق بما‮ ‬يقال‮. ‬بالنسبة لبعض الأشخاص،‮ ‬أمر سهل،‮ ‬لأن نفاد البصيرة‮ ‬ينقصهم‮. ‬بالنسبة لهم،‮ ‬كل ما‮ ‬يكتبونه طيب‮.‬
‮  ‬لديك،‮ ‬من الممكن أن‮ ‬يصبح البطل القصيري شحاذا‮. ‬عمل الشحاذ‮ ‬يتبدي كعمل مثل أية أعمال أخري،‮ ‬كما قال جوهر‮.‬
‮   ‬ولكن الشحاذ بطل من هذا العالم
‮> > > ‬
‮ ‬يستطيع المرء أن‮ ‬يكون شحاذا بكل صفاء،‮ ‬بدون أن‮ ‬يفقد احترام ذاته،‮ ‬ومع ذلك تري أنه من الضروري الحفاظ علي احترام ذاته‮...‬
‮   ‬يتعلق الأمر بوجود الشحاذ في بلد حار أو بلد بارد‮. ‬في بلد حار،‮ ‬من الممكن أن‮ ‬يحيا الشحاذ،‮ ‬بل وحتي أن‮ ‬ينام في الشارع‮. ‬ولكن كيف‮ ‬يمكن التخلص من العالم الذي‮ ‬يحيط بنا ؟ من الضروري أن نجد مخرجا‮. ‬حسنا‮... ‬ولهذا،‮ ‬في‮ " ‬شحاذون ومتعجرفون‮"‬،‮ ‬قلت‮ : ‬من الممكن أن‮ ‬يصبح المرء شحاذا ومتعجرفا،‮ ‬وهذا لا علاقة له برؤية الغرب للشحاذين‮. ‬في البلاد الأخري‮... ‬لا توجد دعابة كما في مصر‮. ‬تماما،‮ ‬شأن مصري خاص‮. ‬وهو ما‮ ‬يدعمهم في بؤسهم‮. ‬وهو ليس مثل البؤس الذي‮ ‬يلقاه المرء في أوروبا،‮ ‬حيث المناخ قاس،‮ ‬والناس قساة‮.‬
‮  ‬هل سمعت قارئا قال لك إن أحد كتبك‮ ‬غير حياته ؟
‮   ‬نعم،‮ ‬لدي كثير من النماذج،‮ ‬من الشباب علي وجه الخصوص‮. ‬لأنني بلغت عمرا،‮ ‬لا‮ ‬يغير المرء فيه من حياته،‮ ‬يتحسر علي ما فاته،‮ ‬وما فقده‮. ‬غير أنه بالنسبة للشباب‮. ‬يجب أن أقول لك أن كثيرا من هؤلاء الشباب‮ ‬يرحلون الي مصر لأنهم قرأوا كتبي‮. ‬وبالتأكيد أقاموا هناك‮.‬
‮  ‬هل وجدوا مصر التي وصفتها ؟
‮   ‬نعم،‮ ‬ثم‮ ‬يسليهم هذا الأمر،‮ ‬لأن القاهرة عاصمة حية،‮ ‬استثنائية لدي الشباب‮...‬
‮  ‬من هم الكتاب الذين قرروا موهبتك ؟ هل هناك لحظة ؟ حيث قلت،‮ ‬حسبما نموذجهم‮ : ‬أستطيع أن أكون كاتبا بدوري ؟
‮   ‬ولكن بالتأكيد،‮ ‬بما أنه في سن العاشرة،‮ ‬كنت أعرف بأنني سأكون كاتبا‮.‬
‮  ‬ولكن،‮ ‬من من الكتاب اعتبرته الأهم ؟
‮   ‬دوستويفسكي،‮ ‬نيتشه،‮ ‬ستندال‮. ‬وكشاعر،‮ ‬بودلير‮. ‬وقرأت الألمان أيضا،‮ ‬توماس مان،‮ ‬والأنجليز‮...‬
‮  ‬بودلير الأكثر انسانية من كثير من الشعراء‮. ‬أثر عليك شابا‮.‬
‮   ‬قرأت بودلير في سن العاشرة‮. ‬ورامبو أيضا‮...‬
‮  ‬لا أقاوم ذكر احدي قصائدك،‮ ‬كتبتها خلال المراهقة،‮ ‬في عمر رامبو تحديدا‮.‬
‮   ‬تبرأت من هذه القصائد‮ (‬7‮)...‬
‮  ‬ومع ذلك أحتفظ بهذين البيتين‮ :‬
‮"‬وحيدا كجثة جميلة،
في‮ ‬يومها الأول بالقبر‮"‬
بالتأكيد،‮ ‬كنت ناضجا قبل الأوان‮...‬
‮   ‬صدفة الحياة‮...‬
‮  ‬أنها فرصة اكتشاف،‮ ‬كما تفعلها،‮ ‬النصوص الكبري في طفولتك،‮ ‬واعادة قراءتها علي مدار حياتك‮. ‬هذه الفرصة من الممكن أن تكون دوما محجوزة،‮ ‬حسبما تقول‮ ‬غالبا للشباب‮. ‬الكتب الكبري تعلمنا الروحية الحقيقية،‮ ‬المتحررة من الدوغمائيات‮. ‬من خلال أعمالهم،‮ ‬نصب كبار الكتاب سورا ازاء الغباء‮. ‬هل تستطيع أن تبدي رأيك،‮ ‬في كلمات قليلة،‮ ‬للقراء عن نهاية هذا الحوار ؟
‮   ‬لكي ترجعوا الي الكتب‮... ‬كتاب كبير‮ ‬يمنحكم قدرة استثنائية‮. ‬من الممكن أن تكونوا فقراء،‮ ‬بؤساء،‮ ‬مرضي،‮ ‬يائسين،‮ ‬قراءة عمل بارز‮ ‬ينسيكم كل هذا‮.‬

 



منقول من موقع أخبار الأدب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق