الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

المخ.. كيف يعالج المعلومات ويفسر اللغة؟.. نبيل سليم




 

كيف يتفهم العقل اللغة؟ وكيف يمكن للإنسان تبيُن اللغة؟ وبماذا تميز القواعد النحوية؟! وما مغزى دلالة الكلمات فى عقل الإنسان؟!...  كيف يعالج المخ المعلومات؟! وكيف يبحث عـن الحقيقة؟ وما تفاصيل الحوارات التى تدور به؟ كل هذه التساؤلات كانت مثار بحث لدى الدكتورة إنجيلا فريدرشي، مديرة معهد ماكس بلانك لعلم الأعصاب الفهمي بليبزج.

عكفت د. إنجيلا تبحث طوال حياتها المهنية على إجابة عن تساؤل واحد - على حد تعبيرها - ظل يشغلها، وهو: ما اللغة؟ وكيف تتمثل في مخي إلى حوار جاد أنتهي منه إلى نتيجة سليمة قانعة بها؟! لقد اطلعت على الكثير من الأبحاث والأدبيات التي تناولت هذا الموضوع، غير أنها كانت بمنزلة نوافذ صغيرة، كل منها تطل على رؤية موضوعية تتباين عن الأخرى. وأثناء قيامي بالكشف على المرضى، أجريت بعض التجارب اللغوية على الأطفال، واختبرت البالغين ولاحظت سلوكهم، وجميعها بمنزلة قِطع في أحجية الصورة المقطوعة، التي باندماجها تشكل صورة شاملة عن كيفية إتمام اللغة، ويعتبر مجال بحثها من المجالات الضيقة إلى حد ما، فهي تهتم بصورة حصرية بتفهم اللغة.
تسترسل د. إنجيلا: إذا رغبت في تفهم كيف تُفهم اللغة، فينبغي عليك اتباع أوسع منهاج ممكن لكي تتطرق إلى هذا الموضوع: بماذا تمثل القواعد النحوية؟ وما مدى أهمية الكلمات؟ وما أجزاء المخ التي تدخل في هذه العملية؟! وكيف تتفاعل هذه العناصر بعضها مع بعض؟!
وتقول: يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات فقط من خلال فريق عمل متعدد التخصصات، دون إغفال تعقب سيرة اللغة في المخ، الذي يتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر للتعامل مع الأشخاص محل الاختبار، إضافة إلى المعرفة الفنية وقدر كبير من التخيل!
وتضيف: علينا أن نجعل الأشخاص محل الاختبار يستمعون إلى الجُمل، ونقيس موجات المخ لديهم. ولنأخذ مثلًا جملة نموذجية لكي نبدأ بها: «كان الرجل يجلس في...»، فأي شخص يتوقع قدوم الاسم بعد ذلك، على سبيل المثال «المقعد»، ونقوم ببساطة بترك الاسم وتقديم الفعل بدلًا منه: كان الرجل يجلس في قراءة الجريدة «بهدف الكشف عن مدى اعتراض المخ على تركيب الجملة. وقد أثبت هذا الاختبار نجاحه، حيث تبين أنه بعد 160 ملي/ثانية، وقبل أن يدرك المخ معنى الكلمات، تفاعل مع الخطأ، إذ لوحظ ازدياد نشاط المخ.
وتميز د. إنجيلا بين ثلاث مراحل حاسمة في فهم اللغة، فتقول: في المرحلة الأولى، بعد 160 ملي/ثانية، يحلل المخ التركيب القواعدي للجملة، فالمعلومات النحوية تشكل منظومة متكاملة متكررة ذاتيًّا، والمخ واع حيث يكتب هذه المعرفة داخل الآنية خاصته، كما هي، ودون الضرورة إلى التفكير فيها ثانية؛ وهي تفسر ذلك بالإشارة إلى السرعة المذهلة المرتفعة لرد الفعل.
وتضيف أن القاموس بداخل المخ ليس مستعدًا بنفس هذه السرعة، حيث إنه في المرحلة الثانية، بعدما يتراوح بين 200و600 مللي/ثانية أخرى، يتم تحليل معاني الكلمات. وفي المرحلة الثالثة، بعد حوالي 700 مللي/ثانية، يتم ربط تركيب الجملة مع معاني الكلمات. وفي حالة ما إذا أعطت المنظومة إشارة خطأ ما، تُعاد عملية التحليل من جديد.
لكن، هل هذه المنظومة بالغة التطور تُعد بمنزلة ميزة حصرية للمخ البشرى؟! تعتقد د. إنجيلا أن ما يميز لغة الإنسان هو بناء الجملة والنحو، فلو أن أي جزء من عملية اللغة متأصل في الخلايا العصبية - إذا جاز التعبير - فإنه سيكون من المحتمل حينئذٍ أنه الجزء الذي يدرس بناء الجملة والنحو. وتأكيدًا لذلك، نجد حتى القرود والببغاوات يمكنها تعلّم الكلمات من دون إدراك لبناء الجملة.
وتتساءل د. إنجيلا: هل النحو لدى الإنسان يعتبر فطريًّا، كما يدعي بعض العلماء؟! ... وتؤكد أن النحو بذاته من المحتمل أن يكون كذلك، لكن المؤكد هو القدرة على تعلم مثل هذه القواعد.
وتعاود التساؤل: كيف يتعلم المخ الكلمات والنحو؟! وتخضع تساؤلاتها إلى التجارب، لتقرر أنها لم تتمكن من كشف رد الفعل السريع للمخ بعد 160 مللي/ثانية لدى الأطفال. على سبيل المثال، تصل الإشارات بعد 260 مللي/ثانية، حيث يبدو أنها تشير إلى أننا نتعلم النحو بنفس الطريقة التي نتعلم بها ركوب الدراجة - ففي مرحلة ما، نختلف عن التفكير في تركيب اللغة، حيث نقوم فقط باستخدامها. وتضيف د. إنجيلا مؤكدة أن العمل مع الأطفال يتطلب صبرًا وتخيلًا خاصًا، غير أنه أحيانًا يكون مليئًا بالمفاجآت، إذ نجد في إحدى جمل الاختبار «الأم تخبز الكعكة» أن الطفل يقول عنها  «إنها جملة خاطئة»، ولكن... ما الخطأ فى هذه الجملة؟ فيجيب الطفل بأن الأم لا تخبز الكعكة، بل تشتريها من الدكان أو السوق.
وتؤكد د.إنجيلا حقيقة مهمة، وهي أن الصورة اللغوية بمنزلة مرآة تعكس صورة العالم الخارجي، وأن هذه الحقيقة لا تزال تشغل بال الباحثين في معهد ليبزج، وأنه ليس من المدهش كثيرًا أن تُعتبر اللغة هي الميزة الحاسمة التي تميز بين الإنسان والحيوان، حيث تعطيه إمكانية تبوؤ أعلى مستوى من الوعي والإدراك، بينما يرى العديد من الباحثين أن اللغة والوعي مترابطان كل منهما بالآخر.
وتعاود د. إنجيلا تساؤلاتها: هل اللغة المجردة - فى أي شكل كانت - وما يصاحبها من مفاهيم عن الماضي والحاضر والمستقبل، تعتبر مطلبًا ضروريًّا وأساسيًّا للوعي؟ وهل هي الشرط الأساسى للتمييز بين ما هو حقيقي، وما هو محتمل؟!
مراحل عمل المخ في فهم اللغة
الزمن
المرحلة الأولى
المرحلة الثانية
المرحلة الثالثة
160 مللي / ثانية
من 200-600 مللي/ثانية
بعد 70 مللي/ثانية
عمل المخ
يحلل التركيبات اللغوية والنحوية للكلمات
يكشف المخ معاني الكلمات
يناغم المخ المعنى وتركيب الجملة
ملاحظات
- يبدو هنا مقدمة النصف الأيسر للمخ بصورة خاصة فى حالة نشطة
- استخدام القاموس الداخلي
- عند اكتشاف الخطأ تبدأ عملية تحليل جديدة
وتخلص إلى إجابة عما طرحت، بأن تركيب الجملة هو ما يميز لغة الإنسان عن أنظمة الاتصال الأخرى.

منقول من موقع العربي العلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق