الاثنين، 16 سبتمبر 2013

طبول جنائزية علي أنقاض دورانجو

سيسار باييخو ت‮: ‬أمانى لازار

أيها الغبار الآب الذي يعلو من اسبانيا،

ليحفظك الله،  يحررك ويتوّجك،

يا أيها الغبار الآب المتصاعد من الروح.

أيها الغبار الآب الذي يعلو من الحريق،

ليحفظك الله، يقويك ويمنح عرشاً،

يا غبار الآب الذي في السماوات.

أيها الغبار الآب، سليل الدخان،

ليحفظك الله ويرفعك نحو الأبدية،

غبار الآب، يا سليل الدخان.

أيها الغبار الآب أيا نثار الصالحين،

ليحفظك الله ويعيدك إلي الأرض،

غبار الآب يا نثار الصالحين.

أيها الغبار الآب الذي ينمو نخيلاً،

ليحفظك الله و يسكنك في مأمن،

غبار الآب، يا رهبة الفراغ.

أيها الغبار الآب، مشكلاً من حديد،

ليحفظك الله ويجسدك علي هيئة البشر،

غبار الآب يا من يسير محترقاً.

أيها الغبار الآب، يا خفَّ المنبوذ،

ليحفظك الله ولا يتخلي عنك أبداً،

غبار الآب، يا خفَّ المنبوذ.

أيها الغبار الآب الذي ذرَّته البرابرة،

ليحفظك الله، محاطاً بالآلهة،

غبار الآب صحبتك الذرات.

أيها الغبار الآب، يا كفن الناس،

ليحفظك الله من الشرِّ إلي الأبد،

غبار الآب الإسباني، يا أبانا!

أيها الغبار الآب الذي يمضي نحو المستقبل،

ليحفظك الله، يقودك ويمنحك أجنحة،

يا أيها الغبار الآب الذي يمضي نحو المستقبل.

> دورانجو منطقة في إقليم الباسك دمرتها الغارات الجوية الألمانية المتكررة

قُدَّاس

عند نهاية المعركة،

و المقاتل يفارق الحياة ، تقدم نحوه رجل

وقال: س لا تمت، أحبك كثيراً!س

لكن يا إلهي استمر البدن بالاحتضار.

اقترب منه رجلان وكررا:

س لا تتركنا! كن شجاعاً !عد حياً!س

لكن يا إلهي استمر البدن بالاحتضار.

20،100، 1000، 50.000،أتوا إليه،

يهتفون: س كل هذا الحب وما من قوة تغلب الموت!س

لكن يا إلهي واصل البدن بالاحتضار.

أحاط به ملايين الأشخاص ، بالتماس مشترك: س ابقَ، يا أخي!س

لكن يا إلهي واصل البدن الاحتضار.

من ثم كل سكان الأرض

أحاطوا به، نظر الجثمان نحوهم بحزن، تحركَ:

نهضَ ببطء،

عانق أول رجلٍ، وبدأ يمشية

حذار، اسبانيا، من اسبانياكِ!

حذار من المنجل دون المطرقة!

حذار من المطرقة من دون المنجل!

حذار ممن ارتضي أن يكون الضحية،

ممن ارتضي أن يكون الجلاد

وممن ارتضي أن يكون اللامبالي!

حذار من الذي، قبل صياح الديك

سوف ينكرك ثلاثاً،

ومن الذي أنكرك، بعد ذلك، ثلاثاً!

حذار من الجماجم دون عظمي ساق،

ومن عظمي الساق من دون جماجم

حذار من الحكام الجدد!

حذار ممن يأكل جثثكِ،

حذار ممن يلتهم ميتاً حياتك!

حذار ممن  يخلص لك الولاء!

حذارِ السماء قبل الهواء

وحذار الهواء في إثرها!

حذار ممن يحبونك!

حذار من أبطالك!

حذار من موتاك!

حذار من الجمهورية!

حذار من المستقبل!

خبزنا كفاف يومنا

فطورٌ منقوعة يفوح من

أرض المقبرة الرطبة عطر دم المحبوب.

مدينة الشتاءة وعربة يبدو

أنها بجهد جهيد تجر وراءها

شعور السجين الصائم!

أتمني لو بوسعي قرع الأبواب كلها ،

لأسأل عن شخص ما، ولاحقاً

أنظر إلي الفقراء، و بينما هم يبكون بصمت،

أمنحهم أرغفة من خبز طازج.

وأسلب من كروم الأغنياء

بهاتين اليدين المباركتين

لما بهبَّة واحدة من النور

نزعت المسامير وحلقت بعيداً عن الصليب!

يا أهداب الفجر، لا يمكنك أن تصعدي بنفسك!

أعطنا خبزنا كفاف يومنا

يا ربة!

كل عظم من عظامي هو للآخرين،

وربما سرقتهم!

أتيت لأحصل علي شيء ما لنفسي الذي ربما

كان قصدَ شخص آخر،

وأفكر لو أني لم أولد،

لكان بإمكان رجل فقير آخر ربما أن يحتسي هذه القهوة.

أنا لص قذرة أني توجهت!

وفي هذه الساعة الفاترة، والأرض

لا تبالي بغبارها البشري وهذا محزنٌ جداً،

أتمني لو بوسعي أن أدقَّ الأبواب كلها

وأطلب السماح من شخص ما،

وأصنع أرغفة من خبز طازج لأجله

هنا، في تنّور قلبية!

اسبانيا، أبعدي عني هذي الكأس

يا أطفال العالم،

إذا ما سقطت اسبانيا- أعني، هو خاطرٌ فحسب-

إذا ما سقطت اسبانيا

نازلةً من السماء، أوثقوا ساعدها،

في لجامٍ، بلوحتين أرضيتين،

أيها الأطفال! أي عمر هو عمر الرءوس الفارغة!

كم باكراً في وضح النهار ما كنت أقوله لكم!

كم قريبة في صدوركم الضوضاء العتيقة!

كم  قديمة سنواتكم الاثنتين في مفكراتكم!

يا أطفال العالم،

أمنا اسبانيا وبطنها علي كتفيها،

معلمتنا بعصيِّها،

هي الأم والمعلمة،

الصليب والخشب، لأنها منحتكم الرفعة،

الدوار و التقسيم و الإضافة، يا أطفال،

هي مع نفسها، آباء منصفون!

إذا ما سقطت اسبانيا  أقصد، هو محض خاطر- إذا ما

سقطت اسبانيا، نازلة من الأرض،

يا أطفال، كيف لكم أن تكفوا عن النمو!

كيف للسنة أن تعاقب الشهر!

كيف لن يكون أبداً أكثر من عشرة أسنان لكم،

كيف للإدغام أن يبقي في سكتة، الميدالية في دموع!

كيف سيستمر الحمَل

مقيداً من ساقه إلي محبرة كبيرة!

كيف ستهبطون درجات الأبجدية

نحو الحرف الذي ولد فيه الألم!

يا أيها الأطفال،

يا أبناء المحاربين، في هذه الأثناء،

اخفضوا أصواتكم، لأن اسبانيا في هذه اللحظة توزعُ

طاقتها علي مملكة الحيوان،

الزهور الصغيرة، المذنبات و الرجال.

اخفضوا أصواتكم، لأنها

في عظمة شدَّتِها، لا تعرف

ما هي فاعلة، و في يدها

الجمجمة تتحدث وتتحدث و تتحدث،

الجمجمة، بالضفيرة،

الجمجمة، علي قيد الحياة!

اخفضوا أصواتكم، أقول لكم،

اخفضوا أصواتكم، شدوَ المقاطع، بكاء

الحال و أتفه شائعة عن الأهرامات و حتي

تلك  التي عن المعابد التي تمشي بحجرين!

اقطعوا أنفاسكم، وإذا

ما الساعد انخفض،

إذا ما علا صوت المقارع، إذا ما كان ليل،

إذا ما انقسمت الجنة إلي عالمين

أرضيين للنسيان،

إذا كان من ضوضاء في صرير الأبواب،

إذا ما تأخرتْ،

إذا لم ترَوا أحداً، إذا ما أرعبتكم الأقلام

غير المبريَّة، إذا ما سقطت

أمنا اسبانيا- أقصد، إنه خاطر فحسب -

اخرجوا، يا أطفال العالم، اذهبوا و ابحثوا عنها!

[1]limbo في اللاهوت الكاثوليكي تشير إلي حالات من النسيان، الحبس، الانتقال. وهو المكان الذي تبقي فيه الأوراح سجينة غير قادرة علي دخول الجنة، ومنهم علي سبيل المثال، الأطفال غير المعمدين. ويقع علي حدود الجحيم.

عثرة بين نجمتين

هناك أناس بائسون جداً، حتي أنهم لا يملكون

جسداً، شعرهم قليل،

وعيهم محزن، ضئيل، مغلول،

سلوكهم، نبيل،

لا تبحث عني، السلوان الضاري،
يبدو كما لو أنهم يأتون من الهواء، ليزيدونه تنهدات روحية،
لتسمع
تلمظات مرحة علي سقوف حلوقهم!
يغادرون جلدهم، مخربشين التابوت الحجري الذي
ولدوا فيه
ويتسلقون موتهم ساعة فساعة
ويسقطون، علي امتداد أبجديتهم المتجمدة، نحو الأرض.
الكثير الكثير من الشفقة! القليل القليل من الشفقة! الشفقة لأجلهم!
شفقة في غرفتي، أسمعهم و الكءوس ملأي!
شفقة في زوري، عندما يشترون البذل!
شفقة من أجل بذاءتي الطاهرة، في حثالتهم المجتمعة!
يكون المحبوب آذان سانشيز،
المحبوب هم الناس الذين يجلسون،
المحبوب الرجل المجهول وزوجته،
رفيقي بأكمام، رقبة وعيون!
المحبوب يكون من عنده بق،
من يرتدي حذاء مثقوباً في الجو الماطر،
من يسهر علي القربان المقدس برفقة شمعدانين،
من يعلق إصبعه في باب،
من ليس لديه أعياد ميلاد،
من خسر ظله في حريق،
الحيوان، من يبدو مثل ببغاء،
من يبدو كرجل، الرجل الفقير الغني،
الرجل الشديد البؤس، الرجل الأشد بؤساً!
يكون المحبوب
الجائع أو العطشان، لكن ليس  لديه ما يكفي
من جوع ليروي به كل عطشه،
ولا من عطش يشبع به كل جوعه!
المحبوب يكون من يعمل باليوم، بالشهر، بالساعة،
من يتعرق ألماً أو عاراً،
الشخص الذي يمضي، من تلقاء نفسه، إلي السينما،
من يفي بما ليس يملكه،
من ينام علي ظهره،
المرء الذي لم يعد يتذكر طفولته، يكون  المحبوب
الأصلع بدون قبعه،
نفس الرجل بدون لحية،
اللص بدون أزهار،
من يرتدي  ساعة ورأي الله،
الرجل الذي امتلك شرفاً واحداً ولم يمت!
يكون المحبوب الطفل، الذي يسقط ويستمر بالبكاء
والرجل الذي سقط ولم يعد يبكي!
الكثير الكثير من الشفقة! القليل القليل من الشفقة! الشفقة لأجلهم!
اقتبس عن هذه القصيدة الفيلم السويدي أغاني من الطابق الثاني للمخرج  روي اندرسون.

سيسار باييخو


(16 مارس 1892- 5 ابريل 1938) شاعر وكاتب بيروفي يعتبره النقد أحد أهم أكبر المجددين في الشعر في القرن العشرين. قال عنه توماس مرتون "أنه أكبر شاعر عالمي بعد دانتي". نشر في بيرو دواوينه الأولي "الأبطال السود" و"ترايليس". وهي قصائد ضمت الشكل الحداثي والبحث عن الاختلاف التعبيري، وتميزت في مجملها بإبداع لغة شعرية خاصة جداً. بعدها هاجر إلي أوروبا وأكمل حياته في باريس وعمل في الصحافة والترجمة، ورغم ظهور قصائد له في سنواته الأخيرة إلا أن إنتاجه النثري كان غزيراً، هكذا ظهرت له رواية بروليتارية وكتاب "يوميات روسية".  


منقول من موقع أخبار الأدب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق